تسالونيكي الأولى

الرسالة الأولى إلى تسالونيكي| 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الأولى إلى تسالونيكي

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

في هذا الأصحاح سلام لكنيسة تسالونيكي (ع ١) وشكر الرسول (ع ٢ – ٥). وبيان أنه كيف دخل الإنجيل إليهم ومدحه إيمانهم وسلوكهم (ع ٦ – ١٠).

سلام ع ١

١ «بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

٢كورنثوس ١: ١٩ و٢تسالونيكي ١: ١ و١بطرس ٥: ١٢ أفسس ١: ٢

بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ لم ينعت نفسه بالرسول كما في بعض رسائله لأنه لم يكن أحد في تسالونيكي ينكر أنه رسول بل كانوا جميعاً يعتقدون صحة رسوليته ويحبونه ويكرمونه. وذكر سلوانس وتيموثاوس معه في السلام لأنهما ساعداه على تأسيس كنيسة تسالونيكي (أعمال ١٦: ١ – ٣ و١٧: ١ و١٤).

أما سلوانس فهو سيلا على ما في أعمال الرسل وإنما سُمي سلوانس في رسائل بولس وهو من متنصري اليهود وعضو كنيسة أورشليم قيل أنه من المتقدمين في الإخوة هناك (أعمال ١٥: ٢٢). وأنه كان نبياً (أعمال ١٥: ٣٢). والظاهر أنه كان له حقوق رجل روماني (أعمال ١٦: ٣٧). عيّنه المجمع الأورشليمي رفيقاً لبرنابا وبولس عند رجوعهما إلى أنطاكية حاملين حكم المجمع إلى الكنائس (أعمال ١٥: ٢٢ و٣: ٢٣). ذهب من أنطاكية إلى أورشليم (أعمال ١٥: ٣٣) لكنه رجع إليها سريعاً ورافق بولس في سفره الثاني للتبشير (أعمال ١٥: ٤٠ و١٦: ١٩ و١٧: ٤). ولما ذهب بولس من بيرية تركه فيها مع تيموثاوس ولا نعلم ما فعل بعد ذلك حتى التقى ببولس في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥ و٢كورنثوس ١: ١٩ وع ١). والمرجح أنه رجع إلى أورشليم مع بولس ولم يُذكر بعد ذلك أنه رافق بولس. ولعله هو سلوانس نفسه الذي ذكره بطرس في رسالته الأولى إلى كنائس أسيا الصغرى (١بطرس ٧: ١٢) لكن ذلك غير محقق.

وأما تيموثاوس فانظر الكلام عليه في (أعمال ١٦: ١). وذُكر هنا بعد سلوانس لكونه أصغر منه سناً وخدمةً في الكنيسة. ومشاركتهما للرسول في هذه الرسالة مقصورة على ما في المقدمة.

كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ (انظر المقدمة صفحة ١١٥).

فِي ٱللّٰهِ إن بقية أهل تسالونيكي كانوا «في العالم» و «في الظلمة» و «في خطاياهم» لكن مؤمنيهم كانوا «في الله» لاتحادهم بالمسيح ولإيمانهم به.

نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ الخ هذا مثل ما في مقدمات أكثر رسائله فارجع إلى تفسيره فيها.

شكر ع ٢ إلى ٥

٢ «نَشْكُرُ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا».

رومية ١: ٨ وأفسس ١: ١٦ وفليمون ٤

إن محبة بولس لكنيسة تسالونيكي ورغبته في تقدمها جعلتاه يسر ويشكر الله عند بلوغه أنباؤها بواسطة تيموثاوس وأنها ثابتة في الإيمان ونامية في التقوى. والأرجح أنه شارك الرسول في هذا الفكر سلوانس وتيموثاوس.

مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ أفراداً وإجمالاً.

ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا أي كلما صلينا لله من أجلكم شكرناه على ما وهبه لكم من النعمة.

٣ «مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، أَمَامَ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا».

ص ٢: ١٣ ويوحنا ٦: ٢٩ وغلاطية ٥: ٦ وص ٣: ٦ و٢تسالونيكي ١: ٣ ويعقوب ٢: ١٧ رومية ١٦: ٦ وعبرانيين ٦: ١٠

مُتَذَكِّرِينَ بلا انقطاع أو كلما صلينا وشكرنا.

عَمَلَ إِيمَانِكُمْ الخ ذكر الرسول في هذه الرسالة التي هي أول رسائله الفضائل الثلاث العظيمة وهي «الإيمان والمحبة والرجاء» التي اعتبرها المبادئ الجوهرية الأساسية الدائمة للحياة المسيحية بدليل قوله «أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ، هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةُ» (١كورنثوس ١٣: ١٣). ولم يشر الرسول هنا إلى عمل خاص عملوه بل إلى ما أظهره من الاجتهاد الديني في سلوكهم كل يوم. وهذا العمل ثمرة إيمانهم وبرهانه.

ومراده «بتعب محبتهم» ما أظهروه من المحبة للمسيح باحتمالهم الاضطهاد والشدائد من أجله ومن ذلك ما احتمله ياسون وهو واحد منهم (أعمال ١٧: ٦). وما احتمله بعضهم من أجل بعض في وقت المرض والفقر والاضطهاد. فمن خواص المحبة أن صاحبها لا يستثقل الخدمة مهما كانت ثقيلة.

ومراده «بصبر رجائهم» ما أظهروه من الأمل لأنهم بقوا مسرورين وهم يحملون صلبان الاضطهاد وكان ذلك منهم لأنهم كانوا يتوقعون المجد المزمع أن يُعلن بعد المشقات (رومية ٨: ١٨ و٢كورنثوس ٤: ١٧ وعبرانيين ١١: ٢٦ و١٢: ٢). وكان أعظم موضوع رجائهم المسيح نفسه وذلك على وفق قوله «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيطس ٢: ١٣). وقوله «ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي ١: ٢٧). فإنهم اتكلوا عليه وانتظروا مجيئه ثانية (ع ١٠) واستعلان ملكوته الذي يحقق التمتع بالمجد الذي كانوا يرجونه ولم ينظروه.

أَمَامَ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا أي أمام الله الذي هو أبونا. وقال ذلك تشجيعاً لهم فإن الناس لا يدركون عمل إيمانهم وتعب محبتهم وصبر رجائهم لكن ذلك ظاهر لله وسيجازي عليه. ورأى بعض المفسرين أن هذه العبارة متعلقة بقوله «متذكرين» في أول الآية فكأنه قال إننا نذكركم في الصلاة.

٤ «عَالِمِينَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱللّٰهِ ٱخْتِيَارَكُمْ».

كولوسي ٣: ١٢ و٢تسالونيكي ٢: ١٣

عَالِمِينَ أنتم ونحن. والمعلوم الاختيار. ووسائط هذا العلم في الآيتين الخامسة والسادسة.

ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱللّٰهِ منذ الأزل كما يدل عليه الاختيار ومواهب النعمة التي حصلوا عليها في الحال.

ٱخْتِيَارَكُمْ للحياة الأبدية بالإيمان بالرب يسوع المسيح (أفسس ١: ٤ و٥ و١١).

٥ «أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِٱلْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِٱلْقُوَّةِ أَيْضاً، وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ».

مرقس ١٦: ٢٠ و١كورنثوس ٢: ٤ و٤: ٢٠ و٢كورنثوس ٦: ٦ كولوسي ٢: ٢ وعبرانيين ٢: ٣ ص ٢: ١ و٥ و١٠ و١١ و٢تسالونيكي ٣: ٧

أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِٱلْكَلاَمِ فَقَطْ أي لم يبلغكم بمجرد الكلام الفصيح لأنه أتاكم من الله بيدي وأيدي رفيقي. إن الروح القدس نهاه أن يبشر في أسيا وبثينية (أعمال ١٦: ٧) ودعاه في الرؤيا إلى أن يذهب إلى مكدونية فذهب بالإنجيل إلى تسالونيكي إجابة للدعوة السماوية. وكان ذلك واسطة إلى نيلهم البركات المذكورة في الآية الثالثة وأحد الأدلة على كونهم مختارين.

بِٱلْقُوَّةِ هذا دليل ثان على كونهم مختارين وليس في ذلك إشارة إلى المعجزات التي صنعها بولس بينهم بل إلى كون وعظه قد أثر في قلوبهم حتى أصغو إليه بفرح واقتنعوا بالحق الذي أعلنه لهم وقبلوه بالإيمان والتوبة.

وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مصدر تلك القوة فإنه هو الذي قدر بولس على التبشير (أعمال ١: ٨ و٤: ٣٣ و٦: ٥ و٨ و١كورنثوس ٢: ٤). فإنه حيث الروح القوة وحيث لا روح كلام فقط.

بِيَقِينٍ شَدِيدٍ أي «لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ ٱلْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ» (كولوسي ٢: ٢). فالذي قوّى بولس على التبشير فتح قلوبهم بكل ثقة. رأى بعضهم أن اليقين المذكور هو يقين الرسول في تبشيره.

كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ هذا متلعق «بعالمين» (ع ٤) فإن بولس كما عرف اختيارهم بأدلة واضحة علموا هم أمانته في التبشير باجتهاده في أن يجعل كلامه مقبولاً بواسطة سيرته لأنه أتى بما أمر غيره به بقوله «اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ» (كولوسي ٤: ٥).

مِنْ أَجْلِكُمْ أي لتخلصوا. لم يطلب بولس في شيء من أعماله شيئاً من المجد أو المنفعة لنفسه لكنه عمل بيديه لكي يعظ مجاناً. وقرن وعظه بسيرة مقدسة لكي يكون بلا عثرة في سبيل الإنجيل (ص ٢: ٨ – ١٠).

لا سبيل للمبشر إلى إثبات الحق الذي بشر به أحسن من السيرة الطاهرة وهي الواسطة التي يعتمدها اليوم المرسلون الذين يذهبون إلى الوثنيين ليردوهم من عبادة الأوثان إلى عبادة الإله الحق والإيمان بالمسيح لأنهم لا يقدرون أن يصنعوا معجزات كما صنع الرسل في تبشيرهم.

بيان دخول الإنجيل بينهم ومدحه إيمانهم وسلوكهم ع ٦ إلى ١٠

٦ «وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ ٱلْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

١كورنثوس ٤: ١٦ و١١: ١ وفيلبي ٣: ١٧ وص ٢: ١٤ و٢تسالونيكي ٣: ٩ أعمال ٥: ٤١ وعبرانيين ١٠: ٣٤

صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا انظر تفسير (١كورنثوس ١١: ١). إن أهل تسالونيكي شاهدوا سيرة بولس وسيلا وتيموثاوس واتخذوها برهاناً على صدق الإنجيل الذي بشروا به فاجتهدوا أن يسيروا سيرتهم فبرهنوا بذلك قوة الكلمة على تغيير القلوب.

وَبِالرَّبِّ الرب هو المثال الأول الذي يجب الاقتداء به لكن الرسل بتمثلهم بالرب صاروا مثالاً لغيرهم. ويظهر من الكلام هنا أن سيرة المسيح المقدسة التي بلا عيب ولا دنس كانت من أهم مواضيع وعظ الرسل ووسيلة إلى تنوير السامعين وتقديسهم.

إِذْ قَبِلْتُمُ ٱلْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ من مقاومة الأعداء (أعمال ١٧: ٥ – ٨). إنهم آمنوا بالإنجيل في أيام اشتد فيها الاضطهاد وبذلك كانوا متمثلين بالمسيح بحملهم صليب إنكار النفس والألم (عبرانيين ١٢: ١ – ٤) وبالذين أتوا بالإنجيل إليهم.

بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي الفرح الذي أنشأه الروح القدس بشعورهم بأن خطاياهم غُفرت وأنهم صالحوا الله وصار لهم رجاء وطيد في نيل السماء وكان ذلك الفرح عظيماً إلى حد أنه غلب الحزن الذي أثاره أعداء الإنجيل.

٧ «حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ».

حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً في رغبتكم في قبول الحق وشدة تمسككم به في أثناء التجارب والغيرة في نشر الحق لغيركم فكنتم كالخميرة الصغيرة التي ذُكرت في مثل المسيح (متّى ١٣: ٣٣).

فِي مَكِدُونِيَّةَ البلاد المجاورة التي تسالونيكي قصبتها. وللكنيسة المسيحية الأمينة في مدينة كتسالونيكي وسائط لنشر البشرى السماوية ليست لغيرها فإنه كثيرون يقصدونها ليقتنوا الكنز الأرضي فيجدون الكنز المخفى السماوي.

وَفِي أَخَائِيَةَ هو القسم الثاني من بلاد اليونان جنوبي مكدونية قصبته كورنثوس وهذان القسمان كانا غالباً يعمان كل بلاد اليونان وكانت تسالونيكي فرضة فكان يجتمع فيها كثيرون من التجار والملاحين فكان لهم فرصة عظيمة في مجيئه وذهابهم ليسمعوا الإنجيل ويحملوه.

كانت غيرة مؤمني تسالونيكي الدينية عظيمة جداً حتى أثرت في الذين في بلادهم وفي غيرها ويظهر من ذلك أنه مرّ عليهم زمن ليس بقليل منذ زرع بولس الإنجيل في تلك المدينة الوثنية وأن الروح القدس عمل بقوة في قلوبهم كما عمل في قلوب اليهود في أورشليم يوم الخمسين (أعمال ص ٢).

٨ «لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِٱللّٰهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً».

رومية ١٠: ١٨ ورمية ١: ٨ و٢تسالونيكي ١: ٤

لأَنَّهُ ما في هذه الآية ثابت لما في الآية السابعة مع زيادة عليها.

مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ أي أن كنيستكم كانت المركز الذي منه انتشر النور في كل تلك الكورة وما جاورها.

فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً أي حيث كان يذهب الناس من مدينة تسالونيكي براً وبحراً كانوا يحملون نبأ الانتباه الديني العظيم الذي نشأ في تلك المدينة. وصل إلى كورنثوس من رومية في مثل زمن كتابة هذه الرسالة إكيلا وبريسكلا ولعلهما أخبرا بولس أنه بلغ رومية أنباء إيمان مؤمني تسالونيكي.

قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِٱللّٰهِ أي انتشر النبأ بشدة إيمانهم بالله. قال هذا مقابلة للأوثان المذكورة في الآية التالية.

حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً أي لم يبق من حاجة لبولس ورفقائه أن يخبروا بنجاحهم في المناداة بالإنجيل لأنها عُرفت للجميع بواسطة غيرة مؤمني تسالونيكي.

٩ «لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ».

ص ٢: ١ و١كورنثوس ١٢: ٢ وغلاطية ٤: ٨

لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ أي الناس عامة من كل من سمع أنباء مجيء بولس إلى تسالونيكي.

أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ أي الحوادث المقترنة بمجيئنا إلى تسالونيكي وحقيقة تعليمنا وجسارتنا في الكلام وطهارة سيرتنا وعظمة قوة الروح القدس التي صحبتنا. وذلك كله ذكره الرسول بالتفصيل في (ص ٢: ١ – ١٢) وأبان مسرتهم بقبول الإنجيل وتأثيره فيهم من تجديد وتقديس في أثناء الشدائد في (ص ٢: ١٣ – ٢٠ وص ٣: ١ – ١٣). وذُكر ذلك التأثير بالاختصار في باقي هذه الآية.

وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ الخ أي أنه كما شاع نبأ إتيان بولس بالبشرى إلى تسالونيكي شاع خبر نتائج ذلك الإتيان وهو أن بعض اليهود آمن ولكن أكثر الذين آمنوا كان من الوثنيين. فإن بولس اجتهد أولاً في أن يحملهم على ترك عبادة الأوثان البكم واتباع عبادة الإله الحي. ولو اقتصر على حملهم على ترك عبادة الأوثان لم يفدهم شيئاً فلزم أن يرشدهم إلى عبادته تعالى من كل قلوبهم.

١٠ «وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي».

رومية ٢: ٧ وفيلبي ٣: ٢٠ وتيطس ٢: ١٣ و٢بطرس ٣: ١٢ ورؤيا ١: ٧ أعمال ١: ١١ وص ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ٧ أعمال ٢: ٢٤ متّى ٣: ٧ ورومية ٥: ٩ وص ٥: ٩

وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كان موضوع بولس الثاني المناداة بالمسيح على أسلوب يحملهم على أن يتوقعوا رجوعه أي مجيئه ثانية. وهذا موافق لكل تعليم الإنجيل (لوقا ١٢: ٣٦ وتيطس ٢: ١٣ وفيلبي ٣: ٢٠ وعبرانيين ١٢: ٢٨) وبشرهم بمجيء المسيح ثانية تعزية لهم في ضيقاتهم (ص ٤: ١٣ – ١٨) وحملاً لهم على الاجتهاد والانتباه (ص ٥: ١ – ١١) وعلينا أن نذكر أن بولس لم يقل «تنتظروا الخلاص» بل «تنتظروا ابنه» لأن مجيء المسيح ثانية يؤكد لتابعيه كل البركات.

ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ بشّرهم الرسول بقيامة المسيح من الأموات إثباتاً لكونه ابن الله (رومية ١: ٤) وبياناً لعلة انتظار مجيئه من السماء. وبهذا بشر بطرس في أورشليم (أعمال ٢: ٢٤ – ٣٢) وبه بشر بولس أهل كورنثوس (١كورنثوس ٥: ٤ – ٩) وتعليلاً لانتظارهم قيامة أجسادهم.

يَسُوعَ هو الاسم الذي عُرف به المسيح على الأرض باعتبار أنه ابن الإنسان واسمه المجيد ابن الله المنقذ.

ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي هذا موضوع آخر من المواضيع المهمة التي نادى بولس بها وشاع خبر تبشيره «في كل مكان». والمراد «بالغضب الآتي» دينونة الله العادلة لكل فعلة الإثم (متّى ٣: ٧ و٢تسالونيكي ١: ٧ – ١٠). إن يوم مجيء الرب لإثابة الأبرار هو نفسه يوم مجيئه لدينونة الأشرار فكان يوم الغضب لكل إنسان لو لم يكن موت المسيح على الصليب كفارة لخطايا الناس قد جعل من الحق والعدل أن يُنقذ المؤمنون به من العقاب على خطاياهم إنقاذاً تاماً أبدياً (يوحنا ٣: ١٨ و٥: ٢٤).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى