كورنثوس الأولى

الرسالة الأولى إلى كورنثوس | 03 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث

توبيخ كنيسة كورنثوس على تحزبها للمعلمين وهذا رجوع إلى موضوعه في ص ١: ١٠ إلى ١٦

في هذا الأصحاح سبعة أمور:

  1. محاماته عن نفسه في بساطة تعليمه وحجته عجزهم عن الاستفادة بما هو أسمى منه (ع ١ – ٤).
  2. بيان كون المبشرين خدم الكنيسة لا رؤساء مذاهب فيها (ع ٥ – ٧).
  3. إن كل المبشرين متساوون بدليل كونهم ليسوا سوى فعلة في كرم واحد أو بنائي بيت واحد (ع ٨ و٩).
  4. إن على المبشرين مسؤولية عظيمة لأن البيت الذي يبنونه بيت الله فيثابون أو يعاقبون بمقتضى بنائهم (ع ١٠ – ١٥).
  5. إن أهمية عملهم توجب عليهم أحسن الأمانة (ع ١٦ و١٧).
  6. إن تلك الأهمية توجب عليهم الاحتراس من أن يخدعوا أنفسهم وأن ينادوا بحكمة الله لا بحكمتهم (ع ١٨ – ٢٠).
  7. إنه يجب على الكنيسة أن لا تتكل على معلميها ولا تفتخر بهم بل أن تعرفهم خدماً دينية وأن تعلم عظمة ما منحها الله إياه من النعم (ع ٢١ – ٢٣).

١ «وَأَنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَالٍ فِي ٱلْمَسِيحِ».

ص ٢: ١٥ ص ٢: ١٤ عبرانيين ٥: ١٣

أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ وجّه الرسول معظم كلامه من (ص ١: ١٦ – ص ٢: ١٦) إلى محبي الحكمة الإنسانية في كورنثوس من اليونانيين واليهود غير المؤمنين والمعلمين المفسدين الذين دخلوا الكنيسة وصرّح بفضل الإنجيل على كل حكمة بشرية وبأنه لم يعلم تلك الحكمة لأنها جهالة عند الله. ووجه كلامه هنا إلى مؤمني كنيسة كورنثوس الذين خدعهم المعلمون الكاذبون ولاموا بولس على بساطة تعليمه.

لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ يراد غالباً «بالجسديين» غير المؤمنين بالمسيح لكن المراد بهم هنا المؤمنون كما يظهر من الآية الخامسة ومن دعوته إياهم «إخوة» في هذه الآية لكنه أنزلهم منزلة الجسديين بالنظر إلى ما وجب أن يكونوا وبالنسبة إلى مسيحيي كنائس أُخر فكانوا روحيين بالنسبة إلى أهل العالم. وفسر دعوته إياهم جسديين في (ع ٣).

كَأَطْفَالٍ فِي ٱلْمَسِيحِ أي كمبتدئين في معرفة دين المسيح وفي اختبار الحياة المسيحية. ودعا الرسول المنتهين في تلك المعرفة «بالعين» (عبرانيين ٥: ١٤). قال هذا دفعاً لاعتراض لم يُذكر إنما يُفهم من القرينة وهو أن تعليمه وهو في كورنثوس كان بسيطاً جداً فدفعه بأنهم كانوا وقتئذ في أول إيمانهم ودخولهم الكنيسة فاضطر أن يجعل تعليمه موافقاً لأحوالهم.

٢ «سَقَيْتُكُمْ لَبَناً لاَ طَعَاماً، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ ٱلآنَ أَيْضاً لاَ تَسْتَطِيعُونَ».

عبرانيين ٥: ١٢ و١٣ و١بطرس ٢: ٢ يوحنا ١٦: ١٢

سَقَيْتُكُمْ لَبَناً أي علمتكم كما يُعلم الأطفال وهذا مثل قوله «لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ ٱللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ ٱلْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ ٱلْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا ٱلطَّعَامُ ٱلْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، ٱلَّذِينَ بِسَبَبِ ٱلتَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ ٱلْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى ٱلتَّمْيِيزِ بَيْنَ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ» (عبرانيين ٥: ١٣ و١٤). ولعل المراد «باللبن» هنا «كلام بداءة المسيح» المشتمل على ستة أمور: وهي التوبة والإيمان والمعمودية والرسامة والقيامة والدينونة المذكورة في (عبرانيين ٦: ١ و٢). أو لعله أشار به إلى أسلوب تعليمه لا إلى مواضيعه وهو المرجح فكل عقيدة في كتاب الوحي ينظر فيها اللاهوتيون يمكن أن يعبر عنها للأطفال في المعرفة فيمكننا أن نعلمهم وجود الله بدون أن نبين لهم الاتفاق بين كونه واحداً وكونه في ثلاثة أقانيم وأن نعلمهم أنه قدوس جوّاد بدون أن نثبت لهم الاتفاق بين هذا وسماحه بدخول الخطيئة إلى العالم وأن نعلمهم أن المسيح إله وإنسان بدون أن نبيّن لهم إمكان تجسد اللاهوت ونعلّمهم أنه مات عن الخطأة بدون أن نوضح لهم كيف كان موته كفارة عنهم. ونعلمهم وجوب الصلاة بدون أننا نبين الاتفاق بين إجابة الله الصلاة وقضائه الأزلي بكل ما يحدث. فاكتفى بولس بأن علمهم العقائد بدون إقامة الأدلة المنطقية على صحتها وبيان الاتفاق بين بعضها والبعض.

طَعَاماً هو إما العقائد السامية في الدين المسيحي كقضاء الله واختياره بعض الناس دون البعض للحياة الأبدية والاتفاق بين كون الله باراً وكونه مبرراً للخاطئ ونسبة الأعمال إلى الإيمان في الحياة المسيحية وأما التعبير عن العقائد بأسلوب موافق لعقول البالغين.

بَعْدُ أي حين أتى إليهم ووضع أساس الكنيسة. وكان أكثرهم وثني الأصل فعسر عليهم فهم عقائد الدين المسيحي بخلاف اليهود الذين استعدوا لفهم الإنجيل بتمرنهم بالعهد القديم.

بَلِ ٱلآنَ أَيْضاً لاَ تَسْتَطِيعُونَ أي حين كتب إليهم هذه الرسالة وذلك بعد خمس سنين لإيمانهم ومع ذلك لم يستطع أن يكلمهم كما يكلم البالغين المختبرين ولم يلمهم على أنهم كانوا في أول إيمانهم أطفالاً في المسيح بل على أنهم بقوا كذلك.

٣ «لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَٱنْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ ٱلْبَشَرِ؟».

ص ١: ١١ و١١: ١٨ وغلاطية ٥: ٢٠ و٢١ ويعقوب ٣: ١٦

هذه الآية إثبات لقوله في الآية الأولى وبرهان على أنهم غير مستعدين لأن يكلمهم كما يكلم المسيحيين البالغين.

بَعْدُ جَسَدِيُّونَ أي غير خالين من الانفعالات التي تهيج وتستولي في قلوب غير المؤمنين فإنه كان يجب عليهم لكونهم مؤمنين أن يميتوا أعمال الجسد التي بعضها «عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ» (غلاطية ٥: ٢٠). وأن يأتوا بأثمار الروح التي بعضها «مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ» (غلاطية ٥: ٢٢).

فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَٱنْشِقَاقٌ هي أعمال يمتاز بها الجسديون من الروحيين فوجودها بينهم دليل على أنهم لم ينموا كما يجب في النعمة والتقوى والتمثل بالمسيح. وما قيل هنا لا ينافي مدح بولس لكنيسة كورنثوس في الأصحاح الأول من هذه الرسالة فإنهم استحقوا ذلك بالنسبة إلى من حولهم من الوثنيين ولكنهم بالنسبة إلى مطاليب الإنجيل استحقوا اللوم المذكور هنا. ولم يتضح أن كل تلك الكنيسة كانت كذلك ويظهر مما في الرسالة الثانية أن الذين سقطوا لم يكن سقوطهم إلا وقتياً. كان الحسد بين حزب وحزب فنتج عنه الخصام طبعاً ثم الانشقاق.

تَسْلُكُونَ بِحَسَبِ ٱلْبَشَرِ أي كغير المؤمنين. كان يجب عليهم لكونهم مؤمنين أن يحب بعضهم بعضاً ويتفقون كأهل بيت واحد.

٤ «لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: «أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ: «أَنَا لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟».

ص ١: ١٢

هذه الآية تفسير لقوله أنهم جسديون وقد مر الكلام على مثلها في (ص ١: ١٢ فانظر تفسيرها هناك) لكنه لم يذكر هنا سوى حزبين من أربعة أحزاب ذُكرت هناك لأن غايته بيان خطيئة الخصام لا عدد الأحزاب وصفاتهم. وما قاله على الحزبين يصدق على الأربعة. وعلة التحزب واحدة و هي خطأهم في مقام المبشرين فشرع يصلحه لهم.

٥ «فَمَنْ هُوَ بُولُسُ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى ٱلرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ».

ص ٤: ١ و٢كورنثوس ٣: ٣ رومية ١٢: ٣ و٦ و١بطرس ٤: ١١

من هذه الآية إلى التاسعة بيان منزلة معلمي الدين الحقيقية على اختلاف صنوفهم.

مَنْ هُوَ بُولُسُ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ حتى تعتبروا كلا منهما رئيس حزب وتُنسبوا إليه. فهل اخترعا التعاليم التي ناديا بها وهل لهما سلطان يجعل وعظهما مؤثراً في القلوب. فلو كان كل منهما أهلاً لأن يكون رئيس حزب لكان بالضرورة مخترعاً للتعاليم ذا سلطان على التأثير.

خَادِمَانِ للمسيح ولكنيسته. وهذا ينافي كونهما رئيسين في الكنيسة ويستلزم أنهما متساويان وهذا يصدق على كل المبشرين.

آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا استخدمهما المسيح آلة لجذب الناس إلى الإيمان به وهذا هو الغاية التي عيّنهما الله لها بدليل قوله «وَهُوَ أَعْطَى ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَٱلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَٱلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَٱلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٤: ١١ و١٢). وبما أن الله عيّن المبشرين لتلك الخدمة وجب على الكنيسة أن تعتبرهم كما اعتبرهم الله لا أن تعتبرهم رؤساء أحزاب أو سادة للكنيسة (١بطرس ٥: ٣).

وَكَمَا أَعْطَى ٱلرَّبُّ الخ أي كما عيّن لكل إنسان من العمل وأعطاه ما يحتاج إليه من المواهب لكي يقوم به (أفسس ٤: ٧).

٦ «أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لٰكِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ يُنْمِي».

أعمال ١٨: ٤ و٢٧ و١٩: ١ ص ١: ٣٠ و١٥: ١٠ و٢كورنثوس ٣: ٥

هذه الآية بيان لتنوع الأعمال التي عيّنها الله لخدم الكنيسة وأنهم جميعاً ليسوا سوى آلات في يد الرب. وشبّه الكنيسة هنا ببستان وأعضاءها بنباتات فيه.

أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى الغرس والسقي ليسا بعلتين لحياة النبات ونموه إنما هما واسطتان لهما وعلتهما الحقيقية قوة الله. كذلك أعمال المبشرين فهي وسائط عيّنها الله وأكرمها لإيمان الناس ونموهم الروحي لا علل لذلك. وذكر بولس اسمه أولاً لأنه بشر المخاطبين أولاً وأسس كنيستهم. وأتى أبلوس كورنثوس بعدما تركها بولس فكانت نسبته إلى بولس كنسبة الساقي إلى الغارس لأنه «لَمَّا جَاءَ سَاعَدَ كَثِيراً بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا» (إعمال ١٨: ٢٧).

لا دليل على أن أبلوس مال إلى أن يتعظم ويكون رئيس حزب ولا على أن بولس ظنه كذلك أو حسده بل لنا دليل قاطع على أنه وثق به لأنه ألح عليه أن يرجع إلى كورنثوس بعدما فارقها (ص ١٦: ١٢).

ٱللّٰهَ كَانَ يُنْمِي إن علة الخصب في الأرضيات هي علة الخصب في السماويات أي هي الباري تعالى. فمهما اجتهد الواعظ في درس الكتاب وفي إيضاح معانيه للناس على أحسن أسلوب فاجتهاده باطل إن لم يرسل الله روحه القدوس ليجعل كلامه مؤثراً في قلوب السامعين. وفي كون الله يُنمي تنشيط للمبشر الأمين المجتهد المصلي لما فيه من توكيد أنه تعالى يبارك عمله وينجحه إذا كان الغرس والسقي بمقتضى إرادته ولمجده. وهذا على وفق قوله «كَمَا يَنْزِلُ ٱلْمَطَرُ وَٱلثَّلْجُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ ٱلأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هٰكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً» (إشعياء ٥٥: ١٠ و١١).

ويلزم من هذا أنه إذا نجح الفلاح الأرضي أو الحاصد الروحي وجب أن يُعطى كل منهما المجد لله ويشكره على أنه لم يسع باطلاً.

٧ «إِذاً لَيْسَ ٱلْغَارِسُ شَيْئاً وَلاَ ٱلسَّاقِي، بَلِ ٱللّٰهُ ٱلَّذِي يُنْمِي».

٢كورنثوس ١٢: ١١ وغلاطية ٦: ٣

معنى هذه الآية أن ذينك المبشرين ليسا شيئاً في ذاتيهما ولا بالسنبة إلى الله لأنهما ليسا سوى آلة في يده تعالى وإن كان أحدهما أفضل الرسل والآخر أفصح الخطباء فالله وحده مصدر القوة والنجاح. فمن العبث أن يقول أحد الناس أنا لبولس كأن بولس قادر أن يخلصه ويغفر إثمه ويمنحه النعمة. وهذا لا يستلزم أنه لا أهمية لعمل المبشرين لأنه لا بد منهم بمقتضى ما رتب الله فمن لا يزرع لا يحصد ولا يصنع له الله معجزة لإنقاذه من عواقب كسله. فعلى المبشرين أن لا يفتروا في زرع كلمة الله في قلوب الناس آملين أن الله يجعل زرعهم مثمراً للحياة الأبدية معترفين أن كل أتعابهم عاجزة عن الإتيان بخاطئ واحد إلى التوبة بدون تأثير روح الله.

٨ «وَٱلْغَارِسُ وَٱلسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ، وَلٰكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ».

مزمور ٦٢: ١٢ ورومية ٢: ٦ وص ٤: ٥ وغلاطية ٦: ٤ و٥ ورؤيا ٢: ٢٣ و٢٢: ١٢

هُمَا وَاحِدٌ المبشرون واحد بالنسبة إلى الله وإلى الكنيسة لأنهم كلهم خدم وكذلك بنسبة بعضهم إلى بعض لأنهم فعلة معاً تحت سلطة سيد واحد وغايتهم واحدة (لا أن غاية الواحد أن يغرس وغاية الآخر أن يقلع بل غايته أن يسقي ما غرسه غيره) ولأن عمل الواحد ضروري لنجاح عمل الآخر لأن سقي الساقي لا ينفع بلا غرس الغارس وغرس الغارس لا ينفع بلا سقي الساقي. وهم واحد أيضاً باعتبار كونهم آلة في يد الإله الواحد مصدر الحياة والنمو قلوا أو كثروا. فإذاً لا يجوز أن يرأس بعض المبشرين بعضاً كأن لهم عملاً خاصاً لغاية خاصة.

كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَه عمل الغارس يفرق عن عمل الساقي لكن غايتهما واحدة وهي نمو المغروس كذلك خدمة أحد المبشرين تفرق عن خدمة الآخر ومواهب هذا تختلف عن مواهب ذاك لكن كل واحد يأخذ ثوابه من الله لا من إنسان والله يحسب عمل الكل عملاً واحداً لكنه يحاسب الفعلة أفراداً.

بِحَسَبِ تَعَبِهِ وأمانته واجتهاده وإنكاره نفسه وتواضعه فليست الأجرة على حسب مواهبه ولا على قدر نجاحه وشهرته. وفي هذا تعزية لمن يخدم الإنجيل حيث الموانع كثيرة والنجاح قليل لما فيه من تحقيق أن الله يرى التعب ويجازي على حسبه. وفيه أيضاً حث للجميع لما يلزم منه أن من تعب قليلاً أُثيب قليلاً ومن تعب كثيراً أُثيب كثيراً. ولا ريب أنه كان في كورنثوس وقتئذ عدة معلمين ومبشرين بعضهم أمين وبعضهم خائن وبعضهم مجتهد وبعضهم متوان والله رقيبهم جميعاً يعلم تعب كل واحد ويجازيه بحسبه. ولا يفيد ما ذُكر من الأجرة هنا أن المبشرين الأمناء وغيرهم من المؤمنين يستحقون السماء بأعمالهم فإنهم لم يدخلوها إلا باستحقاق الرب يسوع المسيح الذي آمنوا به لكن الله لوفرة نعمته وعد بالإثابة لعبيده آية لرضاه عنهم واستحسن أن يوزع الثواب عليهم بالنسبة إلى أتعابهم (متى ٥: ١٢ ولوقا ٦: ٢٣ و٣٥ ورؤيا ١١: ١٨).

٩ «فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ ٱللّٰهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ ٱللّٰهِ، بِنَاءُ ٱللّٰهِ».

أعمال ١٥: ٤ و٢كورنثوس ٦: ١ أفسس ٢: ٢٠ وكولوسي ٢: ٧ و عبرانيين ٣: ٣ و٤ و١بطرس ٢: ٥

نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ ٱللّٰهِ أي أنا وأبلوس فاعلان في كرمه تعالى. وما صدق عليهما يصدق على كل المبشرين. وهذا علة قوله «الغارس والساقي واحد» وهي اشتراكهما في عمل واحد عظيم مجيد وعلى مجازاة كل على قدر تعبه لأن كونهما عاملين مع الله يستلزم أنه يثيبهما بما وعد به. وتكرير اسم الله ثلاث مرات في هذه لتقرير أن الكنيسة كنيسة الله والعمل عمله والفعلة فعلته وهو الذي يجازي وفيه توبيخ لمن ينسبون الكنيسة إلى بعض الناس.

وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ ٱللّٰه أي أنكم يا أعضاء كنيسة كورنثوس حقل الله لأنه أنعم عليكم بضوء إنجيله ومطر نعمته وندى بركته وأرسل خدمه من مبشرين ومعلمين ليعملوا فيه. وسماهم «فلاحة الله» لمناسبة كونه غارساً وكون أبلوس ساقياً. وتشبيه الكنيسة «بالحقل» وأمثاله كثير في الكتاب منه ما في (مزمور ٨٠: ٨ وإشعياء ٥: ١ – ٧ و٢٧: ٢ و٦ ومتى ٢١: ٣٣ – ٤١). وفي هذا دليل على أن الكنيسة عزيزة عند الله. إنه يعتني بها ويقيها كل ما يضرها ويعطيها كل ما تحتاج إليه. وإن لله حق الاستيلاء على كل أثمارها من المجد والإكرام والعبادة وأشباهها وأنه لا يجوز أنها تُنسب إلى مخلوق رسولاً كان أم غير رسول.

بِنَاءُ ٱللّٰهِ انتقل الرسول من تشبيه الكنيسة بحقل فيه المبشرون غارسون وساقون إلى تشبهها ببناء فيه المبشرون بناؤون لأن هذا التشبيه أنسب من الأول للتعبير عما أراد أن يقوله في شأن الكنيسة وما صنع الله لأجلها وما يطلبه من مبشريها وأعضائها. وجاء مثل التشبيه في (٢كورنثوس ٦: ١٦ وأفسس ٢: ٢١ وعبرانيين ٣: ٦ و١بطرس ٢: ٥).

١٠ «حَسَبَ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاساً، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلٰكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ».

رومية ١: ٥ و١٢: ٣ رومية ١٥: ٢٠ وع ٦ وص ٤: ١٥ ورؤيا ٢١: ١٤ ١بطرس ٤: ١١

حَسَبَ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي أعطى الرسول كل المجد لله بما في كورنثوس من خدمة الإنجيل فإنه هو الذي دعاه رسولاً وهو عيّن له عمله ووهب له قوة قدرته على القيام بما وجب عليه. ودفع بهذا ما يتوهّم في كلامه من الافتخار.

كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ أي كماهر في البناء يحكم التأسيس والهندسة غيره على أساسه ورسمه. ولم يقصد الرسول هنا تفضيل نفسه على غيره من البنائين بل قصد بيان أن وضع الأساس مما يختص به وهو أهل له من الأعمال وأنه هو يمتاز به الحكيم عن الجاهل. وهذا كقول المسيح في (متى ٧: ٢٦).

وَضَعْتُ أَسَاساً أي ابتدأت تبشير الإنجيل في كورنثوس منادياً بيسوع المسيح مصلوباً (ص ٢: ٢).

وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ أشار بهذا إلى وجوب أن يبني كل من وليه في تبشير كنيسة كورنثوس على الأساس الذي هو وضعه. ولم يقصد بهذا أبلوس وحده لأنه كان فيها عدة مبشرين كما يظهر من (ص ٤: ١٥).

فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ هذا تحذير لمن وليه من المبشرين من الضلال في بناء الهيكل الروحي المقدس ولا سيما في مواد البناء. إن أهمية الكنيسة بكونها واسطة خلاص البشر وتمجيد المسيح توجب عليهم أنهم لا يمزجون حكمة الله بحكمة الناس لئلا تكون النتيجة ضارة كخلط الحجارة بالتبن في مواد البناء كما سيأتي.

وكونه وضع الأساس مرة لا يتغير بزيادة ولا نقصان أوجب عليهم أن يعتنوا فقط بمواد ما يبنون عليه من الأعراق.

إن الأساس لا يمكن تغييره لكن يمكن تغيير ما بني عليه أي أن يأتي بعد بولس معلمون يعلمون تعاليم من حق وباطل فحذرهم الرسول من أن يبنوا آراءهم أو آراء الفلاسفة مع حقائق الوحي على أساس الهيكل الروحي.

١١ «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ، ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ».

إشعياء ٢٨: ١٦ ومتّى ١٦: ١٨ و٢كورنثوس ١١: ٤ وغلاطية ١: ٧ وأفسس ٢: ٢٠

لاَ يَسْتَطِيعُ… أَسَاساً آخَرَ حقيقياً فالذين يبنون على أساس آخر ليسوا «عاملين مع الله» وبناؤهم ليس «بناء الله».

ٱلَّذِي وُضِعَ بقضاء الله الأزلي وبعمل المسيح متمماً ذلك القضاء وبتعليم الإنجيل وبمناداة الرسل والمبشرين كما فعل بولس في كورنثوس.

يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هذا مثل قوله «هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً» (إشعياء ٢٨: ١٦ انظر أيضاً متّى ٢١: ٤٢ وأعمال ٤: ١١ وأفسس ٢: ٢٠ و٢تيموثاوس ٢: ١٩ و١بطرس ٢: ٦). ويصدق على المسيح نفسه وعلى التعليم المتعلق به وبمقتضى الأول أن معتمد كل مؤمن في كنيسة المسيح هو يسوع ابن الله المتجسد الذي مات على الصليب عنا وقام لتبريرنا وهو حي إلى الأبد يشفع فينا ويهب لنا مغفرة وخلاصاً. ويمقتضى الثاني أن تعليم لاهوت المسيح وتجسده وموته مصلوباً وقيامته وصعوده هو أساس الدين المسيحي والثاني هو الذي يوافق القرينة لأن بولس قال أنه وضع ذلك الأساس (ع ١٠) ومن البيّن أنه لم يضع المسيح إنما وضع التعليم الحق في شأنه. وخلاصة هذه الآية أن نسبة المسيح إلى الكنيسة كنسبة الأساس إلى البيت فوجود الكنيسة وأمنها ونموها وطهارتها وكل آمالها في الأبدية قائمة على المسيح فلا يمكن أن تكون كنيسة مسيحية حقيقية ما لم تكن قد جعلت أساسها الحقيقي الجوهري التعليم المتعلق بالمسيح كما أُعلن في الإنجيل. وعلة ذلك كله أنه «لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال ٤: ١٢).

١٢ «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هٰذَا ٱلأَسَاسِ ذَهَباً فِضَّةً حِجَارَةً كَرِيمَةً خَشَباً عُشْباً قَشّاً».

إِنْ كَانَ أَحَدُ من المبشرين أو معلمي الدين.

يَبْنِي عَلَى هٰذَا ٱلأَسَاسِ أي يتمسك بالمسيح وينادي به ويعلم العقائد والأعمال المسيحية.

ذَهَباً فِضَّةً حِجَارَةً كَرِيمَةً بنى مثل هذه المواد في هيكل سليمان وفي هياكل كورنثوس وقصورها وهي مواد باقية وثمينة وجميلة وًُضعت في مواضعها وأشار بولس بها إلى التعاليم الصحيحة التي أُعلنت في كتاب الوحي للإيمان والعمل وهي حقائق نفيسة أبدية.

خَشَباً عُشْباً قَشّاً يُبنى من هذه المواد المآوي الحقيرة الوقتية فالخشب جوائزها وروافدها وأبوابها والعشب والقش ما يخلط بالتراب ليكون طيناً لجدرانها وأرضها وسقفها ومثل هذه لا تليق ان تكون من مواد بيت الله وأشار بها الرسول إلى التعاليم الباطلة كالمأخوذة من التقاليد اليهودية آراء الفلاسفة اليونانيين التي من شأنها تعطيل إيمان المسيحيين وإفساد سلوكهم.

١٣ « فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً لأَنَّ ٱلْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ ٱلنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ».

ص ٤: ٥ ملاخي ٣: ٢ و٣ و٤: ١ و٢تسالونيكي ١: ٨ و١بطرس ١: ٧ و٤: ١٢ لوقا ٢: ٣٥

فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً أي سيتحقق صدق تعليم كل معلم أو كذبه. إن كلا من المعلمين يدّعي في هذا العالم صحة تعليمه وكثيرون في ريب من أمره ولكن سيُعلن الحق وينتفي كل ريب.

لأَنَّ ٱلْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ أي يوم الدين العظيم ويسمّى أيضاً يوم الرب وإليه أشار الرسول في (رومية ٢: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ٨ و١٧) فذلك اليوم يُعلن حق تعليم كل واحد وباطله.

لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ كثيراً ما استعار الكتاب المقدس الناس للامتحان والحكم لأن النار تنفي الجيد وتلاشي الرديء. ومعنى العبارة أن يوم الرب يكون يوم أشد الامتحان لعمل كل إنسان (إشعياء ٤: ٤ و٢٤: ١٥ وملاخي ٣: ٢ و١بطرس ١: ٧).

سَتَمْتَحِنُ ٱلنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ شبه الرسول تعليم المبشرين بعمل البنائين الذين استعمل بعضهم مواد متينة وبعضهم خشباً وعشباً وقشاً وامتحنت كلها بالنار فتلاشى الخشب والعشب والقش وبقيت المواد المتينة وحقق أن التعليم الفاسد لا يحتمل امتحان يوم الدين أكثر مما تحتمل تلك المواد المحترقة النار.

١٤ «إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً».

ص ٤: ٥

معنى هذه الآية أن البناء الروحي الذي بنى بتعليمه على أساس المسيح وبرهن الامتحان أن تعليمه تعليم الإنجيل النقي سيأخذ الأجرة التي وعد بها المسيح الخادم الأمين (انظر ع ٨) ويُثاب أيضاً ببقاء عمله وبسمعه قول المسيح «نعماً أيها العبد الصالح الأمين».

١٥ «إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلٰكِنْ كَمَا بِنَارٍ».

يهوذا ٢٣

إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ أي إن لم يستطع تعليمه احتمال الامتحان أنه باطل لكونه من الآراء البشرية إلا الحقائق الإنجيلية السرمدية.

فَسَيَخْسَرُ أي لا يحصل على ما توقعه من الثواب الذي وُعد به أمناء الخدم ولا على مدح الديان العظيم ويخجل عندما يرى بطلان عمله. وحذر يوحنا الرسول من مثل هذا بقوله «ٱنْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ، بَلْ نَنَالُ أَجْراً تَامّاً» (٢يوحنا ٨).

وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلٰكِنْ كَمَا بِنَارٍ كثيراً ما يحدث أن الإنسان الذي يبني بيته من مواد سريعة الاحتراق إذا احترق البيت هرب منه فربح نفسه وخسر البيت وكل ما فيه. فمثل هذا يكون حظ المبشر الذي يمزج الحق بالباطل في تبشيره لأن الله يرفض عمله فيتلف وأما هو فبالجهد يخلص ويدخل السماء ويكون في مقام أدنى من مقام الخادم الأمين. ويتبين أن معنى «الخلاص كما بنار» الحصول عليه بالجهد مما في (زكريا ٣: ٢ و١بطرس ٣: ٢٠ ويهوذا ٢٣). وعلة خلاصه أنه بنى إيمانه وتعليمه على المسيح الأساس الحق المتين فخلاصه هبة والذي خسره هو ما وعد الله به المخلصين الأمناء في الخدمة.

استدل بعض الناس بهذه الآية على المظهر وهو باطل من أربعة أوجه:

  • الأول: إن الذي امتُحن بالنار هو عمل المبشرين لا نفوس الناس.
  • الثاني: إن تلك النار نار الامتحان الملاشية لا نار تطهير مبقية.
  • الثالث: إن الامتحان بتلك النار يكون يوم الدين لا بين الموت وذلك اليوم.
  • الرابع: إن القرينة تدل على أن المراد بكل إنسان يمتحن عمله بتلك النار أحد المبشرين لا كل واحد من المسيحيين.

١٦ «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟».

ص ٦: ١٩ و٢كورنثوس ٢: ٢١ و٢٢ وعبرانيين ٣: ٦ و١بطرس ٢: ٥

بيّن في الآية التاسعة أن الكنيسة بنار الله وبين بهذه الآية التي تليها ما يترتب على ذلك من النتائج وفي ما سبق تحذير للمعلمين والمبشرين وما هنا تحذير للمتعلمين منهم.

أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ أي أنكم سلكتم كمن جهل هذا أو نسبه لأنكم سمحتم لمعلميكم أن ينادوا بآرائهم بدلاً من الحقائق السماوية وافتخرتم بهم كأنهم بنوا بيتاً لتمجيد أنفسهم. وورد أن الكنيسة هيكل الله في غير هذا الموضع (انظر ص ٦: ١٩ و٢كورنثوس ٦: ١٦ وأفسس ٦: ٢١).

وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ هذا الروح هو الأقنوم الثالث في اللاهوت. وما جاء هنا يستلزم كونهم هيكل الله لأن الهيكل هو البيت الذي يسكنه الله ويعزه ويًُظهر آيات حضوره فيه ويمنح شعبه المواهب فيه فإذاً الكنيسة هيكل الله لأنه يسكن فيها. وهذا مثل قوله لأهل أفسس «ٱلَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلّٰهِ فِي ٱلرُّوحِ» (أفسس ٢: ٢٢).

إن كل مكان مختص بالله مقدس وتدنيسه خطيئة فإذاً تدنيس كنيسة الله بالتعاليم الباطلة خطيئة فظيعة. إن مجد هيكل سليمان لم يكن قائماً بالذهب الذي كان على جدرانه وأبوابه وموائده ولا بعمده المرمرية ولا بجواهره الثمينة ولا بملابس كهنته الفاخرة المرمرية ولا بجواهره الثمينة ولا بملابس كهنته الفاخرة بل بالنور الذي ضاء في قدس الأقداس دلالة على حضوره تعالى فيه فإن مجد ذلك الهيكل ليس شيئاً بالنسبة إلى الهيكل الروحي الذي يسكنه الروح القدس بالذات وتزينه الفضائل المسيحية ويصعد منه بخور التسبيح والشكر.

١٧ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ فَسَيُفْسِدُهُ ٱللّٰهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ مُقَدَّسٌ ٱلَّذِي أَنْتُمْ هُوَ».

إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ فَسَيُفْسِدُهُ ٱللّٰهُ كان عقاب الإنسان إذا دنس خيمة الاجتماع أو هيكل أورشليم الموت (خروج ٢٨: ٤٣ ولاويين ١٥: ٣١ و١٦: ٢). فغيرة الله لهيكله الروحي المؤلف من المؤمنين ليست أقل من غيرته على بيته المصنوع بالأيادي ولا يترك المعلمين الذين يفسدون الكنيسة بتعليمهم الباطل فيضعفون قوتها ويغيرون إيمانها ويشقونها فيذهبون بوحدتها ونفع تأثيرها في الخوارج. وما صح هنا على الكنيسة بجملتها يصح على كل فرد من أفرادها فإنه هو هيكل الله فإن دنسه بالفجور غضب الله عليه وأوضح الرسول هذا في (ص ٦: ١٨ و١٩).

لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ مُقَدَّسٌ أي مفروز له وهو يحافظ على طهارته ويعاقب على تدنيسه (مزمور ٥: ٧ و١١: ٥ وحبقوق ٢: ٢٠).

ٱلَّذِي أَنْتُمْ هُوَ أي ما يصدق على الهيكل الأورشليمي يصدق على الكنيسة لأن كلاً منهما مفرز لخدمة الله فمن دنس أحدهما عوقب.

١٨ «لاَ يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ، فَلْيَصِرْ جَاهِلاً لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيماً!».

أمثال ٢٦: ٢٢ وإشعياء ٥: ٢١

في هذه الآية وما بعدها إلى العشرين تحذير للمرشدين الروحيين من اتخاذ الحكمة البشرية بدلاً من كلام الله في التعليم الديني ومن الإعجاب بأنفسهم ومن الخصومات والتحزب.

لاَ يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ بتفضيل الحكمة الإنسانية على الحكمة الإلهية أن الإنسان مائل إلى أن يخدع نفسه بأمور كثيرة ولا سيما اتكاله على حكمته ومعرفته بمبادئ الفلسفة الدنيوية ليهتدي بها في أمور الدين.

إِنْ كَانَ أَحَدٌ معلم أو تلميذ.

يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ لصحة قواه العقلية ولمزاولته الفلسفة العالمية وشهرته بذلك في الناس.

فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ أي بحكمة هذا الدهر فهو كقوله «حكماء بحسب الجسد» (ص ١: ٢٦).

فَلْيَصِرْ جَاهِلاً أي ليرفض حكمته في الدينيات ويحسبها لا شيء لكي يقبل حكمة الله المعلنة بالإنجيل وليرض أن يحسبه الناس جاهلاً لذلك. فيجب على الإنسان أن يعدل عن الاتكال على قوته ليثبت يوم الامتحان لكي يأخذ قوة من العلاء. وهكذا يجب أن يعدل عن الاتكال على حكمته ليجعله الله حكيماً حقيقياً. وعلة وجوب ذلك كون برنا وقوتنا مما لا يستحق الاتكال عليه.

١٩، ٢٠ «١٩ لأَنَّ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: ٱلآخِذُ ٱلْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ. ٢٠ وَأَيْضاً: ٱلرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ ٱلْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ».

أيوب ٥: ١٣ مزمور ٩٤: ١١

في هاتين الآيتين بيان علة وجوب رفضنا حكمتنا وهي بطلان تلك الحكمة وأثبت ذلك بدليلين من الكتاب المقدس.

لأَنَّ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ إن الله الذي حكمته لا تُحد يرى إن ما يحسبه الناس حكمة هو الجهالة عينها.

إن الحكمة الحقيقية إذا طلبنا بها غاية لا توافقها صارت جهالة كأن نتخذ الرياضيات واسطة القداسة والسعادة أو نتخذ الفلسفة العقلية أو الأدبية كذلك لأن السعادة والقداسة متوقفتان على وسائط أخر. ولا يلزم من هذا أن علوم الطب والفلك والفلسفة بأقسامها كاذبة وبلا نفع لأنها لا تكون كذلك إلا إذا جُعلت وسيلة إلى غاية ليست من شأنها. فبعض ما حكم الناس بأنه حكمة لم يكن إلا وهماً باطلاً والله حكم بأنه جهالة (ص ١: ٢٠ و ٢١).

لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ في أيوب ٥: ١٣ الذي يستحق الملاحظة هنا أن العهد الجديد لم يقتبس غير هذا من سفر أيوب ولكن ذكر اسمه وصبره في (يعقوب ٥: ١١).

وَأَيْضاً ٱلرَّبُّ يَعْلَمُ الخ أبان الله بهاتين الآيتين بطلان الحكمة البشرية وأنه مهما بلغ الناس من الفطنة والاحتيال في مؤامرتهم وأعمالهم لا يستطيعوا أن يخدعوا الله أو يمنعوه من إتمام مقاصده وأنه قادر على تفنيد كل آرائهم وأنه يجعل بعض حيلهم ضد بعضها وقد يجعل حيلة بعضهم شركاً لنفسه كما كان من أمر هامان (أستير ٧: ١٠).

٢١ «إِذاً لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِٱلنَّاسِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ».

ص ١: ١٢ و٤: ٦ وع ٣ و٥ و٦ ٢كورنثوس ٤: ٥ و١٥

إِذاً أي هذه الآية نتيجة ما سبق من أن المبشرين خدم وأن الله مصدر كل علم وبركة وأن حكمة الإنسان جهالة.

لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِٱلنَّاسِ هذا الكلام موجه إلى الكنيسة لا إلى المبشرين دون غيرهم وهو موافق لما في (ص ١: ٢٩ وإرميا ٩: ٢٣ و٢٤). ويقوم الافتخار بالإنسان بالاتكال عليه وتوصلاً إلى الشرف والقوة والغنى والسعادة بالسرور بانتسابه إليه.

افتخر اليهود ببعض الربانيين المشهورين كهليل Hillel وشمعي Shammi وافتخر اليونان ببعض فلاسفتهم كأفلاطون Plato وزينون Zeno وأبيكورس Epicurius وفيتاغورس Pythagoras.

إن الذين وثقوا بأن يخلصوا لكونهم أولاد إبراهيم «افتخروا بالجسد» (٢كورنثوس ١١: ١٨) وأن الذين اتكلوا على حفظ الرسوم الموسوية بغية أن يتبرروا افتخروا بأنفسهم (أفسس ٢: ٩).

افتخر الكورنثيون بالناس حين قال بعضهم «أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس» الخ وقد برهن بولس أن من افتخروا بهم ليسوا سوى بشر وخدم فلا يجوز أن يُتكل على حكمتهم. وأخذ يبرهن أنهم غفلوا عن الحقوق التي وهبها الله حين أقاموا الخدم مقام السادة.

فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ هذا إجمال في الآية الآتية. وعلة كون كل شيء لهم أنهم مؤمنون بالمسيح وأعضاء كنيسته وأقام ذلك دليلاً على منع افتخارهم بالناس وانتسابهم إليهم. ومعنى العبارة أن الله قصد أن يجعل كل الأمور تؤول إلى نفع الكنيسة التي أنتم أعضاؤها لأنه جعلها ورثة العالم (رومية ٤: ١٣) وأعطى المسيح رأسها كل شيء فهو يُعطيها كل ما تحتاج إليه لأنه قصد أن شعبه يملك معه (رومية ٨: ١٧) وأنه يعطيهم المجد الذي أعطاه الآب إياه (يوحنا ١٧: ٢٢). إن الكنيسة الآن لا تزال ناقصة ضعيفة محتقرة مضطهدة ولكنه لا بد من أن تصير بنعمة الله كاملة القداسة والبهاء فوجب أنها تفتكر في مجدها المستقبل ولا تأتي ما لا يليق بها.

٢٢ «أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ ٱلْعَالَمُ، أَمِ ٱلْحَيَاةُ، أَمِ ٱلْمَوْتُ، أَمِ ٱلأَشْيَاءُ ٱلْحَاضِرَةُ، أَمِ ٱلْمُسْتَقْبَلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ».

هذا تفصيل ما في الآية الحادية والعشرين وبيان حقوق الكنيسة وبركاتها ويمكن حصر هذه البركات في أربع:

  1. إن المرشدين الروحيين هم خدم الكنيسة لنفعها وبنيانها. إن الكنيسة ليست لأولئك المرشدين كالمملكة للملك بل هم للكنيسة. وهذا ينتج من قول الرسول «أبولس أم أبلوس أم صفا» فيحق للكنيسة أن تنتفع من أتعاب كل واحد ومن علمه ومن فصاحته وتقواه وصلواته وسيرته.
  2. إن الله يسوس العالم لنفع الكنيسة ليفديها بأفضل أسلوب ويقصد أن كل حوادث العالم تؤول إلى تعليم الكنيسة ووقايتها وتقديسها وإيصالها أخيراً إلى السماء.
  3. إن لله السلطان على الحياة والموت وهو يجري هذا السلطان لينفع كنيسته.

    يحيا ملوك العالم وقواده وحكماؤه ومرشدوه الروحيون وعامة الناس مؤمنين وكفرة ما دام الله يريد أن يحيوا ليجري مقاصده على الكنيسة بواسطتهم ويموتون حين يرى الله موتهم يؤول إلى تلك الغاية. والحياة للمسيحي أكثر من الحياة لغيره لأنه يستعملها لغاية أفضل وهي مجد الله ونفع الناس ووسيلة إلى اكتساب الحياة الأبدية. والموت له مع ظهوراته أنه غالب أياه والحق أنه هو يغلب الموت لأنه بواسطته ينجو من عالم الخطيئة والحزن والمشقة ويدخل سماء السعادة والراحة.

  4. الأشياء الحاضرة والمستقبلة. هذا يشير إلى أن ترتيب الله بغية خير الكنيسة ومجدها ترتيب أبدي وأن خضوع كل الأشياء للكنيسة ليس وقتياً لأن لها السماء الجديدة والأرض الجديدة وإنجاز كل مواعيد الكتاب والاشتراك في إرث المسيح ومجده وانتصاره ومعاشرة القديسين والملائكة في المنازل المعدة لها (رومية ٨: ٣٠).

كل شيء لكم أي خاضع لكم لنفعكم الآن وخلاصكم أخيراً.

٢٣ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَٱلْمَسِيحُ لِلّٰهِ».

رومية ١٤: ٨ وص ١١: ٢ و٢كورنثوس ١٠: ٧ وغلاطية ٣: ٢٩

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيح لم يقل المسيح لكم كما قال كل شيء لكن ولم يقل أنتم لأنفسكم بل قال في خضوع الكنيسة للمسيح ما قال في خضوع كل شيء للكنيسة أن «المسيح رأس الكنيسة» (ص ١١: ٣) وهو «اشتراها بدمه» (أعمال ٢٠: ١٨) وشرط أن يكون كل شيء لها هو أن تكون وقفاً للمسيح ومحبة وطائعة له.

وَٱلْمَسِيحُ لِلّٰهِ قال هذا البيان أن ما قيل في نسبة الكنيسة إلى المسيح لا يشتمل على كل ما يقال فيها فزاد على ذلك ما معناه أن الله سيدها. ومعنى قوله «المسيح لله» كمعنى قوله في (ص ١١: ٣ و١٥: ٢٨ ويوحنا ١٤: ٢٨ وفيلبي ٢: ٦ – ١١ وعبرانيين ١: ٣) وغير ذلك من المواضع ومفاده أن المسيح مع كونه مساوياً للآب في الجوهر والقدرة والمجد (انظر تفسير يوحنا ١: ١ و٢) أخلى نفسه وترك مجده وخضع للآب وقتياً ليفدي الكنيسة. وأتى ذلك كله باختياره فأخذ صورة العبد وظهر في جسد بشري واتضع حتى الموت لكي يفدي المؤمنين به من الموت الأبدي. وكونهم للمسيح وكون المسيح لله يوجبان عليهم أن يقفوا أنفسهم لخدمة الإله الوحيد الحقيقي الذي خدمه المسيح في عمل الفداء وأن لا يقفوا أنفسهم لبشر أو ينتسبوا إليه. فتعليم الرسول هنا كقول المسيح لتلاميذه «لاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى ٱلأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ ٱلْمَسِيحُ» (متّى ٢٣: ٨ – ١٠).

وَٱلْمَسِيحُ لِلّٰه لأنه ابنه الوحيد (يوحنا ٣: ١٦) ولأنه ممسوحه (لوقا ٩: ٢٠) و لأنه حمله (يوحنا ١: ٢٩) ولأنه رسوله (يوحنا ١٠: ٣٧) ولأنه كلمته (رؤيا ١٩: ١٣).

فوائد

  1. إن الديانة المسيحية تشتمل على حقائق توافق عقول الأولاد يخلصون بقبولهم إياها وعلى حقائق من أعماق الله تشتهي الملائكة أن تطلع عليها وسموها دليل على أنها من الله وكون إعلانها موافقاً لعقول سامعيها برهان على حكمة الله وتنازله (ع ١ و٢).
  2. إن المسيحيين في أول إيمانهم كالأطفال فكأنهم دخلوا عالماً جديداً لأنهم يرون الحقائق بنور جديد ويشتهون حينئذ ما كانوا لا يبالون به ويشبهون الأولاد في قصر عقولهم عن إدراك ساميات الحقائق وفي ضعفهم عن مقاومة التجارب فيجب عليهم أن يشعروا بافتقارهم إلى تعليم إخوتهم البالغين ونصائحهم ولا سيما معونة الله (ع ١ و٢).
  3. إنه يجب على القسوس أن يجعلوا تعليمهم موافقاً لفهم سامعيهم واحتياجهم وأن لا يرغبوا في أن يرضوا السامعين دون أن يفيدوهم أو يملقوهم أو يقووا حزباً في الكنيسة وأن يلتفتوا إلى امتحان رئيس الكنيسة لعملهم في الآخرة لا إلى حكم الناس هنا (ع ١ و٢ و١٣).
  4. إن الخصومات والتحزبات في الكنيسة دليل على أن أعضاءها جسديون لأن ديانة المسيح «مسالمة مترفقة مذعتة مملوءة رحمة وأثماراً صالحة» لأنها من الحكمة التي هي من فوق (يعقوب ٣: ١٧) (ع ٣ و٤).
  5. إن انقسام الكنيسة أحزاباً وطوائف ضرر وضعف وعار أبداً لكننا رأيناها مالت إلى الانقسام في أول أمرها والذي استحقته من توبيخ الرسول يومئذ على ذلك لا تزال تستحقه عليه اليوم فعلينا أن نطلب وحدة الكنيسة في الصلاة لله والاجتهاد في سبيلها واعتزال كل ما يمنعها ويعيقيها (ع ٣ و٤).
  6. إن الكنيسة حقل الله ورعاتها فعلة هو أرسلهم والذي يزرعونه هو كلمته وقدرتهم على الزرع يتأصل به منه. وهو يرسل روحه ليجعل الزرع يتأصل في قلوب الناس ويثمر. وبدون بركته كل تعب الفعلة عبث فإذاً الفضل في ذلك له. ومنه فضائل كل أعضاء الكنيسة من التواضع والإيمان والمحبة والفرح والطهارة والاجتهاد والنفع (ع ٥ – ٨).
  7. إن الكنيسة بيت الله وأساسها المسيح فينبغي أن يكون كل ما يبنى عليه موافقاً لتعليمه المعلن في إنجيله وإلا فهو مما يرفضه (ع ٩ – ١١).
  8. إن رعاة الكنيسة سواء لأنهم فعلة معاً غايتهم واحدة ومع أنهم متفرقون في حقل الله الواسع وأعمالهم مختلفة هم خدم الله مفتقرون إليه بمواهبهم وقوتهم ونجاحهم (ع ٩).
  9. إن عمل كل فاعل من فعلة الله الروحيين يمتحن يوم الدين يجلس الديان «مُمَحِّصاً وَمُنَقِّياً لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لاَوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ» (ملاخي ٣: ٣). فيجب عليهم أن يحترسوا من أن يدخل شيء من الآراء البشرية والأضاليل في إيمانهم وتعاليمهم لكي لا يخسروا ولا يخجلوا في اليوم العظيم (ع ١٣).
  10. إن يوم الدين يوم حيرة واندهاش لأن كثيرين ممن حسبهم الناس عظماء وحكماء وفصحاء يُعتبرون حينئذ من أصاغر المؤمنين. ويرتقي التلميذ المتواضع. وترى العقائد التي أنشأها الناس وتحاربوا عليها واضطهدوا من لم يقبلوها أو احتملوا الاضطهاد للتمسك بها وظنوها جوهرية حقة كالقش في النار. والتعليم الذي أهانه الناس وهو أن البر والخلاص بالإيمان يبقى كالذهب الذي امتحن بالنار (ع ١٣).
  11. إن المسيحيين شعب مقدس موقوف لله فيجب أن يذكروا ذلك أبداً ولا يتمثلوا بأهل هذا العالم في الآراء أو السلوك (ع ١٦ و١٧).
  12. إن الكينسة (أي جماعة المؤمنين) عزيزة الله يُعلن آيات حضوره فيها ويجعلها مسكن روحه القدوس ويسر بعبادتها الروحية ويغتاظ من كل ما ينزع سلامها وطهارتها ووحدتها (ع ١٦ و١٧).
  13. إن طريق الحياة طريق التواضع وإنكار الذات فيجب على المسيحي الرضى أن يحسبه الناس جاهلاً ويحتقروه ويهينوه بناء على كونه من أتباع الناصري المصلوب (ع ١٨).
  14. إن ما قيل في هذا الأصحاح من أن بولس وأبلوس وصفا للكنيسة يصدق على كل الأنبياء والأتقياء والشهداء في كل العصور الماضية. فإبراهيم لنا ليعلمنا الإيمان وموسى لنا ليعلمنا الحلم وأيوب لنا ليعلمنا الصبر وداود لنا ليعلمنا التسبيح ودانيال لنا ليعلمنا الثبات في التقوى وكل القديسين لنا ليعلمونا بسيرتهم الغيرة والشجاعة والمحبة. وكل كاتب من كتبة أسفار الوحي لنا بأنه يخاطبنا ويعلمنا. وشرط كل ذلك أن نكون نحن أنفسنا للمسيح جسداً وعقلاً وروحاً (ع ٢٢).
  15. إنه يجب على المسيحيين أن لا يخافوا الموت لأن المسيح غلبه لأجلهم ونزع شوكته وكان عدواً لنا فجعله صديقاً خادماً ليدخلنا السماء حيث المسيح ينتظرنا (ع ٢٢).
  16. إن الذي يتأمل في قائمة مقتنيات المسيحيين ومواريثهم يتحقق أنه قد ربح بآدم الثاني أكثر مما خسر بآدم الأول لأنه لم يوهب للإنسان مثلها في عدن ولا وعده بها هناك. ويتحقق أيضاً أنه مهما خسر الإنسان من الخيرات الدنيوية بقبوله دين المسيح فأرباحه أكثر من خسائره بما لا يقدر (ع ٢١ و٢٢).

زر الذهاب إلى الأعلى