أعمال الرسل | 27 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر أعمال الرسل
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح السابع والعشرون
سفر بولس بحراً من قيصرية إلى مليطة ع ١ إلى ٤٤
١ «فَلَمَّا ٱسْتَقَرَّ ٱلرَّأْيُ أَنْ نُسَافِرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا، سَلَّمُوا بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ».
ص ٢٥: ١٢ و٢٥
انتهى نبأ أسر بولس سنتين في قيصرية ونبأ عمله في اليهودية وابتُدئ في هذا الأصحاح نبأ سفره إلى رومية وبعض ما حدث له هناك.
لَمَّا ٱسْتَقَرَّ ٱلرَّأْيُ أي رأي فستوس على ما ذُكر في (ص ٢٥: ١٢ و٢١ و٢٥) والأرجح أنه أنفذه بعد قليل من المحاكمة.
أَنْ نُسَافِرَ صورة الكلام هنا تدل على أن كاتب السفر لوقا كان واحداً من المسافرين وهو لم يأت بصيغة التكلم من حين اجتماع بولس ورفقائه أمام شيوخ الكنيسة في أورشليم (ص ٢١: ١٨). وعدم ذكر نفسه مع بولس في الأنباء منذ قُبض على بولس ليس بدليل على انفصاله عنه إنما أتى ذلك لأن الأمور التي ذكرها كانت مختصة بأسر بولس ومحاكمته واحتجاجاته فقط. وكان قبل ذلك رفيق بولس في أسفاره للتبشير وطبيباً له يعتني بصحته وما زال كذلك إلى نهاية هذا السفر. ولا نعلم أمن ماله كانت نفقته أم من مال الحكومة.
إِلَى إِيطَالِيَا أي بلاد الرومانيين الأصلية.
سَلَّمُوا أي فستوس والذين وُكل إليهم إنفاذ أوامره.
أَسْرَى آخَرِينَ كانوا يجمعون من أقطار الولاية على توالي الأوقات. ولا نعلم ألرفع دعواهم إلى قيصر أُرسلوا إلى رومية أم لعلة أخرى.
كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ هذا لقب إحدى فرق العسكر الروماني لُقبت به تمييزاً لها عن غيرها وإكراماً للأمبراطور (انظر شرح ص ٢٥: ٢١). وكانت معيّنة لحراسة الأمبراطور جعل نيرون عدد جنودها ثلاثة آلاف كانوا يرافقونه إلى المشاهد والمحافل وكان معظم عملهم أنهم يصفقون له ويدعون حين يخطب في تلك المواضع. ولعل نيرون أرسل يوليوس وكتيبته مع فستوس إلى ولايته الجديدة إكراماً له وكان يوليوس حينئذ راجعاً مع تلك الكتيبة إلى خدمته العادية بين حرس الأمبراطور فوكل إليه فستوس حراسة الأسرى.
٢ «فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ، وَأَقْلَعْنَا مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِٱلْمَوَاضِعِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي».
ص ١٩: ٢٩ و٢٠: ٤ وكولوسي ٤: ١٠ وفليمون ٢٤
أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ نسبة إلى أدراميتين فرضة ميسيا وهي ولاية في غربي آسيا الصغرى وهذه الفرضة تجاه جزيرة لسيوس. الأرجح أنها أتت من أسيا بالبضائع وكانت راجعة حينئذ إلى بلادها. والظاهر أنه لم يكن يومئذ اتصال بين إيطاليا وسورية رأساً بواسطة السفن فأخذ يوليوس تلك السفينة إلى أسيا الصغرى متوقعاً أن يجد في بعض مرافئها سفينة قاصدة إيطاليا كما قد وقع (انظر ع ٦). وكان ذلك في سنة ٦٠ ب. م إذ عُلم من التاريخ أنه في تلك السنة خلف فستوس فيلكس على ولاية سورية. والأرجح أنه كان سفرهم في غاية آب من تلك السنة لأنهم و صلوا إلى كريت في أيلول (انظر شرح ع ٩). ولا ريب في أنهم توقعوا أن يبلغوا إيطاليا قبل بداءة الشتاء.
مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ… بِٱلْمَوَاضِعِ… فِي أَسِيَّا قوله «مزمعين» إن كان حالاً من أرباب السفينة كان المعنى أنهم قصدوا المرور بتلك المواضع لمقاصد تجارية. وإن كان حالاً من يوليوس والعسكر كان المعنى أنهم قصدوا المرور بها بغية أن يجدوا سفينة مسافرة إلى رومية.
أَرِسْتَرْخُسُ وصفه لوقا بالمكدوني نسبة إلى بلاده وبالتسالونيكي نسبة إلى مدينته في تلك البلاد. وكان قد رافق بولس في سفره من أفسس إلى مكدونية (ص ١٩: ٢٩) ورجع معه من هناك إلى أسيا (ص ٢٠: ٤). ولا نعلم أين كان في السنتين الماضيتين. ذُكر في إحدى الرسالتين التي كتبهما بولس في رومية أنه عامل معه (فليمون ٢٤) وفي الأخرى أنه مأسور معه (كولوسي ٤: ١٠). ومعلوم أن هذين الصديقين المحبوبين كانا تعزية عظيمة لبولس في سفره فإنهما أظهرا شديد المحبة له إذ عرّضا أنفسهما لأخطار السفر ولم يستحيا بقيوده.
٣ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلآخَرِ أَقْبَلْنَا إِلَى صَيْدَاءَ، فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِٱلرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ».
ص ٢٤: ٢٣ و٢٨: ١٦
صَيْدَاءَ مدينة إلى أمد ٦٧ ميلاً من شمالي قيصرية وتلك السفينة إن كانت قصدت أن تذهب في الطريق المستقيمة إلى أسيا فهي لم تدخل صيدا. فدخلتها إما للتجارة لأن الريح المضادة ألجأتهم إليها.
فَعَامَلَ… بِٱلرِّفْقِ ما قيل هنا في رفق يوليوس ببولس في صيدا يصدق عليه في كل الطريق إلى رومية وبعض علل ذلك وأمر فستوس له كالأوامر التي أعطاها فيلكس قائد المئة (ص ٢٤: ٢٣) وبعضها كونه رومانياً وبعضها جودة أخلاق يوليوس وبعضها جودة بولس وتأثيره الحسن.
أَصْدِقَائِهِ يمكن أنهم معارفه والأرجح أنهم أصدقاؤه لكونهم مسيحيين فرحبوا به كما رحب به مسيحيو صور سابقاً (ص ٢١: ٢ – ٤). وكانت صور وصيدا المدينيتن المشهورتين في فينيقية وذُكرا غالباً معاً. وصيداء أقدم من صور وذُكرت في أسفار موسى الخمسة (تكوين ١٠: ١٩ و٤٩: ١٣). وأما صور فلا ذكر لها في تلك الأسفار. وسُميت صيداء في سفر يشوع بصيدون العظيمة (يشوع ١٩: ٢٨) وكانت من نصيب سبط أشير لكنه لم يستولِ عليها (قضاة ١: ٣١ و١٠: ١٠ و٤٢). استولى عليها الأشوريون ثم الفرس ثم اسكندر المكدوني وبقيت في ملك خلافائه من ملوك مصر وسورية إلى أن استولى عليها الرومانيون.
لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ من ضيافة ومؤانسة ولعلهم أعطوه بعض الهدايا ليستعين بها على السفر بحراً.
٤ «ثُمَّ أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ وَسَافَرْنَا فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ، لأَنَّ ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً».
مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ أي على القرب منها شرقاً لتتقي بها السفينة الريح الغربية.
لأَنَّ ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً لما أتوا من ترواس ذهبوا تجاه الشاطئ الغربي من تلك الجزيرة (ص ٢١: ٣) والأرجح أنهم لولا الريح المضادة ذهبوا في الطريق الغريبة.
٥ «وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا ٱلْبَحْرَ ٱلَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ، نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ».
كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ هما ولايتان في جنوبي أسيا الصغرى (انظر شرح ص ٦: ٨ و١٣: ١٣).
مِيرَالِيكِيَّةَ كانت ليكية ولاية في الجنوب الشرقي من أسيا الصغرى وميرا مدينة فيها لم يبق منها سوى آثارها. وعظمة آثار مشهدها وأطلاله تدل على أن تلك المدينة كانت كبيرة.
٦ «فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ هُنَاكَ سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا أَدْخَلَنَا فِيهَا».
وَجَدَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ كما توقّع.
سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً منسوبة إلى إسكندرية وهي من مشهورات مدن مصر (انظر شرح ص ١٨: ٢٤). وكانت التجارة بينها وبين رومية واسعة ومعظمها في القمح لأن رومية كانت تقتات بالحبوب من وادي النيل. ولم تكن ميرا على الخط المستقيم بين مصر وإيطاليا وعلة توجه السفينة إليها غير معلومة أللتجارة كان أم للتوقّي من الريح. وكان محمول تلك السفينة القمح (ع ٣٨) فيلزم أنها كانت كبيرة لتستطيع أن تحمل ٢٧٦ نفساً فوق ما فيها من البضائع.
٧ «وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْداً أَيَّاماً كَثِيرَةً، وَبِٱلْجَهْدِ صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا ٱلرِّيحُ أَكْثَرَ، سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِي».
رُوَيْداً أَيَّاماً كَثِيرَةً لأن الريح كانت على خلاف جهة سيرهم.
كِنِيدُسَ مدينة على نجد في أسيا الصغرى قريب من جزيرة رودس بينها وبين كوس (ص ٢١: ١) وهي على أمد ١٣٠ ميلاً من ميرا.
وَلَمْ تُمَكِّنَّا ٱلرِّيحُ أَكْثَرَ كان مرادهم السفر جنوباً بميلة إلى الغرب وكانت الريح تهب من الشمال الغربي فأجبرتهم على الميل إلى شرقي الجهة المطلوبة.
تَحْتِ كِرِيتَ أي شرقها حيث دفعتهم الريح وكانت قريبة منها للوقاية وكريت جزيرة كبيرة تسمى أيضاً كنديا.
سَلْمُونِي طرف جزيرة كريت الشرقي.
٨ «وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِٱلْجَهْدِ جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةُ» ٱلَّتِي بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ» .
وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِٱلْجَهْدِ هذا يدل على أن الريح عند رأس سلموني كانت أشد منها عند غيره كما هو مقتضى الطبع فكانت السفينة في خطر أن تدفعها الريح إلى الوراء أو إلى الصخور ولذلك لم يستطيعوا أن يتعدوها إلا ببذل كل ما في طاقتهم.
ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةُ مدينة على الشاطئ الجنوبي من جزيرة كريت موقعها معروف اليوم واسمها باقٍ وعلى مقربة منها مدينة لسائية.
٩ «وَلَمَّا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ، وَصَارَ ٱلسَّفَرُ فِي ٱلْبَحْرِ خَطِراً، إِذْ كَانَ ٱلصَّوْمُ أَيْضاً قَدْ مَضَى، جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ».
لاويين ١٦: ٢٩ و٢٣: ٢٧ الخ
مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ على مضادة الريح المانعة لهم من التقدّم.
صَارَ ٱلسَّفَرُ فِي ٱلْبَحْرِ خَطِراً في سفن ذلك العصر لأنها كانت شراعية ولم يكن للملاحين خريطة بحرية ولا أبرة ملاحة كانوا يستدلون بالشمس نهاراً وبالنجوم ليلاً إذ كانوا بعيدين عن البر. وكانت السفن عالية المقدم والمؤخر فكانت عرضة لأشد تأثير الرياح وكان لها دقل واحد قرب المؤخر ويوجهها الربان بمجدافين كبيرين على الجانبين عند مؤخرها فكانا بمقام سكان السفينة المعروف عند العامة بالدقة.
ٱلصَّوْمُ أي صوم الكفارة الذي يوم عيده العاشر من الشهر السابع تسري وهو من جزئين أحدهما من أيلول والآخر من تشرين الأول (لاويين ١٦: ٢٨ – ٣٤ و٢٣: ٢٦ – ٣٢). وذُكر هذا الصوم هنا لمجرد تعيين الوقت فالرومانيون لم يعتبروه فرضاً عليهم. وكان ذلك الوقت زمن الاعتدال الخريفي وهبوب الرياح الاعتدالية وكان ملاحو ذلك العصر يخافون هذه الرياح ويخافون قواصف الشتاء بعدها.
يُنْذِرُهُمْ أي ينذر أرباب الأمر منهم.
١٠ «قَائِلاً: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هٰذَا ٱلسَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَٱلسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضاً».
من العجب أن بولس وهو أسير يقف خطيباً في أولئك الناس وينذرهم وفي هذا شيء من الدليل على قوة تأثيره فيهم. وهم تعلموا قبل نهاية ذلك السفر أن يعتمدوا رأي ذلك الأسير كل الاعتماد.
أَنَا أَرَى قال هذا إما بناء على فطنته واختباره أمور البحر لكثرة أسفاره فيه (٢كورنثوس ١١: ٢٥ و٢٦) وإما بناء على ما أوحي إليه.
بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ أي عرضة لذلك. وكان هذا الإنذار في محله لأن الضرر والخسارة وقعا على الوسق والسفينة ولولا عناية الله وقعت على النفوس. وكانت غاية بولس من رأيه أن يقيموا حيث كانوا.
١١ «وَلٰكِنْ كَانَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ ٱلسَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ».
كَانَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ يَنْقَادُ يظهر من هذا أن السلطان على السفينة كان ليوليوس القائد لا لرئيس المركب وذلك إما لرتبته ومقامه او لأنه استأجر السفينة لأمره.
رُبَّانِ أي رئيس الملاحين الذي يأمر بإجراء السفينة وسائر أمورها.
صَاحِبِهَا أي مالكها والمعتني بمحمولاتها من الركاب والبضائع. ولا عجب من انقياد يوليوس إلى رأي الربان والصاحب المختبرَين أمور البحر والسفن أكثر من انقياده إلى رأي بولس على ما عرف من أنه رجل علوم دينية وأدبية. وذكر الكاتب انقياده لهما لا على سبيل الملامة بل لبيان أنه علة ما وقع عليهم من المصائب على أثر ذلك. والظاهر أنهم كلهم اتفقوا مع بولس على أن وقت السفر إلى إيطاليا قد مضى ولكهم ظنوا أنه يمكنهم قطع مسافة وجيزة بعد ذلك.
١٢ «وَلأَنَّ مَوْقِعَ ٱلْمِينَا لَمْ يَكُنْ صَالِحاً لِلْمَشْتَى، ٱسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضاً، عَسَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ ٱلإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا. وَهِيَ مِينَا فِي كِرِيتَ تَنْظُرُ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ وَٱلشَّمَالِ ٱلْغَرْبِيَّيْنِ».
ٱسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ هذا يدل على أنهم تحاوروا ملياً في المسئلة واعتمدوا رأي الجانب الأكثر.
فِينِكْسَ موضع على أمد أربعين ميلاً من المواني الحسنة وإلى الغرب منها اسمه اليوم لُترَو.
نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ وَٱلشَّمَالِ ٱلْغَرْبِيَّيْنِ يستلزم هذا أن يكون قبالة الميناء غرباً جزيرة فالسفن تدخلها وتخرج منها إما من الشمال وإما من الجنوب.
١٣ «فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ، فَرَفَعُوا ٱلْمِرْسَاةَ وَطَفِقُوا يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ».
نَسَّمَتْ أي هبت بلين.
رِيحٌ جَنُوبٌ موافقة لجهة سيرهم وهي جهة الغرب بميلة إلى الشمال.
مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ أي أصابوا وقتاً مناسباً وريحاً موافقة.
عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ خيفة أن يعرض لهم خطر وهم بعيدون عن البر لا يخشونه وهم قريبون منه. وتوقعوا أن يبلغوا فينكس بعد نحو ثلاث ساعات.
١٤ «وَلٰكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ».
على غاية خمسة أميال من المواني الحسنة غرباً أنفُ يسمى رأس متالا المرجح أنهم وصلوا إلى ذلك الرأس ومن هنالك تكون جهة السير شمالاً.
رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ أي عاصفة شديدة.
أُورُوكْلِيدُونُ كلمة يونانية مركبة من لفظتين «يورو» أي شرقي و «كلودون» أي أمواج فالمعنى أنها ريح شرقية تهيّج الأمواج. وظن البعض أنها مركبة من «يورو» و «أكويلو» أي الشمالي وعلى هذا يكون معناها ريح شرقية شمالية.
١٥ «فَلَمَّا خُطِفَتِ ٱلسَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ ٱلرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ».
خُطِفَتِ ٱلسَّفِينَةُ كأن الريح مسكنها بقوّة لا تقاوم وحملتها إلى حيث شاءت.
وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ ٱلرِّيحَ والملاحون يجرونها بالمجاديف ولم يستطيعوا أن يبلغوا فينكس بالتعريج بها يمنةً ويسرةً.
سَلَّمْنَا أي عدلنا عن بذل الجهد في إجراء السفينة إلى فينكس بالمجاديف أو غيرها.
فَصِرْنَا نُحْمَلُ حيث ساقت الريح السفينة.
١٦ «فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا «كَلَوْدِي» وَبِٱلْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ» .
تَحْتَ جَزِيرَةٍ أي الجهة غير المعرّضة للريح منها وكانت الريح شرقية شمالية فمرّت السفينة في الجهة الغربية الجنوبية.
كَلَوْدِي هي جزيرة في الجنوب الغربي من رأس متالا وعلى ٢٣ ميلاً منها (ع ١٤) اسمها اليوم غزُّو.
وَبِٱلْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ القارب السفينة الصغيرة يعبر الناس بها من البرّ إلى السفينة الكبيرة ومن تلك السفينة إلى البرّ يرفعها الملاحون إلى السفينة في السفر الطويل وهيجان البحر. ومن الأدلة على أنهم لم يتوقعوا الخطر في سفرهم القصير إلى فينكس تركهم القارب تجره السفينة ولكنهم لما بلغوا كلودي رأوا أن يرفعوه إلى السفينة وبالجهد استطاعوا ذلك لشدة الريح واضطراب الأمواج.
١٧ «وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ ٱلسَّفِينَةَ، وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي ٱلسِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا ٱلْقُلُوعَ، وَهٰكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ».
هذا الأمر الثاني الذي اغتنموا الفرصة ليفعلوه في كنف الجزيرة.
حَازِمِينَ ٱلسَّفِينَةَ منطقوها بحبال ضخمة عدة أدوار وشدّدوها بأدوات. وغايتهم من ذلك وقاية ألواحها من التفرق من شدة صدم الأمواج. وإتيانهم ذلك دليل على أن السفينة كانت ضعيفة وابتدأ الماء ينفذها. واتخاذ هذه المقوّيات الوافية كان مألوفاً عند قدماء الملاحين وقد تُستعمل في هذه الأيام. وكان من أدوات السفن القديمة الحبال المعدّة للحزم وأدوات لتشديدها عند الحاجة.
ٱلسِّيرْتِسِ هو خليج رقيق شمالي أفريقية قرب القيروان وهو شديد الخطر على السفن وإذا نظرنا إلى جهة الريح رأينا لهذا الخوف محلاً.
أَنْزَلُوا ٱلْقُلُوعَ لا بد من أنهم كانوا قد خفضوها قبلاً لشدة الريح لكنهم عند هذا أنزلوها تماماً ولعلهم أنزلوا أيضاً العارضة المنشورة عليها. والمقصود من ذلك أن لا يبقوا على السفينة شيئاً تصدمه الريح فتطرحهم في السيرتس.
وَهٰكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ يدفع الريح والأمواج بدن السفينة وساريتها عارية من الشراع.
١٨ «وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي ٱلْغَدِ».
يُفَرِّغُونَ يطرحون في البحر كل ما في السفينة مما يمكنهم الاستغناء عنه. وكانت غايتهم من تفريغها تخفيفها لكي لا تغمرها الأمواج.
فِي ٱلْغَدِ أي غد يوم رفع القارب وحزم السفينة وإنزال القلوع.
١٩ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ ٱلسَّفِينَةِ».
يونان ١: ٥
رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا صورة هذا الكلام تدل على أن الركاب ساعدوا الملاحين لأن الخطر كان عاماً ولعله كان في ذلك الوقت قريباً جداً.
أَثَاثَ ٱلسَّفِينَةِ أي ما أبقوه فيها بعد طرح ما طرحوه لأنهم لم يروا غنىً عنه إذ يئسوا من إجراء السفينة في طريقها ولم يعتنوا بسوى حفظ حياتهم بها. ونستنتج من ذلك أن السفينة لم تزل متعبة مشرفة على الغرق بعد التفريغ الأول. ومثل فعلهم هذا فعل ملاحي السفينة التي سافر يونان النبي فيها حين كادت تنكسر (يونان ١: ٥).
٢٠ «وَإِذْ لَمْ تَكُنِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ ٱلنُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّاماً كَثِيرَةً، وَٱشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، ٱنْتُزِعَ أَخِيراً كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا».
لَمْ تَكُنِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ ٱلنُّجُومُ تَظْهَرُ لكثافة الغيم ولذلك لم يستطيعوا معرفة الجهة المحمولين فيها.
أَيَّاماً كَثِيرَةً وعلة بقاء السفينة تحت سلطة الريح ظاهرة في (ع ١٥) حيث قيل «خُطفت السفينة من الزوبعة». ومن خواص الزوبعة أنها تدور على نفسها وتحمل كل ما تخطفه. فلو كان للسفينة قلوع وللملاحين قدرة على أنهم يجرون السفينة إلى أن يخرجوا بها عن سبيل الزوبعة لنجوا في وقت قصير.
ٱنْتُزِعَ أَخِيراً الخ دلنا ما ذُكر قبلاً على خوفهم ودلنا ما ذُكر هنا على تحول الخوف يأساً لتوقعهم أن السفينة تصدم الصخر وتنكسر أو ترتطم في الرمل وتُبتلع فيه أو تغرق من نفوذ الماء إيّاها. وحزمها بالحبال الضخمة يشير إلى كونها عرضة لذلك. ولما يئسوا من النجاة بالوسائط البشرية أتاهم بولس بالوسائط الإلهية.
٢١ «فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هٰذَا ٱلضَّرَرِ وَٱلْخَسَارَةِ».
صَوْمٌ كَثِيرٌ لم يكن هذا الصوم دينياً ولم يكن انقطاعاً كاملاً عن الطعام بل عدم الانتباه لأوقات الطعام ومقداره الكافي. ولم يكن ذلك لقلة الطعام في السفينة لأنها كانت مملوءة حنطة (ع ٣٨). وعلة ذلك الصوم الخطر الدائم وتوقع الموت بمقتضاه والدوار الذي أنشأه اضطراب البحر والذي منعهم من تناول الطعام منع الخدم من إعداده. ومصابهم هذا مما اختبره كثيرون ممن سافروا في البحر وهبّت عليهم الزوابع وأحاطبهم الخطر.
وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِهِمْ ليعزيهم وينشطهم في ذلك الوقت وقت الضيق والخطر.
كَانَ يَنْبَغِي… أَنْ تُذْعِنُوا لِي ذكرهم تحذيره إيّاهم قبلاً ليريهم أنه لم يتكلم بدون علم واختبار أو سلطان من الله. ولم تكن غايته من ذلك توبيخهم لرفضهم إنذاره بل كانت رغبته في أن يحملهم على قبول نصحه في ما بعد.
وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ أي من المواني الحسنة التي كانوا لاجئين إليها.
هٰذَا ٱلضَّرَرِ وَٱلْخَسَارَةِ اللذين حذّرهم منهما (ع ١٠).
٢٢ «وَٱلآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ٱلسَّفِينَةَ».
أُنْذِرُكُمْ المراد بالإنذار هنا الإنذار الممزوج بالنصح لأنه نصحهم أن يسروا بسلامة النفوس مع الإنذار بانكسار السفينة.
أَنْ تُسَرُّوا فيجب أن تقبلوا النصح الآن ولا ترفضوه كما رفضتم الإنذار قبلاً لأني أتيت كلاً منهما عن علم ويقين. وما أنذرتكم به من الضرر والخسران مقصور على السفينة دون النفوس. ولا بد من أن كلامه أنشأ فيهم فرحاً ورجاء عظيماً في وقت حزنهم ويأسهم (ع ٢٠).
٢٣ «لأَنَّهُ وَقَفَ بِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلاَكُ ٱلإِلٰهِ ٱلَّذِي أَنَا لَهُ وَٱلَّذِي أَعْبُدُهُ»
ص ٢٣: ١١ دانيال ٦: ١٦ ورومية ١: ٩ و٢تيموثاوس ١: ٣
أيّد دعوته إيّاهم إلى السرور بأنباء رسول من السماء وأبان أن نصحه لم يكن من آرائه الخاصة.
وَقَفَ بِي أي قرب إليّ حتى استطعت أن أراه وأسمع كلامه.
ٱلإِلٰهِ أكثر الناس الذين خاطبهم كانوا وثنيين وهم عساكر رومانيون وملاحون مصريون وهم عبدة آلهة كثيرة فشهد لهم بالإله الواحد الحق.
ٱلَّذِي أَنَا لَهُ لأنه خلقني ويأمرني بما يشاء ويحميني لأني من خاصته.
ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ عبادة دائمة تامة اختيارية باعتبار أني مسيحي وأني مبشر بإنجيله.
٢٤ «قَائِلاً: لاَ تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ ٱللّٰهُ جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ».
لاَ تَخَفْ هذا خطاب تشجيع كالذي خُوطب به في بداءة خدمته في أفسس (ص ١٨: ٩).
أَمَامَ قَيْصَرَ الأمبراطور نيرون (ص ٢٥: ٨ – ١٢ و٢١: ٢٦: ٣٢). ووقوف بولس أمام قيصر يستلزم نجاته من البحر.
هُوَذَا هذا تنبيه على أمر عجيب. علم بولس أنه يذهب إلى رومية لكنه لم يعلم أن ذهابه إلى هناك مقترنة به نجاة كل المسافرين معه من الموت. نتيجة وجود الرسول في تلك السفينة خلاف نتيجة وجود يونان النبي في السفينة السائرة من يافا إلى ترشيش. كان يونان هارباً من الله فجعل كل الذين معه في خطر الموت. وأما بولس وهو ذاهب في خدمة الله فكان سبب نجاة لجميع من معه.
وَهَبَكَ ٱللّٰهُ دليلاً على رضاه إنقاذ نفوس كل رفقائه. والهبة هي العطية بلا عوض. فكثيراً ما يحصل الأشرار على بركات لوجود الأخيار بينهم. والدليل على ذلك قول الله لإبراهيم أنه يعفو عن كل أشرار سدوم إن وجد بينهم عشرة أبرار.
٢٥، ٢٦ «٢٥ لِذٰلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ أَنَّهُ يَكُونُ هٰكَذَا كَمَا قِيلَ لِي. ٢٦ وَلٰكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ».
لوقا ١: ٤٥ ورومية ٤: ٢٠ و٢١ و٢تيموثاوس ١: ٢٢ ص ٢٨: ١
لِذٰلِكَ أي لوعد الله بواسطة الملاك.
أُومِنُ بِٱللّٰهِ أي أثق بوعده المذكور.
عَلَى جَزِيرَةٍ الظاهر أن الله لم يعلن له اسم الجزيرة.
٢٧ «فَلَمَّا كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلرَّابِعَةُ عَشَرَةُ، وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ ٱلنُّوتِيَّةُ نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ أَنَّهُمُ ٱقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ».
ٱللَّيْلَةُ ٱلرَّابِعَةُ عَشَرَةُ للإقلاع من كريت.
بَحْرِ أَدْرِيَا الجزء المتوسط من بحر الروم وهو بين صقلية (أي سيسيليا) وبلاد اليونان لا خليج أدريا المعروف اليوم وهو قرب البندقية.
ٱلنُّوتِيَّةُ أي الملاحون الذين كانوا في السفينة قبل أن أستأجرها يوليوس وهم مختبروا أمور البحر أكثر من سائر من كانوا في السفينة.
أَنَّهُمُ ٱقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ المرجح أن علّة ظنهم ذلك سمعهم صوت صدم الأمواج للصخور في شاطئ مجهول.
٢٨ «فَقَاسُوا وَوَجَدُوا عِشْرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلاً قَاسُوا أَيْضاً فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشَرَةَ قَامَةً».
فَقَاسُوا بأن علقوا بحبل دقيق قوي جسماً ثقيلاً غلب أن يكون رصاصاً ودلوه في البحر حتى بلغ القرار.
عِشْرِينَ قَامَةً أي عشرين مثل طول الإنسان وأكثر المقاييس في كل لغات الأرض أُخذت أصلاً عن أعضاء الإنسان كالذراع والشبر والفتر والأصبع والقدم الخ. وكانت نتيجة قياسهم دليلاً على صحة ظنهم.
خَمْسَ عَشَرَةَ قَامَةً هذا الفرق في تلك المدة القليلة دليل على سرعة اقترابهم من البر. ولم يعرفوا صفة البر الذي كانوا يقتربون إليه لشدة ظلام الليل.
٢٩ «وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ، رَمَوْا مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ».
مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ لكثرة الصخور فيها فإنه إذا ارتطمت السفينة في مواضع صخرية كان خطر الغرق أعظم مما إذا ارتطمت في مواضع رملية.
أَرْبَعَ مَرَاسٍ لا نعلم لماذا استحسنوا إلقاء المراسي من المؤخر لا المقدم. وذكر لوقا ذلك يدل على كونه خلاف العادة. وعلى بعض آثار هركولانيوم أحد مدن إيطاليا التي طمرتها مقذوفات بركان يزوف صورة سفينة ملقاة المرساة من المؤخر وكان طمر تلك المدينة مدة وجيزة بعد سفر بولس المذكور هنا. وكانت السفن القديمة قليلة الفرق بين المقدم والمؤخر.وكانوا يكثرون المراسي لخفتها.
يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ أي يرغبون كثيراً في طلوع النهار لكي يروا ما عليهم من الخوف وما لهم من الأمل ويتخذوا وسائل الوصول إلى البر سالمين.
٣٠ «وَلَمَّا كَانَ ٱلنُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ، وَأَنْزَلُوا ٱلْقَارِبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ ٱلْمُقَدَّمِ».
ٱلنُّوتِيَّةُ قال هذا ليميّزهم عن العسكر والأسرى وسائر الركاب.
أَنْ يَهْرُبُوا توقعوا انكسار السفينة وأن لا وسيلة لبلوغهم البر سالمين سوى القارب الصغير وعلموا أنه لا يسعهم والآخرين فاعتمدوا أن يستولوا عليه وينفردوا به ويخلصوا غير ملتفتين إلى ما يصيب غيرهم. وكان من حب الذات القبيح أن يعتنوا بأنفسهم فقط ويزيدوا خطر الباقين لأنهم كانوا يجهلون تدبير السفن ويعجزون عن اتخاذ وسائل النجاة.
أَنْزَلُوا ٱلْقَارِبَ الذي رفعوه من البحر وهم تحت كلودي (ع ١٦ و١٧).
بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ الخ لعلهم أنه إذا عرف الباقون غايتهم منعوهم من إدراكها فتظاهروا أن قصدهم أن يطرحوا المراسي من مقدم السفينة كما طرحوا من مؤخرها. ولا بد من أن الباقين قبلوا تلك الحجة ولولا معارضة بولس لخُدعوا بها جميعاً. وكثيراً ما حدث مثل هذا الخداع في مثل تلك الحال.
٣١ «قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ وَٱلْعَسْكَرِ: إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلاَءِ فِي ٱلسَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا».
هذه المرة الثالثة في هذا السفر قام بولس الأسير مقام المشير بغية النفع العام. فإنه أدرك قصد الملاحين إما بفطنته الطبيعية أو بالإعلان الإلهي والمرتان قبلها ذُكرتا في (ع ١٠ و٢١).
لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ وَٱلْعَسْكَرِ لم يقل بولس شيئاً للملاحين لمعرفته أن قوله لهم عبثٌ لكنه أخبر يوليوس والعسكر بقصد الملاحين لعلمه أن الطبع يحملهم على اتخاذ الوسائل إلى منعهم من مقصدهم.
لم يجعل بولس وعد الله له بالحفظ والنجاة حجة عن تركه الوسائط المؤدية إليهما.
إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلاَءِ… لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا إنكم تهلكون غرقاً. وليس في هذا منافاة لقوله في الآية الثانية والعشرين ما مفاده أنهم ينجون كلهم لأن قصد الله نجاتهم من الهرب. فإذا فرضنا ترك الوسائل وجب أن نفرض بطلان القصد لارتباط كل منهما بالآخر. كذلك مقاصد الله في خلاص الخطأة يشتمل على استعمال الإنسان الوسائط المرتبطة بها وهي التوبة والإيمان والسيرة المقدسة فمن يعذر نفسه عن إهمال التوبة بقوله «إذا كان الله قد قضى بخلاصي خلصت لا محالة اجتهدت أم لم أجتهد» فعليه أن يقابل هذه الآية بالآية الثانية والعشرين ليرى سقوط عذره ووهم حجته.
٣٢ «حِينَئِذٍ قَطَعَ ٱلْعَسْكَرُ حِبَالَ ٱلْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ».
ظهر من الآية الثلاثين أن الملاحين أنزلوا القارب إلى البحر ويظهر من هذه الآية أنه لم يبلغ سطح البحر ولم يدخله الملاحون فقطع العسكر الحبال التي كان معلقاً بها فسقط وتاه وامتنع الملاحون من الهرب وأُجبروا على البقاء والسعي في نجاة الجميع لينجوا هم.
٣٣ «وَحَتَّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى ٱلْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَاماً، قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لاَ تَزَالُونَ صَائِمِينَ، وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئاً».
هذه المرة الرابعة قام بولس مقام المدبّر والمرشد لكل ما في السفينة إلى ما يجب فعله استعداداً لما يتوقع فأظهر بنصحه حكمته وشفقته على الجميع والعناية بهم.
حَتَّى قَارَبَ ٱلنَّهَارُ نفهم من ذلك أن بولس شغل الوقت من منتصف الليل حين ألقوا المراسي إلى قرب طلوع الفجر يشجع كل فرد منهم ويحثه لى تناول الطعام فكأنه هو وحده بقي صاحياً مطمئناً.
ٱلْيَوْمُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ انتهاء الزوبعة وبلوغ النجاة أو انكسار السفينة والهلاك فكنتم في كل تلك المدة مضطربي الأفكار غافلين عن الواجبات العادية لسلامة أجسادكم.
لاَ تَزَالُونَ صَائِمِينَ لم يرد بالصيام هنا كل الانقطاع عن الطعام لأنهم لو انقطعوا كذلك لهلكوا بل أراد أنهم لم يتناولوا الطعام الكافي للتغذية لأن الاضطراب الناشئ من الريح وهيجان البحر عاق الخدم عن تهيئة الطعام العادية. ولعل الموج كان يقع في السفينة فيعطل بعض الأطعمة. ولعلهم طرحوا بعض الأطعمة في البحر تخفيفاً عن السفينة وما بقي منها لم يكن مما يهيّج شهوة الطعام ويقوي الآكلين. وكانت الأحوال قد منعت من الأكل في أوقاته فتشوش النظام وانتفى تأثر العادة في تناول الطعام. وليس من أدنى دليل على أن هذا الصوم كان لغاية دينية.
وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئاً كافياً.
٣٤ «لِذٰلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَاماً، لأَنَّ هٰذَا يَكُونُ مُفِيداً لِنَجَاتِكُمْ، لأَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ».
١ملوك ١: ٥٢ ومتّى ١٠: ٣٠ ولوقا ١٢: ٧ و٢١: ١٨
لِذٰلِكَ أي لامتناعكم تلك المدة عن الطعام الكافي ولوهنكم الناتج عن ذلك وعدم قدرتكم على احتمال مقاومة الأمواج وبرد الماء عند انكسار السفينة وعومكم على البحر ولأن الصوم الطويل يضر بصحتكم في المستقبل.
مُفِيداً لِنَجَاتِكُمْ أي إحدى الوسائط الضرورية لها.
لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ الخ هذا كلام جار مجرى المثل ومعناه السلام التام (١ملوك ١: ٥٢ و١صموئيل ١٤: ٤٥). كانت الأحوال مقتضية القوة الجسدية والقوة القلبية والأولى من منشآت الطعام والثانية من منشآت الرجاء المستفاد من هذا التوكيد.
٣٥ «وَلَمَّا قَالَ هٰذَا أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ ٱللّٰهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ، وَكَسَّرَ، وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ».
١صموئيل ٩: ١٣ ومتّى ١٦: ٣٦ ومرقس ٨: ٦ ويوحنا ٦: ١١ و١تيموثاوس ٤: ٣ و٤
أَخَذَ خُبْزاً الخ أكل أمامهم ليقتدوا به ولم يغفل عن عادة كل المسيحيين تقديم الشكر لله عند تناولهم مواهبه (متّى ١٥: ٣٦ و٢٦: ٢٧ ويوحنا ٦: ١١ و٢٣ ورومية ١٤: ٦ و١كورنثوس ١٠: ٣٠ و١١: ٢٤ و١٤: ١٧ وأفسس ٥: ٢٠ و١تسالونيكي ٥: ١٨
٣٦، ٣٧ «٣٦ فَصَارَ ٱلْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً طَعَاماً. ٣٧ وَكُنَّا فِي ٱلسَّفِينَةِ جَمِيعُ ٱلأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ».
كانت نتيجة أقوال بولس وفعله تشجيعهم وتأميلهم فإنهم شرعوا يأكلون وينتعشون.
وَكُنَّا فِي ٱلسَّفِينَةِ الخ أي نحن الذين أكلنا كل الأنفس التي في السفينة وهي مئتان وست وسبعون نفساً وهم ليسوا أكثر ممن كانت تحملهم كبار السفن في تلك الأيام. فإن يوسيفوس قال أن السفينة التي كان مسافراً فيها انكسرت وفيها ست مئة نفس. وكان يوسيفوس من رجال ذلك القرن.
٣٨ «وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ ٱلطَّعَامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ ٱلسَّفِينَةَ طَارِحِينَ ٱلْحِنْطَةَ فِي ٱلْبَحْرِ».
وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ ٱلطَّعَامِ هذه أول مرة شبعوا من الطعام منذ ابتداء الزوبعة.
طَفِقُوا كل الذين في السفينة.
يُخَفِّفُونَ ٱلسَّفِينَةَ لكي تقرب إلى البر أكثر ما يمكن قبل أن ترتطم وبقربها تقلّ المسافة على السابح.
طَارِحِينَ ٱلْحِنْطَةَ هذه الواسطة لتخفيف السفينة. لعل الحنطة كانت قد تجمعت حينئذ في جانب واحد من السفينة لميلها إلى جهة واحدة بهبوب الريح المستمر وعسر على الملاحين أن يجروها وهي مائلة إلى حيث شاءوا وقد عرفوا أن السفينة تنكسر ولم يبق نفع من حفظ الحنطة. قيل في الآية الخامسة أن تلك السفينة من اسكندرية وأنها ذاهبة إلى إيطاليا ولم يذكر ما هو محمولها إلا هنا. والحنطة مما اعتادت سفن اسكندرية أن تحملها من مصر إلى إيطاليا وهذا مما يدل على صحة هذه القصة.
٣٩ «وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ٱلأَرْضَ، وَلٰكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجاً لَهُ شَاطِئٌ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ ٱلسَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ».
لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ٱلأَرْضَ لم يروا فيها علامات تذكرهم أنهم أتوها قبلاً. فإن قيل لماذا لم يعرف الملاحون مليطة وهي على طريقهم المعتادة بين إيطاليا ومصر فالجواب أنهم اعتادوا أن يدخلوا بها مرفأ فالتّة فرضة تلك الجزيرة. ولكن الموضع الذي بلغوه وقتئذ كان على أمد سبعة أميال من تلك الفرضة شرقاً وليس هنالك من جبال أو أكم تُعرف بها ولو عرفوا الأرض لعرفوا الموضع الأوفق للإرساء أو الاندفاع.
خَلِيجاً لَهُ شَاطِئٌ الخليج جزء من البحر داخل في البر والمراد بالشاطئ هنا شط من الرمل لا الصخور الراسية.
فَأَجْمَعُوا أي اتفقوا في الرأي.
إِنْ أَمْكَنَهُمْ هذا يدل على أنهم كانوا في شك من الإمكان.
٤٠ «فَلَمَّا نَزَعُوا ٱلْمَرَاسِيَ تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِي ٱلْبَحْرِ، وَحَلُّوا رُبُطَ ٱلدَّفَّةِ أَيْضاً، رَفَعُوا قِلْعاً لِلرِّيحِ ٱلْهَابَّةِ، وَأَقْبَلُوا إِلَى ٱلشَّاطِئِ».
نَزَعُوا ٱلْمَرَاسِيَ الأرجح أنهم قصوا حبالها.
حَلُّوا رُبُطَ ٱلدَّفَّةِ المراد بالدفة هنا آلة توجيه السفينة وكان بمنزلتها قديماً مجذافان في مؤخر المركب كما مرّ في شرح (ع ٩). سبق في (ع ٢٢) أنهم رموا من المؤخر أربع مراس فاقتضى ذلك أن يربطوا المجدافين لئلا تشتبك بحبال المراسي ولما قطعوا تلك الحبال وأرادوا إجراء السفينة حلوا الرُبط.
رَفَعُوا قِلْعاً لِلرِّيحِ هذا دليل على أن الريح كانت متوجهة إلى البر كما دل على ذلك ما ذُكر قبل طرح المراسي في منتصف الليل (ع ٢٨).
أَقْبَلُوا إِلَى ٱلشَّاطِئِ بتوجيه السفينة إليه.
٤١ «وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، شَطَّطُوا ٱلسَّفِينَةَ، فَٱرْتَكَزَ ٱلْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لاَ يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا ٱلْمؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ ٱلأَمْوَاجِ».
٢كورنثوس ١١: ٢٥
وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ أي صاروا إليه بلا قصد.
بَيْنَ بَحْرَيْنِ الأرجح أن معنى البحرين هنا تياران متقابلان ومن شأن هذين التيارين أن يجمعا الرمل ركاماً مثل لسان في البحر وهذا اللسان إن لم يكن ظاهراً فوق سطح البحر كان كافياً لمنع مجاوزة السفنية إياه. ويحتمل أن المراد بالبحرين جزآن من البحر أحدهما الذي كانت السفينة فيه والثاني بين البر وجزيرة صغيرة اسمها سلمونتّا. وكان عرض هذا الجزء نحو مئة وثلاثين ذراعاً. وكان بين تلك الجزيرة والشبر تيار قوي دائم. فهنالك علة كافية لاندفاع السفينة وارتطامها على الاحتمالين.
شَطَّطُوا ٱلسَّفِينَةَ أي أدنوها من الشاطئ إلى حيث ارتطمت على أمد منه وهم لم يقصدوا أن ترتطم بل أن يبغلوا بها الخليج. والأرجح أن مرتطمها كان لسان الرمل الذي يمتد من طرف جزيرة سلمونتا الشرقي قبالة خليج صغير يُعرف اليوم بخليج مار بولس.
فَٱرْتَكَزَ ٱلْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ أي دخل في الرمل وتمكّن لأن السفينة كانت مدفوعة بقوة الريح.
وَأَمَّا ٱلْمؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ لأنه كان عرضة لصدم الأمواج دون المقدم ومن الطبع أنه إذا كان جزء من السفينة ثابت في المرتطم وجزء آخر بلا عماد وكان هذا التفكك وسيلة للنجاة للذين لم يحسنوا السباحة (ع ٤٤).
٤٢ «فَكَانَ رَأْيُ ٱلْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا ٱلأَسْرَى لِئَلاَّ يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ».
يَقْتُلُوا ٱلأَسْرَى بولس والمذكورين في (ع ١) فما قصده العسكر هنا شر مما قصده الملاحون في (ع ٣٠) فإن مقصد العسكر نتيجة القساوة ومقصد الملاحين نتيجة حب الذات. على أن ما حمل العسكر على هذه القساوة شدة شريعة الرومانيين العسكرية وهي وجوب قتل الجندي الذي يسمح لأسير يحرسه بالهرب (انظر شرح ص ١٦: ١٩ و١٦: ٢٧). فقصد العسكر ما هو مناف للعدل والإنسانية والشريعة خشية أن يعرضوا أنفسهم للعقاب بهرب أحد الأسرى.
٤٣ «وَلٰكِنَّ قَائِدَ ٱلْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هٰذَا ٱلرَّأْيِ، وَأَمَرَ أَنَّ ٱلْقَادِرِينَ عَلَى ٱلسِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً فَيَخْرُجُونَ إِلَى ٱلْبَرِّ».
قَائِدَ ٱلْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ مال يوليوس إلى بولس من بداءة السفر وأظهر له اللطف (ع ٣) وزاد ميله إليه لما رأى فيه من الحكمة والفطنة وإخلاص النصح ولا سيما البراهين على كونه في حراسة إلهية.
مَنَعَهُمْ مِنْ هٰذَا ٱلرَّأْيِ يظهر من هذا أن يوليوس لولا إرادته نجاة بولس لم يمنع العسكر من قتل الأسرى فإذاً هو حفظ حياة الأسرى إكراماً لعبده لبولس.
وَأَمَرَ الخ أي الأسرى والأرجح أنه كان قد أمر أن ترفع السلاسل عنهم. وفضل الخطر من هرب واحد على أن يقتل صديقه بولس. ولعله رجا أن لا يهرب أحد منهم وأنه يمسكه إن هرب. ونفوذ الأوامر في مثل تلك الأحوال دليل على حسن نظام العسكر الروماني.
٤٤ «وَٱلْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَلْوَاحٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ. فَهٰكَذَا حَدَثَ أَنَّ ٱلْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى ٱلْبَرِّ».
ع ٢٢
وَٱلْبَاقِينَ أي الذين لا يحسنون السباحة.
قِطَعٍ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لأنها انحلّت بعنف الأمواج (ع ٤١).
ٱلْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى ٱلْبَرِّ بعناية الله الخاصة على وفق وعده تعالى (ع ٢٢ و٢٣). وكانوا جميعاً ٢٧٦ نفساً من عسكر وملاحين وأسرى وغيرهم من الركاب (ع ٣٧). وهذه نجاة رابعة لبولس من الغرق بعد انكسار السفينة التي كان فيها. ونجاة الجميع كانت برهاناً على صدق بولس في كل ما قاله الأول التنبيه على الخطر (ع ١٠) والثاني أن الله وهبه نفوس جميع الذين سافروا معه ووعده أنه ينجيهم (ع ٢٤ و٣٤) وأن السفينة تنكسر وأنهم يقعون على جزيرة (ع ٢٦). وكل ذلك أثبت أن الإله الذي خدمه بولس وعبده هو الإله الحق وأنه قدير ورحيم.
كما حفظ الله بولس يحفظ كل من يتقونه من كل أخطار السفر براً وبحراً. فعليهم أن يطمئنوا ويثقوا أنه كما أوصل بولس إلى الشاطئ بعد مشقات السفر وأهواله كذلك يوصل شعبه إلى شاطئ السلام السماوي بعد مصائب بحر هذه الحياة.
السابق |
التالي |