حياة يسوع

الصليب

أولًا: الطريق الضيِّق (متى 27: 27-32، مرقس 15: 16-21، لوقا 23: 26-32).

  1. ما أن أسلم بيلاطس البنطي المسيح لليهود ليصلبوه، حتى أخذه الجند وجمعوا كل الكتيبة حوله، فخلعوا عنه ملابسه، وألبسوه رداءً قرمزيًا، وضفروا من الشوك إكليلًا على شكل تاج ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه. ثم أخذوا يهزأون به، ويبصقون عليه، ويضربونه على رأسه. ثم ألبسوه ثيابه، ومضوا به ليصلب.
  2. خرج المسيح حاملًا صليبه في طريقه إلى الجلجثة. كان الطريق وَعِرًا ضيقًا مليئًا بالأحجار والحُفر. حَمَلَ الصليب على كَتِفه الممزق من سياط الجلاد، وظَهْره الملئ بالجروح والكدمات. ولضيق الطريق، وتعب الجسد، ووخز الجروح، سقط المسيح بصليبه على أحجار الطريق عدة مرات.
  3. كانت خطوات المسيح على الطريق متعثرة، وسقطاته كثيرة. الوقت يمر ببطءٍ، وقائد الكتيبة المكلف بصلبه قلق متوتر غاضب. فأشار إلى رجل وسط الزحام اسمه سمعان القيرواني؛ ليأتي ويعاون المسيح في حمل الصليب، لا رحمة بالمسيح، بل تعجيلًا لصلبه.
  4. وسط الزحام سمع المسيح صوت بكاء ورأى بنات أورشليم يبكين وهُنَّ سائرات خلفه. توقف ونظر إليهنَّ بكل ما في قلبه من عطف وقال : “لاَ تَبْكِينَ عَلىَّ بَلْ إِبْكِينَ عَلى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلى أَوْلاَدِكُنَّ”.

ثانيًا: الجلجثة (متى 27: 33-38، مرقس 15: 22-32، لوقا 23: 33-38، يوحنا 19: 17-24)

  1. وفوق التل في المكان الذي يدعى الجلجثة، كانت هناك ثلاثة صلبان أعدت لصلب المسيح ولصين آخرين معه، واحد عن يمينه وآخر عن يساره. ألقيت الأجساد بعنف وقسوة على الصلبان، وبدأ تثبيتها.
  2. سقط جسد المسيح الممزق بالجروح والدماء منتشرة عليه، سقط على الخشبة. فزادت من تمزق الجروح وسيل الدماء. وسُمِّر بالمسامير على خشبة الصليب.
  3. تسابقت الأيدي ترفع الصليب والجسد المعلق به، تدفع قاعدته في الحفرة المعدة بالأرض الصخرية. ويهتز الصليب في كل الاتجاهات حتى تم تثبيته بالحفرة، وجسد المسيح المعلق به يتأرجح ويهتز وتتمزق الأعصاب والعضلات والأنسجة. وبعد عذاب أليم، ينتصب الصليب والمصلوب عليه.
  4. كان بيلاطس قد أعد كتابة تُعَلَّق على رأس الصليب والمصلوب عليه. وكانت الكتابة تقول… “يَسُوُعُ اَلْنَاصِرِيُّ مَلِكُ اَلْيَهُودِ”.
  5. وبعد فترة تتحرك الأهداب ويرتجف الجفنان، وتنفتح العينان، ويرى المسيح، من بين قطرات الدم التي لوثت وجهه، يرى حول الصليب كهنة ورؤساء يبتسمون ساخرين شامتين، وجماهير تلوح وتصرخ، وجنودًا يحاولون دفع المتزاحمين إلى الخلف… أغلب الوجوه غريبة لم يرها من قبل. وفي ركن قريب، رأى أمه العذراء مريم تدفن رأسها في صدر مريم المجدلية حينًا، ومريم زوجة كلوبا حينًا آخر، وتستند على ذراع تلميذه يوحنا الحبيب أحيانًا.
  6. وخارج الدائرة يجلس بعض الجند يقتسمون ثياب المسيح، ويقترعون عليها.

ثالثًا: يا أبتاه اغفر لهم (لوقا 23: 34)

  1. احتوت نظرات المسيح الجماهير الملتفة حول الصليب. رآهم وقد تلونوا بلون الدم الأحمر الذي يملأ مقلتيه. رآهم وخفق قلبه عطفًا عليهم… لم يرهم سافكين سَفَّاحين اجتمعوا وأجمعوا على قتله… بل رآهم خرافًا ضالة لا راعي لها. رآهم جماعة مسكينة مخدوعة مُسَاقة إلى مصير رهيب لا تعرفه.
  2. وارتفع صوت المسيح في رجاء وتشفُّع يدعو الآب في السماء. غطَّى صوته رغم ضعفه كل أصوات الشماتة والاستهزاء والعداء والتعدي، احتوى صوته المتشفع كل الجموع تحت الصليب، وكل الجموع الضَّالة مثيلتها في الماضي والمستقبل… ارتفع صوته للآب ملتمسًا معذرة لمن فعلوا بجهلٍ. قال: “يَاَ أَبَتَاهُ. أَغْفِرُ لهَمُ لأِنهَمَ لاَ يَعْلَمُونَ مَاَذَا يَفْعَلُوُنَ”. وأستمع لكلماته أولئك الأقربون من الصليب.. كما استمع إليه الآب من السماء.

رابعـًا: اللصَّان (لوقا 23: 39-43)

  1. مع الجماهير الصاخبة، إنساق أحد اللصين، يسخر من المسيح ويقول: “إِنْ كُنْتَ أَنْتَ اَلمْسَيِحُ فَخَلِّصُ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا”.
  2. كانت كلمات اللص تعكس مزيدًا من السخرية والجهل بمن هو المسيح؟ لكنها أيضًا كانت مصدرًا جعل اللص الأخر يتأمل ويفكر، فينطق معبرًا عن الحالة التي هم فيها قائلًا بصدق: “أَوَلاَ أَنْتَ تخَاَفُ اَلله إِذْ أَنْتَ تحَتُ هَذَا اَلحُكْمُ بَعْينِهِ أَمَا نحُن فَبِعَدْلٍ لأِنَّنَا نَنَالُ اسْتِحَقَاقُ مَا فَعَلْنَا وَأَمَا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلُ شَيِئًَا لَيْسَ فيِ محَلَهِ”.
  3. وفى صحوة ضمير، وقبل أن يلفظ أنفاسه، رفع وجهه إلى المسيح وقال بندم وانكسار وتوبة : “اذْكُرِني يَا رَبُّ مَتىَ جِئْتَ فيِ مَلَكُوُتكَ”. ويصمت الرجل وهو ينتظر وقد استدار بكل جسده وقلبه نحو المسيح.
  4. استدار المسيح بجسده وقلبه نحو الرجل التائب، الذي اعترف به ربًا وملكًا، إنه أول إنسان يأتي إليه عن طريق الصليب، وقال له : “اَلحَقُّ اَلحَقُّ أَقٌوٌلُ لَكَ إِنَّكَ اَليْومُ تَكُونُ مَعْي فيِ اَلِفْردَوْسِ”.

خامسًا: القديسة العذراء ويوحنا الحبيب (يوحنا 19: 25-27)

  1. ورأى المسيح أسفل الصليب المريمات ملتفات حول يوحنا الحبيب، رأى أمه القديسة مريم العذراء منحنية في ألم، ودموعها تملأ كل وجهها. رأى السيف الذي تنبأ عنه سمعان الشيخ لها، يغوص ويمزق قلبها.
  2. رأى التلميذ الحبيب، يوحنا وعيناه مرفوعتان نحو الصليب. كان ينظر للمسيح كما كان دائمًا ينظر. رأى المسيح يوحنا مليئًا بالدهشة وعدم الفهم كأنه يتساءل : كيف يا رب؟ لماذا؟ لكنه رآه أيضًا في عطف وحنان يحيط العذراء بذراعيه ويسندها.
  3. نادى المسيح أمه، وقال لها: “يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ”… وبرغم الأصوات العالية سمعت العذراء مريم صوته وأدركت قصده.
  4. وقال المسيح ليوحنا “هُوَذَا أُمُّكَ”. وسـمع يوحنا وفهم وأطاع، ومنذ تلك اللحظة أعتبر يوحنا نفسه مسئولًا عن العذراء.

سادسًا: ثلاث ساعات مظلمة

  1. أظلمت الشمس وسط النهار. كأن الطبيعة استاءت، والشمس أغمضت عينيها استنكارًا لما يحدث.. اهتزت الأرض وارتجفت، وحدثت زلزلة عظيمة.
  2. وانشق حجاب الهيكل، الحجاب الذي على الهيكل، كان يفصل بين الله والشعب، كان في الهيكل يفصل بين قدس الأقداس والقدس. كان الحجاب يشير للخطية التي تفصل الإنسان عن الله. وانشقاق الحجاب إشارة إلى أن موت المسيح الكفاري على الصليب، أزال الحواجز بين الإنسان والله.
  3. وبعد ساعات من الظلام صرخ المسيح : “إِلَهي إَلهَي لمِاَذَا تَرَكْتَنِـي” كانت صرخة أنهت الصراع الذي قاساه وقت معاناته على الصليب كحامل لخطية البشر. كان المسيح هو حمل الله الذي حمل في جسده خطايانا على خشبة الصليب، وبسبب خطايانا حجب الآب وجهه عنه.
  4. وبصوت واهن ضعيف قال : “أَنَا عَطْشَانٌ”. وملأ جندي إسفنجة بالخل، ومسَّ بها شفتيه. وتمتم المسيح يقول : ” قّدْ أُكمِلُ” أَكمَل المشوار كله. نفَّذ مشيئة الله وإرادته.
  5. لم يبقى إلا أن يلفظ المسيح أنفاسه الأخيرة. فقال : “يَا أَبَتَاهُ فيِ يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي”. ونكَّس رأسه وأسلم الروح.
  6. كان قائد المئة المطلوب منه إتمام عملية الصلب قريبًا جدًا من الأحداث ومن المسيح. كانت مهمته أن يراقبه حتى الموت. وراقبه وشاهد وشهد وقال: “بَالَحَقِيْقَةُ كَاَنَ هَذَا الإِنْسَانُ بَاَرًا “.

سـابعًا: كسر العظام والطعن بالحربة

  1. للتأكد من موت المصلوب، كانت العادة أن تُكسر سيقانه. وتم كسر سيقان اللصين المصلوبين بجواره، وأُعلن موتهما.
  2. اقترب الجند من المسيح، ووجدوا أنه قد أسلم الروح، فلم يكسروا ساقيه. إلا أن جنديًا مد يده بحربته وطعن جنبه، فسال منه دم وماء.

ثامنًا : دفن المسيح (متى 27: 57-60، مرقس 15: 42-46، لوقا 23: 50-54، يوحنا 19: 38-40)

  1. وأنزل الجنود جسد المسيح من على الصليب. وطلب يوسف الرامي، وهو من أعضاء السنهدريم وكان تابعًا للمسيح، طلب أن يأخذ جسد المسيح ليدفنه، وأمر بيلاطس بتسليمه الجسد.
  2. انضم إلى يوسف الرامي نيقوديموس الذي كان رئيسًا لليهود، والذي جاء إلى المسيح ليلًا وسأله عن ملكوت الله، كان أيضًا تابعًا للمسيح. هذا جلب حنوطًا لتحنيط جسد المسيح.
  3. القرب من الجلجثة، كان هناك بستان يملكه يوسف الرامي، به قبر جديد لم يدفن به أحد من قبل. وبسرعة قبل حلول يوم السبت، أسرع الرجلان ولفَّا جسد المسيح بأكفان من كتان وغطُّوه بالطيب. وتم دفن جسد المسيح قبل غروب يوم الجمعة في القبر، ودحرجا إلى بابه حجرًا كبيرًا.
  4. وكانت المريمات والنساء اللاتي تبعن المسيح، يراقبن عملية دفن جسد المسيح. عرفن مكان القبر، وعُدْنَ لإتمام الأطياب.
  5. خاف رؤساء الكهنة والفريسـيين، أن يتحقق ما قاله المسيح عن قيامته من الموت في اليوم الثالث، فأرسلوا إلى بيلاطس يطلبون حراسة على القبر، مدَّعين أن تلاميذه سوف يسرقون الجسد. أَذَن لهم بيلاطس بذلك، وضبطوا القبر وختموا الحجر وعيَّنوا حُرَّاسًا أشداء لمراقبته ليل نهار.

تاسـعًا: تلخيص

 بعد ليلة طويلة في البستان، وأمام حنَّان وقيافا، ونهار صعب قضاه المسيح يحاكم أمام بيلاطس وهيرودس، أسلم بيلاطس المسيح لليهود لكي يصلبوه. حمل المسيح صليبه وسار صاعدًا إلى الجلجثة ليصلب عليه. في الطريق، سخَّر الجند سمعان القيرواني ليحمل الصليب. وفوق التل، سُمِّر المسيح على الصليب، ورُفع ليصلب بين لصين، كان أحدهما يسخر من المسيح، أما الثاني فالتفت إليه وطلب من المسيح أن يذكره متى جاء في ملكوته، ووعده المسيح أن يكون معه في الفردوس. وعلى الصليب تكلم المسيح بسبع جمل. قال :

  1. قال: “يَاَ أَبَتَاهُ. أَغْفِرُ لهَمُ لأِنهَمَ لاَ يَعْلَمُونَ مَاَذَا يَفْعَلُوُنَ”(لوقا 23: 34).
  2. للص التائب: “اَلحَقُّ اَلحَقُّ أَقٌوٌلُ لَكَ إِنَّكَ اَليْومُ تَكُونُ مَعْي فيِ اَلِفْردَوْسِ” (لوقا 23 : 43).
  3. قال لمريم ويوحنا: “يَا امْرَأَةُ هُوَ ذَا ابْنُكِ وَهُوَ ذَا أُمُّكَ”(يوحنا 19 : 26).
  4. قال للآب: “إِلَهي إَلهَي لمِاَذَا تَرَكْتَنِي” (مرقس 15 : 34).
  5. قال: “أَنَا عَطْشَانٌ” (يوحنا 19 : 28).
  6. قال: “قّدْ أُكمِلُ” (يوحنا 19 : 30).
  7. قال: “يَا أَبَتَاهُ فيِ يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي” (لوقا 23 : 46).

عاشرًا: دعـاء

ربي وإلهي. يا خالق السماوات والأرض. يا واهب الحياة للإنسان والحيوان والنبات.. يا رب الحياة.. شكرًا لك لمجيئك على الأرض، وحياتك وسط الناس. شكرًا لما عانيته من آلام لأجلي. وشكرًا لك ربي وأنت معلق على خشبة الصليب لكي تصل الأرض بالسماء.. ويعبر كل من يؤمن بك إلى الحياة الأبدية.. مُتَّ يا رب لتُميت الموت وتهب الحياة لكل من يقبل إليك.. آتي إليك يا رب، لأحيا بك الحياة الأبدية. آمين

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى