سفر الجامعة

سفر الجامعة | 10 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الجامعة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

١ – ٣ «١ اَلذُّبَابُ ٱلْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ ٱلْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَمِنَ ٱلْكَرَامَةِ. ٢ قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَلْبُ ٱلْجَاهِلِ عَنْ يَسَارِهِ! ٣ أَيْضاً إِذَا مَشَى ٱلْجَاهِلُ فِي ٱلطَّرِيقِ يَنْقُصُ فَهْمُهُ، وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِنَّهُ جَاهِلٌ!».

خروج ٣٠: ٢٥ أمثال ١٣: ١٦ و١٨: ٢

تتمة الكلام في الأصحاح السابق.

اَلذُّبَابُ ٱلْمَيِّتُ أو الذباب المميت فإن الذباب الحي يحمل جراثيم الفساد. والذباب صغير ولكنه يفسد الطيب الثمين وهكذا جهالة قليلة أو عيوب صغيرة تفسد الحكمة والكرامة. وهذه العيوب لا تظهر في الجهلاء والأشرار كما لا تظهر نقطة حبر على الثوب الأسود ولكنها تظهر في الثوب الأبيض. كخطية الكذب في إبراهيم والغش في يعقوب وعدم التعفف في داود مع أن تلك الخطايا كانت كثيرة الوجود بل كانت عمومية في أيامهم.

قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ (ع ٢) اليمين كناية عن الحذاقة والتوفيق واليسار بالعكس والقلب عند القدماء مركز المعرفة والقضاء والمعنى أن الحكيم يهتم للأعمال النافعة والموافقة للزمان والأحوال والجاهل بخلاف ذلك.

يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِنَّهُ جَاهِلٌ (ع ٣) ليس بالقول ولكن جهالته تظهر في كل كلامه وأعماله. وربما المعنى أنه يقول لكل من يلاقيه في الطريق أنت جاهل أي يظن أن كل العالم جهلاء وهو وحده حكيم.

٤ – ٧ «٤ إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلْمُتَسَلِّطِ فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لأَنَّ ٱلْهُدُوءَ يُسَكِّنُ خَطَايَا عَظِيمَةً. ٥ يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُتَسَلِّطِ. ٦ ٱلْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِي كَثِيرَةٍ، وَٱلأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي ٱلسَّافِلِ. ٧ قَدْ رَأَيْتُ عَبِيداً عَلَى ٱلْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ كَٱلْعَبِيدِ».

ص ٨: ٣ و١صموئيل ٢٥: ٢٤ – ٣٣ وأمثال ٢٥: ١٥ ص ٥: ٦ أستير ٣: ١ وأمثال ٢٨: ١٢ و٢٩: ٢ أمثال ١٩: ١٠ أستير ٦: ٨

إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلْمُتَسَلِّطِ أي غضبه (انظر مزمور ٧٨: ٣١) «صعد عليهم غضب الله».

فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ أي لا تستعف من مأموريتك (انظر ٨: ٣) «لاَ تَعْجَلْ إِلَى ٱلذَّهَابِ مِنْ وَجْهِهِ».

خَطَايَا عَظِيمَةً المعنى إما أن المأمور بهدوءه وحكمه على نفسه يتحفظ من ارتكاب خطايا عظيمة أو أنه بهدوءه وجوابه اللين يحفظ المتسلط من خطايا عظيمة.

كَسَهْوٍ (ع ٥) عند المتسلط الجاهل الخطايا العظيمة كسهو فيعملها بلا فكر ولا نظر إلى أهميتها ونتائجها. انظر نبأ الملك أحشويروش (في سفر أستير) الذي عظم هامان وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء وأمر بذبح كل شعب اليهود رجالاً ونساء وأطفالاً لأن هامان طلب ذلك وبعد قليل من الزمان عظم مردخاي وأركبه على فرس الملك وجعل هامان يمشي أمامه وكله كان عند الملك أمراً زهيداً.

ٱلْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِي (ع ٦) المتسلطون الجهلاء يجعلون عبيدهم في معالي أي في وظائف عالية والعبيد يملقون سادتهم ويخضعون لهم ويجرون مقاصدهم الشريرة بلا اعتراض وأما الرؤساء أي ذوو العقل والشرف فلا يمكنهم أن يخضعوا هكذا للحكام الجهلاء ويخدمونهم خدمتهم الدنية.

٨، ٩ «٨ مَنْ يَحْفُرُ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضُ جِدَاراً تَلْدَغُهُ حَيَّةٌ. ٩ مَنْ يَقْلَعُ حِجَارَةً يُوجَعُ بِهَا. مَنْ يُشَقِّقُ حَطَباً يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهُ».

مزمور ٧: ١٥ وأمثال ٢٦: ٢٧ عاموس ٥: ١٩

مَنْ يَحْفُرُ هُوَّةً المعنى إما (١) إن من يقصد الشر لقريبه يقع هو فيه فالهوة لأجل قريبه والجدار جدار قريبه والحجارة حجارة بيت قريبه أو حجارة التخم بينه وبينه الحطب هو من حطب قريبه أو (٢) إن الإنسان عُرضة لمصائب متنوعة كمن يحفر هوة لعله يقع فيها الخ فيلزمه أن يحترس أو (٣) إن من يقصد الإصلاح في الحكومة يحتاج إلى الحذر والحكمة لئلا يقع عليه البيت حينما يمسك الأساس أو يخرج عليه مهلك من الجدران الخ. وهذا المعنى الأخير يوافق القرينة. فالمصلح لا تكفيه الغيرة بل يلزمه أيضاً الحكمة والاستعداد والنظر إلى ما سينتج من عمله كمن يريد أن يبني برجاً عليه أن يجلس أولاً ويحسب النفقة أو كالملك الذي يقصد حرباً عليه أن يجلس أولاً ويتشاور (انظر لوقا ١٤: ٢٨ – ٣٢).

١٠، ١١ «١٠ إِنْ كَلَّ ٱلْحَدِيدُ وَلَمْ يُسَنِّنْ هُوَ حَدَّهُ، فَلْيَزِدِ ٱلْقُوَّةَ. أَمَّا ٱلْحِكْمَةُ فَنَافِعَةٌ لِلإِنْجَاحِ. ١١ إِنْ لَدَغَتِ ٱلْحَيَّةُ بِلاَ رُقْيَةٍ فَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّاقِي».

مزمور ٥٨: ٤ و٥ وإرميا ٨: ١٧

إِنْ كَلَّ ٱلْحَدِيدُ سن الحديد يوفر على الحطاب تعباً وهكذا الحكمة تسهل جميع الأعمال ومن فوائد الحكمة (١) ترتيب الأعمال فيكون لكل عمل وقت ولكل وقت عمل ولا تأخذ الأعمال الثانوية مكان الأعمال الرئيسية (٢) اختراع آلات تساعد في العمل (٣) راحة الأفكار فلا يضيع الإنسان وقته في الهم للمستقبل أو الندامة على الماضي أو التردد والحيرة في الزمان الحاضر.

إِنْ لَدَغَتِ ٱلْحَيَّةُ (ع ١١) يجب أن تكون رقية الحية قبلما تلدغ وهكذا استعمال وسائط تسكن الغضب وتصرف الشر قبلما يحدث (انظر أمثال ١٧: ١٤ وخروج ٧: ١١ ومزمور ٥٨: ٥ وإرميا ٨: ١٧).

١٢ – ١٥ «١٢ كَلِمَاتُ فَمِ ٱلْحَكِيمِ نِعْمَةٌ، وَشَفَتَا ٱلْجَاهِلِ تَبْتَلِعَانِهِ. ١٣ اِبْتِدَاءُ كَلاَمِ فَمِهِ جَهَالَةٌ، وَآخِرُ فَمِهِ جُنُونٌ رَدِيءٌ. ١٤ وَٱلْجَاهِلُ يُكَثِّرُ ٱلْكَلاَمَ. لاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ مَا يَكُونُ. وَمَنْ يُخْبِرُهُ مَاذَا يَصِيرُ بَعْدَهُ؟ ١٥ تَعَبُ ٱلْجُهَلاَءِ يُعْيِيهِمْ، لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ».

أمثال ١٠: ٣٢ و٢٢: ١١ ولوقا ٤: ٢٢ ص ٤: ٥ وأمثال ١٠: ١٤ و١٨: ٧ ص ٧: ٢٥ ص ٥: ٣ وأمثال ١٥: ٢ ص ٣: ٢٢ و٦: ١٢ و٧: ١٤ و٨: ٧

كَلِمَاتُ فَمِ ٱلْحَكِيمِ نِعْمَةٌ النعمة ما يرضي الناس ويقنعهم ويجتذب محبتهم وأحسن مثال لذلك كلام يسوع «تعجبوا من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (لوقا ٤: ٢٢).

تَبْتَلِعَانِهِ بعض كلمات الجاهل تناقض البعض الآخر ويقول ما لا يوافق الأحوال وما كان يجب أن يخفيه ولا يلزم الناس أن يجاوبوه لأنه يربك نفسه.

جَهَالَةٌ… جُنُونٌ يتقدم من أمر بسيط إلى شر أعظم لأن المتكلم يهيج نفسه بكلامه فيقول في الآخر ما لم يفتكر به في الأول.

ٱلْجَاهِلُ يُكَثِّرُ ٱلْكَلاَمَ (ع ١٤) يتكلم بما سيعمله بالمستقبل مع أن المستقبل مجهول ويتكلم بكل جسارة في أمور غامضة لا يفهمها أفضل العلماء ومن كثرة كلامه لا يعطي غيره فرصة للتكلم فلا يقدر أن يتعلم شيئاً.

يُعْيِيهِمْ (ع ١٥) لأنه تعب بلا منفعة كالمشي في طريق الضلال والبناء على الرمل وجمع المال في كيس مثقوب. والمفرد «لا يعلم» بدل الجمع «تعب الجهلاء» بذات المعنى.

كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لا شيء أسهل من الذهاب إلى المدينة لأن كل الطرقات تؤدي إليها أو أنه وهو في الحقل لا يعلم كيف يذهب إلى بيته وهو في المدينة أو القرية. والبعض وإن كانوا من علماء هذا العالم جهلاء في طريق الخلاص وذلك لأنهم يريدون أن يسلكوا فيها.

١٦، ١٧ «١٦ وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَداً، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي ٱلصَّبَاحِ. ١٧ طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ٱبْنَ شُرَفَاءَ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي ٱلْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسَّكْرِ».

إشعياء ٣: ٤ و١٢ أمثال ٣١: ٤ وإشعياء ٥: ١١

مَلِكُكِ وَلَداً كأحاز ومنسى ويهوآحاز ويهواقيم. وأحياناً الملك وإن كان بالغ السن يكون ولداً بالمعرفة كرحبعام.

يَأْكُلُونَ فِي ٱلصَّبَاحِ (انظر إشعياء ٥: ١١ وأعمال ٢: ١٥) والصباح وقت العمل وعند الحكماء وقت الجلوس للقضاء (انظر ٢صموئيل ١٥: ٢) والشرفاء هنا ليسوا الشرفاء بالنسل فقط بل بفضائلهم.

١٨ – ٢٠ «١٨ بِٱلْكَسَلِ ٱلْكَثِيرِ يَهْبِطُ ٱلسَّقْفُ، وَبِتَدَلِّي ٱلْيَدَيْنِ يَكِفُ ٱلْبَيْتُ. ١٩ لِلضِّحْكِ يَعْمَلُونَ وَلِيمَةً، وَٱلْخَمْرُ تُفَرِّحُ ٱلْعَيْشَ. أَمَّا ٱلْفِضَّةُ فَتُحَصِّلُ ٱلْكُلَّ. ٢٠ لاَ تَسُبَّ ٱلْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ، وَلاَ تَسُبَّ ٱلْغَنِيَّ فِي مَضْجَعِكَ، لأَنَّ طَيْرَ ٱلسَّمَاءِ يَنْقُلُ ٱلصَّوْتَ، وَذُو ٱلْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِٱلأَمْرِ».

أمثال ٢٤: ٣ – ٣٤ ص ٢: ٣ وقضاة ٩: ١٣ ومزمور ١٠٤: ١٥ ص ٧: ١٢ خروج ٢٢: ٢٨ وأعمال ٢٣: ٥ و٢ملوك ٦: ١٢ ولوقا ١٢: ٣

المملكة مشبهة ببيت (انظر عاموس ٩: ١١) وكما يكف البيت من عدم الاعتناء ويؤول ذلك إلى الخراب هكذا المملكة من الكسل وعدم الاعتناء من الرؤساء.

أَمَّا ٱلْفِضَّةُ (ع ١٩) الحكام الظالمون يعملون ولائم ويشربون خمراً ويجمعون المال لأجل عيشهم وذلك بواسطة الظلم والرشوة.

لاَ تَسُبَّ ٱلْمَلِكَ (ع ٢٠) في الممالك القديمة وفي بعض الممالك في أيامنا جواسيس في كل مكان وهم متنكرون ويظن الإنسان أنه مع أصدقائه لا غريب بينهم ومع ذلك ينتقل كلامه إلى الملك.

لأَنَّ طَيْرَ ٱلسَّمَاءِ مبالغة والمعنى أنه من الحكمة أن لا يسب الملك مطلقاً (انظر ٢ملوك ٦: ١٢).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى