رسالة بطرس الأولى | المقدمة | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح رسالة بطرس الأولى
للدكتور . وليم إدي
مما اختصت به هذه الرسالة بيان أن الديانة المسيحية إتمام نبوءات العهد القديم وفيها كثير من التشابيه المأخوذة من ذلك العهد وإشارات إلى فرائضه وتاريخه ومن ذلك ما في (ص ١: ١٠ – ١٢ و٣: ٥ و٦ و٢٠). وليس من أسفار العهد الجديد مثلها في كثرة المقتبسات من العهد القديم أو العبارات المأخوذة منه فإن آياتها ١٠٥ ومنها ٢٣ آية مقتبسة من ذلك العهد وليس في رسالة أفسس سوى سبع ولا في رسالة غلاطية سوى ثلاث عشرة. وهذا ما يتوقع من بطرس بالنظر إلى كونه رسول الختان. ومما اختصت به كثرة الإشارات إلى أقوال المسيح وذلك دليل على كونه شاهداً بما سمع من فم المسيح نفسه وأنه اعتبر المسيح كل الاعتبار وأحبه كل المحبة واتخذه سيداً ورباً. وكثيراً ما ذُكر المسيح في هذه الرسالة باعتبار كونه الوسيط وأن قيامته من الأموات تؤيد ذلك ولهذا قال «بها (أي قيامته) وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ» (ص ١: ٣) وأن إيمانهم بالله مبني على تلك القيامة (ص ١: ٢). وذكر المسيح مثالاً لنا في احتمال الأرزاء وآثر أن يذكره باعتبار كونه في حال الارتفاع قائماً من الأموات ممجداً على يمين الله رئيس الكنيسة معبود الملائكة على أن يذكره باعتبار كونه في حال الاتضاع. واختار أيضاً أن يذكره باعتبار ما سيكون في مجيئه الثاني على أن يذكره باعتبار ما كان عليه مدة مجيئه الأول. ولهذا دُعي «رسول الرجاء» كما دُعي بولس «رسول الإيمان» ويعقوب «رسول الأعمال» ويوحنا «رسول المحبة» لأن الرجاء مقدار تعليمه في هذه الرسالة وأفكاره كانت تتوجه وهو يكتبها إلى المستقبل فكان يتوقع ظهور المسيح ثانية والمجد الذي يُعلن له ولشعبه.
مقدمة
المقدمة
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
الأصحاح الثاني
الأصحاح الثالث
الأصحاح الرابع
الأصحاح الخامس
مقدمة
تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.
ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.
هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.
ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
القس ألبرت استيرو
الأمين العام
لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى
المقدمة
في الكاتب
كاتب هذه الرسالة بطرس الرسول كما يتضح من أولها ومن إجماع مؤرخي الكنيسة وما اقتبسوا منها ونسبوه إليه في مؤلفاتهم وموافقتها لمواعظه في سفر الأعمال ولكل ما عُرف من أمره في البشائر وذلك السفر. وكان يُسمى أيضاً سمعان (أعمال ١٥: ١٤ و٢بطرس ١: ١). وُلد في بيت صيدا على شاطئ بحر الجليل (يوحنا ١: ٤٤) وهو ابن يونا (متّى ١٦: ١٧ ويوحنا ١: ٤٢ و٢١: ١٥). وكان هو وأبوه وأخوه أندراوس صيادي سمك وكان يسكن كفرناحوم (متّى ٨: ٥ و١٤ و٤: ١٨ ولوقا ٥: ٣) وكانت حماته تسكن معه وذلك دليل على أنه كان متزوجاً ويؤيد ذلك ما في (١كورنثوس ٩: ٥). وكان من الأولين الذين تبعوا الرب يسوع واهتدى إليه بواسطة أخيه أندراوس الذي كان تلميذ يوحنا المعمدان وتبع يسوع حين سمع من يوحنا أن يسوع هو «حمل الله» (يوحنا ١: ٣٥ – ٤٣). ولقبه المسيح في أول اتباعه إياه ببطرس أو بصفا باعتبار ما يكون بنعمة الله من جهة عمله في تأسيس ملكوته (يوحنا ١: ٤٢ ومرقس ٣: ١٦). ورجع إلى الصيد بعد إيمانه إلى أن دعاه المسيح لكي يتبعه (متّى ٤: ١٨). ولا حاجة إلى ذكر كل حوادث حياته ويكفي المطلوب هنا أن نذكر شدة محبته للرب يسوع وغيرته على إظهارها قولاً وفعلاً. والوعد الذي وعده المسيح به جزاء على اعترافه بأنه ابن الله (متّى ١٦: ١٦). وكونه متسرعاً متكلاً على نفسه وأنه نشأ عن ذلك إنكاره المسيح وتوبته المرّة. وحمل المسيح إياه على الاطمئنان بعد ما قام من الموت (يوحنا ٢١: ١٥ – ١٩).
إن هذا الرسول كان بعد صعود المسيح نائب الرسل في التبشير يوم الخمسين وكان هو وهم واسطة لقبول ثلاثة آلاف مؤمن في كنيسة المسيح على وفق قول المسيح أنه يعطيه مفاتيح ملكوته ليفتح أبواب الكنيسة للذين يدخلونها بالإيمان. وكان أيضاً وسيلة إلى إدخال الأمم الكنيسة وكل بركات الإنجيل بتعميد كرنيليوس وأصحابه. لكن الله لم يقصد أن يكون هو رسول الأمم فعين بولس رسولاً إليهم وبعد إدخاله الأمم الكنيسة لا نسمع من نبإه كثيراً في تاريخ الكنيسة لكننا نرى في سفر أعمال الرسل أنه كان يسعى ويصرّح بوجوب قبول الأمم في الكنيسة المسيحية دون إتيان الفروض الموسوية. وعرفنا من (غلاطية ٢: ١١) أنه ذهب إلى أنطاكية على أثر المجمع الأول الرسولي وأنه تصرف هنالك بالحرية التي نادى بها في المجمع ولكنه لما أتى أنطاكية بعض تلاميذ يعقوب اعتزل مؤمني الأمم حتى وبخه بولس على ذلك (غلاطية ٢: ١٣ – ٢١). ولا نعرف بعد هذا كثيراً من أمره إلا أنه كان يجول للتبشير وامرأته معه (١كورنثوس ٩: ٥).
ويظهر من هذه الرسالة أنه وصل بتبشيره إلى بابل وهي المدينة المشهورة القديمة على شاطئ نهر الفرات. فقول بعضهم أنه كان أسقف رومية مدة خمس وعشرين سنة وأنه مات شهيداً هنالك لا دليل على صحته. والدلائل كثيرة على أنه لم يذهب إليها مدة حياة بولس كلها.
في من كُتبت هذه الرسالة إليهم
ذكر الرسول الذين كتب إليهم هذه الرسالة بقوله «ٱلْمُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، ٱلْمُخْتَارِينَ» (ص ١: ١). وهي خمسة أقسام من أسيا الصغرى وأراد بهم المسيحيين الذين فيها وكان بولس ورفقاؤه قد بشروهم بالإنجيل وأسسوا كنائسهم. وكان بعض أولئك المسيحيين من متنصري اليهود وأكثرهم من متنصري الأمم. ومن الأدلة على أن بعضهم من متنصري اليهود ما في (ص ١: ١٨ و٢: ٩ و٣: ٦) ومن الأدلة على أن بعضهم من متنصري الأمم ما في (ص ١: ١٤ و٢: ١٠ و٤: ٣).
في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها
يظهر من هذه الرسالة أنها كُتبت بعد كتابة رسائل بولس وأن بطرس كان قد قرأ رسائل بولس والدليل على ذلك ما يظهر من مقابلة بعض أقواله بأقوال بولس ومن ذلك مقابلة:
ما في ص ١: ٥ | بما في غلاطية ٣: ٢٣ |
وما في ص ٢: ٦ | بما في غلاطية ٩: ٣٣ و١٠: ١١ |
وما في ص ٢: ١٣و١٤ | بما في غلاطية ١٣: ١ – ٤ |
وما في ص ٢: ١٦ | بما في غلاطية ٥: ١٣ |
وما في ص ٢: ١٨ | بما في أفسس ٦: ٥ وكولوسي ٣: ٢٢ |
وما في ص ٣: ١ – ٧ | بما في أفسس ٥: ٢٢ – ٢٥ و١تيموثاوس ٢: ٩ |
وما في ص ٣: ٨ و٩ | بما في رومية ١٢: ١٦ و١٧ |
وما في ص ٣: ٢٢ | بما في رومية ٨: ٣٤ وأفسس ١: ٢١ و٢٢ |
وما في ص ٤: ١ و٢ | بما في رومية ٦: ٧ |
وما في ص ٤: ١٠ و١١ | بما في رومية ١٢: ٦ – ٨ |
وما في ص ٥: ١ | بما في رومية ٨: ١٨ |
وما في ص ٥: ٨ | بما في ١تسالونيكي ٥: ٦ |
وما في ص ٥: ١٠ و١١ | بما في فيلبي ٤: ١٩ و٢٠ |
وما في ص ٥: ١٤ | بما في رومية ١٦: ١٦ و١كورنثوس ١٢: ٢٠ |
والاتفاق بين بطرس وبولس المفهوم من قول بولس «إَنِّي ٱؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ ٱلْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ ٱلْخِتَانِ» (غلاطية ٢: ٧) يبعد عن العقل أن بطرس كتب إلى الكنائس التي أسسها بولس بين الأمم مدّة حياة بولس. ولنا من ذلك أن بطرس لم يكتب رسالتيه إلا بعد وفاة بولس في آخر أيام الأمبراطور نيرون السنة ٦٧ أو ٦٨ ب. م. وقيل في هذه الرسالة أن مرقس كان مع بطرس يوم كتبها ولكنه كان مع بولس في رومية من السنة ٦١ – ٦٣ ب. م كما يظهر من (كولوسي ٤: ١٠) وكان حينئذ على وشك أن يذهب إلى أسيا الصغرى كما يُعرف من (٢تيموثاوس ٤: ١١). وتوقع بولس أن يأتي إليه وهو في رومية مع تيموثاوس حين كتب الرسالة الثانية إلى تيموثاوس السنة ٦٧ أو ٦٩ ب. م.
ومكان كتابتها بابل بدليل قوله «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ، ٱلْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ» (١بطرس ٥: ١٣). والإشارة هنا إما إلى امرأة بطرس أو إلى الكنيسة في بابل. وذهب البعض إلى أن بطرس كان في مدينة بابل المشهورة المعروف موقعها على شاطئ الفرات. وذهب آخرون إلى أن المراد ببابل بلدة صغيرة في مصر بقرب القاهرة وليس من دليل على ذلك. وذهب آخرون إلى أن بطرس أشار ببابل إلى رومية والاسم هنا مجازي كما في (رؤيا ١٤: ٨) وبعض القائلين بهذا قالوا به إثباتاً لرأيهم أن بطرس سكن في رومية ٢٥ سنة وكان أسقفها الأول. وقال بعض العلماء من الإنجيليين أن بطرس كان في رومية في زمان بولس وكتب رسالته منها ولكن لا دليل البتة على أنه سكنها ٢٥ سنة ولا أنه كان أسقفها. فبموجب هذا الرأي تكون بابل اسماً مجازياً لرومية إشارة إلى شرورها ومقاومتها لملكوت الله كما كانت بابل قديماً.
في ما اختصت به هذه الرسالة
مما اختصت به هذه الرسالة بيان أن الديانة المسيحية إتمام نبوءات العهد القديم وفيها كثير من التشابيه المأخوذة من ذلك العهد وإشارات إلى فرائضه وتاريخه ومن ذلك ما في (ص ١: ١٠ – ١٢ و٣: ٥ و٦ و٢٠). وليس من أسفار العهد الجديد مثلها في كثرة المقتبسات من العهد القديم أو العبارات المأخوذة منه فإن آياتها ١٠٥ ومنها ٢٣ آية مقتبسة من ذلك العهد وليس في رسالة أفسس سوى سبع ولا في رسالة غلاطية سوى ثلاث عشرة. وهذا ما يتوقع من بطرس بالنظر إلى كونه رسول الختان.
ومما اختصت به كثرة الإشارات إلى أقوال المسيح وذلك دليل على كونه شاهداً بما سمع من فم المسيح نفسه وأنه اعتبر المسيح كل الاعتبار وأحبه كل المحبة واتخذه سيداً ورباً. وكثيراً ما ذُكر المسيح في هذه الرسالة باعتبار كونه الوسيط وأن قيامته من الأموات تؤيد ذلك ولهذا قال «بها (أي قيامته) وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ» (ص ١: ٣) وأن إيمانهم بالله مبني على تلك القيامة (ص ١: ٢). وذكر المسيح مثالاً لنا في احتمال الأرزاء وآثر أن يذكره باعتبار كونه في حال الارتفاع قائماً من الأموات ممجداً على يمين الله رئيس الكنيسة معبود الملائكة على أن يذكره باعتبار كونه في حال الاتضاع. واختار أيضاً أن يذكره باعتبار ما سيكون في مجيئه الثاني على أن يذكره باعتبار ما كان عليه مدة مجيئه الأول. ولهذا دُعي «رسول الرجاء» كما دُعي بولس «رسول الإيمان» ويعقوب «رسول الأعمال» ويوحنا «رسول المحبة» لأن الرجاء مقدار تعليمه في هذه الرسالة وأفكاره كانت تتوجه وهو يكتبها إلى المستقبل فكان يتوقع ظهور المسيح ثانية والمجد الذي يُعلن له ولشعبه.
وكلام بطرس بسيط مؤثر قوي موقظ لم يُرتب على وفق ترتيب المواضيع لإثباتها على مقتضى الاستدلال المنطقي كأكثر رسائل بولس لكن رسالته هذه تُعدّ من أشرف رسائل العهد الجديد فإنها مملوءة تعزية للمصابين والمضطهدين وفرط لذّة للطاعنين في السن والمتعبين والثقيلي الأحمال من مصائب هذا العالم وبلاياه وضعفاته وبياناً لأن تلك المحن إعداد للمؤمنين لميراثهم السماوي.
في الغايات من هذه الرسالة
غايات الرسول من هذه الرسالة أربع:
الأولى: تقوية المسيحيين وتعزيتهم في أثناء البلايا الشديدة.
الثانية: إنهاض غيرة المسيحيين للقيام بالواجبات الروحية التي تقتضيها دعوتهم السماوية.
الثالثة: إنذارهم من الأخطار الخاصة التي هم عرضة لها.
الرابعة: إزالة كل ما في قلوبهم من الشكوك في صحة التعليم الذي أخذوه عن بولس الرسول وكماله وتوطيدهم على الأساس الذي وضعه رسول الأمم. وعبّر الرسول نفسه عن تلك الغايات بقوله «كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ وَاعِظاً وَشَاهِداً، أَنَّ هٰذِهِ هِيَ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَقِيقِيَّةُ ٱلَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ» (ص ٥: ١٢). وفيها نرى قيامه بتوصية المسيح إياه بقوله «وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا ٢٢: ٣٢).
التالي |