الرسالة الأولى إلى تسالونيكي| 02 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الأولى إلى تسالونيكي
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
تذكير الرسول مؤمني تسالونيكي بتصرفه بينهم عند مجيئه إليهم (ع ١ – ١٢) وكان هذا على أثر سجنه في فيلبي (ع ١ و٢) وبيان أن وعظه كان عن خلوص وصدق (ع ٣ و٤). وأنهم لم يطلبوا مجداً من الناس بل طلبوا مجد الله (ع ٥ و٦). وأنهم كانوا مترفقين وودعاء بينهم (ع ٧ و٨). وأنهم كانوا شهود بطهارة سيرته وحسن سلوكه بينهم (ع ١٠ – ١٢). ثم تذكيره إياهم قبولهم إياه عند إتيانه إليهم (ع ١٣ – ٢٠) وتفصيل ذلك أنهم قبلوا كلامه لا بمنزلة كلام الناس بل بمنزلة كلام الله (ع ١٣) وأنهم كانوا عرضة لاضطهاد اليهود كما كانت كنائس اليهودية (ع ١٤ – ٢٦). وأنه قصد أن يزورهم ولكن منعه من ذلك موانع وأنه لم يزل يشتهي أن يزورهم لأنهم مجده وفرحه (ع ١٧ – ٢٠).
تذكير الرسول إياهم بتصرفه عند مجيئه إليهم ع ١ إلى ١٢
١ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً».
ص ١: ٥ و٩
تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ هذا تفصيل قوله «أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ» (ص ١: ٩). وكان ذلك منقولاً عن الغير والذي هنا مبني على ما عهدوه. فسألهم أن يذكروا الماضي ويشهدون للمتجددين بينهم لكي يقوى إيمانهم ولكي يصير الجميع أكثر اجتهاداً وأمانة.
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً أي لم ندخل إليكم بلا اكتراث أو غاية ذات شأن بل لشوق في نفعكم شديد. فلم يشر هنا إلى نتائج ذلك الدخول فإنه أخذ يبينها في (ع ١٣).
٢ «بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلٰهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ».
أعمال ١٦: ٢٢ ص ١: ٥ أعمال ١٧: ٢ فيلبي ١: ٣٠ وكولوسي ٢: ١
بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً في فيلبي كما جاء في (أعمال ١٦: ٢٢ – ٢٤). وكان من شأن ذلك التألم أن يمنعه من المناداة بالإنجيل ثانية.
وَبُغِيَ عَلَيْنَا أي ظُلمنا وأُهنّا لأنهم ضربونا كما يضربون العبيد ونحن رومانيون في الحقوق وسجنونا وقيّدونا بلا محاكمة وهذا مخالف للشريعة الرومانية.
جَاهَرْنَا فِي إِلٰهِنَا أي لم يحملنا الظلم والألم على السكوت بل وثقنا بالله وأيقنا أنه هو أرسلنا واتحد بنا وعمل بنا فتشجعنا حتى تكلمنا بمجاهرة وحرارة.
فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ بسبب مقاومة اليهود الشديدة والذين هيّجهم اليهود علينا (أعمال ص ١٦ و١٧).
٣ «لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَلٍ، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ».
٢كورنثوس ٧: ٢ وع ٥ و٢بطرس ١: ١٦
لأَنَّ اللام هنا للتعليل فإن الرسول قصد أن يبين علة قدرته على الثبات وهي شعوره بخلوص نيته وجودة قصده.
وَعْظَنَا لإثبات عقائد الإنجيل وحمل الناس على التسليم بصحتها وقبول المسيح رباً ومخلصاً لهم.
لَيْسَ عَنْ ضَلاَلٍ أي ليس ناتجاً عن أوهام أو سفسطة بغية أن نخدع السامعين. وهذا مثل قول بطرس «لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ» (٢بطرس ١: ١٦).
وَلاَ عَنْ دَنَسٍ لغايات دنيوية فاسدة كطمع أو شهوة.
بِمَكْرٍ إن كل أعمال بولس وأقواله كانت بإخلاص واستقامة فلم يستعمل الحيلة ليصيد الناس ويجعلهم مسيحيين وذلك لأن الإنجيل لا يحتاج إلى الغش والخداع لإثبات دعاويه فإنه مستند على عمل الروح القدس ويستحيل أن ذلك الروح يواطئ على الكذب ولا يمكن أن يجري الوسائط الرديئة لحسن الغاية.
٤ «بَلْ كَمَا ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى ٱلإِنْجِيلِ هٰكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا».
١كورنثوس ٧: ٢٥ و١تيموثاوس ١: ١١ و١٢ و١كورنثوس ٩: ١٧ وغلاطية ٢: ٧ وتيطس ١: ٣ غلاطية ١: ١٠ أمثال ١٧: ٣ ورومية ٨: ٢٧
ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللّٰهِ هذا مثل قوله «حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْمُبَارَكِ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ. وَأَنَا أَشْكُرُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا ٱلَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ» (١تيموثاوس ١: ١١ و١٢). فكان بولس يعتبر نفسه دائماً وكيل إله الحق والقداسة في المناداة بالإنجيل وذلك منعه من أن يتكلم بشيء خلاف الواقع.
هٰكَذَا نَتَكَلَّمُ أي كما يليق بوكلاء الله الذين استؤمنوا على كلامه وكما يليق بالمناداة بالإنجيل الذي يُعلن للناس طريق الخلاص.
لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ كما يفعل الخادعون ليحصلوا على تلاميذ فلم نختر التعاليم التي تحمل الناس على الرضى عن أنفسهم والاتكال على برهم لنيل السعادة السماوية ونترك التعاليم التي تبكتهم على خطاياهم وتبين لهم افتقارهم إلى التوبة عن الخطية وطهارة الحياة والسيرة وهذا على وفق قوله «أَفَأَسْتَعْطِفُ ٱلآنَ ٱلنَّاسَ أَمِ ٱللّٰهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ ٱلنَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي ٱلنَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١٠ انظر ١كورنثوس ٤: ٣).
يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا من أول يوم ابتدأنا نبشر بالإنجيل إلى ساعة كتابة هذه الآية. واختبار القلوب من الأمور المختصة بالله (إرميا ١١: ٢٠ و١٧: ١٠ ومزمور ١١: ٤ ورومية ٨: ٢٧). فاجتهاد الرسول في أن يرضي الله مبني على تيقنه أنه يختبره دائماً.
٥ فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّقٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللّٰهُ شَاهِدٌ».
أعمال ٢٠: ٢٣ و٢كورنثوس ٢: ١٧ و٧: ٢ و١٢: ١٧ رومية ١: ٩
أثبت الرسول في هذه الآية ما قاله في التي قبلها.
لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّقٍ لم نتملق قط لنخدع الناس ونستميلهم إلى قبول تعليمنا. والمعنى أنه لم يأت التملق يوم كان في تسالونيكي ولا في وقت آخر.
كَمَا تَعْلَمُونَ استشهدهم على قدر ما اختبروه.
وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ أي لم نقصد أن نغنى بأموالكم ونحن نبشركم كما يفعل بعضهم يحثونكم على إنكار الذات وبذل المال لخدمة المسيح والكنيسة لكي يأخذوه لأنفسهم. والأرجح أن بعض اعدائه اتهمه أنه أتى مثل ذلك ولهذا أبى أن يأخذ شيئاً منهم لينفقه على نفسه في الضروريات.
اَللّٰهُ شَاهِدٌ استشهد الله ليثقوا بقوله في ما لم يختبروه.
٦ «وَلاَ طَلَبْنَا مَجْداً مِنَ ٱلنَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ ٱلْمَسِيحِ».
يوحنا ٥: ٤١ و٤٤ و١٢: ٤٣ و١تيموثاوس ٥: ١٧ و١كورنثوس ٩: ٤ و٦ و١٢ و١٨ و٢كورنثوس ١٠: ١ و٢ و١٠ و١١ و١٣: ١٠ و٢تسالونيكي ٣: ٩ وفليمون ٨ و٩ و٢كورنثوس ١١: ٩ و١٢: ١٣ و١٤ و٢تسالونيكي ٣: ٨ و١كورنثوس ٩: ١ و٢ و٥
وَلاَ طَلَبْنَا مَجْداً مِنَ ٱلنَّاسِ تعذر على الدنيويين أن يدركوا الأسباب التي حملت الرسول على المناداة بالديانة المسيحية لكنهم نسبوا إليه غايات من شأنها أن تحملهم هم على العمل وهي حب المال أو حب المجد الشخصي والسلطة والمقام بين الناس فاضطر بولس أن يدفع عن نفسه مثل هذه التهم.
لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ لم يطلب بولس الشهرة بأنه فيلسوف محترم ولا بكونه رسولاً من الله صانعاً معجزات وأنه فاق غيره من الرسل بالأتعاب في سبيل تأسيس الكنيسة المسيحية.
مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ الخ كان يمكنه أن يطلب منهم أن يظهروا له علامات الاعتبار اللائقة برسول المسيح وإقرارهم بأن سلطانه من الله وأن يقدموا له عطايا تدل على توقيرهم إياه واعترافهم بسلطانه. وهذا مثل قوله لأهل كورنثوس «أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ… كَبَاقِي ٱلرُّسُلِ وَإِخْوَةِ ٱلرَّبِّ وَصَفَا؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟ مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْماً وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ» (١كورنثوس ٩: ٥ – ٧).
٧ «بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا».
١كورنثوس ٢: ٣ و٩: ٢٢ و٢كورنثوس ١٣: ٤ و٢تيموثاوس ٢: ٢٤
ما صرّح به الرسول على وجه السلب في الآية السادسة في شأن معاملته إياهم صرّح به على وجه الإيجاب في هذه الآية.
مُتَرَفِّقِينَ أي استعملنا وسائط اللطف والحلم لنأتي بكم إلى الإنجيل محتملين ضعفكم ونقصانكم بطول الأناة.
فِي وَسَطِكُمْ كأني واحد منكم أي أني على غاية القرب منكم.
كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا أي إنه اهتم بهم اهتمام الوالدة بأولادها بحنوها ورقة قلبها وهذا على وفق ما قيل في (إشعياء ٤٩: ١٥ و٦٦: ١٣ وغلاطية ٤: ١٩).
٨ «هٰكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضاً، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا».
تكوين ٤٣: ٣٠ ورمية ١: ١١ و١٥: ٢٩ و٢كورنثوس ١٢: ١٥
هٰكَذَا أي بحنو الأم وحبها وهذا توكيد لقوله في (ع ٧).
إِذْ كُنَّا حَانِّينَ لكون حبنا شديد ورغبتنا في نفعكم وافرة.
نَرْضَى أي نُسر.
أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ فَقَطْ اعتبر بولس الإنجيل أعظم البركات (رومية ١: ١٦) وأنهم في غاية الافتقار إليه فرغبته في خلاصهم حملته أن يأتي إليهم بتلك البركة العظمى وأن يلح عليهم بأن يقبلوه لكنه لم يكتف بإظهار محبته لهم بمنح هذه التقدمة إياهم.
بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضاً كان مستعداً إن اقتضت الحال أن يموت من أجلهم على منهج قول يوحنا الرسول «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (١يوحنا ٣: ١٦) وقال ذلك لكي يؤكد لهم خلوص حبه إياهم وأنه لم يتركهم حين أرسله بل ليمنع وقوع الشغب في المدينة الذي من شأنه أن يجلب الضرر عليهم ويمنع تقدم الإنجيل بينهم.
لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا والدليل على ذلك كونه مستعداً أن يبذل نفسه عنهم على حد قول المسيح «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا ١٥: ١٣).
٩ «فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً وَنَهَاراً كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ».
أعمال ٢٠: ٣٤ و١كورنثوس ٤: ١٢ و٢كورنثوس ١١: ٩ و٢تسالونيكي ٣: ٨ و٢كورنثوس ١٢: ١٣ و١٤
أشار إلى ما فعله من أجلهم دليلاً على عظمة محبته لهم وخلوصها فضلاً عما قاله بياناً لذلك فإنه أنكر نفسه وحمل التعب والمشقات من أجلهم وهم أنفسهم شهود بذلك وقادرون على أن يذكروه إذا أرادوا.
فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ إذا رجعتم.
تَعَبَنَا وَكَدَّنَا أشار بذلك إلى ما قاساه من التعب الشديد بعمل يديه في صنع الخيام. وكانت تلك الخيام مما يستعمله المسافرون والعسكر (أعمال ١٨: ٣) وتُصنع من شعر المعزى. وكان ذلك العمل يقتضي تعباً كثيراً لكي يحصل به العامل على ما يقوم بنفقة نفسه وغيره. ويدل على ذلك قوله «وَلاَ أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ» (٢تسالونيكي ٣: ٨).
إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ لم يقصر شيئاً في ما يجب عليه باعتبار كونه مبشراً ورسولاً مع أنه كان كأحد الصناع. وأتى ذلك لكي لا يعرض نفسه للتهمة أنه كان يبشر للطمع في أسباب المعاش والمال ولكي يرغب السامعين في تعليمه لتحققهم إخلاص نيته في التبشير.
لَيْلاً وَنَهَاراً لعله كان يشغل أكثر النهار بالتعليم والوعظ ويشغل بعض النهار والليل بالعمل في صناعته فحرّم نفسه راحة النوم التي تمتع بها غيره وكان هو شديد الحاجة إليه.
كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ بأخذ أسباب المعاش منه.
١٠ «أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَٱللّٰهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ».
ص ١: ٥ و٢كورنثوس ٧: ٢ و٢تسالونيكي ٣: ٧
استشهد الله واستشهدهم في الآية الخامسة على طهارة سيرته بينهم في أمور خاصة ودعاهم هنا إلى الشهادة بذلك في عموم تصرفه بينهم.
بِطَهَارَةٍ أمام الله الذي هو قدوس ويطلب القداسة من عباده (١بطرس ١: ١٦).
وَبِبِرٍّ أمام الناس بإعطاء كل إنسان حقه.
بِلاَ لَوْمٍ أمام الله والناس. فإنه لم يفعل شيئاً يوجب اللوم عليه. وهو لم يدّع أنه كامل بل أنه بذل كل الجهد في أن يكون أميناً في القيام بكل ما يجب عليه وطلب النعمة من الله ليقدره على ذلك فوجدها.
بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ كان لهم فرصة أن يعرفوا أسلوب حياته وأن يحكموا في أمر أمانته مما ليس للخارجين.
١١ «كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَٱلأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ».
هذه الآية إثبات وإيضاح لما سبق.
كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ أي أنتم تعلمون أننا سلكنا بمقتضى وعظنا خلافاً لمن أشار إليهم المسيح بقوله «يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ ٱلْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ ٱلنَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ» (متّى ٢٣: ٣ و٤). فإن بولس وعظهم بالإيمان بالمسيح وقداسة الحياة وكان سلوكه مطابقاً لكلامه.
كَٱلأَبِ لأَوْلاَدِهِ شبه نفسه قبلاً «بالوالدة المرضعة» (ع ٧) وشبهها هنا «بالأب» الذي يشجع أولاده بأقواله وأعماله.
نُشَجِّعُكُمْ وأنتم عرضة للتجارب والمشاق. فكان ينشطهم لكي لا يخافوا ويرتدوا عن المسيح.
١٢ «وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ».
أفسس ٤: ١ وفيلبي ١: ٢٧ وكولوسي ١: ١٠ وص ٤: ١ و١كورنثوس ١: ٩ وص ٥: ٢٤ و٢تسالونيكي ٢: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٩
وَنُشْهِدُكُمْ هذا أقوى من قوله «نعظ» على قدر ما يكون الكلام في المحكمة الشرعية أقوى من الكلام المعتاد.
لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ سبق مثل هذا في (أفسس ٤: ١ وكولوسي ١: ١٠) فراجع التفسير في الموضعين. لم يكتف بولس أن يحث هؤلاء الناس على الاعتراف بالمسيح والإيمان به وأنهم قبلوا دعوة الله وهم يعيشون كما كانوا يعيشون قبلاً بل رغب في أن يُظهروا جودة إيمانهم بقداسة سيرتهم التي هي مما يتمجد الله به.
ٱلَّذِي دَعَاكُمْ (انظر تفسير ١كورنثوس ١: ٩).
إِلَى مَلَكُوتِهِ لكي تكونوا أتباع ملكوت الرب يسوع المسيح الذي سيعلن كل الإعلان عند مجيئه.
وَمَجْدِهِ أي ليشتركوا في «مجده الذي كان له قبل كون العالم» (يوحنا ١٧: ٥ و٢٤). ومما يدل على ذلك قوله «نفتخر على رجاء مجد الله» (رومية ٥: ٢).
تذكير الرسول التسالونيكيين كيف قبلوا الإنجيل بواسطته ع ١٣ إلى ٢٠
١٣ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ».
ص ١: ٣ رومية ١: ١٦ و١٧ متّى ١٠: ٤٠ وغلاطية ٤: ١٤ و٢بطرس ٣: ٢
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي إما بسبب ما ذُكر من أتعابه في سبيل الإنجيل وتيقنه أن عمله لم يكن باطلاً وإما بسبب ما سيذكر من كونهم قبلوا كلمة الحق.
نَحْنُ أَيْضاً أي أنا تيموثاوس وسيلا والمؤمنون في مكدونية وأخائية.
نَشْكُرُ ٱللّٰهَ على أن الله فتح بنعمته قلوبهم لقبول كلمته.
إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا بخلاف ما فعله أكثر اليهود الذين في تسالونيكي وهم الذين لم يقبلوا الإنجيل وهيجوا عليهم رعاع الأمم.
كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ أبان بولس أنه ورفيقاه لم يكونوا سوى دعاة إلى الإنجيل فإن مصدره الأول هو الله وأنه بهذا يختلف عن كل تعاليم الحكمة الدنيوية أو الفلسفة التي مصدرها عقول الناس.
كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ لم يكتف بإعلان أن التسالونيكيين اعتبروا الإنجيل كلمة الله بل زاد على ذلك التصريح بأنه كذلك حقاً وهذا إثبات للوحي عظيم.
ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أي صارت مؤثرة في قلوبكم بقوة الروح القدس حتى أنها جددت قلوبهم وسيرتهم. وهذا كقول إشعياء النبي «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ ٱلْمَطَرُ وَٱلثَّلْجُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ ٱلأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هٰكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء ٥٥: ١٠ و١١). وقول إرميا «أَلَيْسَتْ هٰكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ ٱلصَّخْرَ» (إرميا ٢٣: ٢٩). وقول الرسول «لأَنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين ٤: ١٢).
أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ كان تأثير الإنجيل فيهم برهاناً على أنه من الله.
١٤ « فَإِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي هِيَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ ٱلآلاَمَ عَيْنَهَا كَمَا هُمْ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَهُودِ».
غلاطية ١: ٢٢ أعمال ١٧: ٥ و١٣ عبرانيين ١٠: ٣٣ و٣٤
في هذه الآية برهان ثان على كون الإنجيل كلمة الله لأنه قدرهم على أن يتمثلوا بكنائس اليهودية في احتمال الاضطهادات من أجله وهذا دليل على أنهم شعب المسيح وهو كقوله «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (يوحنا ١٥: ١٩).
صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ هذا لا يفيد أنهم قصدوا التمثل بتلك الكنائس بل أن شدائدهم كانت مثل شدائدها فإنهم أظهروا كما أظهرت من الشجاعة والصبر والثبات والاتكال على الله. وهذا كقوله لمؤمني فيلبي «إِذْ لَكُمُ ٱلْجِهَادُ عَيْنُهُ ٱلَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَٱلآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ» (فيلبي ١: ٣٠). ومما يؤكد صدق الإنجيل هو أن أثماره واحدة في كل مكان وزمان وأن المقاومة له واحدة واختبار الذين قبلوه كذلك. وبعض ما أصاب كنائس اليهودية من الآلام لأجل الإنجيل ذُكر في (أعمال ١١: ٢٩ و٢٤: ١٧ ورومية ١٥: ٢٦). ويظهر من الكلام هنا أنه بلغ أهل تسالونيكي نبأ تلك الآلام.
لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ أي من أهل مدينتكم تسالونيكي يهوداً وأمماً لأن اليهود هيجوا الأمم عليهم بما أتوه من الدسائس والنمائم (أعمال ١٧: ٥).
كَمَا هُمْ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَهُودِ أي كما جرى على كنائس اليهودية إذ ليس من يقاومهم هنالك سوى اليهود.
١٥ «ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ».
أعمال ٢: ٢٣ و٣: ١٥ و٥: ٣٠ و٧: ٥٢ متّى ٥: ١٢ و٢٣: ٣٤ و٣٧ ولوقا ١٣: ٣٣ و٣٤ وأعمال ٧: ٥٢ أستير ٣: ٨
ذكر ما في هذه الآية ليبين أنه لا عجب من أن اليهود هيجوا عليهم الاضطهاد حين آمنوا لأن ذلك كان من دأب أمة اليهود.
قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ كما أوضح بطرس في سفر الأعمال (أعمال ٢: ٢٣).
وَأَنْبِيَاءَهُمْ كما في (متّى ٢١: ٣٣ – ٤٠ و٢٣: ٢٩ – ٣٧) وكما أوضحه استفانوس بقوله «أَيُّ ٱلأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا ٱلَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ ٱلْبَارِّ» (أعمال ٧: ٥٢).
وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ أي أنا بولس وسيلا في إيقونية (أعمال ١٤: ٥) ودربة ولسترة (أعمال ١٤: ١٩) فإنهم طردونا من بينكم ومن بيرية (أعمال ١٧: ٥ و١٣).
وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ ادعوا حين اضطهدوا الرسل أنهم أتوا ذلك ليرضوا الله لكن شهادة الله للرسل أبانت أنه راض بفعلهم ومغتاظ من مضطهديهم بدليل قوله لشاول المضطهد «شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي» (أعمال ٩: ٤).
وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ اعتبر اليهود أنفسهم شعب الله الخاص. وأنهم ممتازون برضاه عنهم وبكونهم أهل الدين الحق فانفصلوا عن سائر الناس واعتقدوا أنهم نجسون واحتقروهم وأبغضوهم. فزادوا كرهاً وبغضاً للأجانب منذ استولى الرومانيون عليهم. وشهد مؤرخو الرومانيين في عصر بولس مثل تاسيتوس وجوفينال بصحة ذلك.
١٦ «يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلٰكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ».
لوقا ١١: ٥٢ وأعمال ٣: ٥ و١٤: ٥ و١٩ و١٧: ٥ و١٣ و١٨: ١٢ و١٩: ٩ و٢٢: ٢١ و٢٢ تكوين ١٥: ١٦ ومتّى ٢٣: ٣٢ متّى ٢٤: ٦ و١٤
يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلأُمَمَ (أعمال ١٥: ٥ و٢٢: ٢١ و٢٢). علة مقاومة اليهود إياهم أنهم لم يوجبوا على مؤمني الأمم أن يحفظوا ناموس موسى لزعمهم ضرورية ذلك.
لِكَيْ يَخْلُصُوا يلزم من ذلك أن منعهم الرسل من تبشيرهم الأمم منع الأمم من الخلاص لأنهم بالبشرى يقبلون المسيح ويتوبون.
حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ هذا نتيجة ثانية وقعت على غير قصدهم لأنه بمنعهم الذين أرسلهم الله للتبشير قاوموه تعالى وأغاظوه وكان ذلك من وسائط ملهم مكيال خطاياهم إلى الحد الذي عيّنه الله لاحتماله إياهم وامتحانه لهم وبداءة دينونة لهم وسكبه غضبه عليهم من أجل خطاياهم. كان اليهود معاندين دائماً منذ أول أمرهم فأغاظوا الله بأعمالهم ولما زادوا على قتل الأنبياء أنهم قتلوا ابنه ومنعوا رسله من التبشير أغاظوه إلى غاية ما يمكن.
كُلَّ حِينٍ أي أن اليهود شرعوا من أول أمرهم يملأون مكيال خطاياهم وكانوا كذلك في كل قرن واستمروا عليه على توالي الأيام.
وَلٰكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ الذي قضى الله بأن يعلنه حين يمتلئ مكيال خطاياهم. رأى بولس أنه قد ابتدأ حينئذ روح الله يفارق أمة اليهود وأن دينونتهم ابتدأت وهي التي تمت سنة ٧٠ للميلاد أي بعد كتابة هذه الرسالة بنحو ثماني عشرة سنة بهدم الهكيل وخراب مدينتهم أورشليم وقتل رجالهم وسبي أحيائهم وتشتتهم في كل العالم.
إِلَى ٱلنِّهَايَةِ أي نهاية ما قضى الله به عليهم من الدينونة وذلك بأنه لم يترك لهم مملكة ولا مدينة ولا هيكلاً ولا كهنة ولا راحة.
١٧ «وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، فَإِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِٱلْوَجْهِ لاَ بِٱلْقَلْبِ، ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ بِٱشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ».
١كورنثوس ٥: ٣ وكولوسي ٢: ٥ ص ٣: ١٠
أبان هنا الرسول شوقه إليهم والبراهين على ذلك.
وَأَمَّا نَحْنُ بخلاف اليهود المذكورين في (ع ١٥ و١٦).
إِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ شبه حزن قلبه لفراقهم بما ينشأ عند انفصال الأولاد عن والديهم بياناً لفرط حزنه لذلك الفراق وشوقه إلى مشاهدتهم. شبه إحساسه إليهم قبلاً بإحساس الوالدة إلى أولادها (ع ٧) والوالد إلى أولاده (ع ١١).
زَمَانَ سَاعَةٍ أشار بذلك إلى ما حدث حين أرسله الإخوة إلى بيرية خشية من وقوع سجس (أعمال ١٧: ٥ و١٠) وظن بولس حينئذ أن الفراق يكون قصيراً جداً وأنه سيرجع إليهم سريعاً ولكن كانت النتيجة خلاف المنتظر فكان الفراق طويلاً مؤلماً.
بِٱلْوَجْهِ لاَ بِٱلْقَلْبِ أي فارقناكم بالجسد وبقينا عندكم بالأفكار والعواطف.
ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ أي أن ألم الفراق جعل الرسول يختبر شدة محبته لهم إذ حركه على بذلك المجهود في الرجوع إليهم.
١٨ «لِذٰلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ».
رومية ١: ١٣ و١٥: ٢٢
لِذٰلِكَ أي لشدة شوقنا إلى مشاهدتكم.
أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ خص نفسه بالذكر بياناً لأنه قصد هو الإتيان إليهم لكنه لم يستطع لأن ذلك لا يصدق على رفيقيه تيموثاوس وسيلا لأن تيموثاوس بقي في تسالونيكي حين ذهب بولس إلى بيرية (أعمال ١٧: ١٠) ولما ذهب بولس من بيرية إلى أثينا ترك سيلا وتيموثاوس فيها (أعمال ١٧: ١٤).
مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أبان أنه لم يقصد أن يأتي إليهم مرة واحدة فقط بل مرتين وتفصيل ذلك لا نعلمه من سفر الأعمال ولا من هذه الرسالة.
عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ المرجح أن الذين عاقوه ظاهراً الناس الأشرار ولكنه تحقق أن الشيطان حملهم على ذلك. وأُشير إلى فعله في (١كورنثوس ٧: ٥ و١تيموثاوس ٣: ٧ ورؤيا ١٢: ٩ و١٠).
١٩ «لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟».
٢كورنثوس ١: ١٤ وفيلبي ٢: ١٦ و٤: ١ أمثال ١٦: ٣١ و١كورنثوس ١٥: ٢٣ وص ٣: ١٣ ورؤيا ١: ٧ و٢٢: ١٢ و٢٠
الاستفهام هنا للتقرير ولبيان عظمة اعتباره لهم وشدة رغبته في مشاهدتهم.
مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا أي موضوع رجائنا. والمعنى أن كل أنواع السرور الذي يتوقعه عند مجيء المسيح من أعظمها الاجتماع بهم وفي ذلك مدح عظيم لهم وبرهان قوي على حبه إياهم.
وَفَرَحُنَا إن حضورهم معه في السماء من أعظم أفراحه هنالك لكونهم أعزاء عليه ولأنهم خلصوا بتبشيره.
وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا كان المنتصرون في الألعاب اليونانية يُكللون بأكاليل ظاهرة ويكرمهم كل المشاهدين لهم أما بولس فلم يبتغ مجازاة على كل أتعابه وآلامه في المناداة بالإنجيل سوى أن يجد في السماء رفقاء مجده الذين أرشدهم من الظلمة الوثنية إلى نور الإنجيل لأن هذا دليل قاطع على أنه لم يتعب باطلاً. وقوله هنا موافق لقوله في (١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢كورنثوس ١: ١٤ وفيلبي ٢: ١٦).
أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أي أن رجاءنا وفرحنا أنتم وسائر المؤمنين الذين مثلكم في أنهم أتوا إلى المسيح بواسطتي (فيلبي ٤: ١).
أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ لأنه يوم يجيء المسيح يتحقق من هم المسيحيون الحقيقيون ويعترف بهم المسيح ويفرح كل المفتدين معاً. وفي هذا برهان على أن المؤمنين الذين عرف بعضهم بعضاً على الأرض سيعرف بعضهم بعضاً في السماء وإنهم يجتمعون هنالك وأن ذلك الاجتماع يكون من أعظم أسباب سعادتهم.
٢٠ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا».
خلاصة هذه الآية إثبات كون مؤمني تسالونيكي مجد الرسول وفرحه في يوم مجيء المسيح العظيم لأنهم كذلك دائماً وهم على الأرض.
مَجْدُنَا كخزائن الذهب والجواهر للملوك. والأولاد الصالحين للوالدين (أمثال ١٧: ٦) والمرأة الفاضلة لرجلها (١كورنثوس ١١: ٧) وأمناء المؤمنين للمسيح (٢كورنثوس ٨: ٢٣).
وَفَرَحُنَا لأنهم للمسيح وقد خلصوا به.
السابق |
التالي |