الرسالة الأولى إلى كورنثوس | 12 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الثاني عشر
المواهب الروحية ع ١ إلى ٣١
أنبأ الله بأفواه الأنبياء بانسكاب روحه بوفرة على أثر مجيء المسيح ومن ذلك قول يوئيل النبي «وَيَكُونُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً. وَعَلَى ٱلْعَبِيدِ أَيْضاً وَعَلَى ٱلإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ» (يوئيل ٢: ٢٨ و٢٩). والمسيح وعد تلاميذه قبل صلبه بأنه سيرسل المعزي الذي هو الروح القدس ليعلم كنيسته ويرشدها (يوحنا ص ١٤). وقال بعد قيامته «وَهٰذِهِ ٱلآيَاتُ تَتْبَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى ٱلْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ» (مرقس ١٦: ١٧ و١٨). وقال قبيل صعوده «سَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال ١: ٥) وأخذت تلك المواعيد تتم منذ يوم الخمسين. وامتازت أيام العهد الجديد عن التي قبلها بوفرة المواهب الروحية التي أًعطيها المؤمنون وتنوعها وعمومها إذ كانت للرجال والنساء والشيوخ والأحداث منهم. ولا عجب من حدوث تشويش في الكنيسة في مثل تلك الأحوال الغريبة وأن يدعي بعضهم الإلهام بالروح القدس ويكون خادعاً أو مخدوعاً وأن بعض المؤمنين لم يكتفوا بما نالوه من المواهب فحسدوا غيرهم لظنهم أنه نال مواهب أكثر من مواهبهم وأن بعضهم انتفخ كبراً بما حصل عليه منها وأراد الاشتهار بها وأن يحصل في اجتماعاتهم العلنية شيء من البلية إذا تكلم عدة منهم في وقت واحد. وقد وهب الله لبولس الرسول حكمة فائقة لإصلاح ذلك الخلل.
إن الرسول بعد ما قابل أحوالهم يومئذ على أثر حلول الروح القدس المحيي عليهم بأحوالهم وهم يعبدون الأوثان البكم علمهم أولاً كيف يميزون الملهمين بالروح القدس حقيقية ممن يدعون الإلهام كذباً وذلك أن يلاحظوا حقيقة أقوالهم في المسيح فمن جدف على اسمه فهو الكاذب ومن اعترف بأنه رب وإله فهو الصادق الملهم بالروح القدس (ع ١ – ٣).
ثانياً: إن تلك المواهب المختلفة فعل الروح الواحد وغايتها نفع الكنيسة (ع ٤ – ٧).
ثالثاً: إن المواهب ثلاثة أقسام (١) كلام حكمة وعلم (٢) ما سماه إيماناً وهو يتضمن القوة على الشفاء وصنع المعجزات والنبوءة وتمييز الأرواح (٣) التكلم بالألسنة والترجمة (ع ٨ – ١٠).
رابعاً: إن الروح القدس منشئ تلك المواهب يوزعها بمقتضى مشيئته المطلقة.
خامساً: تشبيه الكنيسة بجسد الإنسان في ستة أوجه:
- إن الجسد واحد لسكنى نفس واحدة فيه والكنيسة واحدة لسكنى روح الله المحيي فيها.
- إن وحدة الحياة في الجسد ظاهرة في أعضائه المختلفة كذلك وحدة الروح القدس الساكن في الكنيسة ظاهرة في مواهبها المختلفة.
- إن الجسد واحد مع تعدد أعضائه كذلك الكنيسة واحدة مع تعدد أفرادها.
- إن أعضاء الجسد يفتقر كل منها إلى الآخر ولا شيء منها يحيا لمجرد نفع نفسه بل لنفع الجسد كله. وكذا الكنيسة يفتقر كل من أفرادها إلى غيره ومكلف باستعمال المواهب التي أعطاها الله إياها لنفع الكنيسة كلها لا لمجرد نفعه الخاص.
- إن الله قسم لكل عضو من أعضاء الجسد موضعاً وعملاً كما شاء كذلك وزع على أفراد الكنيسة المواهب الروحية كما أراد.
- إن أعضاء الجسد الأقل جمالاً أكثر نفعاً كذلك مواهب الكنيسة التي هي أقل شهرة هي أكثر فائدة. واستنتج من هذه الأوجه الستة ثلاث نتائج:
- الأولى: إنه يجب على كل مؤمن أن يقتنع بالموهبة التي وهبها الله له كما يجب على اليد والرجل أن ترضيا محليهما وعمليهما.
- الثانية: إنه لا محل لافتخار أحد المؤمنين على الآخر لما يتوهمه من أفضلية موهبته.
- الثالثة: إنه يجب أن تكون المواساة بين أعضاء الكنيسة كما هي بين أعضاء الجسد فتألم الواحد أو فرحه تألم كل الأفراد أو فرحهم. ثم ختم كلامه بقوله إن ما قاله في المواهب الروحية يصدق على كل خدم الكنيسة إذ ليس هم سوى آلات يتكلم الروح ويعمل بها (ع ٢٨ – ٣١). فموضوع هذا الأصحاح هو موضوع الأصحاح الثالث عشر والأصحاح الرابع عشر أيضاً. فإنه أبان في (ص ١٣) أن المحبة أعظم المواهب الروحية في (ص ١٤) أبان بالتفصيل كيف يجب أن تُستعمل تلك المواهب.
١ «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلْمَوَاهِبِ ٱلرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا».
رومية ١: ١١ وص ١٤: ١ و٣٧
وَأَمَّا لما أخذ الرسول يتكلم في الخلل الذي وقع في الكنيسة قال «أولاً» (ص ١١: ١٨) فكان يتوقع أن يقول هنا ثانياً لأنه انتقل من ذكر خلل إلى آخر لكنه بدل ذلك بقوله «وأما».
ٱلْمَوَاهِبِ ٱلرُّوحِيَّةِ هي القوات الخارقة العادة التي منحها الروح القدس للكنيسة في القرن الأول تقوية لها وإثباتاً لكونها كنيسة الله وأعظم هذه القوات التنبوء وشفاء المرضى والتكلم بالألسنة. اضطر الرسول أن يوبخ كنيسة كورنثوس على سوء استعمالها تلك المواهب ولا سيما التكلم بالألسنة.
لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا مصدر المواهب وغاية منحها واستعمالها في سنن الصواب والتمييز بين صادقها وكاذبها.
٢ «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلأَوْثَانِ ٱلْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ».
ص ٦: ١١ وأفسس ٢: ١١ و١٢ و١تسالونيكي ١: ٩ وتيطس ٣: ٣ و١بطرس ٤: ٣ مزمور ١١٥: ٥
قابل هنا حالهم السابقة بحالهم حين كتب هذا بياناً لاحتياجهم إلى تعليمه إياهم في هذا الموضوع الذي لم يختبروه فإنهم كانوا قبلاً أمماً وكانوا حينئذ مسيحيين. كانوا عبدة الأوثان البكم وصاروا عبدة الإله الحي الحقيقي. كانوا مسوقين بالتأثيرات الشريرة إلى حيث لا يعلمون وصاروا مقودين بروح الله إلى حيث يعلمون. وكما ذكّر هؤلاء حالهم الأولى ذكّر مؤمني أفسس (أفسس ٢: ١١) ومؤمني رومية (١١: ٣٠) ومؤمني كولوسي (كولوسي ١: ٢١ و٣: ٧).
كُنْتُمْ أُمَماً هذا وصف عام لهم بالنظر إلى حالهم الأولى وهو يشتمل على أمرين سيأتي ذكرهما.
كانت كورنثوس مدينة يونانية وثنية وكان أكثر متنصريها من الوثنيين وقليل منهم من اليهود (أعمال ١٨: ٤ و٨) فقال «كنتم أمماً» على سبيل التغليب.
مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلأَوْثَانِ ٱلْبُكْمِ (حبقوق ٢: ١٨ و١٩ ومزمور ١١٥: ٥ و١٣٦: ١٦). عبادتهم الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تخلص واتكالهم عليها دليل على جهلهم وشقائهم.
تُسَاقُونَ بقوة عجزهم عن إدراكها ومقاومتها. لم يعيّن الرسول هذه القوة أهي تربيتهم الرديئة أم طبيعتهم الفاسدة أم الأرواح الشريرة والأرجح أنها هذه هي التي ساقتهم إلى عبادة الأوثان فيكون ذلك على وفق ما في (ص ٨: ٥ و١٠: ٢٠ وأفسس ٢: ٢). وغاية بولس من هذا أن يقابل التأثير الذي ساقهم بالعماية والإجبار في طريق الضلالة والخطيئة بتأثير روح الله الذي أرشدهم بالتعقل والاختيار في سبيل الحق والقداسة.
٣ «لِذٰلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ ٱللّٰهِ يَقُولُ: يَسُوعُ أَنَاثِيمَا. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».
مرقس ٩: ٣٩ وص ١٦: ٢٢ وغلاطية ١: ٨ و٩ و١يوحنا ٤: ٢ و٣ متى ١٦: ١٧ ويوحنا ١٥: ٢٦ و٢كورنثوس ٣: ٥
في هذه الآية قول الرسول الأول في شأن المواهب الروحية.
لِذٰلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أي لكون الأمر ذا شأن لا يليق أن تجهلوه أردت تبيينه لكم.
لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ ٱللّٰهِ أي بوحي أو إلهام كما تكلم الأنبياء قديماً (متّى ٢٢: ٤٣ ومرقس ١٢: ٣٦).
يَقُولُ: يَسُوعُ إن القول في يسوع هو الذي يمتاز به القائل فيتبين المتكلم حقاً بالروح ومن يدعي ذلك كذباً. وذكر بولس ابن الله بالاسم الذي كان يُعرف به بين الناس وهو على الأرض أن يشير إلى وظائفه لذكره بلفظة «المسيح».
أَنَاثِيمَا معنى هذه الكلمة في الإنجيل محروم أو موقوف للهلاك لأن الله لم يرتض به وجعله تحت لعنته. وكذا جاء معناه في (رومية ٩: ٣ وغلاطية ١: ٨ و٩ و١كورنثوس ١٦: ٢٢). فالقول أن «يسوع أناثيما» يتضمن أنه مجرم ومستحق للموت الذي تركه الله له وحكم عليه به رؤساء اليهود وبيلاطس. فهو كقول االذي قالوا «اصلبه اصلبه… دمه علينا وعلى أولادنا» (متّى ٢٧: ٢٥). فمراد الرسول أنه يستحيل أن ملهما بالروح القدس يقول على يسوع مثل ذلك القول إذ لا يأتي إلا عن روح الضلال وبغض الحق.
وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ يَسُوعُ رَبٌّ الخ إن كلمة «الرب» في اليوناني هي ترجمة «يهوه» في العهد القديم. والقول بأن «يسوع رب» يتضمن الاعتراف بأنه الله حقاً ظهر بالجسد. وصرح بولس أن من آمن بذلك باطناً واعترف به ظاهراً دل على أنه استنار بالروح القدس. فليس مراده أنه لا يستطيع أحد أن يلفظ ذلك إلا بالوحي. وهذا على وفق قول المسيح لبطرس حين اعترف بأنه ابن الله «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٦: ١٧) وقول يوحنا الرسول «بِهٰذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ ٱللّٰهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ٱلْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ٱلْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ» وقوله «مَنِ ٱعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، فَٱللّٰهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي ٱللّٰهِ» (١يوحنا ٤: ٢ و٣ و١٥).
تعليم هذه الآية أن الفرق العظيم بين كنيسة المسيح والعالم أن الكنيسة تعتقد لاهوته وأن العالم ينفيه. وعلى جواب هذا السؤال وهو «ماذا تظنون في المسيح» يتوقف خلاص كل عاقل من الناس أو هلاكه.
٤ – ٦ «٤ فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ وَاحِدٌ. ٥ وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَاحِدٌ. ٦ وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ، ٱلَّذِي يَعْمَلُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ».
رومية ١٢: ٤ الخ وعبرانيين ٢: ٤ و١بطرس ٤: ١٠ أفسس ٤: ٤ رومية ١٢: ٦ و٧ و٨ وأفسس ٤: ١١ أفسس ١: ٢٣
في هذه الآيات قول الرسول الثاني في شأن المواهب الروحية وهو أنها مع تنوعها واحدة في المصدر والغاية. وعبّر عنها بثلاثة أسماء وهي «مواهب» و «خدم» و «أعمال». فلم يرد أن بعضها مواهب وبعضها خدم وبعضها أعمال بل أن كلها تستحق أن تسمى بكل من هذه الأسماء باعتبار جهة النظر اليها. فإذا نظرنا إليها باعتبار كونها من الروح القدس كانت مواهبه وآيات رضاه. وإذا نظرنا إليها باعتبار كونها من الرب يسوع كانت خدماً يُخدم المسيح بها. وإذا نظرنا إليها باعتبار كونها من الله الآب كانت أعمال قدرته. ولا يخفى على القارئ ما في هذا الكلام من الدليل على أن الله ثلاثة أقانيم وجوهر واحد لأن ما قيل هنا دليل إلى كون الله الآب هو مصدر كل تأثير روحي ومنشئه حيث كان. وأن الله الابن هو رأس الكنيسة ومرتب كل أنواع الخِدم والخَدم لبنيان الكنيسة. وأن الله الروح القدس يسكن في الكنيسة ويهب لأعضائها ما شاء من الأقانيم الثلاثة عند معمودية المسيح في الماء (متّى ٣: ١٦ و١٧). وظهروا في معمودية الكنيسة بالروح القدس يوم الخمسين وبعده كما ذُكر هنا. وفي (ع ١٣) إشارة إلى ذلك.
ولا دليل على أن الرسول قصد بتسمية تلك النعم بثلاثة أسماء قسمتها إلى ثلاثة أنواع أحدها من الروح القدس وواحد من الابن والآخر من الآب فإنه ذكر هذه النعم بالتفصيل في (ع ٨ – ١٠) ولم يشر إلى كون بعضها من أقنوم وبعضها من آخر بل صرّح أن كل هذه البركات مواهب الروح وكلها طرق لخدمة الابن وكلها آيات قدرة الآب.
أَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ كما ذُكر في (ع ٨ – ١٠) بالتفصيل.
ٱلرُّوحَ وَاحِدٌ وهو أقنوم الثالث في اللاهوت ومن عمله منح هذه المواهب. فيجب على الكنيسة أن تشكره لذلك وأن تسر بتوزيعها وأن لا تستخف بشيء منها ولا تستهين بمن وُهبت له.
وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ الخ (ع ٥) كما ذُكر في (ع ٩ و١٠ و٢٨). إن المسيح رأس الكنيسة وكل أعضائها خدامه فعليهم أن يستعملوا المواهب التي وُهبت لهم كما يأمر لكي يتمجد (متى ١٠: ١ ولوقا ١٠: ١ وأعمال ١: ٢٤ وأفسس ٤: ٤). وهو الذي عيّن لكل مؤمن خدمته فلا يحسن بأحد أن يفتخر بخدمة عظيمة ولا أن يخجل من خدمة يراها حقيرة.
وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ (ع ٦) من أخصها المعجزات التي وُهب للكنيسة أن تعملها إثباتاً لحقائق دينه وبياناً لمصدرها الإلهي.
ٱللّٰهَ وَاحِدٌ الخ أي الآب وهو الذي أقام يسوع المسيح رأساً للكنيسة وأرسل الروح القدس ويأتي في نفوس الناس وأجسادهم بالأعمال العجيبة. ولا منافاة بين ما قيل هنا وما قيل في الآية الحادية عشرة وهو أن «هذه كلها يعملها الروح الواحد» لأن الله يفعلها بواسطة روحه القدوس وذلك كقوله إن المؤمن «مولود من الروح» وأنه «مولود من الله». وكونها كلها من الله يوجب علينا أن نقبلها بالشكر والتواضع بدون حسد متذكرين أننا سنحاسب على كل منها.
٧ «وَلٰكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ ٱلرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ».
ص ١٤: ٢٦ وأفسس ٤: ٧ و١بطرس ٤: ١٠ و١١
لِكُلِّ وَاحِدٍ أي لكل مؤمن.
يُعْطَى إِظْهَارُ ٱلرُّوحِ أي أنه يعطي بعض المؤمنين ما يظهر به قوة الروح في طريق ويعطي آخر ما يظهر به ذلك بطريق أخرى. فكما أن حياة الإنسان تعلن وجودها في أعضاء جسده المختلفة بطرق مختلفة فتظهر في بعض تلك الأعضاء بالبصر وفي غيره بالسمع وفي آخر بعمل آخر كذلك الروح القدس يعلن أنه في الكنيسة بموهبة التعليم في البعض وبموهبة الشفاء في آخر وبموهبة التكلم بالألسنة في غيره وبغيرها بآخر. فإذاً كل مؤمن آلة لإظهار الروح القدس الساكن فيه.
لِلْمَنْفَعَةِ أي لنفع الكنيسة لا للذة الموهوب له. كما أن قوة البصر ليست لمجرد نفع العين بل لنفع الجسد كله كذلك غاية كل المواهب على اختلاف رتبها نفع الجميع لمجد لله ولذلك دعا المسيح تلاميذه «نور العالم» و «ملح الأرض». فإذاً من اتخذ مواهب الله وسيلة إلى الافتخار والتعظم خطئ إلى الله وإلى كل من وجب عليه هو أن ينفعه بها.
٨ «فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِٱلرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ».
ص ٢: ٦ و٧ وكولوسي ١: ٩ رومية ١٥: ١٤ وص ١: ٥ و١٣: ٢ و٢كورنثوس ٨: ٧
في هذه الآية والاثنتين بعدها تسع مواهب. والظاهر أن الرسول لم يرد أن يعيّن جدولاً لكل الطرق التي يعلن بها الروح القدس سكنه في شعب الله لأنه لم يذكر هنا بعض ما ذكره في (ع ٢٨) وما ذكره في (رومية ١٢: ٤ – ٨).
ومما ظهر أيضاً أن الرسول قسم المواهب ثلاثة أقسام لكنه لم يتضح لماذا وضع بعض هذه المواهب في بعض تلك الأقسام دون آخر. مثال ذلك أننا لم نعلم لماذا وضع النبوءة مع الشفاء وعمل القوات ولم يضعها مع مواهب كلام الحكمة والتعليم وظن بعضم علة قسمة الرسول إياها كذلك بياناً للوقتية منها وللدائمة. وظن آخر أنه قصد بذلك بيان ما تمارَس لفظاً وما تمارس فعلاً. وظن غيره أنه قسمها بالنظر إلى ما تشغله من القوى الإنسانية من العقل والإرادة. ولا دليل على إثبات شيء من هذه الظنون والأرجح أن الرسول ذكرها بمقتضى خطورها على باله بلا نظر إلى القانون المنطقي. وهذا جدوله كما وضعه بولس:
القسم الأول وهو موهبتان
- كلام حكمة
- كلام علم
القسم الثاني وهو خمس مواهب
- إيمان
- شفاء
- عمل قوات
- نبوءة
- تمييز الأرواح
القسم الثالث وهو موهبتان
- أنواع ألسنة
- ترجمة ألسنة
لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِٱلرُّوحِ أي الروح القدس وهو يفعل في عقل المؤمن وقلبه. وهذا ما يليه إثبات لما قاله في (ع ٧) وهو أنه يُعطى كل واحد إظهار الروح. فبيّن كيف يُظهر الروح نفسه بطرق مختلفة في أناس مختلفين.
كَلاَمُ حِكْمَةٍ أي قوة التكلم بالحكمة. يصعب علينا أن نعرف قصد بولس بتمييزه «كلام الحكمة» عن «كلام العلم» في هذه الآية لكننا نتحقق أن موضوع الحكمة وموضوع العلم واحد وهو الحق الذي أعلنه الله في كتابه ولا سيما إعلان يسوع المسيح في الإنجيل. والأرجح أن المراد «بكلام الحكمة» ما حصل عليه الأنبياء والرسل بالوحي على وفق كلامه في (ص ٢) على ما قيل في (ع ٢٨) في وصف الذين نالوا هذه المواهب. فذكر الرسل والأنبياء منهم أولاً يحملنا على أن ننسب إليهم ما ذُكر من المواهب أولاً. ووفق قوله «ٱلَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو ٱلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ ٱلآنَ لِرُسُلِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِٱلرُّوحِ» (أفسس ٣: ٥). وقوله «هُوَ أَعْطَى ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَٱلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَٱلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ» الخ (أفسس ٤: ١١).
كَلاَمُ عِلْمٍ موهبة تعلم ما علمهم إياه الرسل وهذا على وفق الآية الثامنة والعشرين فإنه ذكر فيها كل أصحاب المواهب وذكر المعلمين بعد الرسل والأنبياء.
بِحَسَبِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ أي الروح القدس الذي هو يهب تلك المواهب ويوزعها كما يستحسن. والموهبتان اللتان في هذه الآية هما القسم الأول من المواهب التسع.
٩ «وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ».
متّى ٧: ١٩ و٢٠ وص ١٣: ٢ و٢كورنثوس ٤: ١٣ مرقس ١٦: ١٨ ويعقوب ٥: ١٤
أخذ هنا يذكر القسم الثاني وهو خمس مواهب أولها «الإيمان» وهو هنا موهبة خاصة فيجب أن نميّز بينها وبين الإيمان الذي هو الشرط الضروري للخلاص وهي إما نوع سامٍ من الإيمان العام وهو كل «الثقة بما يرجى» الممكن أصحابه من أن يموتوا شهداء الدين. وهذا ما وُصف في (عبرانيين ١١: ٣٣ – ٤٠). وأما الإيمان الذي ذكره المسيح في (متى ١٧: ٢٠ ولوقا ١٧: ٦) وهو الممكن أصحابه من نقل الجبال.
مَوَاهِبُ شِفَاءٍ يقتدر من وُهبت له أن يشفي المرضى بطريق خارق العادة. لعل الرسول جمع موهبة الشفاء باعتبار كثرة الأمراض التي شُفيت بها (مرقس ١٦: ١٨ وأعمال ٤: ١٨).
١٠ «وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ ٱلأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ».
مرقس ١٦: ١٧ وع ٢٨ و٢٩ وغلاطية ٣: ٥ رومية ١٢: ٦ وص ١٣: ٢ و١٤: ١ الخ ص ١٤: ٢٩ و١يوحنا ٣: ١ أعمال ٢: ٤ و١٠: ٤٦ وص ١٣: ١ ص ١٤: ٢٧ و٢٨
عَمَلُ قُوَّاتٍ هذا يشير إلى موهبة حصل البعض عليها هي أعم من موهبة الشفاء. ومن أمثلتها إماتة حنانيا وسفيرة وإقامة طابيثا وضرب عليم الساحر بالعمى وإخراج الشياطين.
نُبُوَّةٌ بيّن معنى هذه الكلمة في (ص ١٤: ١٣). والنبوة تفيد أحياناً الإنباء بما في المستقبل كنبوة أغابيوس (أعمال ١١: ٢٨). وكثيراً ما تدل في العهد الجديد إلى قوة إعلان الحق وإيضاحه أحسن إيضاح مع المعونة الإلهية التي تقود السامعين إلى التوبة والإيمان بالمسيح. والفرق بين الرسل والأنبياء في ذلك إن مواهب الأولين كانت لهم في كل أوقات بقائهم على الأرض وعصمتهم في التعليم دائماً وأن مواهب الأنبياء لم تكن دائمة كذلك ولم يُعصوا إلا حين تلقي الوحي. والفرق بين الأنبياء والمعلمين أن الأنبياء تكلموا بالوحي والمعلمين تكلموا بما تعلموه واختبروه.
تَمْيِيزُ ٱلأَرْوَاحِ أي قوة معرفة من يتكلم بإلهام الروح القدس ممن يتكلم من نفسه أو بوسوسة روح شرير. وأشار إلى هذه الموهبة بقوله «ليحكم الآخرون» (ص ١٤: ٢٩). وقوله «امتحنوا كل شيء» (١تسالونيكي ٥: ٢١ انظر أيضاً ١تيموثاوس ٤: ١). ويتضح من كلام يوحنا الرسول أن المدعين الوحي كانوا كثيرين وكذلك نصح للكنيسة بقوله «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ١). فلزم أن يهب الروح القدس قوة لبعض أعضاء الكنيسة لتمييز الملهمين بالحق من المدعين الإلهام باطلاً.
أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ هذا وترجمة الألسنة القسم الثالث من المواهب والمراد «بأنواع ألسنة» قوة يقدر بها الإنسان أن يتكلم بلغة لم يتعلمها. وذكرها لوقا بقوله في الرسل «وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا». وقوله في السامعين «تَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ… ٱلَّتِي وُلِدَ فِيهَا» الخ (أعمال ٢: ٤ – ١١). وعبّر مرقس عن ذلك «بألسنة جديدة» (مرقس ١٦: ١٧). وعبّر عنها لوقا «بألسنة أخرى» (أعمال ٢: ٤) و «بألسنة» (أعمال ١٠: ٤٦ و١٩: ٦) وقال إن الذين حل عليهم الروح القدس في أفسس «طفقوا يتكلمون بلغات» (أعمال ١٩: ٦) فالأرجح أن معنى «الألسنة» هنا كمعنى «ألسنة جديدة» و «ألسنة أخرى» و «اللغات» وأن المراد بها بعض اللغات التي جهلها المتكلمون بها قبل الموهبة لا مجرد أصوات بلا معنى. والأدلة على ذلك ستة:
- إن أهل الألسنة المختلفة الذين سمعوا المؤمنين يتكلمون بتلك الألسنة فهم كل منهم بعضاً منها (أعمال ٢: ٦ و٨).
- إن مواضيع تلك الألسنة كانت الصلاة والتسبيح والشكر (ص ١٤: ١٤ – ١٧). وهذا يستلزم أنها كلام.
- إنها كانت تبني المتكلم بها (ص ١٤: ٤) وهذا لا يتأنى بأصوات بلا معانٍ.
- إنها يمكن أن تُترجم (ص ١٤: ٣) وهذا يستحيل بدون أن تكون ذات معانٍ.
- إن الرسول شبهها بآلات الطرب التي لها أصوات معلومة لغايات معينة وقال فيها أن «ليس شيء منها بلا معنى» والقرينة تدل على أنه أراد بها «الألسنة» (ص ١٤: ٧ – ١٠).
- قوله إن المتكلم بالألسنة هو بينهم بمنزلة الأجنبي المتكلم بلغته كالمتكلم بالانكليزية بين من لم يفهموا سوى العربية (ص ٤: ١١). وقد سبق الكلام على هذا الموضوع في تفسير (أعمال ٢: ٤).
تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ الظاهر أنه كان لبعض المؤمنين قوة التكلم بالألسنة وترجمتها بدليل قوله «مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ» وقوله «لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ، إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ، حَتَّى تَنَالَ ٱلْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً» (ص ١٤: ١٣ و٥). ومن هذا يتبين أن قوة الترجمة لنفع السامعين موهبة خصوصية لم ينلها كل الذين نالوا قوة التكلم بالألسنة.
١١ «وَلٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا ٱلرُّوحُ ٱلْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ».
رومية ١٢: ٦ وص ٧: ٧ و٢كورنثوس ١٠: ١٣ وأفسس ٤: ٧ يوحنا ٣: ٨ وعبرانيين ٢: ٤
هٰذِهِ كُلَّهَا المواهب المذكورة المختلفة الأنواع.
يَعْمَلُهَا ٱلرُّوحُ ٱلْوَاحِدُ أي الروح القدس وهو علة هذه المواهب. وهذا لا ينافي قوله في (ع ٦) إن علتها الله لأن الروح هو الله كما أن كلا من الآب والابن الله. وكثيراً ما ينسب الكتاب المقدس إلى أحد الأقانيم ما نسبه في موضع آخر إلى أقنوم آخر وهذا لا يكون إلا من كون جوهر اللاهوت واحد.
قَاسِماً… كَمَا يَشَاءُ إن الروح القدس يقسم مواهبه كما يرى أنه أوفق للكنيسة كلها بمجرد إرادته المطلقة لا كما يريد الناس ولا كما يستحقون. ونسبته الإرادة إلى الروح دليل على أنه شخص. وما قيل في هذه الآية يحظر على الإنسان أن يفتخر ويعجب بموهبة من المواهب أو أن يحسد غيره على مواهبه. ويمنعنا من أن نعظم أحداً على كبير المواهب ونحتقر غيره على صغيرها دفعاً من أن نعطي المخلوق الكرامة التي يستحقها الخالق وأن نحتقر الواهب باحتقارنا الموهوب له.
١٢ « لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ ٱلْجَسَدِ ٱلْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذٰلِكَ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً».
رومية ١٢: ٤ و٥ وأفسس ٤: ٤ و١٦ ع ٢٧ وغلاطية ٣: ١٦
لأَنَّهُ هذا تعليل واللام متعلقة بمعنى الثبوت المستفاد مما تقدم فكأنه قال ثبت كذا وكذا لأنه الخ وما بعد لام التعليل مثل لذلك.
ٱلْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ أي الجسد البشري واحد مع كونه مركباً من أعضاء كثيرة متحدة لا عضو منها بلا فائدة. وكلها يعمل مع غيره لتقوية الجسد وجماله ونفعه وتسكنها النفس الحية وتحييها كلها.
إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ أي هي مع كونها كثيرة ومختلفة الأشكال والأعمال أجزاء جسد واحد فكثرتها واختلاف أشكالها لا ينفيان وحدتها.
كَذٰلِكَ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً أي جسد المسيح الذي هو كنيسته كقوله «أَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً» (ع ٢٧). وسميت الكنيسة «جسد المسيح» لأن المسيح رأسها وحياته حياتها على وفق قوله «لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ» (أفسس ٥: ٣٠). والكنيسة تشبه جسد الإنسان في أن كلا منهما واحد مركب من أعضاء كثيرة لكل منها موهبة وعمل (رومية ١٢: ٤ و٥ وأفسس ١: ٢٣ و٤: ٤ و١٦).
١٣ «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً ٱعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً».
رومية ٦: ٥ غلاطية ٣: ٢٨ وأفسس ٢: ١٣ و١٤ و١٦ وكولوسي ٣: ١١ يوحنا ٦: ٦٣ و٧: ٣٧ – ٣٩
ٱعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ أثبت هنا ما قاله في الآية السابقة من أن الكنيسة واحدة وذلك لأن معمودية الروح القدس جعلتها كذلك.
ظن بعض المفسرين أنه أشار هنا إلى معمودية الماء التي بها يدخل المؤمنون الكنيسة المنظورة وقال أنهم حين يعتمدون بالماء يقبلون الروح القدس ويصيرون أعضاء في الجسد الواحد الذي هو الكنيسة. لكن الكتاب المقدس يميز جلياً بين المعمودية بالماء ومعمودية الروح القدس. ومن ذلك قول يوحنا المعمدان «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلٰكِنِ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي… سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى ٣: ١١ انظر أيضاً يوحنا ١: ٣٣). وقول المسيح قبيل صعوده «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِٱلْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال ١: ٥). وهذه المعمودية حدثت في يوم الخمسين ولا علاقة لها بمعمودية الماء.
نعم إن المعمودية بالماء إشارة إلى المعمودية بالروح وقد تجتمعان لكن اجتماعهما غير ضروري فيمكن أن تكون إحداهما دون الأخرى. صرّح بولس هنا أننا نصير واحداً بعمل الروح القدس أي بتجديده نفوسنا وسمي هذا العمل «معمودية» لقول الكتاب إن الروح «ينسكب» على الذين يجددهم ويقدسهم أو يلهمهم (مزمور ٤٥: ٢ وإشعياء ٣٢: ١٥ أو ٤٤: ٣ ويوئيل ٢: ٢٨ و٢٩ وأعمال ٢: ١٧ و١٨ و١٠: ٤٥).
يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً كان هؤلاء أصلاً منفصلين لكنهم لما حصلوا على معمودية الروح القدس صاروا جسداً واحداً روحياً مشتركين في حياة واحدة روحية. ونسب مثل هذا الاتحاد وتلك الحياة إلى الإيمان بالمسيح (غلاطية ٣: ٢٨) ولا خلاف بين القولين لأن المعمودية بالروح والإيمان بالمسيح مقترنان أبداً ونتيجة كل منهما واحدة وهي الحياة الجديدة الروحية. إنه كما يشترك أعضاء جسد الإنسان كلها في الحياة التي للجسد كذلك كل الذين يسكن فيهم الروح القدس المحيي هم أعضاء كنيسة المسيح التي هي جسده. وينتج من ذلك بالضرورة أن الذين لم يسكن الروح القدس فيهم ليسوا أعضاء جسد المسيح وإن كانوا بالاسم أعضاء كنيسته المنظورة. ولنا من ذلك أن علة كون جماعة المؤمنين كلهم واحداً ليس اتحادهم برأس واحد منظور ولا بمجمع من خدم الدين ولا برباط منظور أرضي بل بسكنى الروح القدس فيهم.
سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً أي بقبولنا الروح القدس باطناً صرنا أعضاء جسد المسيح أي كنيسته والكنيسة هي واحدة لسكنى ذلك الروح في كل أعضائها. وقال «سُقينا» لا شربنا ليدل على أن الروح هو الذي جعلنا نشرب لا إننا نحن شربنا من تلقاء أنفسنا. والدليل على أن شربه قبوله باطناً قول الإنجيل «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هٰذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ» (يوحنا ٧: ٣٧ – ٣٩). ووجه الشبه بين قبول الروح وشرب الماء الإنعاش والتقوية.
ظن بعضهم أن هذه الكلمات تشير إلى شرب الكأس في عشاء الرب وأن هذا هو الذي يجعلنا أعضاء جسد المسيح لكن في اللفظ ولا في القرينة ما يحمل على هذه الظن لأن قوله «سُقينا» لا يشير إشارة واضحة إلى شيء في العشاء الرباني على أن قوله «سُقينا» ماضٍ لا يدل على عمل يتكرر دائماً. ولم يقل الكتاب إننا نصير جسداً واحداً ونشترك في روح واحد بشرب الكأس في العشاء الرباني.
١٤ «فَإِنَّ ٱلْجَسَدَ أَيْضاً لَيْسَ عُضْواً وَاحِداً بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ».
ما قيل في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية السادسة والعشرين بيان فضل ترتيب الله وهو أن الكنيسة تكون واحدة مركبة من أعضاء كثيرة لها مواهب مختلفة. وبرهن على ذلك بما علمناه بالاختبار من أعضاء أجسادنا. وذلك الفضل قائم بكوننا مركبين من أعضاء كثيرة متنوعة لكل منها نفع لغيره. فكان خيراً لنا أن لنا خمس حواس مختلفة الأنواع لا نوعاً واحداً لا كلها بصر ولا كلها سمع وأن لنا يدين ورجلين لا أربع أيد ولا أربع أرجل. وكما أن أعضاء الجسد الطبيعي المتنوعة ضرورية لجمال الجسد وكماله ذلك مواهب الروح ضرورية لجمال الكنيسة وكمالها.
١٥، ١٦ «١٥ إِنْ قَالَتِ ٱلرِّجْلُ: لأَنِّي لَسْتُ يَداً لَسْتُ مِنَ ٱلْجَسَدِ. أَفَلَمْ تَكُنْ لِذٰلِكَ مِنَ ٱلْجَسَدِ؟ ١٦ وَإِنْ قَالَتِ ٱلأُذُنُ: لأَنِّي لَسْتُ عَيْناً لَسْتُ مِنَ ٱلْجَسَدِ. أَفَلَمْ تَكُنْ لِذٰلِكَ مِنَ ٱلْجَسَدِ؟».
أظهر الرسول في هاتين الآيتين وجوب أن يقتنع المسيحيون بما لهم من المواهب. وهذا أول النتائج الثلاث التي استنتجها في ما سبق. فإنه نسب الجهالة إلى الرجل إذا تذمرت على أنها ليست يداً وإلى الأذن إذا تذمرت لأنها ليست عيناً بياناً لجهل المعلم المتذمر لأن ليس له. موهبة الرسول بدل موهبة التعليم. ولجهل المتكلم بألسنة إذا تذمر لأن ليس له موهبة الشفاء. إن لكل عضو من الجسد علماً خاصاً معيناً له لنفع الجسد وتمجيد الله. ويجب عليه أن لا يحتقر موهبته ويعتقد أنه بلا نفع للكنيسة لنقص موهبته عن موهبة أخيه على رأيه. ولا يجوز لأحد أن يفتخر بأنه حصل على ما يحسبه موهبة سامية.
١٧ «لَوْ كَانَ كُلُّ ٱلْجَسَدِ عَيْناً، فَأَيْنَ ٱلسَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ ٱلْكُلُّ سَمْعاً، فَأَيْنَ ٱلشَّمُّ؟».
معنى هذه الآية أن الجسد لو لم تتنوع أعضاؤه وتتفق في العمل لم يكن جميلاً ونافعاً وكاملاً كما هو الآن. فإن أراد إنسان أن يحصل على مادة ما اقتضى تحصيلها أن يقصدها عقله وأن تُظهر العين محلها وأن تحمله الرجلان إلى حيث هي وأن تقدره يداه على مسكها. وغايته من إثبات ذلك بيان أن الكنيسة لو لم تتنوع مواهبها وأعمالها واتفاقها كلها في العمل للنفع العام لم تكن جميلة ونافعة وكاملة. فكأنه قال لو كان كل أعضاء الكنيسة رسلاً فأين كانت الكنيسة وإن كان كلها شمامسة فأين كانت. أي لو كانت كل الأعضاء ذوات موهبة واحدة لم تكن الكنيسة.
١٨ «وَأَمَّا ٱلآنَ فَقَدْ وَضَعَ ٱللّٰهُ ٱلأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي ٱلْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ».
ع ٢٨ رومية ١٢: ٣ وص ٣: ٥ وع ١١
وَأَمَّا ٱلآنَ أي بموجب النظام الحاضر الذي أقامه الله.
فَقَدْ وَضَعَ ٱللّٰهُ ٱلأَعْضَاءَ الخ لم يجعل الجسد عضواً واحداً بل أعضاء كثيرة رتبها كما شاء بمقتضى حكمته وعيّن لكل منها عمله. فالعين لم تحصل من نفسها على قوة البصر والأذن لم تحصل كذلك على قوة السمع ولم يختارا موضعهما من الجسد فالله وضع كل عضو في الموضع الذي يتمكن فيه النفع الأعم. كذا عيّن في الكنيسة أنواع خدم وأعمال ومواهب بمقتضى مشيئته لا مشيئة الإنسان أو رأيه أو استحقاقه. فلا يليق بالإنسان أن يحكم بماهية منزلته وعمله في الكنيسة كما لا يليق بأعضاء الجسد أن تختار مواضعها وأعمالها. وكما أن قوة الحياة بالجسد تظهر وجودها بالعين بطريق وبالأذن بطريق آخر هكذا الروح القدس الساكن في الكنيسة يظهر وجوده في بعض أعضاء الكنيسة بموهبة التكلم بالألسنة وفي غيره بالنبوة فالذي لا يرضى موهبته ويتذمر منها إنما يتذمر على الله. وما يصدق على توزيع المواهب يصدق على كل أعمال العناية الإلهية في العالم لأن الله اختار أن يولد هذا في أوربا وأن يولد ذاك في آسيا وذلك في أفريقية. وهو الذي قسم أن يكون هذا غنياً وذاك فقيراً وأن يجعل هذا أميناً على عشر وزنات وذاك على وزنة وأن قضاءه بذلك قضاء حكمة وجود وحق. وهذا النتيجة الثانية التي وصل إليها الرسول مما سبق وخلاصتها أن الله عيّن لكل إنسان منزلته في الكنيسة ونصيبه من المواهب. والنتيجة الأولى ذُكرت في (ع ١٥ و١٦).
١٩، ٢٠ «١٩ وَلٰكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْواً وَاحِداً، أَيْنَ ٱلْجَسَدُ؟ ٢٠ فَٱلآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلٰكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ».
في هاتين الآيتين تكرير لمعنى (ع ١٧) للإيضاح وإثبات قوله أن تنوع الأعضاء والقوى ضروري لخير الجسد ولا يمنع كونه واحداً.
٢١ «لاَ تَقْدِرُ ٱلْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ. أَوِ ٱلرَّأْسُ أَيْضاً لِلرِّجْلَيْنِ: لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا».
في هذه الآية النتيجة الثالثة مما سبق وهي أن كل عضو من الكنيسة مفتقر إلى سائر الأعضاء. ففي الجسد لا تقدر العين أن تستغني عن اليد ولا الرأس عن الرجلين كذلك صاحب الموهبة العظيمة في الكنيسة لا يقدر أن يستغني عن صاحب الموهبة الحقيرة. وفي هذا توبيخ للذين عجبوا بأنفسهم واحتقروا غيرهم بما لهم من المواهب. وسبق في ع ١٥ و١٦ أنه لا يحسن بأصحاب الوظائف الحقيرة أن يستهينوا بأنفسهم ويحسبوا أنهم لا ينفعون الكنيسة.
٢٢، ٢٣ «٢٢ بَلْ بِٱلأَوْلَى أَعْضَاءُ ٱلْجَسَدِ ٱلَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. ٢٣ وَأَعْضَاءُ ٱلْجَسَدِ ٱلَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَٱلأَعْضَاءُ ٱلْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ».
في هاتين الآيتين النتيجة الرابعة وهي أن المواهب التي هي أقل اعتباراً واشتهاراً هي اكثر نفعاً. ولعله قصد بهذا أن يوبخ كنيسة كورنثوس لتفضيلها التكلم بالألسنة مع قلة فائدته على التبنوء مع كثرة نفعه (ص ١٤: ١ – ٥).
أَعْضَاءُ ٱلْجَسَدِ ٱلَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ لم يبيّن الرسول أي الأعضاء قصد بذلك ولا بقوله «أنها بلا كرامة» على أن معرفتها ليست بذات شأن ولكن الأمر واضح أن الدماغ والقلب والرئتين ضرورية لحياة الجسد أكثر من اللسان واليدين والرجلين وأنها أكثر منها تعرضاً للأمراض المميتة. وكذا الأمر في الروحيات فإن موهبة الصلاة أنفع للكنيسة من موهبة الفصاحة في الخطاب وموهبة التنبوء أنفع من موهبة التكلم بالألسنة. إن أفكار الله ليست كأفكار الناس فالمواهب التي يعتبرها الناس كثيراً هي قليلة الأهمية في عينيه تعالى. وما يصدق على المواهب يصدق على أصحابها أن الكنيسة تحتاج إلى الضعفاء والفقراء كما تحتاج إلى الأقوياء والأغنياء إذ لا تستطيع أن تستغني عن صلواتهم وصبرهم وكونهم مثلاً في السيرة المقدسة.
نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ أي أننا نعتني طبعاً ببعض أعضاء الجسد أكثر مما سواه ونتفق عليه في الملبوس والحلي ونترك بعضها كما خُلق كالوجه واليدين. فكذلك يجب على الكنيسة أن تكرم أهل الضعة من أعضائها الذين يخدمون الله والكنيسة خدمة وضيعة كالاعتناء بالفقراء والمرضى وتعليم الجهلاء والأولاد.
وَٱلأَعْضَاءُ ٱلْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ أي أن التي يعتبرها الناس قبيحة يكرمونها بالملبوسات والحلي. ومراد الرسول بهذا انه يجب على الكنيسة أن تعتبر المواهب الوضيعة وأصحابها فإنها على قلة شهرتها كثيرة النفع. ومن المواهب التي هي أقل اشتهاراً وأكثر نفعاً التواضع الذي هو عند الله كثير الثمن. والأمانة التي تجعل الإنسان أن يهتم بالواجبات الصغيرة كما يهتم بالكبيرة. والطهارة التي تجعل الإنسان يحفظ جسده هيكلاً للروح القدس. والصدق الذي يمنع المسيحي من التكلم بالكذب ولو أدى به إلى خسارة المال والحياة. والاقتناع بما قُسم الذي يقدر الإنسان على عدم المبالاة بخسارة الأموال لعلمه أن له أحسن الكنوز في السماء. والمحبة التي تدل على وجودها بكلام الحنو وأعماله. وخلاصة هذه الآية وجوب أن لا يُحتقر عضو من أعضاء الكنيسة ولا موهبة من مواهب الروح القدس.
٢٤ «وَأَمَّا ٱلْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا ٱحْتِيَاجٌ. لٰكِنَّ ٱللّٰهَ مَزَجَ ٱلْجَسَدَ، مُعْطِياً ٱلنَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ».
وَأَمَّا ٱلْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا ٱحْتِيَاجٌ إلى زينة الثياب والحلي. إن حكم الرسول على وفق العقل السليم وهو أن الحسن الطبيعي لا يحتاج إلى التمويه الصناعي. كثيراً ما ينفق الناس من أوقاتهم وأموالهم على المحسّنات المادية التي لا حاجة إليها ويغفلون عن المحسّنات الروحية الضرورية.
ٱللّٰهَ مَزَجَ ٱلْجَسَدَ الخ أي وضع أعضاءه في مواضعها وغرس في الإنسان كل من تلك الأعضاء على الإكرام الذي يستحقه والاهتمام الذي يفتقر إليه لصحة الجسد كله وقوته وجماله ومسرته ونفعه. قال الرسول هذا في شأن الجسد مثالاً لما يجب في الكنيسة ورتب كلامه حتى جاءت ألفاظه موافقة للمعنى الحقيقي والمعنى المجازي أي لما يصدق على جسد الإنسان وما يصدق على الكنيسة.
٢٥، ٢٦ «٢٥ لِكَيْ لاَ يَكُونَ ٱنْشِقَاقٌ فِي ٱلْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ ٱلأَعْضَاءُ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. ٢٦ فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ».
لِكَيْ لاَ يَكُونَ ٱنْشِقَاقٌ فِي ٱلْجَسَدِ المراد «بالانشقاق» هنا ترك بعض الأعضاء بدون الاعتناء الضروري لها لاتقائها الخطر والتوصل إلى ما تحتاج إليه واعتناؤها بغيرها اعتناء لا يحتاج إليه. والإنسان يحترس من مثل ذلك الانشقاق في الجسد طبعاً. وما يأتيه طبعاً في الماديات يجب أن يأتيه بمقتضى الضمير وأوامر الله في الروحيات. فالانشقاق في الجسد الروحي أي الكنيسة أضر من الانشقاق في الجسد المادي. وقد حدث الانشقاق في كنيسة كورنثوس بدليل ما في (ص ١: ١ و١١: ١٨) فكان مانعاً من إظهار بعض المؤمنين ما يليق بهم من محبتهم لغيرهم والمساعدة لهم.
بَلْ تَهْتَمُّ ٱلأَعْضَاءُ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً بَعْضُهَا لِبَعْضٍ أي أن كل عضو يهتم بغيره كما يهتم بنفسه فإن اليد تحمي العين طبعاً من الضرر والعين تقي الرجل من العثرة والصدمة كذلك على الكنيسة أن يهتم كل واحد من أعضائها بأخيه للنفع. فمعنى قوله «إن كان عضو واحد يتألم» أي إن كان أحد الأعضاء مصاباً بمرض ووجع. ومعنى قوله «عضو واحد يًُكرّم» إنه ينال الصحة والعافية والسرور. وقوله إن جميع الأعضاء تتألم مع العضو المتألم مبني على تركيب الجسد وحياته المشتركة أي التي يشترك فيها كل الأعضاء وهذا يستلزم استحالة أن يُصاب عضو بضعف أو وجع لا يُصاب به الجسد كله وأن صحة الأعضاء إفراداً تستلزم صحة الجسد كله. والخلاصة أن نفع الواحد نفع الكل وضرر الواحد ضرر الكل. وقصد من ذلك تعليم الكنيسة أن يهتم كل من المؤمنين بغيره لأنهم جميعاً أعضاء جسد المسيح. إن افتقر أحد منهم أو مرض وجب على الباقين أن يسعفوه. وإن اضطُهد أحد منهم من أجل البر وجب على الباقين أن يحزنوا ويصلوا من أجله. وإن نجح أحد منهم وأنعم الله عليه بالمواهب الوافرة وجب أن يستعملها لنفع الكنيسة كلها ووجب على الباقين أن يسروا ويشكروا الله على ما حصل عليه لا أن يحسدوه.
٢٧ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً».
رومية ١٢: ٥ وأفسس ١: ٢٣ و٤: ١٢ و٥: ٢٣ و٣٠ وكولوسي ١: ٢٤ أفسس ٥: ٣٠
أَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ ٱلْمَسِيحِ يعني أن مؤمني كورنثوس باعتبار كونهم جماعة مؤمنة هم مع سائر المؤمنين في الأرض والسماء جسد المسيح كما جاء في (أفسس ١: ٢٣ و٢: ١٦ و٤: ١٢ و١٦ و٥: ٢٣ و٣٠ وكولوسي ١: ١٨ و٢٤ و٢: ١٩ و٣: ١٥).
وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً أي كل واحد منكم عضو في جسد المسيح. قال هذا لإثبات أن ما يصدق على جسد الإنسان الحقيقي من أنه واحد مع تعدد أعضائه واختلافها وافتقار كل منها إلى الآخر وفضل بعض الأعضاء الضعيفة على القوية ومشاركة كل عضو لغيره من الأعضاء في الألم واللذة يصدق أيضاً على الكنيسة. وبيان الرسول أن كل من أعضاء جسد المسيح الحقيقيين يتألم مع المتألمين من أخوته ويفرح مع الفرحين يستلزم أن من لا يشارك المؤمنين في أفراحهم وأحزانهم ليس من أعضاء جسده الروحي وإن كان في الظاهر منها.
٢٨ «فَوَضَعَ ٱللّٰهُ أُنَاساً فِي ٱلْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِياً أَنْبِيَاءَ، ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَاناً، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ».
أفسس ٤: ١١ أفسس ٢: ٢٠ و٣: ٥ أعمال ١٣: ١ و رومية ١٢: ٦ ع ١٠ ع ٩ عدد ١١: ١٧ رومية ١٢: ٨ ١تيموثاوس ٥: ١٧ وعبرانيين ١٣: ١٧ و٢٤ ع ١٠
هذه الآية تفصيل للآية السابعة والعشرين وهي أن الكنيسة جسد المسيح وبيان رتب أعضائه المختلفة أي جماعة المؤمنين وذُكر ثماني رتب منها.
ٱلْكَنِيسَةِ أي العامة الشاملة كل كنيسة محلية.
رُسُلاً هم أناس اختارهم المسيح وأرسلهم ليعلّموا الكنيسة ويسوسوها وألهمهم الروح القدس وعصمهم في ما يتعلق برتبتهم وتقدموا على غيرهم في الرتبة والسلطان وسموّ المواهب. ومما تميّزوا به على غيرهم أنهم كانوا شهود عين بما نادوا به. وهذا يمنع من أن يكون لهم خلفاء.
أَنْبِيَاءَ هم أناس تكلموا باسم الله بالوحي حين أرسلهم الله إلى عمل وقتي مخصوص (انظر تفسير رومية ١٢: ٦).
مُعَلِّمِينَ هم الذين وُهب لهم قوة التعليم في الروحيات. فليس من الضرورة أن يكونوا ملهمين أو ممن أوحي إليهم. والأرجح أن منهم الرعاة والمبشرين (انظر تفسير رومية ١٢: ٧).
قُوَّات أي أصحاب قوات وهم الذين منهم الروح القدس سلطان صنع المعجزات (انظر تفسير ع ١٠).
مَوَاهِبَ شِفَاءٍ أي أصحاب مواهب الخ. وهم الذين أعطاهم الروح قوة على شفاء الأمراض (انظر تفسير ع ٩ ويعقوب ٥: ١٤ و١٥).
أَعْوَاناً أي معاونين للرسل والأنبياء والمعلمين. والمرجح أن عملهم الاعتناء بالفقراء والمرضى والغرباء والأرامل واليتامى وأنهم الشمامسة والشماسات (انظر رومية ١٦: ٣ و٩).
تَدَابِيرَ أي أصحاب تدابير وهم أناس وُهب لهم قوة على سياسة الكنيسة والأرجح أنهم الشيوخ المدبرون غير الذين أوجب عليهم الوعظ.
أَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ أي أصحاب ألسنة متنوعة وهم الذين وهب لهم الروح القدس القوة على أن يتكلموا بألسنة لم يتعلموها. ولعل علة ذكر هذه الموهبة أخيراً هي أن الكورنثيين اعتبروها أكثر مما تستحق وافتخروا بها. ومما يستحق الملاحظة في هذه الرتب:
- إن جدولها غير كامل إذ لم يُذكر فيه مواهب ذُكرت في (ع ٨ – ١٠) وفي أماكن أُخر في الإنجيل.
- إنه لا ذا رتبة إلا وله موهبة موافقة لرتبته فلا رسول بلا عصمة ولا نبي بلا وحي ولا شاف بلا شفاء. فإذاً من يدعي أنه رسول أو نبي أو شاف دون الموهبة الموافقة دعواه باطلة فهو ليس ممن عينهم الله.
- كون هذه الرتب في الكنيسة في قرنها الأول لا يستلزم أن تكون كلها دائمة لأن بعضها كان ضرورياً لتأسيس الكنائس وتربيتها وتعليمها. وزاد الحاجة إليه أن أكثر تعاليم الإنجيل كانت شفاهية. والكنيسة العامة لم تحتج إليه بعدما امتدت وانتشرت نسخ البشائر والرسائل بين أعضائها. فليس فيها اليوم رسل ولا أنبياء ولا أصحاب معجزات ولا متكلمون بألسنة لم يتعلموها بدليل أن المواهب التي تناسب تلك الرتب ليست في كنيسة من الكنائس المسيحية.
- إن كان حصول الإنسان على إحدى تلك المواهب برهاناً على أن الله دعاه إلى العمل المتعلق بها فكان حصوله على موهبة التنبوء برهاناً على أن الله دعاه إلى شفاء الأمراض. وكذا اليوم فحصول الإنسان على المواهب المناسبة لرعاية الكنيسة برهان على أن الله دعاه ليكون راعياً. وتلك المواهب هي أن يكون صحيح الإيمان راسخه عالماً كفاية «صالحاً للتعليم» ممتلئاً حباً للمسيح وغيرة لمجده شاهداً له ضميره أنه يجب عليه المناداة بالإنجيل.
٢٩، ٣٠ «٢٩ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ ٣٠ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ ٱلْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟».
معنى هاتين الآيتين أنه كما سبق في قوله أن جسد الإنسان ليس كله عيناً ولا كله أذناً كذا في الكنيسة ليس لكل الأعضاء رتبة واحدة وهبة واحدة فكما يكون من الجهل أن يشتهي كل عضو في الجسد قوة البصر أو السمع كذلك من الجهل والطمع أن يطلب كل من المؤمنين المواهب العليا. والغاية من هاتين الآيتين نهي بعض الإخوة عن التذمر والحسد ونهي بعضهم عن التكبر والمفاخرة فكان عليهم أن يذكروا ما قاله سابقاً وهو أن الذي وزع تلك المواهب كما شاء هو الله وأنها كلها ضرورية للكنيسة وأن صاحب إحداها لا يقدر أن يستغني عن صاحب غيرها.
٣١ «وَلٰكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ ٱلْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ».
جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ ٱلْحُسْنَى أثبت سابقاً أن ليس كل مؤمن يمكنه أن يحصل على كل المواهب ونهى عن طلب المواهب العليا بغية المباهاة والافتخار ولكن هذا لا يمنع من اشتهار الحصول على المواهب الحسنى لإفادة الغير وطلبها بالصلاة والأمانة في استعمال المواهب التي نيلت مع أمل البلوغ إلى ما بلغه صاحب خمس الوزنات الذي كان أميناً في استعمالها فحصل على خمس وزنات أخر فوقها. وهذا لا يخالف الأمر بالقناعة والنهي عن احتقار أصحاب المواهب الصغيرة في (ع ١١ و١٥ و١٦).
نعم قيل «أن الروح يقسم لكل واحد كما يشاء» لكنه قيل مثل ذلك في خلاص نفوس الناس بدليل قول المسيح «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ… هٰكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ ٱلرُّوحِ» (يوحنا ٣: ٨٩). وقيل «فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يُعْطِي ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (لوقا ١١: ١٣).
والمراد «بالمواهب الحسنى» هنا التي هي أنفع كما يتضح من قوله «أَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي ٱلْكَنِيسَةَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، وَلٰكِنْ بِٱلأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا» (ص ١٤: ٤ و٥) أو أبقى بدليل قوله «أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ» (ص ١٣: ١٣) فقد أخطأ مؤمنو كورنثوس باشتهائهم المواهب التي هي أكثر اشتهاراً كالتكلم بالألسنة.
أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ من طلب المواهب المخصوصة المذكورة آنفاً وهو طلب الفضيلة التي أخذ يتكلم عليها في الأصحاح الآتي لأن المواهب تنفع إذاً اقترنت بهذه الفضيلة وإلا فهي بلا نفع. فكأنه قال إذا شئتم أن تُظهروا غيرتكم للمسيح والرغبة في بنيان الكنيسة فكونوا كاملين بالمحبة بدلاً من أن تطلبوا الحصول على موهبة الرسول أو موهبة النبي أو موهبة المدبر.
فوائد
- إنه مما ينفع كل إنسان أن يذكر أحياناً حال العماية والشقاوة التي كان فيها لكي يبقى متواضعاً ويزيد تسبيحاً لله على نعمته (ع ٢).
- إن علامة وجود الروح القدس في شخص أو كنيسة هي ما ينشئه من المعرفة بعظمة المسيح وفرط الاحتياج إليه ووجوب الحب والطاعة له (ع ٣).
- إن رتب الكنيسة لا تصل إلى الناس بالإرث من آبائهم ولا باختيار الملوك أو جماعة من الناس. والظن أنها تقتني بالدراهم تجديف (أعمال ٨: ٢٠) وأما من دعاه الله إليها وحلاه بمواهب تليق بها فهو أهل لها (ع ٤).
- إن الله منح الإنسان قواه الجسدية والعقلية والروحية لكي ينفع بها غيره من الناس ويمجد الله. فالذي يستعمل تلك القوى لمجرد منفعة نفسه فكأنه حفر في الأرض وأخفى مال سيده (ع ٧).
- إن للروح القدس من كنوز الحكمة والعلم ما يكفي أن يجعل «الأطفال في المسيح» أحكم من فلاسفة العالم (ع ٨).
- إن الله أظهر حكمته وقوته ومحبته في العالم المادي بأنه أعطى بعض البلاد بعض الأنواع والأثمار والغلال وبعضها أنواعاً أُخر منها لكي يحتاج أهل هذه إلى أهل تلك وأهل تلك إلى أهل هذه فيتمهد طريق المخالطة والتجارة بينهما ويرتبط أحد الفريقين بالأخر بربط الوداد والمنافع. كذلك أظهر في الكنيسة حكمته وقوته ومحبته بتنويعه المواهب الروحية للمؤمنين لكي يحتاج كل إلى الآخر فيرتبط بعضهم ببعض بربط المحبة والخدمة (ع ٨ – ١٠).
- إن الكنيسة لا تحتاج اليوم إلى المواهب الخاصة التي وهبها الروح القدس للكنيسة في القرن الأول لتقوية إيمانها وإثبات صحة شهادتها لكنها تستغني أبداً عن عمل الروح القدس في قلوب الناس كتنويرهم وإقناعهم وتجديدهم وتقديسهم وجعله كلام الله مؤثراً حين يُسمع في الكنيسة وحين يُقرأ في البيوت ودعوته بعض الناس إلى أن يكونوا معلمين ومبشرين وتأهيله إياهم لذلك. فلولا عمل الروح القدس الآن في الكنيسة والعالم كانت المناداة بإنجيله بين الناس باطلة (ع ٨ – ١٠).
- إن وفرة مواهب المسيح العظيمة المتنوعة في الكنيسة دليل على فرط محبته لها وعنايته بها فلا يحسن أن نحزن إلى الغاية إذا مات من حسبوا أعمدة الكنيسة وسندوها بحكمتهم وفصاحتهم لأن رئيس الكنيسة الرب يسوع المسيح حي إلى الأبد ومحبته وعنايته دائمتان (ع ٨ – ١٠).
- إن روح الله يوزع مواهبه كما يشاء ولا يريد أن يكون أحد شعبه بلا موهبة يخدم بها المسيح وكنيسته فإن قال أحد ليس لي موهبة لعمل من الأعمال فليذكر أن بين الواجبات المسيحية المذكورة في الإنجيل هو سقي كأس ماء بارد وإضافة الغرباء وغسل أرجل القديسين (١كورنثوس ٥: ١٠) فأصغر المؤمنين قادر على مثل هذه الأعمال وإذا فعلها باسم المسيح لا يضيع أجره (ع ١١).
- إن معمودية الماء واجبة على الإنسان ولكن معمودية الروح ضرورية لخلاصه. فبالأولى يدخل الكنيسة الأرضية المنظورة ويُكتب اسمه في دفترها وبالثانية يدخل الكنيسة السماوية غير المنظورة ويُكتب اسمه في سفر الحياة الذي للخروف (ع ١٣).
- إن المسيح لم يرد أن يكون انشقاق في جسده أي الكنيسة «فلنعكف إذاً على ما هو للسلام» ونعتزل كل ما يؤدي إلى الانشقاق أو إطالته إن وُجد (ع ٢٥).
-
إن أكثر الناس يعتبرون الكنيسة محل الراحة الروحية والسرور المسيحي وملجأ من التجربة وواسطة النجاة من الهلاك الأبدي كما كان الفلك لنوح وعائلته لكن الإنجيل يعتبرها معملاً يدخله الإنسان ليعبد الله وينفع الناس روحاً وجسداً باتفاقه مع إخوته ومشاركته إياهم يداً وقلباً في الأعمال الخيرية (ع ٢٥ و٢٦).