رسالة يوحنا الأولى

رسالة يوحنا الأولى | تقديم

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح رسالة يوحنا الأولى

تمهيد

الغاية من كتابة هذه الرسالة بعضها ما في قوله «ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (ص ١: ٣ و٤). وقوله «كَتَبْتُ هٰذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ» (ص ٥: ١٣). وبعضها على ما يظهر للقراء الحث على المحبة الأخوية وعلى الثبات في شركة الإيمان والمحبة لله الآب والابن والتحذير من الشهوات الجسدية ومن التعاليم الفاسدة. والبدع التي نشأت في الكنيسة يومئذ هي على ما في تاريخ الكنيسة بدعة الدوسيتيين (Docetans) وبدعة الغنوسيين فالدوسيتيون تمسكوا بتعليم سيرنتس (Cerinthus) وهو أن المسيح هو ابن يوسف وابن مريم كأبناء سائر الناس وأن الكلمة اتحد به عند المعمودية حين حل عليه الروح القدس كالحمامة وأن الكلمة انفصل عنه عند صلبه فاعتقدوا أن المسيح ليس إنساناً حقيقياً بل ظهر أنه كذلك حين تكلم مع الناس وأكل وشرب معهم وحين تألم ومات. وأنكروا قول الإنجيل في أن حبل مريم بالمسيح من الروح القدس وكل ما يتعلق بولادته وما ذُكر من أمره قبل دخوله في الخدمة. وقالوا أنه ظهر أولاً على شاطئ الأردن بهيئة إنسان ولكن ذلك صورة لا جوهر فخُدع أصحابه وأعداؤه حين ظنوا أنهم رأواه وسمعوا صوته ولمسوه. فغضب اليهود عليه عبثاً فإنهم لم يشفوا غضبهم إلا بخيال غير مادي وأن كل حوادث صلبه وموته وقيامته وصعوده ليست سوى خيالات. ففند يوحنا هذه البدع في هذه الرسالة بتصريحه أن المسيح أتى في الجسد حقيقة وعاش ومات حقيقة لا تخيلاً. وأبان في هذه الرسالة علاوة على التعليم الصحيح المتعلق بالمسيح أهمية المحبة وأن وجودها في المؤمنين دليل على أنهم متحدون بالمسيح وأن إيمانهم حق خالص. واجتهد في أن يبين العلامات التي يمتاز بها المؤمنون الحقيقيون عن سائر الناس.

تقديم

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة

عنوان الرسالة

لم يُذكر الذين أُرسلت إليهم هذه الرسالة ولم توق°ع باسم أحد ولم تُذكر المحال التي سكنها من أُرسلت إليهم ولا محل الكاتب. ولكن أسلوب الكتابة أسلوب رسالة. ودعا الكاتب من أرسل إليهم «أولاده» مراراً فهي في عدم التوقيع تشبه الرسالة إلى العبرانيين.

الكاتب

اتفقت الكنيسة الأولى على نسبة هذه الرسالة إلى يوحنا الرسول مع أنها خلت من اسمه كبشارته. وكثيراً ما اقتبس الكتبة المسيحيون الأولون من هذه الرسالة ونسبوا ما اقتبسوه منها إلى يوحنا الرسول. ونُسبت إليه في النسخة السريانية. وأسلوبها كأسلوب إنجيل يوحنا. وما يدل على أن يوحنا الرسول كاتب البشارة هو كاتب هذه الرسالة المواضيع التي تكلم في هذه الرسالة عنها تكرار بعض الكلمات والعبارات بمعنى خاص مثل «الحق» و «المحبة» و «في النور» و «الولادة من الله» و «الثبوت في الله». فما ذُكر وأمثاله كُرر في البشارة وهذه الرسالة وهي تمنع من ظن أنه كتبها غيره كمتّى أو مرقس أو لوقا. وفي الرسالة رغبة في تعظيم المسيح كالرغبة في البشارة. وفيها عدم ذكر نفسه كما في البشارة وفي ما يأتي عبارات في هذه الرسالة تُظهر أن كاتبها وكاتب البشارة الرابعة المنسوبة إلى يوحنا واحد.

الرسالة البشارة الرسالة البشارة
١: ١ ١: ١ و٤ و١٤ ٣: ٢٢ ٩: ٣١
٢: ٥ ١٤: ٢٣ ٣: ٢٣ ١٣: ٣٤
٢: ٦ ١٥: ٤ ٤: ٤ – ٦ ٣: ٣١
٢: ٨ ١٣: ٣٤ ٤: ٩ ٣: ٣٦
٢: ١١ ١٢: ٣٥ ٤: ١٢ ١: ١٨
٢: ٢٣ ١٥: ٢٣ و٢٤ ٤: ١٦ ٦: ٦٩
٢: ٢٧ ١٤: ٢٦ ٥: ٣ و٤ ١٤: ١٥
٣: ١ ١٧: ٢٥ ٥: ٩ ٥: ٣٦
٣: ٨ ٨: ٤٤ ٥: ١٢ ٣: ٣٦
٣: ١٠ ٨: ٤٧ ٥: ١٣ ٢٠: ٣١
٣: ١٣-١٥ ٥: ٢٤ و٣٨ ٥: ١٤ ١٤: ١٣ و١٤ و١٦: ٢٣
٣: ١٦ ١٥: ١٢ و١٣ ٥: ٢٠ ١٧: ٢ و٣

من كُتبت هذه الرسالة إليهم

لا شيء يدل صريحاً على من كُتبت إليهم هذه الرسالة لأن ليس لها من عنوان كأكثر أسفار العهد الجديد وليست كرسالته الثانية والثالثة. ولم يذكر أنها أُرسلت إلى كنيسة أو جملة كنائس كسفر الرؤيا. ولم يُذكر فيها أشخاص معينون ولا دليل على سبب عدم ذكره أحداً مخصوصاً والمرجح أنها كُتبت إلى كنائس في جوار أفسس حيث شغل القسم الأخير من خدمته فتكون كالتي كتب إليها سفر الرؤيا لأن المشهور أنه انتشرت بينهم البدع التي فن°دها في الرسالة.

زمان كتابه هذه الرسالة ومكانها

أحوال الكنائس المسيحية في عصر كتابة هذه الرسالة تدل على أنها كُتبت في آخر حياة الرسول حين كان خادم الكنائس في أفسس أو حين كان مسجوناً في جزيرة بطمس. والأرجح أنها كُتبت بعد خراب أورشليم إذ لا إشارة فيها إلى الاضطهادات التي هاجها اليهود على المسيحيين التي انتهت في وقت زوال القوة من الأمة اليهودية في أورشليم فكانت المقاومات للكنيسة يومئذ كلها روحية إذ لم يذكر سوى بغض العالم لها (ص ٣: ١٣) وانتصارها على العالم (ص ٥: ٤). وكان قد دخل الكنيسة المعلمون الكاذبون الذين أنبأ بولس بهم في مخاطبته قسوس أفسس (أعمال ٢٠: ٢٩) وفي رسالته إلى تيموثاوس (٢تيموثاوس ٣: ١ و٤: ٣). وقد زالت الخصومات بين مؤمني اليهود ومؤمني الأمم في شأن الختان وسائر الفرائض الموسوية. والبدع التي فنّدها الرسول هي التي نشأت في الكنيسة بعد خراب أورشليم وابتدأت تظهر وتنتشر في بداءة القرن الثاني. والدلائل جليّة على أنها كُتبت بعد إنجيله لأن ما كتبه في الإنجيل بالتفصيل والإطناب ذُكر في الرسالة بالاختصار كأن الكاتب ظن قارئ الرسالة قد قرأ إنجيله فيستطيع فهمها بلا تفصيل. قال أنه يكتب في الساعة الأخيرة (ص ٢: ١٨) وعنى بذلك الوقت بين صلب المسيح ومجيئه ثانية كما يتضح من (أعمال ٢: ١٨ وعبرانيين ١: ٢). ودعوته من كتب إليهم «أولاداً» تدل على أنه كان شيخاً. وكل هذه الأمور حملت المفسرين على القول بأن الرسالة كُتبت في نحو السنة ٩٠ ب. م.

نسبة هذه الرسالة إلى بشارة يوحنا

ظن بعضهم أن هذه الرسالة تكملة أو خاتمة للبشارة لكن لا دليل على ذلك بل الأرجح أنها ملحق لكل البشائر أو العهد الجديد كله. والدلائل على أنها كُتبت بعد البشائر هي أن يوحنا يحسب ما كتبه في البشارة معروفاً للقراء وأنه أشار في البشارة بالتفصيل. وكتب البشارة كأنه في حضرة المسيح وحضرة أعدائه فذكر تعليم المسيح كأنه متصل أي أن المسيح لم يزل يعلّم الكنيسة ويسوسها وذكر في الرسائل تعليمه دون ذكر حضور المسيح ومقاومته للبدع التي نشأت بعد ذلك. ففي الإنجيل لا تسمع سوى صوت الرسول كأنه حفظ تعليم البشارة كلها في عقله وقلبه وعبّر عنها كأنها آراؤه وصرّح بها بكل سلطانه الرسولي. واجتهد في الإنجيل أن يبيّن كل مجد المسيح وأن يسوع هو المسيح ابن الله. واجتهد في الرسالة أن يثبّت ناسوت المسيح الحقيقي الكامل وأن المسيح هو يسوع أي الإله متجسداً. وليس في هذه الرسالة شيء من المقتبسات من العهد القديم ولا إشارة إلى نظام الكنيسة وسننها.

الغاية من كتابة هذه الرسالة

الغاية من كتابة هذه الرسالة بعضها ما في قوله «ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (ص ١: ٣ و٤). وقوله «كَتَبْتُ هٰذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ» (ص ٥: ١٣). وبعضها على ما يظهر للقراء الحث على المحبة الأخوية وعلى الثبات في شركة الإيمان والمحبة لله الآب والابن والتحذير من الشهوات الجسدية ومن التعاليم الفاسدة. والبدع التي نشأت في الكنيسة يومئذ هي على ما في تاريخ الكنيسة بدعة الدوسيتيين (Docetans) وبدعة الغنوسيين فالدوسيتيون تمسكوا بتعليم سيرنتس (Cerinthus) وهو أن المسيح هو ابن يوسف وابن مريم كأبناء سائر الناس وأن الكلمة اتحد به عند المعمودية حين حلّ عليه الروح القدس كالحمامة وأن الكلمة انفصل عنه عند صلبه فاعتقدوا أن المسيح ليس إنساناً حقيقياً بل ظهر أنه كذلك حين تكلم مع الناس وأكل وشرب معهم وحين تألم ومات. وأنكروا قول الإنجيل في أن حبَل مريم بالمسيح من الروح القدس وكل ما يتعلق بولادته وما ذُكر من أمره قبل دخوله في الخدمة. وقالوا أنه ظهر أولاً على شاطئ الأردن بهيئة إنسان ولكن ذلك صورة لا جوهر فخُدع أصحابه وأعداؤه حين ظنوا أنهم رأوه وسمعوا صوته ولمسوه. فغضب اليهود عليه عبثاً فإنهم لم يشفوا غضبهم إلا بخيال غير مادي وأن كل حوادث صلبه وموته وقيامته وصعوده ليست سوى خيالات. ففنّد يوحنا هذه البدع في هذه الرسالة بتصريحه أن المسيح أتى في الجسد حقيقة وعاش ومات حقيقة لا تخيلاً. وأبان في هذه الرسالة علاوة على التعليم الصحيح المتعلق بالمسيح أهمية المحبة وأن وجودها في المؤمنين دليل على أنهم متحدون بالمسيح وأن إيمانهم حق خالص. واجتهد في أن يبيّن العلامات التي يمتاز بها المؤمنون الحقيقيون عن سائر الناس.

اللاحق: الأصحاح الأول
زر الذهاب إلى الأعلى