أفسس

الرسالة إلى أفسس | المقدمة | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى أفسس

للدكتور . وليم إدي

أجمع علماء الدين المسيحي على أن هذه الرسالة كتبت إلى مؤمني أفسس على ما نص في الآية الأولى وذهب أكثرهم إلى أن بولس قصد بها أيضاً إفادة الكنائس المجاورة لها ويؤيده أنه لم يسلم الرسول فيها على أحد في أفسس باسمه مع أنه كان له أصحاب كثيرون هناك لأنه كان قد أقام بها زماناً طويلاً يبشر بنجاح عظيم فلو كانت إلى مؤمني أفسس خاصة ما حسن إلا أن يسلم عليهم وأنه لا أدنة إشارة في الرسالة إلى أحوال كنيسة أفسس خاصة وأنه اقتصر فيها على مخاطبة متنصري الأمم دون متنصري اليهود. فالمرجح على ما في الآية الأولى أن الرسول قصد أولاً الأفسسيين ولا سيما متنصري الأمم بينهم وأنه كتبها على أسلوب يوافق سائر الكنائس المجاورة لهم وأراد أن تُرسل إليها ولذلك لم يكتب فيها تحية لأحد واستغنى عن ذلك بأن وكل إلى تيخيكس حامل هذه الرسالة أن يسلم عليهم شفاهاً.موضوع هذه الرسالة الكنيسة المسيحية باعتبار كونها جسد المسيح وواسطة إظهار نعمة الله وأمجاد عمل الفداء لكل الخليقة. وكلام الرسول على ذلك الموضوع قمسان الأول تعليمي أعلن فيه أن الكنيسة مختارة في المسيح ومفدية بدمه ومتحدة به ومكملة منه (ص ١: ٣-ص ٣: ٢١) والثاني عملي أُعلن فيه ما يجب على أعضاء الكنيسة وهو أن يكونوا مقدسين متحداً بعضهم ببعض سالكين كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح الذي أُنقذوا من حال الوثنية الدنسة وارتقوا إلى مقام بنوة الله السامية (ص ٤ و٥ و٦). ومضمونها بعد العنوان والتحية العامة ثمانية أمور: الأول: تقديم الشكر لله الآب على أنه قد اختار الكنيسة بمقتضى القصد الأزلي أن تكون مقدسة محبوبة ومفدية بابنه يسوع المسيح ومتحدة به باعتبار كونه رأسها الحي ومشتملة على اليهود والأمم معاً كجسد واحد في المسيح. وفي ذلك الاختيار وهذا الاتحاد سر مجيد أُخفي عن الأجيال الغابرة وأُعلن الآن وأن لكل أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس يداً في إنجاز ذلك القصد (أي أن الله الآب اختار الكنيسة والابن أجرى قضاءه بعمل الفداء والروح القدس جعله مؤثراً في المؤمنين) وإن كل ذلك صدر عن نعمته العظيمة (ص ١: ٣-١٤).الثاني: صلاة من أجل زيادة معرفتهم باتحادهم بالمسيح والبركات المتوقفة على موته وقيامته وتمجيده (ص ١: ١٥-٢٣). الثالث: دعوة الأمم لكي يشتركوا بواسطة الإيمان بالمسيح في الفداء الذي اشتراه بنفسه. ووصف ذلك الفداء بكونه نجاة من الموت بالخطيئة وسلطة الشيطان وأنه منح لهم حياة جديدة في المسيح وقوة لكي يمارسوا أعمالاً صالحة (ص ٢: ١-١٠) وإنه بواسطته اتحد الأمم بشعب الله المختار قديماً إذ نقض سياج الحائط المتوسط لكي يكون لكليهما حق الاقتراب إلى الله ويكون هيكلاً حياً مبنياً على أساس واحد (ص ٢: ١١-٢٢). وإن بولس وُكل إليه خصوصاً إعلان هذا السر (سر اتحاد الأمم باليهود في كنيسة الله) الذي لم يعرف قبلاً سوى معرفة جزئية ولكن روح الله أعلنه كل الإعلان بواسطة رسله وأنبيائه «لِكَيْ يُعَرَّفَ ٱلآنَ عِنْدَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلاَطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ ٱلْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَنَوِّعَةِ» (ص ٣: ١-١٣) الرابع: الصلاة من أجل الكنيسة لكي تدرك ذلك السر تمام الإدراك وأن تقبله بالإيمان متأصلة ومتأسسة في المحبة وتمتلئ بكل ملء الله (ص ٣: ١٤-١٩) وختم القسم التعليمي بالتسبيح لله والشكر له على نعمته بيسوع المسيح (ص ٣: ٢٠ و٢١) الخامس: (وهو بداءة القسم العملي أي الثاني من قسمي الرسالة) حث المؤمنين على أن يسلكوا كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح متذكرين أن الكنيسة مع أنها مؤلقة من اليهود والأمم جسد واحد مملوء بروح واحد وخاضعة لرب واحد ولها إيمان واحد ومعمودية واحدة وإله وأب واحد للكل وعلى الكل وبالكل وفي الكل (ص ٤: ١-٦). ولا منافاة بين كون الكنيسة واحدة وكون إعطاء بعضها مواهب وأعمالاً مختلفة ضرورية لبنيان جسد المسيح الواحد وتكميله (ص ٤: ٧-١٦) السادس: حثهم على القيام بالواجبات المختصة بالذين يسلكون حسب الروح وأن يعتزلوا الخطايا التي اعتادوها يوم كانوا وثنيين ولا سيما شهوات الجسد والكذب والغضب والانتقام والخداع والنجاسة قولاً وفعلاً وأن يسلكوا كأولاد نور ويجتهدوا في أن يعملوا صلاحاً شاكرين الله مسبحين لاسمه بأغانٍ روحية (ص ٥: ١-٢١) السابع: تعيين واجبات مسيحية خاصة منها واجبات النساء لرجالهن وواجبات الرجال لنسائهم باعتبار نسبة الرجل إلى امرأته كنسبة المسيح إلى كنيسته (ص ٥: ٢٢-٣٣). وواجبات الأولاد والآباء (ص ٦: ١-٤) وواجبات العبيد والسادة (ص ٦: ٥-٩). الثامن: الخاتمة وفيها نصيحته الاخيرة وهي أن يتقووا في الرب لكي يجاهدوا شديد جهادهم ويحاربوا قوات الظلمة وجنود الشر لابسين أسلحة البر (ص ٦: ١٠-١٧). وطلب أن يصلوا من أجله (ص ٦: ٢١ و٢٢) والوداع والبركة (ص ٦: ٢٣ و٢٤).

مقدمة

المقدمة وفيها سبعة فصول

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو         

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة وفيها سبعة فصول

الفصل الأول: في مدينة أفسس

كانت أفسس مدينة مشهورة في أيونيا قرب بحر الروم تجاه جزيرة ساموس في غربي البلاد الواسعة المعروفة اليوم بأسيا الصغرى وهي قصبة جزء منها كان يسميه الرومانيون «اِسيا بروكنسلار» وموقعها على شاطئ نهر كيستر على أمد ميل من مصبه في البحر وأربعين ميلاً من أزمير. وهي في سهل مخصب جميل طولها خمسة أميال وعرضها ثلاثة أميال وتحيط بها الربى من ثلاث جهات. وكان لها تجارة واسعة في أسيا والمدن اليونانية المقابلة لها. واشتهرت كثيراً بسعتها وعظمتها وغناها وعلمها وترفهها وجودة مرفإها قبل أن رُدم نهرها بالتراب والحجارة. ومما زادها شهرة هيكل أرطاميس الذي عد من عجائب العالم السبع وقد احترق في الليلة التي وُلد فيها اسكندر الكبير سنة ٢٥٦ قبل الميلاد أحرقه أرسترانس بغية أن يشتهر. ثم بُني بنفقة كل بلاد أسيا واليونان وشغل بناؤه نحو مئتي سنة وقدمت النساء جواهرها مساعدة على بنائه فكان أعظم من الأول طوله ٤٢٥ قدماً وعرضه ٢٢٥ قدماً وحجارته من الرخام الأبيض وزُين بأحسن النقوش والصور وكان فيه ١٢٧ عموداً من المرمر علو كل منها ٦٠ قدماً. وحلي بهدايا نفيسة جداً من الحجارة الكريمة والتماثيل الفاخرة. وصُرب في جماله المثل في كل العالم المعروف يومئذ. وكان في باحته تمثال أرطاميس وهو قبيح الهيئة كالمحنطات المصرية كثير الثدي إشارة إلى أنها إلاهة الطبيعة المثمرة وفي إحدى يديه صولجان تعلوه ثلاثة أسنة وفي الأخرى نبوت وكانوا يعتقدون أنه هبط من السماء من زفس وهو المشتري إله الألهة في زعمهم. وافتخرت تلك المدينة بأنها وقف لعبادة تلك الإلاهة وكان ينقش على النقود المضروبة في أفسس «نيئوكورس» (νεωκορος) إشارة إلى أن تلك المدينة خادمة لهيكلها. ومن نفائس بضائعها تماثيل صغيرة على هيئة ذلك الهيكل (كان الزوار الآتون من جميع الأقطار يشترونها) ومشهد يسع ثلاثين ألف نفس. وكان لوعظ بولس فيها فعل عظيم نقّص تلك التجارة الوثنية فهاج صناعها عليه هياجاً عظيماً. ومما اشتهرت به تلك المدينة السحر والكتب التي عُرفت بالكتب الأفسسية وقد ذُكرت في تفسير (أعمال ١٩: ١٣) فارجع إليه. وكان من تأثير مناداة بولس فيها أن كثيرين من السحرة أتوا بكتب السحر وأحرقوها واعترفوا بخداعهم. وكان أكثر سكانها وثنيين وسكنها بعض اليهود رغبة في المتجر. وكثيراً ما ذُكرت في تواريخ الرومانيين وأنباء حروبهم وشاع بأن يوحنا الرسول سكنها في أواخر حياته ودُفن بها. وهُدمت في سنة ٢٦٢ للميلاد ولم تزل في موقعها تلال كثيرة واسعة وقرية صغيرة اسمها اليوم أيا سلوك.

الفصل الثاني: في كنيسة أفسس

نادى بولس الرسول في أفسس نحو ثلاث سنين وأسس فيها كنيسة مسيحية. ولما رجع إلى أورشليم من كورنثوس في سفره الثاني للتبشير زار أفسس وكان ذلك سنة ٥٤ للميلاد ورافقه أكيلا وبرسكلا إليها وهو تركهما هناك ووعد اليهود أن يعود إليهم بأقرب وقت (أعمال ١٨: ١٩ – ٢١). وفي غيبته أتى أبلوس من اسكندرية وكان تلميذ يوحنا المعمدان وجاهر بما عرفه من نبإ المسيح في المجمع فأخذه أكيلا وبرسكلا وعلماه طريق الرب بأكثر تدقيق (أعمال ١٨: ٢٤ – ٢٦). ورجع بولس حسب وعده في خريف سنة ٥٤ على المرجح ووجد هنالك بعض التلاميذ الذين لم يقبلوا سوى معمودية يوحنا فبشرهم بالمسيح الذي أتى وعمدهم باسمه فحل عليهم الروح القدس فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون (أعمال ١٩: ٣ – ٩).

ووعظ بولس بعد ذلك في مجمع اليهود نحو ثلاثة أشهر ولما قاومه اليهود غير المؤمنين اعتزلهم وأخذ يعظ في مدرسة تيرانس ظل يأتي ذلك نحو سنتين «حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ» (أعمال ١٩: ٨ – ١٢). وكانت نتائج التي ظهرت من تبشيره على ما أبان لوقا في سفر الأعمال خمساً:

الأولى: تنصر كثيرين من اليهود والأمم.

الثانية: توزيع معرفة الإنجيل في كل أسيا.

الثالثة: عظيم التأثير في قلوب الناس حتى أن بعض السحرة شرعوا يصنعون معجزات باسم يسوع الذي يكرز به بولس واقتنع بعضهم بوعظه أنهم خطأة وجهلاء وأحرقوا كتب سحرهم.

الرابعة: قلة اعتبار الوثنيين لأرطاميس وعدد عبادتها فخاف أهلها أن يهان هيكلها.

الخامسة: إنه تأسست هنالك كنيسة كبيرة ناجحة كما يظهر من الأصحاح العشرين من سفر الأعمال لأن بولس وهو راجع من الجولان في مكدونية وأخائية للتبشير وصل إلى ميليتس قرب أفسس واستدعى قسوس كنيسة أفسس وخاطبهم بما دل على أنهم موكلون على عمل عظيم ذي شأن. وأنبأهم بذلك الخطاب بدخول المعلمين الكاذبين بينهم وبُيّن تمام ذلك النبإ مما كتبه إلى كنيستهم يوحنا الرسول في سفر الرؤيا باعتبار كونها واحدة من كنائس أسيا (رؤيا ٢: ١ – ٧). وبعدما ترك بولس كنيسة أفسس أتى إليها تيموثاوس وخدمها زماناً لم نعرف مقداره (١تيموثاوس ١: ٣). وكل الذين درسوا تاريخ الكنيسة الأولى يعتقدون أن يوحنا الرسول شغل آخر سني حياته بخدمة كنيسة أفسس ومات فيها وهو في نحو سن الرابعة والتسعين. واشتهرت تلك الكنيسة بكونها المركز الثالث للدين المسيحي وكانت كنيسة أورشليم المركز الأول وكنيسة أنطاكية المركز الثاني. ولا نعلم من أمرها بعد ذلك إلا أن المسيح شهد عليها بعد نحو ثلاثين سنة من كتابة هذه الرسالة بأنها «تركت محبتها الأولى» (رؤيا ٢: ٤) ثم بقيت مركزاً لذلك الدين قروناً وخدمها كثيرون من معتبري القسوس وفيها كان المجمع الثالث العام المعروف بالأفسسي الذي التأم سنة ٤٣١ وحكم بالابتداع على نسطوروس بطريريك الاسكندرية وبلاجيوس. وتمّت عليها نبوءة المسيح منذ قرون كثيرة «فزُحزحت منارتها من مكانها» حتى لا تجد نصرانياً في أيّاسلوك القرية الحقيرة التي أُقيمت على آثارها.

الفصل الثالث: في كاتب هذه الرسالة

لا داعي إلى الشك في أن كاتب هذه الرسالة بولس الرسول كما قيل في (ص ١: ١ و٢: ٢) وكما اتفق عليه كل مؤرخي عصره وما بعده ويؤدي ذلك أسلوب كتابتها لفظاً ومعنىً.

الفصل الرابع: في زمان كتابة هذه الرسالة ومكانها

لم يبين الرسول في هذه الرسالة متى كتبها ولا أين كتبها لكنه أبان أنه كان يوم كتبها أسيراً بدليل قوله «أَنَا بُولُسُ، أَسِيرُ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَجْلِكُمْ» (ص ٣: ١) وقوله «أطلب أن لا تكلوا في شدائدي لأجلكم» (ص ١: ١٣) وقوله «أنا الأسير في الرب» (ص ٤: ١) وقوله «أنا سفير في سلاسل» (ص ١٦: ٢٠). والأرجح أنه كتبها في أول سجنه في رومية سنة ٦٢ ب. م حين أُذن له أن يسكن بيتاً استأجره لنفسه مدة سنتين وقبل جميع الذين أتوا إليه كارزاً بملكوت الله ومعلماً أمور الرب يسوع المسيح «بكل مجاهرة بلا مانع» (أعمال ٢٨: ٣٠). والأرجح أنه كتب في تينك السنتين أربع رسائل وهي رسائل كولوسي وأفسس وفيلبي وفيليمون.

الفصل الخامس: في نسبة هذه الرسالة إلى رسالة كولوسي

يتبين أنهما كتبتا في وقتين متواليين وأرسلتا على يد مرسل واحد وأن بينهما مشابهة قوية ففيهما نحو ثلاثين عبارة مترادفة أو متماثلة. وتمتاز رسالة أفسس بأنها تعليمية عامة يعلن بها الحكمة السماوية ورسالة كولوسي جدلية تقاوم فيها الفلسفة الباطلة. وليس في الأولى شيء من التحذير من المعلمين الكاذبين وفي الثانية تحذير منهم. وفي رسالة أفسس يوصف المسيح بكونه رئيس الكنيسة وفي كولوسي بكونه رأس كل شيء. وعبر في الأولى عن نفسه «بالباني المسيحي» وفي الثانية بأنه «جندي مسيحي» والكلام في الأولى مطول وفي الثانية مختصر وفي الأولى سبع إشارات اقتباسية من العهد القديم وفي الثانية إشارة واحدة (كولوسي ٢: ٢١).

الفصل السادس: في من كتبت الرسالة إليهم

أجمع علماء الدين على أن هذه الرسالة كتبت إلى مؤمني أفسس عل ما نص في الآية الأولى وذهب أكثرهم إلى أن بولس قصد بها أيضاً إفادة الكنائس المجاورة لها ويؤيده أنه لم يسلم الرسول فيها على أحد في أفسس باسمه مع أنه كان له أصحاب كثيرون هناك لأنه كان قد أقام بها زماناً طويلاً يبشر بنجاح عظيم فلو كانت إلى مؤمني أفسس خاصة ما حسن إلا أن يسلم عليهم وأنه لا أدنى إشارة في الرسالة إلى أحوال كنيسة أفسس خاصة وأنه اقتصر فيها على مخاطبة متنصري الأمم دون متنصري اليهود. فالمرجح على ما في الآية الأولى أن الرسول قصد أولاً الأفسسيين ولا سيما متنصري الأمم بينهم وأنه كتبها على أسلوب يوافق سائر الكنائس المجاورة لهم وأراد أن تُرسل إليها ولذلك لم يكتب فيها تحية لأحد واستغنى عن ذلك بأن وكل إلى تيخيكس حامل هذه الرسالة أن يسلم عليهم شفاهاً.

الفصل السابع: في موضوع هذه الرسالة ومضمونها

موضوع هذه الرسالة الكنيسة المسيحية باعتبار كونها جسد المسيح وواسطة إظهار نعمة الله وأمجاد عمل الفداء لكل الخليقة. وكلام الرسول على ذلك الموضوع قسمان الأول تعليمي أعلن فيه أن الكنيسة مختارة في المسيح ومفدية بدمه ومتحدة به ومكملة منه (ص ١: ٣ – ص ٣: ٢١) والثاني عملي أُعلن فيه ما يجب على أعضاء الكنيسة وهو أن يكونوا مقدسين متحداً بعضهم ببعض سالكين كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح الذي أُنقذوا من حال الوثنية الدنسة وارتقوا إلى مقام بنوة الله السامية (ص ٤ و٥ و٦).

ومضمونها بعد العنوان والتحية العامة ثمانية أمور:

الأول: تقديم الشكر لله الآب على أنه قد اختار الكنيسة بمقتضى القصد الأزلي أن تكون مقدسة محبوبة ومفدية بابنه يسوع المسيح ومتحدة به باعتبار كونه رأسها الحي ومشتملة على اليهود والأمم معاً كجسد واحد في المسيح. وفي ذلك الاختيار وهذا الاتحاد سر مجيد أُخفي عن الأجيال الغابرة وأُعلن الآن وأن لكل أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس يداً في إنجاز ذلك القصد (أي أن الله الآب اختار الكنيسة والابن أجرى قضاءه بعمل الفداء والروح القدس جعله مؤثراً في المؤمنين) وإن كل ذلك صدر عن نعمته العظيمة (ص ١: ٣ – ١٤).

الثاني: صلاة من أجل زيادة معرفتهم باتحادهم بالمسيح والبركات المتوقفة على موته وقيامته وتمجيده (ص ١: ١٥ – ٢٣).

الثالث: دعوة الأمم لكي يشتركوا بواسطة الإيمان بالمسيح في الفداء الذي اشتراه بنفسه. ووصف ذلك الفداء بكونه نجاة من الموت بالخطيئة وسلطة الشيطان وأنه منح لهم حياة جديدة في المسيح وقوة لكي يمارسوا أعمالاً صالحة (ص ٢: ١ – ١٠) وإنه بواسطته اتحد الأمم بشعب الله المختار قديماً إذ نقض سياج الحائط المتوسط لكي يكون لكليهما حق الاقتراب إلى الله ويكون هيكلاً حياً مبنياً على أساس واحد (ص ٢: ١١ – ٢٢). وإن بولس وُكل إليه خصوصاً إعلان هذا السر (سر اتحاد الأمم باليهود في كنيسة الله) الذي لم يعرف قبلاً سوى معرفة جزئية ولكن روح الله أعلنه كل الإعلان بواسطة رسله وأنبيائه «لِكَيْ يُعَرَّفَ ٱلآنَ عِنْدَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلاَطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ ٱلْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَنَوِّعَةِ» (ص ٣: ١ – ١٣).

الرابع: الصلاة من أجل الكنيسة لكي تدرك ذلك السر تمام الإدراك وأن تقبله بالإيمان متأصلة ومتأسسة في المحبة وتمتلئ بكل ملء الله (ص ٣: ١٤ – ١٩) وختم القسم التعليمي بالتسبيح لله والشكر له على نعمته بيسوع المسيح (ص ٣: ٢٠ و٢١).

الخامس: (وهو بداءة القسم العملي أي الثاني من قسمي الرسالة) حث المؤمنين على أن يسلكوا كما يليق بأعضاء كنيسة المسيح متذكرين أن الكنيسة مع أنها مؤلفة من اليهود والأمم جسد واحد مملوء بروح واحد وخاضعة لرب واحد ولها إيمان واحد ومعمودية واحدة وإله وأب واحد للكل وعلى الكل وبالكل وفي الكل (ص ٤: ١ – ٦). ولا منافاة بين كون الكنيسة واحدة وكون إعطاء بعضها مواهب وأعمالاً مختلفة ضرورية لبنيان جسد المسيح الواحد وتكميله (ص ٤: ٧ – ١٦).

السادس: حثهم على القيام بالواجبات المختصة بالذين يسلكون حسب الروح وأن يعتزلوا الخطايا التي اعتادوها يوم كانوا وثنيين ولا سيما شهوات الجسد والكذب والغضب والانتقام والخداع والنجاسة قولاً وفعلاً وأن يسلكوا كأولاد نور ويجتهدوا في أن يعملوا صلاحاً شاكرين الله مسبحين لاسمه بأغانٍ روحية (ص ٥: ١ – ٢١).

السابع: تعيين واجبات مسيحية خاصة منها واجبات النساء لرجالهن وواجبات الرجال لنسائهم باعتبار نسبة الرجل إلى امرأته كنسبة المسيح إلى كنيسته (ص ٥: ٢٢ – ٣٣). وواجبات الأولاد والآباء (ص ٦: ١ – ٤) وواجبات العبيد والسادة (ص ٦: ٥ – ٩).

الثامن: الخاتمة وفيها نصيحته الاخيرة وهي أن يتقووا في الرب لكي يجاهدوا شديد جهادهم ويحاربوا قوات الظلمة وجنود الشر لابسين أسلحة البر (ص ٦: ١٠ – ١٧). وطلب أن يصلوا من أجله (ص ٦: ٢١ و٢٢) والوداع والبركة (ص ٦: ٢٣ و٢٤).

التالي
زر الذهاب إلى الأعلى