سفر الخروج

سفر الخروج | 03 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

١ «وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ ٱلْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ ٱللّٰهِ حُورِيبَ».

ص ٢: ١٦ ص ٤: ٢٧ و٢٨: ٥ و١ملوك ١٩: ٨

وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ حَمِيهِ لم يكن له غير هذه الخدمة عند المديانيين لأنهم من أهل البادية. والحمو أبو المرأة ومن كان من قبله كأخيها أو عمها وقد يطلق في العبرانية على غيرهم. فجعله هنا أبا المرأة يستلزم أن رعوئيل ويثرون شخص واحد وهذا مما يشك فيه فالمرجح أنه أخوها ابن رعوئيل فإن حماه أباها كان قد مات وخلفه ابنه يثرون في الكاهنية والأميرية.

إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ أي إلى الأرض الخصبة وراء الرمال الممتدة من سلسلة جبال سيناء إلى خليج إيلة (أو خليج العقبة).

جَبَلِ ٱللّٰهِ أي سيناء (انظر ص ١٨: ٥ و١٩: ٢ – ٢٣).

حُورِيبَ الظاهر أن حوريب اسم لكل البلاد الجبلية وهي الأرض المعروفة اليوم بجبل موسى.

٢ «وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ، فَنَظَرَ وَإِذَا ٱلْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِٱلنَّارِ، وَٱلْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ!».

ص ١٤: ١٩ وإشعياء ٦٣: ٩ تثنية ٣٣: ١٦ وأعمال ٧: ٣

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ في العبرانية ملاك يهوه ودُعي في الآية الرابعة يهوه وإلوهيم فيلزم من ذلك ضرورة أن الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس ظهر لموسى في هيئة ملاك.

مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ وفي العبرانية من وسط السنه. (وترجمه بعض علماء اللغة بالسنا وهو نبت ربيعي كأنه الحناء زهره أبيض يضرب إلى الزرقة. وترجمه بعضهم بالسَّلَم وهو نبت شائك يحمل حب القرظ الذي تُستخرج منه الأقاقيا المعروفة عند العامة بالأقاسيا. وترجمه بعضهم بالقرظ وفسره بعضهم بشجر عظيم له شوك غليظ وزهر أبيض وثمر كالترمس وهذا الذي اعتمده العلامة رولنسون وقال إنه يكثر في أرض سيناء. والعليقة واحدة العليق وهو النبت الشائك المعروف الذي يثمر ثمراً كثمر التوت وهو من جملة معاني السنه في العبرانية وهذا هو المقصود).

٣ «فَقَالَ مُوسَى: أَمِيلُ ٱلآنَ لأَنْظُرَ هٰذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ ٱلْعُلَّيْقَةُ؟».

مزمور ١١١: ٢ وأعمال ٧: ٣١

أَمِيلُ ٱلآنَ في هذا دليل دقيق على أن موسى هو كاتب هذا السفر فإنه ذُكر أن العليق لا ينبت في الأرض التي كان يمشي عليها فلزم أنه يميل ليرى ما أمر تلك العليقة.

هٰذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ لأن الالتهاب دون احتراق من العجائب ومما يستحق أن يُبحث عن علته.

٤ «فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ ٱللّٰهُ مِنْ وَسَطِ ٱلْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: مُوسَى مُوسَى. فَقَالَ: هَئَنَذَا».

تثنية ٣٣: ١٦

فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ… نَادَاهُ ٱللّٰهُ وفي العبرانية «لما رأى يهوه ناداه إلوهيم» (أي الرب الذي سيظهر في الجسد).

مُوسَى مُوسَى التكرار يدل على رغبة المتكلم في تنبيه السامع وبيان أنه يريد الإلحاح (١صموئيل ٣: ١٠ وأعمال ٩: ٤).

٥ «فَقَالَ: لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى هٰهُنَا. ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».

يشوع ٥: ١٥ وأعمال ٧: ٣٣

ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ أو نعليك. شك بعضهم في أن النعال كانت معروفة في تلك الأيام القديمة. وقال رولنسون لا شك في أن المديانيين لم يكونوا يلبسون نعالاً. والمعلوم اليوم أن المصريين قبل عصر موسى وكل قدماء الشرقيين كانوا يخلعون نعالهم (ولا يزال أكثرهم كذلك إلى الآن) عند دخولهم إلى مكان محترم كالمسجد والهيكل وبيوت العظماء. ومما يستحق الملاحظة أن الله نفسه أمر موسى بآية الاحترام هذه. وكانوا يحترمون الأماكن المقدسة منذ القدم (انظر تفسير تكوين ٢٨: ١٦ و١٧).

٦ « ثُمَّ قَالَ: أَنَا إِلٰهُ أَبِيكَ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ. فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ٱللّٰهِ».

تكوين ٢٨: ١٢ وص ٤: ٥ ومتّى ٢٢: ٣٢ وأعمال ٧: ٣٢ قضاة ١٣: ٢٢ و١ملوك ١٩: ١٣ وإشعياء ٦: ٥

إِلٰهُ أَبِيكَ أي إله كل من أسلافك (تكوين ٣١: ٤٢) وهذا ما فهمه استفانوس إذ أنبأ بأن الرب قال لموسى «أنا إله آبائك» (أعمال ٧: ٣٢).

إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ أي الإله الذي كان هؤلاء يعبدونه. ويلزم من صورة هذه الآية أن هؤلاء لم يتلاشوا أي أرواحهم باقية فإن الله إله موجودات لا إله اعدام (متّى ٢٢: ٣٢).

فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لشعوره بما شعر به يعقوب يوم قال «ما أرهب هذا المكان» (تكوين ٢٨: ١٧) مع أنه لم ير سوى النار تتوقد ولا تحرق فمعرفته الله جعل منظر تلك النار رهيباً.

٧ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ».

ص ٢: ٢٣ إلى ٢٥ ونحميا ٩: ٩ ومزمور ١٠٦: ٤٤ وأعمال ٧: ٣٤ ص ١: ١١ تكوين ١٨: ٢١ وص ٢: ٢٥

فَقَالَ ٱلرَّبُّ في العبرانية «فقال يهوه» فالله في الآية السادسة هو الرب في هذه الآية وهو أيضاً «الله» في الآية الحادية عشرة (انظر تفسير ع ٤).

إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ في العبرانية «رأياً رأيت» (أو نظراً نظرت). (وهو في قوة قوله إني قد رأيت لأن في كل من العبارتين توكيد الرأي أو النظر).

مَذَلَّةَ ما تُرجم بالمذلة هنا تُرجم بالتسخير في (ص ١: ١١) وقد تأتي بمعنى الظلم فلها معان مختلفة.

٨ «فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».

تكوين ١١: ٥ و٧ و١٨: ٢١ ص ٦: ٦ و٨ و١٢: ٥١ تثنية ١: ٢٥ و٨: ٧ إلى ١٠ ص ١٣: ٥ و٣٣: ٣ وعدد ١٣: ٢٧ وتثنية ٢٦: ٩ و١٥ وإرميا ١١: ٥ و٣٢: ٢٢ وحزقيال ٢٠: ٦ تكوين ١٥: ١٩ إلى ٢١

فَنَزَلْتُ (أي شرعت في إظهار عنايتي بشعبي على الأرض) فالله يخاطب الناس على قدر فهمهم القاصر فإنهم لا يدركون الأمور إلا باقترانها بالزمان والمكان فخاطب الله موسى كأنه مسكنه السماء أو «سماء السموات» وإنه ينزل أحياناً منها إلى الأرض ليُظهر نفسه للناس. وهذا لم يأخذه الناس على سبيل الحقيقة حتى اليهود أنفسهم بدليل كثير من الآيات (انظر ١ملوك ٨: ٢٧ ومزمور ١٣٩: ٧ – ١٦ وأمثال ١٥: ٢ الخ).

أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ الأرض التي وعد إبراهيم بها (تكوين ١٥: ١٨) تستحق هذا الوصف وهي ما عدا فلسطين التي على جانبي الأردن تعم كل سورية من الجليل جنوباً إلى الفرات شمالاً وشمالاً شرقياً. وكطول هذه الأرض ٤٥٠ ميلاً وعرضها مختلف بين ستين ميلاً ومئة وعشرين ميلاً. ومساحتها لا تقل عن ٥٠٠٠٠ ميل مربع وغير الخصب منها قليل جداً وعلى الجملة تصلح أن تكون مملكة قوية معتبرة.

إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً قال بعضهم المرجّح أن هذه العبارة مثل يُضرب في وفرة الخصب والغنى. (نقول وهي أيضاً كناية عن كثرة المرعى والأزهار فكثرة المواشي والألبان والنحل والعسل). (انظر عدد ١٣: ٢٧).

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ الخ (انظر تفسير تكوين ١٠: ١٥ – ١٧ و١٣: ٧).

٩، ١٠ «٩ وَٱلآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضاً ٱلضِّيقَةَ ٱلَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا ٱلْمِصْرِيُّونَ، ١٠ فَٱلآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ».

ص ٢: ٢٣ ص ١: ١١ و١٣ و١٤ مزمور ١٠٥: ٢٦ وميخا ٦: ٤

رَأَيْتُ ٱلضِّيقَةَ (أي نظرت إلى ضيقهم نظر المنقذ لأنهم تذللوا وطلبوني بقلوبهم مع أفواههم).

١١ «فَقَالَ مُوسَى لِلّٰهِ: مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟».

ص ٦: ١٢ و١صموئيل ١٨: ١٨

مَنْ أَنَا حَتَّى الناس الذين هم أهل للأمور العظيمة يرون أنهم ليسوا أهلاً لها (لأنهم يعرفون شأنها وما تستلزمه من العناية) فإن إرميا لما دعاه الله إلى النبوءة قال «آهِ يَا سَيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ» (إرميا ١: ٦). والقديس أمبروسيوس بذل جهده في أن يخلص من أسقفية ميلان. والقديس أوغسطينوس أبى أن يذهب رسولاً إلى انكلترا. وانسلم كاد لا يقبل أن يرأس الكنيسة في عصر روفس الشرير. فأول ما يقوله الذي هو أهل للأمر ذي الشأن «من أنا». وكان موسى أهلاً لما أمره الله به لوجوه الأول تربيته المصرية. والثاني علمهم. والثالث الفته لأهل البلاط. والرابع اختباره للأمة. والخامس إحكامه لغتها. لكن هناك بعض الصعوبة وهو أن سكناه أربعين سنة في مديان وتخلقه بأخلاق أهلها وعيشه عيش الرعاة جعلته يرى أنه لا يناسب لمخالطة أهل البلاط المصري وإنه سيكون غريباً في عيني إخوته وإن عدم فصاحته أو لكنته من أعظم الموانع له من ذلك الأمر الخطير. ومن تلك الموانع تقدمه في السن فإنه كان حيئنذ ابن ثمانين سنة.

١٢ «فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهٰذِهِ تَكُونُ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ ٱلشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ ٱللّٰهَ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ».

تكوين ٣١: ٣ وتثنية ٣١: ٢٣ ويشوع ١: ٥ ورومية ٨: ٣١ ص ١٩: ٢

إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ رأى موسى نقصه فوعده الله بالكمال لأن «قوته في الضعف تكمل».

وَهٰذِهِ تَكُونُ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ إن الله بحسن عنايته كان يعطي الناس علامات تظهر في المستقبل امتحاناً للإيمان قبل إعلانها وتقوية له بعد الإعلان (قابل ما هنا بما في ١صموئيل ٢: ٣٤ و٢ملوك ١٩: ٢٧).

١٣ «فَقَالَ مُوسَى لِلّٰهِ: هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلٰهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا ٱسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟».

مَا ٱسْمُهُ كان عند المصريين وسائر المشركين اسم لكل إله من آلهتهم ولم يكن لله عند الإسرائيليين سوى الألقاب مثل «إل وإلوهيم» أي العلي «وشداي» أي الشديد أو القدير «ويهوه» أي الكائن. ولم يكن شيء من هذه الألقاب قد بلغ درجة العلمية المعهودة. وكان موسى يتصور أن الإسرائيليين مالوا ميل المصريين إلى اسم خاص لإلههم فتوقع أنهم يسألونه عن اسمه تعالى وهو لا يعرف سوى صفاته فسأله ما سأله.

١٤ «فَقَالَ ٱللّٰهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».

يوحنا ٨: ٥٨ وعبرانيين ١٣: ٨ ورؤيا ١: ٤

أي أكون الذي أكون. رأى الأكثرون إن هذا اسم الله العلم والحق إنه ليس سوى صفة من صفاته تُعلن سراً عظيماً وهو أن حقيقة الله لا يمكن الإنسان إدراكها فيكفي أن يعرف الله بصفاته التي يستلزمها أنه هو «أكون الذي أكون» أي الكائن الواجب الوجود غير المتغير أو الأزلي الأبدي وهذا كافٍ لأن يميزه عن سائر الكائنات.

أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ أي «أكون» أرسلني إليكم. يُفهم من هذا أربعة أمور:

  • الأول: إن وجود الله يختلف عن وجود كل ما سواه على حد قوله «أنا وليس آخر» (إشعياء ٤٥: ٦).
  • الثاني: إن وجوده لم يقترن بزمن أي لا بداءة له ولا نهاية فهو كائن أبداً كما كان أزلاً ولا يعبر عن هذا المعنى بالإيجاز إلا بمثل الكائن أو «أكون» أو «أنا كائن» (يوحنا ٨: ٥٨).
  • الثالث: إن وجوده حق في الذات بخلاف وجود غيره فإن وجود سائر الموجودات متوقف على وجوده كتوقف الظل على الجسم.
  • الرابع: إن وجوده مستقل بلا شرط ووجود كل ما سواه مستفاد من وجوده وغير مستقل عنه.

١٥ «وَقَالَ ٱللّٰهُ أَيْضاً لِمُوسَى: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلٰهُ آبَائِكُمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هٰذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلأَبَدِ وَهٰذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ».

ص ٦: ٣ مزمور ١٣٥: ١٣ وهوشع ١٢: ٥

يَهْوَهْ إِلٰهُ آبَائِكُمْ أي «يكون» فهو مثل أهيه أي «أكون».

هٰذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلأَبَدِ إن يهوه اسم الله الأعظم في سائر العهد القديم وقد ذُكر معناه بالتفصيل في تفسير (تكوين ٢: ٤) فارجع إليه. وهو في الترجمة اليونانية «كيريوس» أي الرب والمظنون أنه كان يُكتب في كل نسخ الأصل القديمة بالأحرف الكبيرة وحل محله «الرب» في العهد الجديد. وجاء ما هو بمعناه في رؤيا يوحنا وهو قوله «ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي» (رؤيا ١: ٤ و٨ و٤: ٨ و٩: ١٧ و١٦: ٥). أي الواجب الوجود الكائن بالذات المستقل الأزلي الأبدي الذي لا يتغير.

١٦ «اِذْهَبْ وَٱجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِكُمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي قَائِلاً: إِنِّي قَدِ ٱفْتَقَدْتُكُمْ وَمَا صُنِعَ بِكُمْ فِي مِصْرَ».

ص ٤: ٢٩ تكوين ٥٠: ٢٤ وص ٢: ٢٥ و٤: ٣١ ولوقا ١: ٦٨

شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ ليس المقصود بالشيوخ هنا الطاعنين بالسن بل الرؤساء على أنه ربما كان أكثرهم من الشيوخ سناً بناء على كونهم أكثر اختباراً. وهذا ما استنتج منه روزنمولر إن العبرانيين كان لهم في كل وقت حتى وقت التضييق عليهم في مصر نظام داخلي وحكومة وطنية.

قَدِ ٱفْتَقَدْتُكُمْ في العبرانية مفتقداً إياكم (والافتقاد في اللغة طلب الشيء عند غيبته والمقصود به هنا زيارته للنظر إلى ما يحتاج إليه وإعداده له). (انظر تفسير تكوين ٥٠: ٢٤).

١٧ «فَقُلْتُ أُصْعِدُكُمْ مِنْ مَذَلَّةِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً».

تكوين ١٥: ١٤ و١٦ وع ٨

فَقُلْتُ انظر ع ٨ ولعل في هذا إيماء إلى الوعد لإبراهيم (تكوين ١٥: ١٤).

مَذَلَّةِ مِصْرَ (قابل هذا بما في تكوين ١٥: ١٣ وخروج ١: ١١ و١٢ و٣: ٧).

١٨ «فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ، تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٱلْتَقَانَا، فَٱلآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص ١٤: ٣١ ص ٥: ١ و٣ عدد ٢٣: ٣ و٤ و ١٥ و١٦

فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ الضمير هنا للشيوخ المذكورين في (ع ١٦). وتم ذلك في (ص ٤: ٢٩ – ٣١) فالظاهر ان الشيوخ أطاعوا في الحال.

أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لم يُذكر في (ص ٥) إن الشيوخ امتثلوا في حضرة فرعون ولكن ذلك لا ينفي أنهم امتثلوا كذلك أو ان موسى وهارون نابوا عنهم.

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ في الأصل العبراني «يهوه إله العبرانيين». كان فرعون يفهم هذا الكلام لاعتقاده أن للعبرانيين إلهاً مختصاً لأنهم أمة غريبة وإن إلههم يُعلن لهم إرادته من وقت إلى وقت وكان المصريون يعتقدون أن الآلهة كانت تفعل كذلك للملوك المصريين.

سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ كان ذلك ضرورياً ليبعدوا عن المصريين لئلا يروهم يذبحون الحيوانات التي هم يعبدونها كالبقر ولا سيما البيضاء فإنها كانت مقدسة عند المصريين وإن قتلها إثم لا يُغفر. وكانت الغنم مقدسة عند سكان بعض الأقسام المصرية والمعزى مقدسة عند سكان قسم آخر على ما قال هيرودوتس المؤرخ فإذا لم يكن للإسرائيليين أن يأتوا مكاناً خالياً إلا وهم عرضة للضرب والقتل (انظر ص ٨: ٢٦).

ٱلْبَرِّيَّةِ كانت برية الساكنين في جاسان أرضاً واسعة ذات رمال وصخور تمر بين مصر وفلسطين تُعرف اليوم بالتيه وهي على غاية ثلاث مراحل من جاسان على ما قال هيرودوتس. أو هي هضبة كلسية الحجارة متعادية أي غير مستوية بارزة على هيئة لسان في شبه جزيرة سيناء كما يبرز في البحر الأحمر على ما قال أحد علماء الجغرافيا المحدثين.

وَنَذْبَحُ فرعون لم يسمح لهم والله علم أنه لا يسمح فلا حاجة إلى البحث في أنه لو سمح فرعون للإسرائيليين لم نعلم أكانوا يرجعون إلى مصر أم لا.

١٩ «وَلٰكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لاَ يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ».

ص ٥: ٢ و٧: ٤

وَلٰكِنِّي أَعْلَمُ الله هو الذي تكلم وهو يعلم أمور المستقبل مطلقاً كما يعلم أمور الحال والماضي.

وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ فإن فرعون لم يطلق الإسرائيليين اختياراً يوم أدّبه الرب بيد قوية (انظر ص ١٤: ٥ – ٢٣).

٢٠ «فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي ٱلَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذٰلِكَ يُطْلِقُكُمْ».

ص ٦: ٦ و٧: ٥ و٩: ١٥ ص ٧: ٣ و١١: ٩ وتثنية ٦: ٢٢ ونحميا ٩: ١٠ ومزمور ١٠٥: ٢٧ و١٣٥: ٩ وإرميا ٣٢: ٢٠ وأعمال ٧: ٣٦ ص ١٢: ٣١

فَأَمُدُّ يَدِي مد اليد كناية عن المساعدة والإنقاذ والله وعدهم هنا بأكثر مما وعدهم به قبلاً (ع ١٢) وأظهر كيف يكون مع موسى بالمساعدة العجيبة والمعجزات وضرب المصريين.

٢١ «وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهٰذَا ٱلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ».

ص ١١: ٣ و١٢: ٣٦ وأمثال ١٦: ٧

لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ (لو كان ذلك محظوراً على المطرودين لقلنا هذا قضاء الله ملك العالمين فإنه له كل ما كان للمصريين فأخذ بعض ما له منهم وأعطاه شعبه ولولا ذلك لم يجز للمصريين أن يأخذوه على أنه حكم عادل. ولو فُرض أنه أتاه أحد ملوك الأرض لم يظلم لأن المصريين ظلموا الإسرائيليين كثيراً فكانوا مستحقين ذلك الجزاء بل أكثر منه. هذا والواقع أن المطرودين كان لهم بمقتضى عادات تلك الأيام أن يطلبوا من الطاردين أشياء يستعينون بها على السفر فكان أمر الله للإسرائيليين أن يطلبوا ما ذُكر فلا يكون الأمر من المحظورات).

٢٢ «بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ ٱمْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً، وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

تكوين ١٥: ١٤ وص ١١: ٢ و١٢: ٣٥ و٣٦ أيوب ٢٧: ١٧ وأمثال ١٣: ٢٢ وحزقيال ٣٩: ١٠

تَطْلُبُ كُلُّ ٱمْرَأَةٍ ظن بعضهم أن تطلبه على سبيل العارية والأمر ليس كذلك (انظر تفسير ع ٢١) والدليل على هذا إنهن لم يطلبن الحلي إلا ساعة الانطلاق (ص ١٢: ٣٣ – ٣٦).

مِنْ جَارَتِهَا كان المصريون مختلطين بالإسرائيليين كما ذُكر في تفسير (ص ٢: ٣).

وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أي زائرتها من المصريات أو الساكنة معها إلى حين (قابل هذا بما في أيوب ١٩: ١٥).

عَلَى بَنِيكُمْ كان الرجال المصريون في ذلك العصر يلبسون الحلي كالنساء.

فَتَسْلِبُونَ ٱلْمِصْرِيِّينَ فتكونون كأنكم غلبتموهم في الحرب وسلبتموهم (قابل هذا بوعد الله لإبراهيم في تكوين ١٥: ١٤ وانظر تمام ذلك في ص ١٢: ٣٥ و٣٦).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى