سفر الخروج | 04 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
١ «فَأَجَابَ مُوسَى: وَلٰكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ ٱلرَّبُّ».
هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي فسّره بعضهم «بلعلهم» الخ والصواب أن موسى كان يقول ذلك عن اعتقاد جازم لضعف إيمانه في أول الأمر (ولمعرفته أن الإسرائيليين لا يصدقون بلا دليل على ذلك).
يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ ٱلرَّبُّ كان من أقرب الممكنات أن يقول له الشعب ذلك فكان في حاجة إلى ما يحملهم على الثقة به فإن الرب لم يكن قد ظهر لأحد منهم نحو أربع مئة سنة. وذلك من شأنه أن يجعلهم يعتقدون ان عصر المعجزات قد تقضى. وكان الله بمقتضى حكمته يأتي بالمعجزات في بعض الشدائد ويتركها بين شدة وأخرى في سياسته للناس فقد مرّ نحو خمس مئة سنة بين عصر دانيال وظهور الملاك لزكريا.
٢ «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: مَا هٰذِهِ فِي يَدِكَ؟ فَقَالَ: عَصاً».
ع ١٧ و٢٠
عَصاً رأى أكثر المفسرين أن هذه العصا كانت عصا الرعاية وهذا ليس بعيداً ولكن اشتقاقها في العبرانية يفيد مطلق العصا سواء كانت عصا الراعي أم صولجان الملك أو عطاء الشيخ أم غيرها. وكان كبراء المصريين يحملون العصي إشارة إلى سمو مقامهم فالمرجّح أن عصا موسى في مصر كانت مثل إحدى عصيهم لأنه كان بمنزلة ابن لابنة فرعون ولكن لا نرى أنه كان يحملها وهو يرعى الغنم فالأولى أنها العصا التي كان يهش بها على الغنم وهو يرعى غنم حميه ويتوكأ عليها لأنه كان ابن ثمانين سنة.
٣ «فَقَالَ: ٱطْرَحْهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا».
ص ٧: ١٠
حَيَّةً في العبرانية «نحش» وهي تفيد الحية مطلقاً فلا تعين النوع (ولعلها الحنش في العربية) وهو على ما قاله الفيروزبادي «الحية… وحشرات الأرض أو ما أشبه رأسه رأس الحيات». وعلى ما قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى الحية ويُقال الأفعى… وقيل الأحناش جميع دواب الأرض كالضب والقنفذ واليربوع وغيرها ثم خُصت به الحية. قال ذو الرمة:
… وقيل الحنش حية بيضاء غليظة مثل الثعبان أو أعظم. وقيل إنه أسود الحيات. ومعنى ذعف اللعاب سريع القتل وجاءت في (ص ٧: ١٠) ثعباناً ثم جاءت في (ع ١٥ من ص ٧) حنشاً. (وفي العبرانية جاءت في الموضع الأول تنيناً وجاءت في الموضع الثاني نحشاً). والثعبان في العبرانية كالنحش اسم جنس عام (ولفظه في العبرانية تنين والتنين في العربية الحية العظيمة).
فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا كان من الطبع أن يذكر موسى خوفه من هذه الحية فهل لكاتب آخر أن يذكر هذه الأمور الجزئية (فهذا من مؤيدات القول بأن موسى هو كاتب هذا السفر). انظر الفصل الخامس من المقدمة.
٤ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا (فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصاً فِي يَدِهِ)».
وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا الذين يجسرون على أن يمسكوا الحيّة السامة من محدثي المصريين وسكان شطوط البربر إنما يمسكونها بعنقها فلا تتمكن من لدغهم. ولكن الله أمر موسى أن يمسك تلك الحية بذنبها امتحاناً لإيمانه.
فَمَدَّ يَدَهُ غلب إيمان موسى غريزته. فإنه هرب في أول الأمر من الحية بمقضتى الغريزة لكنه هنا جسر وأمسك بذنبها ورفعها.
فَصَارَتْ عَصاً عادت إلى حقيقتها الأولى.
٥ «لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِهِمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ».
ص ١٩: ٩ ص ٣: ١٥
لِكَيْ يُصَدِّقُوا هذا متعلق بقول الرب مد يدك في أول الآية الرابعة وما بينهما من فعل موسى كلام معترض. ويُفهم من هذه الآية ان المعجزات كانت بينة على أن الذي يأتيها مُرسل من الله فيصدق ذلك المشاهدون فلولا ما أجراه الله على يد موسى من المعجزات لم يصدقه الإسرائيليون ولولا المعجزات التي فعلها على أيدي الرسل لم يستطيعوا أن يهدوا العالم إلى المسيح.
٦ «ثُمَّ قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ أَيْضاً: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ ٱلثَّلْجِ».
عدد ١٢: ١٠ و٢ملوك ٥: ٢٧
وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ ٱلثَّلْجِ كان اليونانيون يسمون شر أنواع البرص بالمرض الأبيض فإنه متى تمكن من الجسم جعله أبيض لامعاً وجعل كل شعرة منه «يبضاء كالصوف». قيل هذا النوع لا يُشفى. والمرجّح أنه من هذه الحادثة سمى المصريون الإسرائيليين بالبُرص كما نقل مانثو المؤرخ وغيره.
٧ «ثُمَّ قَالَ لَهُ: رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ (فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ)».
٢ملوك ٥: ١٤
عَادَتْ (رجعت إلى ما كانت عليه كما رجعت الحية إلى حقيقتها ع ٤).
٨ «فَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلآيَةِ ٱلأُولَى، أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ صَوْتَ ٱلآيَةِ ٱلأَخِيرَةِ».
مزمور ١٠٥: ٢٧
لِصَوْتِ ٱلآيَةِ ٱلأُولَى (قال أحد المفسرين إن المعنى) صوت موسى الذي شهد بالحق بواسطة الآية الأولى (ويصح أن يقال إن في الكلام استعارة مكنيّة وهي أن الكاتب استعار في نفسه للآية خطيباً يرفع صوته بإعلان الحق بالبرهان وأثبت للآية الصوت الذي هو من لوازم المستعار منه المضمر في النفس دلالة عليه. والمقصود إن لم يؤمنوا بكلامك الذي أثبتته الآية كما يثبت الخطيب الفصيح الدعوى بالدليل فهم يصدقون الخ).
(فائدة. سمي العمل الخارق العادة في الكتاب المقدس بأربعة أسماء معجزة وعجيبة وقوة وآية. فسمي معجزة لأنه يعجز البشر عن الإتيان بمثله. وعجيبة لأنه ينشئ في نفس المشاهد العجب لكونه خارقاً للعادة. وقوة لأنه لا يمكن إلا بقوة الله. وآية لأنه يُؤتى به علامة لصحة دعوى صانعه ودليلاً عليها. وهنا سمي آية لأن الله أجراه على يد موسى علامة لصحة دعواه إن الله أرسله ودليلاً عليها).
يُصَدِّقُونَ أي يصدق أكثرهم لأن بعضهم نسب المعجزة إلى عمل السحر وهو مجرد احتيال (انظر ص ٧: ١١). وربما اعتاد الإسرائيليون مشاهدة مثله من السحرة المصريين ولهذا كان من المحتمل أن كثيرين منهم لا يصدقونه بمجرد المعجزة الأولى بخلاف الثانية فإنها مما لم يألفوه ولا بد من أن يبقى في ريب ولذلك أعطاه الله ما بقي من المعجزات.
فإن قيل إذا كان الأمر كذلك لماذا أجرى الله على يد موسى معجزة تحويل العصا وغيرها مما يبقى معه شك قلنا ليرى سحرة مصر أن ما يأتونه احتيالاً يأتي به حقيقة كما سيرد عليك فيشهدون بأن موسى أتى ما أتاه بقوة الله (انظر ص ٧: ١٢ وص ٨: ١٩).
٩ «وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ ٱلآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ ٱلنَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ ٱلنَّهْرِ دَماً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ».
ص ٧: ١٩
فَيَصِيرُ ٱلْمَاءُ… دَماً هذا يدل على أن معجزات موسى كان بعضها للإنقاذ وبعضها للقصاص (إن الله تمهل على فرعون والمصريين كثيراً وأعلن لهم الحق بواسطة ما أتاه على يد موسى فكان لهم أن يخلصوا من ضلالهم وإثمهم لكنهم أبوا الهدى ولم يطلبوا الحق فلم ينتفعوا من أناة الله فضربهم. إن الله حليم لكنه شديد العقاب).
١٠ «فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: ٱسْتَمِعْ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ ٱلْفَمِ وَٱللِّسَانِ».
ص ٦: ١٢ و٣٠ وإرميا ١: ٦
لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ أي لست من الفصحاء لأكون أهلاً للخطاب الذي تقتضيه الرسولية. ما زال موسى إلى ذلك الحين يرى أنه ليس أهلاً لأن يكون رسول الله وكان يورد الأعذار على التوالي فلم يكن ينظر إلى سوى نقائصه. ومن ذلك أنه لم يكن سريع الخاطر في الكلام ولا فصيح اللسان. وجاء في تقاليد اليهود إنه كان يعجز عن تبيين الأحرف الشفوية كالباء والفاء والميم ولكن الذي يظهر من آخر الآية هو ما ذكرناه.
مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ هذه العبارة في مصطلح اللغة العبرانية يراد بها كل الزمان الماضي (انظر ص ٥: ٧ و٨ و١٤ وقابل ذلك بما في تكوين ٣١: ٢ و٥ و٢صموئيل ٣: ١٧).
وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ يقول إن خطابك أياي لم يُزل لكنتي وعدم سرعة خاطري وثقل لساني فأنا باق على ما كنت عليه قبل أن خاطبتني.
(مجمل معنى هذه الآية على ما ظهر لي أن بطوء خاطري وثقل لساني منذ الفطرة لا من الأمور العارضة التي يتوقع الإنسان زوالها طبعاً إنما تزول بقوة إلهية ولكنك أنت يا رب لم تزلها عندما خاطبت عبدك. فيرجّح إن في كلام موسى براعة طلب أي تلويح أنه يريد من الله أن يحل عقدة لسانه ويهب له سرعة الخاطر فتأمل).
١١ «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَماً، أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيراً أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا ٱلرَّبُّ؟».
مزمور ٩٤: ٩
معنى هذه الآية إن الله قادر على أن يطلق لسانه وإنه هو مطلق اللسان ومبكمه وإنه يستطيع أن يفعل كل شيء بمقتضى قدرته وحكمته.
١٢ «فَٱلآنَ ٱذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».
إشعياء ٥٠: ٤ وإرميا ١: ٩ ومتّى ١٠: ١٩ ولوقا ١٢: ١١ و١٢ و٢١: ١٤ و١٥
أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ أي أرشدك وأساعدك على التكلم (انظر إرميا ١: ٦ و٧ – ٩).
١٣ «فَقَالَ: ٱسْتَمِعْ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلْ».
أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلْ العبارة اصطلاحية معناها إني أذهب إن أجبرتني على الذهاب ولكن أفضل أن ترسل غيري. وفي الكلام ما لا يخفى من عدم الصبر وقلة الاحترام ولذلك حمي غضب الرب عليه (ع ١٤).
١٤ «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى مُوسَى وَقَالَ: أَلَيْسَ هَارُونُ ٱللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضاً هَا هُوَ خَارِجٌ لٱسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ».
ع ٢٧ و١صموئيل ١٠: ٢ و٣ و٥
ٱللاَّوِيُّ قال ابن عزرا وروزنمولر ان هذا كان لقب هارون أخي موسى تمييزاً له عن كل هارون سواه بين الإسرائيليين. ولكن قوله هنا «أخاك» مانع من اللبس فالمرجّح أنه لقب بذلك للرفعة وإيماء إلى ما كان لسبط لاوي من الكهنوت.
أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ أي إنه سريع الخاطر واللسان (ولعل في قوله «أنا أعلم إلخ» دفعاً لموسى عن أن يقول ربما كان هارون مثلي أو ما شابه ذلك من الأعذار).
وَأَيْضاً أي وفوق أنه قادر على التكلم عنك يعضدك ويوافقك فتستطيعان معاً أن تدبرا العمل كما يجب.
١٥ «فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ».
ص ٧: ١ و٢ عدد ٢٢: ٣٨ و٢٣: ٥ و١٢ و١٦ وتثنية ١٨: ١٨ وإشعياء ٥١: ١٦ وإرميا ١: ٩ تثنية ٥: ٣١
تَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ أي تقول له ماذا يتكلم به أي تنبئه بالمقصود وهو يسكبه في عبارات فصيحة.
وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ أي أنبهك لما أريد وأُفهمك إياه حتى تبلغه هارون.
وَمَعَ فَمِهِ أي أمكنه من سبك المعنى في العبارات المناسبة.
١٦ «وَهُوَ يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَماً، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً».
ص ٧: ١ و١٨: ١٩
يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ أي ينوب عنك في مخاطبة الشعب.
يَكُونُ لَكَ فَماً أي يتكلم بما تريد أن تتكلم.
وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً أي تنوب عن الله بأمرك إياه بالكلام فإني أنا أُبلغك ما أُريد وأنت تأمره بالتكلم بما أُنبئك به فتكون أنت نائباً عني ويكون هو نائباً عنك. وبهذا يبقى موسى أعلى من هارون.
١٧ «وَتَأْخُذُ فِي يَدِكَ هٰذِهِ ٱلْعَصَا ٱلَّتِي تَصْنَعُ بِهَا ٱلآيَاتِ».
ع ٢
هٰذِهِ ٱلْعَصَا التي تحوّلت حية.
ٱلآيَاتِ أي العجائب التي ذُكرت في (ص ٣: ٢٠).
١٨ «فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: أَنَا أَذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى إِخْوَتِي ٱلَّذِينَ فِي مِصْرَ لأَرَى هَلْ هُمْ بَعْدُ أَحْيَاءٌ. فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: ٱذْهَبْ بِسَلاَمٍ».
فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ (ذُكر يثرون في أول الأصحاح الثالث في العبرانية «يترو» وفي هذه الآية «يتر» بترك الواو فالظاهر أن العبرانيين كانوا يرخّمون الإعلام في النداء وعلى توالي المدة على المرخم في النداء كانوا يرخمونه في غير النداء أيضاً). وعلى رجوع موسى إلى يثرون أنه كان قد تزوج صفيرة فنُسب على ما يرجح إلى قبيلة رعوئيل التي كان أميراً عليها يثرون بعده. وكانت القبيلة شديدة الارتباط بأميرها فكان على موسى أن يستأذن الأمير في الذهاب ولو إلى حين. ولو فرضنا أن ذلك ليس بضروري بقي أنه كان على موسى أن يرجع إلى يثرون لأمر آخر وهو تسليم المواشي التي كان يرعاها له (انظر ص ٣: ١).
إِخْوَتِي أي أقربائي لأنه لم يكن له سوى أخٍ واحد.
فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: ٱذْهَبْ بِسَلاَمٍ أي مصحوباً بالسلامة وهذا يدل على حب يثرون ولطفه. وكلامه بركة لموسى فهو إن كان عين رعوئيل أو ابنه كاهن وملك كملكي صادق يعبد الإله الحق كما يثبت مما ذُكر في (ص ١٨: ٩ – ١٢). وقد سمح لموسى أن يأخذ امرأته معه ولما رجعا قبلهما وحماهما (ص ١٨: ٢).
١٩ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: ٱذْهَبِ ٱرْجِعْ إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ جَمِيعُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ».
ص ٢: ١٥ و٢٣ ومتّى ٢: ٢٠
فِي مِدْيَانَ الظاهر أن موسى لم يذهب إلى مصر على أثر استئذانه يثرون بل أبطأ ولذلك قال له الله «اذهب ارجع» مكرر الأمر.
جَمِيعُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ (أي يطلبون قصاصك) وهم فرعون وأهل المقتول والشرط المأمورون بالقبض عليه. وهذا مما كان يتوقع بعد أربعين سنة من قتل المصري.
٢٠ «فَأَخَذَ مُوسَى ٱمْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى ٱلْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. وَأَخَذَ مُوسَى عَصَا ٱللّٰهِ فِي يَدِهِ».
ص ١٧: ٩ وعدد ٢٠: ٨ و٩
بَنِيهِ لم يذكر سوى واحد منهم في ما مرّ وهو جرشون (ص ٢: ٢٢) لكن زيد في الفلغاتا لكن غيره وُلد له حديثاً.
وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى ٱلْحَمِيرِ وفي العبرانية على الحمار وهذا يحتمل أنه أركبهم على حماره المعهود أو على الحمير استعمالاً لاسم الجنس للجمع وهذا يصح في العبرانية كما يصح في العربية (انظر تكوين ١٥: ١٠).
عَصَا ٱللّٰهِ أي العصا التي جعلها الله آية لموسى وجعل موسى يصنع بها المعجزات (والإضافة في العبرانية تصح لأدنى ملابسة كما في العربية) (ص ٧: ٢٠ و٨: ٦ و١٧ و٩: ٢٣ و١٠: ١٣ و١٤: ١٦ و١٧: ٥ وعدد ٢٠: ٩ الخ).
٢١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ ٱنْظُرْ جَمِيعَ ٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَٱصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلٰكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ».
ص ٣: ٢٠ ص ٩: ١٢ و١٠: ٢٠ و٢٧ و١١: ١٠ و١٤: ٨ وتثنية ٢: ٣٠ ويشوع ١١: ٢٠ وإشعياء ٦٣: ١٧ ويوحنا ١٢: ٤٠ ورومية ٩: ١٨
جَمِيعَ ٱلْعَجَائِبِ ليس المقصود بذلك الآيات الثلاث المذكورة في ما مرّ (ص ٣: ٣ – ٩) بل القوات أو العجائب التي كان على عزم أن يصنعها أمام فرعون وأُشير إليها في (ص ٣: ٢٠).
أُشَدِّدُ قَلْبَهُ أي أقسيه وأُصلّبه. تقسية الرب لقلب فرعون كانت موضوع مناظرات كثيرة. ونُسبت هذه التقسية إلى الله هنا وفي (ص ٧: ٣ و٩: ١٢ و١٠: ١ و٢٠ و٢٧ و١٤: ٤ و٨). وإلى فرعون في (ص ٨: ١٥ و٣٢ و٩: ٣٤). وإلى قلب فرعون نفسه في (ص ٧: ١٣ و٢٢ و٩: ٧ و٣٥). ويمكن أن المقصود بالعبارات الثلاث واحد فأدى المعنى الواحد بثلاث طرق مختلفة. والمعنى ان الله لما جعل كل الوسائل لجذب فرعون إلى اللين وهو قسى قلبه أي لم يعدل عن قساوة قلبه جزاءه على ذلك بأن تركه في عماه الروحي. (وقال بعضهم إن ما فعله الله كان من وسائط تليين القلب لكن طبيعة فرعون كانت مما يقسو قلب صاحبها بتلك الوسائل فذلك كالشمس تلين الشمع وتقسي الطين. ورجّح فريق الأول بدليل ما جاء في (رومية ١: ٢٢ – ٢٤). واعتمد بعضهم في ذلك قول بولس الرسول في رومية ٩: ١٥ – ١٨ ولا شيء في ذلك مما ينافي باقي تعاليم الكتاب ولا كمال الله فتأمل).
٢٢ «فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ».
هوشع ١١: ١ ورومية ٩: ٤ و٢كورنثوس ٦: ١٨ إرميا ٣١: ٩ ويعقوب ١: ١٨
إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ قابل هذا بما في هوشع ١١: ١ وهذه النسبة المحبية التي أول ما أُعلنت هنا ليست مجرد استعارة كأن معناها ان إسرائيل عزيز عندي كابني بل فيها ان إسرائيل الله يتمتع بالنبوة لله باعتبار أنه متحد بابنه الحق حتى كأنهما ابن واحد (رومية ٨: ١٤ – ١٧). وقوله البكر يدل على أن الله اختار إسرائيل ابناً بالمسيح قبل سائر أمم الأرض.
٢٣ «فَقُلْتُ لَكَ: أَطْلِقِ ٱبْنِي لِيَعْبُدَنِي، فَأَبَيْتَ أَنْ تُطْلِقَهُ. هَا أَنَا أَقْتُلُ ٱبْنَكَ ٱلْبِكْرَ».
ص ١١: ٥ و١٢: ٢٩
أَقْتُلُ ٱبْنَكَ ٱلْبِكْرَ لم يأت الله بهذه الضربة حالاً بل جعلها الضربة العاشرة (ص ١١: ٥). ولم يبين موسى ان هذا الكلام هنا إشارة إلى تلك الضربة قصد الاختصار والاعتماد على فهم السامع.
٢٤ «وَحَدَثَ فِي ٱلطَّرِيقِ فِي ٱلْمَنْزِلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ».
تكوين ٣٢: ١ وعدد ٢٢: ٢٢ تكوين ١٧: ١٤
ٱلْمَنْزِلِ مكان النزول للراحة لا الخان أو الفندق إذ ليس هنالك شيء منهما.
أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْتَقَاهُ وفي السبعينية «إن ملاك الرب التقاه» وكذا في ترجوم انكيلوس وبعض الترجمات العربية لكن ما في المتن في الترجمة الإنجيلية البيروتية هو على وفق ما في العبرانية. والمعنى ان الرب دنا من موسى دنو من يريد أن يقتله ورأى هو وامرأته ان الرب يريد عقابه لأنه أهمل ختان ابنه البكر.
٢٥ «فَأَخَذَتْ صَفُّورَةُ صَوَّانَةً وَقَطَعَتْ غُرْلَةَ ٱبْنِهَا وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ. فَقَالَتْ: إِنَّكَ عَرِيسُ دَمٍ لِي».
يشوع ٥: ٢ و٣
صَوَّانَةً أي قطعة من حجر الصوان محددة كالسكين. وكان المصريون يستعملون السكاكين الصوانية على ما أفاد هيرودوتس المؤرخ. وكانت تعد أطهر من السكاكين المعدنية. وكان الختن بها عاماً عند قدماء الإسرائيليين.
وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ أي رجلي موسى وكان ذلك علامة الغيظ والتوبيخ فإن صفورة حسبت الختان في دين زوجها سفك دم ناشئاً عن القسوة والخشونة وإنه يشابه الأعمال الوثنية فطرحت الغلفة عند قدميه كأنه مولوك أو مُولك يطلب التقدمات الدموية.
عَرِيسُ دَمٍ أي زوج هو علة لسفك دم أولاده عبثاً على خلاف ما يقتضيه العقل.
٢٦ «فَٱنْفَكَّ عَنْهُ. حِينَئِذٍ قَالَتْ: عَرِيسُ دَمٍ مِنْ أَجْلِ ٱلْخِتَانِ».
فَٱنْفَكَّ عَنْهُ أي فرجع الرب عن البطش به فاعتبر عمل صفورة فداء لزوجها فعفا عنه.
حِينَئِذٍ قَالَتْ أي لما نجا موسى وعاد إلى انتباهه لصفورة أبانت له لماذا دعته «عريس دم» أي إنها قالت ذلك في شأن الختان أي ختان جرشوم في مديان قبلاً وختان أليعازر هنا. وفي (ص ١٨: ٣٢) ان موسى أرسل صفورة وابنيها إلى يثرون ولعله أرسلهما في هذا الوقت لأن موسى كان مسرعاً ولم يستطع الولدان احتمال ذلك السفر زمناً كثيراً.
٢٧ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لٱسْتِقْبَالِ مُوسَى. فَذَهَبَ وَٱلْتَقَاهُ فِي جَبَلِ ٱللّٰهِ وَقَبَّلَهُ».
ع ١٤ ص ٣: ١
ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ أما إن الرب حدد له البرية التي أمره بالذهاب إليها وأما إنه هداه إليها بالإلهام ولولا ذلك ربما ذهب إلى مديان لا إلى سيناء.
جَبَلِ ٱللّٰهِ أي سيناء.
قَبَّلَهُ لا يزال الرجال في الشرق يقبّل بعضهم بعضاً كما كان في أيام موسى وأيام هيرودوتس (تكوين ٣٣: ٤ و٤٥: ١٤ و١٥).
٢٨ «فَأَخْبَرَ مُوسَى هَارُونَ بِجَمِيعِ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ، وَبِكُلِّ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي أَوْصَاهُ بِهَا».
ع ١٥ ع ٣ و٨ و٩
ٱلآيَاتِ أي المعجزات الثلاث (ع ٣ – ٩).
٢٩ «ثُمَّ مَضَى مُوسَى وَهَارُونُ وَجَمَعَا جَمِيعَ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ص ٣: ١٦
شُيُوخِ (انظر تفسير ص ٣: ١٦).
٣٠، ٣١ «٣٠ فَتَكَلَّمَ هَارُونُ بِجَمِيعِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى بِهِ، وَصَنَعَ ٱلآيَاتِ أَمَامَ عُيُونِ ٱلشَّعْبِ. ٣١ فَآمَنَ ٱلشَّعْبُ. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱفْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا».
ع ١٦ ص ٣: ١٨ وع ٨ و٩ ص ٣: ١٦ ص ٢: ٢٥ و٣: ٧ تكوين ٢٤: ٢٦ وص ١٢: ٢٧ و١أيام ٢٩: ٢٠
أي آمن الإسرائيليون موسى بشهادة المعجزات وعبدوا الرب اعترافاً بالجميل.
السابق |
التالي |