سفر الخروج | 08 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
الضربة الثانية ع ١ إلى ٤
أجمع المفسرون القدماء وجمهور المحدثين على أن الضربة الثانية هي الضفادع واتفقت على ذلك التراجم القديمة لكن بعض المحدثين رأى أنها التماسيح وهو رأي باطل لاستحالة صدق صفاتها ومعناها على التماسيح كما سترى. والمستفاد من الذي عليه أقدم التراجم وجمهور المفسرين مطلقاً أن ألوفاً وربوات لا تحصى من الضفادع ملأت المدن والبيوت ومخادع الفرش والأسرة والتنانير والمعاجن وازدحمت في البلاط الملكي كما ازدحمت في أكواخ الفلاحين والفقراء ودخلت المضاجع وأخذت تقفز على الفرش والوسائد وأفسدت الطعام والشراب فكانت هذه الضربة مجموع ضربات كثيرة. وزد على ما ذُكر أن صور الضفادع قبيحة يكرهها النظر وأصواتها مُنكرة يأباها السمع.
١ «قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».
ص ٣: ١٢ و١٨
أَطْلِقْ شَعْبِي يستلزم تكرار هذا الطلب الوعيد وإنه لا بد من أن يطلق الشعب إجباراً (انظر ص ٥: ١ و٧: ١٦ و٨: ٢٠ و٩: ١ – ١٣ و١٠: ٣).
٢ «وَإِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَهُمْ فَهَا أَنَا أَضْرِبُ جَمِيعَ تُخُومِكَ بِٱلضَّفَادِعِ».
ص ٧: ١٤ و٩: ٢ رؤيا ١٦: ١٣
(هذه الآية تصريح بالوعيد الذي استلزمته الآية الأولى).
بِٱلضَّفَادِعِ (وفي العبرانية «صفر دعيم» وهو جمع «صفردع» كذلك والكلمة منحوتة من «صفر ردع» ومعنى «صفر» ظفر ومعنى «ردع» رداع أي ردغة وهي واحدة الرداغ للأرضين ذوات الطين والماء فيكون معنى «صفردع» طافرات الرجع أو الرداغ أي القافزات علواً في الأرضين ذوات الطين والماء. وهذا لا يصدق على غير الضفادع بالنظر إلى باقي الصفات التي ذُكرت في هذه الأصحاح). وهذه الضفادع من كبار أنواع الضفدع التي تدب أكثر من أن تقفز ولا تنفك تنقّ.
٣، ٤ «٣ فَيَفِيضُ ٱلنَّهْرُ ضَفَادِعَ. فَتَصْعَدُ وَتَدْخُلُ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى مِخْدَعِ فِرَاشِكَ وَعَلَى سَرِيرِكَ وَإِلَى بُيُوتِ عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَإِلَى تَنَانِيرِكَ وَإِلَى مَعَاجِنِكَ. ٤ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَبِيدِكَ تَصْعَدُ ٱلضَّفَادِعُ».
تكوين ١: ٢٠ و٢١ مزمور ١٠٥: ٣٠
فَيَفِيضُ ٱلنَّهْرُ ضَفَادِعَ من المستنقعات والحياض (انظر ع ٥ وتفسيره).
مِخْدَعِ فِرَاشِكَ الخ لا أمة من الأمم القديمة اعتنت بالنظافة كالأمة المصرية في العصور الخالية فكان على كهنتهم أن لا يلبسوا سوى الكتان النقي وأن يستحموا كل يوم صباحاً ومساءً بالماء البارد على ما قال هيرودوتس المؤرخ. وكان على الجميع أن يكونوا نظافاً وأن لا يمسوا ما ليس نقياً. فلا نستطيع بسهولة أن نتصور بلاء أشد على المصريين من ازدحام الضفادع في مضاجعهم وسائر ما ذُكر.
٥ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ يَدَكَ بِعَصَاكَ عَلَى ٱلأَنْهَارِ وَٱلسَّوَاقِي وَٱلآجَامِ، وَأَصْعِدِ ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ».
ص ٧: ١٩
ٱلآجَامِ (وفي العبرانية كذلك لكن معناها المستنقعات على ما هو في كتب اللغة العبرانية وعلى ما في غير الترجمة العربية من التراجم المشهورة).
٦ «فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِ مِصْرَ، فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أَرْضَ مِصْرَ».
مزمور ٧٨: ٤٥ و١٠٥: ٣٠
فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ في العبرانية «صعد الضفدع» لكن المقصود الجنس فالمعنى الضفادع كما في الترجمة.
٧ «وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ وَأَصْعَدُوا ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْر».
ص ٧: ١١
فَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ هذا لم يستلزم أن العرافين قدروا على خلق الضفادع فالمعنى أنهم أظهروا لفرعون أنهم فعلوا ذلك حقيقة وهم لم يأتوه إلا احتيالاً.
٨ «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ لِيَرْفَعَ ٱلضَّفَادِعَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِي فَأُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ».
ص ٩: ٢٨ و١٠: ١٧ وعدد ٢١: ٧ و١ملوك ١٣: ٦ وأعمال ٨: ٢٤
فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى هذا أول علامات التسليم التي أظهرها فرعون. احتمل فرعون ضربة تحويل الماء إلى دم والمرجح أن احتماله ذلك كان لما ذُخر عنده من مياه الآبار فلم يشعر بكل ثقل الضربة (انظر تفسير ص ٧: ٢٣) لكنه لم يحتمل ضربة الضفادع كغيرها راجع ع ٣ و٤). وكان من عواقب ذلك ما يأتي:
- أنه عرف قوة يهوه.
- عرف أن طلبة البار تقتدر كثيراً.
- إنه وعد بإطلاق الشعب وعداً لم يف به.
٩ «فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي لأَجْلِكَ وَلأَجْلِ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ لِقَطْعِ ٱلضَّفَادِعِ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ. وَلٰكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ».
فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي (وفي العبرانية الفخر لي (أو المجد علي) فكأنه يقول له افتخر بأن أقوم بأمرك أو أتمجد بذلك فمتى تشاء أن أدعو لك إلى الله. وكأن العبارة مصرية كانت تُقال للملوك احتراماً فإنها لم ترد في مثل هذا المقام إلا هنا.
١٠ «فَقَالَ: غَداً. فَقَالَ: كَقَوْلِكَ. لِكَيْ تَعْرِفَ أَنْ لَيْسَ مِثْلُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا».
ص ٩: ١٤ وتثنية ٣٣: ٢٦ و٢صموئيل ٧: ٢٢ و١أيام ١٧: ٢٠ ومزمور ٨٦: ٨ وإشعياء ٤٦: ٩ وإرميا ١٠: ٦ و٧
فَقَالَ غَداً من العجب أن فرعون لم يطلب رفع الضربة في يومه فكأنه ظن أن إله العبرانيين لا يقدر أن يرفعها دفعة.
لِكَيْ تَعْرِفَ الخ (قابل هذا بما في ص ٧: ٥ و١٧). لم يكتف موسى بأن يقتصر فرعون على معرفة يهوه معرفة بسيطة كما عرف سابقاً (ع ٨) بل أراد أن يقتنع بأن ليس ليهوه كفوءٌ.
١١ – ١٤ «١١ فَتَرْتَفِعُ ٱلضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ وَعَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ. وَلٰكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ. ١٢ ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ، وَصَرَخَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ ٱلضَّفَادِعِ ٱلَّتِي جَعَلَهَا عَلَى فِرْعَوْنَ، ١٣ فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى. فَمَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ مِنَ ٱلْبُيُوتِ وَٱلدُّورِ وَٱلْحُقُولِ. ١٤ وَجَمَعُوهَا كُوَماً كَثِيرَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ ٱلأَرْضُ».
ع ٣٠ وص ٩: ٣٣ و١٠: ١٨ و٣٢: ١١ ويعقوب ٥: ١٦ إلى ١٨
فَمَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ إن الله مع علمه كل ما يتعلق بقلب فرعون وإنه لا يفي بوعده رفع ضربة الضفادع فأماتها في مواضعها فكانت ألوفاً وربوات كثيرة وجُمعت فكانت تلالاً «وكوماً كثيرة حتى أنتنت الأرض». وذكر هذه الضربة أثناسيوس فقال إن الناس اضطروا من نتن الضفادع أن يتركوا مساكنهم ويذهبوا بعيداً.
١٥ «فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ٱلْفَرَجُ أَغْلَظَ قَلْبَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».
جامعة ٨: ١١ ص ٧: ١٤ وع ٣٢ و٩: ٣٤ و١٠: ١
فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ٱلْفَرَجُ وفي العبرانية «فسحة للتنفس».
أَغْلَظَ قَلْبَهُ لم تتغير طبيعة فرعون من الخشونة والغلاظة وقساوة القلب إنما تغيّر وعده وتبين أنه لم يعرف الرب إله العبرانيين إلا في الشدة وجهد البلاء وهذا كان ذنبه العظيم (انظر تفسير ص ١٤: ٢١).
الضربة الثالثة ع 16 – 19
١٦، ١٧ «١٦ ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ عَصَاكَ وَٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلأَرْضِ لِيَصِيرَ بَعُوضاً فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ. ١٧ فَفَعَلاَ كَذٰلِكَ. مَدَّ هَارُونُ يَدَهُ بِعَصَاهُ وَضَرَبَ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، فَصَارَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ. كُلُّ تُرَابِ ٱلأَرْضِ صَارَ بَعُوضاً فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ».
مزمور ١٠٥: ٣١
ٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلأَرْضِ تراب أرض مصر كثير فيكثر فيها الغبار. قال بعضهم فيما كنا نسافر إلى أخميم ارتفع الغبار وانتشر فملأ الآفاق حتى ظننا أنه ضباب.
كُلُّ تُرَابِ ٱلأَرْضِ صَارَ بَعُوضاً أي كان البعوض كالغبار مقداراً (ع ١٧).
١٨ «وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ لِيُخْرِجُوا ٱلْبَعُوضَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا. وَكَانَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ».
ص ٧: ١١ مزمور ٨٦: ٨ وإرميا ١٤: ٢٢ و٢تيموثاوس ٣: ٨ و٩
وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ الخ أي احتالوا فما نفعت حيلتهم.
١٩ «فَقَالَ ٱلْعَرَّافُونَ لِفِرْعَوْنَ: هٰذَا إِصْبِعُ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنِ ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».
مزمور ٨: ٣ ولوقا ١١: ٢٠ ص ٧: ١٣ و٢٢ و٩: ٣٥
هٰذَا إِصْبِعُ ٱللّٰهِ أو إصبع إله أي هذا فعل إله قدير لا فعل إنسان وهو فوق قدرة البشر وخارق العادة فلا بد من أن إلهاً قديراً يساعد موسى وهارون فإنهم لم يكونوا موحدين فينسبوا المعجزات إلى الله الواحد الأزلي.
ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ أي قسا كثيراً فضربة البعوض لم تؤثر فيه كما أثرت ضربة الضفادع (ع ٨ – ١٥) فبقي قلبه غليظاً فلم يبق من حاجة إلى أن يقسيه باختياره. ولعله وقى نفسه من البعوض بالكلّة (أي الناموسية) أو في مكان عال لا يبلغه البعوض فإن البعوض هنالك له حد من الارتفاع كما أبان هيرودوتس.
الضربة الرابعة ع ٢٠ و٢١
اختلف العلماء في هذه الضربة لاختلافهم في ترجمة لفظة «عرب» في العبرانية فترجمها بعضهم «بذباب الكلب» وبعضهن بأنواع الهوام والمرجّح أنها الذباب مطلقاً وهو صنوف كثيرة كالذبان المعروف في البيوت وذباب الخيل وذباب الكلاب وغير ذلك من الأنواع الضارة.
٢٠ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ وَقِفْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ. وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».
ص ٧: ١٥ ع ١
بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ لأن فرعون يذهب صباحاً إلى النيل كل يوم (ص ٧: ١٥) وكانت هذه عادة الملوك المصريين على ما أفاد هيرودوتس.
يخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ للاستحمام أو للاحتفال بالزرع بعد فيضان النيل ورجوعه أو لغير ذلك من أمور العبادة المصرية.
٢١ «فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ لاَ تُطْلِقُ شَعْبِي، هَا أَنَا أُرْسِلُ عَلَيْكَ وَعَلَى عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بُيُوتِكَ ٱلذُّبَّانَ، فَتَمْتَلِئُ بُيُوتُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ذُبَّاناً. وَأَيْضاً ٱلأَرْضُ ٱلَّتِي هُمْ عَلَيْهَا».
ٱلذُّبَّانَ راجع مقدمة الضربة الرابعة.
٢٢، ٢٣ «٢٢ وَلٰكِنْ أُمَيِّزُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ شَعْبِي مُقِيمٌ حَتَّى لاَ يَكُونُ هُنَاكَ ذُبَّانٌ. لِتَعْلَمَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ فِي ٱلأَرْضِ. ٢٣ وَأَجْعَلُ فَرْقاً بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ. غَداً تَكُونُ هٰذِهِ ٱلآيَةُ».
ص ٩: ٤ و٦ و٢٦ و١٠: ٢٣ و١١: ٦ و٧ و١٢: ١٣
أُمَيِّزُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ هذا أسلوب جديد من أساليب الضربات والغرض منه زيادة الألم في الملك الظالم وقومه. وكانت أرض جاسان جزء الدلتا الشرقي. وهي لا تختلف عن سائر أرض مصر في كونها غوراً وسهلاً كثيرة المياه والخصب فالطبيعة لم تميزها عن سواها من تلك الأرض فكان تمييزها بخلوها من تلك الضربة آية على كونها معجزة.
٢٤ «فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ هٰكَذَا. فَدَخَلَتْ ذُبَّانٌ كَثِيرَةٌ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَبُيُوتِ عَبِيدِهِ. وَفِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ خَرِبَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ».
مزمور ٧٨: ٤٥ و١٠٥: ٣١
خَرِبَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ هذا يدل على أن بعض ذلك الذبان كان نوعاً من الهوام المهلكة الزروع الضارة بالإنسان والبهائم فكان شراً من البعوض.
٢٥ «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: ٱذْهَبُوا ٱذْبَحُوا لإِلٰهِكُمْ فِي هٰذِهِ ٱلأَرْضِ».
فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى تألم فرعون كثيراً من الذباب كما تألم شعبه بل تألم أكثر منه إذ كانت الضربة عليه أثقل مما هي عليهم (ع ٢١) ولذلك أسرع إلى دعوة موسى لأنه لم يستطع احتمال الذباب ولا الوقاية منه كالبعوض ولم يقدر أن يصبر إلى أن يدعو السحرة.
هٰذِهِ ٱلأَرْضِ سمح فرعون لموسى ببعض الطلب لأن طلبه كان أن يذهب عن تلك الأرض مسافة ثلاثة أيام (ص ٥: ٣) فما كان لموسى أن يقبل بأقل من ذلك.
٢٦ «فَقَالَ مُوسَى: لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَفْعَلَ هٰكَذَا، لأَنَّنَا إِنَّمَا نَذْبَحُ رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا. إِنْ ذَبَحْنَا رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمَامَ عُيُونِهِمْ أَفَلاَ يَرْجُمُونَنَا؟».
تكوين ٤٣: ٣٢ و٤٦: ٣٤ وتثنية ٧: ٢٥ و٢٦
لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَفْعَلَ هٰكَذَا أخذ موسى يوضح لفرعون علة طلبه أن يذبح الإسرائيليون بعيداً.
نَذْبَحُ رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أي نذبح البهائم التي يعتقد المصريون أن ذبحها رجس وإذا فعلنا ذلك أمام عيونهم هاجوا وربما التظت نار الحرب بين الفريقين. فإن المصريين كانوا يعبدون البهائم وذلك أمر أثبته قدماء المؤرخين كهيرودوتس وديودوروس وغيرهما. وكانت ذبائح اليهود الغنم والمعزى والبقر وكلها من معبودات المصريين كلهم أو بعضهم. فأهل طيبة (أو ثيبت) لا يحتملون أن يشاهدوا أحداً يذبح غنمة وأهل مندس لا يستطيعون أن يصبروا على من يذبح ماعزاً على ما قال هيرودوتس. وكان البقر الأبيض والعجول وقفاً مقدساً لإلههم إسس وكانوا يعبدون عجلاً يسمونه إبيس وهذا كانت الكهنة تختاره من العجول على ما أبان هيرودوتس. وهياج المصريين وغيظهم على من ذبح أحد تلك البهائم في حضرتهم من أشهر حوادث التاريخ. وقد ذكر ديودورس أن سفير الرومان قتل هراً خطأً فقطّعه المصريون الأوباش. وقال بلوترك إن السينيبولينيين حاربوا الإكسيرنخينيين لأنهم أكلوا سمكاً يعده الأولون مقدساً. فكانت حجة موسى صحيحة.
أَفَلاَ يَرْجُمُونَنَا هذا أول ذكر للرجم في الكتاب المقدس. ولعله لم يكن عقاباً مصرياً بل كانوا يأتونه عادة في أول الغيظ والقتال انتقاماً. وذكره المؤرخ أسخيلس والمؤرخ هيرودوتس. وكان معروفاً عند قدماء الفرس.
٢٧ «نَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا كَمَا يَقُولُ لَنَا».
ص ٣: ١٨ ص ٣: ١٢
كَمَا يَقُولُ لَنَا قابل بما في (ص ١٠: ٢٦).
٢٨ «فَقَالَ فِرْعَوْنُ: أَنَا أُطْلِقُكُمْ لِتَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. وَلٰكِنْ لاَ تَذْهَبُوا بَعِيداً. صَلِّيَا لأَجْلِي».
ع ٨ وص ٩: ٢٨ و١ملوك ١٣: ٦
«لاَ تَذْهَبُوا بَعِيداً» كره فرعون سفر الإسرائيليين ثلاثة أيام عن مصر (ولعله خشي من أن لا يعودوا أو يبطل العمل طويلاً. ولعل موسى فهم من ذلك أن لا يبعدوا عن المسافة المطلوبة).
صَلِّيَا لأَجْلِي (لكي يرفع عنه الذبان لا لغاية غير ذلك).
٢٩، ٣٠ «٢٩ فَقَالَ مُوسَى: هَا أَنَا أَخْرُجُ مِنْ لَدُنْكَ وَأُصَلِّي إِلَى ٱلرَّبِّ، فَتَرْتَفِعُ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ غَداً. وَلٰكِنْ لاَ يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحَ لِلرَّبِّ. ٣٠ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ».
ع ١٥ ع ١٢
فَقَالَ مُوسَى هَا أَنَا… أُصَلِّي قبل موسى وعد فرعون ووعده بالصلاة من أجله.
لاَ يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ أي يعد ولا يفي. وهذا يدلنا على أن خادم الله يجب أن يوبخ متعدي الشريعة الأدبية وفعلة الشر ولو ملوكاً (٢صموئيل ١٢: ٧ – ١٢ و١ملوك ٢١: ٢٠ – ٢٢ ومتّى ١٤: ٤ الخ) فإن فرعون وعد أن يطلق الشعب زمن ضربة الضفادع وأخلف بوعده فحق له أن يوبخه.
٣١ «فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى، فَٱرْتَفَعَ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ. لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ!».
لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ ارتفاع الضربة في حال طلب موسى دليل قاطع على أنها كانت معجزة ولذلك كان يؤكد الأمر قبل وقوعه (انظر ص ١٠: ١٩).
٣٢ «وَلٰكِنْ أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضاً فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ».
ع ١٥
أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضاً (انظر ع ١٥). لما تألم ولم يستطع الاحتمال لان شيئاً ولما رُفعت الضربة قسا (فكان فعل الضربة فيه مادياً لا روحياً فأشبه الجماد المرن المضغوط يرجع إلى ما كان عليه عند رفع الضغط عنه. وهذه حال من خلا من روح الله).
السابق |
التالي |