سفر التثنية

سفر التثنية | 19 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التثنية

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

هنا بداءة فصل جديد من الشرائع

مدن الملجأ (ع ١ إلى ١٣)

(انظر تفصيل هذا الموضوع في عدد ٣٥: ٩ الخ ويشوع ص ٢٠).

١، ٢ «١ مَتَى قَرَضَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ يُعْطِيكَ أَرْضَهُمْ، وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ مُدُنَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، ٢ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا».

ص ١٢: ٢٩ خروج ٢١: ١٣ وعدد ٢٥: ١٠ و١٤ ويشوع ٢٠: ٢

مَتَى قَرَضَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلأُمَمَ الخ عيّن يشوع بعد الانتصار ثلاثاً من مدن الملجأ غربي الأردن (يشوع ص ٢٠) والثلاث الأولى شرقي الأردن وهي باصر وراموث جلعاد وجولان كان قد أفرزها موسى (تثنية ٤: ٤١ الخ) لكن يشوع جعلها ملكاً للاويين.

٣ «تُصْلِحُ ٱلطَّرِيقَ وَتُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ ٱلَّتِي يَقْسِمُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ، فَتَكُونُ مَهْرَبَاً لِكُلِّ قَاتِلٍ».

تُصْلِحُ ٱلطَّرِيقَ قال راشي المفسر اليهودي كان مكتوب على مفرق الطرق «الملجأ الملجأ» ونقل ذلك عن التلمود.

تُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ أي تجعل لها ثلاثة حدود حتى لا يكون جزء منها بعيداً عن إحدى مدن الملجإ.

٤، ٥ «٤ وَهٰذَا هُوَ حُكْمُ ٱلْقَاتِلِ ٱلَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا: مَنْ ضَرَبَ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. ٥ وَمَنْ ذَهَبَ مَعَ صَاحِبِهِ فِي ٱلْوَعْرِ لِيَحْتَطِبَ حَطَباً، فَٱنْدَفَعَتْ يَدُهُ بِٱلْفَأْسِ لِيَقْطَعَ ٱلْحَطَبَ وَأَفْلَتَ ٱلْحَدِيدُ مِنَ ٱلْخَشَبِ وَأَصَابَ صَاحِبَهُ فَمَاتَ، فَهُوَ يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ ٱلْمُدُنِ فَيَحْيَا».

عدد ٣٥: ١٥ وص ٤: ٤٢

ذَهَبَ مَعَ صَاحِبِهِ فِي ٱلْوَعْرِ الخ هذا مثال لما ذُكر وهو واضح.

٦، ٧ «٦ لِئَلاَّ يَسْعَى وَلِيُّ ٱلدَّمِ وَرَاءَ ٱلْقَاتِلِ حِينَ يَحْمَى قَلْبُهُ، وَيُدْرِكَهُ إِذَا طَالَ ٱلطَّرِيقُ وَيَقْتُلَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ ٱلْمَوْتِ، لأَنَّهُ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ. ٧ لأَجْلِ ذٰلِكَ أَنَا آمُرُكَ: ثَلاَثَ مُدُنٍ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ».

عدد ٣٥: ١٢

وَلِيُّ ٱلدَّمِ الكلمة العبرانية تدل على ثلاثة معان: الفادي والمنتقم والنسيب.

٨، ٩ «٨ وَإِنْ وَسَّعَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ، وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآبَائِكَ ٩ إِذْ حَفِظْتَ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْوَصَايَا لِتَعْمَلَهَا، كَمَا أَنَا أُوصِيكَ ٱلْيَوْمَ لِتُحِبَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ كُلَّ ٱلأَيَّامِ، فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضاً ثَلاَثَ مُدُنٍ عَلَى هٰذِهِ ٱلثَّلاَثِ».

تكوين ١٥: ١٨ وص ١٢: ٢٠ يشوع ٢٠: ٧ و ٨

وَإِنْ وَسَّعَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ تُخُومَكَ… فَزِدْ ثَلاَثَ مُدُنٍ أي فزد ثلاث مدن ملجإ على السنة فتصير مدن الملجإ تسعة. لا أثر في تاريخ إسرائيل يدل على أن هذه المدن الثلاث زيدت. وقال مفسرو اليهود إنهم لم يقفوا على ذلك في مؤلفاتهم. وقال بعضهم ما كان على جيش يشوع أن يحارب سوى سبع أمم وإن الأرض التي شغلتها تلك الأمم ما كانت محتاجة إلى سوى ست مدن للملجإ. وفي كلام موسى الشرط بالاستيلاء على كل الأرض الموعود بها لا أرض الأمم السبع فقط إذ النص «وأعطاك جميع الأرض التي قال أنه يعطي لآبائك» والله وعد إبراهيم بأن يعطي نسله الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات القينيين والقنزيين والقدمونيين زيادة على الأمم السبع. فإن قيل إن الحثيين وحدهم كانوا يشغلون قسماً كبيراً من الأرض. ومدن هذه الأمة على ما اكتُشف حديثاً من قادش (أو قدشن) على نهر العاصي إلى كركميش إلى شمال أرض إسرائيل المعروفة. وإذا كان الإسرائيليون قد استولوا على كل أرض الحثيين (يشوع ١: ٤) لزم بالضرورة أنهم زادوا على مدنا الملجإ الست المدن الثلاث قلنا إن تلك الأرض مع أنها كانت تؤدي الجزية لسليمان لم يكن فيها من الإسرائيليين ما يوجب زيادة تلك المدن ومملكة سليمان لم تبق على اتساعها إلا في مدة حياته. ونقول غير متلفتين إلى زيادة التطويل والتفصيل إن الوعد كان نبوياً أيضاً فإن الله متى ختن قلوب الإسرائيليين (تثنية ٣٠: ٦) ليحبوا الرب وأعطاهم قلباً واحداً وطريقاً واحداً ليخافوه كل الأيام وقطع لهم عهداً أبدياً وجعل مخافته في قلوبهم فلا يحيدون عنه (إرميا ٣٢: ٣٩ و٤٠) تمّ لهم الوعد كله واستولوا على كل الأرض ولم يحتاجوا إلى مدن أخرى. وقال أحد الكتبة هنا وقد أخذ كلامه من دانيال «طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ» (دانيال ١٢: ١٢).

١٠ «حَتَّى لاَ يُسْفَكُ دَمُ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَصِيباً، فَيَكُونَ عَلَيْكَ دَمٌ».

حَتَّى لاَ يُسْفَكُ دَمُ بَرِيءٍ أي دم القاتل عن غير عمد ولم يقدر أن يجد ملجأ.

١١ «وَلٰكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضاً لِصَاحِبِهِ فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً فَمَاتَ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ ٱلْمُدُنِ».

خروج ٢١: ١٢ الخ وعدد ٣٥: ١٦ و٢٤ وص ٢٧: ٢٤ وأمثال ٢٨: ١٧

وَلٰكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضاً لِصَاحِبِهِ فَكَمَنَ لَهُ تكلم راشي المفسر اليهودي في تفسير هذه الآية بروح القديس يوحنا فقال «بطريق البغض كمن ولهذا قيل من تعدّى الوصية الصغرى تعدّى الوصية الكبرى فمن خالف الوصية لا تبغض انتهى خلافه بسفك الدم». فما قوله هذا إلا كقول يوحنا «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ» (١يوحنا ٣: ١٥).

١٢ «يُرْسِلُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَأْخُذُونَهُ مِنْ هُنَاكَ وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ ٱلدَّمِ فَيَمُوتُ».

يَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ ٱلدَّمِ لم يُتصور إلى الآن مثل هذا بين من هم في أعلى درجات التمدن.

١٣ «لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ. فَتَنْزِعَ دَمَ ٱلْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ».

ص ١٣: ٨ و٢٥: ١٢ عدد ٣٥: ٣٣ و٣٤ وص ٢١: ٩ و١ملوك ٢: ٣١

لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ (أي لا تشفق عليه بسبب ما تراه عينك فيه من إمارات الحزن والخوف).

فَتَنْزِعَ دَمَ ٱلْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ (أي تزيل إثم سفكه عن الشعب بالعقاب لقاتله).

١٤ «لاَ تَنْقُلْ تُخُمَ صَاحِبِكَ ٱلَّذِي نَصَبَهُ ٱلأَوَّلُونَ فِي نَصِيبِكَ ٱلَّذِي تَنَالُهُ فِي ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا».

ص ٢٧: ١٧ وأيوب ٢٤: ٢ وأمثال ٢٢: ٢٨ وهوشع ٥: ١٠

لاَ تَنْقُلْ تُخُمَ صَاحِبِكَ (أي لا تغيّر حد ملكه بأن تؤخره لكي يدخل بعض ملكه في ملكك). هذه الوصية من المختصات بسفر التثنية بالنظر إلى ما سبق من التوراة كالحقل في الوصية العاشرة (ص ٥: ٢١). وعلاقة هذا بما قبله غير ظاهرة ولعلها تنبيه الشعب لاعتزال ما يورث البغض الذي يؤدي إلى القتل (وكان تغيير التخم يومئذ أغلب أسباب البغض لأن الإسرائيليين كانوا على وشك أن يستولوا على أنصبتهم من أرض كنعان) ولا ريب في أن التخوم القديمة ذات شأن وشاهد عدل.

نَصَبَهُ ٱلأَوَّلُونَ أي الذين قسموا الأرض أولاً.

شهادة الزور (ع ١٥ – ٢١)

وُضعت شريعة الانتقام هنا على وجه الشدة لكن الانتقام وُكل فيها إلى القضاة لا إلى كل إنسان ليفعل ما يشاء.

١٥ «لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَا أَوْ خَطِيَّةٍ مَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْخَطَايَا ٱلَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ ٱلأَمْرُ».

عدد ٣٥: ٣٠ وص ١٧: ٦ ومتّى ١٨: ١٦ ويوحنا ٨: ١٧ و٢كورنثوس ٥: ١٩ وعبرانيين ١٠: ٢٨

(جرى على هذه الشريعة كل الأمم المتمدنة على اختلاف درجات التمدن).

١٦ «إِذَا قَامَ شَاهِدُ زُورٍ عَلَى إِنْسَانٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِزَيْغٍ».

مزمور ٢٧: ١٢ و٣٥: ١١

بِزَيْغٍ (الزيغ هنا الجور عن الحق أي الميل عنه).

١٧ «يَقِفُ ٱلرَّجُلاَنِ ٱللَّذَانِ بَيْنَهُمَا ٱلْخُصُومَةُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، أَمَامَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْقُضَاةِ ٱلَّذِينَ يَكُونُونَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ».

ص ١٧: ٩ و٢١: ٥

يَقِفُ ٱلرَّجُلاَنِ… أَمَامَ ٱلرَّبِّ، أَمَامَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْقُضَاةِ هذا يدل على أنه كان يرفع كل شهادة يُظن أنها كذب إلى المجلس الأعلى (انظر ص ١٧: ٩) حتى يُنظر فيها باهتمام لا بعدم اكتراث.

١٨ «فَإِنْ فَحَصَ ٱلْقُضَاةُ جَيِّداً، وَإِذَا ٱلشَّاهِدُ شَاهِدٌ كَاذِبٌ. قَدْ شَهِدَ بِٱلْكَذِبِ عَلَى أَخِيهِ».

فَحَصَ ٱلْقُضَاةُ جَيِّداً (كان يجب أن يُفحص جيداً لأنه يترتب على الفحص عواقب ذات شأن).

شَاهِدٌ كَاذِبٌ قَدْ شَهِدَ بِٱلْكَذِبِ (أي قد ظهر أنه شاهد كاذب بالفعل لأن الشرع يقوم بمقتضى الظاهر فعلاً فلا يُعاقب على ما هو بالقوة أي على الميل الذي لم يظهر فعلاً).

١٩ «فَٱفْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ ٱلشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُم».

أمثال ١٩: ٥ و٩ ودانيال ٦: ٢٤ ص ١٣: ٥ و١٧: ٧ و٢١: ٢١ و٢٢: ٢١ و٢٤ و٢٤: ٧

فَٱفْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ (وعلى هذا إن كان قد شهد على أخيه كذباً بما يوجب عليه القتل يُقتل).

٢٠ «وَيَسْمَعُ ٱلْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذٰلِكَ ٱلأَمْرِ ٱلْخَبِيثِ فِي وَسَطِكَ».

ص ١٧: ١٣ و٢١: ٢١

وَيَسْمَعُ ٱلْبَاقُونَ الخ (فيكون العقاب للمذنب رادعاً لغيره عن أن يفعل مثله خوفاً من أن يعاقب مثل عقابه).

٢١ «لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ. نَفْسٌ بِنَفْسٍ. عَيْنٌ بِعَيْنٍ. سِنٌّ بِسِنٍّ. يَدٌ بِيَدٍ. رِجْلٌ بِرِجْلٍ».

ع ١٣ خروج ٢١: ٢٣ و٢٤ ولاويين ٢٤: ٢٠ ومتّى ٥: ٢٨ ورومية ١٢: ١٩

لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ (انظر تفسير ع ١٣).

عَيْنٌ بِعَيْنٍ (أي قلعُ عينٍ جزاؤه قلع عين القالع ونحو ذلك).

سِنٌّ بِسِنٍّ (اي كسر سنّ أو قلعه جزاؤه كسر سن الكاسر أو قلع سن القالع) وذلك كله يكون بحكم القضاة فليس لأحد أن ينتقم لنفسه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى