سفر التثنية | 25 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التثنية
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
العدل في القضاء (ع ١ – ٣)
١ «إِذَا كَانَتْ خُصُومَةٌ بَيْنَ أُنَاسٍ وَتَقَدَّمُوا إِلَى ٱلْقَضَاءِ لِيَقْضِيَ ٱلْقُضَاةُ بَيْنَهُمْ، فَلْيُبَرِّرُوا ٱلْبَارَّ وَيَحْكُمُوا عَلَى ٱلْمُذْنِبِ».
ص ١٩: ١٧ وحزقيال ٤٤: ٢٤ أمثال ١٧: ١٥
فَلْيُبَرِّرُوا ٱلْبَارَّ وَيَحْكُمُوا عَلَى ٱلْمُذْنِبِ قال الله «لاَ أُبَرِّرُ ٱلْمُذْنِبَ» (خروج ٢٣: ٧). وقال الحكيم «مُبَرِّئُ ٱلْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ ٱلْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ ٱلرَّبِّ» (أمثال ١٧: ١٥). ويجب أن يُعلم إن التبرير هنا شرعي لا ديني كالمعهود من نزع الإثم عن الأثيم فالمقصود به هنا بيان براءة المشكو مما شُكي عليه بمقتضى العدل وهذا بخلاف التبرير الذي ذكره بولس الرسول في رسائله فإن ذاك تبرير المذنب بالفداء لا بيان بر البار.
٢ «فَإِنْ كَانَ ٱلْمُذْنِبُ مُسْتَوْجِبَ ٱلضَّرْبِ، يَطْرَحُهُ ٱلْقَاضِي وَيَجْلِدُونَهُ أَمَامَهُ عَلَى قَدَرِ ذَنْبِهِ بِٱلْعَدَدِ».
لوقا ١٢: ٤٨ متّى ١٠: ١٧
فَإِنْ كَانَ ٱلْمُذْنِبُ مُسْتَوْجِبَ ٱلضَّرْبِ قضى اليهود بذلك خمس مرات على بولس الرسول إذ حكموا بأن تبشيره بأن يسوع هو المسيح ذنبٌ.
يَطْرَحُ أبان التلمود وضع المذنب عند الجلد بأنه لا يكون المذنب جالساً ولا واقفاً ولا متكئاً بل يكون جسده مائلاً.
أَمَامَهُ أي يجلدون جسده من الأمام أي يجلدون مقدم جسمه فيكون «أمامه» على هذا التفسير بدلاً من المفعول به في قوله يجلدونه لا ظرفاً. فكانوا يجلدون مقدم إحدى الكتفين ثلاث عشرة جلدة ومقدم الكتف الأخرى ثلاث عشرة جلدة والصدر ثلاث عشرة جلدة فمجموع الجلدات ٣٩ أو «أربعون جلدة إلا واحدة». ولكن الكتاب هنا أمر بأن يُجلد المذنب أربعين وأن لا يزاد على ذلك فقالوا نهت الشريعة عن جلد المذنب أكثر من أربعين جلدة فحذراً من الزيادة على ذلك لا تضربه سوى تسع وثلاثين.
٣ «أَرْبَعِينَ يَجْلِدُهُ. لاَ يَزِدْ، لِئَلاَّ إِذَا زَادَ فِي جَلْدِهِ عَلَى هٰذِهِ ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً، يُحْتَقَرَ أَخُوكَ فِي عَيْنَيْكَ».
٢كورنثوس ١١: ٢٤ أيوب ١٨: ٣
أَرْبَعِينَ يَجْلِدُهُ في التلمود أنه يجب أن يُنظر في مقدار احتمال المذنب وتكون قوة الجلدات بمقتضى ذلك الاحتمال وإن كان لا يحتمل الجلدات كلها في وقت واحد توزع على وقتين أو أوقات لئلا يموت.
لِئَلاَّ… يُحْتَقَرَ أَخُوكَ لم يكن القصاص بمتقضى الشريعة احتقاراً للمعاقب (بل تأديباً) وكان يجري في المجمع وكانت تُقرأ شريعته في أثناء ذلك في (تثنية ٢٨: ٥٨ و٥٩) ويزاد على ذلك بعض العبارات.
٤ «لاَ تَكُمَّ ٱلثَّوْرَ فِي دِرَاسِهِ».
أمثال ١٢: ١٠ وهوشع ١٠: ١١ و١كورنثوس ٩: ٩ و١تيموثاوس ٥: ١٨
لاَ تَكُمَّ ٱلثَّوْرَ الخ (أي لا تضع كمامة على فم الثور وهي أداة توضع على فمه لتمنعه من الأكل وهو يدرس). وفسّر بولس الرسول هذه الآية بقوله «الفاعل مستحق أجرته» على أثر تعليله بقول الكتاب «لاَ تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً» (١تيموثاوس ٥: ١٨) وقوله على أثر ذلك «الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون».
شريعة تزوج امرأة الأخ المتوفّى (ع ٥ – ١٠)
٥ – ١٠ «٥ إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ٱبْنٌ، فَلاَ تَصِرِ ٱمْرَأَةُ ٱلْمَيِّتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي ٱلزَّوْجِ. ٦ وَٱلْبِكْرُ ٱلَّذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِٱسْمِ أَخِيهِ ٱلْمَيِّتِ، لِئَلاَّ يُمْحَى ٱسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ. ٧ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ ٱلرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ ٱمْرَأَةَ أَخِيهِ، تَصْعَدُ ٱمْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَى ٱلْبَابِ إِلَى ٱلشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ ٱسْماً فِي إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي ٱلزَّوْجِ. ٨ فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلَّمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَالَ: لاَ أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا ٩ تَتَقَدَّمُ ٱمْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَيْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ ٱلشُّيُوخِ، وَتَخْلَعُ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ، وَتَقُولُ: هٰكَذَا يُفْعَلُ بِٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي لاَ يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. ١٠ فَيُدْعَى ٱسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ بَيْتَ مَخْلُوعِ ٱلنَّعْلِ».
متّى ٢٢: ٢٤ ومرقس ١٢: ١٩ ولوقا ٢٠: ٢٨ تكوين ٣٨: ٨ وراعوث ١: ١٢ و١٣ و٣: ٩ تكوين ٣٨: ٩ راعوث ٤: ١٠ راعوث ٤: ١ و٢ راعوث ٤: ٦ راعوث ٤: ٧ راعوث ٤: ١١
إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً الخ اشتغل التلمود بهذه الشريعة كثيراً. كانت هذه الشريعة يُقصد بها بقاء اسم المتوفي بالنسل الذي يكون من أخيه أولاً أي البكر الذي تلده امرأة المتوفي من أخيه (انظر راعوث ص ٤). وهذه الشريعة كانت قبل موسى فأول ما سمعناها في بيت يهوذا ابن يعقوب (تكوين ٣٨: ٨) وكان عقاب مخالفها يومئذ القتل لا التعيير وحده. والذي جعل هذه الشريعة مما يُذكر كثيراً تعليم يسوع المسيح في دفع إشكال الصدوقيين واعتراضهم على القيامة من الموت أي المعاد الجسماني (متّى ٢٢: ٢٤ ومرقس ١٢: ١٩ ولوقا ٢٠: ٢٨). ومما يستحق التأمل هنا أن في هذه الشريعة عينها بعض معنى القيامة. فقد قال بوعز في راعوث «لِتُقِيمَ ٱسْمَ ٱلْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ» (راعوث ٤: ٥) فلماذا يقام اسم الميت إذا كان قد تلاشى أي زال من الوجود إلى الأبد. فلنا أن نعتقد أن هذه الشريعة تدل بعض الدلالة على القيامة من الموت كالمعمودية من أجل الأموات فإنها تجعل من يولد بكراً من امرأة المتوفى وأخيه محيياً اسم المتوفى على رجاء القيامة التي كان يعتقدها الشعب المختار وكانت من صوَر ذهنه الدائمة.
١١ «إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌ وَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ ٱمْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِتُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْ يَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ».
إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ هذه السنّة مقابلة للسنّة في (خروج ٢١: ٢٢) فيجب أن يوقى الرجل كما توقى المرأة.
بِعَوْرَتِهِ أي عورة ضارب رجلها فأوجب الحياء كما أوجب الوقاية.
١٢ «فَٱقْطَعْ يَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ».
ص ١٩: ١٣
لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ (أي لا تشفق عليها بما تراه عينك من إمارات خوفها وحزنها) (انظر تفسير ص ١٨: ١٣).
العدل في الميزان والكيل (ع ١٣ – ١٦)
١٣، ١٤ «لاَ يَكُنْ لَكَ فِي كِيسِكَ أَوْزَانٌ مُخْتَلِفَةٌ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ. ١٤ لاَ يَكُنْ لَكَ فِي بَيْتِكَ مَكَايِيلُ مُخْتَلِفَةٌ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ».
لاويين ١٩: ٣٥ و٣٦ وأمثال ١١: ١ وحزقيال ٤٥: ١٠ وميخا ٦: ١١
لاَ يَكُنْ لَكَ… أَوْزَانٌ مُخْتَلِفَةٌ الخ (أي ما يوزن به وما يُكال به فتأخذ بالكبير وتعطي بالصغير) (لاويين ١٩: ٣٥ و٣٦) فالعدل في الميزان والكيل من جملة القداسة الأدبية.
١٥ «وَزْنٌ صَحِيحٌ وَحَقٌّ يَكُونُ لَكَ، وَمِكْيَالٌ صَحِيحٌ وَحَقٌّ يَكُونُ لَكَ، لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».
خروج ٢٠: ١٢
لِتَطُولَ أَيَّامُكَ الخ (هذه من الوصايا التي بوعد وأولها الوصية القائلة «أكرم أباك وأمك» (أفسس ٦: ١ و٢). فالعدل في الميزان والكيل من علل طول الحياة).
١٦ «لأَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ ذٰلِكَ، كُلَّ مَنْ عَمِلَ غِشّاً، مَكْرُوهٌ لَدَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ».
أمثال ١١: ١ و١تسالونيكي ٤: ٦
مَكْرُوهٌ لَدَى ٱلرَّبِّ وعلى هذا قال الحكيم «مَوَازِينُ غِشٍّ مَكْرَهَةُ ٱلرَّبِّ» (أمثال ١١: ١ انظر أيضاً عاموس ٨: ٤ – ٨). وغاية هذه الوصية الأولى إيجاب العدل ووقاية المسكين من الغبن فإن الأغنياء قادرون على العناية بأنفسهم وأما الفقراء فيُضرون بالوزن والكيل لعجزهم عن وقاية أنفسهم من الغبن. والظلم يزيد فقراً.
استئصال عماليق (ع ١٧ – ١٩)
١٧ «اُذْكُرْ مَا فَعَلَهُ بِكَ عَمَالِيقُ فِي ٱلطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِكَ مِنْ مِصْرَ».
خروج ١٧: ٨
اُذْكُرْ الخ كان عماليق مثال عدم الإنسانية فكان استئصاله من السنن التي تعتز بها الإنسانية وهذا هو النسبة بين هذه الشريعة وما ذُكر قبلها.
١٨ «كَيْفَ لاَقَاكَ فِي ٱلطَّرِيقِ وَقَطَعَ مِنْ مُؤَخَّرِكَ كُلَّ ٱلْمُسْتَضْعِفِينَ وَرَاءَكَ، وَأَنْتَ كَلِيلٌ وَمُتْعَبٌ، وَلَمْ يَخَفِ ٱللّٰهَ».
مزمور ٣٦: ١ وأمثال ١٦: ٦ ورومية ٣: ١٨
وَقَطَعَ مِنْ مُؤَخَّرِكَ الخ لم يُذكر هذا التفصيل في الأصحاح السابع عشر من سفر الخروج لكنه يستلزمه الكلام هناك فإن هجوم عماليق على إسرائيل كان على أثر إخراج الماء في حوريب فمن الطبع أن المتعبين الذين أعيوا وكلّوا يتأخرون ويكونون عند الماء فوجدهم هنالك عماليق وقتلهم بقسوة من لا يخاف الله.
١٩ «فَمَتَى أَرَاحَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ حَوْلَكَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَصِيباً لِتَمْتَلِكَهَا، تَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ ٱلسَّمَاءِ. لاَ تَنْسَ».
١صموئيل ١٥: ٣ خروج ١٧: ١٤ و٢ملوك ١٧: ٣٨
تَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ أول ما وُكل ذلك إلى يشوع «أمين الكتاب» (خروج ١٧: ١٤). ثم إلى إسرائيل لأن محو عماليق كان على سبيل التدريج فاجتهد فيه على توالي الأوقات باراق وجدعون (قضاة ٥: ١٤ و٦: ٣ و٧: ١٢ الخ) وشاول وصموئيل (١صموئيل ٧: ١٥) وداود (١صموئيل ٢٧: ٨ و٩ و٣٠: ١٧) والشمعونيون (١ايام ٤: ٤٢ و٤٣) ثم أستير فاستأصلت الأجاجيين من بيت هامان. ولا ريب في أن بقية عماليق في مملكة الفرس ذاقوا من مردخاي ما ذاق هامان.
السابق |
التالي |