سفر صموئيل الأول | 27 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
١ «وَقَالَ دَاوُدُ فِي قَلْبِهِ: إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْماً بِيَدِ شَاوُلَ، فَلاَ شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ فَيَيْأَسُ شَاوُلُ مِنِّي فَلاَ يُفَتِّشُ عَلَيَّ بَعْدُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَأَنْجُو مِنْ يَدِهِ».
ص ٢٦: ١٩
سَأَهْلِكُ يَوْماً لم يتكل على قول شاول أنه لا يُسيء إليه بعد (٢٦: ٢١) وصار عنده جماعة من الرجال ومن النساء والأولاد فلم يقدر أن يهرب من مكان إلى مكان ويختبئ في المغاور والبراري كالسابق. ورأى أن الشعب كالزيفيين وأهل قعيلة لا يقدرون أن يحاموا عنه.
إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ لا نعلم من الكتاب أنه استشار الرب وسنرى أنه بعدما أفلت إلى أرض الفلسطينيين وقع في تجارب كثيرة ولا سيما الكذب. وذكر في (٢صموئيل ١٥: ١٩) أن أتّاي الجتّي كان من أتباع داود والأمناء في زمان فتنة أبشالوم وذُكر في (عنوان مزمور ٨: ٨١ و٨٤) الجتية وربما هي آلة موسيقية أخذها داود من جتّ.
٢ «فَقَامَ دَاوُدُ وَعَبَرَ هُوَ وَٱلسِّتُّ مِئَةِ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعُوكَ مَلِكِ جَتٍّ».
ص ٢٥: ١٣ ص ٢١: ١٠ و١ملوك ٢: ٣٩
أَخِيشَ بْنِ مَعُوكَ ذُكر أخيش في (٢١: ١٠) وهو الذي هرب داود إليه في أول مدة جولانه. وذُكر أخيش بن معكة في (١ملوك ٢: ٣٩) في أول مُلك سليمان. وإذا كان هو نفس الشخص كانت مدة ملكه نحو ٥٠ سنة. ويُظن أنه كان اثنان أو أكثر بنفس الاسم وهذا شائع في أسماء الملوك. ولما هرب داود إلى جت أول مرة (ص ٢١) كان وحده ومن خوفه تظاهر بالجنون. وأما الآن فكان معه ست مئة محارب وأُسرهم فاستقبله أخيش لأنه ظنّ أن داود قد انحاز إليه تاركاً ملكه وشعبه إلى الأبد فيكون عبده ويحارب تحت أمره.
٣، ٤ «٣ وَأَقَامَ دَاوُدُ عِنْدَ أَخِيشَ فِي جَتٍّ هُوَ وَرِجَالُهُ، كُلُّ وَاحِدٍ وَبَيْتُهُ، دَاوُدُ وَٱمْرَأَتَاهُ أَخِينُوعَمُ ٱلْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ ٱمْرَأَةُ نَابَالَ ٱلْكَرْمَلِيَّةُ. ٤ فَأُخْبِرَ شَاوُلُ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ هَرَبَ إِلَى جَتٍّ فَلَمْ يَعُدْ أَيْضاً يُفَتِّشُ عَلَيْهِ».
ص ٣٠: ٣ و٢صموئيل ٢: ٣ ص ٢٥: ٤٢ و٤٣
أَخِينُوعَمُ ٱلْيَزْرَعِيلِيَّةُ يظهر أنه كان قد تزوجها قبل أبيجايل وبعد ميكال. وكانت يزرعيل مدينة في يهوذا (يشوع ١٥: ٥٦).
٥ – ٧ «٥ فَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيشَ: إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلْيُعْطُونِي مَكَاناً فِي إِحْدَى قُرَى ٱلْحَقْلِ فَأَسْكُنَ هُنَاكَ. وَلِمَاذَا يَسْكُنُ عَبْدُكَ فِي مَدِينَةِ ٱلْمَمْلَكَةِ مَعَكَ؟ ٦ فَأَعْطَاهُ أَخِيشُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ صِقْلَغَ. لِذٰلِكَ صَارَتْ صِقْلَغُ لِمُلُوكِ يَهُوذَا إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. ٧ وَكَانَ عَدَدُ ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي سَكَنَ فِيهَا دَاوُدُ فِي بِلاَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ».
يشوع ١٥: ٣١ و١٩: ٥ ونحميا ١١: ٢٨ ص ٢٩: ٣
لم يستحسن داود أن يسكن في المدينة مع أخيش أولاً لأن رجاله وأهل بيوتهم كثيرون وربما يتضايقون في أمر المساكن والطعام. وثانياً لأنه لم يقصد في قلبه خدمة الفلسطينيين فاستحسن أن يبعد عن أخيش ويسكن في إحدى قرى الحقل أي البرية حيث يكون لهم بعض الحرية.
صِقْلَغُ في جنوبي يهوذا أُعطيت أولاً ليهوذا (يشوع ١٥: ٣١) وتحوّلت إلى شمعون (يشوع ١٩: ٥) وربما لم يمتلكوها أو بعد أن امتلكوها أخذها الفلسطينيون منهم لأنها كانت للفلسطينيين في زمان حوادث هذا الأصحاح. وموقعها بقرب بئر سبع إلى جهة الغرب أو الغرب الشمالي (نحميا ١١: ٢٨). وذكر ملوك يهوذا هنا يدل على أن هذا السفر جُمع بعد انقسام المملكة في أيام رحبعام. وجاء إلى داود إلى صقلغ كثيرون من الأبطال مساعدون في الحرب نازعون في القسيّ يرمون الحجارة والسهام من القسيّ باليمين واليسار (١أيام ١٢: ١ – ٧). ونظّم داود جيشه وأمور شعبه فكانت مدة إقامته في صقلغ أحسن استعداد لإدارة مملكته بعد موت شاول.
٨ «وَصَعِدَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ وَغَزَوْا ٱلْجَشُورِيِّينَ وَٱلْجَرِزِّيِّينَ وَٱلْعَمَالِقَةَ لأَنَّ هٰؤُلاَءِ مِنْ قَدِيمٍ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ مِنْ عِنْدِ شُورٍ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ».
يشوع ١٣: ٢ و١٣ ص ١٥: ٧ و٨ وخروج ١٧: ٨ خروج ١٥: ٢٢
ٱلْجَشُورِيِّينَ قبيلة ساكنة في جنوبي أرض الفلسطينيين بجوار العمالقة (يشوع ١٣: ٢) وهم غير الجشوريين الذين سكنوا في آرام شرقي جبل الشيخ (٢صموئيل ١٥: ٨).
ٱلْجَرِزِّيِّينَ قبيلة بجوار الجرشيين ولعل أصلهم من أرض أفرايم والأرجح أنهم قطنوا أواسط فلسطين كما يتضح من تسمية جبل جرزيم.
ٱلْعَمَالِقَةَ وهم الذين نجوا عندما حرّم شاول العمالقة ولا نتعجب من نجاة بعضهم لأن شاول وشعبه ألهتهم الغنيمة بخلاف أمر الرب (١٥: ٨ الخ).
مِنْ عِنْدِ شُورٍ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ كانت برية شور شرقي بحر سوف وسار بنو إسرائيل فيها ثلاثة أيام بعد عبورهم البحر. ولعل غاية الكاتب بقوله أنهم من قديم سكان الأرض الإشارة إلى ما عمل العمالقة مع بني إسرائيل في القديم (خروج ١٧: ٨ الخ) وكانت هذه القبائل من أعداء إسرائيل الذين حرّمهم الرب.
٩ – ١٢ «٩ وَضَرَبَ دَاوُدُ ٱلأَرْضَ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ رَجُلاً وَلاَ ٱمْرَأَةً، وَأَخَذَ غَنَماً وَبَقَراً وَحَمِيراً وَجِمَالاً وَثِيَاباً وَرَجَعَ وَجَاءَ إِلَى أَخِيشَ. ١٠ فَقَالَ أَخِيشُ: إِذاً لَمْ تَغْزُوا ٱلْيَوْمَ. فَقَالَ دَاوُدُ: بَلَى. عَلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا وَجَنُوبِيِّ ٱلْيَرْحَمْئِيلِيِّينَ وَجَنُوبِيِّ ٱلْقِينِيِّينَ. ١١ فَلَمْ يَسْتَبْقِ دَاوُدُ رَجُلاً وَلاَ ٱمْرَأَةً حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى جَتٍّ إِذْ قَالَ: لِئَلاَّ يُخْبِرُوا عَنَّا قَائِلِينَ: هٰكَذَا فَعَلَ دَاوُدُ. وَهٰكَذَا عَادَتُهُ كُلَّ أَيَّامِ إِقَامَتِهِ فِي بِلاَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. ١٢ فَصَدَّقَ أَخِيشُ دَاوُدَ قَائِلاً: قَدْ صَارَ مَكْرُوهاً لَدَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونُ لِي عَبْداً إِلَى ٱلأَبَدِ».
ص ١٥: ٣ وأيوب ١: ٣ ص ٢٣: ٢٧ ص ٣٠: ٢٩ و١أيام ٢: ٩ و٢٥ قضاة ١: ١٦ و٤: ١١
يرى بعضهم في عمل داود هذا قساوة زائدة. قيل في (١٥: ٣) إن الرب أمر شاول أن يضرب عماليق ويحرّم كل ماله ولا يعفو عنهم بل يقتل رجلاً وامرأة طفلاً ورضيعاً الخ. وكان العمالقة خطأة وثنيين نجسين ولو بقي منهم أو من نسلهم لكانوا أفسدوا أخلاق الإسرائيليين. لذلك كان انقراضهم أمراً ضرورياً كقلع الأعشاب الضارة. غير أنه قيل هنا أن غاية داود أن لا يأتي أحد منهم إلى جت ليخبر. فكان في عمله ما نستصوبه وما لا نستصوبه.
وَجَاءَ إِلَى أَخِيشَ نستنتج أنه أعطاه قسماً من الغنيمة على سبيل الجزية وكان الباقي منها لداود ورجاله ليعيشوا بها وأهل بيوتهم.
لَمْ تَغْزُوا ٱلْيَوْمَ معنى قوله الاستفهام والمقصود به هل غزوتم اليوم ومن غزوتم.
ٱلْيَرْحَمْئِيلِيِّينَ (١أيام ٢: ٩ و٢٥) كانوا من نسل يهوذا وساكنين في جنوبي اليهودية (٣٠: ٢٩).
ٱلْقِينِيِّين (١٥: ٦) والذين غزاهم حقيقة كانوا جيران القينيين. وفي كل مدة سكنه في أرض الفلسطينيين كان داود يتظاهر بخلاف ما هو. فلا شك أن نقص اعتباره لنفسه ونقص اعتبار رجاله وأهل بيته له لأن الكذب هو الاعتراف بالضعف والخوف. ولا شك أن سلوكه هذا أثر في حياته الروحية واتحاده بالرب ولو أنه لم يترك الرب. ولو سأل من الرب ربما كان قال له كما قال في أرض موآب (٢٢: ٥) أن يرجع إلى أرض يهوذا. فنرى أن داود وإن كان من أعظم أبطال الإيمان لم يكن كاملاً بل سقط أحيانًا كما نسقط نحن كثيراً.
- يقع المؤمنون أحياناً في بالوعة اليأس لضعف إيمانهم ولكن الله لا يتركهم ليهلكوا وإن خُيّل إليهم أنهم سيهلكون (ع ١).
- كل خطية تسبب الخسارة ولو تاب الخاطي فغُفر له.
-
المؤمنون لضعف إيمانهم يقصرون في الخدمة التي أعدها الله لهم ولكنه من رحمته لا يرفضهم بل يدبر لهم خدمة أخرى أقل اعتباراً من الأولى. نتج خير من سكن داود في صقلغ غير أنه من المحتمل أن بقاءه في أرض يهوذا كان أفضل.
السابق |
التالي |