سفر صموئيل الأول | 24 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
١ – ٣ «١ وَلَمَّا رَجَعَ شَاوُلُ مِنْ وَرَاءِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أَخْبَرُوهُ: هُوَذَا دَاوُدُ فِي بَرِّيَّةِ عَيْنِ جَدْيٍ. ٢ فَأَخَذَ شَاوُلُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مُنْتَخَبِينَ مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَذَهَبَ يَطْلُبُ دَاوُدَ وَرِجَالَهُ عَلَى صُخُورِ ٱلْوُعُولِ. ٣ وَجَاءَ إِلَى حَظَائِرِ ٱلْغَنَمِ ٱلَّتِي فِي ٱلطَّرِيقِ. وَكَانَ هُنَاكَ كَهْفٌ فَدَخَلَ شَاوُلُ لِحَاجَةٍ لَهُ (وَدَاوُدُ وَرِجَالُهُ كَانُوا جُلُوساً فِي مُؤَخَّرَةِ ٱلْكَهْفِ)».
ص ٢٣: ٢٨ و٢٩ ص ٢٣: ١٩ ص ٢٦: ٢ قضاة ٣: ٢٤ عنوان مزمور ٥٧ وعنوان مزمور ١٣٢
عَيْنِ جَدْيٍ (٢٣: ٢٩).
صُخُورِ ٱلْوُعُولِ تجد حتى اليوم الوعول (التيوس أو الشياه الجبلية) في الشواهق فوق عين جدي. وشاول من فرط حنقه على داود طارده حتى وصل هو ورجاله إلى أماكن يكاد لا يقدر أحد على الوصول إليها غير الوعول.
صِيَر (حَظَائِرِ ) ٱلْغَنَمِ يبني الرعاة حظيرة للغنم أو المعزى عند باب كهف تأويها الغنم ليلاً وفي أيام المطر والبرد. ودخل شاول الكهف وحده ووقف رجاله خارجاً. ولما كان الكهف مظلماً لم ير شاول فيه شيئاً. وأما داود ورجاله فكانوا في الداخل وكانوا اعتادوا الظلام فرأوا شاول عندما دخل وعرفوه. وربما لم يكن في الكهف إلا بعض رجال داود الست مئة وكان الباقون بجواره.
٤ – ٧ «٤ فَقَالَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ: هُوَذَا ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي قَالَ لَكَ عَنْهُ ٱلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَدْفَعُ عَدُوَّكَ لِيَدِكَ فَتَفْعَلُ بِهِ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. فَقَامَ دَاوُدُ وَقَطَعَ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ سِرّاً. ٥ وَكَانَ بَعْدَ ذٰلِكَ أَنَّ قَلْبَ دَاوُدَ ضَرَبَهُ عَلَى قَطْعِهِ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ، ٦ فَقَالَ لِرِجَالِهِ: حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ أَنْ أَعْمَلَ هٰذَا ٱلأَمْرَ بِسَيِّدِي بِمَسِيحِ ٱلرَّبِّ، فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ لأَنَّهُ مَسِيحُ ٱلرَّبِّ هُوَ. ٧ فَوَبَّخَ دَاوُدُ رِجَالَهُ بِٱلْكَلاَمِ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَقُومُونَ عَلَى شَاوُلَ. وَأَمَّا شَاوُلُ فَقَامَ مِنَ ٱلْكَهْفِ وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ».
ص ٢٣: ١٧ و٢٥: ٢٨ – ٣٠ و٢صموئيل ٢٤: ١٠ ص ٢١: ١١
هُوَذَا ٱلْيَوْمُ الخ هذا قول رجال داود ولكن الرب لم يقل إنه يدفع شاول ليد داود ليقتله بل قال (١٣: ١٤) إنه انتخب لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمره ليترأس على شعبه (انظر أيضاً ١٥: ٢٨ و١٦: ١ – ١٣) ولم يفهم داود أن الرب أمره بقتل شاول بل بالعكس أنه يجب عليه الخضوع للملك وتسليم أمره للرب بالصبر.
قَطَعَ طَرَفَ جُبَّةِ شَاوُلَ لعل شاول خلعها لما دخل الكهف ووضعها إلى جانب. وقصد داود أن يظهر أنه كان يقدر أن يقتل شاول لو أراد. ولكن بعد ذلك وبخه ضميره لأنه مدّ يده إلى مسيح الرب. وبقوله هذا أظهر اعتباره لمسيح شاول لأن المسيح كان من الرب وإن كان شاول قد أخطأ إلى الرب وإلى داود. ولا شك أن قول داود هذا أثر في رجاله فحفظوه في قلوبهم وتذكروه بعدما استوى على العرش فاعتبروا مسحه أيضاً كما اعتبر داود مسح شاول.
فَوَبَّخَ دَاوُدُ رِجَالَهُ لأنهم أرادوا قتل شاول وكان قتله جائزاً وضرورياً حسب أفكارهم.
٨ – ١٥ «٨ ثُمَّ قَامَ دَاوُدُ بَعْدَ ذٰلِكَ وَخَرَجَ مِنَ ٱلْكَهْفِ وَنَادَى وَرَاءَ شَاوُلَ: يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكُ. وَلَمَّا ٱلْتَفَتَ شَاوُلُ إِلَى وَرَائِهِ خَرَّ دَاوُدُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ. ٩ وَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: لِمَاذَا تَسْمَعُ كَلاَمَ ٱلنَّاسِ ٱلْقَائِلِينَ: هُوَذَا دَاوُدُ يَطْلُبُ أَذِيَّتَكَ. ١٠ هُوَذَا قَدْ رَأَتْ عَيْنَاكَ ٱلْيَوْمَ هٰذَا كَيْفَ دَفَعَكَ ٱلرَّبُّ لِيَدِي فِي ٱلْكَهْفِ، وَقِيلَ لِي أَنْ أَقْتُلَكَ، وَلٰكِنَّنِي أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ وَقُلْتُ: لاَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى سَيِّدِي لأَنَّهُ مَسِيحُ ٱلرَّبِّ هُوَ. ١١ فَٱنْظُرْ يَا أَبِي، ٱنْظُرْ أَيْضاً طَرَفَ جُبَّتِكَ بِيَدِي. فَمِنْ قَطْعِي طَرَفَ جُبَّتِكَ وَعَدَمِ قَتْلِي إِيَّاكَ ٱعْلَمْ وَٱنْظُرْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِي شَرٌّ وَلاَ جُرْمٌ، وَلَمْ أُخْطِئْ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ تَصِيدُ نَفْسِي لِتَأْخُذَهَا. ١٢ يَقْضِي ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَيَنْتَقِمُ لِي ٱلرَّبُّ مِنْكَ، وَلٰكِنْ يَدِي لاَ تَكُونُ عَلَيْكَ. ١٣ كَمَا يَقُولُ مَثَلُ ٱلْقُدَمَاءِ: مِنَ ٱلأَشْرَارِ يَخْرُجُ شَرٌّ. وَلٰكِنْ يَدِي لاَ تَكُونُ عَلَيْكَ. ١٤ وَرَاءَ مَنْ خَرَجَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ وَرَاءَ مَنْ أَنْتَ مُطَارِدٌ؟ وَرَاءَ كَلْبٍ مَيِّتٍ! وَرَاءَ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ! ١٥ فَيَكُونُ ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانَ وَيَقْضِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَيَرَى وَيُحَاكِمُ مُحَاكَمَتِي وَيُنْقِذُنِي مِنْ يَدِكَ».
ص ٢٥: ٢٣ و٢٤ و١ملوك ١: ٣١ مزمور ٧: ٣ و٤ ع ٤ و٢ملوك ٥: ١٣ ص ٢٣: ١٤ و٢٣ و٢٦: ٢٠ ص ٢٦: ١٠ و٢٣ وتكوين ٣١: ٥٣ وقضاة ١١: ٢٧ متّى ٧: ١٦ – ٢٠ ص ٢٦: ٢٠ ع ١٢ مزمور ٣٥: ١
خَرَّ دَاوُدُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ علامة اعتباره لشاول لكونه ملكاً وإن كان عدوه وغير مستحق للاحترام وبيّن ثقته بشاول إذ خرج وأظهر نفسه له غير خائف من غدره.
كَلاَمَ ٱلنَّاسِ أشار إلى بعض المفسدين عند شاول أصحاب الغايات النفسية. (قابل مزمور ٧: ٣ و٤ بالعددين ١٠ و١١ من هذا الأصحاح ومزمور ٧: ٨ و٩ بالعدد ١٥ من هذا الأصحاح).
وَقِيلَ لِي أَنْ أَقْتُلَكَ القائلون رجاله (ع ٤) وربما قالوا له أن دخول شاول إلى الكهف وحده علامة من الرب أنه سمح لداود بقتله. ولكن لا يجوز لنا أن نفسر الحوادث كما نريد. وأصاب داود في تفسيره هذه الحادثة إن الرب أعطاه بها فرصة لإظهار سمّو نفسه وأمانته لملكه مسيح الرب.
يَا أَبِي دلالة على المحبة والاعتبار.
مِنَ ٱلأَشْرَارِ يَخْرُجُ شَرٌّ من يقصد الشر بقلبه يعمله بيده عندما تسنح له الفرصة. وأما داود فحانت له الفرصة ولم يعمل شراً فلم يكن شرّ في قلبه.
يَدِي لاَ تَكُونُ عَلَيْكَ أخطأ شاول إلى داود ظلمه أشد الظلم فلا بد من معاقبته وإظهار الحق ولكن ذلك يجب أن يفعله الرب لا داود.
وَرَاءَ كَلْبٍ مَيِّتٍ حقير جداً مثل كلب بالنسبة إلى الملك فلا يقدر أن يعمل معه شراً فمثله مثل كلب ميت.
وَرَاءَ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ صغير وحقير جداً مثل برغوث. والبرغوث يدل على سرعة الحركة والنشاط. فقبلما يصل الملك إليه يمكنه أن يفلت ويفر إلى مكان آخر. ومراد داود أنه لا يليق بالملك أن يأخذ ٣٠٠٠ رجل منتخبين من جميع إسرائيل ويخرج وراء رجل واحد لا يقصد الشر ولا يقدر أن يعمله بل على الملك بالأحرى أن يحارب الفلسطينيين وغيرهم من أعداء إسرائيل.
فَيَكُونُ ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانَ (مزمور ٣٥: ١ ومزمور ٤٣: ١).
١٦ – ٢٢ «١٦ فَلَمَّا فَرَغَ دَاوُدُ مِنَ ٱلتَّكَلُّمِ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ إِلَى شَاوُلَ قَالَ شَاوُلُ: أَهٰذَا صَوْتُكَ يَا ٱبْنِي دَاوُدُ؟ وَرَفَعَ شَاوُلُ صَوْتَهُ وَبَكَى. ١٧ ثُمَّ قَالَ لِدَاوُدَ: أَنْتَ أَبَرُّ مِنِّي لأَنَّكَ جَازَيْتَنِي خَيْراً وَأَنَا جَازَيْتُكَ شَرّاً. ١٨ وَقَدْ أَظْهَرْتَ ٱلْيَوْمَ أَنَّكَ عَمِلْتَ بِي خَيْراً لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ دَفَعَنِي بِيَدِكَ وَلَمْ تَقْتُلْنِي. ١٩ فَإِذَا وَجَدَ رَجُلٌ عَدُوَّهُ، فَهَلْ يُطْلِقُهُ فِي طَرِيقِ خَيْرٍ؟ فَٱلرَّبُّ يُجَازِيكَ خَيْراً عَمَّا فَعَلْتَهُ لِي ٱلْيَوْمَ هٰذَا. ٢٠ وَٱلآنَ فَإِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَكُونُ مَلِكاً وَتَثْبُتُ بِيَدِكَ مَمْلَكَةُ إِسْرَائِيلَ. ٢١ فَٱحْلِفْ لِي ٱلآنَ بِٱلرَّبِّ إِنَّكَ لاَ تَقْطَعُ نَسْلِي مِنْ بَعْدِي، وَلاَ تُبِيدُ ٱسْمِي مِنْ بَيْتِ أَبِي. ٢٢ فَحَلَفَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ. ثُمَّ ذَهَبَ شَاوُلُ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَمَّا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ فَصَعِدُوا إِلَى ٱلْحِصْنِ».
ص ٢٦: ١٧ ص ٢٦: ٢١ متّى ٥: ٤٤ ص ٢٦: ٢٣ ص ٢٣: ١٧ ص ١٣: ١٤ ص ٢٠: ١٤ – ١٧ وتكوين ١٣: ٢٣ و٢صموئيل ٢١: ٦ – ٨ ص ٢٣: ٢٩
يَا ٱبْنِي دَاوُدُ كان شاول رجلاً متقلباً أخطأ فتاب ثم أخطأ أيضاً. طلب قتل داود ثم بكى عليه ثم عاد وطلب قتله. فجازاه داود عن شره بخير وجمع جمر نار على رأسه (رومية ١٢: ٢٠).
عَلِمْتُ أَنَّكَ تَكُونُ مَلِكاً كما قال ابنه يوناثان (٢٣: ١٧) وكان شاول سمع من صموئيل (١٥: ٢٨) أن الرب سيمزق مملكته عنه ويعطيها لصاحبه وكان قد رأى في داود ما يدل على أنه هو المقصود بقول صموئيل ولا سيما مما كان داود قد عمله في ذلك اليوم والروح التي أظهرها داود كانت دليلاً على أن الله معه.
لاَ تَقْطَعُ نَسْلِي مِنْ بَعْدِي حسب العادة القديمة البربرية (٢٠: ١٤ و١ملوك ١٥: ٢٩) وتذكر داود حلفه (٢صموئيل ٩: ١) وهكذا شاول قابل داود. وأما داود ورجاله فصعدوا إلى الحصن أي حصن عين جدي لأنه لم يتكل على شاول بل عرف أن كلامه الحسن بلا ثمر.
- يجب أن لا نجني الثمر فجاً. لأن الله يعطينا كل الخيرات في وقتها فعلينا بالصبر إلى الوقت المعين منه فلا نمد اليد لنجنيها قبل نضجها (ع ٤).
- يجب أن نحترم الذين هم في منصب وإن كانوا غير مستحقين بالنظر إلى أعمالهم (متّى ٢٣: ١ – ٣) (ع ٦).
- من يحكم على نفسه يقدر أن يحكم على غيره أيضاً (ع ٧).
- يجب أن لا نتكلم كلاماً فاسداً ولا أن نسمعه (ع ٩).
- أحسن تعزية للمظلومين إيمانهم أن الرب يقضي لهم (ع ١٢).
- يجب أن نتأمل في غاية حياتنا فلا نقضي أيامنا في طلب ما لا يستحق تعبنا (١٤).
- من يحل روح الله عليه ينتصر على أعدائه. ولكن وسائل الانتصار روحية كالتواضع والمحبة والجواب الليّن.
-
إن الغلبة التي بها نجتذب أعداءنا إلينا أفضل من الغلبة التي بها نهلكهم (ع ١٦ – ٢٢).
السابق |
التالي |