الرسالة الأولى إلى كورنثوس | المقدمة | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الأولى إلى كورنثوس
للدكتور . وليم إدي
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس
كُتبت هذه الرسالة في ربيع سنة ٥٧ ب. م. في أفسس قرب نهاية السنين الثلاث التي أقام فيها بولس بها وقرب حدوث الشغب هناك وذهابه إلى مكدونية (أعمال ١٨: ٢٣-٢٠: ١ و١كورنثوس ١٦: ٨) وكُتبت قبل الرسالة إلى الرومانيين بسنة. غايات هذه الرسالة سبعٌ: ١. منع الانشقاق والتحزب في الكنيسة (ص ١: ١-١٦) وبيان أن ذلك لا يوافق نسبتهم إلى المسيح ولا نسبة بعضهم إلى بعض وأن علته الاتكال على الحكمة البشرية ودفع الرسول قول البعض أنه ليس رسولاً ولا فصيحاً ولا عالماً (ص ١: ١٧-٣٠ و٢: ١-١٦) وتبيينه أن غرضه الوحيد من المناداة بالإنجيل أن يبشر بيسوع المسيح مصلوباً (ص ٣ وص ٤). ٢. حث الكنيسة على أن تقطع من شركتها من ارتكب أفظع الرذائل وتوبيخها على تركها تأديب مثل هذا (ص: ٥: ١-١٣). ٣. نهيهم عن المحاكمة عند الأحكام الوثنيين (ص ٦: ١-١١). ٤. وجوب العفة والتحذير من الفجور (ص ٦: ١٢-٢٠). ٥. جواب الرسول على مسائل سألته الكنيسة إياها ٦. بيان التعليم الحق في المعاد الجسماني (ص ١٥). ٧. جمع الإحسان لفقراء أورشليم (ص ١٦).
مقدمة
تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.
ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.
هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.
ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
القس ألبرت استيرو
الأمين العام
لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى
المقدمة وفيها خمسة فصول
الفصل الأول: في مدينة كورنثوس
موقع كورنثوس على برزخ مختلف العرض بين أربعة أميال وستة أميال يصل شمالي اليونان بجنوبها. واشتهرت هذه المدينة بثلاثة أمور حسن موقعها للتجارة والسياسة وأهميتها في التواريخ اليونانية والرومانية وكونها من أكبر مراكز الدين المسيحي في القرون الأولى. وهي مبنية عند حضيض أكمة صخرية علوها نحو ألفي قدم وعلى رأسها قلعة ولها فرضتان اسم الشرقية منهما كنخريا واسم الغربية ليكيوم. عُرفت في أيام هوميروس الشاعر اليوناني وكانت وقتئذ مركز التجارة بين أسيا وأوروبا واعتبرت من المدن الأولى التي في الشرق. تخرج منها السفن وتذهب غرباً وشرقاً. خرج منها جماعات كثيرة وبنت مخارج في غيرها من البلاد. وبلغت المقام الأول بين ولايات اليونان في السلطة والعظمة والغنى والبهاء والعلم والتجارة والصنائع والفنون والترفه والعهر وأظهرت الشجاعة والنشاط في المحاربة الطويلة بين الرومانيين واليونانيين لكن الرومانيين انتصروا عليها سنة ١٩٧ ق. م وبقيت خاضعة لهم إلى سنة ١٤٦ ق. م وحينئذ اغتاظ الرومانيون منها لإهانتها لسفيرهم فهدموها كل الهدم وقتلوا ذكورها وباعوا النساء والأولاد إماء وعبيداً وحملوا إلى رومية كل ثروتها ونفائسها. فقال شيشرون عند ذلك «انطفأ ضوء بلاد اليونان» وبقيت أطلالاً نحو مئة سنة ثم بناها يوليوس قيصر سنة ٤٤ ب. م. وأسكنها مهاجرين من رومية أكثرهم ممن حرروا من الرق وهذه علة أن أسماء كثيرين من الإخوة في كورنثوس رومانية كغايوس وكوراتس وفرتوناتوس وأخائيكوس وكريسبس ويوستس. ورجع إليها كثيرون من أهلها اليونانيين المشتتين وقد حصلوا بعض العلوم وعلى هذا ادعوا أنهم جددوا مجد اليونان في الفلسفة والعلم. وصارت كورنثوس عاصمة أخائية واشتهرت ثانية بثروتها ونشاط أهلها واتساع تجارتها واشتهرت أيضاً بالملاعب البرزخية التي كان يجتمع لها ألوف وربوات من قاص ودان. واشتهرت أيضاً بهيكل الزهرة وكان في هذا الهيكل ألف كاهنة وقفن أنفسهن للزناء إكراماً للزهرة إلاهة العشق والجمال.
وكان عدد سكانها في عصر بولس ما بين ٤٠٠٠٠٠ و٥٠٠٠٠٠.
الفصل الثاني: في الكنيسة المسيحية في كورنثوس
كان أكثر أعضاء الكنيسة من متنصري الأمم أسسها بولس منذ أتى إليها من مكدونية وقرب نهاية سفره الثاني سنة ٥٢ ب. م (أعمال ١٨: ١ – ١٨ و١كورنثوس ٣: ٦) وبقي هنالك سنة وستة أشهر مبشراً بالإنجيل ينفق على نفسه مما كان يربحه من صنعة الخيام. وكان شريكاً في ذلك لأكيلا المنفي من رومية مع جملة اليهود الذين نفوا منها وهنالك ظهر لبولس الرب في رؤيا وقال له «لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ… لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ» (أعمال ١٨: ٩). فتكلم ونجح كثيراً فآمن بالمسيح كثيرون من اليهود والأمم منهم كريسيس رئيس مجمع اليهود فقاومه بعنف اليهود غير المؤمنين ولم يستطيعوا إضراره لحماية غاليون الوالي الروماني له (أعمال ١٨: ١ – ١١).
ترك بولس كورنثوس سنة ٥٣ ب. م. وبعد أن فارقها نحو أربع سنين رجع إليها سنة ٥٧ ب. م وأقام بها ثلاثة أشهر (أعمال ٢٠: ١ و٢) وفي أثناء ذلك أتى أبلوس إليها وهو أبلوس الاسكندري تلميذ يوحنا المعمدان علمه إكيال وبريسكلا في أفسس مبادئ الدين المسيحي فبشر اليهود في كورنثوس بنجاح عظيم (أعمال ١٨: ٢٧). ثم أتى إليها معلمون كذبة ادعوا المعرفة العظمى بالديانة المسيحية فأنكروا أن بولس رسول وأنه مستعد لأن يكون مرشداً إلى الدين المسيحي. وكان بعض هؤلاء يغارون لشريعة موسى الرمزية وشوشوا أفكار الإخوة في تحريمهم أكل اللحوم التي تباع في الأسواق وكانت قد ذبحت للأوثان وكان أولئك علة عدة انشقاقات في الكنيسة. والظاهر أن الكنيسة هنالك صارت إلى أربع فرق سمت الأولى نفسها بحزب بولس والثانية بحزب أبلوس والثالثة بحزب بطرس والرابعة بحزب المسيح. ويتبين أنهم لعوائد كورنثوس التي تربوا فيها استخفوا بالوصية السابعة ولم يؤدبوا من خالفها التأديب الواجب. ولم يسلكوا على سنن النظام اللازم في العبادة الجمهورية ولا سيما ممارسة العشاء الرباني. وكانت النساء تجتمع مع الرجال بلا قُنع أي مكشوفة الرؤوس. وكان بعض الإخوة يعجبون بأنفسهم ويمارسون موهبة النبوءة وموهبة التكلم بالألسنة بالتباهي. وأنكر بعضهم المعاد الجسماني أي قيامة الأجساد وقالوا بأن لا قيامة سوى قيامة النفس من الخطيئة إلى البر والقداسة. ولا ريب في أنه مع هذا كله كانت تلك الكنيسة مؤمنة طاهرة نقية.
الفصل الثالث: في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها
كُتبت هذه الرسالة في ربيع سنة ٥٧ ب. م. في أفسس قرب نهاية السنين الثلاث التي أقام فيها بولس بها وقرب حدوث الشغب هناك وذهابه إلى مكدونية (أعمال ١٨: ٢٣ – ٢٠: ١ و١كورنثوس ١٦: ٨) وكُتبت قبل الرسالة إلى الرومانيين بسنة. وعلة جعلها الثانية من رسائل بولس اعتبارهم إياها الثانية في أهمية تعاليمها وعظمة الكنيسة التي أُرسلت ٰليها.
الفصل الرابع: في غاية هذه الرسالة
غايات هذه الرسالة سبعٌ:
- منع الانشقاق والتحزب في الكنيسة (ص ١: ١ – ١٦) وبيان أن ذلك لا يوافق نسبتهم إلى المسيح ولا نسبة بعضهم إلى بعض وأن علته الاتكال على الحكمة البشرية ودفع الرسول قول البعض أنه ليس رسولاً ولا فصيحاً ولا عالماً (ص ١: ١٧ – ٣٠ و٢: ١ – ١٦) وتبيينه أن غرضه الوحيد من المناداة بالإنجيل أن يبشر بيسوع المسيح مصلوباً (ص ٣ وص ٤).
- حث الكنيسة على أن تقطع من شركتها من ارتكب أفظع الرذائل وتوبيخها على تركها تأديب مثل هذا (ص: ٥: ١ – ١٣).
- نهيهم عن المحاكمة عند الأحكام الوثنيين (ص ٦: ١ – ١١).
- وجوب العفة والتحذير من الفجور (ص ٦: ١٢ – ٢٠).
- جواب الرسول على مسائل سألته الكنيسة إياها:
- الأولى: متعلقة بالزواج والعزبة والطلاق (ص ٧: ١ – ٤٠).
- الثانية: تتعلق بجواز أكل اللحم الذي قُدّم للأوثان (ص ٨ وص ٩ وص ١٠).
- الثالثة: تتعلق بما يليق بالنساء وهنّ في الكنيسة (ص ١١: ١ – ١٦).
- الرابعة: الترتيب الواجب في ممارسة العشاء الرباني (ص ١١: ١٧ – ٣٤).
- الخامسة: تتعلق بالمواهب الروحية مثل أنه كيف تُمارس علناً لإفادة المشاهدين وأيها أعظم وبيان أن أعظمها المحبة (ص ١٢ وص ١٣ وص ١٤).
- بيان التعليم الحق في المعاد الجسماني (ص ١٥).
- جمع الإحسان لفقراء أورشليم (ص ١٦).
الفصل الخامس: في نفع هذه الرسالة للمسحيين عامة
إن المسيحيين يستفيدون من هذه الرسالة فوق استفادتهم أصول الدين المسيحي ثلاثة أمور:
- الأول: معرفة سجايا بولس مثل كونه راعياً حكيماً ومرشداً خبيراً ومحباً مخلصاً وحنوناً كأب ومتواضعاً وغيور للحق ونشيطاً في العمل وصبوراً في الضيق.
إن رسالته إلى أهل رومية تبين علمه وبلاغته في العقائد الدينية ورسالته إلى أهل كورنثوس تبين حكمته في الأعمال المختصة بالكنيسة.
- الثاني: معرفة أحوال كنيسة المسيح في القرون الأولى كالمصاعب التي لاقتها في طريق انتصارها على الديانة اليهودية والديانة الوثنية ومبلغ معرفتها وقداستها ومحبتها الأخوية وأسلوب عبادتها الجمهورية ونظامها وترتيبها والبدع التي طرأت عليها والمشاكل التي شغلت أفكارها والأحزاب التي انقسمت إليها.
-
الثالث: معرفة كون الكنيسة عرضة في كل وقت للخطر من اتكالها في الأمور الدينية على الحكمة البشرية بدلاً من الاتكال على الوحي الإلهي ومن تأثير آراء أهل العالم وعوائدهم فيها مما يشين طهارتها ونظامها وبساطة إيمانها. ولا ريب في أن الكنيسة عموماً انتفعت بما في هذه الرسالة من وصف المحبة في (ص ١٣) وتعليم القيامة في (ص ١٥).
السابق |
التالي |