أعمال الرسل | 26 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر أعمال الرسل
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح السادس والعشرون
احتجاج بولس أمام أغريباس ع ١ إلى ٢٣
١ «فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ لأَجْلِ نَفْسِكَ. حِينَئِذٍ بَسَطَ بُولُسُ يَدَهُ وَجَعَلَ يَحْتَجُّ».
في هذا الأصحاح احتجاج بولس الخامس بعد ما قُبض عليه. احتجه بولس أمام أسمى الناس رتبة وسلطاناً في سورية من يهود ورومانيين. فإنه مع كونه مسيحياً لم يزل إسرائيلياً حقيقياً أميناً وما أتاه من تبشير الأمم لم يكن إلا بأمر الله. وهذا الاحتجاج أربعة أقسام:
- الأول: المقدمة وفيه إظهار اللطف والمسرة باحتجاجه في حضرة خبير قادر على إدراك معاني أقواله (ع ٢ و٣).
- الثاني: غرابة أن يشكوه رفقاؤه القدماء من اليهود على تمسكه بما هو جوهر ديانتهم وموضوع كل النبوآت (ع ٤ – ٨).
- الثالث: بيان علة مصيره مؤمناً وبشيراً بالدين المسيحي بعد كونه عدواً ومضطهداً لكل أتباع المسيح.
- الرابع: بيان موضوع تبشيره وهو أن المسيح مخلّص متألم وشدة المقاومة له على ذلك مع أنه على وفق كتب اليهود المقدسة وحينئذ عارضه فستوس واتهمه بالهذيان.
فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ أكرم فستوس أغريباس بجعله إياه رئيس المحفل إذ لم يكن الاحتفال للمحاكمة لأن بولس رفع دعواه إلى رومية إنما غايته إعطاء فرصة للأسير لتبرير نفسه مما اتهم به على الأسلوب المظنون أنه يحتج فيه أمام نيرون.
مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ لم يقل أذنت لك لأن السلطة في قيصرية وسائر اليهودية للوالي.
بَسَطَ بُولُسُ يَدَهُ كعادته في الخطاب ولعلها كانت موثقة بإحدى السلاسل المذكورة في ع ٢٩.
يَحْتَجُّ كان احتجاجه في بعض الأمور كاحتجاجه على درج قصر أنطونيا (ص ٢١: ٤٠ و٢٢: ١ – ٢١) إلا أنه لم يتعرض لدفع تهمة أنه قاوم اليهود وشريعتهم ودنس الهيكل ولم يتوقع بولس من هذا الاحتجاج الإطلاق من أسره إنما رجا أولاً أن يجعل الملك أغريباس يعترف ببرائته فيخف بغض اليهود لبولس.
ثانياً أن تكون الكتابة إلى نيرون في شأنه موافقة له (ص ٢٥: ٢٦ و٢٧).
ثالثاً أن ينادى بالإنجيل على مسمع أغريباس وسائر المجتمعين لنفع نفوسهم.
٢ «إِنِّي أَحْسِبُ نَفْسِي سَعِيداً أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، إِذْ أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَحْتَجَّ ٱلْيَوْمَ لَدَيْكَ عَنْ كُلِّ مَا يُحَاكِمُنِي بِهِ ٱلْيَهُودُ».
لَدَيْكَ قال بولس ذلك لأن أغريباس يهودي قادر أن يحكم في أمور الديانة اليهودية التي أُتهم بولس بمخالفتها وكان احتجاجان من احتجاجاته السابقة أمام حكام رومانيين يجهلون عوائد اليهود وعقائدهم ويحتقرونها جميعاً فلم يفهموا قوة احتجاجه لكن أغريباس كان قادراً على فهم كل ما احتج به فيُفهم فستوس ما يجعله يكتب إلى نيرون ما يوافق بولس.
مَا يُحَاكِمُنِي بِهِ ٱلْيَهُودُ من أني رجل مفسد ومهيّج فتنة ومقدام شيعة الناصريين ومنجس الهيكل (ص ٢٤: ٥ و٦).
٣ «لاَ سِيَّمَا وَأَنْتَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ ٱلْعَوَائِدِ وَٱلْمَسَائِلِ ٱلَّتِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ. لِذٰلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَسْمَعَنِي بِطُولِ ٱلأَنَاةِ».
لاَ سِيَّمَا وَأَنْتَ لأنه يهودي أصلاً وإيماناً وهو حارس الهيكل القانوني ومحسوب حامياً للدين اليهودي وحاكم بأمر الدولة الرومانية فيندر وجود مثله في تعلقه بالأمتين والصفات التي تؤهله للنظر في هذه الدعوى.
أَنْ تَسْمَعَنِي بِطُولِ ٱلأَنَاةِ على خلاف ما يتوقع من حاكم روماني يعتبر كل أمور الدين اليهودي أوهاماً لا تستحق أن تُسمع.
٤، ٥ «فَسِيرَتِي مُنْذُ حَدَاثَتِي ٱلَّتِي مِنَ ٱلْبَدَاءَةِ كَانَتْ بَيْنَ أُمَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ يَعْرِفُهَا جَمِيعُ ٱلْيَهُودِ، عَالِمِينَ بِي مِنَ ٱلأَوَّلِ إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا ٱلأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيّاً».
ص ٢٢: ٣ و٢٣: ٦ و٢٤: ١٥ و٢١ وفيلبي ٣: ٥
فَسِيرَتِي مُنْذُ حَدَاثَتِي بالنظر إلى شخصي وعلمي وديني وهذا مجمل ما في (ص ٢٢: ٣) ولم يفصله لأنه من الأمور المشهورة التي لا تحتاج إلى بيان.
مِنَ ٱلْبَدَاءَةِ أي قبل أن تنصّر.
بَيْنَ أُمَّتِي نعم أنه وُلد بين الأمم في طرسوس لكنه لم يترب بينهم.
فِي أُورُشَلِيمَ المدينة المقدسة قصبة الشعب اليهودي لا في قرية مجهولة.
جَمِيعُ ٱلْيَهُودِ أي يهود اليهودية والمرجح أنه اشتهر بين علماء عصره بمعرفة الشريعة اليهودية وبغيرته ونباهته ولعله كان من بيت شريف وإلا لم يكن رومانياً. وأخذه الوكالة المذكورة في (ص ٩: ١ و٢) دليل على صحة ما ذُكر (انظر أيضاً فيلبي ٣: ٤ – ٦). ولا ريب في أنه كان من جملة المشتكين عليه كثيرون ممن عرفوه قبل أن تنصّر. وبولس اعتبر اشتهاره السابق بين شعبه أمراً ذا شأن في تبرئته إذ هو دليل على إخلاصه وأنه لم يتنصّر لنفع شخصي.
إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا هذا إيماء إلى أنهم أنكروا معرفته إياه في ما سلف.
مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا ٱلأَضْيَقِ اعتقاداً وعملاً.
عِشْتُ فَرِّيسِيّا أي أني لم أكتف بأن أُسمى فريسياً بل كانت عيشتي كلها مطابقة لسنن الفريسيين وعوائدهم.
٦ «وَٱلآنَ أَنَا وَاقِفٌ أُحَاكَمُ عَلَى رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَارَ مِنَ ٱللّٰهِ لآبَائِنَا».
ص ٢٣: ٦ تكوين ٣: ١٥ و٢٢: ١٨ و٢٦: ٤ و٤٩: ١٠ وتثنية ١٨: ١٥ و٢صموئيل ٧: ١٢ ومزمور ١٣٢: ١١ وإشعياء ٤: ٢ و٧: ١٤ و٩: ٦ و٤٠: ١٠ وإرميا ٢٣: ٥ و٣٣: ١٤ الخ وحزقيال ٣٤: ٢٣ و٣٧: ٢٤ ودانيال ٩: ٢٤ وميخا ٧: ٢٠ وص ١٣: ٣٢ ورومية ١٥: ٨ وتيطس ٢: ١٣
هذا تكرير لقوله في (ص ٢٤: ١٤ و١٥) أن علة بغض اليهود واضطهادهم إياه وقبضهم عليه أمانته لدين آبائه لا رفضه كما قالوا.
رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ أي توقع إتمام الوعد بالأمور المتعلقة بملكوت المسيح وأعظمها اثنان الأول مجيء المسيح الموعود به والثاني قيامة الأموات. والرسول قرن أحدهما بالآخر كأنهما واحد لأنه اعتبر قيامة يسوع من الموت برهاناً على كونه هو المسيح الموعود به وبرهاناً على صحة القول بالقيامة من الأموات وعربون قيامة كل بشر. وشواهد هذا الوعد ذُكرت مع هذه الآية فارجع إليها.
لآبَائِنَا أي أسلافنا اليهود من إبراهيم إلى المسيّا وجمع معه بهذا القول أغريباس وسائر يهود ذلك العصر لأن أغريباس وإن كان جده أدومياً هو من إبراهيم وإسحاق.
٧ «ٱلَّذِي أَسْبَاطُنَا ٱلٱثْنَا عَشَرَ يَرْجُونَ نَوَالَهُ، عَابِدِينَ بِٱلْجَهْدِ لَيْلاً وَنَهَاراً. فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱلرَّجَاءِ أَنَا أُحَاكَمُ مِنَ ٱلْيَهُودِ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ».
يعقوب ١: ١ فيلبي ٣: ١١ لوقا ٢: ٧ و١تسالونيكي ٣: ١٠ و١تيموثاوس ٥: ٥
أَسْبَاطُنَا ٱلٱثْنَا عَشَرَ أي كل الأمة اليهودية لأنها سلسلة أبناء يعقوب الاثني عشر. سُبي منهم أولاً عشرة أسباط إلى بلاد أشور ثم سُبي السبطان يهوذا وبنيامين إلى بابل ورجع منهم من رجع وهم ليسوا من يهوذا وبنيامين فقط بل من بقية الاسباط العشرة أيضاً فما يظهر من (عزرا ٦: ١٧ و١٨ و٨: ٣٥) ومن الكهنة واللاويين أيضاً (عزرا ١٠: ٥ – ١١). وخاطب يعقوب في رسالته الاثني عشر سبطاً المتشتتين (يعقوب ١: ١). وبولس كيعقوب خاطب يهود عصره كأنهم نواب الكنيسة اليهودية. كل سبط ونسب هذا الرجاء إلى كل الأمة.
يَرْجُونَ نَوَالَهُ نسب بولس هذه الرجاء على ما فُسر في الآية السابقة إلى كل اليهود لأنه كان معظم ما رجوه مجيء المسيح واشترك في هذا الصدوقيون والفريسيون. وأما الصدوقيون وإن كانوا قد أنكروا القيامة فلم يعتد بهم لقلتهم.
عَابِدِينَ بممارستهم رسوم الشريعة في الهيكل وكانت وقتئذ أكثر عبادة اليهود خارجية لا باطنية مارسها بعضهم رغبة في الأجر وبعضهم إطاعة لله الذي رسمها. واعتبرها بعضهم دائمة والآخر وقتية وإعداده لمجيء المسيح.
لَيْلاً وَنَهَاراً مواظبين على توالي الأوقات كما عهدت حنة «بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً» (لوقا ٢: ٣٧ انظر أيضاً ١تيموثاوس ٥: ٥). وجاز وصف العبادة في الهيكل بالدوام «ليلاً ونهاراً» لأن الذبيحة اليومية كانت تقدم كل صباح وكل مساء بدليل قول الكتاب في بعض خدم الدين «فَهٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْمُغَنُّونَ رُؤُوسُ آبَاءِ ٱللاَّوِيِّينَ فِي ٱلْمَخَادِعِ، وَهُمْ مُعْفَوْنَ، لأَنَّهُ نَهَاراً وَلَيْلاً عَلَيْهِمِ ٱلْعَمَلُ» (١أيام ٩: ٣٣). «نَارٌ دَائِمَةٌ تَتَّقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. لاَ تُطْفَأُ» (لاويين ٦: ١٣). وقيل في الرجل الصديق أنه «فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلاً» (مزمور ١: ٢).
فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱلرَّجَاءِ احتجّ بولس لتبرئته نفسه مما اتهموه به بأن ما اعتقده ونادى به هو اعتقاد الأمة اليهودية بأسرها وهو مجيء المسيح الموعود به وقيامة الأموات. والفرق بينه وبين اليهود سبقه إياهم إلى الاقتناع بأنه قد وقع ما لا يزالون يتوقعونه وهو أن ذلك الرجاء تم بيسوع الذي برهن الله أنه المسيح بإقامته من الموت.
أُحَاكَمُ مِنَ ٱلْيَهُودِ الذين أساس دينهم الرجاء الذي اشتكوا عليّ لتمسكي به لأني أنا أنادي وقوعه وهم ينكرون أنه وقع.
٨ «لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْراً لاَ يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ ٱللّٰهُ أَمْوَاتاً؟».
لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ خاطب بولس أغريباس كأنه نائب عن اليهود كافة. وفحوى السؤال أنه لماذا لا تصدقون تعليمي أن يسوع هو المسيح وقد تبرهن أنه كذلك بقيامته من الأموات وقد جئتكم بالبيّنات القاطعة على قيامته فإنكار أنه هو المسيح إنكار للقيامة عينها.
إِنْ أَقَامَ ٱللّٰهُ أَمْوَاتاً ظاهر العبارة الإشارة إلى القيامة المطلقة والإشارة بالحقيقة إلى قيامة يسوع التي هي عربون القيامة العامة ونموذجها. فقيامة يسوع جوهر المناظرة بين اليهود والمسيحيين فإثباتها إثبات لكل دعاوي يسوع. ولما عرض فستوس أمر بولس لأغريباس قال أن الخلاف بين بولس واليهود هو «عَنْ وَاحِدٍ ٱسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ، وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ» (ص ٢٥: ١٩). فكأنه قال أنتم مثلي في كونكم تعتقدون مجيء المسيح وقيامة الأموات وأنا شهدت بأني رأيته بعد ما أقامه الله من الأموات فلماذا لا تصدقون. أو لم تروا أن عدم تصديقكم شهادتي وما يلزم من التسليم بها من إثبات أن يسوع هو المسيح مناقض لإيمانكم بقيامة الموتى.
٩ «فَأَنَا ٱرْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُوراً كَثِيرَةً مُضَادَّةً لٱسْمِ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ».
يوحنا ١٦: ٢ و١تيموثاوس ١: ١٣
ما في هذه الآية متعلق بالآية الخامسة وهي قول بولس أنه عاش فريسياً. وما بين الآيتين معترض جاء به إظهاراً لغرابة الأمر وهو أنه مشكو عليه من اليهود لتمسكه بالرجاء الذي يرجوه الإسرائيليون كلهم من الفريسيين لتمسكه بالإيمان الذي امتازوا به على الجميع وغايته هنا بيان أن أعماله تُعلن أنه فريسي.
ٱرْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أي أن ضميره حمله على ما فعل وهذا كقوله «إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلّٰهِ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» (ص ٢٣: ١).
يَنْبَغِي أي يجب عليّ بمقتضى الدين والضمير.
أُمُوراً كَثِيرَةً مما أتاه في مقاومة المسيح ودينه قولاً وفعلاً.
لٱسْمِ يَسُوعَ كثيراً ما يُراد «باسم يسوع» ذات المسيح أو صفاته أو بما يتعلق به وقد قيل أن المؤمنين اعتمدوا باسمه (ص ٢: ٢٨) وأنه قد صنع بهذا الاسم معجزات (ص ٣: ٦) وقال الرب لحنانيا عن بولس «هٰذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (ص ٩: ١٥). وقال عن برنابا وبولس «قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (ص ١٥: ٢٦).
ٱلنَّاصِرِيِّ هذا الاسم الذي اشتهر به في اليهودية وهو كل ما عرفه من أمر المسيح يوم كان فريسياً.
١٠ «وَفَعَلْتُ ذٰلِكَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْقِدِّيسِينَ، آخِذاً ٱلسُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذَلِكَ».
ص ٨: ٣ وغلاطية ١: ١٣ ص ٩: ١٤ و٢١ و٢٢: ٥
فِي أُورُشَلِيمَ ابتدأ بولس يضطهد المسيحيين في تلك المدينة وأشار إلى هذا بما قيل أنه كان راضياً بقتل استفانوس (ص ٨: ١) وأنه كان يسطو على الكنيسة ويدخل البيوت ويجر رجالاً ونساء ويسلمهم إلى السجن (ص ٨: ٣).
ٱلْقِدِّيسِينَ يُلقب اليوم بهذا الاسم غالباً المتوفون من المؤمنين لكنه كثيراً ما لُقب به في الإنجيل الأحياء منهم. ولُقبوا بهذا في (ص ٩) ثلاث مرات في (ع ١٣ و٣٢ و٤١ منه وفي رومية ١: ٧ و٨ و٢٧ و١٥: ٢٥ و٢٦ و٣١ و١٦: ٢ و١٥ وفي ١كورنثوس ١: ٢ و٤: ١٢ و١٤: ١٣ و١٦: ١ و١٥ و٢كورنثوس ١: ١ وأفسس ١: ١ وكولوسي ١: ٢ و٤ و١٢ و٢٦) ولقبوا به كثيراً في غير ما ذُكر. وكان وهو فريسي يعتبر المسيحيين أشراراً ويعاملهم معاملة الأِشرار. ولكنه وهو أمام أغريباس اعترف بأخطائه إلى أولئك الشهداء واعتبرهم قديسين وصرّح بأنهم كذلك.
آخِذاً ٱلسُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَة بعد أن اعترف بولس بذنبه صرّح بخطيئة رؤساء اليهود الذين تمّم هو إرادتهم ومقاصدهم وأنجز أوامرهم وبسلطانهم قدر على ما فعل.
يُقْتَلُونَ ليس لنا نبأ بغير قتل استفانوس. وقوله هنا وقوله في (ص ٢٢: ٤) «ٱضْطَهَدْتُ هٰذَا ٱلطَّرِيقَ حَتَّى ٱلْمَوْتِ» وقول لوقا في (ص ٩: ١) «أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ ٱلرَّبِّ» دليل على قتل كثيرين غير استفانوس.
أَلْقَيْتُ قُرْعَةً فهم بعض المفسرين من هذا أن بولس كان أحد أعضاء مجلس السبعين وأنه من جملة القضاة الذين ألقوا القرعة لتبرئة المتهم أو لإثبات ذنبه. وكان طريق تبرئته أن الذي يريدها من القضاة يلقي حصاة بيضاء في إناء وطريق تخطئته أن الذي يريدها منهم يلقي حصاة سوداء فيه. وظن آخرون أن إلقاء القرعة هنا مجاز والمراد به تمام الاتفاق على الأمر. والأدلة على ترجيح أحد الأمرين غير كافية.
١١ «وَفِي كُلِّ ٱلْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَاراً كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى ٱلتَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي فِي ٱلْخَارِجِ».
ص ٢٢: ١٩
فِي كُلِّ ٱلْمَجَامِعِ في هذا إشارة إلى مجامع أورشليم الكثيرة (انظر شرح ص ٦: ٩) والمجامع في غيرها من المدن التي أرسله السبعون إليها ليضطهد المسيحيين.
أُعَاقِبُهُمْ كانت معاقبة المجامع غالباً بضرب العصي أو الجلد (انظر متّى ١٠: ١٧ و٢٣: ٣٤).
وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى ٱلتَّجْدِيفِ أي إلى لعن اسم يسوع أو إلى إنكار كونه المسيح وإلى القول بأنه خادع. فكان يجبر الجميع على ذلك ويُنفذ قصده في ضعفاء الإيمان. وعُرّض المسيحيون الأولون كثيراً لمثل ذلك. قال تريجانوس المؤرخ الروماني في مسيحي بيثينية بعد أربعين سنة لوقوف بولس أمام أغريباس إن المسيحيين في تلك البلاد أُجبروا أن يلعنوا اسم المسيح فأبوا ذلك إلا الذين ليسوا مسيحيين حقيقيين.
أَفْرَطَ حَنَقِي ما كان يحسبه بولس غيرة ممدوحة واجبة ديناً حسبه هنا حماقة وجنوناً.
ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي فِي ٱلْخَارِجِ أي خارج اليهودية. ذُكر في هذا السفر ذهابه إلى دمشق لأهمية الأمور التي حدثت له فيها وعدول لوقا عن ذكر ذهابه إلى غيرها ليس بدليل على عدم ذهابه إليها.
١٢ «وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِباً فِي ذٰلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ».
ص ٩: ٢ و٢٢: ٦
بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ الخ لم يُذكر عمل رؤساء اليهود هنا عذراً يخفف به ذنبه بل برهاناً على مشاركة المشتكين عليه له في أعمال التعصب والقساوة والخطيئة.
وفي هذه الآية إنباء ثالث في كيفية تحوّله عن اليهودية إلى المسيحية. وكان الإنباء الأول والإنباء الثاني في (ص ٩ وص ٢٢). وما هنا يفرق قليلاً عما سبق. وأهم الأمور الزائدة ثلاثة:
- الأول: أن النور الذي ظهر له أعظم من ضوء الشمس عند الظهيرة.
- الثاني: أن كلام الذي خاطبه عبراني.
- الثالث: قوله «صعب عليك أن ترفس مناخس». وسبق تفسير هذه الأنباء في شرح (ص ٩ و٢٢). فارجع إليه ولا داعي إلى شرح غير ما زاده.
١٣ – ١٥ «١٣ رَأَيْتُ فِي نِصْفِ ٱلنَّهَارِ فِي ٱلطَّرِيقِ، أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، نُوراً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ ٱلذَّاهِبِينَ مَعِي. ١٤ فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتاً يُكَلِّمُنِي بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ ١٥ فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ».
نُوراً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ وُصف هذا النور في (ص ٩: ٣) بأنه «من السماء» ووصف في (ص ٢٢: ٦) بأنه «نور عظيم» ووصفه هنا بأن «لمعانه أعظم من لمعان الشمس في منتصف النهار». وما ذلك سوى المجد المحيط بالمسيح وهو في حال ارتفاعه وهذا نظير ما شاهده الرسل في جبل التجلي (متّى ١٧: ٢) ويوافق قوله في المسيح «انها بهاء مجد الله» (عبرانيين ١: ٣).
سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلأَرْضِ أي بولس ورفقاؤه وليس في هذا مناقضة لما قيل في (ص ٩: ٤ و٧) من أن بولس سقط على الأرض وأن الآخرين وقفوا صامتين لأن لوقا في (ص ٩: ٤) قصد الإشارة إلى تأثير المنظر في بولس فقط فلا يمنع من أن يكون الآخرون قد سقطوا أيضاً. وقوله أن وقت سمعهم الصوت «وقفوا صامتين» لا يمنع من أن يكونوا قد سقطوا ثم قاموا.
بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ لم يُذكر هذا في غير هذا النبإ.
صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ هذا مثل كثر استعماله عند قدماء اليونانيين مأخوذ عن فعل الثور أحياناً حين ينخسه صاحبه حثاً على العمل فإن الثور لا يتخلص بذلك من العمل بل يجرح نفسه. ومعناه هنا أن مقاومة يسوع باضطهاد تلاميذه عمل عبث وضار للعامل أي أنه يضر نفسه ولا يستطيع أن يمنع الإنجيل.
١٦ «وَلٰكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهٰذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ».
ص ١٨: ٩ و٢٢: ١٥ و١٨ و٢٣: ١١ و٢كورنثوس ١٢: ١ وغلاطية ١: ١٢
نُسب إلى المسيح في هذه الآية بعض ما نُسب إلى حنانيا في ص ٩ وعلة ذلك إما أن يسوع قال لبولس أولاً ما قاله لحنانيا ثانياً وأمره بأن يقوله لبولس أو أن بولس اعتبر هنا ما قاله الرب له رأساً وما قاله له بواسطة حنانيا واحداً. وجوهر قصده هنا إخبار أغريباس بإجمال أمر الله له بقطع النظر عن الواسطة.
قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لم يُذكر هنا في النبأين السابقين لكن بولس لم ينسه.
لِهٰذَا ظَهَرْتُ لَكَ لا لأعاقبك كما تستحق على مقاومتك إياي ولا لأجعلك عبرة لمضطهدي كنيستي بعدك.
لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً معظم خدمة المبشر تأدية الشهادة فوجب أن يكون المبشر مختبراً حقيقة الأمور التي ينادى بها لكي يشهد بما رآه واختبره. وقام بولس بهذا بقصه إياه على أغريباس كما قام به بقصه إياه قبلاً على درج الهيكل.
بِمَا رَأَيْتَ أي بانتظارك إياي الآن.
وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ كما وقع له في الهيكل وغيره (ص ٢٢: ١٧ – ٢١ و١كورنثوس ١١: ١ – ٥). وكما أبانه المسيح له بالوحي وقد رأينا معلنات ذلك في رسائله المملوءة تعاليم إلهية.
١٧ «مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَمِنَ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ».
ص ٢٢: ٢١
في هذا إيماء إلى أنه يتعرض بخدمته وشهادته لمخاطر من اليهود والأمم وتصريح بإنقاذ المسيح له منها. وهذا الوعد لا يستلزم أنه لا يقع عليه شيء من شديد الاضطهاد ولا أنه لا يموت شهيداً بل إنما المراد حفظه حياً إلى أن يكمل الخدمة المعينة له.
ٱلشَّعْبِ أي اليهود.
ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ أبغض اليهود بولس وشكوه لأنه بشر الأمم ولذلك اختار أن يبين لأغريباس أنه ذهب إلى الأمم وبشرهم بأمر ذلك الذي ظهر له في المشهد السماوي. وقول المسيح له «أرسلك الخ» بينة بولس أنه رسول حقاً. وبناء على ذلك كتب «بُولُسُ، رَسُولٌ لاَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١).
١٨ «لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ».
إشعياء ٣٥: ٥ و٤٢: ٧ ولوقا ١: ٧٩ ويوحنا ٨: ١٢ و٢كورنثوس ٤: ٤ وأفسس ١: ١٨ و١تسالونيكي ٥: ٥ ٢كورنثوس ٦: ١٤ وأفسس ٤: ١٨ و٥: ٨ وكولوسي ١: ١٣ و١بطرس ٢: ٩ و٢٥ لوقا ١: ٧٧ ص ٢٠: ٣٢ وأفسس ١: ١١ وكولوسي ١: ١٢
هذا بيان ما ينتج من إرساله إلى الأمم من التغيرات الناشئة عن تبشيره. وقد حصل اليهود على بعض تلك الفوائد لأن بولس كان يخاطبهم أولاً في كل مكان دخله للتبشير. وما في هذه الآية من بيان التأثير بالمناداة بالإنجيل على وفق ما جاء في (إشعياء ٤٢: ٦ و٧).
لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ أي لتزيل عنهم العماية الناشئة عن الجهل وإضلال المعلمين لكي يستطعيوا أن يروا الأمور الروحية ويتحققوا عظمتهما وجودتها. ونسب هذا الفعل إلى بولس لأنه كان آلة الروح في ذلك.
كَيْ يَرْجِعُوا هذا نتيجة فتح عيونهم ونظرهم أن الطريق الذي كانوا سائرين فيه طريق حمق وهلاك. وغاية التبشير كله ترجيع الناس إلى الله بإرادتهم واختيارهم إطاعة لدعوة الروح القدس.
مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ تستعار الظلمة في الإنجيل للجهل والخطيئة والشقاء. والنور للمعرفة والقداسة والسعادة. والإنجيل هو الواسطة للرجوع من الظلمات إلى النور لأنه يُعلن للناس يسوع نور العالم (يوحنا ٨: ١٢) فإنه أتى لينير الناس (لوقا ٢: ٣٢) وهو ينقذهم من سلطان الظلمة (كولوسي ١: ١٣). ويدعوهم من الظلمة إلى نوره العجيب (١بطرس ٢: ٩ قابل ذلك ما في (متّى ٤: ١٦ ويوحنا ١: ٤ و٥ ورومية ١٣: ١٢ و٢كورنثوس ٤: ٦ وأفسس ٥: ٨ – ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٥).
مِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إن الشيطان خصم الله رئيس مملكة الظلمة (متّى ١٢: ٢٦) ورئيس هذا العالم (يوحنا ١٢: ٣١) وإله هذا الدهر (٢كورنثوس ٤: ٤) ومستعبد النفوس ومهلكها. فبواسطة سمع الإنجيل والإيمان بالمسيح المُعلن فيه ينجو الناس من سلطانه ويطرحون نيره ويتركون طاعته والقيام بما يريد.
إِلَى ٱللّٰهِ أي إلى طاعته وخدمته وإكرامه ومحبته وملكوته وهذا نتيجة الرجوع المذكور آنفاً فيه ينتقل الإنسان من سلطان الشيطان وخدمته إلى سلطان الله وخدمته.
حَتَّى يَنَالُوا… غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا هذا نتيجة رجوع الإنسان إلى الله ومصيره إلى حال جديدة يحصل فيها على فوائد الفداء وأعظمها غفران الخطايا. وهذا يتضمن النجاة من عقاب الخطيئة وسلطتها (انظر ص ٢: ٢٨ و٥: ٣١ و١٠: ٤٣ و١٣: ٢٨).
َ نَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ هذا فضلاً عن المغفرة التي تتضمن النجاة من الدَّين والدينونة وهذا النصيب يشتمل على كل حقوق أولاد الله. والمؤمنون ينالون بعض هذا النصيب على الأرض من تقديس وغيره وسائره وهو الأكثر في السماء (رومية ٨: ١٧ انظر شرح ص ٢٠: ٣٢).
بِٱلإِيمَانِ بِي هذا هو الواسطة الوحيدة الكافية لكل ما ذُكر من فتح العيون والرجوع إلى الله والنجاة والمغفرة ونوال الميراث وهو الاتكال على يسوع الذي صُلب ومات وقام وشفع فينا.
١٩ «مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِداً لِلرُّؤْيَا ٱلسَّمَاوِيَّةِ».
مِنْ ثَمَّ أي بناء على كل ما سمعت ورأيت وتحققت مما يجب عليّ أن أفعله.
لَمْ أَكُنْ مُعَانِداً في ذلك تلميح أنه لو اتكل على حكمته أو رغب في خير نفسه لأبى أن يحتمل أتعاب تلك الخدمة ومشقاتها. ومما يدل على طاعته ما في (ص ٩: ٦ وغلاطية ١: ١٦). وفيه تلميح آخر إلى أنه لو قصد المعاندة لم يكن من شيء يجبره على خلاف ما يريد. فإنه مع اختيار الله إيّاه لهذا العمل (ص ٩: ٥) ودعوة الروح القدس له كانت طاعته اختيارية. فاختيار الله لا ينزع حرية الإنسان.
لِلرُّؤْيَا ٱلسَّمَاوِيَّةِ (ع ١٣). أدرج بولس في «الرؤيا» كل ما قبله من الإعلان الإلهي. كان النور الذي أضاء حوله سماوياً والصوت الذي سمعه صوت الرب من السماء.
٢٠ «بَلْ أَخْبَرْتُ أَوَّلاً ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ وَفِي أُورُشَلِيمَ حَتَّى جَمِيعِ كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، ثُمَّ ٱلأُمَمَ، أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى ٱللّٰهِ عَامِلِينَ أَعْمَالاً تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ».
ص ٩: ٢٠ و٢٨ الخ ص ١١: ٢٦ و١٣: ٤ الخ و١٥: ٣ و١٢ و٤١ وص ١٦ إلى ص ٢١ متّى ٣: ٨
في هذه الآية خلاصة ما فعله طوعاً لتلك الرؤيا.
أَخْبَرْتُ أي بشرت بالإنجيل.
أَوَّلاً ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ حيث تنصر (ص ٩: ٢٠ – ٢٢).
وَفِي أُورُشَلِيمَ (ص ٩: ٢٨ و٢٩).
كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، ثُمَّ ٱلأُمَمَ أشار بذلك إلى كل ما أتاه في خدمته مدة نحو عشرين سنة. ولا نعلم متى بشر في كورة اليهودية. ولعله بشر فيها حين أتى إليها من أنطاكية في زمن الجوع (ص ١١: ٢٨ – ٣٠) أو حين أتى إليها أثناء سفره الأول والثاني للتبشير بين الأمم (ص ١٨: ٢٢).
أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا الخ أثبت بما في أول هذه الآية أمانته في إتمام خدمته في وقتها وأماكنها وأثبت هنا أمانته في مواضيع تبشيره كما أُمر (ع ١٨) وجعل تلك المواضيع ثلاثة:
- الأول: التوبة عن الخطايا السالفة.
- الثاني: الرجوع إلى الله بالتوبة والإيمان والمحبة.
- الثالث: السيرة المقدسة القائمة بالأعمال التي هي إثمار التوبة وأدلة صحتها. وهذا مثل قول يوحنا المعمدان للذين خرجوا إلى معموديته (متّى ٨: ٣) وهذه المواضيع الثلاثة ثلاث درجات في الحياة الروحية.
٢١ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَمْسَكَنِي ٱلْيَهُودُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِي».
ص ٢١: ٣٠ و٣١
بعد أن أبان بولس أن كل ما أتاه كان طوعاً للأمر الإلهي يبيّن أن عاقبة ذلك كانت مقاومة اليهود التي وقف بها أسيراً أمام أغريباس.
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي لأني بشرت اليهود والأمم بما أُمرت بالتبشير به.
هذه العلة الحقيقية لبغض اليهود إياه وقبضهم عليه (ص ٢١: ٢٨ و٢٩). ولولا تبشيره بالدين في أسيا وغيرها من بلاد الأمم لم يخطر على بالهم أن يشتكوا عليه بتدنيس الهيكل كما هو ظاهر في (ص ٢١: ٢٩).
إن اليهود اشتكوا عليه بأمور كثيرة (ص ٢٤: ٥ و٦ و٢٥: ٧) لكن ذنبه الأعظم عندهم مناداته بأنه يسوع هو المسيح الموعود به والمنتظر وأنه دعا الأمم إلى الاشتراك في بركات ملكوته بدون القيام برسوم الشريعة الموسوية.
شَرَعُوا فِي قَتْلِي جوراً بلا محاكمة (ص ٢١: ٣١).
٢٢ «فَإِذْ حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ ٱللّٰهِ بَقِيتُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، شَاهِداً لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ. وَأَنَا لاَ أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ».
لوقا ٢٤: ٢٧ و٤٤ وص ٢٤: ١٤ و٢٨: ١٣ ورومية ٣: ٢١ يوحنا ٥: ٤٦
حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ ٱللّٰهِ عنى أن عناية الله حفظته على رغم اجتهاد اليهود (قبل وبعد في أورشليم وغيرها) في أن يقتلوه. ونسب ذلك إلى الله لأنه هو مصدره وأنه اتخذ الرومانيين ليسياس وفيلكس وفستوس وعسكرهم أدوات لوقايته. والمسيحيون يسرون بأن يروا يد الله ممدودة لمساعدتهم وأن يعترفوا بذلك جهراً. ويحق لكل الذين يعملون عمل الرب أن يتوقعوا حمايته تعالى إياهم.
بَقِيتُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ والمدة من يوم تنصره إلى وقفته هذا نحو ٢٤ سنة بقي فيها حياً ثابتاً على عزمه شاهداً للحق كما أُمر (ع ١٦).
لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ أي لكل الناس على اختلاف رتبهم وأعمارهم.
لاَ أَقُولُ… غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى الخ كل ما علّمه بولس من آلام المسيح وموته وقيامته كان مطابقاً لرموز العهد القديم ونبوّاته ولكن اليهود شكوه بأنه علم بدعاً تنافي الديانة اليهودية والشريعة الموسوية.
٢٣ «إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ، مُزْمِعاً أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ».
لوقا ٢٤: ٢٦ و٤٦ ١كورنثوس ١٥: ٢٠ وكولوسي ١: ١٨ ورؤيا ١: ٥ لوقا ٢: ٣٢
ذكر بولس هنا ثلاثة من مواضيع المحاورة التي جرت بينه وبين اليهود مما أخذه من موسى والأنبياء.
إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ هذا مناف لاعتقاد اليهود لأنهم اعتقدوا أن المسيح يكون ملكاً أرضياً ممجداً منتصراً وغفلوا عما قيل في (إشعياء ٥٢: ١٤ و٥٣: ١ – ١٠) من أنه «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ مَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ، مُحْتَقَرٌ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ». وكان يصعب على تلاميذ المسيح أنفسهم قبول هذا التعليم (متّى ١٦: ٢٢). ولم يدركوه إلا بعد ما قام المسيح من الموت وفسره لهم (لوقا ٢٤: ٢٥ و٢٦: ٤٤). وكان هذا التعليم عثرة لليهود (١كورنثوس ١: ٢٣).
يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ نظراً لمقامه وعدم سيادة الموت عليه بعد قيامته بخلاف من أُحيي قبله فهو «بكر من الأموات» (كولوسي ١: ١٨) و «باكورة الراقدين» (١كورنثوس ١٥: ٢٠).
يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ هذا الأمر الثالث. والأول والثاني تمهيد له والثلاثة مذكورة في الأنبياء وكلها مرفوض عند اليهود. وعنى «بالنور» هنا الإنجيل لكونه محل الحق والقداسة والسعادة. وقوله في هذه الآية «مزمعاً أن ينادي» الخ توضيح لما قال في كل احتجاج من أن مناداته بالقيامة علة الاختلاف بينه وبين اليهود إذ صرّح بأن الشرط الضروري لكون المسيح مخلصاً أن يكون قد مات وقام. ونتيجة كل ما قاله أنه أمين لله وللأمة اليهودية وشريعة موسى لأن كل ما نادى به مطابق لأقوال الأنبياء والشريعة الموسوية.
معارضة فستوس لبولس وجواب بولس له ورجوعه إلى مخاطبة أغريباس ونتيجة الاحتجاج ع ٢٤ إلى ٣٢
٢٤ «وَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَجُّ بِهٰذَا، قَالَ فَسْتُوسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! ٱلْكُتُبُ ٱلْكَثِيرَةُ تُحَوِّلُكَ إِلَى ٱلْهَذَيَانِ».
٢ملوك ٩: ١١ ويوحنا ١٠: ٢٠ و١كورنثوس ١: ٢٣ و٢: ١٣ و١٤ و٤: ١٠
وجّه بولس كلامه إلى أغريباس وتكلم على كتب العهد القديم أسفار موسى والأنبياء والديانة اليهودية التي يعرفها أغريباس فإن معانيها جلية لأغريباس ومستبهمة على فستوس وسائر الرومانيين. فكل ما قاله بولس في الرؤيا وقيامة من صُلب ومات ظهر لذلك الوالي الوثني أوهاماً. ولا ريب في أن بولس تكلم بحرارة لفستوس كالهذيان. وكثيراً ما يعتبر أهل هذا العالم اليوم المسيحيين هاذئين لأنهم آثروا الخيرات الأبدية على الخيرات الزمنية وحسبوا عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر.
وَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَجُّ هذا يدل على أن بولس لم يكن قد فرغ بعد من خطابه.
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ لتعجبه وانذهاله ومما أظهره بولس.
أَنْتَ تَهْذِي أي أنت مختل العقل. لم يقصد فستوس الهزء ببولس أو الإهانة له بما قال بل أظهر الشفقة عليه لظنه أنه مصاب مصاباً عقلياً والاستخفاف بمواضيع خطابه وإعلانه للناس أن تأثير خطاب بولس فيه تأثر كلام إنسان يهذي.
ٱلْكُتُبُ ٱلْكَثِيرَةُ الخ أراد بهذه الكتب أسفار الدين اليهودي أي كتب موسى والأنبياء التي أيّد بها بولس كثيراً من حججه فكان فستوس يعتقد ما هو معلوم أن قصر الأفكار على فرع واحد من العلم من علل الاختلال العقلي وظن حال بولس كذلك.
٢٥ «فَقَالَ: لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ فَسْتُوسُ، بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ».
لَسْتُ أَهْذِي أنكر ما نسبه إليه فستوس بكلام الرزانة والحكمة فدل على أنه سليم العقل سديد الرأي.
ٱلْعَزِيزُ هذا لقب بولس إيّاه به دليل على أنه في (ص ٢٤: ٣ و٧) ومخاطبة بولس إياه به دليل على أنه لم يستهزئ هو به ويقصد إهانته بقوله «تهذي».
بِكَلِمَاتِ ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ خلاف ما يتكلم به الهاذئون.
٢٦ «لأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، عَالِمٌ ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَاراً، إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذٰلِكَ، لأَنَّ هٰذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ».
هٰذِهِ ٱلأُمُورِ المشار إليها في ع ٣ والمذكورة في أثناء الخطاب.
عَالِمٌ ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُهُ ذكر الوالي بهذا أن كلامه موجه إلى أغريباس لا إليه. وذلك بمقتضى طلبه وبيّن له أنه لا يعجب من أن الكلام الموجّه إلى يهودي يستبهم على روماني ويظهر له كالهذيان. وفيه طلب إلى أغريباس أن يشهد بأن كلماته كلمات الصدق والصحو لا كلام مختل العقل.
لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لم يقصد بولس بهذا الإطراء والتملّق لأغريباس بل أن يبيّن لفستوس أن ما ظهر له هذياناً يظهر كلام صحو وحكمة للقادر بما حصل عليه من التربية والاختبار على فهم معناه.
لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ حتى يكون خفياً أو مجهولاً عند أكثر الناس بل هو ظاهر مشهور. والإشارة إلى ما قاله في مقامه الأول بين اليهود وعمله والرؤيا التي رآها والتغيّر الذي نشأ فيه وأموره بعد ذلك من المناداة بالإنجيل جهاراً ومقاومة اليهود إيّاه عليها.
ولعله أشار أيضاً إلى الحوادث المتعلقة بقيامة المسيح التي كثيراً ما اشتهرت وانتشرت. فإن كل الأمور المتعلقة بنشوء الديانة المسيحية لم تحدث في زاوية أو في مكان بعيد عن أكثر الناس إنما حدثت في أورشليم مألف أهل الأقطار من أسيا وأوربا وأفريقية ودليل ذلك أن بيلاطس يوم كتب عنوان صليب المسيح كتبه بثلاث لغات ولعل مثل هذا لا تقتضيه أحوال مدينة غيرها في العالم.
٢٧ «أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِٱلأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ».
رجع بولس إلى خطاب أغريباس بعد أن أجاب فستوس وسؤاله إياه مبني على كونه يهودياً مولداً وإيماناً وأنه يعرف الأسفار المقدسة ويعتقد بصحتها. وغايته من هذا السؤال ثلاثة أمور:
- الأول: استشهاده إياه بأن كلامه ليس بهذيان وأنه موافق لما أعلنه الأنبياء.
- الثاني: تنبيه ضمير أغريباس ليقبل ما علمه الأنبياء من أمور المسيح كما فسره سابقاً (ع ٢٣).
- الثالث: التوصل إلى كلام آخر في المسيح إذا أُذن له.
أَنَا أَعْلَمُ الخ لم يتوقع بولس الجواب من أغريباس فأجاب عنه بما اعتقده فيه.
٢٨ «فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً».
لم يرد أغريباس أن يقول نعم أني أومن بالأنبياء خشية أن يقوده ذلك إلى التسليم بتفسير بولس وتعليمه وهو أن يسوع هو المسيح فصرف المسئلة بأسلوب لطيف.
بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي الخ هذا الكلام ليس على حد من الوضوح يمكننا من أن نحكم على معناه المقصود حكماً قاطعاً. فيحتمل أن المعنى كقوله يظهر من كلامك أنك تتوقع أن تنصّرني بقليل من الاستدلال في قليل من التعب في قليل من الوقت. ويحتمل أن المراد الاعتراف بأنه تأثر قليلاً من أقوال بولس ومال شيئاً إلى قبولها.
ولعل أغريباس قصد أن يكون كلامه ملتبساً يقبل التفسيرين لأن غايته التخلص من سؤال بولس في (ع ٢٧) وختام الجلسة. والأرجح أن الاحتمال الأول هو المقصود. وفيه طرف من التهكم لأن بولس بعد ما دُعي للمحاماة عن نفسه استعاض عن ذلك بشروعه في إرشاد من يُحاكم أمامه إلى الإيمان بأن يسوع هو المسيح. وتسميته من اعتقد صحة دين يسوع «مسيحياً» نتج عن تربيته في رومية لا في اليهودية لأنه لو تربى بين اليهود لسماه ناصرياً.
٢٩ «فَقَالَ بُولُسُ: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ أَنَّهُ بِقَلِيلٍ وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً جَمِيعُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي ٱلْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هٰكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هٰذِهِ ٱلْقُيُودَ».
١كورنثوس ٧: ٧
في هذه الآية بيان ما لبولس من شديد الرغبة في تنصر أغريباس بقليل أو كثير من الاستدلال أو بقليل أو كثير من التعب (على الاحتمال الأول) أو في أنه كان قد مال قليلاً إلى الإيمان بأن يسوع هو المسيح يقتنع كل الاقتناع ويؤمن تمام الإيمان (على الاحتمال الثاني).
كُنْتُ أُصَلِّي أي لو أذن لي في هذا الموقف لكنت أطلب إلى الله جهراً كما أطلب إليه في ضميري.
أَيْضاً جَمِيعُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي ما رغب فيه لأغريباس رغب فيه لكل السامعين لفرط محبته للجميع ورغبته في نفع الجميع وتيقنه أن تنصرهم أعظم خير للجميع.
هٰكَذَا كَمَا أَنَا أي مسيحيين كما أنا مسيحي فيكون لهم الإيمان والرجاء والتعزية كما لي.
كان أغريباس آخر ملوك الهيرودوسيين فكان له فرصة وقتئذ أن يقبل ديانة المسيح ويكون عضواً من أسرة أشرف من أسرته الملكية ووارثاً ميراثاً أعظم مما ورثه من أسلافه واقتناه من الرومانيين وتاجاً أثمن وأبقى من كل تيجان العالم لكنه لم ينتهز تلك الفرصة فإن الذي عرفناه من التاريخ أنه عاش بعدئذ كما عاش سابقاً عيشة الترفه والفجور.
مَا خَلاَ هٰذِهِ ٱلْقُيُودَ كانت يدا بولس مربوطتين بسلسلتين إلى عكسريين أحدهما على يمينه والآخر على يساره ولعله رفع يده أمام المشاهدين عندما تكلم بهذا. وأظهر بما قاله رقة قلبه. فإنه مع طلبه لهم نوال بركات الإيمان بالمسيح لم يرد أن يكونوا عرضة لمثل الاضطهادات والمصائب والضيقات التي وقعت عليه.
٣٠ «فَلَمَّا قَالَ هٰذَا قَامَ ٱلْمَلِكُ وَٱلْوَالِي وَبَرْنِيكِي وَٱلْجَالِسُونَ مَعَهُمْ».
قَامَ ٱلْمَلِكُ الخ علامة انتهاء الجلسة. وذكر قيام الناس على وفق مراتبهم دليل على أن الكاتب كان يكتب نبأ ما شاهده عياناً.
٣١ «وَٱنْصَرَفُوا وَهُمْ يُكَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: إِنَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ لَيْسَ يَفْعَلُ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ أَوِ ٱلْقُيُودَ».
ص ٢٣: ٩ و٢٩ و٢٥: ٢٥
ما قيل في هذه الآية هو الرأي الذي اتفقوا عليه في الكلام وهم منصرفون. فإن احتجاج بولس أقنع الجميع أنه بريء من كل ما اتُهم به. ومثل هذا كان رأي اكثر أعضاء مجلس السبعين في المحاكمة الواحدة التي حضرها بولس (ص ٢٣: ٩). ومثله رأي الأمير ليسياس (ص ٢٣: ٢٩). ومثله نتيجة محاكمته أمام فستوس (ص ٢٥: ٢٥ – ٢٧). وثُبّت هذا الرأي في المجلس الذي حكم به أغريباس الخالي من الهوى والقادر على الحكم في تلك المسئلة. ولا ريب في أنه نتج من ذلك الاجتماع أن فستوس أرسل إلى نيرون تقريراً دفع عن بولس المعاملة بالقسوة وساعده على تبرئته عند وقوفه أمام نيرون للمحاكمة.
٣٢ «وَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ».
ص ٢٥: ١١
ما قيل في هذه الآية ليس بتكرير معنى ما في الآية التي قبلها وهو يستلزم شيئاً من التخطئة لفستوس على عدم إطلاقه إياه قبل أن يضطر إلى رفع دعواه إلى قيصر (ص ٢٥: ٩) وفيه بيان خيبة فستوس من أن يجد حجة يعتذر بها عن عدم إطلاق بولس (ص ٢٥: ٢٧) كما ذُكر.
كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ هذا تصريح كامل بتبرئة بولس واستحقاقه أن يُطلق بالنظر إلى أعماله.
لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ كان في شرع الرومانيين أن الأسير إذا رفع دعواه من مجلس الوالي إلى مجلس قيصر لا يبقى للوالي سلطان أن يحكم عليه ويعاقبه ولا أن يبرره ويطلقه. فما قاله أغريباس لم يقصد به أن الحق على بولس في أنه لم يُطلق بل قصد أن الحق على فيلكس أولاً لأنه لم يطلقه عند محاكمته إياه وأنه أبقاه أسيراً حين عُزل وعلى فستوس ثانياً لأنه لم يطلقه بعد محاكمته إياه بل أجبره على رفع دعواه إلى رومية بإبقائه إياه أسيراً بعد تبرئته إياه بالمحاكمة وبطلبه أن يصعد إلى أورشليم للمحاكمة في مجلس اليهود.
السابق |
التالي |