صموئيل الأول

سفر صموئيل الأول | 11 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر صموئيل الأول

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

مضمونه: محاربة ناحاش العموني يابيش جلعاد (ع ٤). استغاثتهم بشاول وإغاثته إياهم (١٢). تثبيت الملك في يده وتجديد المملكة في الجلجال.

١، ٢ «١ وَصَعِدَ نَاحَاشُ ٱلْعَمُّونِيُّ وَنَزَلَ عَلَى يَابِيشِ جِلْعَادَ. فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ يَابِيشَ لِنَاحَاشَ: ٱقْطَعْ لَنَا عَهْداً فَنُسْتَعْبَدَ لَكَ. ٢ فَقَالَ لَهُمْ نَاحَاشُ ٱلْعَمُّونِيُّ: بِهٰذَا أَقْطَعُ لَكُمْ. بِتَقْوِيرِ كُلِّ عَيْنٍ يُمْنَى لَكُمْ وَجَعْلِ ذٰلِكَ عَاراً عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ».

ص ١٢: ١٢ قضاة ٢١: ٨ وص ٣١: ١١ و١ملوك ٢٠: ٣٤ وحزقيال ١٧: ١٣ عدد ١٦: ١٤ ص ١٧: ٢٦ ومزمور ٤٤: ١٣

قيل في (ص ١٢: ١٢) إن الإسرائيليين لما رأوا ناحاش آتياً عليهم طلبوا ملكاً فنستنتج أن حوادث هذا الأصحاح تابعة لحوادث الأصحاح العاشر بعد مدة قصيرة من الزمان وفي الترجمة السبعينية ويوسيفوس أنه «بعد شهر». وشاول رجع إلى عمله العادي (ع ٥) ولعله عمل هذا عمداً حكمة منه لأن بعضهم وهم بنو بليعال احتقروه (ص ١٠: ٢٧) فاستحسن أن يسكت ويستنظر فرصة موافقة حتى يستلم المنصب الذي دُعي إليه.

نَاحَاشُ قيل في (٢صموئيل ١٠: ٢) إن ناحاش ملك بني عمون صنع معروفاً مع داود وأما ابنه حانون فأهان رُسل داود ولعل ناحاش أبا حانون كان ابن ناحاش المذكور هنا أو حفيده. وكثيراً ما كان الاسم الواحد يتخذه كل ملوك المملكة كفرعون في مصر وبنهدد في آرام. وكانت أرض العمونيين شرقي أرض جلعاد وجنوبيها وعلى تخوم رأوبين ومنسى الشرقية. فاتفق العمونيون مع موآب على مضايقة إسرائيل (قضاة ٣: ١٣) وضايقوا إسرائيل أيضاً في أيام يفتاح (قضاة ص ١٠ و١١). وداود حاربهم وأخذ مدينتهم ربّة (٢صموئيل ١٢: ٢٦ – ٣١) وكان من طبعهم الغزو والقساوة.

يَابِيشِ جِلْعَادَ مدينة شرقي الأردن في سبط جاد هدمها الإسرائيليون (قضاة ٢١: ٨ – ١٤) لأن سكانها لم يصعدوا إلى المجمع في المصفاة لما حارب الإسرائيليون بنيامين. ولما قُتل شاول وأولاده (ص ٣١: ١١ – ١٣) قام سكان يابيش جلعاد بواجبات الدفن فباركهم داود. وموقعها مجهول غير أنها في جوار وادي يابيش شرقي الأردن وجنوبي بيت شان. وأهلها خضعوا لناحاش ولكنه لقساوته قصد إهانتهم بلا ذنب بتقوير كل عين يمنى ليعجزوا عن الحرب. وخضوعهم لناحاش يدل على قلة مروءتهم وضعف إيمانهم لأن الرب ملكهم وليس ناحاش.

٣ «فَقَالَ لَهُ شُيُوخُ يَابِيشَ: ٱتْرُكْنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَنُرْسِلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُخَلِّصُنَا نَخْرُجْ إِلَيْكَ».

ص ٨: ٤

نتعجب كيف أن ناحاش أعطاهم فرصة ليستغيثوا بإخوتهم ويظهر أنه احتقرهم ولم يصدق أن إخوتهم يغيثونهم.

شُيُوخُ يَابِيشَ (انظر تفسير ص ٨: ٤).

٤، ٥ «٤ فَجَاءَ ٱلرُّسُلُ إِلَى جِبْعَةِ شَاوُلَ وَتَكَلَّمُوا بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ فِي آذَانِ ٱلشَّعْبِ، فَرَفَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا. ٥ وَإِذَا بِشَاوُلَ آتٍ وَرَاءَ ٱلْبَقَرِ مِنَ ٱلْحَقْلِ، فَقَالَ: مَا بَالُ ٱلشَّعْبِ يَبْكُونَ؟ فَقَصُّوا عَلَيْهِ كَلاَمَ أَهْلِ يَابِيشَ».

ص ١٠: ٢٦ و١٥: ٣٤ ص ٣٠: ٤ وتكوين ٢٧: ٣٨ وقضاة ٢: ٤ و١ملوك ١٩: ١٩

كان قرابة خاصة بين أهل يابيش وسبط بنيامين لأنه كان أخذ منهم ٤٠٠ عذراء لأجل رجال بنيامين (قضاة ٢١: ١ – ١٤). جاء الرسل إلى مدينة شاول وتكلموا في آذان الشعب ولم يُذكر أنهم كلموا شاول الملك الجديد. وكان شاول في الحقل مع البقر أي لم يكن قد استلم مهام منصبه ولم يستنظر الشعب منه عملاً. والبكاء يدل على اتحادهم بإخوتهم في زمان ضيقتهم. ولعلهم خافوا مما يصيبهم إذا استولى العمونيون على يابيش جلعاد.

٦، ٧ «٦ فَحَلَّ رُوحُ ٱللّٰهِ عَلَى شَاوُلَ عِنْدَمَا سَمِعَ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ وَحَمِيَ غَضَبُهُ جِدّاً. ٧ فَأَخَذَ زَوْجَ بَقَرٍ وَقَطَّعَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ بِيَدِ ٱلرُّسُلِ قَائِلاً: مَنْ لاَ يَخْرُجُ وَرَاءَ شَاوُلَ وَوَرَاءَ صَمُوئِيلَ، فَهٰكَذَا يُفْعَلُ بِبَقَرِهِ. فَوَقَعَ رُعْبُ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلشَّعْبِ، فَخَرَجُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ».

ص ١٠: ١٠ و١٦: ١٣ وقضاة ٣: ١٠ و٦: ٣٤ و١٣: ٢٥ و١٤: ٦ قضاة ١٩: ٢٩ قضاة ٢١: ٥ و٨ و١٠ قضاة ٢٠: ١

فَحَلَّ رُوحُ ٱللّٰهِ (انظر تفسير ص ١٠: ٦).

وعمل شاول يدل على النشاط والشجاعة والإيمان لأن الوقت لم يكن وقت البكاء والمفاوضات بل وقت الحكم والعمل. ورؤية قطع البقر أثرت في الشعب أكثر من الكلام ففهموا منها أن شاول صار ملكهم فخافوه واعتبروه واتحدوا كرجل واحد تحت رايته الأمر الذي لم يتوقعوه هم ولا أعداؤهم. وذكر اسم صموئيل مع اسمه ليعرف الشعب أنه ملَك بموجب تعيين الرب ومسحه وإن الرب معه في هذا العمل. فوقع عليهم خوف الرب أيضاً وليس خوف الملك فقط. وربما ذهب صموئيل مع شاول إلى الحرب (ع ١٢).

٨ «وَعَدَّهُمْ فِي بَازَقَ فَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَ مِئَةِ أَلْفٍ، وَرِجَالُ يَهُوذَا ثَلاَثِينَ أَلْفاً».

قضاة ١: ٥ قضاة ٢٠: ٢

بَازَقَ بين شكيم وبيت شان وعلى بُعد سبعة أميال من الأردن. ومنها إلى يابيش جلعاد سفر يوم. عُدّ إسرائيل وحدهم ويهوذا وحدهم والمعدودون من يهوذا قليلون بالنسبة إلى عدد رجالهم (١أيام ٢١: ٥) فظهر في أول ملك شاول بداءة الانشقاق الذي تمّ في أيام رحبعام. و ربما استصعب سبط يهوذا وهو أعظم الأسباط أن يكون الملك من سبط بنيامين أصغرها.

٩ – ١١ «٩ وَقَالُوا لِلرُّسُلِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا: هٰكَذَا تَقُولُونَ لأَهْلِ يَابِيشَ جِلْعَادَ: غَداً عِنْدَمَا تَحْمَى ٱلشَّمْسُ يَكُونُ لَكُمْ خَلاَصٌ. فَأَتَى ٱلرُّسُلُ وَأَخْبَرُوا أَهْلَ يَابِيشَ فَفَرِحُوا. ١٠ وَقَالَ أَهْلُ يَابِيشَ: غَداً نَخْرُجُ إِلَيْكُمْ فَتَفْعَلُونَ بِنَا حَسَبَ كُلِّ مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ. ١١ وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ شَاوُلَ جَعَلَ ٱلشَّعْبَ ثَلاَثَ فِرَقٍ، وَدَخَلُوا فِي وَسَطِ ٱلْمَحَلَّةِ عِنْدَ سَحَرِ ٱلصُّبْحِ وَضَرَبُوا ٱلْعَمُّونِيِّينَ حَتَّى حَمِيَ ٱلنَّهَارُ. وَٱلَّذِينَ بَقُوا تَشَتَّتُوا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمُ ٱثْنَانِ مَعاً».

ع ٣ قضاة ٧: ١٦

كان ملتقى الإسرائيليين في بازق على بُعد نحو عشرين ميلاً من يابيش وقاموا وسروا فوصلوا إلى يابيش عند سحر الصبح أي قُبيل الصبح أو آخر الليل. وان أهل يابيش قالوا لناحاش «غداً نخرج إليكم الخ» ليظن أنه خاب أملهم بالنجدة فيفاجئه شاول ورجاله. وجعل شاول الشعب ثلاث فرق كما فعل جدعون (قضاة ٧: ١٦) لكي يهجموا على العمونيين من ثلاث جهات في وقت واحد. وفي الأول قاومهم العمونيون ودام القتال حتى حمي النهار أي نحو ست ساعات ثم انكسر العمونيون وتشتتوا تمام التشتت. وأهل يابيش لم ينسوا معروف شاول بل عوّضوه وأهل بيته منه إذا كانوا معه إلى آخر ملكه ومع ابنه أيشبوشث (٢صموئيل ٢: ٨) وقاموا بفروض الدفن حقّ قيام (ص ٣١: ١١ – ١٣).

١٢ «وَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِصَمُوئِيلَ: مَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ: هَلْ شَاوُلُ يَمْلِكُ عَلَيْنَا؟ اِيتُوا بِٱلرِّجَالِ فَنَقْتُلَهُم».

ص ١٠: ٢٧ لوقا ١٩: ٢٧

وَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِصَمُوئِيلَ لأن صموئيل كان نبيهم وقاضيهم من سنين كثيرة وهو الذي جمع الشعب ليملكوا شاول وهو الذي مسحه وبعدما شاهدوا عمل شاول العظيم في خلاصهم تيقنوا أنه بالحقيقة من الله فبايعوه الملك وحكموا إن الذين لم يقبلوه عصاة يستحقون القتل.

١٣ «فَقَالَ شَاوُلُ: لاَ يُقْتَلْ أَحَدٌ فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ، لأَنَّهُ فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ صَنَعَ ٱلرَّبُّ خَلاَصاً فِي إِسْرَائِيلَ».

ص ١٠: ٢٧ و٢صموئيل ١٩: ٢٢ ص ١٩: ٥ وخروج ١٤: ١٣

وأما الجواب فهو من شاول لأنه الملك. وكان جوابه مما يليق بملك أبيّ النفس فإنه لم يرد قتل الناس في يوم الخلاص والانتقام من الذين صاروا تحت سلطته.

١٤، ١٥ «١٤ وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: هَلُمُّوا نَذْهَبْ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ وَنُجَدِّدْ هُنَاكَ ٱلْمَمْلَكَةَ. ١٥ فَذَهَبَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ وَمَلَّكُوا هُنَاكَ شَاوُلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْجِلْجَالِ، وَذَبَحُوا هُنَاكَ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. وَفَرِحَ هُنَاكَ شَاوُلُ وَجَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ جِدّاً.

ص ٧: ١٦ و١٠: ٨ ص ١٠: ٢٥ ص ١٠: ١٧ ص ١٠: ٨

إِلَى ٱلْجِلْجَالِ (انظر ص ٧: ١٦).

نُجَدِّدْ هُنَاكَ ٱلْمَمْلَكَةَ التي تأسست في المصفاة (ص ١٠: ٢٥).

وَمَلَّكُوا هُنَاكَ شَاوُلَ أولاً تعيّن من الله بواسطة صموئيل (ص ١٠: ١) ثم ثبته الشعب (ص ١٠: ٢٤) وأجازه هنا انتصاره على العمونيين فاستغنم صموئيل الفرصة لتجديد المملكة في يوم الفرح والخلاص. فكان الاجتماع دينياً وليس سياسياً فقط لأن انتصارهم من الرب.

فوائد

  1. إن الله يحوّل الشر إلى خير. فإن قساوة ناحاش وإفراطه في الظلم والإهانة صارت واسطة لتحريك شاول والشعب على محاربته.
  2. كان شاول في الأول ملكاً بلا عمل وكان الشعب ملكاً بلا منفعة. ولنا مواهب مخفية وقوّة من فوق لا نفتكر فيها ولا نستعملها.
  3. إن للغضب وقتاً وأحياناً يجب العمل بالقساوة (ع ٦ و٧).
  4. إن العمل الذي ينجح هو العمل في وقته. لو صبر شاول لما نجح (ع ١١).
  5. إننا لا نعرف ما يأتينا به الغد من الفرح والخلاص (ع ١٠ و ١١).
  6. إن للرب النقمة. من أعمال شاول الحسنة أنه لم يجازِ الذين تكلموا عليه (ع ١٤).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى