سفر الجامعة

سفر الجامعة | 06 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الجامعة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

١، ٢ «١ يُوجَدُ شَرٌّ قَدْ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ وَهُوَ كَثِيرٌ بَيْنَ ٱلنَّاسِ: ٢ رَجُلٌ أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ غِنىً وَمَالاً وَكَرَامَةً، وَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عَوَزٌ مِنْ كُلِّ مَا يَشْتَهِيهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ ٱللّٰهُ ٱسْتِطَاعَةً عَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، بَلْ يَأْكُلُهُ إِنْسَانٌ غَرِيبٌ. هٰذَا بَاطِلٌ وَمُصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ هُوَ».

ص ٥: ١٢ و١ملوك ٣: ١٣ مزمور ١٧: ١٤ و٧٣: ٧

يُوجَدُ شَرٌّ رجع الكاتب إلى ما كان في صدده (٤: ٧ و٨) لأنه لم يجد للمسألة حلاً.

لَمْ يُعْطِهِ ٱللّٰهُ ٱسْتِطَاعَةً لم يعطه أن يبقى في التمتع بماله بل بعد سرور سني حياته يلتزم أن يتركه لإنسان غريب أي ليس من نسله. انظر قول إبراهيم (تكوين ١٥: ٢) «أَنَا مَاضٍ عَقِيماً، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ ٱلدِّمَشْقِيُّ».

٣ – ٨ «٣ إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً، وَعَاشَ سِنِينَ كَثِيرَةً حَتَّى تَصِيرَ أَيَّامُ سِنِيهِ كَثِيرَةً، وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ مِنَ ٱلْخَيْرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضاً دَفْنٌ، فَأَقُولُ: إِنَّ ٱلسِّقْطَ خَيْرٌ مِنْهُ. ٤ لأَنَّهُ فِي ٱلْبَاطِلِ يَجِيءُ وَفِي ٱلظَّلاَمِ يَذْهَبُ، وَٱسْمُهُ يُغَطَّى بِٱلظَّلاَمِ. ٥ وَأَيْضاً لَمْ يَرَ ٱلشَّمْسَ وَلَمْ يَعْلَمْ. فَهٰذَا لَهُ رَاحَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَاكَ. ٦ وَإِنْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ مُضَاعَفَةً وَلَمْ يَرَ خَيْراً، أَلَيْسَ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَذْهَبُ ٱلْجَمِيعُ؟ ٧ كُلُّ تَعَبِ ٱلإِنْسَانِ لِفَمِهِ وَمَعَ ذٰلِكَ فَٱلنَّفْسُ لاَ تَمْتَلِئُ. ٨ لأَنَّهُ مَاذَا يَبْقَى لِلْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْجَاهِلِ. مَاذَا لِلْفَقِيرِ ٱلْعَارِفِ ٱلسُّلُوكَ أَمَامَ ٱلأَحْيَاءِ؟».

إشعياء ١٤: ٢٠ وإرميا ٨: ٢ و٢٢: ١٩ ص ٤: ٣ وأيوب ٣: ١٦ ص ٢: ١٤ أمثال ١٦: ٢٦ ص ٢: ١٥

إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً كرحبعام (انظر ٢أيام ١١: ٢١) وأخآب (انظر ٢ملوك ١٠: ١) وهذا الفرض عكس ما سبقه. مات ذاك بلا نسل وولد هذا مئة ولكن لكليهما مصيبة واحدة أي عدم الشبع وبالآخر الموت. قيل أن أرتحشثتا ملك فارس ولد ١١٥ ولداً وعاش ٩٤ سنة ومات حزيناً من سلوك أولاده.

لَيْسَ لَهُ أَيْضاً دَفْنٌ كان الدفن عند القدماء أمراً مهماً جداً. قيل في شلوم ملك يهوذا (إرميا ٢٢: ١٩) «يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوباً وَمَطْرُوحاً بَعِيداً عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ» انظر أيضاً مصيبة إيزابل (٢ملوك ٩: ٣٥) ويهورام (٢أيام ٢١: ٢٠) الذي «ذَهَبَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ» فهو كمن ليس له دفن. والسقط كناية عن كل مشروع بلا نتيجة مرضية. والسقط خير منه لأنه يجيء ويذهب ولا يرى الشمس أي لا يحيا في هذا العالم الشرير ولا يعرف خيراً ولا شراً وليس له اسم. والطمّاع يشبه السقط بما أنه لا يعمل خيراً ولا يُذكر بعد موته ويذهب بالظلام ويُغطّى اسمه. والسقط خير منه لأن ليس عليه مسؤولية ولا خطية. ومن لا يعتبر اسم الله في زمان حياته لا يكون له اسم بعد موته.

أَلْفَ سَنَةٍ مُضَاعَفَةً (ع ٦) مضاعف عمر متوشالح وهو أكبر الناس عمراً. وحياة الإنسان في هذا العالم وإن كانت قصيرة تكفي لامتحانه فإن من لا يتعلم من اختبار سبعين سنة لا يتعلم ولو عاش ألفي سنة. ومهما كانت حياة الإنسان طويلة آخرها القبر.

كُلُّ تَعَبِ ٱلإِنْسَانِ لِفَمِهِ (ع ٧) أي ليحصّل طعامه وهذا التعب لا ينتهي لأن الشهية ترجع بعد الشبع. قيل إن الفم صغير والشهية كبيرة فإن الإنسان من طمعه يطلب أكثر مما يلزمه للجسد.

فَٱلنَّفْسُ لاَ تَمْتَلِئُ لأن نفس الإنسان ليست كنفس البهيمة فلا تشبع مما للجسد.

مَاذَا يَبْقَى لِلْحَكِيمِ (ع ٨) نظراً إلى الجسد الحكيم كالجاهل فإنه يحتاج إلى الطعام كالجاهل. كان الرسول بولس يعمل بيديه لكي يأكل.

مَاذَا لِلْفَقِيرِ الخ لعل تكملة الجملة كما في الجملة السابقة «أكثر من الجاهل». وجواب هذا السؤال في العدد التالي.

٩ – ١٢ «٩ رُؤْيَةُ ٱلْعُيُونِ خَيْرٌ مِنْ شَهْوَةِ ٱلنَّفْسِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. ١٠ ٱلَّذِي كَانَ فَقَدْ دُعِيَ بِٱسْمٍ مُنْذُ زَمَانٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. ١١ لأَنَّهُ تُوجَدُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَزِيدُ ٱلْبَاطِلَ. فَأَيُّ فَضْلٍ لِلإِنْسَانِ؟ ١٢ لأَنَّهُ مَنْ يَعْرِفُ مَا هُوَ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ فِي ٱلْحَيَاةِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِهِ ٱلَّتِي يَقْضِيهَا كَٱلظِّلِّ؟ لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُ ٱلإِنْسَانَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟».

ص ١١: ٩ ص ١: ١٤ ص ١: ٩ و٣: ١٥ أمثال ٢١: ٣٠ وأيوب ٩: ٣٢ و٤٠: ٢ وإشعياء ٤٥: ٩ ص ٣: ٢٢

رُؤْيَةُ ٱلْعُيُونِ… شَهْوَةِ ٱلنَّفْسِ الحكيم يرى والجاهل يشتهي فإنه من الحكمة أن الإنسان يرى ما له من الخيرات ومن الفرص للخدمة ويرى أن في كل شيء يد الله وعنايته الأبوية. وأما الجاهل فيتذمر ويشتهي ما ليس له كالإسرائيليين الذين اشتهوا السمك والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم ولم يروا أن الرب معهم وأنه كان حررهم من عبودية مصر.

هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ أي الشهوة وعدم القناعة.

ٱلَّذِي كَانَ (ع ١٠) وبالعبرانية «ما كان» كما في ١٠: ٩ «ما كان فهو ما يكون» (انظر ٣: ٩ – ١٥).

فَقَدْ دُعِيَ بِٱسْمٍ مُنْذُ زَمَانٍ الاسم ما يميز شيئاً عن غيره أو إنساناً عن غيره والاسم يشمل جميع صفات الإنسان وأعماله وهذه الصفات والأعمال معروفة ومقضي بها منذ زمان.

إِنَّهُ إِنْسَانٌ إشارة إلى أن الله جبل الإنسان تراباً وقال له «أَنتَ تُرَابٌ وَإِلَى التُرَابٍ تَعُودُ» (تكوين ٣: ١٩) أي الإنسان فانٍ نظراً إلى الجسد وكل الخيرات الجسدية فانية ومعنى الاسم آدم «الأحمر أو الترابي».

مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ الإنسان لكونه جسداً ومن التراب لا يقدر أن يخاصم الله القدير والبعض ومنهم مفسرون من اليهود يقولون إن الأقوى من الإنسان هو الموت.

أُمُورٌ كَثِيرَةٌ (ع ١١) هي المذكورة سابقاً أي إذا ازداد الغنى ازدادت أيضاً الهموم وإذا ازداد المجد العالمي ازداد أيضاً الحسد من الناس وإذا ازدادت المعرفة ازداد أيضاً الشعور بالضعف ولعل الإنسان في أول حياته يرجو من الخير ما يشبع النفس ولكن عندما يزداد اختباره ومعرفته يزداد أيضاً شعوره بأن الكل باطل. ومعرفته يزداد أيضاً شعوره بأن الكمال باطل. والكلام هنا في الخيرات العالمية بغض النظر عن معرفة الله والأبدية التي بالإعلان من الله.

مَنْ يَعْرِفُ (ع ١٢) عجز الفلاسفة القدماء عن معرفة خير الإنسان الحقيقي وغاية وجوده وقول الكاتب هنا قول مرتاب فإنه بلا نور العهد الجديد.

كَٱلظِّلِّ (انظر أيوب ٢٩: ١٥) الظل يُرى ولا يُحس ولا يبقى في مكان إلا قليلاً من الزمان.

بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أي ما يحدث في هذا العالم بعد وفاته.

ولعل هذا الكلام يحمل البعض على اليأس لأنه إذا كان الله يقضي بكل ما يحدث فليس للإنسان عمل. ولكنه يبعث غيرهم على الرجاء لأن الذي يقضي بكل شيء هو إله محبة لكل بشر ويكلم الإنسان كذي عقل وضمير وحرية ومسؤولية.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى