أفسس

الرسالة إلى أفسس | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى أفسس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

سلام الرسول على كنيسة أفسس ع ١ و٢ والشكر لله على بركاته الروحية في المسيح وهي اختيار الآب وفداء الابن والاتحاد به وختم الروح القدس الذي هو عربون الميراث التام (ع ٣ – ١٤) وصلاة من أجل الأفسسيين لكي ينموا في معرفة عظمة هذه البركات واختبراها (ع ١٥ – ٢٣).

سلام الرسول ع ١ و٢

١، ٢ «١ بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. ٢ نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

٢كورنثوس ١: ١ رومية ١: ٧ و١كورنثوس ٤: ١٧ وص ٦: ٢١ وكولوسي ١: ٢ غلاطية ١: ٣ وتيطس ١: ٤

بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ جاءت لفظة رسول في الإنجيل لثلاثة معان:

الأول: مرسل مطلق كما في قوله تعالى «ليس رسول أعظم من مرسله» (يوحنا ١٣: ١٦). وكقول الرسول في تيطس والأخ الذي معه إنهما «رسولا الكنائس» (٢كورنثوس ٨: ٢٣). وقوله في أبفروديتس إنه «رسولكم والخادم لحاجتي» (فيلبي ٢: ٢٥).

الثاني: مرسل للتبشير من قبل الكنيسة وبهذا المعنى سمي بولس وبرنابا «رسولين» في سفر الأعمال (أعمال ١٤: ٤ و١٤) وكذا أندرونيكوس ويونياس (رومية ١٦: ١٧).

الثالث: مرسل خاص مختار لكي يكون شاهد عين للمسيح بعد قيامته وعرف الإنجيل من المسيح نفسه ومثل ذلك كان الاثنا عشر رسولاً وبولس أيضاً (يوحنا ١٥: ٢٦ وأعمال ١: ٢٢ و٢: ٣٢ و٣: ١٥ و١٣: ٢١ و٢٦: ١٦ و١كورنثوس ٩: ١ وغلاطية ١: ١٢). ولم يكن الرسل معينين لسياسة وتعليم كنيسة واحدة بل شملت سلطتهم كل الكنائس. وألهمهم الله بروحه حتى عصمهم في تبليغ الحق وتنظيم الكنيسة وسياستها وثبت سلطتها بمعجزات ومواهب خارقة العادة. وقال إنه «رسول يسوع المسيح» لأن المسيح أرسله ووهب له السلطان الرسولي ولأن موضوع مناداته يسوع المسيح.

بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ أي إنه بنعمة الله دُعي رسولاً وإنه أخذ سلطته الرسولية منه تعالى رأساً على وفق قوله «بُولُسُ، رَسُولٌ لاَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱللّٰهِ» (غلاطية ١: ١).

إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ فِي أَفَسُسَ وصف الإسرائيليون في العهد القديم «بالقديسين» لأنهم انفصلوا عن سائر الأمم وكانوا وقفاً لله. وسمي المؤمنون في العهد الجديد «قديسين» لأنهم بواسطة إيمانهم بالمسيح «تصالحوا مع الله» وتقدسوا باطناً بالروح القدس فوق كونهم وقفاً له تعالى. فيحق أن يوصف بالقديسين المؤمنون الذين تطهروا بدم المسيح وتجددوا بالروح القدس واعتزلوا العالم ووقفوا أنفسهم لله (رومية ١: ٧ و١كورنثوس ١: ٢ وكولوسي ١: ٢). وقصد بولس بالقديسين هنا أعضاء كنيسة أفسس بناء على تسليم أنهم قاموا بكل ما يجب عليهم باعتبار كونهم أعضاء كنيسة. والكلام على أفسس جاء في الفصل الأول من مقدمة هذه الرسالة.

وَٱلْمُؤْمِنِينَ هذا وصف ثان لأعضاء كنيسة أفسس فكل المؤمنين الحقيقيين قديسون وكل القديسين مؤمنون.

فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا متعلق بالمؤمنين والقديسين لأن المسيح موضوع إيمانهم وواسطة تقديسهم.

نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ هذه البركة التي اعتادها بولس الرسول في كل رسائله وجاءت أيضاً في رسالتي بطرس وفي رسالة يوحنا الثانية وفي سفر الرؤيا. و «النعمة» هي رضى الله على من لا يستحقه وهي مصدر كل خير. و «السلام» يشتمل على كل البركات التي تنشأ عن جودة الله.

مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا إن الله أبونا لثلاثة أسباب الأول كونه علة وجودنا والثاني كونه خلقنا على صورته إذ نحن أرواح وهو «أبو الأرواح». والثالث كونه ولدنا ثانية بروحه وجعلنا بالتبني من أهل بيته.

وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ إن المسيح هو الرب المطلق فإنه «يهوه» العهد القديم ذو الملكوت الذي لا حد له وذو الكمال وينبوع كل خير للبرايا ولذلك «لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (١كورنثوس ١٢: ٣) لأنه لا يستطيع أحد ممن لم يعلمهم الروح القدس أن يرى في ناسوته ملء اللاهوت ويعترف بذلك بإخلاص.

الشكر لله على البركات الروحية وهي ثلاث ع ٣ إلى ١٤

الأولى: «الاختيار» وهو أن الله اختارهم في المسيح منذ الأزل للقداسة والتبني وكل ذلك الاختيار مبني على مجرد مشيئته وغايته إظهار مجده ونعمته على خلائقه (ع ٤ – ٦).

الثاني: «الفداء بدم المسيح» (ع ٧ و٨).

الثالثة: «إظهار القصد الإلهي من عمل الفداء» وهي أن يجمع كل شيء في المسيح (ع ٩ و١٠) وبموجب هذا القصد صار متنصرو اليهود ورثة الله (ع ١١ و١٢) وبموجبه صار متنصرو الأمم كذلك وتحقق خلاصهم بقبولهم الروح القدس الذي هو عربون الميراث الآتي (ع ١٣ و١٤).

٣ «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ».

رومية ١٥: ٦ و١كورنثوس ١٥: ٢٤ و٢كورثنوس ١: ٣ و١١: ٣١ و١بطرس ١: ٣ ص ٦: ١٢

مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ نبارك الله حين نحمده ونبارك الناس حين نلتمس البركات لهم فيباركنا الله حين يهب لنا البركات. فالمباركة هنا الشكر والحمد لله على البركات التي نلناها منه بواسطة المسيح.

أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هذا كقول المسيح لتلاميذه «إني أصعد إلى أبي وأبيكم» (يوحنا ٢٠: ١٧). وهذا وصف لله لبيان النسبة الخاصة التي بها نقترب منه لا باعتبار كونه باري البرايا ولا باعتبار اختياره اليهود شعباً له وإدخاله إياهم في عهده بل باعتبار كونه الإله الذي أعلنه المسيح وأبان إنه مصدر الفداء الذي لم يشفق على ابنه بل أرسله إلى العالم ليموت عنا ويصالحنا معه ونقترب منه بكل ثقة. وذلك الإله الذي تصالحنا معه وأعطانا عهد النعمة هو الذي باركنا بكل بركة روحية.

ٱلَّذِي بَارَكَنَا جاء بصيغة الماضي لأنه اعتبر قراء رسالته مفديين وحصلوا على البركات التي اشتراها المسيح لنا.

رُوحِيَّةٍ وصفها بكونه روحية لا لمجرد كونها تختص بالروح البشرية دون الجسد بل لكونها قُبلت من الروح القدس الذي حضوره وتأثيره من أعظم البركات التي وهبها المسيح ومنها المغفرة والسلام والتبني وعربون الروح.

فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ أي أمور ملكوت السماء المختص بالمؤمن أو أماكنه وهي سماوية في نوعها كالبركات التي يتمتع بها أهل السماء تمام التمتع وسنتمتع بها نحن أيضاً. فالمؤمنون يتمتعون بها هنا بعض التمتع باختبارهم وبعضه برجائهم. ونُسبت إلى السماء لأنها تؤهلنا لدخولها «لأن سيرتا في السموات» (فيلبي ٣: ٢٠) ولأن هنالك حبرنا الأعظم الذي دخل الأقداس السماوية ليشفع فينا ويمنحنا البركات (عبرانيين ٦: ٢٠) وهنالك كنوزنا (متّى ٦: ٢٠ و٢١) واهتمامنا (كولوسي ٣: ١ و٢) ورجاؤنا والميراث المحفوظ لأجلنا (١بطرس ١: ٤) ويسوع نفسه الذي مع كونه ارتفع إلى السماء يأتي إلينا بروحه الحال فينا حتى أننا كأننا معه في السماء ونحن على الأرض.

فِي ٱلْمَسِيحِ لكون المؤمنين متحدين بالمسيح يشتركون في تلك البركات. ولا يخفى على القارئ ما في هذه الآية من الإشارة إلى أقانيم اللاهوت الثلاثة إذ قيل فيها أن البركة من الله الآب في المسيح وبالروح.

٤ «كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي ٱلْمَحَبَّةِ».

رومية ٨: ٢٨ و٢تسالونيكي ٢: ١٣ و٢تيموثاوس ١: ٩ ويعقوب ٢: ٥ و١بطرس ١: ٢ و٢: ٩ و١بطرس ١: ٢ و٢٠ لوقا ١: ٧٥ وص ٢: ١٠ و٥: ٢٧ وكولوسي ١: ٢٢ و١تسالونيكي ٤: ٧ وتيطس ٢: ١٢

جمع الرسول في الآية الثالثة كل البركات الروحية التي نلناها من الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس. وأخذ هنا يبين عمل كل أقنوم على حدته.

كَمَا ٱخْتَارَنَا أي وهب لنا البركات السابقة بمقتضى اختياره الأزلي أو باركنا لأنه اختارنا. ومعنى «اختار» خصص البعض دون الآخر بأن يكون موضوع محبته ورحمته وأن يمتاز على غيره بقبول البركات التي قصد أن يمنحها. فالمفديون لم يُختاروا اتفاقاً أو بناء على استحقاقهم بل لمقتضى قصد الله الأزلي وهذا يزيد الاختيار قيمة ويستلزم ثبات القديسين ويوجب عليهم التواضع. و «نا» في قوله «اختارنا» هم المؤمنون يومئذ ومن جملتهم الرسول وأفراد المتنصرين من اليهود والأمم وإذا تصورناهم جملة عبرنا عنهم بكنيسة المسيح غير المنظورة وهي جسده (ع ٢٢ و٢٣).

فِيهِ أي في المسيح باعتبار كونه آدم الثاني النائب الجديد البار عن النسل البشري فاختار الله أن يخلص الناس به لا بغيره. تكلم بولس سابقاً في الاختيار فأبان أنه نشأ عن مجرد مشيئة الله وقصده (رومية ٩: ١١ – ١٨ و١١: ٥ – ١٠). وأعلن هنا كيف قصد الله أن يجري الاختيار وهو أنه لا يكون بدون المسيح ولذلك قصد أن يأخذ طبيعتهم من لحم ودم ويفديهم بذبيحته الكفارية ويقدمها أمام أبيه. ولم يقصد باختياره مجرد الأشخاص المختارة بل الوسائط التي يجري بها الاختيار أيضاً بدليل قوله «حَسَبَ قَصْدِ ٱلدُّهُورِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (ص ٣: ١١). والأمور التي اختارهم لها هي القداسة والتبني والحياة الأبدية. وكوننا مختارين للخلاص بالمسيح يستلزم أنه لا خلاص إلا به.

قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ أي منذ الأزل. وكون ذلك بهذا المعنى يتبين مما يرادفه في الكلام على الاختيار في أماكن أُخر كقوله «منذ تأسيس العالم» (عبرانيين ٤: ٣ وكولوسي ١: ٢٦) و «قبل الأزمنة الأزلية» (٢تيموثاوس ١: ٩ ) و «في الأزمنة الأزلية» (رومية ١٦: ٢٥) و «منذ البدء» (٢تسالونيكي ٢: ١٣). ومن قول المسيح «أحببتني قبل إنشاء العام» (يوحنا ١٧: ٢٤) وقول بطرس الرسول في المسيح «مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (١بطرس ١: ٢٠). ومفاد الآية أن الله قصد أن يخلص الناس حين قصد خلقهم قبل أن يخلق أحداً. وهذا يستلزم عدم تغيير قضائه وتحقيق إجرائه ويبين استقلال الله باختياره المطلق إذ لم يختر المفديين لصلاحهم لأنه اختارهم قبل خلقهم وهذا يعلمنا التواضع أمامه تعالى كما يعلمنا الثقة به. وما في هذه الآية أفضل موضح لحقيقة القضاء الإلهي فقد أبان أن كل ما فعله الله وكل ما يفعله وكل ما سيفعله قصده منذ الأزل فإذا حق لله أن يفعل حق له أن يقصد.

لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ أي إنا لله قصد أن تكون قداسة شعبه نتيجة اختياره إياه ويلزم من ذلك ثلاثة أحكام:

الأول: إن المختارين أفراد لا جماعات لأنه إن لم تكن الأفراد مقدسة انتفت قداسة الجماعة.

الثاني: إن قداسة مختاريه لم تكن علة اختيارهم لأنه لم يخترهم لأنهم قديسون يل ليكونوا قديسين.

الثالث: إن القداسة دليل على الاختيار فالذين لا يقدسون ليسوا بمختارين. والآية موافقة لقوله «ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ» (رومية ٨: ٢٩). وقوله في المسيح أنه «قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ» (عبرانيين ٩: ١٤). وقوله فيه أيضاً «كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ» (١بطرس ١: ١٩). وهذا القول لا يصدق تماماً إلا على المسيح ويصدق على المؤمن على قدر مماثلته لصورة المسيح. وكون المختار بلا عيب ولا دنس هو ما قصد الله حصولهم عليه حين بلوغهم غاية اختيارهم في السماء وهو عين القصد الذي مات المسيح من أجله بدليل قوله «لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (ص ٥: ٢٧). وهذا ينافي زعم بعضهم أنه إن كان الله قد اختارهم فقد خلصوا بلا التفات إلى سيرتهم أو اجتهادهم لأن الله لم يختر أحداً ليعيش في الخطيئة. ولم يقصد الرسول هنا القداسة التي هي نتيجة التبرير بالإيمان التي بها قبلنا الله بناء على بر المسيح بل القداسة التي هي فعل الروح القدس ونتيجة التبرير الأخيرة في الباطن بدليل قوله «إِنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي ٱلْقَدَاسَةِ» (١تسالونيكي ٤: ٧). وقوله «هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ٣).

قُدَّامَهُ أي أمام الله فاحص القلوب والكلى أعني خفايا النفس الذي يدين بالعدل بلا محاباة خلافاً لحكم الناس علينا وحكمنا على أنفسنا (١كورنثوس ٤: ٣ و٤ و١يوحنا ٣: ٢٠ و٢١).

فِي ٱلْمَحَبَّةِ يجوز أن يتعلق هذا بقوله «اختارنا» في أول هذه الآية فيكون المعنى أن محبة الله علة الاختيار وهي نفس علة بذله ابنه من أجلنا بدليل قوله «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ» (يوحنا ٣: ١٦). وكون علة اختياره المحبة يمنع أن يكون فيه شيء من الظلم أو المحاباة. ويجوز أن يتعلق «بقديسين بلا لوم» إشارة إلى كمال القداسة في الذين اختارهم الله بناء على أن المحبة تشمل كل الفضائل في القديسين كما في الله لأنه «محبة» وهذا كقوله «وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ» (ص ٣: ١٨). وقوله «َٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ» (ص ٥: ٢) ولعل الأول هو المراد.

٥ «إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ».

رومية ٨: ٢٩ و٣٠ وع ١١ يوحنا ١: ١٢ ورومية ٨: ١٥ و٢كورنثوس ٦: ١٨ وغلاطية ٤: ٥ و١يوحنا ٣: ١ متّى ١١: ٢٦ ولوقا ١٢: ٣٢ و١كورنثوس ١: ٢١ وع ٩

إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا إن التعيين أول ما عمله الله ليجري اختياره (انظر تفسير رومية ٨: ٢٩). فقد تبين لنا سابقاً أن علة التعيين كعلة الاختيار أي محبة الله. وظهر لنا من هذه الآية إن وساطة المسيح علة إجرائه فعلاً وأن نتيجته التبني فيكون يسوع بكراً بين إخوة كثيرين مشابهين صورته ومفتدين من العبودية (رومية ٨: ٢٩ وغلاطية ٤: ٥) والخلاصة أن الله اختارنا للقداسة لأنه عيننا للتبني. ونستنتج من علاقة التعيين بالتبني أن القداسة شرط ضروري للتبني ويستحيل بدونه.

ويعسر علينا التمييز بين الاختيار والتعيين السابق ولكن ظن بعضهم أنه يُلاحظ في الأول الذين اختير منهم أي جملة الخطأة وفي الثاني الذي اختير له وهو على ما ظهر هنا التبني فالفرق باعتبار متعلق كل منهما.

لِلتَّبَنِّي أي اتخاذ الله المؤمنين أبناء وهو يتضمن ثلاثة أمور:

الأول: مشابهة المتبنين لصورته تعالى.

الثاني: أن يكونوا موضوع حبه الخاص.

الثالث: أن يكونوا ورثة مجده وسعادته فالتبني أعظم شرف يمكن الإنسان نيله وبدون القداسة يستحيل الحصول عليه والتمتع به إن حصل بدونها.

بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هذا على وفق قوله «أَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا ١: ١٢). وقوله «لأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية ٣: ٢٦). إن المسيح هو الوسيط الذي به يصير المؤمنون أبناء فإنه اشترى لهم ذلك الشرف العظيم بموته على الصليب وبذلك صاروا أهل بيت الله السماوي واشتركوا في فوائد تلك النسبة المباركة.

لِنَفْسِهِ أي لله عينه وهذا تفسير التبني وبيان أبناء من يصير المختارون.

حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ هذا أصل الاختيار والتعيين السابق. وهذا مطابق لقول المسيح «نَعَمْ أَيُّهَا ٱلآبُ، لأَنْ هٰكَذَا صَارَتِ ٱلْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ» (متّى ١١: ٢٦). فاختار الذين اختارهم لأنه شاء اختيارهم واستحسنه وكذلك عينهم ليكونوا أبناء له. ولم ينبئنا الله لماذا اختار بعض الخطأة دون غيرهم وعينهم أولاداً له ولا ريب في أنه فعل ذلك لأسباب كافية بمقتضى حكمته على أنه لم يجب عليه أن يختار أحداً إذ لم يستحق أحد أن يكون مختاراً فالاختيار كله من النعمة.

٦ «لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ ٱلَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي ٱلْمَحْبُوبِ».

رومية ٣: ٢٤ و ٥: ١٥ متّى ٣: ١٧ و١٧: ٥ ويوحنا ٣: ٣٥ و١٠: ١٧

لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ هذا بيان غاية الاختيار الأخيرة العظمى وهي مجده تعالى فإنه عيّن المختارين للتبني ليجدوا في شرفهم وسعادتهم سبباً كافياً «لمدح نعمة الله». وهو عيّن السبب الذي أعلنه ليحيا «الذين كانوا أمواتاً بالذنوب والخطايا» (ص ٢: ٢ و٥) كما قيل سابقاً في الدعوة والاختيار (١كورنثوس ١: ٢٧ – ٢٩). والذي يستحق الاعتبار هنا هو أن ما تبين من كون مجد الله غاية الاختيار لا يقتصر أن يكون مسرة لله وحده بل لإظهار الناس والملائكة أيضاً إذ يجدون فيه علة التسبيح والحمد. وما قيل هنا في شأن الاختيار من أنه وسيلة «لمدح مجد نعمته» يمنع من أنه متوقف شيئاً على استحقاق المختارين. ولم يعن الرسول بقوله «لمدح مجد نعمته» مدحه المجيد أو نعمته المجيدة بل عني أن الاختيار يُظهر عظمة النعمة باعتبار كونها صفة إلهية تملأ قلوب جميع الذين يشاهدونها من الملائكة والقديسين عجباً وتشغل ألسنتهم بالحمد لما فيها من البهاء والسمو والجمال واللطف غير المحدود.

والأسباب الحاملة الملائكة والناس على مدح الاختيار كثيرة نقتصر على ذكر أربعة منها:

الأول: إنه موضوع رجاء الساقط الوحيد فإن لم يختره الله بل تركه لنفسه هلك لا محالة.

الثاني: إنه أصل كل البركات التي يتمتع بها أبناء البشر وسيتمتعون بها أبداً ولا نعلم ولا نقدر أن نتصور علة أخرى لذلك.

الثالث: إن غايات الاختيار كلها تحمل على المدح والأمور التي اختار الله الناس لها هي الحياة والمغفرة والقداسة والسعادة والسماء فإن لم يختر سوى واحد من كل البشر فذلك يحمله على المدح ويشاركه فيه الملائكة والقديسون فكم يستحق المدح والمختارون جماهير كثيرة لا يستطيع أحد أن يعدها (رؤيا ٧: ٩).

الرابع: إنه ليس لأحد حق أن يختاره الله للخلاص ولا لأحد حق أن يتذمر على الله إن لم يختره فإن الاختيار لم يضر أحداً من بني البشر لكنه أسعد ربوات كثيرة لولاه كانوا أشقياء إلى الأبد. فلا يتذمروا منه لأنه ليس بعلة هلاكهم إنما علته خطاياهم التي ارتكبوها بإرادتهم ورفضهم المخلص الذي دعاهم إلى الخلاص. والمفديون لا يمدحون مجد الله لمجرد انتفاعهم باختياره إياهم بل لما ظهر بذلك الاختيار من صفاته المجيدة.

ٱلَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا بعمل الفداء وهذا موافق لقوله «اَللّٰهُ ٱلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي ٱلرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا» (ص ٢: ٤). وغرض الرسول بيان أن عمل الفداء من بداءته إلى نهايته بُني على أساس النعمة فإنه كان الاختيار والتعيين للتبني من النعمة وكذلك إظهاره فعلاً بمغفرة الخطايا.

فِي ٱلْمَحْبُوبِ أي في المسيح ابنه الحبيب إكراماً له لأن الله لا يُظهر رحمته للناس إلا لأجل المسيح وبواسطته لأننا بالنظر إلى أنفسنا لا نستحق إلا الغضب فالمتبنون صاروا محبوبين به لكنه هو الابن المحبوب بمعنى خاص (متّى ٣: ١٧ ويوحنا ١: ١٨ و٣: ١٦) لأنه «اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ» (يوحنا ١: ١٨). فالله لم يكن مفتقراً إلى موضوع محبة فاختار المفديين لأنه أحب الابن قبل إنشاء العالم (يوحنا ١٧: ٢٤) وكان هو المحبوب لأنه استحق محبة الآب. وكان المفديون محبوبين بمجرد النعمة وبأن أخذ المسيح طبيعتنا وفدانا فيها وباتحادنا به بالإيمان.

٧ «ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ».

أعمال ٢: ٢٨ ورومية ٣: ٢٤ وكولوسي ١: ١٤ وعبرانيين ٩: ١٢ و١بطرس ١: ١٨ و٢٩ ورؤيا ٥: ٩ رومية ٢: ٤ و٣: ٢٤ و٩: ٢٣ وص ٢: ٧ و٣: ٨ و١٦ وفيلبي ٤: ١٩

أبان الرسول في ما تقدم ما فعله الله الآب لأجل الكنيسة (ع ٣ – ٦) مما أوجب عليهم الشكر له وأخذ يبين في هذه الآية إلى العاشرة نسبة المسيح إلى الكنيسة وما فعله في إجراء القضاء الأزلي مما هو سبب ثان للحمد.

ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ إننا لم نفد أنفسنا فالمسيح هو الذي فدانا. والفداء هو الإنقاذ بلا نظر إلى الواسطة فيمكن أن يكون بالقوة أو الاستحقاق أو الدم والمسيح أنقذنا من غضب الله بل من الخطيئة التي هيجت علينا غضب الله وجرمها وسلطتها وعقابها بدليل قول متّى الإنجيلي «تَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى ١: ٢١). والإنجيل كلما ذكر أن النجاة بالمسيح أشار إلى أن علة ذلك الفداء.

بِدَمِهِ هذا هو الفداء واشارت إليه الذبائح التي قُدمت في النظام الموسوي فإن المسيح هو حمل الله الذي رفع خطيئة العالم بسفك دمه باعتبار كونه ذبيحة كفارية (يوحنا ١: ٢٩ وأعمال ٢٠: ٢٥ و١كورنثوس ٦: ٢٠ ورومية ٣: ٢٥ وكولوسي ١: ٢٠) وهذا إيضاح لقول المسيح «إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى ٢٠: ٢٨).

غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا هذا إحدى نتائج الفداء وهي النتيجة الأولى الجوهرية لا كل نتائجه وإلى هذا أشار المسيح بقوله «هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا» (متّى ٢٦: ٢٨) وإليه أشار بولس بقوله «إِنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا» (١كورنثوس ٥: ٧). فباعتبار كون المسيح رأسنا ونائبنا قدم لله ذبيحة طاهرة كاملة كافية عن الخطيئة.

حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ الفداء مجاني لكل الذين يقبلونه وفيه إظهار غنى نعمة الله. إن نعمته تعالى أُظهرت بطرق كثيرة ولكنها لم تظهر بطريق من تلك الطرق كما ظهرت بطريق الفداء. وأُضيف الغنى إلى النعمة بياناً لوفرة محبة الله لغير مستحقيها الصادرة عن كنوزه التي لا تحصى ووُهبت لنا بالمسيح.

إنه لا منافاة بين كون كل الفداء بالنعمة وكونه إيفاء تاماً لعدل الله وحقه وقداسته وكل مطاليب الناموس لأن إعداد الكفارة وقبول الله إياها عمل النعمة وكل الذي يقبلون الكفارة لا يستحقون الخلاص بقبولهم إياها فيمنح الله الفداء وفوائده بلا نظر إلى استحقاق الإنسان فالذين اختارهم الله لميراث الفداء هم الضعفاء الجهلاء الأدنياء والمزدرى بهم (١كورنثوس ١: ١٧ و٢٨).

٨ «ٱلَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ».

ٱلَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا لم يقتصر الله على أن يمنحنا بالفداء غنى نعمته بل زاد على ذلك فضيلتين وهما الحكمة والفطنة.

حِكْمَةٍ الحكمة هي قوة إدراك حقيقة قصد الله الذي أعلنه في الإنجيل والفوائد الناتجة عنه وهذا نظير قوله للكولوسيين «لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ» (كولوسي ١: ٩). وهذه الحكمة أسمى أنواع الحكمة وإليها أشار الرسول بكلامه في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (١كورنثوس ١: ١٧ – ٢٥). وسأل الله أن يهبها للأفسسيين في الآية السابعة عشرة. وبهذه الحكمة السماوية يقدر المؤمنون أن يدركوا سر الفداء «ٱلَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو ٱلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ ٱلآنَ لِرُسُلِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِٱلرُّوحِ» (٣: ٥).

فِطْنَةٍ الفطنة هي ما يتمكن صاحبها بها من الشعور باطناً بما يدركه بالحكمة ويفعل ما تقتضيه. والخلاصة أن الله فضلاً عن إظهار نعمته بعمل الفداء يهب لمختاريه القوة على إدراك قصده الحبي والشعور بتأثيره والفرح به والرغبة في الانتفاع به. وهذا ثالث الأسباب للمدح المذكور في هذا الأصحاح وأولها الاختيار والثاني الفداء فالأول عمل الآب والثاني عمل الابن والثالث عمل الروح القدس الذي يخصص بالمؤمنين الفداء الذي صنعه المسيح.

٩ «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ».

رومية ١٦: ٢٥ وص ٣: ٤ و٩ وكولوسي ١: ٢٦ ص ٣: ١١ و٢تيموثاوس ١: ٩

هذه الأية بيان لعلة أن الله أجزل لنا الحكمة والفطنة على ما بُين في الآية الثامنة وهي أن ندرك ما يتكلم عليه في هذه الآية.

عَرَّفَنَا بواسطة إنجيله.

بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ المراد «بالسر» هنا ما يعجز العقل البشري عن الوصول إليه من تلقاء نفسه ويقدر أن يصل إليه بإعلان الله بدليل قوله «نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ… فَأَعْلَنَهُ ٱللّٰهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ» (١كورنثوس ٢: ٧ – ١٠). وقوله «بِسِرِّ ٱلْمَسِيحِ. ٱلَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو ٱلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ ٱلآنَ لِرُسُلِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِٱلرُّوحِ» (ص ٣: ٤ و٥). وقوله «ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ وَمُنْذُ ٱلأَجْيَالِ، لٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ» (كولوسي ١: ٢٦). والمراد «بسر مشيئته» قصد الله أن يفدي شعبه بهذا القصد أخفاه في العصور الماضية ولكنه أعلنه الآن بنعمته.

ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ أي بدون مشورة أحد و «التي» الخ نعت «مسرته» ونعتها بذلك بياناً لغاية مشيئته وهي قصد الفداء.

١٠ «لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، فِي ذَاكَ».

غلاطية ٤: ٤ وعبرانيين ١: ٢ و٩: ١٠ و١بطرس ١: ٢٠ و١كورنثوس ٣: ٢٢ و٢٣ و١١: ٣ وص ٢: ١٥ و٣: ١٥ وفيلبي ٢: ٩ و١٠ وكولوسي ١: ٢٠

عرفنا من الآية التاسعة أن سر المشيئة الإلهية هو قصد الله فداء الخطاة الذي كتمه قبلاً ولكنه أعلنه الآن وفي هذه الآية تفصيل ما تضمنه ذلك القصد وهو أن يجمع كل المفديين جسداً واحداً بالمسيح.

لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ اللام للتعليل وهي متعلقة بقصد والتدبير جزء من المقصود وفي هذا بيان أن الله رتب «الأزمنة والأوقات الت يجعلها في سلطانه» إجراء لمقصوده الآتي. فالمدبر الأصلي هو الله ثم الابن والروح القدس. والفرق بين قوله هنا «ملء الأمنة» وقوله في الرسالة إلى غلاطية ٤: ٤) «ملء الزمان» إن ملء الزمان واحد معيّن عينه الله لمجيء المسيح إلى العالم وأن ملء الأزمنة أوقات كثيرة متوالية تحدث فيها حوادث تؤول إلى إتمام القصد وبعض هذه الحوادث أتى وبعضها سيأتي. وأول تلك الأزمنة التي أُعلن فيها سر الفداء الغاية المقصودة هو زمان مجيء المسيح متجسداً بدليل قوله «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١تيموثاوس ٣: ١٦). والثاني هو الذي أبان المسيح فيه انه اتحد بالمؤمنين اتحاداً كاملاً حصلوا به على المغفرة والتبرير والتقديس والفداء بدليل قوله «إِنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ… هٰذَا ٱلسِّرُّ عَظِيمٌ، وَلٰكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ ٱلْمَسِيحِ وَٱلْكَنِيسَةِ» (ص ٥: ٣٠ و٣٢) وقوله «ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا» (ع ٧). والزمان الثالث هو وقت دعوة الأمم وهذه الدعوة سميت سراً أيضاً بدليل قوله «سِرِّ ٱلْمَسِيحِ… أَنَّ ٱلأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي ٱلْمِيرَاثِ وَٱلْجَسَدِ الخ» (ص ٣: ٤ و٦). وقوله في تفسير «سر التقوى» «كرز به بين الأمم» (١تيموثاوس ٣: ١٦). وآخر هذه الآزمنة وأعظمها وقت القيامة العامة التي أشار إليها بولس بقوله «هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلٰكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ ٱلْبُوقِ ٱلأََخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ ٱلأََمْوَاتُ» (١كورنثوس ١٥: ٥١ و٥٢). وقوله «ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأََمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ ٱلأََحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ» (١تسالونيكي ٤: ١٦ و١٧). فإذاً عظيم سر الفداء وإعلانه بكل متعلقات مجراه وإتمامه بمقتضى «تدبير ملء الأزمنة».

لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ الخ لعل أعظم غايات بولس في هذه الرسالة الكلام على جمع كل الأشياء في المسيح الذي صرّح هنا بأنه أحد مقاصد الله وإعلانه بعد أن كتم عليهم عصوراً. ولا نعلم معنى كل شيء في السموات والأرض الذي قصد الله جمعه في المسيح إلا بمراعات القرينة وحقيقة الجمع المقصود.

والقرينة تدل على أن الجميع هنا نتيجة الفداء لأن الرسول شكر الله أولاً على اختياره شعبه ثم على فدائهم الذي يستلزم جمع المفديين وهذا الجمع هو ما قصد الله أن يكون في المسيح بدليل قوله «ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وعلى الأرض». وهذا لا يصدق إلا على المؤمنين من الناس وهم أعضاء جسده ولا يصدق على الملائكة أبراراً أو أشراراً. والجمع يتم باعتبار كون المسيح رأس المجموع ونعلم أنه رأس الكنيسة التي هي جسده وهو ليس رأس الخليقة المنظورة ولا رأس الملائكة بالمعنى المقصود هنا فالفداء في الآية فداء الكنيسة. ويتضح أن هذا هو معنى الآية بمقابلتها بما قيل في الموضوع نفسه بموضع آخر وهو ما نصه «لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ ٱلْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأََرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (كولوسي ١: ١٩ و٢٠). ويظهر من هذا أن الجمع هنا سبقه الانفصال وأن واسطة المصالحة دم الصليب فإذاً المجموعون هم شعب الله المفديون من الناس وهم جسد واحد المسيح رأسه وبعضهم الآن في السماء وبعضهم على الأرض وسوف يجمعون في واحد ويكونون رعية واحدة لراع واحد. وهذا على سنن قوله «مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَعَلَى ٱلأََرْضِ» (أفسس ٣: ١٥ قابل هذا بما في كولوسي ١: ١٦ – ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ٢٤ و٢٨ ورومية ٦: ٣ – ١٠ وكولوسي ٣: ١ – ٣).

كون الجمع هنا مقصوراً على المؤمنين لا ينافي ما قيل في أماكن أُخر أن كل الخليقة المادية تشترك في فوائد الفداء ومن ذلك قوله «ٱلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ ٱلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ ٱللّٰهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى ٱلآنَ» (رومية ٨: ٢١ – ٢٣). وقول بطرس «لٰكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ» (٢بطرس ٣: ١٣) لا ينافي كون الملائكة يشاركون المفديين في تقديم الحمد للمسيح باعتبار كونه ملك الفريقين (رؤيا ٥: ٩ – ١٢). و «ذاك» في الآية إشارة إلى المسيح جيء به للتوكيد وزيادة الإيضاح.

١١ « ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ».

أعمال ٢٠: ٣٢ و٢٦: ١٨ ورومية ٨: ١٧ وكولوسي ١: ١٢ و٣: ٢٤ وتيطس ٣: ٧ ويعقوب ٢: ٥ و١بطرس ١: ٤ ع ٥ إشعياء ٤٦: ١٠ و١١

هذه الآية أيضاً تفصيل إجراؤه المذكور في الآية التاسعة.

ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً «أيضاً» يتعلق «بنلنا» ويبين أنه فضلاً عما حصلنا عليه من الاختيار والتبني ومعرفة الفداء والشركة في فوائده وبركاته حصلنا على الميراث العظيم. و «نا» في «نلنا» ضمير المؤمنين من اليهود والأمم والنصيب المذكور هنا هو ما وصفه الرسول بقوله «مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ» (كولوسي ١: ١٢). فكما أن الإسرائيليين قديماً نالوا نصيباً في أرض الميعاد كذلك المؤمنون بالمسيح ينالون نصيباً في الملكوت السماوي الذي اشتراه المسيح لهم ويُسمى «بعربون الميراث المقتنى» (ع ١٤). وهذا موافق لقوله «فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً، وَرَثَةُ ٱللّٰهِ وَوَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (رومية ٨: ١٧). وهو ما أشار إليه بطرس بقوله «وَلَدَنَا ثَانِيَةً… لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (١بطرس ١: ٣ و٤). وبناء على نيل الأفسسيين هذا الميراث صلى بولس من أجلهم ليعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين (ع ١٨). وقال «نلنا» بدلاً من قوله سننال لتيقنه وقوع النيل ولكون الميراث محفوظاً لهم في السماء كما جاء في ما نقلناه عن بطرس (١بطرس ١: ٤).

مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ ٱلَّذِي كأن الرسول بعدما ذكر النصيب المجيد الذي ناله المؤمنون سئل بمَ نالوا ذلك فكان جوابه أنهم نالوه بقصد الله وعمله لا بالاتفاق ولا بمقتضى استحقاقهم واجتهادهم لأن كل ما حدث قصد الله أنه يحدث وكل واقع نتيجة مجرد عمله. قال سابقاً أن علة تعيين الله إياهم للتبني مشيئته تعالى وزاد على ذلك هنا أن ذلك يصدق على تعيينهم لنيل النصيب المذكور.

يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ أبان بذلك أن ما يصدق على المؤمنين من جهة تعيينهم سابقاً وإجرائه فعلاً يصدق على كل الحوادث المتعلقة بخلاص شعبه أي أن قصده تعالى يشمل كل الأمور ويده تعتني بكل شيء وتجربه. والمراد من ذلك أن الله يسوس كل شيء بمقتضى طبيعته حتى لا يخالف سنن الطبيعة التي هو رتبها ولا ينزع حرية خلائقه العاقلة ولا مسؤوليتهم. ومعنى «رأي مشيئته» الرأي الذي يكون بمجرد مشيئته بلا أدنى تأثير خارجي. وفي هذا بيان أن ما يشاؤه الله إنما يشاؤه بحكمته ويؤيده قوله «بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ» (أعمال ٢: ٢٣).

١٢ «لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ ٱلَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي ٱلْمَسِيحِ».

ع ٦ و١٤ و٢تسالونيكي ٢: ١٣ يعقوب ١: ١٨

في هذه الآية والتي تليها أبان الرسول من هم مختارو الله المعينون سابقاً للتبني ولنيل الميراث فصرّح أنهم مؤمنو اليهود أولاً ثم مؤمنو الأمم.

لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ أي لنكون واسطة لحمد جلاله وصرّح هنا كما صرّح في الآية السادسة بأن غاية الفداء وكل متعلقاته مجده تعالى.

نَحْنُ ٱلَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي ٱلْمَسِيحِ منذ القدَم أو قبل مجيئه إلى العالم أو قبل إيمان المذكورين في الآية الثالثة عشرة. والذين سبق رجاءهم هم اليهود الذين آمنوا بالمسيح الموعود به قبل الأمم. ولم يقصدهم هنا باعتبار كونهم أمة بل باعتبارهم أفراداً مؤمنين فهم تعلموا من رموز العهد القديم ونبوءاته أن يتوقعوا مجيء «رجاء إسرائيل» (أعمال ٢٨: ٢٠) و «تعزية إسرائيل» (لوقا ٢: ٢٥) ولذلك كانوا يوم الخمسين باكورة المخلّصين.

١٣ «ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ ٱلْمَوْعِدِ ٱلْقُدُّوسِ».

يوحنا ١: ١٧ و٢كورنثوس ٦: ٧ و٢كورنثوس ١: ٢٢ وص ٤: ٣٠

أَنْتُمْ أيها المؤمنون من الأمم نلتم نصيباً فضلاً عن اليهود الذين سبقوكم إلى الإيمان بالمسيح (ع ١١). ولم يرد متنصري أفسس فقط بل متنصري الأمم في كل موضع.

إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ هذا بيان الواسطة التي بها حصل الأمم على مشاركة اليهود في هذا الميراث. إنهم لم يتعلموا أمور المسيح بالرموز والنبوءات كاليهود بل تعلموا ذلك ممن بشروهم بالإنجيل. وسمي الإنجيل «كلمة الحق» لأن كل ما يتضمنه من التعليم حق مساوي وليس فيه شيء من التقاليد اليهودية أو الفلسفة اليونانية. وقد أبان يعقوب أنه «آلة الولادة الجديدة» (يعقوب ١: ١٨). وعبر بولس عنه «بكلمة حق الإنجيل» (كولوسي ١: ٥) وشهد له المسيح بقوله «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا ١٧: ١٧).

إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ هذا بيان لنوع الحق الذي بشر به لا الحق العام فهو الحق الخلاصي الذي أتاهم بالخلاص وهو ما دعاه في موضع آخر «قوة الله للخلاص» (رومية ١: ١٦). وسمي أيضاً «بشارة نعمة الله» و «إنجيل السلام» (ص ٦: ١٥) و «بشارة الملكوت» (متّى ٩: ٣٥) و «إنجيل يسوع المسيح» (مرقس ١: ١). وكلمة الحق هذه التي أتت بنبإ الخلاص العظيم سامعيها في عصر بولس وجعلتهم شركاء الميراث السماوي لا تزال واسطة خلاص النفوس إلى اليوم.

فِيهِ أَيْضاً أي في المسيح فإنهم باتحادهم به نالوا النصيب وبذلك خُتموا أيضاً.

إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ أي حين إيمانكم أو على أثر إيمانكم. وهذا يفيد أن مجرد سمعهم كلمة الحق ليس بعلة ختمهم بل علته الإيمان الناتج عن السمع. وهنا ثلاثة أمور يتعلق كل منها بالآخر وهي السمع والإيمان والختم. ويستعمل الختم لثلاث غايات الأولى إثبات صحة الأمر والثانية بيان أن المختوم لمن اسمه على الختم والثالثة حفظ الشيء على ما هو عليه. ويغلب وضع الختم على الصكوك والأبواب ولكنه وُضع هنا على الأنفس. والمؤمنون خُتموا لكل من الغايات الثلاث فتحققوا به أنهم أولاد الله إذ «عندهم الشهادة في أنفسهم» (١يوحنا ٥: ١٠ انظر أيضاً رومية ٨: ١٦ و٥: ٥). وأن الله وسمهم بأنهم له (رؤيا ٧: ٣) وأكد وقايتهم من الخطر ونيلهم الخلاص بدليل قوله «ٱلَّذِي بِهِ (أي بالروح القدس) خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ» (ص ٤: ٣٠). وقوله «الذي ختمنا أيضاً» (٢كورنثوس ١: ٢٢). وأخص ما قصد «بالختم» هنا الغاية الأولى أي تحقق المؤمن خلاصه على وفق قوله «بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ رُوحَ ٱبْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ» (غلاطية ٤: ٦).

بِرُوحِ ٱلْمَوْعِدِ ٱلْقُدُّوسِ أي الروح القدس. وهذا مثل قوله «وأعطى عربون الروح في قلوبنا» (٢كورنثوس ١: ٢٢). وقول يوحنا «بِهٰذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي أَعْطَانَا» (١يوحنا ٣: ٢٤). ونعت الروح بالقدوس لأن عمله الخاص إنشاء القداسة في قلوب المؤمنين. وسمي «روح الموعد» لأنه وعد به وجاء على وفق الموعد. وكثرت المواعيد في أسفار الأنبياء «إن المسيح متى جاء يسكب روحه على كل بشر» ومنها (إرميا ٣١: ٣١ – ٣٤ ويوئيل ٢: ٢٨ – ٣٠). فالمسيح حين كان على الأرض في الجسد وعد تلاميذه بأنه يرسل إليهم معزياً آخر روح الحق الذي يمكث معهم إلى الأبد (١يوحنا ١٤: ١٦ و١٧ و١٥: ٢٦ و١٦: ٧ و١٣). وأمرهم بعد قيامته «أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ ٱلآبِ» (أعمال ١: ٤). وقال الرسول إن «اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا… لِنَنَالَ بِٱلإِيمَانِ مَوْعِدَ ٱلرُّوحِ» (غلاطية ٣: ١٣ و١٤). والمسيح حصل لشعبه هبة عظيمة هي سكنى الروح القدس فيهم بغية إنارتهم وتقديسهم وتعزيتهم وحياتهم الأبدية.

إن المؤمنين بالمسيح لا يحصلون اليوم على علامات ختم الروح الخارجية لكنهم يشعرون بتأثيره فيهم فيظهر ذلك الختم في سيرتهم المقدسة وأعمالهم النافعة (انظر تفسير ٢كورنثوس ١: ٢٢).

١٤ «ٱلَّذِي هُوَ عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ ٱلْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ».

٢كورنثوس ١: ٢٢ و٥: ٥ لوقا ٢١: ٢٨ وأعمال ٢٠: ٢٨ ورومية ٨: ٢٣ وص ٤: ٣٠ ع ٦ و١٢ و١بطرس ٢: ٩

عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا انظر تفسير (٢كورنثوس ١: ٢٢). العربون جزء من الثمن يُنقد سلفاً إثباتاً لتأدية ما بقي. فإننا أخذنا في هذه الحياة بعض النصيب المذكور فإن الجزء الأعظم منه محفوظ لنا في الملكوت السماوي والروح القدس عربون ذلك. وجاء مثل هذا القول في موضعين آخرين وهما (٢كورنثوس ١: ٢٢ و٥: ٥). وتأثيرات الروح التي للمؤمنين هنا تشبه التي سيتمتعون بها في السماء نوعاً ولكنها تخالفها مقداراً بأنها أقل منها جداً وهي تحقق السعادة التامة في المستقبل كما تحقق باكورة الحصاد باقيهُ. ومن تلك التأثيرات تجديد قلوبنا وتقديسها وتعزيتنا في الضيقات وانتشالنا من التجارب وتقويتنا على العمل. وواضح أن الله في هبته لنا الروح أظهر غاية النعمة والرحمة والمحبة.

لِفِدَاءِ لم يظهر أبالعربون متعلق هذا أم بالختم في الآية السابقة والأرجح الثاني ويؤيد ذلك قوله «َلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ ٱلَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ» (ص ٤: ٣٠). والفداء هنا النتيجة الأخيرة الكاملة من نتائج عمل المسيح للخلاص فيتضمن تمام نجاة المؤمن وتمام التمتع برضى الله والحياة الأبدية وبدء الحصول عليه عند مجيء المسيح ثانية كما في (لوقا ٢١: ١٨ ورومية ٨: ٢٣ وأفسس ٤: ٣٠).

ٱلْمُقْتَنَى هو شعب الله الخاص وهذا لقب إسرائيل قديماً بدليل قوله تعالى «فَٱلآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ… وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً» (خروج ١٩: ٥ و ٦). وقول موسى «أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ ٱخْتَارَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْباً أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ» (تثنية ٧: ٦ انظر أيضاً تثنية ١٤: ٢ و٢٦: ١٨ ومزمور ١٣٤: ٤ وإشعياء ٤٣: ٢١). ومثله ثابت للمؤمنين بالمسيح الذين هم إسرائيل الحقيقي بدليل قول الرسول «أَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ» (١بطرس ٢: ٩). والنبوءة عنهم ونصها «وَيَكُونُونَ لِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً» (ملاخي ٣: ١٧). وهذا على وفق قول الرسول «كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال ٢٠: ٢٨). وقوله «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً» (تيطس ٢: ١٤).

لِمَدْحِ مَجْدِهِ (كما جاء في الكلام على الاختيار ع ٦: ١٢) أي لكي يحمد مجد الآب كل خلائقه الأبرار في السماء وعلى الأرض. وأعظم مجد الله أنه فدى كنيسته تمام الفداء الذي الروح القدس عربونه.

الشكر لله على ما وهبه للكنيسة والصلاة من أجلها ع ١٥ إلى ٢٣

شكر الرسول الله على إيمان الأفسسيين ومحبتهم وهو يحقق لهم أنه لا يفتر عن الصلاة من أجلهم (ع ١٥ و١٦). وسأله تعالى أن يعلن لهم حقيقة دعوتهم وميراثهم ومجده وأن يبين لهم قدرته نحوهم (ع ١٧ – ١٩) التي أظهرها بقيامتهم الروحية كما أظهرها بقيامة المسيح الجسدية وارتفاعه وتمجيده (ع ٢٠ و٢١) وأبان أن كل ذلك يؤول إلى فداء الكنيسة التي هي جسده (ع ٢٢ و٢٣).

١٥ «لِذٰلِكَ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

كولوسي ١: ٤ وفليمون ٥

لِذٰلِكَ أي بناء على كل ما أظهره الله من نعمته التي أشار إليها في الفصل السابق ولا سيما المذكور في (ع ١٣) منه.

أَنَا أَيْضاً فضلاً عن غيري من المؤمنين وعنكم أنتم خاصة الذين عليكم أن تشكروا الله أكثر من سواكم لما قبلتم من تلك النعمة.

إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ أسس بولس كنيسة أفسس وخدم الإنجيل وقتاً طويلاً في تلك المدينة فعجب بعضهم من قوله «سمعت بإيمانكم» كأن لم يكن قد عرفهم معرفة شخصية وهذا حملهم على الظن أن هذه الرسالة كُتبت إلى كل كنائس آسيا المجاورة لأفسس لا إلى كنيسة أفسس وحدها. والواقع أن بولس غاب عنهم نحو خمس سنين ثم كتب هذه الرسالة فيحتمل أن إيمانهم زاد في تلك المدة أو نقص فكان يرغب كثيراً في أن يسمع ما يتعلق بذلك ومن الطبع أن يفرح بنبإ بقائهم على الإيمان. ولعله لم يتيسر له أن يعرف أحوالهم منذ اجتماعه بقسوس الكنيسة في ميليتس (أعمال ص ٢٠) إلى وقت كتابة هذه الرسالة ولو قال «سمعت نبأ اهتدائكم إلى المسيح» لكان قوله سبيلاً إلى هذا الظن.

وذكر إيمانهم ومحبتهم دون غيرهما من الفضائل المسيحية لبيان أن الإيمان بالمسيح والمحبة للإخوة من الفضائل الأولى. والمراد «بإيمانهم بالرب يسوع» اتكالهم عليه للخلاص. وإضافة لفظة «الرب» إلى «يسوع» باعتبار كونه موضوع الإيمان والمحبة من جملة الأدلة على لاهوته لأنه يستحيل أن يكون علة ثقة النفوس الخالدة ما لم يكن الإله الحق والحياة الأبدية.

نَحْوَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا من متعلقات قوله «محبتكم» وأراد «بالقديسين» المؤمنين المطهرين بدم المسيح مفروزين من العالم وموقوفين لله وتلك المحبة مبنية على نسبتهم إلى الله نسبة الأولاد إلى الآب ولذلك شملتهم جميعاً بدون نظر إلى مقامهم أو غناهم ومواهبهم.

١٦ «لاَ أَزَالُ شَاكِراً لأَجْلِكُمْ، ذَاكِراً إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي».

رومية ١: ٩ وفيلبي ١: ٣ و٤ وكولوسي ١: ٣ و١تسالونيكي ١: ٢ و٢تسالونيكي ١: ٣

هذه الآية تفيد أمرين الأول الشكر لله على ما وهبهم والثاني الصلاة من أجلهم. ويجب دائماً أن تضاف إلى الشكر الطلبات ما دام الناس في هذا العالم لأننا لا ندرك الكمال هنا حتى نستغني عن الطلب.

١٧ «كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلٰهُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلْمَجْدِ، رُوحَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ».

يوحنا ٢٠: ١٧ وع ٣ كولوسي ١: ٩ و٢: ٢

إن صلاة الرسول شغلت سائر هذا الأصحاح.

كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلٰهُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ الذي خاطبه الرسول في الصلاة خاطبه بالنظر إلى أنه هو الإله الذي أتى المسيح ليعمل مشيئته وأرسل المسيح وذهب المسيح إليه. وقال المسيح في نفسه ما قيل فيه بهذه الصلاة «إِنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلٰكِنِ ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَـهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلٰهِي وَإِلٰهِكُمْ» (يوحنا ٢٠: ١٧). وقال في صلاته على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني» (متّى ٢٧: ٤٦) وجاء مثل هذا في الآية الثالثة من هذا الأصحاح. ولعل الرسول قال ما قاله هنا مقدمة لما في (ع ٢٠) من الكلام على أن الله رفع المسيح ليكون رأساً للكنيسة وعلى قدر مماثلتنا للمسيح يكون إلهه «ٱللّٰهَ هٰذَا هُوَ إِلٰهُنَا إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأََبَدِ» (مزمور ٤٨: ١٤).

أَبُو ٱلْمَجْدِ أي ذو المجد الحق السامي الذي لم يُعلن إلا بالمسيح الابن الوحيد من الآب (يوحنا ١: ١٤) وذلك المجد هو الذي يراه القديسون في وجه يسوع المسيح (٢كورنثوس ٤: ٦). وأخص مطاليب هذه الصلاة من أجل الأفسسيين ثلاثة:

الأول: أن يعرفوا الحقائق الإلهية معرفة كاملة.

الثاني: أن يتحققوا قيمة سعادة القديسين المستقبلة.

الثالث: أن يشعروا بعظمة ما حدث لهم يوم تجددوا.

كَيْ يُعْطِيَكُمْ هذا بداءة المطلوب الأول وهو إنارتهم الروحية بالحق الإلهي.

رُوحَ ٱلْحِكْمَةِ أي الروح القدس الساكن في قلوبهم الذي يعلمهم تلك الحكمة وفيه تمامها وهو مصدرها لطالبيها وسمي «روح الحق» (يوحنا ١٥: ٢٦). وأطال الرسول الكلام على هذه الحكمة في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس وقال «إنها ليست من هذا العالم» وإنها هي الحكمة المخفاة التي يعلنها الروح ويعلمنا إياها في الإنجيل.

وَٱلإِعْلاَنِ أي الشعور باطناً بحقيقة الأمور السماوية وصلاحها وتأثيرها في القلوب فليس المراد بهذا الإعلان ما يقدرهم على كشف أمور المستقبل بل الذي يحتاج إليه كل مؤمن ويجب أن يطلبه بالصلاة. ووعد المسيح تلاميذه به بقوله «يكون الجميع متعلمين من الله» (يوحنا ٦: ٤٥).

فِي مَعْرِفَتِهِ أي معرفة الله وهذه المعرفة اختبارية كمعرفة الخطيئة بواسطة الناموس على ما في قوله «لأَنَّ بِٱلنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ ٱلْخَطِيَّةِ» (رومية ٣: ٢٠) وأشار المسيح إلى تلك المعرفة بقوله «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ الخ» (يوحنا ١٧: ٣) ولا يحصل الأفسسيون عليها إلا بروح الحكمة والإعلان. ولا ريب في أنهم قد نالوا بعض المعرفة بالله وحقه لكن الذي رغب الرسول فيه لهم النمو فيها إلى التمام.

١٨ «مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ».

أعمال ٢٦: ١٨ ص ٢: ١٢ و٤: ٤ ع ١١

الجزء الأول من هذه الآية تفسير للآية السادسة عشرة ونتيجة ما فيها.

مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ إن العقل يحصل على معرفة العالم المادي بعيون الأجساد فاستعيرت هنا للأذهان كأن للأذهان عيوناً ترى بها الحقائق الروحية الأدبية وأشار إليها المسيح بقوله «وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظَلاَماً فَٱلظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ» (متّى ٦: ٢٣).

إن جزءاً عظيماً مما نستفيده من الدين هو الإنارة الروحية لأن الخطيئة غشيت الأذهان فأظلمت والشيطان أعمى البصائر ولذلك قال المسيح لشاول حين أرسله إلى الأمم إنما أرسله «لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ» (أعمال ٢٦: ١٨).

لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، أي دعوة الله إياهم. إن الله يدعو الإنسان بإنجيله وروحه إلى العمل وحمل الصليب. ويدعوه فوق ذلك إلى الرجاء بواسطة المواعيد التي يعده بها. وكون الدعوة من الله يجعل الرجاء المتعلق بها ثابتاً. فإنه من بركات المؤمن العظيمة أن يدرك كما ينبغي الرجاء الموضوع أمامه في الإنجيل. وهذه البركة هي المطلوب الثاني مما طلبه الرسول لمؤمني أفسس بالصلاة.

وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ وهذا جزء من المطلوب الثاني. والميراث هو الحياة الأبدية ويرثها المؤمن لكونه متحداً بالمسيح وشريكاً له في الميراث الذي استحقه باعتبار كونه ابن الله الحبيب. وأشار إلى عظمة هذا الميراث ووفرته وجودته بإضافته إليه غنى المجد. فهذا لم يكن عظيماً لمجرد كونه إلهياً بل لكونه مجيداً في ذاته أيضاً ولأن مجده يفوق الوصف.

فِي ٱلْقِدِّيسِينَ أي أنه الميراث الذي يتمتع به جميع القديسين وهذا على وفق قوله «أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لِلّٰهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، ٱلْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثاً مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال ٢٠: ٣٢ انظر أيضاً أعمال ٢٧: ١٨ وكولوسي ١: ١٢). إن الأمم كانوا أجنبيين وغرباء لكنهم صاروا بالنعمة رعية مع القديسين وأهل بيت الله. ودليل عظمة ميراثهم أنه معد للقديسين شعب الله الخاص. ويزيد سعادة المؤمنين أنهم يجتمعون مع جمهور القديسين في السماء وهنالك ينالون ميراثهم.

١٩ «وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ».

ص ٣: ٧ وكولوسي ١: ٢٩ و٢: ١٢

ذكر الرسول في هذه الآية المطلوب الثالث مما رغب فيه لمؤمني أفسس وسأل الله أن يعلمهم إياه وهو الشعور بعظمة التغيير الذي أنشأه الله فيهم حين تجددوا وهو ليس بإصلاح أدبي ناتج عن صحة عقولهم واستعمالها عزموا عليه لكونه واجباً عليهم ونافعاً لهم بل هو تغيير علته قوة الله غير المتناهية.

مَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا أي أن ذلك التغيير الذي سمي أحياناً «ولادة جديدة» وأحياناً «خليقة جديدة» وسمي في الآية التالية «قيامة من الموت» لا يقدر عليه إلا الله العظيم القدرة ورغب الرسول في أنهم يتحققون القوة التي استعملها الله ليغيرهم ليكونوا متواضعين بالنظر إلى حال شقائهم وعجزهم التي انتشلهم الله منها ويتحققوا أنهم غير قادرين أن يغيروا أنفسهم وأن ذلك التغيير دائم فإنه لا قوة الخطيئة التي فيهم ولا قوة الشيطان تستطيع أن تبطله ويشكروا الله على نعمته باستعمال تلك القوة لهم.

نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أشار بذلك إلى من يستعمل الله قوته نحوهم.

حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ وصف الرسول بهذه الكلمات القوة التي استعملها الله في تجديد أنفس المؤمنين تمهيداً لمقابلتها بالقوة التي استعملها الله في إقامة يسوع من الأموات. ووصف قوة الله بما ذُكر لأنها تفوق قوة كل مخلوق لأنه يستحيل أن يقيم المخلوق موتى الأجساد أو موتى الأرواح أو أن يُحيي النفوس المائتة بالآثام والخطايا. وعلق بعضهم هذه العبارة بالمؤمنين فكان المعنى أنهم مؤمنون حسب شدة قوته والمعنى على الوجهين حسن.

٢٠ «ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ».

أعمال ٢: ٢٤ و٢٣ مزمور ١١٠: ١ وأعمال ٧: ٥٥ و٥٦ وكولوسي ٣: ١ وعبرانيين ١: ٣ و١٠: ١٢

ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ في هذا أمران الأول أن القوة التي أقامت المؤمن من الموت الروحي تشبه القوة التي أقامت المسيح من الموت. والثاني أن قيامة المسيح علة قيامة شعبه الروحية فضلاً عن كونها مثلها. وقد سبق إيضاح كون ذلك شبيهاً وعلة في رسالة رومية (رومية ٦: ١ – ١٠). فارجع إلى التفسير هناك. وعلينا أن ننظر في قيامة المسيح فوق عمله الجسدي في قيامة جسده التي هي عربون قيامتنا الجسدية عملاً روحياً به أقام كل الجنس البشري المتحد به من فساد إلى مجد ومن اللعنة والانكسار إلى البركة والانتصار.

وكلما تأملنا في المسيح بالنظر إلى كونه قد قام من الأموات وجلس عن يمين الآب رأينا في ذلك مثال التغيير الذي حدث لنا في حالنا الروحية وعربون أن يتم في المجد العمل الذي ابتدأه في التجديد حين نستيقظ بشبهه (مزمور ١٧: ١٥). وقال «عمله في المسيح» لأن المسيح باكورة الراقدين ورأس الكنيسة التي قامت معه. وكما أنه مات للخطية مرة ثم حيي لله كذلك نحن باعتبار كوننا متحدين به متنا للخطيئة وسنحيا لله (رومية ٦: ١٠ و١١).

وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ يُجلس الملوك عن يمينهم من أرادوا إكرامهم وملكهم معهم فيستحيل أن يستحق أحد من المخلوقات أن يشارك الله في المجد والسلطان ولذلك لم يقل قط لأحد من الملائكة اجلس عن يميني (عبرانيين ١: ٣). ولكن المسيح نال هذا الشرف العظيم والسلطة السامية والسعادة الكاملة بدليل ما جاء في بشارة متّى (متّى ٢٨: ١٨) ورسالة بطرس الأولى (١بطرس ٣: ٢٢).

ٱلسَّمَاوِيَّاتِ مرّ تفسيرها في (ع ٣). وهي الأماكن السماوية التي يظهر الله مجده فيها. وفيه جسد المسيح الذي أقيم ومجد والملائكة وسائر القديسين. ولم يأخذ المسيح هذا الارتفاع لنفسه فقط بل للذين اتحدوا به بالإيمان أيضاً وهم أعضاء جسده أي كنيسته التي هو رأسها وإلى ذلك أشار المسيح في صلاته الوداعية بقوله «مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبْنُكَ أَيْضاً، إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ» (يوحنا ١٧: ١ و٢) وقوله «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي» (يوحنا ١٧: ٢٤).

٢١ «فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً».

فيلبي ٢: ٩ و١٠ وكولوسي ٢: ١٠ وعبرانيين ١: ٤ رومية ٨: ٣٨ وكولوسي ١: ١٦ و٢: ١٥

فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ ما قيل هنا إلى نهاية الأصحاح بيان ارتفاع المسيح وهو كلام معترض أتاه ليحقق للمؤمنين فوائد الفداء التي ينالها المؤمنون باتحادهم بالمسيح. والكلمات المذكورة في العبارة تعم كل ذوي القوة من المخلوقات وغلب استعمالها في الإنجيل كالملائكة (رومية ٨: ٣٨ وكولوسي ١: ١٦ وأفسس ٣: ١٠ و٦: ١٢). ولا نعلم علة استعمالها لها ولعلها الإشارة إلى طبيعتهم السامية ولأن الله يُجري قوّته وسلطته بواسطتهم أو لبيان نسبة بعضهم إلى بعض في الرتبة. ويحتمل أن بولس استعملها نفياً لبعض التعليم الفاسد الذي أدخله الغنوسيون آسيا الصغرى يومذ مثل قولهم «إنه صدر من الجوهر الإلهي بعض الكائنات المتفقة في الحقيقة المختلفة في مقادير اللاهوت».

وَكُلِّ ٱسْمٍ أي كل ذي اسم شريف كملك وأمير وسيّد.

لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً أي في الدنيا والآخرة (متّى ١٢: ٣٢) والمراد أن لا ذا اسم في العالم الحاضر والعالم المستقبل لم يرتفع المسيح عليه. إننا نعلم أن الملك فوق كل أهل بلاطه وإن لم نعلم من هم أهل ذلك البلاط كذلك نعلم أن المسيح فوق الجميع وإن لم نستطع معرفة أسماء خدَمه.

٢٢ «وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ».

مزمور ٨: ٦ ومتّى ٢٨: ١٨ و١كورنثوس ١٥: ٢٧ وعبرانيين ٢٨ ص ٤: ١٥ و١٦ وكولوسي ١: ١٨ وعبرانيين ٢: ٧

وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أي لم يرتفع على كل شيء فقط بل تسلط عليه أيضاً. وهذا مقتبس من (مزمور ٨: ٧) واقتبسه أيضاً في كلامه على المسيح في (١كورنثوس ١٥: ٢٧ وعبرانيين ٢: ٦ – ٨). والمراد أنه أخضع كل ذي عقل قابل الخضوع. فإذاً كل من سوى الله الآب خاضع ليسوع المسيح باعتبار كونه ملك الملوك ورب الأرباب. والمزمور الثامن إنباء بسلطة الإنسان العامة على المخلوقات فيجوز أن ينسب إلى المسيح لأنه لم يتم ولا يتم إلا بالإنسان يسوع المسيح رأس البشر.

وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أي إن ذلك الكائن الرفيع الشأن الممجد ابن الله المتجسد الجالس على عرش رئاسة الكون هو الذي جعله الله رأس الكنيسة. وهو رأس الكنيسة لأنه مصدر حياتها وملكها وحاضر معها أبداً ومؤاسيها ومحبها محبة الإنسان لجسده (ص ٤: ١٥ و١٦ وص ٥: ٢٣ و٢٩ ورومية ١٢: ٥ و١كورنثوس ١٢: ٢٧).

لِلْكَنِيسَةِ أي لنفعها بكل شيء ومن ذلك خضوع القوات الطبيعية لها كالعناصر والرياح والأمواج لتسكن أو تهيج بأمره نفعاً لها. ومنه خضوع كل أمم الأرض وملوكها لها فإن تآمروا عليها ذهبت مؤامرتهم باطلاً. ومنه خدمة ملائكة السماء إياها بكل مراتبها فإنهم جميعاً طوع أمر المسيح لنفع كنيسته. ومنه خضوع الأبالسة لكي لا يضروا الكنيسة على وفق الوعد بأن «أبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متّى ١٦: ١٨). والمراد بالكنيسة كل المؤمنين الحقيقيين في كل عصر من عصور العالم. ولا بيان في الإنجيل لما يجب أن يكون نظامها الخارجي ولا أدنى تلميح إلى أن تكون ذات سلطة سياسية. والأمر الجوهري في الكنيسة أن تكون واحدة متحدة خاضعة للمسيح رأساً وحيداً لها فإذا طلبنا برهاناً على كون المسيح رأس الكنيسة قلنا أنها حُفظت نحو تسعة عشر قرناً منذ تأسيسها.

٢٣ «ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ».

رومية ١٢: ٥ و١كورنثوس ١٢: ١٢ و٢٧ وص ٤: ١٢ و٥: ٢٣ و٣٠ وكولوسي ١: ١٨ و٢٤ كولوسي ٢: ٩ و١كورنثوس ١٢: ٦ وص ٤: ١٠ وكولوسي ٣: ١١

ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ أي جسده المجازي لا جسده الحقيقي الذي فيها قام وتمجد. اعتبر الرسول المسيح والمؤمنين به جسداً واحداً هو رأسه وروحه يسكن في الكنيسة فتكون بمنزلة جسده. فكون المسيح «الحياة» ومكثه فيها يستلزمان أنها ذات حياة كما أن حياة الجسد تستلزم حياة الأعضاء وأن حياة الكرمة تستلزم حياة الأغصان وكما تقتضي كون الكنيسة جسد المسيح إنها تحيا به كذلك يقتضي أنها ترتفع بارتفاعه وتتمجد وتسعد بمجده وسعادته (١كورنثوس ١١: ٣ و١٢: ٢٧ وأفسس ٤: ١٥ و١٦ وكولوسي ١: ٢٤).

مِلْءُ بدل من جسد أي أن الكنيسة ملء المسيح. والملء هنا على مصطلح الإنجيل بمعنى المملوء أو المالئ أي المكمَّل أو المكمِّل فإذا كان لأمر جزآن جاز أن يقال أن كلا منهما ملء الآخر بمعنى أنه مكمله بدون رفع شأن أحدهما على الآخر. فقال الرسول أن الكنيسة ملء المسيح ولا يظهر من كلامه أمملوءة هي أم مالئة لأن الملء يصح أن يراد به اسم المفعول واسم الفاعل.

فإن كان المراد الأول كان المعنى أن الكنيسة تمتلئ بالمسيح كما يمتلئ جسد الإنسان بروحه. والله سكن قديماً في هيكله وملأه بمجده كذلك المسيح يسكن الآن في الكنيسة ويملأها بنفسه وهذا المعنى حسن.

وإن كان الثاني وهو أقرب إلى ظاهر العبارة كان المعنى أن الكنيسة تملأ ما قصده المسيح من كمال الجسد الذي هو رأسه. إن الإنسان لا يكمل بدون الرأس والبدن فيصح أن يُقال أن البدن ملء الجسد إذ لا يكمل بدونه. فأبان بولس هنا أن نسبة الكنيسة إلى المسيح كنسبة البدن إلى الرأس فما قصده من الكمال لا يتم بدونها فإذا كانت هي وأعضاؤها متحدة بذلك الرأس وحييت بحياته وفعلت بروحه الساكن فيها تم قصده منها وواضح أن ذلك لا يصح إلا من جهة ناسوت المسيح الممجد فلا يمكن أن يقال عليه من جهة لاهوته لئلا تكون الكنيسة كما اللاهوت وهو محال.

ٱلَّذِي يَمْلأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ وهو المسيح باعتبار أنه إله وإنسان وأضاف الرسول هذا إلى ما سبق لئلا يوهم قوله أن ناسوت المسيح الممجد لا يكمل بدون الكنيسة انحطاط شأن المسيح فاستدرك ذلك بما أبان به أن الكنيسة مفتقرة إليه إلى غير النهاية. وقوله «الكل في الكل» لم يرد به الكنيسة بكل أعضائها بل الكون بكل أجزائه كما في قوله تعالى «أَمَا أَمْلأُ أَنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (إرميا ٢٣: ٢٤). وقول سليمان «هَلْ يَسْكُنُ ٱللّٰهُ حَقّاً عَلَى ٱلأَرْضِ؟ هُوَذَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ ٱلسَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ» (١ملوك ٨: ٢٧). وقول المرنم «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ» (مزمور ١٣٩: ٧ – ١٠). وهذا على وفق ما قاله الإنجيل في المسيح من أنه خلق كل شيء وأنه حامل كل شيء بكلمة قدرته وأنه يملأ (كولوسي ١: ١٦ و١٧ وعبرانيين ١: ٣ وأفسس ٤: ١٠). والذي قيل في ع ٢٢ أنه «رأس الكنيسة» قيل أنه «رأس الكون لكي يعطيه كل ما يحتاج إليه من العناية والسياسة والبركات وهو حاضر في كل مكان وعلة كل المبروآت وواهب كل النعم». وقوته وعنايته تشملان الأرواح السماوية والنفوس البشرية.

وطلب بولس لكنيسة أفسس أن تدرك اتحادها بالمسيح ليس اتحادها بمجرد مخلوق محدود بل بمن هو الله ظهر في الجسد وهو في كل مكان وضابط كل شيء وينتج من ذلك أن حياتها أبدية لأن مصدرها أبدي.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى