سفر صموئيل الأول | 09 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
مضمونه: خروج شاول ليطلب أُتن أبيه (ع ١). ذهابه إلى صموئيل حسب مشورة غلامه (ع ٦). إكرام صموئيل إياه (ع ١٩). تشييعه إياه (ع ٢٦).
١ «وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بِنْيَامِينَ ٱسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِيئِيلَ بْنِ صَرُورَ بْنِ بَكُورَةَ بْنِ أَفِيحَ، ٱبْنُ رَجُلٍ بِنْيَامِينِيٍّ جَبَّارَ بَأْسٍ».
ص ١٤: ٥١ و١أيام ٩: ٣٦ – ٣٩
تقدم الكاتب المؤرخ إلى نبإ الملك الأول شاول فذكر أولاً نسبه. هو من سبط بنيامين وطبعاً كان من نسل الست مئة الذين نجوا من الحرب وأقاموا في صخرة رمون (قضاة ٢٠: ٤٧). وسبط بنيامين وإن كان صغيراً في العدد كان معتبراً ومقتدراً ومن اللياقة أن الملك يكون منه. ومنه أهود الذي خلّص إسرائيل من عجلون ملك موآب (قضاة ٣: ١٥) وبولس الرسول (فيلبي ٣: ٥). كان موطن السبط بين يهوذا جنوباً وأفرايم شمالاً وكانت أرض مخصبة. ومن مدنها المشهورة أورشليم وأريحا وبيت إيل وجبعون وجبع والمصفاة. وبعد انقسام المملكة كان بنيامين مع يهوذا. وإذا قابلنا ما قيل هنا بما قيل في (ص ١٤: ٥١ و١أيام ٨: ٣٣ و٩: ٣٦ – ٣٩) يظهر شيء من الاختلاف لأن العبرانيين كانوا يتركون أحياناً بعض الأسماء في سلسلة النسب فيقولون فلاناً ابن فلان على حين أنه حفيده أي ابن ابنه.
جَبَّارَ بَأْسٍ يدل على القوة في الحرب (ص ١٦: ١٨) أو الثروة (راعوث ٢: ١) أو الاعتبار في المجتمع.
٢ «وَكَانَ لَهُ ٱبْنٌ ٱسْمُهُ شَاوُلُ، شَابٌّ وَحَسَنٌ، وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحْسَنَ مِنْهُ. مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ ٱلشَّعْبِ».
ص ١٥: ٢٤ ص ١٠: ٢٣
شَاوُلُ المطلوب. بالصورة الجسدية لم يكن أجمل منه في كل إسرائيل. فأعطى الرب شعبه مطلوبهم. ولكن لم يكن فيه الصفات الروحية الجوهرية التي كانت في صموئيل والشعب لم يعرفوا قيمة هذه الصفات ولم يطلبوها. ولعل قصد الرب في ذلك أن يعلّم شعبه بالاختبار بطل الحُسن الجسدي وأهمية الحُسن الروحي. وأظهر شاول جلياً في آخر ملكه أنه لم يطلب مجد الله ولا نفع الشعب بل مجد نفسه فقط.
٣ – ٥ «٣ فَضَلَّتْ أُتُنُ قَيْسَ أَبِي شَاوُلَ. فَقَالَ قَيْسُ لِشَاوُلَ ٱبْنِهِ: خُذْ مَعَكَ وَاحِداً مِنَ ٱلْغِلْمَانِ وَقُمِ ٱذْهَبْ فَتِّشْ عَلَى ٱلأُتُنِ. ٤ فَعَبَرَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، ثُمَّ عَبَرَ فِي أَرْضِ شَلِيشَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا. ثُمَّ عَبَرَا فِي أَرْضِ شَعَلِيمَ فَلَمْ تُوجَدْ. ثُمَّ عَبَرَا فِي أَرْضِ بِنْيَامِينَ فَلَمْ يَجِدَاهَا. ٥ وَلَمَّا دَخَلاَ أَرْضَ صُوفٍ قَالَ شَاوُلُ لِغُلاَمِهِ ٱلَّذِي مَعَهُ: تَعَالَ نَرْجِعْ لِئَلاَّ يَتْرُكَ أَبِي ٱلأُتُنَ وَيَهْتَمَّ بِنَا».
يشوع ٢٤: ٣٣ ٢ملوك ٤: ٤٢ يشوع ١٩: ٤٢ ص ١: ١ ص ١٠: ٢
ضَلَّتْ أُتُنُ قَيْسَ يظهر لنا أن هذا الأمر زهيد لا يستحق الذكر في الكتاب ولكن منه نتج نتائج عظيمة لأنه كان الواسطة المعيّنة من الله لتأتي بشاول إلى صموئيل فيمسحه ملكاً على إسرائيل. وكان شاول حراً في كل ما فعله ومع ذلك كان آلة بيد الرب فعمل به كما قصد. وأرض شليشة وأرض شعليم محلهما مجهول. وعبرا في أرض بنيامين كلها. وأرض صوف خارجة عن أرض بنيامين إلى جهة الجنوب.
تَعَالَ نَرْجِعْ يجب الثبات في العمل ولكن يجب النظر أيضاً إلى قيمة العمل فلا يجوز أن نثبت في عمل إذا تحققنا أنه لا يستحق زيادة التعب. والأولى أن الأُتن تضل ولا يضل الابن ولا سيما ابن مثل شاول.
٦ «فَقَالَ لَهُ: هُوَذَا رَجُلُ ٱللّٰهِ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَٱلرَّجُلُ مُكَرَّمٌ، كُلُّ مَا يَقُولُهُ يَصِيرُ. لِنَذْهَبِ ٱلآنَ إِلَى هُنَاكَ لَعَلَّهُ يُخْبِرُنَا عَنْ طَرِيقِنَا ٱلَّتِي نَسْلُكُ فِيهَا».
تثنية ٣٣: ١ و٢ملوك ٥: ٨ ص ٣: ١٩ تكوين ٢٤: ٤٢
فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ الرامة مدينة صموئيل (ص ١: ١) وهذا قول غلام شاول لسيده على سبيل الخبر فنستنتج منه إن شاول لم يعرف صموئيل سابقاً مع أن صموئيل كان نبياً وقاضياً ومرشداً لجميع الذين اتقوا الرب. ولعل شاول لم يكن من الذين يهتمون كثيراً في الأمور الدينية. وأول معرفته بصموئيل كانت بواسطة أمر زهيد عالمي.
٧، ٨ «٧ فَقَالَ شَاوُلُ لِلْغُلاَمِ: هُوَذَا نَذْهَبُ، فَمَاذَا نُقَدِّمُ لِلرَّجُلِ؟ لأَنَّ ٱلْخُبْزَ قَدْ نَفَدَ مِنْ أَوْعِيَتِنَا وَلَيْسَ مِنْ هَدِيَّةٍ نُقَدِّمُهَا لِرَجُلِ ٱللّٰهِ. مَاذَا مَعَنَا؟ ٨ فَعَادَ ٱلْغُلاَمُ وَأَجَابَ شَاوُلَ: هُوَذَا يُوجَدُ بِيَدِي رُبْعُ شَاقِلِ فِضَّةٍ فَأُعْطِيهِ لِرَجُلِ ٱللّٰهِ فَيُخْبِرُنَا عَنْ طَرِيقِنَا».
١ملوك ١٤: ٣ و٢ملوك ٥: ١٥ و٨: ٨ و٩ وحزقيال ١٣: ١٩ ع ٦
على من ذهب إلى رجل عظيم أن يقدم له تقدمة وكان أكثر التقدمات من المأكولات (ص ١٦: ٢٠ وحزقيال ١٣: ١٩) وقيمة ربع شاقل فضة نحو أربعة غروش.
يُخْبِرُنَا عَنْ طَرِيقِنَا يرشدنا إلى ما نعمله في أمر الأُتن.
٩ «سَابِقاً فِي إِسْرَائِيلَ هٰكَذَا كَانَ يَقُولُ ٱلرَّجُلُ عِنْدَ ذَهَابِهِ لِيَسْأَلَ ٱللّٰهَ: هَلُمَّ نَذْهَبْ إِلَى ٱلرَّائِي. لأَنَّ ٱلنَّبِيَّ ٱلْيَوْمَ كَانَ يُدْعَى سَابِقاً ٱلرَّائِيَ».
٢صموئيل ٢٤: ١١ و١أيام ٩: ٢٢ و٢٦: ٢٨ وإشعياء ٣٠: ١٠
هذا القول حشو أُدخل هنا لأجل تفسير كلمة «رائي» المستعملة في هذا الأصحاح (ع ١١ و١٨ و١٩) وفي (١أيام ٩: ٢٢ و٢٦: ٢٨ و٢٩: ٢٩). يُقصد منه البيان أن صموئيل كان نبياً وإن سماه العامة رائياً. ومعنى كلمة «رائي» في الأصل هو الذي يرى أموراً مخفية بشأن عموم الناس. والمراد أحياناً بالكلمة الرأوون الصادقون وأحياناً الكذبة. ومنصب النبي أعلى من منصب الرائي وأوسع لأنه لا يخبر بأمور مستقبلة ومخيفة فقط بل هو مرسل من الله ليتكلم عنه ويُعلن إرادته للناس ويعلّمهم ويأمرهم بسلطان من الله.
١٠ – ١٢ «١٠ فَقَالَ شَاوُلُ لِغُلاَمِهِ: كَلاَمُكَ حَسَنٌ. هَلُمَّ نَذْهَبْ. فَذَهَبَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي فِيهَا رَجُلُ ٱللّٰهِ. ١١ وَفِيمَا هُمَا صَاعِدَانِ فِي مَطْلَعِ ٱلْمَدِينَةِ صَادَفَا فَتَيَاتٍ خَارِجَاتٍ لٱسْتِقَاءِ ٱلْمَاءِ. فَقَالاَ لَهُنَّ: أَهُنَا ٱلرَّائِي؟ ١٢ فَأَجَبْنَهُمَا: نَعَمْ. هُوَذَا هُوَ أَمَامَكُمَا. أَسْرِعَا ٱلآنَ، لأَنَّهُ جَاءَ ٱلْيَوْمَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لأَنَّهُ ٱلْيَوْمَ ذَبِيحَةٌ لِلشَّعْبِ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ».
تكوين ٢٤: ١٥ و٢٩: ٩ وخروج ٢: ١٦ عدد ٢٨: ١١ – ١٥ ص ٧: ١٧ و١٠: ٥
مَطْلَعِ ٱلْمَدِينَةِ معنى الاسم «الرامة» مرتفع وكانت المدينة مبنية على أكمتين فدُعيت «رامتايم» (ص ١: ١) أي رامتين. وكانت العبادة في المرتفعات مخالفة لتعليم الشريعة ولكنها من الأمور الجائزة وقتياً لعدم وجود الوسائل للعبادة القانونية.
أَمَامَكُمَا أي هو في المدينة والمدينة أمامكما.
عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ المذبح الذي كان صموئيل بناه (ص ٧: ١٧).
١٣، ١٤ «١٣ عِنْدَ دُخُولِكُمَا ٱلْمَدِينَةَ لِلْوَقْتِ تَجِدَانِهِ قَبْلَ صُعُودِهِ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ لِيَأْكُلَ لأَنَّ ٱلشَّعْبَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يَأْتِيَ لأَنَّهُ يُبَارِكُ ٱلذَّبِيحَةَ. بَعْدَ ذٰلِكَ يَأْكُلُ ٱلْمَدْعُوُّونَ. فَٱلآنَ ٱصْعَدَا لأَنَّكُمَا فِي مِثْلِ ٱلْيَوْمِ تَجِدَانِهِ. ١٤ فَصَعِدَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ. وَفِيمَا هُمَا آتِيَانِ فِي وَسَطِ ٱلْمَدِينَةِ إِذَا بِصَمُوئِيلَ خَارِجٌ لِلِقَائِهِمَا لِيَصْعَدَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ».
لوقا ٩: ١٦ ويوحنا ٦: ١١
يُبَارِكُ ٱلذَّبِيحَةَ أي إن الشعب ما كان يأكل حتى يأتي صموئيل ويبارك الذبيحة. وهكذا يسوع بارك الطعام قبلما أطعم الجمع في البرية وشكر قبلما أعطى تلاميذه عندما فرض العشاء الربي والأتقياء يطلبون بركة الله على طعامهم اليومي.
آتِيَانِ فِي وَسَطِ ٱلْمَدِينَةِ قيل في (ع ١٨) «في وسط الباب» فنفهم أنهما كانا في الباب قاصدين الدخول إلى المدينة.
لِيَصْعَدَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ الأكمة لأن المدينة كانت مبنية على هضبة عالية أو الأكمة الأخرى التي كانت تجاه المدينة.
١٥ «وَٱلرَّبُّ كَشَفَ أُذُنَ صَمُوئِيلَ قَبْلَ مَجِيءِ شَاوُلَ بِيَوْمٍ قَائِلاً».
ص ١٥: ١ وأعمال ١٣: ٢١
كَشَفَ أُذُنَ صَمُوئِيلَ اي أخبره سراً كمن يرفع العمامة قليلاً أو الشعر الذي على الأذن فيكشفها ليناجي صاحبها.
١٦ «غَداً فِي مِثْلِ ٱلآنَ أُرْسِلُ إِلَيْكَ رَجُلاً مِنْ أَرْضِ بِنْيَامِينَ، فَٱمْسَحْهُ رَئِيساً لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيُخَلِّصَ شَعْبِي مِنْ يَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، لأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى شَعْبِي لأَنَّ صُرَاخَهُمْ قَدْ جَاءَ إِلَيَّ».
ص ١٠: ١ خروج ٣: ٧ و٩
أُرْسِلُ إِلَيْكَ الأمر كله من الرب فهو الذي اختار شاول ليكون ملكاً وأتى به إلى صموئيل وأمر بمسحه. وفي تعيين شاول رحمة وغضب. أما الرحمة فلأنه خلّص به شعبه من الفلسطينيين. وأما للغضب فلأن بني إسرائيل رفضوا الرب واتكلوا على القوة الجسدية واشتهوا المجد العالمي. وإن كان ملكهم خلصهم من الفلسطينيين فذلك كان خلاصاً وقتياً فقط لكنه أوقعهم أخيراً في شر أعظم.
مِنْ يَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ قيل في (ص ٧: ١٣) «فذل الفلسطينيون» الخ ورأينا أن كسرة الفلسطينيين في المصفاة كانت بداءة سقوطهم فذلوا أيضاً في أيام شاول وتم سقوطهم في أيام داود.
١٧ «فَلَمَّا رَأَى صَمُوئِيلُ شَاوُلَ قَالَ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكَ عَنْهُ. هٰذَا يَضْبِطُ شَعْبِي».
ص ١٦: ١٢
قَالَ ٱلرَّبُّ كأن صموئيل سأل الرب سؤالاً غير مذكور هنا أو سأل الرب في قلبه بلا كلام.
يَضْبِطُ شَعْبِي تمييزاً عن الأيام التي فيها كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه (قضاة ٢١: ٢٥).
١٨، ١٩ «١٨ فَتَقَدَّمَ شَاوُلُ إِلَى صَمُوئِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَابِ وَقَالَ: أَطْلُبُ إِلَيْكَ: أَخْبِرْنِي أَيْنَ بَيْتُ ٱلرَّائِي؟ ١٩ فَأَجَابَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ: أَنَا ٱلرَّائِي. اِصْعَدَا أَمَامِي إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ فَتَأْكُلاَ مَعِيَ ٱلْيَوْمَ ثُمَّ أُطْلِقَكَ صَبَاحاً وَأُخْبِرَكَ بِكُلِّ مَا فِي قَلْبِكَ».
يظهر من هذا الكلام إن شاول لم يعرف صموئيل سابقاً.
اِصْعَدَا أَمَامِي القول لشاول وغلامه. ورأى بعضهم إن هذا يدل على اعتبار صموئيل لشاول ملك المستقبل. وربما كان لصموئيل عمل أو كلام مع أناس فقال شاول وغلامه أن يسبقاه حتى يكون له فرصة لإتمام عمله هذا.
وَأُخْبِرَكَ بِكُلِّ مَا فِي قَلْبِكَ لعل شاول كان يفكر في أمور المملكة واشتهى أن يخلص إسرائيل من الفلسطينيين فأشار صموئيل إلى أفكاره هذه السرّية.
٢٠ «وَأَمَّا ٱلأُتُنُ ٱلضَّالَّةُ لَكَ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَلاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَيْهَا لأَنَّهَا قَدْ وُجِدَتْ. وَلِمَنْ كُلُّ شَهِيِّ إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَ لَكَ وَلِكُلِّ بَيْتِ أَبِيكَ؟».
ع ٣ ص ٨: ٥ و١٢: ١٣
وذكر الأُتن أولاً ليبرهن لشاول أنه عرف ما في قلبه من جهتها وإنه عرف أيضاً أن الأُتن وُجدت مع أنه لم يخبر بشيء عن ذلك. وثانياً ليرفع أفكاره عن هذه الأمور الزهيدة إلى أمور المملكة العظيمة فلا يعتبر نفسه كراعي أُتن بل كملك إسرائيل مختار الرب. وكم وكم من الناس يرتبكون في أمور هذا العالم الزهيدة الزائلة وينسون أنهم أولاد الله وورثة الحياة الأبدية.
وَلِمَنْ كُلُّ شَهِيِّ إِسْرَائِيلَ عنى صموئيل أن كل خيرات إسرائيل لشاول ولبيته فلا يليق به أن يهتم بأمر زهيد كأمر الأتن لأنه بالمستقبل يصير له أتن وخيل ومركبات وخدام وغنى ومجد وكل ما يشتهي الناس. كان قول صموئيل مبهماً ولكنه أوضحه بالتفصيل بعد ذلك. وأما شاول ففهم جوهر القول.
٢١ «فَقَالَ شَاوُلُ: أَمَا أَنَا بِنْيَامِينِيٌّ مِنْ أَصْغَرِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَعَشِيرَتِي أَصْغَرُ كُلِّ عَشَائِرِ أَسْبَاطِ بِنْيَامِينَ؟ فَلِمَاذَا تُكَلِّمُنِي بِمِثْلِ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ؟».
ص ١٥: ١٧ قضاة ٢٠: ٤٦ – ٤٨
أَمَا أَنَا بِنْيَامِينِيٌّ كان بنيامين في ذلك الزمان أصغر الأسباط ولعله ذكر عشيرته من باب التواضع لأن أباه جبار بأس (ع ١) وكان شاول أحسن شاب في إسرائيل. «وأسباط بنيامين» بمعنى عشائره (عدد ٤: ١٨ وقضاة ١٠: ١٢).
٢٢ «فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ شَاوُلَ وَغُلاَمَهُ وَأَدْخَلَهُمَا إِلَى ٱلْقَاعَةِ وَأَعْطَاهُمَا مَكَاناً فِي رَأْسِ ٱلْمَدْعُوِّينَ، وَهُمْ نَحْوُ ثَلاَثِينَ رَجُلاً».
ٱلْقَاعَةِ (المنسك) غرفة بالمرتفعة عند المذبح يأكل الشعب فيها حصته من الذبائح وقعد فيها المدعوون الثلاثون وأما باقي الشعب فأكلوا خارجاً. والكلمة الأصلية المترجمة هنا «بمنسك» مترجمة أيضاً «بمخادع» في (عزرا ٨: ٢٩) «مخادع بيت الرب» وآيات كهذه كثيرة في عزرا ونحميا وإرميا وحزقيال. وكانت هذه المخادع للكهنة واللاويين للذخائر المقدسة كالقمح والزيت والخمر وغيرها من عشور الشعب.
أَعْطَاهُمَا قعد غلام شاول مع سيده في رأس المدعوين لأنه كان معتبراً كأحد أعوان الملك.
٢٣، ٢٤ «٢٣ وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلطَّبَّاخِ: هَاتِ ٱلنَّصِيبَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهُ، ٱلَّذِي قُلْتُ لَكَ عَنْهُ ضَعْهُ عِنْدَكَ. ٢٤ فَرَفَعَ ٱلطَّبَّاخُ ٱلسَّاقَ مَعَ مَا عَلَيْهَا وَجَعَلَهَا أَمَامَ شَاوُلَ. فَقَالَ: هُوَذَا مَا أُبْقِيَ. ضَعْهُ أَمَامَكَ وَكُلْ. لأَنَّهُ إِلَى هٰذَا ٱلْمِيعَادِ مَحْفُوظٌ لَكَ مُنْذُ دَعَوْتُ ٱلشَّعْبَ. فَأَكَلَ شَاوُلُ مَعَ صَمُوئِيلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».
خروج ٢٩: ٢٢ و٢٧ ولاويين ٧: ٣٢ و٣٣ وعدد ١٨: ١٨
لأَنَّهُ إِلَى هٰذَا ٱلْمِيعَادِ مَحْفُوظٌ لَكَ أظهر بذلك أنه سبق فعرف مجيء شاول فأعد له أفخر الطعام. كانت الساق اليمنى للكاهن (لاويين ٧: ٣٢) والساق اليسرى للشعب ولا نعرف أيهما أكل شاول.
فَقَالَ: هُوَذَا مَا أُبْقِيَ من المحتمل أن القائل هو الطبّاخ والأرجح أنه صموئيل.
دَعَوْتُ ٱلشَّعْبَ أي الثلاثين المذكورين.
٢٥ – ٢٧ «٢٥ وَلَمَّا نَزَلُوا مِنَ ٱلْمُرْتَفَعَةِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ تَكَلَّمَ مَعَ شَاوُلَ عَلَى ٱلسَّطْحِ. ٢٦ وَبَكَّرُوا. وَكَانَ عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ أَنَّ صَمُوئِيلَ دَعَا شَاوُلَ عَنِ ٱلسَّطْحِ قَائِلاً: قُمْ فَأَصْرِفَكَ. فَقَامَ شَاوُلُ وَخَرَجَا كِلاَهُمَا، هُوَ وَصَمُوئِيلُ إِلَى خَارِجٍ. ٢٧ وَفِيمَا هُمَا نَازِلاَنِ بِطَرَفِ ٱلْمَدِينَةِ قَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: قُلْ لِلْغُلاَمِ أَنْ يَعْبُرَ قُدَّامَنَا. فَعَبَرَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَقِفِ ٱلآنَ فَأُسْمِعَكَ كَلاَمَ ٱللّٰهِ».
تثنية ٢٢: ٨ وأعمال ١٠: ٩
تَكَلَّمَ مَعَ شَاوُلَ عَلَى ٱلسَّطْحِ مكان معتزل موافق للكلام السري. ولعله راجع الأمور المهمة في تاريخ إسرائيل وبيّن لهم أنهم استراحوا لما عبدوا الرب وتضايقوا حينما تركوه وذكر ما في شريعة موسى عن أمر الملك وذكّره أن الملك معيّن من الله وهو خادم الله ونائب الله في تسلطه على الشعب فعليه أن يراعي أولاً إرادة الله ويعملها دائماً كخادم أمين. وشاول سمع الكلام كله ولكنه لم يستفد منه كما يجب إذ لم يكن له استعداد روحي وكانت أفكاره أكثرها متجهة نحو مجد نفسه كما أظهر جلياً بعد ما تبوّأ عرش الملك. ونام شاول على السطح ونزل صموئيل ونام في البيت. وعند طلوع الفجر قام صموئيل ودعا شاول عن السطح فنزل وشيّعه صموئيل إلى طرف المدينة وبعد ما أمر شاول خادمه أن يسبقه وقف ليسمع كلام الله من صموئيل.
- الجمال الجسدي حسن والجمال الروحي أحسن (ع ٢).
- إن عناية الله تشمل الأمور الزهيدة كالأمور العظيمة فضلال الأُتن كان واسطة لوجدان الملك.
- إن قضاء الله لا يمنع حرية الإنسان فإن الله أتى بشاول إلى صموئيل وأتى شاول بإرادة نفسه أيضاً.
- إنه يجب رفع النظر عن الأمور الزهيدة إلى الأمور العظيمة وأهم أمر للإنسان أن يعرف مشيئة الله ويعملها (ع ٢٠).
- إن كل إنسان مدعو للملك بيسوع المسيح (رؤيا ١: ٦) فعليه الاستعداد لذلك.
- يجب أن نهتم بأمور ملكوت الله قبل الاهتمام بأمورنا الخاصة. فإن صموئيل حينما سلّم لغيره الرئاسة التي كانت له لم يفتكر بنفسه بل براحة المملكة.
- إنه بين الأمور السياسية والأمور الدينية علاقة كليّة فيجب على جميع الحكام أن يحكموا بموجب إرادة الله (ع ٢٧).
-
إن الله يعلن للناس إرادته بالتدريج لكي يستعدوا لها (ع ١٩ و٢٠ و٢٢ و٢٥).
السابق |
التالي |