رسالة يوحنا الأولى | الأصحاح 3
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح رسالة يوحنا الأولى
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالث
القسم الثاني من هذه الرسالة
موضوع هذا القسم إن الله محبة (ص ٥: ١ – ١٢). وتفصيل ذلك إن الولادة من فوق نتيجة محبة الله ولا يعرفها العالم. وإن مجد المؤمنين يقوم بمشابهتهم الله وإن رجاء المؤمنين وسيلة لتطهيرهم أنفسهم (ص ٣: ١ – ٣). وإن نتيجة الولادة من الله حسن سيرة المؤمن (ص ٣: ٤ – ١٠) ولها خمس علامات:
الأولى: الطهارة وضدها الخطيئة التي هي التعدي.
الثانية: الثبوت في المسيح. وضده عدم معرفته.
الثالثة: إن المؤمنين مشابهون لله. وضده إن الخطأة مشابهون للشيطان.
الرابعة: إن أبناء الله لا يخطأون. وضده إن أولاد الشيطان يأثمون.
الخامسة: إن أبناء الله يصنعون البر ويحبون إخوتهم. وضد ذلك إن غيرهم لا يصنعون البر ولا يحبون إخوتهم (ص ٣: ١١ – ١٨).
وعلامات البنوّة المجيدة أربع:
الأولى: الثقة (ص ٣: ١٩ – ٢١).
الثانية: استماع الله صلواتهم (ص ٣: ٢٢).
الثالثة: حضور الله معهم (ص ٣: ٢٣).
الرابعة: هبة الروح القدس لهم (ص ٣: ٢٤).
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
إن الولادة من فوق نتيجة محبة الله ع ١ إلى ٣
١ «اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ! مِنْ أَجْلِ هٰذَا لاَ يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ».
ص ٤: ١٠ ويوحنا ٣: ١٦ ع ٢ و١٠ ويوحنا ١: ١٢ و١١: ٥٢ ورومية ٨: ١٦ ويوحنا ١٥: ١٨ و٢١ و١٦: ٣
اُنْظُرُوا تسمية المؤمنين «مولودين من الله» في (ص ٢: ٢٩) قادته إلى التأمل في مجد تلك الولادة فدعا هنا المؤمنين إلى تسبيح الله والتعجب معه وهم يتأملون في ذلك فصنعهم البر علامة محبة الله لهم وأنه جعلهم أولاداً له.
أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أي ما أعظمها فإنها غريبة عجيبة. ومثل عظمة محبته تعالى عظمة نعمته فما أعظم النفع لنا منها.
أَعْطَانَا ٱلآبُ دعا الله هنا «الآب» بياناً لعظمة محبته وإنها كمحبة الوالد لأولاده. ولم يقل «أظهرها لنا الآب بل أعطانا» بياناً لأن فينا مصدر حياة جديدة إلهية لنكون شركاء طبيعته (ص ٤: ١٧ و١٩). ونتحقق عظمة محبة الله لنا حين نذكر أننا صنع يده وإننا خطأة متمردون غير شاكرين وأعداء وأنه مع ذلك عاملنا كأننا بنو العلي الطائعين.
حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ هذه نتيجة محبة الله العظيمة ومقياسها. ولم يقل أولاده بل «أولاد الله» بياناً لسمو مقامهم وأنهم أولاد ذلك الذي هو الله. وقوله «أولاد الله» يبيّن أصلهم وأنهم لم يولدوا من دم ولحم ويبيّن افتقارهم إليه وعنايته بهم ومواساته إياهم ومشابهتهم له واتحادهم به ومحبته لهم وأنهم ورثته. ولم يقل أنهم سيُدعون أولاد الله بل إنه يدعوهم الآن ويعترف بهم جهراً (انظر تفسير يوحنا ١: ١٣ ورومية ٨: ١٥ – ١٧ و٢كورنثوس ٦: ١٨).
مِنْ أَجْلِ هٰذَا لاَ يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ أي لأن تلك الولادة الجديدة سرّ وتلك المحبة عجيبة حتى لا يمكن الإنسان الطبيعي أن يتصورهما.
لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ جهل العالم الله اختياري وهو يبغض الله فوق جهله إياه فيرفضه ويرفض ابنه بدليل قول الرسول «كَانَ فِي ٱلْعَالَمِ، وَكُوِّنَ ٱلْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ٱلْعَالَمُ» (يوحنا ١: ١٠). وقول المسيح «أَيُّهَا ٱلآبُ ٱلْبَارُّ، إِنَّ ٱلْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ» (يوحنا ١٧: ٢٥). والله أعلن نفسه بخلق العالم وبعنايته به ولم يعرفه بذلك (١كورنثوس ١: ٢١). وأعلنها بابنه (يوحنا ١٦: ٣). وجهله العالم وجهل ابنه إذا اعتبره خادعاً (١كورنثوس ٢: ٨ وأعمال ٣: ١٧). وعدم معرفة العالم لله علّة أنهم لم يعرفوا المولودين منه لأن «لَيْسَ ٱلتِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ ٱلْمُعَلِّمِ، وَلاَ ٱلْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ» (متّى ١٠: ٢٤).
٢ «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلٰكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ».
ص ٢: ٧ ع ٢ و١٠ ويوحنا ١: ١٢ و١١: ٥٢ ورومية ٨: ١٦ و٢٩ ورومية ٨: ١٩ ع ٢٣ و٢كورنثوس ٥: ٢١ ص ٢: ٢٩ و٢بطرس ١: ٤ ويوحنا ١٧: ٢٤ و٢كورنثوس ٣: ١٨
أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ دعاهم «أحباء» لأنهم أولاد مع أن العالم لم يعرفهم ولكن الله عرفهم واعترف بهم. ولا شرف أعظم من هذا فهو موضوع الفرح والشكر على قدر ما عرفناه واختبرناه إلى الآن.
وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ إن سأل أحد ماذا سنكون في المستقبل فالجواب لا نعلم لأنه لم يُعلن لنا المجد الذي نحصل عليه بالبنوّة.
وَلٰكِنْ نَعْلَمُ من مواعيد التي منها قوله في صلاته «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا ١٧: ٢٤ انظر أيضاً مزمور ١١: ٧ و١٧: ١٥ و١كورنثوس ١٣: ١٢ و٢كورنثوس ٣: ١٨).
إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ هذا أعظم ما يمكن أن يتوقعه الإنسان من السعادة والمجد وهو المشابهة للمسيح في الجسد والنفس والصفات فالمسيح بهاء مجد الله ورسم جوهره فبكوننا مشابهين للمسيح نصير مشابهين لله.
لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ ورؤيته أحسن السعادة لأنها تستلزم المشابهة له التي هي أعظم المجد. ولم يصرّح هنا بالمرئي أَ الآب هو أم الابن ولكن لا ريب في أن الذي أنبأ بأننا نراه هو الابن لأن الله الآب «لم يره أحد قط» (يوحنا ١: ١٨ وخروج ٣٣: ١٨ ويوحنا ٤: ١٢). والذي سنراه هو مجد الله في وجه يسوع المسيح على وفق قول بولس الرسول «لأَنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللّٰهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ٤: ٦). وقول يوحنا «وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ» (رؤيا ٢٢: ٤). ومشاهدة المسيح تحوّل المشاهد إلى صورته بدليل قول المرنم «أَمَّا أَنَا فَبِٱلْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا ٱسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور ١٧: ١٥). وقول بولس «ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ الخ» (فيلبي ٣: ٢١). طمع الإنسان في أن يكون مثل الله في المعرفة بأكله الثمرة التي نُهي عنها فسقط وبالمسيح نستطيع أن نقوم من ذلك السقوط وأن نصير مثله حقيقة «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ» (رومية ٦: ٥). «فَدُفِنَّا مَعَهُ بِٱلْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ ٱلآبِ، هٰكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ» (رومية ٦: ٤).
٣ «وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هٰذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ».
رومية ١٥: ١٢ و١بطرس ١: ٣ و٢كورنثوس ٧: ١ و٢بطرس ٣: ١٣ ص ٢: ٦ ويوحنا ١٧: ١٩
وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هٰذَا ٱلرَّجَاءُ أي كل من ينتظر أن يكون مثل الله يجب أن يجتهد الآن في أن يماثله (متّى ٥: ٨ وغلاطية ٥: ٥). وهذا الموضع الوحيد الذي ذكر فيه يوحنا «الرجاء» في هذه الرسالة.
بِهِ أي بالله في المسيح بالاتكال على مواعيده.
يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بروح المسيح العامل فيه (يوحنا ١٥: ٣ و٥) فيجتهد المؤمن كل الاجتهاد في سبيل أن يكون طاهراً وأن يحفظ نفسه من دنس هذا العالم بالنعمة التي يهبها الله له (٢كورنثوس ٧: ١ ويعقوب ٤: ٨ و١بطرس ١: ٢٢). فالإسرائيليون كانوا يطهّرون أنفسهم قبل أن يمثلوا أمام الله (خروج ١٩: ١٠ ويوحنا ١١: ٥٥ وأعمال ٢١: ٢٤). وعلى هذا النسق يجب على المؤمنين أن يطهّروا أنفسهم ولذلك قيل «فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِٱلدُّخُولِ إِلَى «ٱلأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ… لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ ٱلإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ» (عبرانيين ١٠: ١٩ – ٢٢).
كَمَا هُوَ طَاهِرٌ أي كما المسيح طاهر أبداً وصدق الطهارة عليه على الأرض تصدق عليه وهو ممجد في السماء.
تأثير الولادة من الله في المؤمنين ع ٤ إلى ١٠
٤ «كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ ٱلتَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَٱلْخَطِيَّةُ هِيَ ٱلتَّعَدِّي».
ص ٥: ١٧ رومية ٤: ١٥
كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ ٱلتَّعَدِّيَ أَيْضاً أي يعصي وصية يجب أن يطيعها.
وَٱلْخَطِيَّةُ هِيَ ٱلتَّعَدِّي أي إيثار مشيئة الإنسان على مشيئة الله ومخالفة الناموس «لأَنَّ بِٱلنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ ٱلْخَطِيَّةِ» (رومية ٣: ٢٠). كما يُعرف الخط المعوّج بمقابلته بالخط المستقيم. والخطيئة على ما قال يعقوب «انجذاب وانخداع من الشهوة» (يعقوب ١: ١٤). وعلى قول يوحنا عدم قيام الإنسان بما يجب عليه فيخالف شريعة ما يجب عليه لنفسه وشريعة ما يجب عليه لقريبه وشريعة ما يجب عليه لربه. والخطيئة لا تخرج عن أن تكون تعدياً مهما كان عذر مرتكبها. وللشريعة سلطان من واضعها وعقاب للذين يتعدّونها وبعض ذلك العقاب يجري في هذا العالم وبعضه يجري في العالم الآتي.
٥ «وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ».
ص ١: ٢ وع ٨ ويوحنا ١: ٢٩ و١بطرس ١: ١٨ – ٢٠ ص ٢: ٢ و٢٩ و٢كورنثوس ٥: ٢١
وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا لا لكي يرفع الناموس كما قال المعلمون الكاذبون وهذا يبيّن شدة المنافاة بين بنوة المؤمنين وارتكاب الخطيئة فإن الخطيئة تنافي عمل المسيح. ومعنى قوله «إن ذاك أُظهر» إنه تجسد وصار «حمل الله ليرفع خطية العالم» (يوحنا ١: ٢٩). وكان تيس عزازيل رمزاً إليه في عمل الخطية (لاويين ١٦: ١٠). وكان المسيح أصلاً ابن الله وظهر في الجسد للخلاص (متّى ١: ٢١ و١تيموثاوس ٣: ١٦). وذلك الإظهار يتعلق بكل حياته على الأرض من ولادته ونموه وخدمته وموته وقيامته وصعوده وكان لكل جزء من أجزاء إظهاره في حياته وموته عمل في رفع الخطية. وكونه رافعاً لخطايانا يستلزم إزالتها على اختلاف أنواعها لا ليجعل للإنسان سبيلاً إلى أن يخطأ بلا عقاب فإن الرب رأى أن الخطيئة فظيعة جداً ولكي يفدينا منها أتى إلى العالم وتجسد لكي يتألم ويموت. فإذاً لا يجوز أن نرتكب الخطيئة التي أتى لينقذنا منها وتألم أشد التألم من أجلها فارتكابنا الخطايا دليل على عدم شكرنا وعلى قساوة قلوبنا.
وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ قال ذلك بياناً لاستطاعته رفع الخطايا ولفرط البعد بينه وبين الخطيئة (يوحنا ٧: ١٨ وعبرانيين ٢: ١٠ و٥: ٩) وقال «ليس فيه خطية» بياناً لخلوّه من الخطية في طبيعته السماوية قبل تجسده. وخلوّه من الخطية علّة خلوّ شعبه منها وإلا فلا يدعي أنه للمسيح.
٦ «كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ».
ع ٦ ص ٢: ٣ و٣يوحنا ١١
كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ كما يثبت الغصن في الكرمة فإن المؤمن متحد به فيحيا بحياته.
لاَ يُخْطِئُ خلو المسيح من الخطية يستلزم خلو المتحد به منها كما أن الاتحاد به يستلزم الثبوت في الإيمان والطاعة. وقوله «كل من يثبت فيه لا يخطئ» قانون سلوك كل مؤمن فعلى قدر ثبوته في المسيح يبعد عن الإثم. وهذا مثل قول بولس «نَحْنُ ٱلَّذِينَ مُتْنَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا» وقوله «وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ» (رومية ٦: ٢ و١٨). ولا يلزم من ذلك أن يكون كل مؤمن كامل القداسة فلم يكن إبراهيم ولا موسى ولا يعقوب ولا داود بلا خطية. ومعنى أن المؤمن «لا يخطئ» أنه لا يستمر على الخطية ولا يتعمدها ولا يرتكبها اختياراً فلا يخطأ ما لم تغلبه التجربة ولا يخطأ إلى النهاية فيهلك بخطيته.
كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ لأن الخطية منافية لإقرار المؤمن ولإقرار الذي وُلد ثانية قلا يقدر من يستمر على الخطية ويرتكبها عمداً أن يكون مسيحياً حقاً ولا يعرف المسيح ولا دينه حق المعرفة. إننا نبصر المسيح حين نشعر بحقه وجماله ومحبته وقوته وكماله فنعرفه حين يصير الإبصار اختباراً فإننا نعرف بالاختيار قوة نعمته لكي يقوينا ويطهرنا ووجدنا الاتحاد به سعادة والتأمل في كلماته وأعماله لذة.
٧ « أَيُّهَا ٱلأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. مَنْ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ».
ص ٢: ١ و٢٦ و٢٩
أَيُّهَا ٱلأَوْلاَدُ إن الخطر المحيط بهم حمله على مخاطبتهم بالرقة.
لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ في أمر الخطية (ص ٢: ٢٦) ممن يدّعون السلطان من المسيح ويعتذرون عن الإثم (ص ١: ٨). والضلال العظيم هو توهمهم أنهم يحسبون أبراراً بدون أن يعملوا أعمال البر.
مَنْ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ أي من سيرته تدل على أنه بار فهو بار بدليل قوله «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ» (ص ٢: ٢٩). فكل من يفعل البر يبرهن أنه متبرر ببر المسيح (رومية ١٠: ٣ – ١٠). فالأعمال لا تبرر الإنسان ولكن المتبرر يصنع البر كما يشهد الثمر بجودة الشجر ولكنه لا يجعل الشجر ردياً ولا جيداً. ومعنى قوله «فهو بار» أن له علامة البنوة الإلهية فعمله الظاهر يُعلن حال قلبه الباطنة. وهذا كقول المسيح «ٱلَّذِي مِنَ ٱلأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ ٱلأَرْضِ يَتَكَلَّمُ» (يوحنا ٣: ٣١).
كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ فالمسيح هو المثال الوحيد الكامل البر وكان باراً في كل أقواله وأعماله وهو قانون لنا في القداسة والبر فيجب أن نجتهد في أن نكون مثله.
٨ «مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هٰذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ».
ع ١٠ ومتّى ١٣: ٣٨ ويوحنا ٨: ٤٤ ومتّى ٤: ٣ ويوحنا ١٦: ١١ و١٢: ٣١
مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ فهذا تتمة قوله «مَنْ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ (أي المسيح) بَارٌّ» (ع ٧). ومعنى العبارة إن الذي يستمر على ارتكاب الخطية عمداً هو ابن إبليس فلا يستطيع أن يكون ابناً لله. حتى إن المؤمن على قدر ما يخطأ يظهر أنه مثل إبليس وإن مبادئ إبليس مبادئه فيكون بذلك كابن له. وهذا مثل قوله «من الشرير» (ع ١٢). وقول المسيح لليهود «أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ» (يوحنا ٨: ٤٤). ونسب بولس بداءة الخطيئة إلى آدم (رومية ٥: ١٤ و١كورنثوس ١٥: ٢٢) وأما يوحنا فتتبعها إلى جرثومتها. ولم يقل «مولود من إبليس» بل «هو من إبليس» يريد أنه يشبهه وأن روحه كروحه.
لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئُ ليس المراد أن إبليس يخطأ من بدء وجوده لأنه خُلق مقدساً كسائر الملائكة فالمراد أنه أول الخطأة وأنه هو الذي أدخل الخطية إلى العالم وأنه مستمر على ارتكابها.
لأَجْلِ هٰذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ ذكر أنه «أُظهر لكي يرفع خطايانا» في الآية الخامسة. وسمي المسيح في هذه الآية «ابن الله» وهو أول مرة سمي في هذه الرسالة بذلك. وسماه بهذا إظهاراً أنه قادر على محاربة إبليس الشديدة. وعبّر عنه قبل هذا «بالابن» وأضافه هنا إلى «الله» بياناً أن لعدو الإنسان خصماً أقوى من الإنسان. والمراد «بأعمال إبليس» الأعمال التي أتى المسيح لينقضها وهي «أعمال الظلمة» (رومية ١٣: ١٢ وأفسس ٥: ١١). و «أعمال الجسد» (غلاطية ٥: ١٩). وهي منافية «لأعمال الله» (يوحنا ٩: ٣). و «لأعمال المسيح» (متّى ١١: ٥). وخلاصتها الخطية وكل نتائجها فالمسيح هو نسل المرأة الذي قيل أنه «يسحق رأس الحية» (تكوين ٣: ١٥). وقصد الرسول بما قاله هنا أنه يستحيل أن يرتكب المسيحيون الحقيقيون ما أتى المسيح لينقضه. وهذه الآية تؤكد خلاص المؤمنين على رغم كل سعي الشيطان في إهلاكهم وتبين سعة دائرة ملكوت المسيح بما يظهر من صفاته الإلهية. ويتم ذلك النقض حين يأتي ثانية لإتمام فداء شعبه فإنه يلاشي حينئذ ملكوت الظلمة الذي هو ملكوت إبليس ويقيّد إبليس بقيود أبدية.
٩ «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ».
ص ٢: ٢٩ ع ٦ وص ٥: ١٨ ويعقوب ١: ١٨ و١بطرس ١: ٢٣
هذه الآية تقرير وإيضاح للآية السابعة. فعلى قدر ما يمتنع المؤمن من الخطية يُظهر أنه مولود من الله لأن الولادة من الله وارتكاب الإثم متدافعان.
كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً أي أنه على قدر ما يعتزل الخطية يبين أنه مولود من الله للتدافع بينهما كما ذُكر.
لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ المراد «بالزرع» هنا بداءة الحياة الجديدة التي غرسها الروح القدس وهذا ينشئ النمو الروحي وهو على الاستمرار على القداسة. فإن الله يهب من حياته للمؤمن فلا يعمل فيه ويتركه لنفسه. ومن هذا الزرع ينشأ بعد حين الرجل الكامل وهذا الزرع يحييه ويجدده ويقدسه ويجعله مثمراً (يوحنا ١: ١٣) وهذا مثل قوله «كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ» (ع ٦) وواسطة بداءة ذلك الزرع المحيي كلمة الله (لوقا ٨: ١٢ و١٥ ويعقوب ١: ١٨ و١بطرس ١: ٢٣).
لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ هذا يبيّن شدة المنافاة بين الولادة من الله والخطية. فكل من وُلد ولادة جديدة حقيقية كانت أعماله الشريرة إعراضاً لا تلحق جوهر حياته ولا يُراد بعدم استطاعة المولود من الله أن يرتكب الخطية العجز الطبيعي بل الأدبي كما في قوله «لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا» وقوله «رُوحُ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ» (يوحنا ١٢: ٣٩ و١٤: ١٧). فلا يقدر المؤمن أن يقول إن زرع الله فيَّ فلا أبالي بارتكاب الخطية. وإن قال ذلك كان قوله دليلاً على خلوّه من الزرع الإلهي فكلما جُرب وسقط في الإثم وجب أن يخاف من أن زرع الله ليس فيه فيطلب مساعدة الروح القدس لمقاومة الخطية. فقوله هنا «لا يستطيع أن يخطئ» يستلزم أنه لا يخطأ وإذا خطئ عمداً أبان أنه ليس مولوداً من الله فإن كل مولود من الله يُجرح يومياً من الخطية لكنه لا يطرح أسلحته ويسلم لعدوّ نفسه.
١٠ «بِهٰذَا أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ».
ع ١ و٢ ويوحنا ١: ١٢ و١١: ٥٢ ورومية ٨: ١٦ ع ٨ ومتّى ١٣: ٣٨ ويوحنا ٨: ٤٤ ص ٤: ٨ ورومية ١٣: ٨ الخ وكولوسي ٣: ١٤ و١تيموثاوس ١: ٥ ص ٢: ٩
بِهٰذَا أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ في هذه الآية خلاصة كل ما قاله في هذا الموضوع فإن الناس إما أولاد الله وإما أولاد إبليس فكل الذين يجتهدون في فعل البرّ هم من الله والذين يختارون الإثم من الشيطان. وذكر هنا المحبة الأخوية كما ذكرها في (ص ٢: ٩) باعتبار كونها أعظم الفضائل المميزة بين الخطية والقداسة. وأشار بقوله «بهذا» إلى كون المسيحي لا يخطأ عمداً. وفي كلامه على «أولاد الله» و «أولاد إبليس» لم يسلم بسوى صنفين من الناس وهما المعبّر عنهما بالنور والظلمة ولا ثالث لهما فعلى كل إنسان أن ينظر من أي الصنفين هو حتى يعرف كل إنسان من هو (متّى ١٢: ١٦ وأعمال ٧: ١٣ و١كورثنوس ١١: ١٩).
كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ هذا إنذار للذين يتكلون على مجرد تسميتهم مسيحيين فيجب أن يكونوا مسيحيين فعلاً لا اسماً فقط.
وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ حسب الرسول المحبة الأخوية من أعمال البرّ فبدونها يكون اعترافه بأنه مسيحي باطلاً لأن غاية الإنجيل إنشاء تلك المحبة.
المحبة الأخوية نتيجة المحبة الإلهية ع ١١ إلى ١٨
أثبت الرسول ذلك من أمر المسيح (ع ١١) ومن كونه منافياً لعمل قايين ولعمل العالم الذي يشبه عمل قايين ومن اقتران المحبة بالحياة والبغض بالممات (ع ١٥). وتسوية المبغض بالقاتل واستحالة أن ينال القاتل الجسد الحياة الأبدية. ومن مثال محبة الله لنا بذل ابنه من أجلنا وما يستلزم ذلك من إنكارنا لذواتنا بغية نفع غيرنا. ووجوب إنكار الذات في سبيل الإخوة للقيام بحاجاتهم اليومية (ع ١٧) ووجوب أن تكون المحبة بالفعل لا بمجرّد القول.
١١ «لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً».
ص ١: ٥ و٢: ٧ ويوحنا ١٣: ٣٤ و١٥: ١٢ وص ٤: ٧ و١١ و٢١ و٢يوحنا ٥
لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ أي من بدء الدين المسيحي. ومعنى «الخبر» هنا مضمون الإنجيل لأن تعليم المحبة أول مبادئ الدين المسيحي وأهمها فغاية عمل المسيح من أوله إلى آخره إظهار المحبة. وتاريخ حياته تاريخ المحبة وإنكار الذات. وجعل المسيح قانون المحبة الأول والأبقى في الكنيسة (يوحنا ١٣: ٣٤ و٣٥ و١يوحنا ٢: ٧).
أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً هذا الغاية الإلهية وغاية حياة المسيح وعمله وهو يعلّم الإنسان إنكار ذاته رغبة في خير غيره.
١٢ «لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ».
تكوين ٤: ٨ ص ٢: ١٣ ومتّى ٥: ٣٧ ومزمور ٣٨: ٢٠ وأمثال ٢٩: ١٠ ويوحنا ٨: ٤٠ و٤١
لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ أراد «بالشرير» الشيطان وأظهر نسبة قايين إلى إبليس بعدم محبته وبمضادته للبرّ.
وَذَبَحَ أَخَاهُ نتج قتله لأخيه من بغضه للبر وإطاعته للشيطان الذي أغواه.
وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ ذكر الرسول لذلك ثلاثة أسباب:
الأول: كونه من الشرير لا من الله.
الثاني: كون أعماله شريرة وهذا علّة قتله أخاه كما أن الولادة الجديدة تكون علّة البر وثمره.
الثالث: ما ذكره في الآية الآتية وهو أن برّ الأبرار يهيّج بغض الأشرار أبداً فقدّم قايين مثالاً للحسد وبغض الشرير البار.
١٣ «لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ».
يوحنا ١٥: ١٨ و١٧: ١٤
لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي الخ لأن ذلك ما يجب أن تتوقعوه من بغض من هم في الظلمة لأولاد النور لأن البغض هو العلامة التي يمتاز بها العالم كما إن المحبة علامة الحياة الجديدة الإلهية. ذكر قبلاً بغض قايين لأخيه بلا سبب وبيّن هنا أنه ليس من الغريب أن يكون بغض العالم كبغض قايين لهابيل. وهذا كقول المسيح «إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ… لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (يوحنا ١٥: ١٨ و١٩). وقوله «أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ، وَٱلْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١٧: ١٤). خاطبهم بقوله «يا إخوتي» إظهاراً لمحبته لهم وكثيراً ما خاطب يعقوب من كتب إليهم بذلك ولكن لم يرد في هذه الرسالة إلا هنا. وفيه إشارة إلى تساويهم في الحياة المسيحية. إن العالم أبغض المسيح وصلبه فلا عجب من أنه يبغض تلاميذه (متّى ١٠: ٢٤ و٢٥). فأنزل يوحنا العالم منزلة قايين والمؤمنين منزلة هابيل.
١٤ «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ ٱلإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي ٱلْمَوْتِ».
يوحنا ٥: ٢٤ ص ٢: ١٠ ويوحنا ١٣: ٣٥
نَحْنُ نَعْلَمُ بالاختبار الباطن. إن الشعور بالحب للإخوة برهان على الولادة الجديدة. أي التغيّر العظيم الذي نحصل عليه فليس هو سبب تلك الولادة بل الدليل عليها.
أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ أي من الموت الروحي إلى الحياة الروحية والأبدية وهذا يدل على أننا مسيحيون حقيقيون. والمراد «بالحياة» هنا أسمى مقامات السعادة الذي يستطيع الإنسان بلوغه بدليل قول المسيح «خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ الخ» (متّى ١٨: ٨). وقوله «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ الخ» (متّى ١٩: ١٧). فالمحبة الفعلية هي علامة الحياة وثمرها. وبداءة المحبة تدل على تغيّر عظيم فقبلها يكون الإنسان ميتاً. فهي قياس يقيس به المؤمنون أنفسهم فإذا شعر أحد بحبه لغيره لأنه مسيحي منسوب إلى المسيح ومشابه له لا لسبب غناه أو علمه أو جمال منظره فليتحقق أنه مؤمن حقاً. وقول الرسول هنا يشبه قول المسيح «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي… فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا ٥: ٢٤). إن المحبة للإخوة هي التي تحمل المؤمن على أن يعمل ما ينفع به أخاه. قيل إن يوحنا لما طعن في السن لم يستطع أن يمشي إلى الكنيسة فكانوا يحملونه على سرير إليها ولم يكن قادراً على أن يتكلم هنالك إلا بقوله «يا أولادي أحبوا بعضكم بعضاً» فقيل له لماذا تكرر هذه الوصية قال لأنها وصية ربنا ويكفي أن نطيعها.
مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي ٱلْمَوْتِ أي الموت الروحي الذي نهايته الموت الأبدي فمجرد عدم المحبة علامة أنه لم تتغير طبيعته أي إن قلبه لم يتجدد ولا وسط بين المحبة والبغض فالفرق بينهما كالفرق بين الحياة والموت.
١٥ «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ».
متّى ٥: ٢١ ويوحنا ٨: ٤٤ وغلاطية ٥: ٢٠ ورؤيا ٢١: ٨
كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ حسب يوحنا عدم الحب للأخ بغضاً له وإن للمبغض روح قايين أول قتلة الناس. نعم إن الشيطان هيّج قايين على قتل أخيه لأنه القاتل منذ البدء لكن قايين أطاعه اختياراً. وليس مراد الرسول أن كل من لا يحب أخاه يُحسب أنه قاتل نفس حقيقة لكنه أراد أنه ببغضه لأخيه يربي الانفعال الذي يحمل على القتل إذا بقي عليه والله يحسبه كالقاتل.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ الخ ترك هذا لحكم الضمير فلا أحد ممن له الحياة الروحية الإلهية يريد أن يزيل حياة غيره لأن من شأن تلك الحياة أن تهب الحياة. فخلاصة مراد الرسول هنا أنه حيث لا تكون المحبة يكون البغض وحيث يكون البغض يكون القتل وحيث يكون القتل لا تكون حياة أبدية (انظر متّى ٥: ٢١ – ٢٦).
١٦ «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ».
يوحنا ١٥: ١٣ و١٠: ١١ وفيلبي ٢: ١٧ و١تسالونيكي ٢: ٨ ص ٢: ٩
بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ بإرشاد الله. وضع الرسول تجاه البغض والقتل أعظم مثال للمحبة وهو بذل النفس من أجل المحبوب. والمراد «بالمحبة» هنا أسماها فبالذي أتاه المسيح بالمحبة علمنا حقيقة المحبة وقوتها مما حملته على فعله وإنكار نفسه.
أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا هذا ما فعله المسيح (يوحنا ٣: ١٦ و١٠: ١١ و١٥ و١٧ و١٥: ١٣). آية المحبة قيمة ما بُذل من أجل المحبوب ولا شيء في السماوات والأرض أثمن من حياة ابن الله الذي صار جسداً.
فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ إذا كان هذا ضرورياً لنفعهم لأن المسيح فعل كذلك وهو مثال لنا وهذا خلاصة كل تعليمه. وقد أتى مثل ذلك الأنبياء والشهداء فوضعوا أساس الكنيسة والحق. والناس طالما أكرموا محبي الوطن الذين بذلوا نفوسهم ونفائسهم لأجل بلادهم فيجب أن لا تكون حياتنا أثمن من حياة ابن الله التي بُذلت من أجلنا فإن المسيح وضع نفسه من أجلنا ليُظهر محبته لنا ويكفر عن خطايانا لله. فأقل ما يجب علينا أن ننفق في سبيل إخوتنا الوقت والعناية والصلوات والخدمة فلم يبق علينا إلا أن نقتفي خطوات المسيح في إظهار محبتنا لإخوتنا لأن كفارته كافية للعالم كله.
١٧ «وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ ٱلْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِيهِ؟».
يعقوب ٢: ١٥ وتثنية ١٥: ٧ ص ٤: ٢٠
وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ ٱلْعَالَمِ أي المال وسمي بهذا الاسم لأنه يقوم بلوازم الحياة في هذا العالم وهو الأمر الذي يهتم به العالم غالباً. ومعنى الرسول أنه إذا اقتضت الأحوال بذل نفوسنا من أجل إخوتنا وجب أن نبذلها فبالأولى أن نعطيهم من مالنا ما يقوم بمعاشهم.
وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً أي مفتقراً إلى القوت والكسوة والمسكن والعناية والمساعدة له ولأهل بيته.
وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ أي لم يشفق عليه حتى يعينه.
فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِيهِ أي المحبة التي الله غايتها ومصدرها ومثالها. والاستفهام هنا إنكاري أي لا يمكن أن تثبت محبة الله فيه. وهذا مثل قول يعقوب «مَا ٱلْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلٰكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ… إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ ٱلْيَوْمِيِّ فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: ٱمْضِيَا بِسَلاَمٍ، ٱسْتَدْفِئَا وَٱشْبَعَا. وَلٰكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ ٱلْجَسَدِ، فَمَا ٱلْمَنْفَعَةُ» (يعقوب ٢: ١٤ – ١٦) وقول يوحنا نفسه «مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ» (١يوحنا ٤: ٢٠) فلا دليل على كون الإنسان مولوداً من الله وهو لا يحب أخاه المخلوق على صورة الله (متّى ٢٥: ٤٥ وغلاطية ٦: ١٠). فالمسيح وضع نفسه لأجل غيره أفما يجب أن نضع أموالنا من أجل إخوتنا. وإنه فتح قلبه لكي يجري منه دمه من أجلهم فهل نغلق قلوبنا دون إخوتنا.
١٨ «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِٱلْكَلاَمِ وَلاَ بِٱللِّسَانِ، بَلْ بِٱلْعَمَلِ وَٱلْحَقِّ!».
ع ٧ ص ٢: ١ و٢يوحنا ١ و٣يوحنا ١
يَا أَوْلاَدِي خاطبهم كوالد لأولاده.
لاَ نُحِبَّ بِٱلْكَلاَمِ وَلاَ بِٱللِّسَانِ الخ أي يجب أن لا تكون المحبة بمجرد الإقرار بلا عمل بل أن تكون كعبادتنا للآب «بالروح والحق» (يوحنا ٤: ٢٣). والمسيح أظهر محبته للناس قولاً وفعلاً فهكذا يجب أن نفعل.
أثمار محبة الله المجيدة في البنوة ع ١٩ إلى ٢٤
هذه الأثمار بالتفصيل:
- اطمئنان قلوبنا (ع ١٩ – ٢١).
- استماع صلواتنا (ع ٢٢).
- حضور الله معنا (ع ٢٣).
- عطيّة الروح القدس (ع ٢٤).
١٩ «وَبِهٰذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ».
ص ٢: ٢١
بِهٰذَا نَعْرِفُ أي بإظهار محبتنا لإخوتنا بالعمل والحق أي بأعمالنا وإنكار ذواتنا مما نشعر به في قلوبنا.
أَنَّنَا مِنَ ٱلْحَقِّ أي نعلم أننا مسيحيون حقيقة وإن حياتنا مبنية على الحق وإننا أعضاء مملكة الحق التي المسيح ملكها ونعلم أننا لسنا مخدوعين بقولنا «إننا أبناء الله» لأننا إذا كنا نحب كما يحب الله فلا داعي للخوف.
وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ لأنه لا يبقى حينئذ ما تبكتنا ضمائرنا عليه ولأننا نكون قد تحققنا إننا أولاد الله. ومعنى قوله «قدامه» إننا كأننا في حضرته. وكون محبتنا مثل محبته برهان على شركتنا معه وتأكيد لنسبتنا الحقيقية إليه.
٢٠ «لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَٱللّٰهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ».
إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا على أننا تغافلنا عن إخوتنا في وقت احتياجهم. والقلوب هنا بمعنى الضمائر.
فَٱللّٰهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا الخ والأعظم هنا إما في فحص قلوبنا أو في الرحمة. فإذا أخطأنا إلى أخينا لم نستطع أن نجد السلام في قلوبنا بكتم الأخطاء أو إنكاره فالله يعلم كل أعمالنا والمحركات عليها ولا بد من أن يحكم علينا ويعاقبنا إذا كنا مذنبين. فيجب علينا أن نتوب ونعمل أعمالاً تليق بالتوبة. ولكن إذا لامتنا قلوبنا بدون حق أو بما يزيد على الحق فالله رحيم يعذرنا ويغفر لنا لعلمه إخلاص محبتنا باطناً لإخوتنا وشركتنا معه. فإنه تعالى ينقض حكم قلوبنا علينا رحمة منه.
٢١ «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ ٱللّٰهِ».
ص ٢: ٧ و٢٨ و٥: ١٤
إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا أي إذا تحققنا خلوص محبتنا لإخوتنا وأظهرناها بأعمالنا نتحقق شركتنا مع الله ونيل السلام لضمائرنا. وهذا على وفق جواب بطرس على سؤال المسيح «أتحبني» وهو قوله «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ» (يوحنا ٢١: ١٧).
فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ ٱللّٰهِ كثقة الولد من نحو والده لا كخوف المدين أمام الديّان. جاء في هذه الرسالة مرتين أنه «تكون لنا ثقة أمام الله في يوم الدين» ومرتين «إن لنا الثقة بأن الله يسمع صلواتنا». و «الثقة من نحو الله» هنا تتعلق بتقديم طلباتنا له لأنه ذكر في الآية الآتية نتيجة الصلاة.
٢٢ «وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ».
أيوب ٢٢: ٢٦ ومتّى ٢١: ٢٢ و٧: ٧ ويوحنا ٩: ٣١ ص ٢: ٣ ويوحنا ٨: ٢٩ وعبرانيين ١٣: ٢١
مَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ هذه النتيجة الثانية من أثمار المحبة والمعنى أن تقديم طلباتنا علّة الإجابة. وهذا الوعد مختص بأولاد الله (متّى ٧: ٧ ويوحنا ١٤: ١٣ و١٥: ٧) ومقيّد بشرط مقدّر وهو أن لا نطلب إلا ما يريده تعالى (ص ٥: ٤) أو يراه موافقاً لنا. وهذا مثل قول المسيح «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ ٱلآبِ بِٱسْمِي يُعْطِيكُمْ. إِلَى ٱلآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا» (يوحنا ١٦: ٢٣ و٢٤).
لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ إن الله يسمع صلواتنا لأجل استحقاق المسيح ولكن إذا لم نحفظ وصايا الله فصلواتنا باطلة لأن الإيمان بالمسيح بلا الأعمال المطلوبة ميّت. نعم إن الطاعة ليست علّة الثقة بالإجابة لكنها تُظهر أننا أولاد الله الحقيقيون وإن صلواتنا على وفق إرادة الله.
وَنَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ هذا مثل قول المسيح في نفسه «وَٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي ٱلآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» (يوحنا ٨: ٢٩). وهذا نتيجة نعمة الله وإيماننا بالمسيح ودليل على أن إيماننا حق على وفق قول الرسول «لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (عبرانيين ١٣: ٢١). فنعطي الله ما يطلبه منا وهو يعطينا ما نطلبه منه ولكن إن لم نرضه في كل ما نعمل فرجاؤنا أن يسمع لنا باطل.
٢٣ «وَهٰذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً».
يوحنا ٦: ٢٩ و١: ١٢ و٢: ٢٣ و٣: ١٨ ويوحنا ١٣: ٣٤ و١٥: ١٢ و٢: ٨
وَهٰذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ الأولى وأهم وصاياه وخلاصة ما يرضيه وهي تتضمن شيئين الإيمان باسم المسيح والمحبة الأخوية.
أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ الإيمان بأن يسوع هو المسيح ركن كوننا أبناء الله وشركة بعض المؤمنين لبعض وهو أساس كل الطاعة الحقيقية (يوحنا ٦: ٢٩ وغلاطية ٥: ٦ – ١٤ و١تيموثاوس ١: ٥). وببيانه كون المسيح موضوع إيماننا يوضح اسمه بكماله وهو «ابن الله يسوع المسيح» وهذا خلاصة كل الإنجيل.
وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً الخ هذا جزء من الوصية العظمى (ع ١١ وص ٤: ٧ و١١ و١٢ ويوحنا ١٣: ٣٤).
٢٤ «وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهٰذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي أَعْطَانَا».
ص ٢: ٦ و٢٤ و٤: ١٥ ويوحنا ١٦: ٥٦ و١٠: ٣٨ ص ٤: ١٣ ويوحنا ١٤: ١٧ ورومية ٨: ٩ و١٤: ١٦ و١تسالونيكي ٤: ٨ ص ٢: ٥
مَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ هذه نتيجة ثالثة من البنوّة وهي ثبوت الآب في المؤمن وثبوت المؤمن فيه (ص ١: ٣ و٢: ٦ و٢٤: ٢٨ و٤: ١٣). وأراد «بوصاياه» كل ما أوصى به وما يرضيه كما في (ع ٢٢). فطاعتنا عربون شركة الله بدليل قول المسيح «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا ١٤: ٢٣) وبرهان أننا مسيحيون حقيقيون.
وَهُوَ فِيهِ أي المؤمن يثبت في الله كقوله «مَنِ ٱعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، فَٱللّٰهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي ٱللّٰهِ» (ص ٤: ١٥).
وَبِهٰذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي أَعْطَانَا تكلم يوحنا في ما سبق في الآب والابن ولم يذكر الروح القدس إلا بالإشارة إليه «بالمسحة» (ص ٢: ٢٠ و٢٦). إن ما يشعر به المؤمن من المحبة لله (التي هي ركن طاعته) تحقق له الشركة مع الله والله يعطيه من روحه لينير عقله ويرفع أشواقه ويعزيه في الأحزان ويملأه من كل مواهب الروح المقترنة بحضوره ونعمته (غلاطية ٥: ٢٢ و٢٣).
ٱلَّذِي أَعْطَانَا حين آمنا (ص ٤: ١٣ ويوحنا ١٤: ١٦ وأعمال ٥: ٣٢ و٨: ١٨ و١٥: ٨).
السابق: الأصحاح الثاني |
اللاحق: الأصحاح الرابع |