سفر الخروج

سفر الخروج | 09 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

الضربة الخامسة ع ١ إلى ٣

١ – ٣ «١ ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. ٢ فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَهُمْ وَكُنْتَ تُمْسِكُهُمْ بَعْدُ، ٣ فَهَا يَدُ ٱلرَّبِّ تَكُونُ عَلَى مَوَاشِيكَ ٱلَّتِي فِي ٱلْحَقْلِ، عَلَى ٱلْخَيْلِ وَٱلْحَمِيرِ وَٱلْجِمَالِ وَٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ، وَبَأً ثَقِيلاً جِدّاً».

ص ٨: ١ ص ٨: ٢ ص ٧: ٤

الكلام على هذه الضربة واضح المعاني فلا يحتاج إلى تفسير فهي إهلاك المواشي من خيل وحمير وجمال وبقر وغنم ولهذا كانت الضربة ثقيلة (ع ٣). وكانت الخيل ثمينة عند المصريين. والظاهر أنها لم تكن معروفة في مصر قبل الدولة السابعة عشرة أي دولة الرعاة. وكانوا في أول الأمر لا يستخدمونها في سوى الحرب ثم أخذ الأغنياء يستخدمونها في زمن السلم فكانت تجر مركباتهم وبعد ذلك استخدموها في الزراعة وكانوا يستخدمونها فيها في عصر موسى. وكانت الحمير عندهم بهائم الحَمل العادية وكانت كثيرة في مصر منذ قديم عهدها. وظهر من الآثار المصرية أنه كان لبعضهم كثير منها فكان للواحد ثماني مئة حمار. ولم تُشاهد صورة الجِمال في الرسوم المصرية القديمة لكنها ذُكرت في الكتابة العادية. وكانوا أكثر ما يستخدمونها في التجارة بين مصر وسينا. وكانت البقر والغنم كثيرة وسبب غنى كثيرين منهم. وكانت الضربة على هذه البهائم أيام كانت تخرج إلى المراعي والحقول. وكانت ملوك مصر تُكثر من المواشي (تكوين ٤٧: ٦ و١٧). وقلما اكترث فرعون بهذه الضربة فإنها لم تؤثر فيه تأثير التي قبلها (أي الضربة الرابعة) فلم يُظهر شيئاً من إمارات الخضوع.

٤ «وَيُمَيِّزُ ٱلرَّبُّ بَيْنَ مَوَاشِي إِسْرَائِيلَ وَمَوَاشِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَلاَ يَمُوتُ مِنْ كُلِّ مَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْءٌ».

ص ٨: ٢٢

يُمَيِّزُ ٱلرَّبُّ قابل بما في (ص ٨: ٢٢). الظاهر أن الإسرائيليين ضويقوا بعض الضيق في الضربات الأولى والثانية والثالثة ولكنهم لم يخسروا شيئاً ولكنهم استُثنوا من الضربة الرابعة وما بعدها فلم يُضايقوا شيئاً وإن لم يصرّح بالاستنثاء في كل منها.

٥، ٦ «٥ وَعَيَّنَ ٱلرَّبُّ وَقْتاً قَائِلاً: غَداً يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱلأَمْرَ فِي ٱلأَرْضِ. ٦ فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱلأَمْرَ فِي ٱلْغَدِ. فَمَاتَتْ جَمِيعُ مَوَاشِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَمَّا مَوَاشِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَاحِدٌ».

مزمور ٧٨: ٥٠

عَيَّنَ ٱلرَّبُّ وَقْتاً كان وبأ المواشي يقع عادة في أرض مصر فعيّن الله وقت وقوعه ليبين أنه وقع معجزة لا أمراً عادياً. وزاد بيان ذلك بأنه يقع على مواشي المصريين دون مواشي الإسرائيليين (وهذا ليس من الحوادث العادية) وبأنه يقتل كل مواشي المصريين التي في المراعي والحقول فتعيّن إن الضربة معجزة بالأمور الثلاثة.

غَداً ضرب لذلك موعداً حتى يؤمن من أراد من المصريين بكلام موسى فينحّي مواشيه بإيوائها في البيوت.

٧ «وَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَإِذَا مَوَاشِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَلاَ وَاحِدٌ. وَلٰكِنْ غَلُظَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ».

ص ٧: ١٤ و٨: ٣٢

أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لم يصدق فرعون أن الضربة لم تنزل بمواشي الإسرائيليين فأرسل من يبحث عن ذلك.

غَلُظَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ بقي قلبه مع كل هذه البيّنات على غلاظته فلم يلن فإن ما خسره بموت مواشيه كان مطمئناً بأنه يأخذه من شعبه.

الضربة السادسة ع ٨ إلى ١٠

هذه الضربة لا تحتاج إلى بيان فإن البثور والدمامل أوضح من أن تبين ولكن الخلاف في نوع هذه البثور وهذه الدمامل أو في حقيقة المرض الناشئة عنه. (والظاهر أنها الدمامل مطلقاً). ورأى بعضهم أنها كقروح أيوب (أيوب ٢: ١٧). ولم يكن للمصريين مهرب منها ولا واقٍ وكانت شديدة الإيلام. ويتبين إيلامها من أن العرافين لم يستطيعوا أن يقفوا أمام موسى من أجلها (ع ١١). ولم تُقصر على الناس بل أصابت البهائم أيضاً (ع ١٠). وهذه البهائم هي التي وُقيت من الضربة السابقة بعدم خروجها إلى الحقول والمراعي. ومن البيّن أن تلك الدمامل لم تكن مميتة فلم تغيّر قلب فرعون شيئاً. وقيل في هذا النبإ إن الرب شدد قلبه أي تركه على قساوته (ع ١٢) كما أعلن لموسى (ص ٤: ٢١ و٧: ٣).

٨ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: خُذَا مِلْءَ أَيْدِيكُمَا مِنْ رَمَادِ ٱلأَتُونِ، وَلْيُذَرِّهِ مُوسَى نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ».

رَمَادِ ٱلأَتُونِ أتون الكلس أو القرميد والمرجّح الثاني فإنهم كانوا يصنعون القرميد في جاسان وكانوا يكثرون منه (ص ١: ١٤ و٥: ٧ – ١٣) على أنهم كانوا يجففون أكثره في الشمس ويشوون بعضه في الأتون فكانت ضربة المصريين من رماد ما كلفوا الإسرائيليين العمل الشاق بلبنه فضربهم الله بما ضربوا به عبيده.

٩، ١٠ «٩ لِيَصِيرَ غُبَاراً عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. فَيَصِيرَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ دَمَامِلَ طَالِعَةً بِبُثُورٍ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. ١٠ فَأَخَذَا رَمَادَ ٱلأَتُونِ وَوَقَفَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ، وَذَرَّاهُ مُوسَى نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، فَصَارَ دَمَامِلَ بُثُورٍ طَالِعَةً فِي ٱلنَّاسِ وَفِي ٱلْبَهَائِمِ».

رؤيا ١٦: ٢ لاويين ١٣: ١٨ وتثنية ٢٨: ٢٧ و٣٥ و٢ملوك ٢٠: ٧ وأيوب ٢: ٧ وإشعياء ٣٨: ٢١

دَمَامِلَ طَالِعَةً بِبُثُورٍ كان الجلد يلتهب وتطلع فيه الدمامل وكثيراً ما يحدث هذا المرض في مصر (تثنية ٢٨: ٢٧) لكنه ليس بشديد الإيلام كالضربة هنا ولا يعتري البهائم. فظهر أن الضربة كانت معجزة بأربعة أمور:

  1. الإنباء بها قبل وقوعها.
  2. إنها كانت شديدة الإيلام.
  3. إنها كانت عامة.
  4. إنها أصابت البهائم كما أصابت الناس.

١١ «وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلْعَرَّافُونَ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ مُوسَى مِنْ أَجْلِ ٱلدَّمَامِلِ، لأَنَّ ٱلدَّمَامِلَ كَانَتْ فِي ٱلْعَرَّافِينَ وَفِي كُلِّ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

ص ٨: ١٨ و١٩ و٢تيموثاوس ٣: ٨ و٩

وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلْعَرَّافُونَ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ مُوسَى هل كان العرافون هنالك اتفاقاً أو جاءوا لمقاومة موسى (٢تيموثاوس ٣: ٨) ذلك لم يُعلم. ويُظن أنهم جاءوا ليقاوموه فقاومهم الله بالضربة.

١٢ «وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا كَمَا كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص ٤: ٢١

شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ أخذ الله من هنا يترك فرعون لقساوة قلبه كما فعل بالأمم الوثنية فإنهم «كَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ» (رومية ١: ٢٨). فإن فرعون قسّى قلبه مرتين وقاوم ميله إلى التسليم ولم يكترث بما عراه من الانفعال ونزل به من المؤثرات (ص ٨: ١٥ و٢٣) فتركه الله في قساوته يخبط في ظلام جهله وضلاله (انظر تفسير ص ٤: ٢١).

الضربة السابعة ع ٣ إلى ١٩

هذه الضربة واقعة على ثلاثة وهي أول الضربات المثلثة ولها عدة صفات غريبة:

  1. إنها عُرفت بكلام طويل بخلاف سائر الضربات (ع ١٣ – ١٩) وأُنذر بها فرعون إنذاراً هائلاً إذ قيل أن الله يرسل كل الضربات إلى قلب فرعون وإنه يُظهر فيه قوته.
  2. إنها أول ضربة مميتة للناس وإنها عامة تهلك كل من يتعرض لها (ع ١٩).
  3. إنها مهلكة أكثر من كل ما سواها من الضربات فإنها لم تكن مجرد قتل البهائم كضربة وبإ البهائم بل تهلك الحيوان والنبات (ع ٢٥) وتتلف نصف الغلال (ع ٣١).
  4. إنها كانت لامتحان إيمان المصريين بما أُعلن لهم من طريق النجاة من الضربة (ع ٢٠).
  5. إنها وُصفت بالعظمة المتناهية إذ قال «أرسل جميع ضرباتي» و «أمطر برَداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن». ولا ريب في أن ذلك البرَد كان كبيراً والضربات ليست مرتبة من الأدنى إلى الأعلى كسلسلة صاعدة لكن فيها ما يشبه ذلك في بعض الاعتبارات فإن الضربات الأولى كانت مؤلمة أكثر من كونها ضارة والتي تلتها كان منها خسارة الأملاك. وما بعدها كانت فيها يد الله على الناس للإضرار لا للإهلاك. والأخيرة كان بها فقدان الحياة. وكانت الضربة السابعة هائلة للمصريين عجيبة غريية لأن وقوع المطر والبرَد نادر في تلك الأرض. وكان ذلك البرَد مما لم يُعهد له نظير في مقدار حجمه فكان كافياً لأن يقتل الناس والبهائم. وكان مصحوباً برعد ونار (ع ٢٤). وكانت النار على الأرض (ع ٢٣ – ٢٥) فدل ذلك على نشوء سيّال كهربائي غير معتاد. فلا عجب من أن هذه الضربة كانت سهماً نافذاً من كبرياء فرعون ومجبرة له على الاعتراف بإثمه وببر الله والتسليم بإطلاق الإسرائيليين (ع ٢٧ و٢٨).

١٣ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ وَقِفْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».

ص ٨: ٢٠

بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ (انظر ص ٧: ١٥ و٨: ٢٠).

١٤ «لأَنِّي هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أُرْسِلُ جَمِيعَ ضَرَبَاتِي إِلَى قَلْبِكَ وَعَلَى عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ، لِتَعْرِفَ أَنْ لَيْسَ مِثْلِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ».

ص ٨: ١٠

أُرْسِلُ جَمِيعَ ضَرَبَاتِي إِلَى قَلْبِكَ كان قلب فرعون قاسياً جداً منذ الفطرة وكان يزيده غلاظة بإرادته واختياره (ص ٨: ١٥ و٣٢). فاقتضت حاله أن يليّن بتوالي الضربات فيطيع الله ويتواضع أمامه ويخشى يده القادرة ويطلق كل شعبه بقطعانهم وصغارهم.

١٥ «فَإِنَّهُ ٱلآنَ لَوْ كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُكَ وَشَعْبَكَ بِٱلْوَبَإِ لَكُنْتَ تُبَادُ مِنَ ٱلأَرْضِ».

ص ٣: ٢٠

ترجم بعضهم هذه الآية بما معناه «إني قادر الآن أن أمد يدي الخ» أي أنك فرعون لست بمعجز الله فإنه لو أراد إهلاكك أهلكك في الحال أو إنه قادر أن يميتك أنت وكل شعبك متى شاء.

١٦ «وَلٰكِنْ لأَجْلِ هٰذَا أَقَمْتُكَ، لأُرِيَكَ قُوَّتِي، وَلِيُخْبَرَ بِٱسْمِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ».

رومية ٩: ١٧ ص ١٤: ١٧ وأمثال ١٢٦: ٤ و١بطرس ٢: ٩

لأَجْلِ هٰذَا أَقَمْتُكَ أي ما أبقيتك حياً لأنك تستحق الحياة ولا لأجل تقواك بل لمجرد أن «أريك قوتي». إنك طالما أغظتني حتى أُوجب أن تُقطع من أرض الأحياء. ولكن لما كان مجدي يظهر ببقائك وبخضوعك بضرباتي وعقابي إياك تركتك تحيا.

وَلِيُخْبَرَ بِٱسْمِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ قابل هذا بما في (ص ١٤: ١٧ و١٥: ١٤ – ١٦ الخ).

١٧ «أَنْتَ مُعَانِدٌ بَعْدُ لِشَعْبِي حَتَّى لاَ تُطْلِقَهُ».

أَنْتَ مُعَانِدٌ بَعْدُ فقد آن لك أن ترفض كبرياءك وتعرف بضعفك وعجزك عن محاربة الرب. أفلم يرهبك بأسي أو لم تهُن من مقاومتي أفتبقى في ظلام جهلك إلى النهاية.

١٨ «هَا أَنَا غَداً مِثْلَ ٱلآنَ أُمْطِرُ بَرَداً عَظِيماً جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ».

لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ نعم إن المطر والبرَد عُهدا في مصر السفلى لكنهما نادران والرعود هنالك تكاد لا تنشأ وكل ذلك يكون إن حدث زهيداً لا يُكترث به. فالذي كان من أحوال تلك الضربة لم يُعهد في مصر قط.

١٩ «فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ وَكُلَّ مَا لَكَ فِي ٱلْحَقْلِ. جَمِيعُ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي ٱلْحَقْلِ وَلاَ يُجْمَعُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ ٱلْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ».

فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ الخ أي اجمعها إلى الحظائر والزرائب لئلا تهلك ولا تخرج أنت ولا رجالك إلى الحقول لئلا تهلكوا. فإنهم كانوا يجمعون مواشيهم كل سنة على أثر فيضان النيل إلى المآوي. وكانوا يقيمون تلك المآوي في ضواحي القرى والمدن فكان يسهل عليهم جمع البهائم إليها. ولا ريب في أن كثيراً منها وُقي بذلك من الموت في ضربة إهلاك البهائم كما مر.

٢٠، ٢١ «٢٠ فَٱلَّذِي خَافَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ مِنْ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ هَرَبَ بِعَبِيدِهِ وَمَوَاشِيهِ إِلَى ٱلْبُيُوتِ. ٢١ وَأَمَّا ٱلَّذِي لَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى كَلِمَةِ ٱلرَّبِّ فَتَرَكَ عَبِيدَهُ وَمَوَاشِيَهُ فِي ٱلْحَقْلِ».

ص ٧: ٢٣

فَٱلَّذِي خَافَ كان مثل هذا في الضربات السابقة فإنها قُرنت بالتحذير فحذّر بعضهم فربح ولم يحذّر بعضهم فخسر. وكذا كان الأمر في عصور الإنجيل «فَٱقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قِيلَ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا» (أعمال ٢٨: ٢٤). فكانت العاقبة أن هلكت المواشي ورعاتها (ع ١٩). (قابل هذا بما في يشوع ١٠: ١١).

٢٢ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ بَرَدٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي أَرْضِ مِصْرَ».

عَلَى كُلِّ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ إن إتلاف البرَد للزروع من أشهر الحوادث الطبيعية. وكانت هذه الضربة على ما عرف من صفاتها مما يتلف كل البقول النامية ويضر بالأنجم والأشجار ذوات الأثمار (انظر ع ٢٥ و٣١).

٢٣ «فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، فَأَعْطَى ٱلرَّبُّ رُعُوداً وَبَرَداً، وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَمْطَرَ ٱلرَّبُّ بَرَداً عَلَى أَرْضِ مِصْرَ».

يشوع ١٠: ١١ ومزمور ١٨: ١٣ و٧٨: ٤٧ و٤٨ و١٠٥: ٣٢ و٣٣ و١٤٨: ٨ وإشعياء ٣٠: ٣٠ وحزقيال ٣٨: ٢٢ ورؤيا ٨: ٧ و١٦: ٢١

جَرَتْ نَارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ فهم كاليش وكنوبل من هذا أنه حدث برق لكن ابن عزرا والقانون كوك وغيرهما أنه جرت نار على الأرض كما في الآية. ولا ريب في أن الكهربائية قد تتشكل بصورة كرات من نار تجري في الهواء وعلى الأرض وقد تهلك هذه الكرات الناس والبهائم وتهدم بعض الأبنية وتكسر الأجسام الجمادية. ويؤيد هذا ما قيل في الآية التالية.

٢٤ «فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ ٱلْبَرَدِ. شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مُنْذُ صَارَتْ أُمَّةً!».

فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ ٱلْبَرَدِ (انظر حزقيال ١: ٤ وتفسير ع ٢٣).

٢٥ «فَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي ٱلْحَقْلِ مِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ. وَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ وَكَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ».

مزمور ١٠٥: ٣٣

كَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ جاء في ما كتبه العلماء في أمر البرّد أن بعضه كسّر فروع الأشجار العظيمة وأتلف الأثمار.

٢٦ «إِلاَّ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بَرَدٌ».

ص ٨: ٢٢ و٩: ٤ و٦ و١٠: ٢٣ و١١: ٧ و١٢: ١٣ وإشعياء ٣٢: ١٨ و١٩

(هذه الآية دليل على أن الضربة كانت معجزة وأن الله إله إسرائيل وإن إسرائيل شعبه كما بلغ فرعون).

٢٧، ٢٨ «٢٧ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: أَخْطَأْتُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ. ٱلرَّبُّ هُوَ ٱلْبَارُّ وَأَنَا وَشَعْبِي ٱلأَشْرَارُ. ٢٨ صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ، وَكَفَى حُدُوثُ رُعُودِ ٱللّٰهِ وَٱلْبَرَدُ، فَأُطْلِقَكُمْ وَلاَ تَعُودُوا تَلْبَثُونَ».

ص ١٠: ١٦ و٢أيام ١٢: ٦ ومزمور ١٢٩: ٤ و١٤٥: ١٧ ومراثي إرميا ١: ١٨ ودانيال ٩: ١٤ ص ٨: ٨ و٢٨ و١٠: ١٧ وأعمال ٨: ٢٤ مزمور ١٨: ١٣ و٢٩: ٣ و٤

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ يظهر من هذا ومما بعده أن فرعون تأثر من هذه الضربة أكثر مما تأثر بسواها من الضربات السابقة. وعلة ذلك أنها كانت هائلة ومهلكة. ولا شك أن الضربة لم تزل تقع وظهر لفرعون أنها لا تنتهي (ع ٢٩ و٣٣).

أَخْطَأْتُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أي عرفت الآن إني أثمت بمقاومة الرب (يهوه) وإني جُرت عن سنن الخير والحق.

ٱلرَّبُّ هُوَ ٱلْبَارُّ أي لا باراً إلا الرب (يهوه).

ٱلأَشْرَارُ في العبرانية «رشعيم» وتحتمل معنيين. الأول ضد الأخيار. والثاني المجرمون الذين وجب عليهم العقاب. كان فرعون ينسب الجور إلى الإسرائيليين بدعوى أنهم كسالى (ص ٥: ٨ و١٧) أما هنا فرأى أنه هو وقومه الجائرون. وهذا الاعتراف بعضه حق وهو أن فرعون هو الظالم وبعضه باطل وهو نسبة مصاب الإسرائيليين إلى شعبه مع أن الشعب لم يظلمهم إلا بأمره.

٢٩ «فَقَالَ لَهُ مُوسَى: عِنْدَ خُرُوجِي مِنَ ٱلْمَدِينَةِ أَبْسُطُ يَدَيَّ إِلَى ٱلرَّبِّ، فَتَنْقَطِعُ ٱلرُّعُودُ وَلاَ يَكُونُ ٱلْبَرَدُ أَيْضاً، لِتَعْرِفَ أَنَّ لِلرَّبِّ ٱلأَرْضَ».

١ملوك ٨: ٢٢ و٣٨ ومزمور ١٤٣: ٦ وإشعياء ١: ١٥ و١تيموثاوس ٢: ٨ مزمور ٢٤: ١ و١كورنثوس ١٠: ٢٦ و٢٨

إِنَّ لِلرَّبِّ ٱلأَرْضَ أي إن أرض مصر وسائر الأرضين للرب يهوه الإله الواحد الحق الذي لا إله حق غيره (ع ١٥) فإن المصريين كانوا يعتقدون أن لكل أرض إلهاً معيناً أو آلهة كذلك. وفرعون سلّم هنا بقوة يهوه لكنه كان يعتقد أنه إله العبرانيين فقط (ص ٨: ٢٨) فأراد الله أن يبين له أنه إله كل الأرض.

٣٠ «وَأَمَّا أَنْتَ وَعَبِيدُكَ فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَمْ تَخْشَوْا بَعْدُ مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ».

إشعياء ٢٦: ١٠

(هذه الآية توبيخ يستلزم الدعوة إلى الإيمان بالإله الحق والجري في سنن الصلاح).

٣١ «فَٱلْكَتَّانُ وَٱلشَّعِيرُ ضُرِبَا. لأَنَّ ٱلشَّعِيرَ كَانَ مُسْبِلاً وَٱلْكَتَّانُ مُبْزِراً».

أمثال ٧: ١٦ وإشعياء ١٩: ٩ وحزقيال ٢٧: ٧ راعوث ١: ٢٢ و٢: ٢٣

فَٱلْكَتَّانُ وَٱلشَّعِيرُ ضُرِبَا كان نبات الكتان كثيراً في مصر لأنهم كانوا يلبسون الثياب الكتانية جميعاً وكانت ثياب الكهنة الضرورية على ما قال هيرودوتس. وكانوا يلفوّن المحنطات بتلك الثياب على ما قال أيضاً. وكان الشعير طعام الخيل ومادة المزر (أي البيرا). وكان كثيرون منهم يصنعون الخبز من دقيقه. والكتان يبزر هناك أي ينشأ فيه البزر في أواخر كانون الثاني أو أوائل شباط وتظهر سنابل الشعير في نحو ذلك الزمن.

٣٢ «وَأَمَّا ٱلْحِنْطَةُ وَٱلْقَطَانِيُّ فَلَمْ تُضْرَبْ لأَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً».

أَمَّا ٱلْحِنْطَةُ وَٱلْقَطَانِيُّ (القطاني في العربية حبوب الأرض ما سوى الحنطة والشعير كالذرة والفول وأشكالهما. وقال بعض العلماء «هي العدس والخُلّر (أي الفول أو الجلبة المعروفة عند العامة بالجليبينة أو الماش ولعله أراد ما سوى الفول) والفول والدّجر (أي اللوبياء) والحمص» والمقصود ما أبنّاه). الحنطة تتأخر في مصر عن الشعير وأما الذرة فتنمو في كل حين إلا حين الفيضان ولو زُرعت مع الحنطة لنضجت معها.

٣٣ «فَخَرَجَ مُوسَى مِنَ ٱلْمَدِينَةِ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى ٱلرَّبِّ، فَٱنْقَطَعَتِ ٱلرُّعُودُ وَٱلْبَرَدُ وَلَمْ يَنْصَبَّ ٱلْمَطَرُ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ص ٨: ١٢ وع ٢٩

فَخَرَجَ مُوسَى مِنَ ٱلْمَدِينَةِ… وَبَسَطَ يَدَيْهِ لم يخش موسى من البرَد مع أنه كان لم يزل يقع فخرج وكان عرضة له وبسط يديه إلى الله فانقطع الرعد والمطر والبرَد في الحال. وصار هدوء عظيم. قال بعض المفسرين أن موسى لم يخف في وسط المهلكات لشدة إيمانه واعتقاده أن شعور رأسه محصاة ولا تهلك واحدة منها.

٣٤، ٣٥ «٣٤ وَلٰكِنْ فِرْعَوْنُ لَمَّا رَأَى أَنَّ ٱلْمَطَرَ وَٱلْبَرَدَ وَٱلرُّعُودَ ٱنْقَطَعَتْ، عَادَ يُخْطِئُ وَأَغْلَظَ قَلْبَهُ هُوَ وَعَبِيدُهُ. ٣٥ فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى».

ص ٤: ٢١ ص ٤: ١٣

عَادَ يُخْطِئُ وَأَغْلَظَ قَلْبَهُ هذا شأن من لم يخف الله إلا وقت الشدة. ومن العجيب أن الله لم ينفك ينبهه ويرحمه (ص ١٠: ٣ – ٦).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى