سفر التثنية

سفر التثنية | 33 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التثنية

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ

بركة موسى الآخرة

١ «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْبَرَكَةُ ٱلَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى رَجُلُ ٱللّٰهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ».

تكوين ٤٩: ٢٨ مزمور ٩٠ عنوان

بَارَكَ… مُوسَى رَجُلُ ٱللّٰهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا أول موضع في التوراة ذُكر فيه هذا اللقب والظاهر أن المقصود برجل الله عبد الرب فعلى قدر ما يكون الإنسان عبداً للرب يكون رجلاً لله (انظر ص ٣٤: ٥) ولقب بذلك بعد موسى إيليا وأليشع وعُرف كل منهما في الغالب برجل الله.

بَنِي إِسْرَائِيلَ قال راشي «إن لم يباركهم موسى حينئذ فمتى يجب أن يباركهم».

٢ «فَقَالَ: جَاءَ ٱلرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ ٱلْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ».

خروج ١٩: ١٨ و٢٠ وقضاة ٥: ٤ و٥ وحبقوق ٣: ٣ مزمور ٦٨: ١٧ ودانيال ٧: ١٠ وأعمال ٧: ٥٣ وغلاطية ٣: ١٩ وعبرانيين ٢: ٢ ورؤيا ٥: ١١ و٩: ١٦

جَاءَ ٱلرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ أي شرق كما تشرق الشمس.

أَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ اي لمعت أشعته على جبال سعير (يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا لمعت). وسعير جبل في أرض أدوم (انظر تفسير خروج ١٩: ١٨).

وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ أي أشرق مثل ذلك الإشراق على جبل فاران (وهذا بيان للمظهر الذي كان على جبل سيناء فإن الرب لما أعلن مجده للإسرائيليين على سيناء بالبروق والنيران بلغت الإضاءة جبل سعير وجبل فاران. وجبل فاران على ما يرجّح الجزء الجنوبي من جبال الشمال الشرقي من بادية التيه. وفاران علم منقول معناه موضع الكهوف) ويسمى اليوم جبل مفرعة وهو يشرف على البادية ويحجب عن الصاعد منها جنوبي أرض يهوذا. (انظر فاران في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورح بوست).

وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ ٱلْقُدْسِ أي أتى من ربوات المقدسين إلى الخطأة. قال راشي إن «من» للتبعيض والمعنى أنه أتى «بعض ربواته المقدسين لا كلهم». وهذا لا يناسب ما قبله ولا مما يقتضيه اللفظ والتركيب فالمعنى الصحيح ما ذكرناه. فإن المجيء من سيناء والتلألؤ من جبل فاران أُسند إلى الرب فكذلك الإتيان. وهذا على وفق قول المرنم «مِنْ صِهْيَوْنَ، كَمَالِ ٱلْجَمَالِ، ٱللّٰهُ أَشْرَقَ» (مزمور ٥٠: ٢). فإن الناموس كان «مُرَتَّباً بِمَلاَئِكَةٍ فِي يَدِ وَسِيطٍ» (غلاطية ٣: ١٩) وسُمي «ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ» (عبرانيين ٢: ٢). ويماثل هذه الآية قول دانيال «نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ» (دانيال ٧: ١٠). فالشريعة النارية أتت من ربوات على يمينه أو أتت منهم ومن يمينه كما يأتي.

عَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ أي إن ربوات القدس كانت الشريعة التي أتوا بها إسرائيل ناراً عن يمينه.

٣ «فَأَحَبَّ ٱلشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ، وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ».

خروج ١٩: ٥ وص ٧: ٧ و٨ ومزمور ٤٧: ٤ وهوشع ١١: ١ ص ٧: ٦ و١صموئيل ٢: ٩ ومزمور ٥٠: ٥ لوقا ١٠: ٣٩ وأعمال ٢٢: ٣ أمثال ٢: ١

فَأَحَبَّ ٱلشَّعْبَ أي الله أحب الشعب. وتظهر علاقة بعض الجمل ببعض بأن يقال «عن يمينه خرجت نار هي شريعة لإسرائيل الشعب الذي هو أحبه» أي الشعب الحاضر ومن يأتي على أثره.

جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ أي قديسي المتكلم على سيناء.

فِي يَدِكَ لا يكون جميع قديسي رب سيناء إلا في يد رب سيناء نفسه فخرج المتكلم هنا من الغيبة إلى الخطاب لخروج المتكلم من سيناء إلى السماء وتكلمه منها أي الرب يسوع (عبرانيين ١٢: ٢٥).

وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ أيها المتكلم من السماء.

يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ يتلقون أوامرك.

٤ «بِنَامُوسٍ أَوْصَانَا مُوسَى مِيرَاثاً لِجَمَاعَةِ يَعْقُوبَ».

يوحنا ١: ١٧ و٧: ١٩ مزمور ١١٩: ١١١

بِنَامُوسٍ أَوْصَانَا مُوسَى تُرك موسى من بعض النسخ القديمة فيكون فيها فاعل أوصى الله. وذُكر موسى في أكثر النسخ القديمة.

مِيرَاثاً أي أوصانا الله بواسطة موسى بالناموس ليكون شريعة لنا ولمن بعدنا كالميراث. والظاهر أن هذه الآية كلام معترض لم يكتبه موسى ولم يقله إنما كتبه يشوع للإيضاح على ما يرجّح.

٥ «وَكَانَ فِي يَشُورُونَ مَلِكاً حِينَ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلشَّعْبِ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ مَعاً».

ص ٣٢: ١٥ تكوين ٣٦: ٣١ وقضاة ٩: ٢ و١٧: ٦

كَانَ فِي يَشُورُونَ مَلِكاً (الضمير المستتر في كان إما يرجع إلى موسى فيكون من الكلام المعترض على ما ذُكر في تفسير الآية الرابعة وإما إلى الله فيكون من كلام موسى وهو المرجّح والذي فهمه علماء من اليهود) ومنهم راشي فإنه قال: أي القدوس المبارك كان ملكاً في يشورون ونير ملكه عليهم إلى الأبد. (ويشورون هو إسرائيل الشعب المحبوب).

ويتبين مما ذُكر أن المسيح ملك الملوك ملك إسرائيل كان معطي الشريعة ومعلمها وحافظ كل قديسيه الذين جميعهم يجلسون عند قدميه ويتلقون كلامه ويطيعونه.

٦ «لِيَحْيَ رَأُوبَيْنُ وَلاَ يَمُتْ، وَلاَ يَكُنْ رِجَالُهُ قَلِيلِينَ».

لِيَحْيَ رَأُوبَيْنُ وَلاَ يَمُتْ «أي ليحيي في هذا العالم ولا يمت في العالم الآتي» (راشي) ويُغفر إثمه ولا تُذكر إساءته (تكوين ٣٥: ٢٢). وزاد راشي على ذلك قوله «أبناء يعقوب اثنا عشر وإن رأوبين لم يُقطع بل بقي وارثاً لكنه خسر البكورية وكاد يحرم من بركة أبيه (تكوين ٤٩: ٣ و٤ و١أيام ٥: ١) ولذلك لم تكن صلاة موسى من أجله غير ضرورية».

وَلاَ يَكُنْ رِجَالُهُ قَلِيلِينَ في هذا صعوبة (ويدفعها حمل القلة على القدر والقوة فإن المحاربين من رأوبين كانوا أشداء ذوي بأس فهم بذلك كثيرون). وزادت السبعينية «وليكثر عدد شمعون» وليست هذه الزيادة بضرورية (على قول بعضهم ويحتمل أنها غير زائدة في السبعينية وإنها سقطت من العبرانية سهواً). والضربة الهائلة التي وقعت على إسرائيل بما كان من موسى على داثان وإبيرام كان معظم ويلها على رأوبين لأن داثان وأبيرام كانا من سبط رأوبين. ولا نستطيع أن نقول إلى اي حد نقص ذلك السبط بتلك الضربة العظمى (عدد ص ١٦) لكن من المحقق أن رجال الحرب في ذلك السبط قلما نقصوا في الإحصاء الثاني (عدد ١: ٢١ و٢٦: ٧) ولم يكن أقل من رجال رأوبين سوى سبطين من الأسباط الاثني عشر. وقال بعضهم إن معنى الدعاء هذا لا يمت كثيرون منه فتقل رجاله أي تصير قليلة جداً. ولعل ترك شمعون في هذه البركة لأنه حُسب مع يهوذا لأنه كان وارثاً معه في كنعان وأخذ البركة عن ذلك السبط الممتاز وهذا ما رآه راشي أيضاً.

٧ «وَهٰذِهِ عَنْ يَهُوذَا: قَالَ ٱسْمَعْ يَا رَبُّ صَوْتَ يَهُوذَا، وَأْتِ بِهِ إِلَى قَوْمِهِ. بِيَدَيْهِ يُقَاتِلُ لِنَفْسِهِ، فَكُنْ عَوْناً عَلَى أَضْدَادِهِ».

تكوين ٤٩: ٨ مزمور ١٤٦: ٥

وَهٰذِهِ عَنْ يَهُوذَا أي وهذا ما قاله في يهوذا. وهو الكلام الآتي وعرف بأنه بركة ملكية «اسمع يا رب صوت يهوذا وأتِ به إلى قومه» وبعبارة أخرى «أيها الأسد الذي من سبط يهوذا ليأت ملكوتك». ذكرنا راشي صلوات كثيرة في تاريخ اعهد القديم مما سمع من شفتي يهوذا ومن ذلك صلوات داود وسليمان وآسا ويهوشافاط وحزقيا ونزيد على ذلك صلاة الملك منسى ودانيال النبي فإن هذه الصلوات كلها كانت صلاة رجال من يهوذا. وآخر ما سُطر من تاريخ العهد القديم صلاة يهوذا بفم نحميا وبالحري إن كل صلاة من صلوات ربنا يسوع كانت صلاة بفم يهوذا أو كانت «صوت يهوذا».

بِيَدَيْهِ يُقَاتِلُ لِنَفْسِهِ الخ تُفهم هذه البقية من بركة يهوذا بيسوع المسيح فإنه غلب بيديه الأعداء لخلاص بني البشر وآخر عدو أبطله الموت وكان الأعداء جميعاً هم أولئك الأعداء الذين جعلهم الله موطئاً لقدمي ابنه الفادي.

٨ «وَلِلاَوِي قَالَ: تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ لِرَجُلِكَ ٱلصِّدِّيقِ، ٱلَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مَسَّةَ وَخَاصَمْتَهُ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ».

خروج ٢٨: ٣٠ خروج ١٧: ٧ وعدد ٢٠: ١٣ وص ٨: ٢ و٣ و١٦ ومزمور ٨١: ٧

وَلِلاَوِي هذا السبط كان ثاني يوسف في نصيبه بسط موسى الكلام فيه كما يتوقع طبعاً لأن هذا السبط سبط موسى نفسه وكانت السجية الكهنوتية الموضوع الأهم فيه.

تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ أي ليكن تميمك وأوريمك. والتميم والأوريم من أعظم زينة الكهنوت. (ومعنى الأوريم الأنوار ومعنى التميم الكمالات وكان الكاهن يلبسهما في صدرة القضاء عند مقابلته الرب. ولما مُسح هارون رئيس كهنة وضع موسى الأوريم والتميم في الصدرة وألبسه إياها ولا تُعرف اليوم حقيقتهما إذ الكتاب لم يبين ما هما. والمخاطب هنا إسرائيل ويصح أن يكون لاوي وأن يكون الرب والأول هو المناسب لما بعده كما سترى).

لِرَجُلِكَ ٱلصِّدِّيقِ (أي هارون. ويصدق الكلام على كل من بنيه من جهة التميم والأوريم).

ٱلَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مَسَّةَ (الضمير المفعول به أو الهاء في جربته يرجع إلى الرجل الصدّيق أي هارون. والضمير الفاعل أو التاء لإسرائيل). كانت التجربة لموسى وهارون معاً فصحّ أن يقول جربت هارون الخ و «مسّة» اسم مكان في البرية (انظر تفسير خروج ١٧: ٧).

مَاءِ مَرِيبَةَ (قال بعضهم أن مسّة هي مريبة والظاهر أن مريبة موضع أو ماء في مسّة).

٩ «ٱلَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لَمْ أَرَهُمَا وَبِإِخْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلاَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ».

تكوين ٢٩: ٣٢ و١أيام ١٧: ١٧ وأيوب ٣٧: ٢٤ خروج ٣٢: ٢٦ إلى ٢٨ إرميا ١٨: ١٨ وملاخي ٢: ٥ و٦

ٱلَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ الخ إن بني لاوي الذين تكلم عليهم هنا باسم السبط أطاعوا أمر الرب غير مكترثين بآبائهم ولا أمهاتهم ولا إخوتهم كما فُصل في سفر الخروج (انظر خروج ٣٢: ٢٦ – ٢٨) قال بعضهم وأراد بالآباء والأمهات والإخوة الذين عبدوا الأوثان وإن لم يكونوا من سبط لاوي فكانوا في تلك النسبة إليه لأنهم من شعبهم الذي كله من إسرائيل لأن سبط لاوي لم يعبد الأوثان (انظر تفسير خروج ٣٢: ٢٦ – ٢٨).

بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ المخاطب هنا الله وترجيع كل ضمير إلى صاحبه سهل هنا ولهذا لم يذكر ما يعيّنه.

١٠ «يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُوراً فِي أَنْفِكَ وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ».

لاويين ١٠: ١١ وص ١٧: ٩ و١٠ و١١ و٢٤: ٨ وحزقيال ٤٤: ٢٣ و٢٤ وملاخي ٢: ٧ خروج ٣٠: ٧ و٨ وعدد ١٦: ٤٠ و١صموئيل ٢: ٢٨ لاويين ١: ٩ و١٣ و١٧ ومزمور ٥١: ١٩ وحزقيال ٤٣: ٢٧

يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ كان معلمو الشريعة من اللاويين وكذا خدم الهيكل والمذبح.

١١ «بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ وَٱرْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. ٱحْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لاَ يَقُومُوا».

٢صموئيل ٢٤: ٢٣ ومزمور ٢٠: ٣ وحزقيال ٢٠: ٤٠ و٤١ و٤٣: ٢٧

بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ (أي قوة لاوي وفي الأصل العبراني بارك يا رب حيلَه والحَيل هنا بمعنى القوة في العبرانية والعربية وترجمه بعضهم بمقومات العيش وهو المعنى الحقيقي والقوة مجاز مرسل من تسمية المسبب باسم السبب فإن سبب القوة أسباب المعاش) فتكون البركة شاملة لكل إسرائيل لأن أسباب المعاش للاويين كان من الشعب إذ هي العشور التي كانوا يأخذونها من الشعب.

ٱرْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ بخدمته الدينية وكان الارتضاء بهذه الخدمة مصلحة كل الشعب لأنهم كانوا وسطاء بينه وبين الله.

ٱحْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ أي كسِّر ظهور أعدائه. قال راشي أشار النبي بهذا إلى الحرب العظيمة التي حميت بين السمعانيين والأجانب في زمن المكابيين فإن متيا الذي أوقد نار تلك الحرب كان كاهناً من بني يوياريب من أورشليم وما كان في عصر عثليا والطيخوس أبيفانيس من رد عبادة الرب أي تجديدها وإنقاذ الشعب من نير الأجانب فإن الذين أتوا ذلك الكهنة (١مكا ٢: ١ الخ).

١٢ «وَلِبِنْيَامِينَ قَالَ: حَبِيبُ ٱلرَّبِّ يَسْكُنُ لَدَيْهِ آمِناً. يَسْتُرُهُ طُولَ ٱلنَّهَارِ، وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ يَسْكُنُ».

يَسْكُنُ أي الرب لا بنيامين (على تفسير بعض المشاهير والذي يظهر لي أن الفاعل بنيامين).

آمِناً (إما حال من الضمير في يسكن فتكون من الرب وإما من الهاء في «لديه» فتكون من بنيامين على القول بأن فاعل يسكن الرب والذي اعتقده حال من فاعل يسكن وإن ذلك الفاعل بنيامين والهاء في لديه يرجع إلى الرب).

مَنْكِبَيْهِ (المنكب مجتمع رأس الكتف والعضد وفسّر بعضهم المنكبين بسفحي الجبل والظاهر أن في الكلام تمثيلاً وهو أن الله يعتني ببنيامين صغير الأسباط كما يعتني الراعي بصغير الخراف بأن يحمله على مكنبيه فيسكن بينهما آمناً).

١٣ «وَلِيُوسُفَ قَالَ: مُبَارَكَةٌ مِنَ ٱلرَّبِّ أَرْضُهُ بِنَفَائِسِ ٱلسَّمَاءِ بِٱلنَّدَى، وَبِاللُّجَّةِ ٱلرَّابِضَةِ تَحْتُ».

تكوين ٤٩: ٢٥ تكوين ٢٧: ٢٨

وَلِيُوسُفَ قَالَ (أي لسبط يوسف قال). قال راشي إن بركة موسى ليوسف امتازت عن بركات سائر الأسباط بأنها مأخوذة عن البركة القديمة بركة يعقوب ليوسف (تكوين ٤٩: ٢٢ – ٢٦).

بِاللُّجَّةِ ٱلرَّابِضَةِ تَحْتُ «تصعد مياه اللجة بخاراً يرجع مطراً وفوق ذلك إنها بعودها كذلك ترطب التربة» (راشي). (والظاهر أنه أراد «باللجة الرابضة تحت» المياه التي تحت سطح الأرض التي تجري منها الينابيع والأنهار).

١٤ «وَنَفَائِسِ مُغَلاَّتِ ٱلشَّمْسِ وَنَفَائِسِ مُنْبَتَاتِ ٱلأَقْمَارِ».

مُغَلاَّتِ ٱلشَّمْسِ… مُنْبَتَاتِ ٱلأَقْمَارِ أي الغلال السنوية والشهرية أو غلال النهار والليل أو الأثمار التي تنمو نهاراً وليلاً (على ما قال المفسرون المشهرورن والظاهر لي أن المعنى الغلال التي نمت ونضجت بحرّ الشمس ونبتت وانتعشت بأنداء الليل. ودل على ذلك بالأقمار لأن القمر سلطان الليل أو لحكمه. وجمع القمر دون الشمس لتغير وجهه على توالي الأيام حتى كأنه أقمار مختلفة فتأمل).

١٥ «وَمِنْ مَفَاخِرِ ٱلْجِبَالِ ٱلْقَدِيمَةِ، وَمِنْ نَفَائِسِ ٱلإِكَامِ ٱلأَبَدِيَّةِ».

تكوين ٤٩: ٢٦ حبقوق ٣: ٦

وَمِنْ مَفَاخِرِ ٱلْجِبَالِ ٱلْقَدِيمَةِ (وفي الأصل العبراني «ومن رأس الجبال القديمة» والمعنى كما في المتن العربي لأن الرأس أشرف وأفخر من سواه. وأراد بالقديمة المتقدمة على غيرها بالنفاسة لا في الزمان). قال أحد المفسرين «إذا كانت الجبال مخصبة فأثمارها خير الأثمار. ووُصفت بالقديمة لا لأنه كانت قبل سواها في الزمان بل لأنها بمنزلة البكر في الأمتياز».

ٱلإِكَامِ ٱلأَبَدِيَّةِ (أي التلال الدائمة الأثمار. قال أحد المفسرين «وصفت هذه التلال بالأبدية لا لكونها غير منتقلة كسائر الآكام والجبال حبقوق ٣: ٦ بل لكون ثمرها دائماً»).

١٦ «وَمِنْ نَفَائِسِ ٱلأَرْضِ وَمِلْئِهَا، وَرِضَى ٱلسَّاكِنِ فِي ٱلْعُلَّيْقَةِ. فَلْتَأْتِ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ إِخْوَتِهِ».

خروج ٣: ٢ و٤ وأعمال ٧: ٣٠ و٣٥ تكوين ٤٩: ٢٦

رِضَى ٱلسَّاكِنِ فِي ٱلْعُلَّيْقَةِ إن الله ظهر لموسى في العليقة بلهيب النار فتصوّره موسى أنه ساكن فيها (ولعل هذا لأن صورة ذلك المشهد كانت في خياله كل ما بقي من سني حياته فكان كلما ذكره تصور الله في العليقة يخاطبه حتى كانت كأنها مسكنه). وكان من هذا المشهد تعزية لكنيسة الله على مر العصور وهي أن هيكل الله الإنساني لا يحترق مع أن النار تتوقد فيه. وآخر هذه الآية من سفر التكوين (تكوين ٤٩: ٢٦).

نَذِيرِ إِخْوَتِهِ وفي العبرانية «نزير» (الزاي لا بالذال إذ ليس في العبرانية ذال) وترجمها بعضهم بالمنفصل وفسّر ذلك بأن يوسف كان منفصلاً عن إخوته بأن باعوه فانفصل عنهم. وقال بعضهم ذلك لا يعقل ولعل معناه بعض معنى ناصري الذي وُصف به ربنا (متّى ٢: ٢٣). (قلت ونزير بالزاي معناه في العربي قليل محتقر وهذا بعض معنى الناصري لأن أهل الناصرة كانوا محتقرين. ومعناه المشهور في العبرانية منذور وإخوته نذروا أن يقتلوه ولذلك دعي «نذير إخوته» (انظر تكوين ٢٦: ٤٩ و٣٧: ١٨ و٢٠). والخلاصة أن يوسف كان رمزاً إلى المسيح في احتقار إخوته إياه وبيعه إلى مصر).

١٧ «بِكْرُ ثَوْرِهِ زِينَةٌ لَهُ، وَقَرْنَاهُ قَرْنَا رِئْمٍ. بِهِمَا يَنْطَحُ ٱلشُّعُوبَ مَعاً إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. هُمَا رَبَوَاتُ أَفْرَايِمَ وَأُلُوفُ مَنَسَّى».

١أيام ٥: ١ عدد ٢٣: ٢٢ ومزمور ٩٢: ١٠ و١ملوك ٢٢: ١١ ومزمور ٤٤: ٥ تكوين ٤٨: ١٩

بِكْرُ ثَوْرِهِ (يراد هنا بالثور القوة والسلطة وقد اشتهرت ثيران باشان بذلك وكانت في أرض منسى (مزمور ٢٢: ١ وعاموس ٤: ١). ومن سبطي يوسف ولا سيما أفرايم كان أبطال الحرب. ودُعي يوسف هنا بالبكر لأن بكورية رأوبين أخذها يوسف (انظر ١أيام ٥: ١ و٢).

هُمَا رَبَوَاتُ أَفْرَايِمَ وَأُلُوفُ مَنَسَّى قال راشي «هذا يشير إلى الربوات التي قتلها يشوع القائد الأفرايمي وإلى الألوف التي قتلها جدعون وهو من سبط منسى». (وقوله «هما» يرجع إلى قرناه والمقصود بهما سبطا أفرايم ومنسى لأنهما من يوسف). وهذه الآية تشبه أغنية النساء الإسرائيليات على أثر الانتصار على الفلسطينيين وهي قولهن «ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ» (١صموئيل ١٨: ٧). وقوله «بهما ينطح الشعوب معاً إلى أقاصي الأرض» إنه يدفع الكنعانيين والمديانيين إلى أقصى أرض الميعاد (قابل بهذا ١ملوك ٢٢: ١١ ودانيال ٨: ٣ و١٠). (قلت وظاهر النص أن قوة يوسف ربوات أفرايم وألوف منسى فتأمل).

١٨ «وَلِزَبُولُونَ قَالَ: اِفْرَحْ يَا زَبُولُونُ بِخُرُوجِكَ، وَأَنْتَ يَا يَسَّاكَرُ بِخِيَامِكَ».

تكوين ٤٩: ١٣ إلى ١٥

زَبُولُونَ… يَسَّاكَرُ اقترن هذان السبطان بيهوذا في قسم من قيادة إسرائيل في البرية واشتهر الأول بالسجية الحربية والثاني بالحكمة السلمية (انظر قضاة ٥: ١٨ و١أيام ٢٢: ٣٢ و٣٣ وقابل بهذه البركة بركة يعقوب في تكوين ٤٩: ١٤ و١٥). (وذُكر هذان السبطان معاً لأنهما ابنا يعقوب من ليئة وكانا متجاورين في أرض كنعان. وذكر خروج زبولون هنا لأنه كان يخرج للحرب. وذكرت خيام يساكر لأنه كان يعتني بالحراثة والمواشي).

١٩ «إِلَى ٱلْجَبَلِ يَدْعُوانِ ٱلْقَبَائِلَ. هُنَاكَ يَذْبَحَانِ ذَبَائِحَ ٱلْبِرِّ لأَنَّهُمَا يَرْتَضِعَانِ مِنْ فَيْضِ ٱلْبِحَارِ، وَذَخَائِرَ مَطْمُورَةٍ فِي ٱلرَّمْلِ».

إشعياء ٢: ٣ مزمور ٤: ٥

إِلَى ٱلْجَبَلِ يَدْعُوانِ ٱلْقَبَائِلَ أي أنهما يدعوان أسباط إسرائيل إلى جبل المريا ليقدموا ذبائح البر (انظر ٢أيام ٣٠: ١١و ١٨).

٢٠ «وَلِجَادَ قَالَ: مُبَارَكٌ ٱلَّذِي وَسَّعَ جَادَ. كَلَبْوَةٍ سَكَنَ وَٱفْتَرَسَ ٱلذِّرَاعَ مَعَ قِمَّةِ ٱلرَّأْسِ».

يشوع ١٣: ١٠ الخ و١أيام ١٢: ٨ الخ

مُبَارَكٌ ٱلَّذِي وَسَّعَ جَادَ (أي وسع نصيبه من الأرض انظر يشوع ١٣: ٢٤ – ٢٨).

كَلَبْوَةٍ سَكَنَ فإنه «مِنَ ٱلْجَادِيِّينَ… جَبَابِرَةُ ٱلْبَأْسِ رِجَالُ جَيْشٍ لِلْحَرْبِ… وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ ٱلأُسُودِ» (١أيام ١٢: ٨).

٢١ «وَرَأَى ٱلأَوَّلَ لِنَفْسِهِ، لأَنَّهُ هُنَاكَ قِسْمٌ مِنَ ٱلشَّارِعِ مَحْفُوظاً، فَأَتَى رَأْساً لِلشَّعْبِ يَعْمَلُ حَقَّ ٱلرَّبِّ وَأَحْكَامَهُ مَعَ إِسْرَائِيلَ».

عدد ٣٢: ١٦ و١٧ يشوع ٤: ١٢

رَأَى ٱلأَوَّلَ لِنَفْسِهِ أي اختار القسم الأول من الأرض وهي الأرض الأولى التي استولى عليها موسى وقسمها على رأوبين وجاد ونصف سبط منسى (عدد ٣٢: ١ الخ).

قِسْمٌ مِنَ ٱلشَّارِعِ أي موسى صاحب الشريعة أعطاهم ذلك القسم الأول.

فَأَتَى رَأْساً لِلشَّعْبِ الخ أي أتى جاد أو الجاديون ومن ورثوا معهم إلى أرض كنعان في مقدمة الأسباط لمحاربة الكنعانيين بأمر موسى ويشوع (يشوع ١: ١٢ – ١٨).

٢٢ «وَلِدَانَ قَالَ: دَانُ شِبْلُ أَسَدٍ يَثِبُ مِنْ بَاشَانَ».

يشوع ١٩: ٤٧ وقضاة ١٨: ٢٧

دَانُ شِبْلُ أَسَدٍ (شجاع قوي سريع الوثب). وشبهه يعقوب بحية وأفعوان فإذاً أسد سبط دان ليس كأسد سبط يهوذا (تكوين ٤٩: ١٧ انظر أيضاً تكوين ٤٩: ٩).

يَثِبُ مِنْ بَاشَانَ جاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورح بوست «باشان قطيعة من أرض كنعان واقعة شرقي الأردن بين جبلي حرمون وجلعاد (مزمور ٦٨: ١٥). وكانت باشان تشمل حوران والجولان واللجاه». وكلها مؤلفة من صخور وأتربة بركانية. وتربتها مخصبة للغاية. وماؤها غزير ويزرع فيها الحنطاء والشعير والسمسم والذرة والعدس والكرسنّة. ويحدها شمالاً أراضي دمشق وشرقاً بادية سورية وجنوباً أرض جلعاد وغرباً غور الأردن. ويخترق جانبها الشرقي جبل الدروز وهو جبل باشان القديم. ويمر بالجولان سلسلة تلال من الشمال إلى الجنوب هي براكين قديمة مطفية. أما مقاطعة اللجاه فهي حقل من اللافا أي الصخر البركاني قد انسكبت قديماً من تل شيحان وهو فم بركان قديم بقرب شحبة. وذُكرت باشان نحو ستين مرة في الكتاب المقدس.

وكان سكان باشان القدماء الرفائيين (تكوين ١٤: ٥) وتوجهت الهزيمة على عوج ملكها فقتله الإسرائيليون (عدد ٢١: ٣٣ و٣٢: ٣٣) واقتسموا أرضه. وقد اشتهرت بسبب مرعاها ومواشيها وأشجارها (ص ٣٢: ١٤ ومزمور ٢٢: ١٢ وإشعياء ٢: ١٣ وإرميا ٥٠: ١٩ وحزقيال ٣٩: ١٨) وفيها من الآثار ما يؤيد صدق الكتاب المقدس (تثنية ٣: ٣ – ١٣ ويشوع ١٣: ٣٠) ومن أبنيتها أربعة أنواع:

  1. مغاور للسكن.
  2. مناجم تحت الأرض يبلغ طولها ١٥٠ قدماً ويتفرع منها أزقة تحت الأرض بجانبها بيوت تنفتح كواها في سقفها.
  3. بيوت منقورة في الصخر.
  4. بيوت مبنية من حجارة منحوتة وأبوابها وكواها من الحجر أيضاً.

وذُكر جبل باشان مع جبل الله (مزمور ٦٨: ١٥). ولُقب الظالمون من إسرائيل ببقرات باشان (عاموس ٤: ١) واستُعير الثيران أقوياء باشان لأعداء المسيح (مزمور ٢٢: ١٢).

والمرجّح أن النبي أشار بهذه العبارة إلى أخذ لايش فإنهم أخذوها فجأة إذ وثبوا إليها كما يثب الأسد إلى الفريسة (قضاة ١٨: ٢٧ و٢٨).

٢٣ «وَلِنَفْتَالِي قَالَ: يَا نَفْتَالِي ٱشْبَعْ رِضىً، وَٱمْتَلِئْ بَرَكَةً مِنَ ٱلرَّبِّ، وَٱمْلِكِ ٱلْغَرْبَ وَٱلْجَنُوبَ».

تكوين ٤٩: ٢١ يشوع ١٩: ٣٢ الخ

يَا نَفْتَالِي… ٱمْلِكِ ٱلْغَرْبَ وَٱلْجَنُوبَ وفي الأصل العبراني «املك البحر والجنوب» ولم يكن في سهم نفتالي من بحر سوى بحر الجليل (وهذا كان غرباً من موقف المتكلم). وهذا البحر لم يشتهر في الكتاب المقدس إلا في الزمان الذي كان فيه مخلصنا في أرض زبولون ونفتالي التي فيها ملك بأصحابه الجليليين الغرب والجنوب وأخذ أمم الأرض ميراثاً له وأقاصي الأرض ملكاً له.

٢٤ «وَلأَشِيرَ قَالَ: مُبَارَكٌ مِنَ ٱلْبَنِينَ أَشِيرُ. لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ، وَيَغْمِسْ فِي ٱلزَّيْتِ رِجْلَهُ».

تكوين ٤٩: ٢٠ أيوب ٢٩: ٦

مُبَارَكٌ مِنَ ٱلْبَنِينَ أَشِيرُ أي أكثر البنين مباركة لكن قال راشي «إنك لا ترى من الأسباط مباركاً في البنين مثل أشير ولا أستطيع أن أقول لماذا كان كذلك» (فظهر من هذا أن المعنى أن أشير كان ذا بنين مباركين كثيراً أكثر من بني سائر الأسباط).

لِيَكُنْ مَقْبُولاً مِنْ إِخْوَتِهِ (أي محبوباً من سائر أسباط إسرائيل لأن أقواله كانت حسنة (تكوين ٤٩: ٢١.

يَغْمِسْ فِي ٱلزَّيْتِ رِجْلَهُ هذا كناية عن كثرة الخصب فإنه طلب له أن تكون أرضه ذات خصب كثير حتى لو أراد أن يغسل رجليه بالزيت بدل الماء لاستطاع.

٢٥ «حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ، وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ».

ص ٨: ٩

حَدِيدٌ وَنُحَاسٌ مَزَالِيجُكَ وفي العبرانية «برزل ونحشت منعلك» ولهذا ترجمها بعضهم «حديد ونحاس نعالك» والمشهور أن النعال في العبرانية «نعلوت» (يشوع ٩: ٢٥) و «نعليم» (حزقيال ٢٤: ٢٣) وهنا حُذفت الميم للإضافة. والمفرد «نعل» كما في العربية (تكوين ١٤: ٢٣ وتثنية ٢٥: ٩ و١٠ و٢٩: ٥ في العربية وع ٤ في العبرانية). ولم تأت لفظة «منعل» في غير هذا الموضع من الكتاب المقدس (قال بعضهم) والأرجح أن معناها أقفال أو متارس (جمع مترس وهو خشبة توضع خلف الباب لتمنع فتحه من خارج. والمزاليج في العربية جمع مزلاج وهو المغلاق إلا أنه يفتح باليد والمغلاق يفتح بالمفتاح فيعم ما يسميه بعض العامة بالدقرة وبعضهم بالسكرة بلا أسنان والمترس هو ما يعرف عند بعضهم بالدقر وعند بعضهم بالنجر). والمعنى أن أرضه تكون حصينة ودعا له بذلك لأن حدها ثغور فكانت عرضة لغزو الأعداء فإنه إذا كانت مزاليجها حديداً ونحاساً كانت منيعة جداً. وذُكر الحديد والنحاس معاً للمنعة في سفر المزامير (مزمور ١٠٧: ١٦) وفي سفر إشعياء (إشعياء ٤٥: ٢).

وَكَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ (أو قوتك انظر حاشية التوراة بالشواهد والترجمة الانكليزية والترجوم والترجمة السبعينية). وجاء في التفاسير اليهودية أن معنى ذلك «لتكن قوتك في الشيخوخة كقوتك في الشبيبة» أو «لتكن قوياً مدة أيامك» والقول الثاني هو الموافق للكلام (والمعنى على الترجمة العربية لتكن مستريحاً كل أيام حياتك).

٢٦ «لَيْسَ مِثْلَ ٱللّٰهِ يَا يَشُورُونُ. يَرْكَبُ ٱلسَّمَاءَ فِي مَعُونَتِكَ وَٱلْغَمَامَ فِي عَظَمَتِهِ».

خروج ١٥: ١١ ومزمور ٨٦: ٨ وإرميا ١٠: ٦ ص ٣٢: ١٥ مزمور ٦٨: ٤ و٣٣ و٣٤ و١٠٤: ٣ وحبقوق ٣: ٨

لَيْسَ مِثْلَ ٱللّٰهِ يَا يَشُورُونُ أي ليس من مثل لله يا إسرائيل المحبوب فصخر الأمم ليس كصخرنا (انظر تفسير ص ٣٢: ١٥).

يَرْكَبُ ٱلسَّمَاءَ فِي مَعُونَتِكَ (أي يرافقك في خروبك كما كان يرافق بني إسرائيل في البرية على متن السماء وآيته عمود النار والسحاب).

وَٱلْغَمَامَ فِي عَظَمَتِهِ (أي ويركب الغمام وهو تفسير لقوله «يركب السماء» وقد جاء الركوب لهذا المعنى في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس. انظر مزمور ٦٨: ٤ و٣٣ و٣٤ و١٠٤: ٣ وإشيعاء ١٩: ١ وحبقوق ٣: ٨).

٢٧ «ٱلإِلٰهُ ٱلْقَدِيمُ مَلْجَأٌ، وَٱلأَذْرُعُ ٱلأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ. فَطَرَدَ مِنْ قُدَّامِكَ ٱلْعَدُوَّ وَقَالَ: أَهْلِكْ».

مزمور ٩٠: ١ ص ٩: ٣ و٤ و٥

ٱلإِلٰهُ ٱلْقَدِيمُ أي الذي لا بداءة له. والأزلي لا بد منه وإلا كان الوجود من عدم وهو محال.

مَلْجَأٌ وفي الأصل العبراني «معنه» أو «معونة» وجاء في المزمور التسعين «أدني… معون» أي ملجأ. (والعبارة استئنافية واقعة موقع التعليل لقوله «يركب السماء في معونتك» أي الرب يعينك ويحارب معك لأنه ملجأ. ولو قيل لأنه عون أو معونة لكان أنسب ولعل هذا المعنى مما يحتمله الأصل العبراني وإسناد المصدر إلى الذات هنا للمبالغة فقوله «الإله القديم عون» كقوله «الله محبة».

وَٱلأَذْرُعُ ٱلأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ هذا متعلق بقوله «يركب السماء في معونتك» ووقع الإنشاء التعليلي معترضاً فكأنه قال يعينك من فوقك ويقويك من تحتك بقوته الدائمة لأنه قدير أزلي والقدير الأزلي قدرته أبدية.

فَطَرَدَ… ٱلْعَدُوَّ أي لكونه لا نظير له في القدرة (كسائر الصفات) دفع العدو.

وَقَالَ: أَهْلِكْ (أي أهلك العدو بمجرد أمره الإرادي كما قال للعالم كن فكان).

٢٨ «فَيَسْكُنَ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَحْدَهُ. تَكُونُ عَيْنُ يَعْقُوبَ إِلَى أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، وَسَمَاؤُهُ تَقْطُرُ نَدىً».

عدد ٢٣: ٩ وإرميا ٢٣: ٦ و٣٣: ١٦ ص ٨: ٧ و٨ تكوين ٢٧: ٢٨ وص ١١: ١١

فَيَسْكُنَ إِسْرَائِيلُ آمِناً أي مطمئناً لا شيء يقلقه ولا خوف يعروه. «في أيام (أي أيام المسيح) يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً» ولكن لا يكون ذلك في تلك الأيام إلا متى عرفوا أن يتكلموا على «الأذرع الأبدية».

تَكُونُ عَيْنُ يَعْقُوبَ الخ (أي عيون آل يعقوب أي تنظر عيون بني إسرائيل إلى أرض تغل الحنطة والعنب الذي تكون منه الخمر).

سَمَاؤُهُ تَقْطُرُ نَدىً (انظر تفسير تكوين ٢٧: ٢٨).

٢٩ «طُوبَاكَ يَا إِسْرَائِيلُ! مَنْ مِثْلُكَ يَا شَعْباً مَنْصُوراً بِٱلرَّبِّ، تُرْسِ عَوْنِكَ وَسَيْفِ عَظَمَتِكَ! فَيَتَذَلَّلُ لَكَ أَعْدَاؤُكَ، وَأَنْتَ تَطَأُ مُرْتَفَعَاتِهِمْ».

مزمور ١٤٤: ١٥ و٢صموئيل ٧: ٢٣ مزمور ١١٥: ٩ إلى ١١ و٢صموئيل ٢٢: ٤٥ ومزمور ١٨: ٤٤ و٦٦: ٣ و٨١: ١٥ ص ٣٢: ١٣

طُوبَاكَ يَا إِسْرَائِيلُ (بعد أن بارك الأسباط أخذ يغبط كل شعب إسرائيل ويهنئه بعناية ربه القدير وعونه. وطوبى مصدر بمعنى الطِّيب مصدر طاب الشيء إذ لذّ وذكا وحسن وحلا وجلَّ وجاد وتُستعمل هذه الكلمة بمعنى الغبطة والسعادة والحسنى والخير. وهي في العبارة مضافة إلى ضمير المخاطب ويكثر استعمالها بلا إضافة فيقال طوبى لك).

مَنْ مِثْلُكَ (الاستفهام إنكاري فالمعنى لا أحد مثلك أو لا شعب مثلك).

مَنْصُوراً بِٱلرَّبِّ (أي ينصره الرب دائماً).

تُرْسِ عَوْنِكَ أي واقيك ربك المعين لك كما يقي الترس حامله. فدعا الله هنا عوناً للمبالغة وكذا يقال في أمثاله من استعارة المعنى للذات (مزمور ١١٥: ٩ – ١١).

وَسَيْفِ عَظَمَتِكَ (أي دافع عنك إلهك المعظم لك كما يدفع السيف عن الضارب به. ودعوته الله هنا عظمة كدعوته إياه عوناً).

فَيَتَذَلَّلُ لَكَ أَعْدَاؤُكَ «مِنْ عِظَمِ قُوَّتِكَ تَتَمَلَّقُ لَكَ أَعْدَاؤُكَ» (مزمور ٦٦: ٣). والمعنى أن أعداء إسرائيل يخضعون له ويطرحون أنفسهم عند قدميه لأنه ترس عونه وسيف عظمته. ويبين معنى هذا حسناً ما فعله شمعي بن جيرا أمام داود وهو راجع إلى أورشليم (انظر ٢صموئيل ١٩: ١٨). وهذا نهاية بركة موسى أسباط إسرائيل أفراداً والشعب إجمالاً.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى