حياة يسوعشخصيات

حلَّ بيننا

أولًا: طفولة المسيح وصباه

1- جاء المسيح إلى عالمنا في شكل عادى بسيط. ولد المسيح من امرأة كما يولد كل طفل، ومع أن ولادته كانت معجزيه إذ ولد من مريم العذراء الطاهرة دون أب بشرى، ولكن السماء لم تنشق عن مركبة ضخمة من نار ونور، تنزل بشكل خارق على الأرض، وسط بروق ورعود وزلازل صاخبة.

ولد المسيح بشكل عادى بسيط، وقمَّطته أمه وأضجعته في مذود. وصاحب ولادته أحداث جعلت حلوله على الأرض متميزًا :

أ‌. ظهر ملاك الرب لرعاة ساهرين يحرسون رعيتهم في الجبال خارج البلدة، وأعلن لهم ميلاد مخلص هو المسيح الرب. وامتلأت السماء بجمهور من الجند السماوي (ملائكة) سبحوا ورنموا أنشودة وبشارة جديدة “اَلمجَدُ لله فيِ اَلأَعَاليِ… وَعَلى الأَرْضُ اَلسَلاَمِ… وَبِالنَاسِ المسَرَةُ ” (لوقا 2: 1-20)

ب‌. جاء مجوس من المشرق إلى أورشليم، تابعوا نجمًا كبيرًا ظهر لهم، وكان يتقدمهم كل الطريق. كـانوا يسألون عن المولود ملك اليهود ليسجدوا له. سبب مجيئهم اضطرابًا لهيرودس الملك ورؤساء الكهنة وكتبة الشعب. وقادهم النجم إلى حيث يرقد الصبي، وأتوا إلى الصبي وأمه وفتحوا كنوزهم، وقـدموا له ذهبًا ولبانًا ومرًا. (متى 2: 1-12).

ت‌. وحين قدم يوسف ومريم الطفل للرب في الهيكل، حسب عادة اليهود في ذلك الوقت حمله سمعان الشيخ على ذراعيه قائلًا: “اَلآَنَ تُطْلِقُ عَبْدُكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَ عَينيّ قَدْ أَبْصَرَتا خَلاَصِكَ الذّيِ أَعْدَدَتُهُ قُدَاَمَ وَجِهِ جَمَيعِ اَلْشُعُوبِ نُوَرَ إِعلاَنٍ للأُمَمِ وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائيِل”(لوقا 2: 29 – 32).

ث‌. وفى وسط الهيكل، وقفت حنة النبيه تسبح الرب وتتكلم عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم (لوقا 2: 36- 38)، وكان يوسف ومريم العذراء أمه يتعجبان مما قيل فيه.

2- وكان قد أُوحى ليوسف في حلم، أن يأخذ الطفل ويهرب إلى مصر، لأن هيرودس الملك كان يريد أن يقتل المسيح الطفل… وصلت العائلة المقدسة إلى مصر وأقامت بها، حتى وفاة هيرودس، فعادوا وأقاموا في مدينة الناصرة. كانت المسئولية كبيرة على يوسف ومريم وهما يربيان هذا الطفل الإلهي. كانا يعرفان أنه المسيا المنتظر، وتربية وتنشئة المسيا انتظار ورجاء الأجيال ليس أمرًا سهلًا.

وعاش المسيح في مدينة الناصرة حياة أي صبي عادى. لعب في طرقات المدينة، تسلق الجبال حولها، ومرج الوديان القريبة. عاون المسيح يوسف في أعمال نجارته، وراقب مريم وهي تقوم بأعمال البيت اليومية. تلقى معلوماته الدينية والأخلاقية من أمه ثم التحق بمدرسة المجمع ليتعلم القراءة والكتابة ويدرس الكتب المقدسة. “وَكَانَ الَصبُّي يَنْموُ وَيَتَقوَّى بِالرْوُحِ ممُتْلَئًِا حِكْمَةً وكَانَتْ نِعْمَةُ الله عَلَيْهِ” (لوقا 2: 40).

3- كان يوسف ومريم يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. فلما بلغ المسيح الثانية عشرة من عمره، أصبح ممكنًا له أن يصاحبهما كعادة اليهود فذهب معهما، وزامل بقية الصبية في مشاهدة معالم المدينة الكبيرة. وفى الهيكل، دخل مكانًا كان مجتمعًا به علماء وأحبار الهيكل يعلمون الشعب. ونسى كل شئ إلا الاندماج والاستماع إلى تعاليمهم. وبعد العيد، رجع يوسف ومريم مع العائدين، وبقى المسيح في الهيكل، فلما لم يجداه ضمن الأقارب والمعارف، رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسًا وسط المعلمين يسمعهم ويحاورهم ويسألهم، وكان كلامه مبعث تعجب وإعجاب كل من تكلم معهم. وحين عثر يوسف ومريم عليه، ورأى على وجهيهما القلق والدهشة، وعندما سمع عتابهم، قال لهم: “أَلَمَ تَعَلَمَاَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغَيِ أَنَ أَكُوُنَ فيِ مَا لأِبىِ ” (لوقا 2: 41-52)، أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها.

 ثانيًا : مرحلة الشباب والرجولة

  1. عمل المسيح في دكان يوسف كنجار يكسب عيشه بعرق جبينه، ويعمل بجد وأمانة وشرف. ويبدو أنه كان معروفًا جـدًا لأهل الناصرة، حتى أنه حين جاء إليهم وعلَّم في مجمعهم وسمعـوه، بهتوا من تعاليمه وقالوا: ” مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا، أَلَيْسَ هَذَا الَنجَّارِ اِبْنُ مَريَمِ ” وعاش في الناصرة حتى الثلاثين من عمره.
  2. وبينما المسيح في الناصرة، جاء يوحنا المعمدان إلى برية اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وكانت ملابسه من وبر الإبل، وطعامه جرادًا وعسلًا بريًا. وحين حسبه الناس أنه هو المسيح سـألوه ” مَنْ أَنْتَ؟” فقال لهم: “إِني لَسَتُ أَنَا الْمَسيِحُ … أَنَا صَوتُ صَارخٍ فيِ الْبَريَةِ… أَعِدُّوا طَرِيق الربِّ. اصْنَعُوا سُبُلهِ مُسْتَقِيمَةً” (يوحنا 1: 19-28، متى 3: 1-12، مرقس 1: 1-7) وسمع المسيح كل هذا عن يوحنا المعمدان.
  3. كان المسيح يعرف يوحنا المعمدان جيدًا، وكان يعرف ما كتبت الكتب عنه وجميع النبوات التي تنبأ بها الأنبياء، فمكتوب عنه: “هَا أَنَا أُرِسِلُ أَمَاَمَ وَجْهكَ مَلاَكيِ الذِّيِ يُهَيِّئُ طَرِيقُكَ قُدَاَمِكَ ” (مرقس 1: 2)، وقد شهد المسيح نفسه ليوحنا المعمدان، حتى أنه قال عنه: “لَمْ يُقَمْ َبْيَن المَولوُدينَ مِنَ النِسَاءُ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَّنا المعْمَدانُ ” (متى 11: 11، لوقا 7: 28).
  4. وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل إلى يوحنا المعمدان، حيث يُعمٍد ويكرز “قَائَلًا يَأتيِ بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي الذَّي لَسْتُ آَهَلًا أَنْ اَنحنيِ وَاَحُلُّ سُيور حِذَائَهِ أَنَا عَمَدْتُكُمْ بِالمَاءِ وَأَمَا هُوَ فَسَيُعَمَدكُمْ بِالروحِ الْقُدُسِ” (مرقس 1: 7، 8). وعندما جاء المسيح إلى المعمدان، عرفه يوحنا، عرف أنه المسيا انتظار الأجيال ومشتهى الأمم، عرف من كان يتكلم عنه ويكرز به، لكن يسوع فاجأ يوحنا المعمدان وتقدم إليه وخاض في ماء نهر الأردن وطلب منه أن يُعمده، نظر يوحنا المعمدان للمسيح معترضًا وقال: “أَنَا محتاج أن أعتمد منك… وأنت تأتى إلىَّ “، كان المسيح يعرف ذلك لكنه أكد للمعمدان طلبه للمعمودية قائلًا: “يليق بنا أن نكمَّل كل بر”، وغطس المسيح في الماء، وأغترف يوحنا من مياه نهر الأردن وصب على رأس المسيح. وانفتحت السماء، ونزل روح الله مثل حمامة طارت حولهما وحطت على كتف المسيح. وسُمع الصوت من السماء وهو يقول: “هَذَا هُوَ ابْنيِ الحَبِيبُ الذَيِ بِهِ سُرِرْتُ” (متى 3: 13-17، مرقس 1: 9-11، لوقا 3: 21-22، يوحنا 1: 29-34).

ثالثًا: المواجهة والتجربة

ولما كان المسيح قد جاء إلى العالم إنسانًا كاملًا، فقد واجه التجربة شأنه شأن كل إنسان منا. “لإِنَهُ فيِ مَا هُوَ قَدْ تَأَلَمَ مُجَرَبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِيَنَ المُجَرَبِينَ” (الرسالة إلى العبرانيين 2: 18)، واجه ومر بالتجربة كما نواجه نحن التجارب ونمر بها.. وأُصعد المسيح إلى البرية من الروح ليواجه التجربة. صام أربعين يومًا بدون طعام أو شراب:

  1. وبعد أربعين يومًا صائمًا، تلفت حوله ورأى أحجارًا كثيرة راقدة على الرمال الناعمة الصفراء. وجاء إبليس إلى المسيح ليجربه. وواجهه بالتحدي… لا يوجد لديك طعام، وأنت جائع لم تتناول خبزًا منذ أربعين يومًا… إن كنت ابن الله تُصِّير هذه الحجارة خبزًا… وكان في مقدرة المسيح أن يصنع ذلك وأكثر لو شاء… ولكن لم يشأ أن يستمع إلى الشيطان، فصد هجومه وقال له : “مَكَتُوبٌ لَيْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يحَيْاَ الإِنِسَانُ بَلْ بكُلِّ كَلِمَةٌ تخَرْجُ مِنْ فَمِ الله”
  2. تراجع الشيطان أمام قوة الحجة والحق المكتوب.. ولكنه لم ينسحب بل استمر في مواجهة المسيح والهجوم عليه. أخذه إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل. كانت المدينة زاخرة بالزوار، وساحة الهيكل مزدحمة بالناس. وقال له “إِن كُنْتَ ابْنُ الله فَاْطرَحُ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إلىِ أَسْفَل” واستخدم المكتوب مخادعًا وأضاف: “لأنَهُ مَكْتُوبٌ أَنَهُ يُوصِـى مَلاَئِكَتُهُ بِكَ فَعَلىَ أَيَادِيُهم يحَمِلُونَكَ لِكَي لاَ تُصدَمُ بحِجَرٍ رِجْلُكَ”، وتصور الشيطان أن المسيح سوف يلين أمام هذه التجربة، فيلقى بنفسه من أعلى الهيكل أمام كل هؤلاء المشاهدين، وتسرع الملائكة تحمله أمامهم فيعترفون به ويقبلونه كالمسيا المنتظر. ولم يقبل المسيح هذا العبث الشيطاني، فقال له: “مَكْتُوبٌ أَيْضًَا لاَ تجُرِبُ الَربَّ إِلهَكَ”
  3. وتماسك الشيطان أمام هذه الصدمة، لكنه عاود هجومه. أخذه وصعد به إلى جبل عالٍ جدًا. أراه جميع ممالك الأرض، وفى لحظة من الزمان كشف له كل ما بها من غنى ومجد وعظمة ورفعة. وقال له : “لَكَ أُعْطِى هَذَا اَلسُلْطَانَ كُلَهُ وَمجَدَهُنَّ لأَنَهُ إليِّ قَدْ دُفِعَ وَأنَا أُعْطِيه لمِنْ أُرِيدُ. فِإن سَجَدْتَ أَمَاميِ يَكُوُنُ لَكَ الجَمَيِعُ” ونهره المسيح بقوة وطرده وقال له : “اَذْهَبْ يَا شَيْطَانُ. إِنَهُ مَكْتُوُبٌ لِلرّبِّ إِلهَكَ تَسْجُدُ وَإِيَاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ”، ولم يقوى إبليس على الصمود في المواجهة، فذهب وتركه، وجاءت ملائكة الرب وصارت تخدمه. (متى 4: 1-11، لوقا 4: 1-13)

رابعًا: المسيح يختار تلاميذه

في عصر أحد الأيام، كان يوحنا المعمدان يقف مع تلميذيه بطرس وأندراوس، وما أن مر المسيح بهم، حتى قال يوحنا المعمدان بصوت عالٍ: “هَذَا هُوَ حمَلُ الله الذّي يَرْفَعُ خَطِّية العَالمَ” ولعله شجعهما أن يتبعاه فتبعاه.

  1. وكان المسيح ماشيًا عند بحر الجليل، ورأى بطرس وأندراوس يصطادان السمك، فدعاهما أن يتبعاه فيجعلهما صيادي الناس.. فتركا الشباك وتبعاه. ويعقوب ابن زبدى ويوحنا كانا في السفينة مع أبيهما، دعاهما فتركا سفينة أبيهما وتبعاه.
  2. ووجد المسيح فيلبس ودعاه فتبعه. وفيلبس التقي بنثنائيل فقال له: “وَجَدنَا الذَّيِ كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى والأْنِبَياءِ” فلحق به وتبعه.
  3. وفيما المسيح يجتاز، رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متى فقال له : ” اتبعني ” فقام وتبعه.
  4. واكتمل عدد التلاميذ إلى أثني عشر فردًا هم : سمعان بطرس، أندراوس أخوه، يعقوب ابن زبدى ويوحنا أخوه، فيلبس، برثولماوس، توما، متى، يعقوب بن حلفي، لباوس، سمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطى وهكذا اختار المسيح تلاميذه ليكونوا معه، ليروا أعماله، ويتعلموا منه، ليدربهم على مسؤوليات الخدمة، وليرسلهم ليكرزوا باسمه، وبدأت خدمة المسيح وإرساليته على الأرض.

خامسًا : تلخيص

يسوع المسيح حلَّ على الأرض بيننا كإنسان كامل، ولد طفلًا عاديًا من العذراء القديسة مريم. عاش صبيًا عاديًا في الناصرة، وعمل نجارًا حتى بلغ الثلاثين من عمره. اعتمد في نهر الأردن من يوحنا المعمدان، ونزل الروح القدس من السماء واستقر عليه وصار صوت من السماء يقول : “هَذَا هُوَ ابْنيِ الحَبِيبُ” واجه تجارب الشيطان وانتصر عليه، واختار تلاميذه الاثني عشر ليكرزوا باسمه، وهذا بدأت إرساليته وخدمته على الأرض.

سادسًا : دعاء

 أيها الإله الحي… يا من تجسدت وحللَّت بيننا… عشت معنا… خدمتنا… وواجهت التجربة وانتصرت عليها… وقدمت لنا الحياة… ها أنا أرفع نظري إليك… وأسلم حياتي ومشيئتي لتكون ملكًا لك… فتعطى لحياتي الانتصار الدائم. والرب معك.

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى