سفر الجامعة

سفر الجامعة | 05 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الجامعة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

١ – ٧ «١ اِحْفَظْ قَدَمَكَ حِينَ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ ٱللّٰهِ، فَٱلاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ ٱلْجُهَّالِ، لأَنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِفِعْلِ ٱلشَّرِّ. ٢ لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ ٱللّٰهِ. لأَنَّ ٱللّٰهَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَلِذٰلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. ٣ لأَنَّ ٱلْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ ٱلشُّغْلِ، وَقَوْلَ ٱلْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ ٱلْكَلاَمِ. ٤ إِذَا نَذَرْتَ نَذْراً لِلّٰهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ ٱلْوَفَاءِ بِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِٱلْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. ٥ أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ. ٦ لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ. وَلاَ تَقُلْ قُدَّامَ ٱلْمَلاَكِ: إِنَّهُ سَهْوٌ. لِمَاذَا يَغْضَبُ ٱللّٰهُ عَلَى قَوْلِكَ وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ؟ ٧ لأَنَّ ذٰلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ٱلأَحْلاَمِ وَٱلأَبَاطِيلِ وَكَثْرَةِ ٱلْكَلاَمِ. وَلٰكِنِ ٱخْشَ ٱللّٰهَ».

(ص ٤: ١٧ في العبراني) خروج ٣: ٥ و٣٠: ١٨ – ٢٠ وإشعياء ١: ١٢ و١صموئيل ١٥: ٢٢ وأمثال ١٥: ٨ و٢١: ٢٧ (ص ٥: ١ في العبراني) أمثال ٢٠: ٢٥ أمثال ١٠: ١٩ ومتّى ٦: ٧ ص ١٠: ١٤ وأيوب ١١: ٢ عدد ٣٠: ٢ ومزمور ٥٠: ١٤ و٧٦: ١١ مزمور ٦٦: ١٣ و١٤ أمثال ٢٠: ٢٥ وأعمال ٥: ٤ لاويين ٤: ٢ و٢٢ وعدد ١٥: ٢٥ الخ ص ٣: ١٤ و٧: ١٨ و٨: ١٢ و١٢: ١٣

اِحْفَظْ قَدَمَكَ يقول البعض أن حفظ القدم هو إصلاح السلوك (مزمور ١١٩: ١٠١) «مِنْ كُلِّ طَرِيقِ شَرٍّ مَنَعْتُ رِجْلَيَّ» فهو الاستعداد الواجب للذهاب إلى بيت الله. وغيرهم وجدوا إشارة إلى خلع الأحذية (انظر خروج ٣: ٥ ويشوع ٥: ١٥) أي الذهاب إلى بيت الله يجب أن يكون باحترام مقدس. وبيت الله هو المجمع.

فَٱلاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ (انظر ١صموئيل ١٥: ٢٢ ومزمور ٥٠ وميخا ٦: ٦ – ٨). والجهال لا يبالون بفعل الشر أي من جهلهم يخطئون بلا فكر.

لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ (ع ٢) يجب التأمل والاستعداد القلبي قبل نطق كلام قدام الله أي قبل الصلاة ويجب أن ندنو منه باحترام مقدس كما علمنا يسوع قائلاً «أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك» ويجب أن تكون كلماتنا قليلة بخلاف صلوات الوثنيين (انظر متّى ٦: ٧ و٨) غير أنه لا ينهانا عن كثرة الكلام وتكراره في الصلوات الحارة الحقيقية.

ٱلْحُلْمَ… قَوْلَ ٱلْجَهْلِ (ع ٣) في الحلم تصورات بلا عقل وبلا ترتيب وإذا كثر الشغل والهم بالنهار تُرى هذه الأشغال في أحلام الليل ولكنه بلا علاقة طبيعية وبلا عقل وهكذا قول الجهل.

إِذَا نَذَرْتَ (ع ٤) (انظر تثنية ٢٣: ٢٢ و٢٣) والنذور لا توافق أيام العهد الجديد (١) لأننا لا نعرف المستقبل فنقصد شيئاً اليوم وغداً لا نستحسنه ولا نقدر أن نعمله بسبب تغير الأحوال (٢) لأننا لا نشترط على الرب فإنه وعدنا بأنه يعطينا مهما طلبنا منه في الصلاة (انظر يوحنا ١٤: ١٤) ونحن كذلك نعده بأننا نعمل مهما طلب منا وكله بلا شرط (٣) لأنه يكفينا عهودنا الجامعة كعهد المعمودية والزواج والدخول في عضوية الكنيسة والرسامة الخ. وإذا نذر أحد نذراً ثم وجد فيه خطية فيجب أن لا يفي النذر.

لاَ يُسَرُّ بِٱلْجُهَّالِ الذين ينذورن على الفور ثم يندمون ويبطلون.

أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ (ع ٥) (انظر أعمال ٥: ٤) والقول يطابق الذين يتكلمون بالتدين والإخلاص والمحبة لله والغيرة لخدمته ولكنهم لا يعلمون شيئاً فلا يسر الله بهم وأشد ويلات يسوع كانت على الفريسيين المرائين.

يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ (ع ٦) الجسد هو الإنسان كله (انظر ٢: ٣ و١١: ١٠ وأمثال ١٤: ٣٠ ويعقوب ٣: ٢).

ٱلْمَلاَكِ هو مرسل من قبل الله ولعله الكاهن «لأنه رسول رب الجنود» (ملاخي ٢: ٧ وبالعبراني «ملاك») والقول «أنه سهو» يدل على الاستخفاف والإهانة فإنه لا يليق القول «لم أفتكر» أو «نسيت» في أمور مقدسة كالنذور. ويقول البعض إن الملاك هو أحد ملائكة الله في السماء وهو المعيّن من الله ليجري للإنسان ما يستحقه من المجازاة.

وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ لا يقبل الله تقدمات الذين يقتربون إليه بالكلام والفرائض وهم بعيدون عنه في قلوبهم وأعمالهم (انظر إشعياء ٢٩: ١٣).

ٱلأَحْلاَمِ (ع ٧) انظر ع ٣ وكلمة ذلك تشير إلى نكث النذور والقول هنا أنه ناتج عن كثرة الأحلام أي أفكار بلا عقل وكلام بلا معنى.

وَلٰكِنِ ٱخْشَ ٱللّٰهَ كان ذكر الأحلام والأباطيل وكثرة كلام الجهال وخاتمة كلامه في هذا الموضوع أنه خير للإنسان أن يتجنب ذلك كله ويخشى الله وأوامره الثابتة.

٨ – ١٧ «٨ إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ ٱلْفَقِيرِ وَنَزْعَ ٱلْحَقِّ وَٱلْعَدْلِ فِي ٱلْبِلاَدِ فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ ٱلأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ ٱلْعَالِي عَالِياً يُلاَحِظُ، وَٱلأَعْلَى فَوْقَهُمَا. ٩ وَمَنْفَعَةُ ٱلأَرْضِ لِلْكُلِّ. ٱلْمَلِكُ مَخْدُومٌ مِنَ ٱلْحَقْلِ. ١٠ مَنْ يُحِبُّ ٱلْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ ٱلثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. ١١ إِذَا كَثُرَتِ ٱلْخَيْرَاتُ كَثُرَ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا، وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِصَاحِبِهَا إِلاَّ رُؤْيَتَهَا بِعَيْنَيْهِ؟ ١٢ نَوْمُ ٱلْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ إِنْ أَكَلَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً، وَوَفْرُ ٱلْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ. ١٣ يُوجَدُ شَرٌّ خَبِيثٌ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مَصُونَةٌ لِصَاحِبِهَا لِضَرَرِهِ. ١٤ فَهَلَكَتْ تِلْكَ ٱلثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، ثُمَّ وَلَدَ ٱبْناً وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ. ١٥ كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَاناً يَرْجِعُ ذَاهِباً كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئاً مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ. ١٦ وَهٰذَا أَيْضاً مَصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ. فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا جَاءَ هٰكَذَا يَذْهَبُ، فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ لِلَّذِي تَعِبَ لِلرِّيحِ؟ ١٧ أَيْضاً يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي ٱلظَّلاَمِ، وَيَغْتَمُّ كَثِيراً مَعَ حُزْنٍ وَغَيْظٍ».

ص ٤: ١ حزقيال ١٨: ١٨ و١بطرس ٤: ١٢ خروج ٢: ٢٥ ومزمور ١٢: ٥٠ ص ٢: ١٠ و١١ ص ٢: ٩ أمثال ٣: ٢٤ ص ٦: ٢ أيوب ١: ٢١ مزمور ٤٩: ١٧ و١تيموثاوس ٦: ٧ ص ١: ٣ و٢: ١١ و٣: ٩ أمثال ١١: ٢٩ ص ٢: ٢٣

وَٱلأَعْلَى فَوْقَهُمَا يرى البعض ثلاث رتب من الحكام أي حاكم وحاكم أعلى منه وحاكم فوقهما (وبالعبراني «حكام فوقهما») وكلهم ظالمون فلا فائدة من رفع الدعوى إلى حاكم أعلى. ومعنى القول «منفعة الأرض للكل الخ» (ع ٩) إن كل الحكام ظالمون ويأخذون منفعة الأرض كلها والملك يأخذ منفعة الحقل أي البرية فلا يبقى شيء للفلاحين. ويقول غيرهم إن الأعلى هو الله وهو فوق الملك وجميع الحكام فيجب أن يرتاع الإنسان من وجود الظلم ونزع الحق لأن الله يملك بالعدل والحق ويعرف كل شيء ويجازي كل إنسان حسب أعماله. وبموجب هذا التفسير الفائدة من ع ٩ هي أن الزراعة أساس النجاح في كل مملكة وإن لم ينجح الفلاحون لا ينجح التجار ولا أصحاب الصنائع والملك نفسه مخدوم من الحقل أي دخله من الأرض وبدونه لا يقدر أن يعمل شيئاً.

مَنْ يُحِبُّ ٱلْفِضَّةَ (ع ١٠) بالفضة أي المال يحصل الإنسان على ما يلزم للجسد كالمأكولات والملبوسات والمساكن ووسائط الراحة والكيف ونوعاً من الاعتبار والطمأنينة فيحب الفضة ولكنه لا يشبع منها لأنه ليس كالبهائم ليكتفي بما للجسد بل له نفس تشتاق إلى أفضل أي إلى الله (انظر المزامير ١٦: ١١ و١٧: ١٥ و٢٣: ١ و٧٣: ٢٣ – ٢٨ الخ) ولعله لا يعرف لماذا لا يشبع فيكثر المال لزعمه أنه يشبع إذا كثره وذلك باطل.

كَثُرَ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا (ع ١١) الذين يخدمونه والذين يطلبون معونة فيثقلون عليه (انظر إشعياء ٢٢: ٢٤) «فيعلقون عليه كل مجد بيت أبيه».

لِضَرَرِهِ (ع ١٣) (١) لأن من يحب المال ولو اغتنى بالجسد يفتقر بالنفس فيتقسى قلبه ويفقد عواطف الرحمة والشفقة وتعزيات الإيمان والرجاء بخيرات أفضل من المال «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه» (٢) لأنه من المحتمل أنه يخسر المال الذي تعب في جمعه «بأمر سيء» كأمر السرقة أو إفلاس الذين استقرضوا منه فلا يكون له شيء ليتركه لأولاده (٣) لأنه ولو حفظ ماله وتركه لابنه ربما الابن يصرفه بعيش مسرف فيكون مال أبيه سبباً لهلاكه.

يَرْجِعُ ذَاهِباً (ع ١٥) كما دخل العالم وليس بيده شيء هكذا يخرج منه. والاعتبار لدخوله وخروجه فقط وليس لكيفية دخوله بالولادة من أمه.

فِي ٱلظَّلاَمِ (ع ١٧) من بخله لا يضيء سراجاً. أو مجازاً يأكل طعامه بلا فرح وإن كان بيته مضيئا ومزيناً.

١٨ – ٢٠ «١٨ هُوَذَا ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا خَيْراً ٱلَّذِي هُوَ حَسَنٌ: أَنْ يَأْكُلَ ٱلإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْراً مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ ٱلَّذِي يَتْعَبُ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ إِيَّاهَا، لأَنَّهُ نَصِيبُهُ. ١٩ أَيْضاً كُلُّ إِنْسَانٍ أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ غِنىً وَمَالاً وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ وَيَفْرَحَ بِتَعَبِهِ، فَهٰذَا هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ. ٢٠ لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيراً، لأَنَّ ٱللّٰهَ مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ».

ص ٢: ٢٤ ص ٢: ١٠ ص ٦: ٢ و١أيام ١: ١٢ ص ٦: ١ ص ٣: ١٣

ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ ذكر الكاتب نتيجة اختباره أي يجب الشكر لله على أمرين الأول إن الله أعطاه الحياة والثاني أن الله أعطاه مالاً (أو ما يكفيه منه) وسلّطه عليه أي أعطاه المكنة ليفرح فيه.

لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيراً (ع ٢٠) لا يذكر أن أيام حياته قليلة فيغتم بل يقبل بالشكر عطايا الله ويفرح فيها.

لأَنَّ ٱللّٰهَ مُلْهِيهِ يعزيه ويعوّض عليه بأفراح وبركات. وكما يجب أن لا يهتم بالمستقبل هكذا يجب أن لا يحزن كثيراً على ما مضى من حياته بل يفرح بالخيرات التي أنعم الله بها ويهتم بإتمام الواجبات الحاضرة. وللذين يخافون الله أفراح الحياة كثيرة وإذا مضت أيامها سريعاً لهم يقين الرجاء بالأبدية.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى