سفر صموئيل الأول | 05 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
مضمونه: تابوت الله في أرض الفلسطينيين وسقوط داجون من أمامه وضرب أشدود وجتّ وعقرون بسببه.
١ «فَأَخَذَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ ٱللّٰهِ وَأَتَوْا بِهِ مِنْ حَجَرِ ٱلْمَعُونَةِ إِلَى أَشْدُودَ».
ص ٤: ١ و٧: ١٢ يشوع ١٣: ٣
لم يقصد الكاتب إلا تاريخاً مختصراً تُذكر فيه الحوادث المهمة فقط وأهم الحوادث هو ما يتعلق بتابوت الله. وظن بعضهم إن ما جاء في (مزمور ٧٨: ٦ – ٦٤ وإرميا ٧: ١٢) يشير إلى أن الفلسطينيين ذهبوا إلى شيلوه وأخربوها وقتلوا الكهنة الذين فيها غير أنه من المحتمل أن سقوط شيلوه المشار إليه هو فقد امتيازاتها الدينية بانتقال التابوت إلى بلاد الفلسطينيين وعدم رجوعه إلى شيلوه. والكهنة الذين سقطوا بالسيف هم حفني وفينحاس.
أَشْدُودَ إحدى مدن الفلسطينيين الخمس موقعها على بُعد ٣ أميال من البحر المتوسط بين غزة ويافا وهي الآن قرية أسدود وفي جوارها خرائب كثيرة.
٢ «وَأَخَذَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ ٱللّٰهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ وَأَقَامُوهُ بِقُرْبِ دَاجُونَ».
قضاة ١٦: ٢٣ – ٣٠ و١أيام ١: ٨ – ١٠
دَاجُونَ يقول أكثر المفسرين أن هذه الكلمة مشتقة من «داج» وهي كلمة عبرانية معناها سمكة وكان للصنم رأس إنسان ويدا إنسان وجسم سمكة والمعنى الخصب لأن البحر يفيض سمكا كثيراً. وعبادة هذا الصنم مذكورة في (قضاة ١٦: ٢٣) ويظهر أنه كان أعظم آلهة الفلسطينيين. ووضع التابوت بقرب داجون علامة انتصار داجون على إله إسرائيل حسب زعمهم. وأما افتخارهم هذا فكان ليلة واحدة فقط.
٣، ٤ «٣ وَبَكَّرَ ٱلأَشْدُودِيُّونَ فِي ٱلْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ، فَأَخَذُوا دَاجُونَ وَأَقَامُوهُ فِي مَكَانِهِ. ٤ وَبَكَّرُوا صَبَاحاً فِي ٱلْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى ٱلأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ وَرَأْسُ دَاجُونَ وَيَدَاهُ مَقْطُوعَةٌ عَلَى ٱلْعَتَبَةِ. بَقِيَ بَدَنُ ٱلسَّمَكَةِ فَقَطْ».
إشعياء ١٩: ١ و٤٦: ١ و٢ إشعياء ٤٦: ٧
كان سقوط الصنم على وجهه إلى الأرض أمام التابوت علامة خضوعه للرب. ولما سقط الصنم أول مرة ظنوا أنه على سبيل الاتفاق فقط ولكن لما سقط مرة ثانية وانقطع رأسه ويداه عرفوا يقيناً أنه من إله التابوت. وقطع الرأس إشارة إلى عدم الحكمة لأن الرأس مركز العقل. وقطع اليدين إشارة إلى عدم الاقتدار لأن اليدين آلة العمل.
عَلَى ٱلْعَتَبَةِ وجود الرأس واليدين على العتبة علامة الانحطاط والاحتقار لأن العتبة مكان الدوس.
بَقِيَ بَدَنُ ٱلسَّمَكَةِ فَقَطْ بالعبرانية «بقي داجون فقط» فكان بدن سمكة بلا رأس أي بلا عقل وبلا يدين أي بلا اقتدار. وهكذا جميع الأصنام أمام الرب. وهكذا المال والمجد العالمي والقوة البشرية وكل ما يشتهيه الإنسان دون الرب.
٥ «لِذٰلِكَ لاَ يَدُوسُ كَهَنَةُ دَاجُونَ وَجَمِيعُ ٱلدَّاخِلِينَ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ عَلَى عَتَبَةِ دَاجُونَ فِي أَشْدُودَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».
كانت العادة المشار إليها شاهد دائم لصحة هذا الخبر. امتنع كل الداخلين إلى بيت داجون عن الدوس على العتبة إكراماً لإلههم الذي سقطت أعضاؤه عليها.
٦ «فَثَقُلَتْ يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلأَشْدُودِيِّينَ، وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِٱلْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا».
ع ٧ و١١ وخروج ٩: ٣ ص ٧: ٥ تثنية ٢٨: ٢٧ ومزمور ٧٨: ٦٦
يَدُ ٱلرَّبِّ أي قوّته في العمل. وأظهر قوّته أولاً على الصنم ثم على عبدته. والكلمة المترجمة «بواسير» تحمل أيضاً معنى دمامل ويقول بعضهم أن الكلمة تشير إلى مرض الطاعون فتوافق ما قيل في (ع ١١) إن اضطراب الموت كان في كل المدينة. لأن مرض البواسير وإن كان موجعاً لا يميت غالباً والترجمة السبعينية والترجمة اليسوعية تزيد «وهاجت القرى والصحاري في وسط أرضهم وتولدت الفئران» الخ. ولعل أحد النساخ في القديم زاد هذه الجملة بناء على ما أتى في ص ٦: ٤ «خَمْسَةَ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ وَخَمْسَةَ فِيرَانٍ مِنْ ذَهَبٍ» فكانت الضربة على نوعين النوع الأول البواسير أو الطاعون والنوع الثاني الفئران التي كثرت على غير العادة وأكلت مواسمهم.
٧ – ٩ «٧ وَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أَشْدُودَ ٱلأَمْرَ كَذٰلِكَ قَالُوا: لاَ يَمْكُثُ تَابُوتُ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَنَا لأَنَّ يَدَهُ قَدْ قَسَتْ عَلَيْنَا وَعَلَى دَاجُونَ إِلٰهِنَا. ٨ فَأَرْسَلُوا وَجَمَعُوا جَمِيعَ أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ بِتَابُوتِ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالُوا: لِيُنْقَلْ تَابُوتُ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَتَّ. فَنَقَلُوا تَابُوتَ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. ٩ وَكَانَ بَعْدَمَا نَقَلُوهُ أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ كَانَتْ عَلَى ٱلْمَدِينَةِ بِٱضْطِرَابٍ عَظِيمٍ جِدّاً، وَضَرَبَ أَهْلَ ٱلْمَدِينَةِ مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ وَنَفَرَتْ لَهُمُ ٱلْبَوَاسِيرُ».
ع ١١ وص ٢٩: ٦ – ١١ ع ١١ وص ٧: ١٣ ع ٦
أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ كان للفلسطينيين خمس مدن وهي أشدود وغزة وأشقلون وجتّ وعقرون (ص ٦: ١٧) وعلى كل مدينة وجوارها قُطب أي سيد يدير أمورها. وكان الخمسة متعادلين لا أحد منهم أكبر من الآخر ومتحدين كمملكة واحدة.
جَتَّ الأرجح أنها المسمى اليوم تلّ الصافية وهي شرقي أشدود وعلى بُعد ١٢ ميلاً منها وعلى تخم يهوذا. ولعل ما حملهم على نقل التابوت إلى جتّ زعمهم أن الأمر كان بين الله وداجون وإذا انتقل التابوت إلى مكان ليس فيه معبد لداجون يرتفع غضبه. وأهل جتّ لم يرفضوا التابوت لأن وجوده عندهم كان علامة انتصارهم على إسرائيل فافتخروا به ولكن أصابهم ما أصاب أهل أشدود.
١٠ – ١٢ «١٠ فَأَرْسَلُوا تَابُوتَ ٱللّٰهِ إِلَى عَقْرُونَ. وَكَانَ لَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ ٱللّٰهِ إِلَى عَقْرُونَ أَنَّهُ صَرَخَ ٱلْعَقْرُونِيُّونَ: قَدْ نَقَلُوا إِلَيْنَا تَابُوتَ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ لِيُمِيتُونَا نَحْنُ وَشَعْبَنَا!. ١١ وَأَرْسَلُوا وَجَمَعُوا كُلَّ أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا: أَرْسِلُوا تَابُوتَ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ فَيَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ وَلاَ يُمِيتَنَا نَحْنُ وَشَعْبَنَا. لأَنَّ ٱضْطِرَابَ ٱلْمَوْتِ كَانَ فِي كُلِّ ٱلْمَدِينَةِ. يَدُ ٱللّٰهِ كَانَتْ ثَقِيلَةً جِدّاً هُنَاكَ. ١٢ وَٱلنَّاسُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا ضُرِبُوا بِٱلْبَوَاسِيرِ، فَصَعِدَ صُرَاخُ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى ٱلسَّمَاءِ».
ع ٨ ع ٦ و٩ خروج ١٢: ٣٠
عَقْرُونَ المدينة الشمالية من مدن الفلسطينيين الخمس وتسمى الآن عاقر وهي قرية حقيرة على تلّ تبعد ١٢ ميلاً عن يافا. وإلههم بعل زبوب (٢ملوك ١: ٢). واجتمع ثانية أقطاب الفلسطينيين ولكنهم لم يقبلوا اعتراض أهل عقرون فبقي التابوت عندهم وضُربوا كما ضُرب أهل أشدود وأهل جتّ. وكانت كل ضربة أعظم من التي سبقتها.
فَصَعِدَ صُرَاخُ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى ٱلسَّمَاءِ أي صراخ عظيم جداً. نرى في هذه الحوادث أن الله حامى عن تابوته وعاقب الذين أهانوه في أرض الفلسطينيين مع أنه لم ينصر إسرائيل ولم يمنع الفلسطينيين عن أخذهم التابوت. ولعل قصده في ذلك أن يعلم الجميع سواء أكانوا من شعبه أو من الفلسطينيين إنه الإله الحي الحقيقي وحده القادر على كل شيء وإن تابوته مستحق الاحترام لأنه المكان الذي أظهر مجده فيه ولكن ليس الاحترام لمجرد الخشب. وهو يطلب من الناس السجود له بالروح والحق والطاعة لإرادته.
- الذين يهينون العلامات الحسيّة التي تدل على المسيح كما المعمودية وخبز العشاء الربي وخمره يهينون المسيح نفسه. ولكن ليس جميع الذين يكرمون العلامات الحسيّة يكرمونه.
- لم يرض الله أن يكون تابوته في هيكل داجون ولا يرضى أن يسكن في قلب فيه محبة المال أو إله آخر.
- ليس الله أحد الآلهة بل هو الإله الحقيقي وحده.
- لا يقدر الضلال أن يثبت عند إظهار الحق بل يسقط كما سقط داجون أمام تابوت الرب.
- النجاح الوقتي في طرُق الخطيئة يسوق الناس إلى خطايا أعظم نهايتها الهلاك الأبدي.
-
كان سقوط داجون نبوءة بسقوط جميع الأصنام والأديان الكاذبة أمام المسيح.
السابق |
التالي |