سفر الجامعة | 08 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الجامعة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
١ – ٨ «١ مَنْ كَٱلْحَكِيمِ، وَمَنْ يَفْهَمُ تَفْسِيرَ أَمْرٍ؟ حِكْمَةُ ٱلإِنْسَانِ تُنِيرُ وَجْهَهُ، وَصَلاَبَةُ وَجْهِهِ تَتَغَيَّرُ. ٢ أَنَا أَقُولُ: ٱحْفَظْ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ، وَذَاكَ بِسَبَبِ يَمِينِ ٱللّٰهِ. ٣ لاَ تَعْجَلْ إِلَى ٱلذَّهَابِ مِنْ وَجْهِهِ. لاَ تَقِفْ فِي أَمْرٍ شَاقٍّ، لأَنَّهُ يَفْعَلُ كُلَّ مَا شَاءَ. ٤ حَيْثُ تَكُونُ كَلِمَةُ ٱلْمَلِكِ فَهُنَاكَ سُلْطَانٌ. وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ ٥ حَافِظُ ٱلْوَصِيَّةِ لاَ يَشْعُرُ بِأَمْرٍ شَاقٍّ، وَقَلْبُ ٱلْحَكِيمِ يَعْرِفُ ٱلْوَقْتَ وَٱلْحُكْمَ. ٦ لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَقْتاً وَحُكْماً. لأَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ عَظِيمٌ عَلَيْهِ، ٧ لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ. لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُهُ كَيْفَ يَكُونُ؟ ٨ لَيْسَ لإِنْسَانٍ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلرُّوحِ لِيُمْسِكَ ٱلرُّوحَ، وَلاَ سُلْطَانٌ عَلَى يَوْمِ ٱلْمَوْتِ، وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي ٱلْحَرْبِ، وَلاَ يُنَجِّي ٱلشَّرُّ أَصْحَابَهُ».
خروج ٣٤: ٢٩ و٣٠ وتثنية ٢٨: ٥٠ خروج ٢٢: ١١ و٢صموئيل ٢١: ٧ وحزقيال ١٧: ١٨ ص ١٠: ٤ أيوب ٩: ١٢ ودانيال ٤: ٣٥ ص ١٢: ١٣ أمثال ١٢: ٢١ ص ٣: ١ و١٧ ص ٣: ٢٢ و٦: ١٢ و٧: ١٤ و٩: ١٢ مزمور ٤٩: ٧ – ٩ تثنية ٢٠: ٥ – ٨ ع ١٣
مَنْ كَٱلْحَكِيم جملة افتتاحية تلفت الأنظار إلى الكلام الآتي.
تُنِيرُ وَجْهَهُ يُعرف الحكيم من وجهه وإن كان بلا كلام وكذلك من يتقي الله ويحب الناس. ووجه الإنسان كشباك النفس يُرى فيه النور الداخلي.
ٱحْفَظْ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ (ع ٢) (انظر أمثال ٢٥: ٢ – ٦ ورومية ١٣: ١ – ٧ و١تيموثاوس ٢: ٢ و١بطرس ٢: ١٣ – ١٧).
يَمِينِ ٱللّٰهِ بين الله وشعبه عهد (١صموئيل ١١: ١٥) «ملّكوا شاول أمام الرب» أي كان العهد بينهم وبين الملك وبينهم وبين الرب أيضاً فمن يعصى الملك ينكث عهده مع الله. ولا يجب العجلة إلى الذهاب من وجهه (ع ٣) أي الغضب والعصيان (انظر ١ملوك ١٢: ١٦) و «الأمر الشاق» هو العصيان على الملك لأن الملك ذو سلطان.
حَافِظُ ٱلْوَصِيَّةِ (ع ٥) أي وصية الملك والأمر الشاق هو العصيان وما ينتج منه فمن يحفظ وصية الملك يكون في الراحة والأمان.
قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ يَعْرِفُ ٱلْوَقْتَ وَٱلْحُكْمَ يسلم الحكيم للظلم ويحتمله بالصبر لأنه يعرف أنه لوقت محدود وفي الوقت المعين من الله ينتهي فيحكم الله على الظالمين.
لأَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ عَظِيمٌ عَلَيْهِ (ع ٦) أي شر الإنسان الظالم عظيم على المظلوم لأن المظلوم لا يعلم متى ينتهي الظلم مع أنه يعلم أنه ينتهي وله وقت وعليه حكم. وشر الظالم عظيم على نفسه أيضاً ولأمره وقت وحكم. فإن الله سيطالبه ولشره العظيم مجازاة عظيمة لا يعلمها هو ولا يفتكر بها في الوقت الحاضر.
وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي ٱلْحَرْبِ (ع ٨) لا يقدر الجندي أن يستعفي عن الخدمة والحرب أمامه وهو مضطر أن يتقدم أراد أو لم يرد. وهكذا الموت أمام كل إنسان.
٩ – ١٣ «٩ كُلُّ هٰذَا رَأَيْتُهُ إِذْ وَجَّهْتُ قَلْبِي لِكُلِّ عَمَلٍ عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ وَقْتَمَا يَتَسَلَّطُ إِنْسَانٌ عَلَى إِنْسَانٍ لِضَرَرِ نَفْسِهِ. ١٠ وَهٰكَذَا رَأَيْتُ أَشْرَاراً يُدْفَنُونَ وَضُمُّوا، وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا بِٱلْحَقِّ ذَهَبُوا مِنْ مَكَانِ ٱلْقُدْسِ وَنُسُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. ١١ لأَنَّ ٱلْقَضَاءَ عَلَى ٱلْعَمَلِ ٱلرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعاً، فَلِذٰلِكَ قَدِ ٱمْتَلأَ قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ ٱلشَّرِّ. ١٢ اَلْخَاطِئُ وَإِنْ عَمِلَ شَرّاً مِئَةَ مَرَّةٍ وَطَالَتْ أَيَّامُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ قُدَّامَهُ. ١٣ وَلاَ يَكُونُ خَيْرٌ لِلشِّرِّيرِ، وَكَٱلظِّلِّ لاَ يُطِيلُ أَيَّامَهُ لأَنَّهُ لاَ يَخْشَى قُدَّامَ ٱللّٰهِ».
ص ٤: ١ و٥: ٨ و٧: ٧ ص ١: ١١ و٢: ١٦ و٩: ٥ و١٥ خروج ٣٤: ٦ ومزمور ٨٦: ١٥ ورومية ٢: ٤ و٢بطرس ٣: ٩ ص ٩: ٣ ص ٧: ١٥ وإشعياء ٦٥: ٢٠ تثنية ٤: ٤٠ و١٢: ٢٥ ومزمور ٣٧: ١١ وأمثال ١: ٣٣ وإشعياء ٣: ١٠ ع ٨ وإشعياء ٣: ١١ ص ٦: ١٢ وأيوب ١٤: ٢
لِضَرَرِ نَفْسِهِ القول عن الظالم فإن ظلمه لا يضر المظلوم فقط بل نفسه أيضاً. والضرر لنفسه إن قلبه يتقسى وضميره يموت وهو يبتعد عن الله ويفقد اللذة في خيراته في زمان حياته والرجاء بالحياة الأبدية.
رَأَيْتُ أَشْرَاراً (ع ١٠) الظالمون المذكورون سابقاً. يُدفنون بالكرامة ويضمون إلى آبائهم بالسلام (انظر لوقا ١٦: ٢٢).
ذَهَبُوا مِنْ مَكَانِ ٱلْقُدْسِ أي الهيكل والذين ذهبوا منه هم المطرودون لأنهم عملوا بالحق (انظر يوحنا ٩: ٢٢ و١٢: ٤٢) ويقوم جيل آخر لا يعرفهم فنسوا في المدينة التي كانوا فيها. وفي الأصل العبراني التباس وفهم البعض أن الذين ذهبوا من مكان القدس هم الأشرار وهم كالذين حكموا على يسوع ثم ذهبوا من مكان القدس لإجراء مشوراتهم عليه فنصيبهم أنهم يُنسون في المدينة. وهكذا الترجمة الإنكليزية القديمة وفي الترجمة اليسوعية «منافقين قبروا بكرامة ومضوا وقد كانوا متباعدين عن المكان المقدس فنُسي في المدينة أنهم قد فعلوا ذلك».
هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ أي نقاوة الكأس الخارجية مع نجاستها الداخلية ومنظر القداسة بدون حقيقتها والمجد في زمان الحياة مع المقت أو النسيان بعد الموت. والتسلط الوقتي وبعده العبودية الأبدية. وهذه كلها باطل.
ٱمْتَلأَ قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ (ع ١١) يخطئون خطيئة ولا يصيبهم شيء فيتجاسرون ويخطئون أكثر وأكثر حتى يمتلئ قلبهم لفعل الشر «مملوئين من كل إثم» (رومية ١: ٢٩).
أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ (ع ١٢) (١) لأن حياة المتقين الله أفضل جداً وإن كانت قليلة الأيام وكثيرة المشقات. (٢) لأن الله سيجازي جميع الناس حسب أعمالهم. فيدل القول على إيمان الجامعة بعناية الله العادلة في الزمان الحاضر وعلى رجائه بمجازاة كاملة بعد الموت.
كَٱلظِّلِّ (ع ١٣) حياة الإنسان كظل لأنها تمضي سريعاً. وكل إنسان حينما يصل إلى آخر حياته وينظر إلى أيامه الماضية يقول إنها قليلة ومضت كظل. قال يعقوب (تكوين ٤٧: ٩) «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي» وأيام الشرير كظل أيضاً لأن ليس فيها فوائد حقيقية ولا خيرات جوهرية ولا تُقاس حياة الإنسان بعدد أيامه بل بأعماله وقد تكون حياته كثيرة الأيام وعديمة الفوائد فهو كأنه لم يعش. فلا مضادة بين القول في ع ١٢ «وإن طالت أيامه» والقول في ع ١٣ «كالظل لا يطيل أيامه». والظل نقطة سوداء في يوم شمس وذلك لوجود شيء يحجب عنه نور الشمس وهكذا الشرير نقطة سوداء في الهيئة الاجتماعية وذلك لأن أعماله السيئة فاصلة بينه وبين الله الذي منه كل خير.
١٤ – ١٧ «١٤ يُوجَدُ بَاطِلٌ يُجْرَى عَلَى ٱلأَرْضِ: أَنْ يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. ١٥ فَمَدَحْتُ ٱلْفَرَحَ، لأَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَفْرَحَ، وَهٰذَا يَبْقَى لَهُ فِي تَعَبِهِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي يُعْطِيهِ ٱللّٰهُ إِيَّاهَا تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. ١٦ لَمَّا وَجَّهْتُ قَلْبِي لأَعْرِفَ ٱلْحِكْمَةَ، وَأَنْظُرَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي عُمِلَ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَنَّهُ نَهَاراً وَلَيْلاً لاَ يَرَى ٱلنَّوْمَ بِعَيْنَيْهِ، ١٧ رَأَيْتُ كُلَّ عَمَلِ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِدَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. مَهْمَا تَعِبَ ٱلإِنْسَانُ فِي ٱلطَّلَبِ فَلاَ يَجِدُهُ، وَٱلْحَكِيمُ أَيْضاً وَإِنْ قَالَ بِمَعْرِفَتِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَجِدَهُ».
ص ٧: ١٥ ومزمور ٧٣: ١٤ أيوب ٢١: ٧ ومزمور ٧٣: ٣ و١٢ وإرميا ١٢: ١ وملاخي ٣: ١٥ ص ٢: ٢٤ و٣: ١٢ و١٣ و٥: ١٨ و٩: ٧ ص ١: ١٣ و١٤ ص ٢: ٢٣ ص ٣: ١١ ص ٧: ٢٣ ومزمور ٧٣: ١٦ ورومية ١١: ٣٣
رجع الجامعة إلى ما كان تأمل فيه كثيراً ولم يقدر أن يفهمه تماماً (انظر ٢: ١٥ وأيوب ٢١ ومزمور ٧٣ وإرميا ١٢: ١) والجامعة كرجل في يوم شتاء انشقت الغيوم ورأى قليلاً من نور الشمس فقال «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ» (ع ١٢) ثم تلبدت الغيوم وانقطع النور وقال «يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ» (ع ١٤).
فَمَدَحْتُ ٱلْفَرَحَ (ع ١٥) (انظر ٣: ١٢ و٢٢ و٥: ١٨) وفي قوله يأس لأنه بعد البحث لم يجد شيئاً أفضل من هذه الأفراح الجسدية وهي وقتية ولمدة أيام حياته ولا يقول «سني حياته».
لاَ يَرَى ٱلنَّوْمَ (ع ١٦) أي لا يرى الإنسان النوم كما في (ع ١٧) «الإنسان لا يستطيع الخ».
لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِدَ ٱلْعَمَلَ أي أن يفهم كل ما يعمله الله ولا سيما التوفيق بين جودته ومصائب متقيه. ومن يفتخر بحكمته ويطلب أن يستقصي طرق الله ولو درسها نهاراً وليلاً ولم ير النوم بعينيه لا يجد مطلوبه «مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلاسْتِقْصَاءِ» (رومية ١١: ٣٣) لا يقدر الإنسان أن يدرك أمور الله ولكنه يقدر أن يقبلها ويعرفها بالإيمان.
السابق |
التالي |