سفر الخروج | 31 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ
تعيين بصلئيل وأهوليآب ع ١ إلى ١١
١، ٢ «١ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٢ اُنْظُرْ! قَدْ دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بِٱسْمِهِ».
ص ٣٥: ٣٠ و٢٦: ١ ١أيام ٢: ٢٠
تمّ التعليم المتلّعق بصنع الخيمة وثياب الكهنة وما يتعلق بهما وأنبأ موسى بما رآه من أمرهما. ولما كان موسى ليس من أهل الصناعة وكان في قومه من أحكم صناعة المصريين وجب أن يكل الصناعيات إلى غيره فعيّن له الرب من هو أهل لذلك من الصنّاع الكثيرين من الشعب لأنه هو أعلم بمن هو أمهرهم. وكان من اختار اثنين بصلئيل وأهوليآب فكان الأول رئيساً والثاني مساعداً (ص ٣٨: ٢٣). وكان روح الله القدوس يساعد الاثنين على أعمالهما (ع ٣ و٦). فكانا آلتين في يد الله.
دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ الخ دعاه الله باسمه وكانت دعوة الله للإنسان باسمه من أسمى آيات التشريف والإكرام وكانت مقصورة على من يعينون لعظيم الأعمال كموسى (ص ٣: ٤ و٣٣: ١٢). وصموئيل (١صموئيل ٣: ١٠). وقورش (إشعياء ٤٤: ٣ و٤). وكان بصلئيل بن أوري بن حور فحور جده. وحور هو الذي دعم يدي موسى مع هارون (ص ١٧: ١٢). وكان نائباً معه عن موسى يوم صعد على سيناء (ص ٢٤: ١٤).
٣، ٤ «٣ وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ ٱللّٰهِ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ وَٱلْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ، ٤ لٱخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ لِيَعْمَلَ فِي ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ».
ص ٣٥: ٣١ و١ملوك ٧: ١٤
مَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ ٱللّٰهِ… لٱخْتِرَاعِ «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلأَنْوَارِ» (يعقوب ١: ١٧). فأحكام الصناعات النافعة موهبة إليهة وهبة ثمينة جداً وأحسنها ما كان في خدمة الله التي تقتضيها مشيئته.
بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ وَٱلْمَعْرِفَةِ المرجّح أن المقصود «بالحكمة» هنا قوة الاختراع والتوليد والتركيب في الصناعة. و «بالفهم» إدراك طريق العمل المنقول عن الغير. و «بالمعرفة» علم أحكام العمل على الطريق الصناعية. وكانت هذه المواهب الثلاث لبصلئيل.
كُلِّ صَنْعَةٍ كان بصلئيل فوق كل ما ذُكر في هذه الآية ماهر اليدين في كل فنون الصناعة.
لٱخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ الخ لإبداع صور المصنوعات اليدوية في المعدنيات.
٥ «وَنَقْشِ حِجَارَةٍ لِلتَّرْصِيعِ وَنِجَارَةِ ٱلْخَشَبِ. لِيَعْمَلَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ».
نَقْشِ حِجَارَةٍ النقش والرسم على صدر الحجارة كالياقوت وغيره.
نِجَارَةِ ٱلْخَشَبِ من تفصيل وجلاء وتركيب.
٦ «وَهَا أَنَا قَدْ جَعَلْتُ مَعَهُ أُهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ سِبْطِ دَانَ. وَفِي قَلْبِ كُلِّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ جَعَلْتُ حِكْمَةً، لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ».
ص ٣٥: ٣٤ و٣٦: ١ ص ٢٨: ٣ و٣٥: ١٠ و٣٥ و٣٦: ١
أُهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ كان هذا الرجل نقاشاً وموشيّاً وطرّازاً. وقد مرّ أنه كان مساعداً لبصلئيل وهو في الحذق الصناعي كبصلئيل. والظاهر أنه اقتصر على النقش والتوشية والتطريز في الخيمة ولم يتعرض لغيرها.
مِنْ سِبْطِ دَانَ لم يكن هذا السبط من الأسباط الممتازة بالمهارة ولكن نشأ منه اثنان من أكبر الحاذقين أهوليآب المذكور وحورام وهذا كان حكيماً في صناعة الذهب والنحاس والحديد والأرجوان والقرمز والأسمانجوني ماهراً في النقش. وكان رئيس العملة في هيكل سليمان (٢أيام ٢: ١٤).
كُلِّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ (انظر تفسير ص ٢٨: ٣).
٧ – ١١ «٧ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ، وَٱلْغِطَاءَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ، وَكُلَّ آنِيَةِ ٱلْخَيْمَةِ، ٨ وَٱلْمَائِدَةَ وَآنِيَتَهَا، وَٱلْمَنَارَةَ ٱلطَّاهِرَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَمَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ، ٩ وَمَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا، ١٠ وَٱلثِّيَابَ ٱلْمَنْسُوجَةَ، وَٱلثِّيَابَ ٱلْمُقَدَّسَةَ لِهَارُونَ ٱلْكَاهِنِ وَثِيَابَ بَنِيهِ لِلْكَهَانَةِ، ١١ وَدُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ وَٱلْبَخُورَ ٱلْعَطِرَ لِلْقُدْسِ. حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ يَصْنَعُونَ».
ص ٣٦: ٨ ص ٣٧: ١ ص ٣٧: ٦ ص ٣٧: ١٠ ص ٣٧: ١٧ ص ٣٨: ١ ص ٣٩: ١ و٤١ وعدد ٤: ٥ إلى ١٥ ص ٣٠: ٢٥ و٣١ و٣٧: ٢٩ ص ٣٠: ٣٤ إلى ٣٨ و٣٧: ٢٩
ذُكرت الأشياء في هذه الآيات على ترتيب التعليمات المتعلقة بها (ص ٢٥ – ص ٣٠) إلا أن الخيمة ذُكرت أولاً وذُكر مذبح البخور في موضعه مع مائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية (ع ٨).
ٱلثِّيَابَ ٱلْمَنْسُوجَةَ (ع ١٠) رأى متأخرو المفسرين أن المقصود بهذه الثياب ملبوسات الحبر الأعظم إلا أن المفسرين من ربانيي اليهود ذهبوا إلى أنها ثياب الخيمة من غطاء التابوت وغيره من الأنسجة التي تُغطى بها آنية القدس وتُلف بها في أوقات السفر من مكان إلى آخر. فهي كالأثواب التي ذُكرت في الآية الأولى من (ص ٣٩ انظر عدد ٤: ٦ – ١٣). وكانت تلك الأثواب إسمانجونية وأرجوانية وقرمزية. وكان من مقتضى الطبع أنها تميَّز من «الثياب المقدسة» كما كان هنا وفي (ص ٣٥: ١٩ و٣٩: ١ و٤١). ولم تُذكر هذه الثياب قبلاً. ويصح أن تكون أثواب هارون وبنيه فيكون ما بعدها عطف تفسير فيكون المعنى «الثياب المنسوجة» أعني ثياب هارون وبنيه، ويؤيد هذا ما جاء في (ص ٣٩: ٤١).
شريعة السبت وجزاء الذي يدنّسه ع ١٢ إلى ١٧
١٢ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
كانت عبادة الله في خيمة الاجتماع مقترنة بمراعاة السبت كل الاقتران (لاويين ١٩: ٣٠) فلا سبب للعجب من إعادة ذكر السبت هنا. ولم تُعد هذه الشريعة هنا لمجرد منع أهل الغيرة من العمل يوم السبت في الخيمة بل لتقرير معناها العام وحفظها في كل الأحوال. وزيد في تكرارها هنا الحث على التقديس التام وبيان قيمتها الثمينة فكانت مراعاة السبت من أعظم الواجبات (ص ١٦: ٤). ورُفعت هنا إلى مقام سامي جعلها علامة بين الله وشعبه (ع ١٣). ولذلك وجب حفظ السبت بتقديس جديد وجزاء مدنّسه بالقتل (ع ١٤ و١٥).
١٣ «وَأَنْتَ تُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: سُبُوتِي تَحْفَظُونَهَا، لأَنَّهُ عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي يُقَدِّسُكُمْ».
لاويين ١٩: ٣ و٣٠ و٢٦: ٢ وحزقيال ٢٠: ١٢ و٢٠ و٤٤: ٢٤
عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ جعل الله لإبراهيم الختان علامة العهد ولكن اتخاذ كثير من الأمم إياه لم يبقه علامة فارقة فكانت الحاجة إلى علامة جديدة وهي حفظ السبت أو تقديس يوم من سبعة أيام لله. ولم يشارك اليهود في ذلك غيرهم من الأمم.
١٤ «فَتَحْفَظُونَ ٱلسَّبْتَ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ لَكُمْ. مَنْ دَنَّسَهُ يُقْتَلُ قَتْلاً. إِنَّ كُلَّ مَنْ صَنَعَ فِيهِ عَمَلاً تُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهَا».
ص ٢٠: ٨ وتثنية ٥: ١٢ وحزقيال ٢٠: ١٢ ص ٣٥: ٢ وعدد ١٥: ٣٥
مَنْ دَنَّسَهُ يُقْتَلُ هذه سُنّة جديدة تدل على زيادة عظمة للسبت وحفظه وإنه صار علامة خاصة بين الله وشعبه. فإن مدنّس السبت يفصل نفسه عن الله وينبذ عهده ويكون شرّ مثال للشعب كله ولذلك كان الذنب عظيماً. والجزاء من جنس العمل فكان العقاب الموت (انظر ص ٢١: ١٦ و١٧ و٢٩ و٢٢: ١٨ – ٢٠ الخ). وما كان العقاب يؤخر (عدد ١٥: ٣٢ – ٣٥).
تُقْطَعُ أي تُفرز أي تخرج من عدد شعب الله.
١٥ «سِتَّةَ أَيَّامٍ يُصْنَعُ عَمَلٌ. وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتُ عُطْلَةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. كُلُّ مَنْ صَنَعَ عَمَلاً فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ يُقْتَلُ قَتْلاً».
ص ٢٠: ٩ تكوين ٢: ٢ وص ١٦: ٢٣ و٢٠: ١٠
سِتَّةَ أَيَّامٍ (قابل بهذا ص ٢٠: ٩).
سَبْتُ عُطْلَةٍ أي راحة تامة.
١٦ «فَيَحْفَظُ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلسَّبْتَ لِيَصْنَعُوا ٱلسَّبْتَ فِي أَجْيَالِهِمْ عَهْداً أَبَدِيّاً».
أَبَدِيّاً فيوم الراحة دائم.
١٧ «هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلاَمَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ ٱسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ».
ع ١٣ وحزقيال ٢٠: ١٢ و٢٠ تكوين ١: ٣١ و٢: ٢
لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ مهما كانت الدواعي إلى حفظ السبت فالأصل في وجوب حفظه ما ذُكر في الآية فعلى المخلوق أن يقتدي بخالقه في ما يقدر عليه من الصالحات فيستريح في اليوم السابع من أعماله كما استراح الله فيه (تكوين ٢: ٢ و٣) فيحصل بذلك على الراحة الباقية لشعب الله.
إعطاء لوحي الشهادة
١٨ «ثُمَّ أَعْطَى مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ ٱلْكَلاَمِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ ٱلشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبِعِ ٱللّٰهِ».
ص ٣٤: ١٢ و٣٢: ١٥ و٣٤: ٢٨ و٢٩ وتثنية ٤: ١٣ و٥: ٢٢ و٩: ١٠ و١١ و٢كورنثوس ٣: ٣
كانت نتيجة اجتماع موسى بالله على طور سيناء أربعين يوماً وأربعين ليلة (ص ٣٤: ١٨) إعطاءه إياه لوحي الشهادة أي لوحي الحجر المكتوب عليهما الوصايا العشر التي أُعلنت قبل صعوده إلى الطور (ص ٢٤: ١٢). فوضع هذين اللوحين في التابوت الذي كان في قدس الأقداس من خيمة الاجتماع.
لَوْحَيِ ٱلشَّهَادَةِ وهما الذخيرة التي أُشير إليها في (ص ٢٥: ٢١) وما وعد الله به في (ص ٢٤: ١٢).
مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبِعِ ٱللّٰهِ (قابل بهذا ص ٢٤: ١٢) فإنه قال هنالك «فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ ٱلْحِجَارَةِ وَٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْوَصِيَّةِ ٱلَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ». والمعنى أن الله كتب لوحي الحجارة بقوة فوق الطبيعة لا بيد إنسان على أن طريق ذلك لم تُعلن لنا.
السابق |
التالي |