سفر صموئيل الأول | 21 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
١ «فَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى نُوبٍ إِلَى أَخِيمَالِكَ ٱلْكَاهِنِ. فَٱضْطَرَبَ أَخِيمَالِكُ عِنْدَ لِقَاءِ دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا أَنْتَ وَحْدَكَ وَلَيْسَ مَعَكَ أَحَدٌ؟».
ص ٢٢: ١٩ ص ١٤: ٣ ومرقس ٢: ٢٦ ص ١٦: ٤
نُوبٍ موقعها مجهول إلا أنها قريبة من أورشليم إلى جهة الشمال منها (إشعياء ١٠: ٣٢) وربما هي المشار إليها في (٢صموئيل ١٥: ٣٢) «وَصَلَ دَاوُدُ إِلَى ٱلْقِمَّةِ حَيْثُ سَجَدَ لِلّٰهِ». وكانت مدينة للكهنة غير أنها ليست مذكورة مع مدن الكهنة في (يشوع ٢١). وكان فيه الخيمة وخدَمتها (ع ٦). والتجأ داود إليها ليأخذ طعاماً وسلاحاً.
أَخِيمَالِكَ ربما هو أخيا بن أخيطوب المذكور في (١٤: ٣) أو أخو أخيا فخلفه في الكهنوت. وذكر يسوع هذه الحادثة (مرقس ٢: ٢٦) وقال في أيام أبياثار رئيس الكهنة. وقيل في (٢٢: ٢٠) إن أبياثار كان ابن أخيمالك. والظاهر أنه مارس منصب كاهن هو وأبوه معاً.
فَٱضْطَرَبَ ربما كان سمع الخبر أن شاول أمر بقتل داود وأتى داود وحده لأنه كان هارباً فيحل على أخيمالك غضب الملك إذا قبله وساعده. ولم يكن داود وحده (ع ٤ ومرقس ٢: ٢٥) ولعل أتباعه وقفوا خارجاً حينما رآه الكاهن في الأول وبعد ذلك تقدموا. أو أن أخيمالك انتظر موكباً من الأشراف والقليلون الذين كانوا مع داود كانوا كأنهم غير محسوبين. وبهذا المعنى كان داود وحده.
٢ «فَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيمَالِكَ ٱلْكَاهِنِ: إِنَّ ٱلْمَلِكَ أَمَرَنِي بِشَيْءٍ وَقَالَ لِي: لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ شَيْئاً مِنَ ٱلأَمْرِ ٱلَّذِي أَرْسَلْتُكَ فِيهِ وَأَمَرْتُكَ بِهِ. وَأَمَّا ٱلْغِلْمَانُ فَقَدْ عَيَّنْتُ لَهُمُ ٱلْمَوْضِعَ ٱلْفُلاَنِيَّ وَٱلْفُلاَنِيَّ».
ٱلْمَلِكَ أَمَرَنِي بِشَيْءٍ لم يصدق في قوله هذا وأما قوله «وأما الغلمان فقد عينت لهم» الخ فربما كان صحيحاً. ولا نبرئ داود من الخطيئة في هذا الأمر ولا نستنتج من سكوت الكتاب أنه بريء لأن تعليم الكتاب كله ينهي عن الكذب. ولا نفهم من القول أن داود كان رجلاً حسب قلب الله أنه كان بلا خطيئة في كل شيء. ونرى في تاريخ داود أنه خسر وتألم كثيراً من الكذب والحيل التي تدل على ضعف إيمانه في بعض الأوقات.
٣، ٤ «٣ وَٱلآنَ فَمَاذَا يُوجَدُ تَحْتَ يَدِكَ؟ أَعْطِ خَمْسَ خُبْزَاتٍ فِي يَدِي أَوِ ٱلْمَوْجُودَ. ٤ فَأَجَابَ ٱلْكَاهِنُ دَاوُدَ: لاَ يُوجَدُ خُبْزٌ مُحَلَّلٌ تَحْتَ يَدِي، وَلٰكِنْ يُوجَدُ خُبْزٌ مُقَدَّسٌ إِذَا كَانَ ٱلْغِلْمَانُ قَدْ حَفِظُوا أَنْفُسَهُمْ لاَ سِيَّمَا مِنَ ٱلنِّسَاءِ».
لاويين ٢٤: ٥ – ٩ ومتّى ١٢: ٤
خُبْزٌ مُقَدَّسٌ أي خبز الوجوه (لاويين ٢٤: ٥ – ٩) كان الكهنة يضعون خبزاً جديداً كل سبت وكان الخبز العتيق لهم ليأكلوا وليس لغيرهم (مرقس ٢: ٢٦) ومع ذلك رضي أخيمالك أن يعطيه لداود ورجاله إذا كانوا طاهرين من النجاسة الشرعية كما يحدث إذا مس أحد شيئاً نجساً (لاويين ٧: ٢٠ و٢١).
٥، ٦ «٥ فَأَجَابَ دَاوُدُ ٱلْكَاهِنَ: إِنَّ ٱلنِّسَاءَ قَدْ مُنِعَتْ عَنَّا مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ عِنْدَ خُرُوجِي وَأَمْتِعَةُ ٱلْغِلْمَانِ مُقَدَّسَةٌ. وَهُوَ عَلَى نَوْعٍ مُحَلَّلٌ، وَٱلْيَوْمَ أَيْضاً يَتَقَدَّسُ بِٱلآنِيَةِ. ٦ فَأَعْطَاهُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْمُقَدَّسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُبْزٌ إِلاَّ خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ ٱلْمَرْفُوعَ مِنْ أَمَامِ ٱلرَّبِّ لِيُوضَعَ خُبْزٌ سُخْنٌ فِي يَوْمِ أَخْذِهِ».
خروج ١٩: ١٤ و ١٥ متّى ١٢: ٣ و٤ ومرقس ٢: ٢٥
أَمْتِعَةُ ٱلْغِلْمَانِ ما وضعوا فيه الخبز كمزود أو جراب. وهي مقدسة بمعنى أنه لم يدخلها شيء نجس.
وَهُوَ عَلَى نَوْعٍ مُحَلَّلٌ أي الخبز. في السبت كان يضع الكهنة خبزاً جديداً على المائدة في القدس ويرفعون العتيق الذي يصير أكله محللاً ولكن للكهنة فقط. وأما داود والذين معه فحلّ أكله لهم لأنهم جاعوا ولم يجدوا خبزاً آخر. ويسوع علّم أنه كان يحل للتلاميذ قطف السنابل والأكل منها يوم السبت لأنهم جاعوا ويحلّ أيضاً شفاء المرضى يوم السبت لأنه من أعمال الرحمة. ولم يقصد الله ضرراً للإنسان بحفظ السبت أو الوصية بشأن خبز الوجوه. غير أنه يجب أن نحترز من الغلط في هذا الأمر ولا نفتح باباً لمخالفة الله. أولاً إذ ليس كل ما نريد أن نعمله ضرورياً. ثانياً ليس كل الوصايا من نوع واحد.
يحلّ إعداد الطعام الضروري يوم الأحد إذا كان إعداده غير ممكن يوم السبت ويحلّ خدمة البهائم وخدمة بيت الله وما أشبه ذلك. ولكن لا يحلّ لنا السجود للأصنام ولا التجديف ولا الزنى ولا السرقة ولا الكذب ولو اضطررنا أن نموت.
٧ «وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ عَبِيدِ شَاوُلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مَحْصُوراً أَمَامَ ٱلرَّبِّ ٱسْمُهُ دُوَاغُ ٱلأَدُومِيُّ رَئِيسُ رُعَاةِ شَاوُلَ».
ص ١٤: ٤٧ و٢٢: ٩ وعنوان مزمور ٥٢ و١أيام ٢٧: ٢٩ و٣١
كان دواغ أدومي الجنس وربما كان انحاز إلى شاول في زمان حروبه مع أدوم (١٤: ٤٧) وكان دخيلاً في المذهب اليهودي ورجلاً كبيراً رئيس الرعاة ولا شك كان للملك مواشٍ كثيرة ورعاة كثيرون (١أيام ٢٧: ٢٩ و٣٠) وكان محصوراً أمام الرب إما لوفاء نذر أو للتطهير أو ما شابه ذلك (انظر ٢٢: ٩ – ٢٣) ولعل الخوف من دواغ هو ما حمل داود على الهرب إلى الفلسطينيين.
٨، ٩ «٨ وَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيمَالِكَ: أَفَمَا يُوجَدُ هُنَا تَحْتَ يَدِكَ رُمْحٌ أَوْ سَيْفٌ، لأَنِّي لَمْ آخُذْ بِيَدِي سَيْفِي وَلاَ سِلاَحِي لأَنَّ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ كَانَ مُعَجِّلاً؟ ٩ فَقَالَ ٱلْكَاهِنُ: إِنَّ سَيْفَ جُلْيَاتَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّ ٱلَّذِي قَتَلْتَهُ فِي وَادِي ٱلْبُطْمِ هَا هُوَ مَلْفُوفٌ فِي ثَوْبٍ خَلْفَ ٱلأَفُودِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَهُ فَخُذْهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ هُنَا. فَقَالَ دَاوُدُ: لاَ يُوجَدُ مِثْلُهُ. أَعْطِنِي إِيَّاهُ».
ص ١٧: ٥٤ ص ١٧: ٢
مَلْفُوفٌ فِي ثَوْبٍ حفظاً له من الصدإ والأوساخ ويُظن أن الثوب هو ثوب جليات.
خَلْفَ ٱلأَفُودِ الأفود للكاهن ومن ألبسته وما كان خلفه يكون في مأمن.
لاَ يُوجَدُ مِثْلُهُ أولاً لأنه من أحسن جنس وثانياً لأنه تذكار لانتصاره على الفلسطيني الجبار فكما كان الرب معه عندما قتل جليات سيكون معه الآن.
١٠ – ١٢ «١٠ وَقَامَ دَاوُدُ وَهَرَبَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ أَمَامِ شَاوُلَ وَجَاءَ إِلَى أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. ١١ فَقَالَ عَبِيدُ أَخِيشَ لَهُ: أَلَيْسَ هٰذَا دَاوُدَ مَلِكَ ٱلأَرْضِ؟ أَلَيْسَ لِهٰذَا كُنَّ يُغَنِّينَ فِي ٱلرَّقْصِ قَائِلاَتٍ: ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ؟. ١٢ فَوَضَعَ دَاوُدُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي قَلْبِهِ وَخَافَ جِدّاً مِنْ أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ».
عنوان مزمور ٣٤ عنوان مزمور ٥٦ ص ١٨: ٧ و٢٩: ٥ لوقا ٢: ١٩
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي هرب عاجلاً.
أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ في مزمور ٣٤ أبيمالك وهو اسم الملوك الفلسطينيين (تكوين ٢٦: ١) وفي القديم كما اليوم للملوك أسماء وألقاب كثيرة. كانت حروب شديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وكانت جتّ في آخر وادي البطم إلى الغرب وهو الوادي الذي فيه قتل داود جليات الجتي. وربما افتكر داود أن الفلسطينيين يقبلونه لأنه طريد شاول. وأما داود فلم يقصد ترك الرب ولا ترك شعبه. وكما قلنا سابقاً لا نقدر أن نبرر عمله في الحيل والغش وسنرى أيضاً أنه لم ينتفع شيئاً من هذه الوسائل غير الجائزة بل كانت كلها دليلاً على ضعف إيمانه الحاصل من ضيقاته الشديدة.
مَلِكِ جَتَّ لم يكن ملكاً ولكنه كان قائداً مقتدراً مشهوراً كأنه ملك. وربما افتكر داود في الأول أن أهل جتّ لا يعرفونه لأنه كان قد مضى زمان على معرفتهم إياه ولا سيما أن هيئته تغيرت.
١٣ – ١٥ «١٣ فَغَيَّرَ عَقْلَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، وَتَظَاهَرَ بِٱلْجُنُونِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَخَذَ يُخَرْبِشُ عَلَى مَصَارِيعِ ٱلْبَابِ وَيُسِيلُ رِيقَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ. ١٤ فَقَالَ أَخِيشُ لِعَبِيدِهِ: هُوَذَا تَرَوْنَ ٱلرَّجُلَ مَجْنُوناً، فَلِمَاذَا تَأْتُونَ بِهِ إِلَيَّ؟ ١٥ أَلَعَلِّي مُحْتَاجٌ إِلَى مَجَانِينَ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِهٰذَا لِيَتَجَنَّنَ عَلَيَّ؟ أَهٰذَا يَدْخُلُ بَيْتِي؟».
عنوان مزمور ٣٤
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ الأرجح أنهم مسكوا داود وأخذوه إلى دار الملك.
يُخَرْبِشُ أي يكتب كتابة مشتبكة غير واضحة ككتابة مستعجل أو كتابة من لا يحسن الكتابة.
مَصَارِيعِ ٱلْبَابِ أي باب دار الملك أو باب الغرفة التي كان مسجوناً فيها وغايته أن يطلقوه حينما يرونه مجنوناً وللمجانين بعض الامتيازات وغض النظر فيتكلمون ويعملون بلا عقاب ما لا يقدر غيرهم أن يعمله ويظن بعض الناس أن فيهم روحاً يستحق شيئاً من الاعتبار والخوف. ونال داود غايته لأن الملك وبخّ خدامه على قبضهم على داود وإحضاره أمامه بقوله ألعلي محتاج إلى مجانين. أي ماذا ينفعني أو عندنا مجانين كثيرون فلسنا بحاجة لهذا ولا أريد أنه يكون في بيتي.
ما أحزن ذلك المنظر مرأى مجنون في بلاد غريبة وثنية يخط خطوطاً لا تُقرأ ويسيل ريقه على لحيته. وهو من هو؟ هو الجبار الذي قتل جليات وقائد جيوش إسرائيل والمرنم الحلو ورجل الله الممسوح ملكاً على شعب الله. ولكن داود لم يبقَ زماناً في بلّوعة اليأس بل رنم (مزمور ٣٤: ٦ و٧) «هٰذَا ٱلْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَٱلرَّبُّ ٱسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ. مَلاَكُ ٱلرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ».
- من يلتجئ إلى الكذب للخلاص من الضيقات يقع في ضيقات أعظم (ع ٢ و١٠).
- الاتكال على خيرات هذا العالم باطل. من كان بالأمس موضوع مديح كل إسرائيل ومحبوباً عند الملك وقائداً مقتدراً في الحرب فهو اليوم هارب جوعان يلتمس خبزه الضروري (٣).
-
الرب يفضّل الرحمة والحق على حفظ الفرائض (إشعياء ١: ١١ – ١٧ هوشع ٦: ٦).
السابق |
التالي |