أعمال الرسل

أعمال الرسل | 21 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر أعمال الرسل 

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الحادي والعشرون

سفر بولس من ميليتس إلى أورشليم ع ١ إلى ١٦

١ «وَلَمَّا ٱنْفَصَلْنَا عَنْهُمْ أَقْلَعْنَا وَجِئْنَا مُتَوَجِّهِينَ بِٱلٱسْتِقَامَةِ إِلَى كُوسَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِلَى رُودُسَ، وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى بَاتَرَا».

ٱنْفَصَلْنَا عَنْهُمْ أي نحن بولس ورفقاؤه عن قسوس أفسس وفي تعبيره بالانفصال عن الذهاب إشارة إلى أن الفراق كان مؤلماً.

بِٱلٱسْتِقَامَةِ فإذاً كانت الريح موافقة لهم.

كُوسَ جزيرة صغيرة كثيرة الخصب واقعة على أمد أربعين ميلاً من ميليتس جنوباً طولها ثلاثة وعشرون ميلاً تسمى اليوم استنخو. اشتهرت قديماً بجودة خمرها ومنسوجاتها وبهيكل اسكولابيوس إله الطب وبمدرسة الطب المنسوبة إليه وبكونها مولد بقراط الطبيب المشهور.

رُودُسَ أي ورد وسُميت بذلك لكثرة وردها وهي جزيرة كبيرة حسنة وافرة الخصب طولها ستة وأربعون ميلاً وعرضها ثمانية عشر ميلاً وهي على أمد خمسين ميلاً من كوس جنوباً شرقياً وفي جانبها الشمالي مدينة تسمى باسمها اشتهرت قديماً بالجغرافيين اليونانيين أي علماء تخطيط الأرض فجعلوها مبدأ الطول كما جعل الإنكليز كرينويج. واشتهرت أيضاً بصناعة السفن واتساع متجرها بحراً وبهيكل الشمس الكبير وبتمثال أبلون النحاسي المعدود من عجائب الدنيا السبع كان علوه مئة قدم وخمس أقدام أُقيم سنة ٢٩٠ ق. م وانقلب وانكسر شيئاً بزلزلة حدثت سنة ٢٢٤ ق. م وبعد أن بقيت أجزاؤه مطروحة تسعة قرون اشتراها إنسان ونقلها فكانت محمول تسع مئة جمل على ما قيل. ولم تزل هذه المدينة عامرة معروفة باسمها القديم وهي مرفأ لكل السفن المارة بجهاتها.

بَاتَرَا هي مدينة في ليكية على غاية أربعين ميلاً من رودس كان فيها هيكل وحي لأبلون كان القدماء يقصدونه بغية أن ينبئهم بما في المستقبل ولم يبق من تلك المدينة سوى أطلالها.

٢ «فَإِذْ وَجَدْنَا سَفِينَةً عَابِرَةً إِلَى فِينِيقِيَّةَ صَعِدْنَا إِلَيْهَا وَأَقْلَعْنَا».

سَفِينَةً يظهر من هذا أن السفينة التي أتوا فيها من ترواس لم تظل سائرة في طريقهم فانتقلوا إلى أخرى كانت متأهبة للسفر إلى فينيقية وكانت سفن التجارة يومئذ تمخر كثيراً بين مواني ليكية وفينيقية والمسافة بينهما نحو ٣٤٠ ميلاً.

فِينِيقِيَّةَ ريف في سورية الغربي (انظر شرح ٢ ١١: ١٩).

٣ «ثُمَّ ٱطَّلَعْنَا عَلَى قُبْرُسَ، وَتَرَكْنَاهَا يَسْرَةً وَسَافَرْنَا إِلَى سُورِيَّةَ، وَأَقْبَلْنَا إِلَى صُورَ، لأَنَّ هُنَاكَ كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَضَعُ وَسْقَهَا».

ٱطَّلَعْنَا أي نظرنا على بعد.

قُبْرُسَ (انظر شرح ص ٤: ٣٦ و١١: ١٩ و٢٠ و١٣: ٤ و١٥: ٣٩).

يَسْرَةً إذ كانوا مارين في غربي قبرس لا بينهما وبين سورية.

صُورَ كانت أكبر مواني فينيقية وأشهر مدنها التجارية (انظر ص ١٢: ٢٠).

٤ «وَإِذْ وَجَدْنَا ٱلتَّلاَمِيذَ مَكَثْنَا هُنَاكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكَانُوا يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِٱلرُّوحِ أَنْ لاَ يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ».

ص ٢٠: ٢٣ وع ١٢

وَجَدْنَا ٱلتَّلاَمِيذَ كان الإنجيل قد دخل صور منذ زمن طويل (ص ١١: ٢٩ و١٥: ٣). والأرجح أن المسيحيين في صور كانوا قليلين بالنسبة إلى الوثنيين فيها. وكانوا كافين لأن يصدق عليهم قول المرنم «هُوَذَا فِلِسْطِينُ وَصُورُ مَعَ كُوشَ. هٰذَا وُلِدَ هُنَاكَ» (مزمور ٨٧: ٤). وقول إشعياء في صور «تَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً لِلرَّبِّ» (إشعياء ٢٣: ١٨).

مَكَثْنَا هُنَاكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ المدة التي شغلتها السفينة بالتفريغ والتأهب.

بِٱلرُّوحِ أي بوحي الروح القدس (ص ١: ٢ و١١: ٢٨).

أَنْ لاَ يَصْعَدَ الخ إذا كان خائفاً على حياته أو سلامته. وهذا لم يكن نهياً إلهياً بل إعلاناً لبعض الإخوة والأنبياء بما على بولس من الخطر في أورشليم ولهذا ألحوا عليه بأن لا يذهب. والظاهر أن الروح أعلن لبولس وجوب الذهاب مهما كان عليه من الخطر.

٥، ٦ «٥ وَلٰكِنْ لَمَّا ٱسْتَكْمَلْنَا ٱلأَيَّامَ خَرَجْنَا ذَاهِبِينَ، وَهُمْ جَمِيعاً يُشَيِّعُونَنَا مَعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلأَوْلاَدِ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ. فَجَثَوْنَا عَلَى رُكَبِنَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ وَصَلَّيْنَا. ٦ وَلَمَّا وَدَّعْنَا بَعْضُنَا بَعْضاً صَعِدْنَا إِلَى ٱلسَّفِينَةِ. وَأَمَّا هُمْ فَرَجَعُوا إِلَى خَاصَّتِهِمْ».

ص ٢: ٣٦ يوحنا ١: ١١

ٱلأَيَّامَ السبعة التي اضطروا أن يمكثوا فيها هنالك (انظر شرح ع ٤).

مَعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلأَوْلاَدِ حضور هؤلاء مع الرجال يدل على شدة التأثير في قلوبهم من زيارة بولس لهم تلك المدة القصيرة وأظهروا له مودتهم جميعاً بهذا التشييع.

فَجَثَوْنَا عَلَى رُكَبِنَا (ص ٢٠: ٣٦).

وَصَلَّيْنَا لا ريب في أن بولس هو الذي تقدمهم بالصلاة.

صَعِدْنَا… فَرَجَعُوا الخ هذا كلام مشاهد عياناً تكلم بما اختبره.

٧ «وَلَمَّا أَكْمَلْنَا ٱلسَّفَرَ فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ صُورَ، أَقْبَلْنَا إِلَى بُتُولِمَايِسَ، فَسَلَّمْنَا عَلَى ٱلإِخْوَةِ وَمَكَثْنَا عِنْدَهُمْ يَوْماً وَاحِداً».

قضاة ١: ٣١

أَكْمَلْنَا ٱلسَّفَرَ فِي ٱلْبَحْرِ مِنْ صُورَ فانتهى بذلك سفرهم بحراً.

بُتُولِمَايِسَ أي عكا واسمها في العهد القديم عكوّ (قضاة ١: ٣١). وسُميت وقتياً بطلمايس إكراماً لبطليموس ملك مصر. والمسافة بينها وبين صور ٣٠ ميلاً.

عَلَى ٱلإِخْوَةِ لم تخبر بانتشار الإنجيل في بتولمايس بسوى ما قيل في التبشير به في فينيقية عموماً (ص ١١: ١٩ و١٥: ٣).

٨ «ثُمَّ خَرَجْنَا فِي ٱلْغَدِ نَحْنُ رُفَقَاءَ بُولُسَ وَجِئْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلُبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ، إِذْ كَانَ وَاحِداً مِنَ ٱلسَّبْعَةِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ».

أفسس ٤: ١١ و٢تيموثاوس ٤: ٥ ص ٦: ٥ و٨: ٢٦ و٤٠

قَيْصَرِيَّةَ على أمد ٣٦ ميلاً من بتولمايس وهي مدينة بناها هيرودس الكبير وجعلها فرضة اليهودية ومركز السلطة الرومانية في تلك الأرض (انظر شرح ص ٨: ٤٠ وانظر ص ٩: ٣٠ و١٠: ١ و١٢: ١٩ و١٨: ٢٢ و٢٣: ٢٣ و٢٤ و٣٣). وهذه المدينة على الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية نحو سبعين ميلاً منها. وهذه الزيارة هي الثالثة من زيارات بولس لها. كانت الأولى بمروره من أورشليم إلى طرسوس (ص ٩: ٣٠) والثانية برجوعه من أورشليم إلى أنطاكية بعد نهاية سفره الثاني للتبشير (ص ١٨: ٢٢).

فِيلُبُّسَ أحد السبعة المذكورين في (ص ٦: ٥ و٦) الذين عُيّنوا للاعتناء بالفقراء واشتهر هو واستفانوس بقوة التبشير وكان ممن طُردوا من أورشليم في الاضطهاد الذي ثار على أثر مقتل استفانوس فتشتت به جميع التلاميذ (ص ٨: ١).

ٱلْمُبَشِّرِ المبشرون خدم الكنيسة سموا مبشرين لإرسالهم للتبشير بالإنجيل فليست المبشرية رتبة مخصوصة بل يصح أن يُعتبر الشمامسة والقسوس والرسل مبشرين (١كورنثوس ١: ١٧ و٢تيموثاوس ٤: ٥). وامتاز الأنبياء عنهم بالوحي. ذُكرت رسامة فيلبس شماساً (ص ٦: ٥ و٦) ولم يُذكر تعيينه مبشراً لكن ذُكر أنه مارس خدمة المبشر وبشّر أولاً أهل السامرة (ص ٨: ٥) ثم بشّر الوزير الحبشي (ص ٨: ٢٦ و٢٧) ثم بشّر جميع المدن من أشدود إلى قيصرية (ص ٨: ٤٠) والظاهر أنه بقي هنالك منذ ذلك الوقت راعياً للكنيسة وذلك نحو عشرين سنة.

٩ «وَكَانَ لِهٰذَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ عَذَارَى كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ».

يوئيل ٢: ٢٨ وص ٢: ١٧

عَذَارَى كونهن عذارى علة وجودهم في بيت أبيهن ولو كنّ متزوجات لكن في بيوت رجالهن فلا علاقة بين كونهن عذارى وكونهن نبيات. ولا ذكر في العهد الجديد ولا في كتب المسيحيين الأولين لكون العذارى رتبة من الرتب الدينية كالرهبانية اليوم.

كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ الظاهر أنهن كن يتنبأن في البيت مع الأفراد من النساء والرجال لا في مجتمعات العبادة الجمهورية لأن ذلك مخالف لتعليم الرسول (١كورنثوس ١٤: ٣٤ و٣٥ و١تيموثاوس ٢: ١٢). وكان تنبوهن إنجازاً لقول النبي «فيتنبأ بنوكم وبناتكم» (يوئيل ٢: ٢٨ انظر شرح أعمال ٢: ٢٨). والمحتمل أنهن كنّ يتنبأن بما سيصيب بولس في أورشليم كما فعل أنبياء صور وأغايوس (ع ٤ و١٠ و١١) ولذلك ذكر لوقا تنبؤهن هنا.

١٠، ١١ «١٠ وَبَيْنَمَا نَحْنُ مُقِيمُونَ أَيَّاماً كَثِيرَةً، ٱنْحَدَرَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ نَبِيٌّ ٱسْمُهُ أَغَابُوسُ. ١١ فَجَاءَ إِلَيْنَا، وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي لَهُ هٰذِهِ ٱلْمِنْطَقَةُ هٰكَذَا سَيَرْبِطُهُ ٱلْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي ٱلأُمَمِ».

ص ١١: ٢٨ و١ملوك ٢٢: ١١ وإشعياء ٢٠: ٢ وإرميا ١٣: ١ الخ وحزقيال ٤: ١ الخ ص ٢٠: ٢٣ وع ٣٣

أَيَّاماً كَثِيرَةً رغب بولس في حضور العيد في أورشليم (ص ٢٠: ١٦) والظاهر أنه لم يرد أن يبلغها قبله. (قابل ع ١١ من ص ٢٤ مع ع ١ منه).

مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ من أورشليم أو غيرها من مدنها والأرجح أن أغابوس سمع بوصول بولس وعرف ما عليه من الخطر فأتى ليحذّره.

أَغَابُوسُ ذُكر آنفاً أنه نبي فتنبأ بالجوع أيام الأمبراطور كلوديوس (ص ١٠: ٢٧ – ٣٠) والأرجح أنه كان يبشر أيضاً.

فَجَاءَ إِلَيْنَا أي إلى بيت فيلبس منزلنا.

وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَرَبَطَ جرياً على سنن الأنبياء القدماء في إيضاح نبوآتهم بالإشارة المحسوسة. ومنها مشي إشعياء النبي حافياً (إشعياء ٢٠: ٢ و٣). وطمر إرميا منطقته في شق صخرة على شاطئ الفرات (إرميا ١٣: ٤ – ٩). وأخذ حزقيال لبنة ورسمه عليها مدينة أورشليم وجعله عليها حصاراً (حزقيال ٤٠: ١ و٢) وأمثال ذلك كثيرة.

وَقَالَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ كان كل الذين أنبأوا بأخطار بولس قد تكلموا عليها إجمالاً. أما أغابوس ففصّل ذلك فأبان أن اليهود يهجمون عليه ويكونون علة لتقييده أسيراً عند الرومانيين.

ٱلأُمَمِ أي الرومانيين لأن الأمم عند اليهود كل الذين ليسوا بيهود.

١٢ «فَلَمَّا سَمِعْنَا هٰذَا طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمَكَانِ أَنْ لاَ يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ».

طَلَبْنَا… نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمَكَانِ أي رفقاء بولس في السفر ومسيحيو قيصرية وكان طلبهم نتيجة محبتهم لبولس وخوفهم عليه من الخطر. والظاهر أن بولس قد أخبرهم أنه كان مقيداً بالروح أن يذهب إلى أورشليم (ص ٢٠: ٢٢).

١٣ «فَأَجَابَ بُولُسُ: مَاذَا تَفْعَلُونَ؟ تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي. لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ».

ص ٢٠: ٢٤

مَاذَا… وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي كان إظهار خوفهم عليه وشدة إلحاحهم مما آلمه شديداً كأنه كسر لقلبه. وسؤاله إشارة إلى أن كل إلحاحهم عبث لأنه لا يعدل به عن قصده ولا يخفف شيئاً من الخطر الذي كان عليه.

لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ هذا موافق لقوله «أن الروح يشهد في كل مدينة قائلاً أن وثقاً تنتظرني» (ص ٢٠: ٢٣).

أَنْ أَمُوتَ أَيْضاً أي إذا كان الموت لا يمنعه من الذهاب فهل يمنعه القيد منه. وكانت إحساسات المسيحيين الأولين مثل إحساس بولس وهي التي جعلت ألوفاً وربوات يموتون شهداء للدين المسيحي مسرورين.

لأَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ محبة وإطاعة وشكراً له وغيرة على مجده ورغبة في التبشير بإنجيله. قال هذا لأنه رأى يسوع يدعوه إلى خدمته في أورشليم.

١٤ «وَلَمَّا لَمْ يُقْنَعْ سَكَتْنَا قَائِلِينَ: لِتَكُنْ مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ».

متّى ٦: ١٠ و٢٦: ٤٢ ولوقا ١١: ٢ و٢٢: ٤٢

لَمْ يُقْنَعْ أي لم يعدل عن قصده بإلحاحهم ونبوأتهم إطاعة لأمر الرب لا عناداً ولا استحقاقاً بالتماس أصدقائه ولا عدم تصديقه نبوآتهم.

لِتَكُنْ مَشِيئَةُ ٱلرَّبِّ استنتجوا من بقاء بولس على عزمه أن قصده كان مبنياً على الإرادة الإلهية فعبارتهم هنا هي كالطلبة الثانية من الصلاة الربانية (لوقا ١١: ١٢) وكصلاة المسيح نفسه في البستان (لوقا ٢٢: ٤٢).

١٥ «وَبَعْدَ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تَأَهَّبْنَا وَصَعِدْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ».

بَعْدَ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ أي أيام إقامتهم بقيصرية (ع ١٠).

تَأَهَّبْنَا أي أعددنا ما نحتاج إليه في الطريق وبعد وصولنا إلى أورشليم. وكان معهم ما جمعوه من الإحسان فلا بد من أنهم حملوه إلى هنالك.

١٦ «وَجَاءَ أَيْضاً مَعَنَا مِنْ قَيْصَرِيَّةَ أُنَاسٌ مِنَ ٱلتَّلاَمِيذِ ذَاهِبِينَ بِنَا إِلَى مَنَاسُونَ، وَهُوَ رَجُلٌ قُبْرُسِيٌّ، تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ، لِنَنْزِلَ عِنْدَهُ».

وَجَاءَ أَيْضاً مَعَنَا إلى أورشليم.

إِلَى مَنَاسُونَ، وَهُوَ رَجُلٌ قُبْرُسِيٌّ وُلد في قبرس لكنه كان ساكناً يومئذ في أورشليم.

تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ من المتنصرين أولاً أو أنه تلميذ المسيح نفسه أو أنه آمن في يوم الخمسين الذي حل فيه الروح القدس على التلاميذ. ولعله من القبرسيين الذين ذهبوا إلى أنطاكية وبشروا اليونانيين هناك (ص ١١: ١٩ و٢٠).

لِنَنْزِلَ عِنْدَهُ هذا يستلزم أنه كان له بيت في أورشليم ملك أو مستأجَر.

اجتماع بولس بإخوة أورشليم وقبوله نصحهم بإتيان ما يرضي متنصري اليهود ع ١٧ إلى ٢٦

١٧ «وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَنَا ٱلإِخْوَةُ بِفَرَحٍ».

ص ١٥: ٤

لَمَّا وَصَلْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ هذه المرة الخامسة من إتيان بولس إلى أورشليم بعد ذهابه منها بغية اضطهاد المسيحيين (ص ٩: ٢) وكان ذلك سنة ٥٨ ب. م.

قَبِلَنَا بولس ورفاقه وكان منهم بعض متنصري الأمم.

ٱلإِخْوَة بعض المؤمنين الذين التقوا بهم إما في باب المدينة وإما في بيت مناسون لأنهم لم يواجهوا الكنيسة ولا شيوخها إلا في غد ذلك اليوم (ع ١٨).

بِفَرَحٍ لكونهم إخوة في الرب وبعضهم ممن عرفوهم وأحبوهم ولم يجتمعوا منذ عدة سنين كانت سني خطر ومشقات وخدمة وافرة.

١٨ «وَفِي ٱلْغَدِ دَخَلَ بُولُسُ مَعَنَا إِلَى يَعْقُوبَ، وَحَضَرَ جَمِيعُ ٱلْمَشَايِخِ».

ص ١٢: ١٧ و١٥: ١٣ وغلاطية ١: ١٩ و٢: ٩ و١٢

يَعْقُوبَ هو الذي ذُكر في (ص ١٢: ١٧ و١٥: ١٣) فانظر الشرح هناك. ومن عدم ذكر غيره من الرسل نستنتج أنهم لم يكونوا هناك.

مَعَنَا ذكر حضور رفاق بولس معه في ذلك الاجتماع دليل على أن بولس اعتبر من الأمور المهمة أن تتعرّف بهم كنيسة أورشليم وتتخذهم إخوة.

جَمِيعُ ٱلْمَشَايِخِ كان هذا الاجتماع أعمّ من الذي قبله وأكثر نظاماً.

١٩ «فَبَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ شَيْئاً فَشَيْئاً بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلأُمَمِ بِوَاسِطَةِ خِدْمَتِهِ».

ص ١٥: ٤ و١٢ ورومية ١٥: ١٨ و١٩ ص ١: ١٧ و٢٠: ٢٤

سَلَّمَ عَلَيْهِمْ كما اقتضت العادة من إظهار الإكرام والمودة.

طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ قصّ عليهم بالتفصيل والتدقيق أنباء سفره للتبشير بالإنجيل وما حمله على الذهاب من آسيا إلى أوربا ونجاحه بين أمم كورنثوس وأفسس ومدن مكدونية والكنائس التي أسسها والضيقات التي ألمت به والنجاة منها. وأخبرهم بما جمعه من إحسان الكنائس في كل تلك الجهات لأجل فقراء كنيسة أورشليم وقدّم لهم المجموع.

ٱلأُمَمِ هم الذين عيّنه الله رسولاً إليهم.

٢٠ «فَلَمَّا سَمِعُوا كَانُوا يُمَجِّدُونَ ٱلرَّبَّ. وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا ٱلأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا، وَهُمْ جَمِيعاً غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ».

ص ٢٢: ٣ ورومية ١٠: ٢ وغلاطية ١: ١٤

لَمَّا سَمِعُوا أنباء بولس التي أثبتها حضور عدّة من مؤمني الأمم.

يُمَجِّدُونَ ٱلرَّبَّ فرحوا بنجاح الإنجيل نجاحاً عظيماً ورأوا فيه علامات حضور المسيح مع رسوله فنسبوا كل الفضل إليه تعالى باعتبار كونه مصدر النعم وإن كل بركة من فيض نعمته وجاء مثل هذا في (ص ١١: ١٨).

قَالُوا لَهُ برأي واحد ولعل يعقوب كان نائب الجميع في ما اتفقوا عليه.

أَيُّهَا ٱلأَخُ هذا إمارة المودة لشخصه وإقرار كل الكنيسة بأنهم استحسنوا ما فعله وصدقوه.

كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً أرادوا بذلك وفرة الجمهور لا بيان العدد وهم جميع متنصري اليهود الذين جاءوا للعيد من جميع الأقطار لا متنصرو يهود أورشليم فقط. ولا نظن في هذا القول شيئاً من المبالغة لأنه قيل منذ خمس وعشرين سنة قبل ذلك أن عدد الرجال المسيحيين في أورشليم وحدها نحو خمسة آلاف (ص ٤: ٤) والكنيسة لم تنفك تنمو وتمتد يوماً فيوماً منذ ذلك الوقت.

جَمِيعاً أي أكثرهم.

غَيُورُونَ امتاز اليهود عمن سواهم بشدة غيرتهم لدينهم فلما تنصر بعضهم بقي شديد الغيرة بل أنه زاد إظهاراً لتلك الغيرة خيفة أن يُتهم بأنه ترك الدين اليهودي وأن يسخر ما للأمة المختارة من الحقوق إذا قصر في الرسوم الموسوية. وكانت في ذلك الوقت محاورات كثيرة في نسبة الديانة المسيحية إلى الديانة اليهودية وانقسم الناس في تلك المسئلة مذاهب واشتد التعصب بينهم وريب بعضهم في بعض ومراقبة كل فريق للآخر.

لِلنَّامُوسِ أي الناموس الرمزي القائم بتمييز الأطعمة والتطهيرات والأعياد. وعلل غيرة متنصري اليهود لرسوم الناموس خمس:

  • الأولى: إن الله رسمها وهم تربوا على ممارستها.
  • الثانية: إن الرسل خضعوا لها وهم في أورشليم (لوقا ٢٤: ٥٣ وأعمال ٣: ١).
  • الثالثة: إنه لم تكن في الكنيسة مباحثة في شأن ترك اليهود تلك الرسوم حين يتنصرون. فالمسئلة في جواز ترك تلك الرسوم كانت مقصورة على الأمم فقط وحكم المجمع قُصر عليهم أيضاً.
  • الرابعة: إن المسيح ما نهى المؤمنين عن ممارسة تلك الرسوم لكنه ترك للكنيسة أن تتركها متى رأت أنها حصلت على كل فوائدها به وأن لا حاجة إليها بعده.
  • الخامسة: إن الله لم يعلن شيئاً يبيّن عدم رضاه حفظ تلك الرسوم لأنه رأى قرب وقت خراب المدينة وهدم الهيكل وإبطال الذبائح مما يتعذر حفظها.

٢١ «وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ ٱلأُمَمِ ٱلٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى، قَائِلاً أَنْ لاَ يَخْتِنُوا أَوْلاَدَهُمْ وَلاَ يَسْلُكُوا حَسَبَ ٱلْعَوَائِدِ».

أُخْبِرُوا عَنْكَ الذين أشاعوا ذلك هم أعداء بولس وإخوة كاذبون دخلوا الكنيسة المسيحية ليردوا الروحانيين إلى الاتكال على الرسوم اليهودية الزائلة التي لم يبق فيها نفع. وكثيراً ما منع هؤلاء الكذبة امتداد الإنجيل وهيّجوا العداوة لبولس وأقنعوا بعض الكنيسة أنه نهى اليهود الذين تنصروا عن إطاعة ناموس موسى.

ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ ٱلأُمَمِ أي الذين في شتات المملكة الرومانية (يوحنا ٧: ٣٥ ويعقوب ١: ١ و١بطرس ١: ١).

ٱلٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى أي رفض الناموس الذي أُوحي به إلى موسى.

قَائِلاً الخ لم يذكر من الرسوم التي نهى بولس عن حفظها على قولهم سوى اثنين وهما الختان والسلوك حسب العوائد أي الرسوم العرضية الرمزية. وهذا افتراء باطل فإن بولس قال في تعليمه «دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ، فَلاَ يَصِرْ أَغْلَفَ. دُعِيَ أَحَدٌ فِي ٱلْغُرْلَةِ، فَلاَ يَخْتَتِنْ. لَيْسَ ٱلْخِتَانُ شَيْئاً، وَلَيْسَتِ ٱلْغُرْلَةُ شَيْئاً، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا ٱللّٰهِ. اَلدَّعْوَةُ ٱلَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا» (١كورنثوس ٧: ١٨ – ٢٠). نعم أنه علّم أن تلك الرسوم ليست بضرورية للخلاص ولكنه لم يقل أنها محظورة على متنصري اليهود ولم يتضح لهم بترك عوائد آبائهم وشريعة موسى. وأعماله كانت تكذب هذه التهمة لأنه هو نفسه مارس تلك الرسوم ومنها ختنه لتيموثاوس (ص ١٦: ٣) وحلق رأسه في كنخريا (ص ١٨: ١٨) وحضوره يومئذ العيد.

٢٢ «فَإِذاً مَاذَا يَكُونُ؟ لاَ بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَجْتَمِعَ ٱلْجُمْهُورُ، لأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ أَنَّكَ قَدْ جِئْتَ».

مَاذَا يَكُونُ أي الطريق الأفضل لإزالة هذا الوهم من أذهان كثيرين من متنصري اليهود. وفي كلامهم ما يدل على أنهم لم يصدقوا تلك التهمة.

لاَ بُدَّ… يَجْتَمِعَ ٱلْجُمْهُورُ أي جماعة أصحاب الغيرة للناموس من اليهود ومتنصريهم المذكورين الذين لا بد من أن يحضروا ذلك العيد (وهو عيد الخمسين) وأن يجتمعوا ويسألوا عنك ويتكلموا في أمرك ويراقبوك ليروا أحق ما سمعوه عنك أم لا. فاليهود الذين لم يؤمنوا هم يبغضونك والذين تنصروا منهم يشكون فيك.

سَيَسْمَعُونَ الخ لأهمية المسئلة عندهم واشتهارك فيها بواسطة تهمة الذين اتهموك. وكلام المشائخ هنا يتضمن أنهم خائفون على بولس من إظهار الإخوة غيظهم لما سمعوا عنه وأنهم راغبون في أن يزيلوا من أذهانهم ذلك الوهم ومن قلوبهم البغض ويجعلوهم مسرورين ببولس ومقتنعين بإخلاصه.

٢٣ «فَٱفْعَلْ هٰذَا ٱلَّذِي نَقُولُ لَكَ: عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ».

ٱفْعَلْ هٰذَا لتكذيب التهمة وإزالة الأوهام وإرضاء الإخوة ذوي الغيرة للناموس.

عِنْدَنَا أي في عنايتنا نحن كنيسة أورشليم.

أَرْبَعَةُ رِجَالٍ من متنصري اليهود.

عَلَيْهِمْ نَذْرٌ الأرجح أن هذا النذر كان من نوع نذور النذير (عدد ٦: ١ – ٢١) وهو كنذر بولس أيضاً (ص ١٨: ١٨) فراجع الشرح هناك.

٢٤ «خُذْ هٰؤُلاَءِ وَتَطهَّرْ مَعَهُمْ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ لِيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ، فَيَعْلَمَ ٱلْجَمِيعُ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أُخْبِرُوا عَنْكَ، بَلْ تَسْلُكُ أَنْتَ أَيْضاً حَافِظاً لِلنَّامُوسِ».

عدد ٦: ٢ و٥ و١٣ و١٨ وص ١٨: ١٨

خُذْ هٰؤُلاَءِ لعنايتك.

تَطهَّرْ مَعَهُمْ اخضع لرسوم التطهير المعتادة الجارية على أيدي الكهنة التي تمكنك من مشاركة هؤلاء الأربعة في فروض إيفاء النذر النهائية.

أَنْفِقْ عَلَيْهِمْ أي أدِّ عنهم ثمن الذبائح والتقدمات وسائر ما يحتاجون إليه لإيفاء نذرهم ومن ذلك خروف حولي عن كل المحرقة ونعجة عن كل ذبيحة خطيئة وكبش عن كل ذبيحة سلامة وسل فطير من دقيق أقراص ملتوتة بزيت ورقاق فطير ملتوتة بزيت مع تقدمتها وسكائبها. فالمرجّح أن هؤلاء الأربعة كانوا فقراء غير قادرين على القيام بنفقة ذلك.

لِيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ كان من فروض ذلك النذر أنهم يُطلقون الشعر من يوم ينذرون إلى يوم يوفون (عدد ٦: ٥) وكانت مدة ذلك غالباً ثلاثين يوماً يحلقون في نهايتها (عدد ٦: ١٨) وهذا أيضاً مما يحتاج إلى النفقة للكاهن أو اللاوي الذي يحلق الشعر. وكان من عوائد اليهود أن يقوم غنيهم بنفقة فقيرهم. قال يوسيفوس أنه حين أتى أغريباس الأول من رومية إلى أورشليم ليتولى الملك قام بنفقة حلق رؤوس كثيرين مما نذروا وأتى ذلك إظهاراً لغيرته على الرسوم اليهودية لمثل القصد الذي قصده أصدقاء بولس في نصحهم له.

لَيْسَ شَيْءٌ الخ أي لا صحة لشيء من تهمهم. لأنهم إذا رأوك مشتركاً في العوائد الدينية منفقاً على غيرك للقيام بها اتخذوا ذلك دليلاً قاطعاً على بطل تهمة المتهمين وبياناً أنك لست بعدو لموسى وأنك لم تنه متنصري اليهود عن حفظ الناموس. وهذا أحسن وسيلة لإزالة الأوهام والشكوك وتكذيب الإخوة الخادعين. وكل الأخوة المسيحيين الذين يحضرون العيد من كل أقطار المسكونة يشهدون بما شاهدوا بعد رجوعهم إلى أوطانهم باحترامك الرسوم الموسوية.

٢٥ «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا مِنَ ٱلأُمَمِ، فَأَرْسَلْنَا نَحْنُ إِلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا أَنْ لاَ يَحْفَظُوا شَيْئاً مِثْلَ ذٰلِكَ، سِوَى أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ، وَمِنَ ٱلدَّمِ، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلزِّنَا».

ص ١٥: ٢٠ و٢٩

ذكروا هذه الآية دفعاً لظن أحد إبطال شيء من الحرية التي حُكم بها لمؤمني الأمم وهي تحريرهم من حفظ الشريعة الرمزية ولأنهم علموا أن بولس لا يقبل رأيهم إلا على هذا الشرط.

أَرْسَلْنَا نَحْنُ إِلَيْهِمْ أرادوا بذلك الرقيم الذي اتفق المجمع عليه وأرسله إلى الكنائس ومضمونه أن لا شيء عليهم من الرسوم سوى الامتناع عما يعثر إخوتهم اليهود (ص ١٥: ٢٠ – ٢١) أما الزناء فقد منعته الشريعة الأدبية الأبدية.

٢٦ «حِينَئِذٍ أَخَذَ بُولُسُ ٱلرِّجَالَ فِي ٱلْغَدِ، وَتَطَهَّرَ مَعَهُمْ وَدَخَلَ ٱلْهَيْكَلَ، مُخْبِراً بِكَمَالِ أَيَّامِ ٱلتَّطْهِيرِ، إِلَى أَنْ يُقَرَّبَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ ٱلْقُرْبَانُ».

ص ٢٤: ١٨ عدد ٦: ١٣

أَخَذَ بُولُسُ ٱلرِّجَالَ جرياً على نصيحة يعقوب والمشائخ لأنهم نواب كنيسة أورشليم أم الكنائس ونصحوا له بما رأوه مناسباً لنفع الكنيسة وسلامها عموماً. فقبل ذلك على وفق قوله «فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرّاً مِنَ ٱلْجَمِيعِ، ٱسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ ٱلأَكْثَرِينَ. فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ ٱلْيَهُودَ، وَلِلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ لأَرْبَحَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ… صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ ٱلضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً»(١كورنثوس ٩: ١٩ – ٢٢). فلو رأى في ذلك شيئاً مضاداً لمبادئه المسيحية وواجباته لربه ما سلّم به. وهو غير مناف لما كتبه في رسائله من أن الناموس لا يبرّر الخاطئ ولا يخلصه وأن الاتكال عليه يجعل الإيمان عبثاً وأنه ليس على أحد من الأمم أن يخضع للناموس بغية الخلاص. وعدم إصابة الغاية المقصودة منه ليس بدليل على أنه خطيئة ولعله نال تلك الغاية بإقناع مؤمني اليهود أنه بريء مما رُمي به من التهم. والذين هجموا عليه هم اليهود غير المؤمنين. والأرجح أن المؤمنين منهم أحبوا بولس أكثر من ذي قبل وحزنوا على مصابه بأن قُبض عليه في الهيكل وهو يعبد حسب عوائد آبائهم.

ٱلْهَيْكَلَ أي إحدى أدوُّره.

وَتَطَهَّرَ مَعَهُمْ كما يجب على شريك النذير عند إيفاء نذره (ع ٢٤).

مُخْبِراً بِكَمَالِ أَيَّامِ ٱلتَّطْهِيرِ أي أنه أخبر الكهنة بما بقي من أيام النذر وهي سبعة (ع ٢٧) ليعدوا الحيوانات الذبيحة في وقتها وأخبرهم أيضاً بأنه صار شريكاً للذين علمهم النذر وأنه مستعد للنفقة عليهم على وفق العادة.

ٱلْقُرْبَانُ الذي أمر به في (عدد ٦: ١ – ٢١ انظر شرح ع ٢٤).

هياج اليهود على بولس وإنقاذ أمير الكتيبة إياه ع ٢٧ إلى ٣٦

٢٧ «وَلَمَّا قَارَبَتِ ٱلأَيَّامُ ٱلسَّبْعَةُ أَنْ تَتِمَّ، رَآهُ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا فِي ٱلْهَيْكَلِ، فَأَهَاجُوا كُلَّ ٱلْجَمْعِ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ ٱلأَيَادِيَ».

ص ٢٤: ١٨ ص ٢٦: ٢١

قَارَبَتِ ٱلأَيَّامُ ٱلسَّبْعَةُ أن تتم يمكن أن أيام ذلك النذر لم تكن أكثر من سبعة أيام والأرجح أنها ثلاثون كالعادة اشترك فيه بولس بعد مضي ثلاثة وعشرين يوماً منها وأخبر الكهنة يوم اشتراكه والأيام السبعة الآخرة أهم تلك المدة لأنه يُقدم فيها أكثر القرابين (خروج ٢٩: ٣٧ ولاويين ١٢: ٢ و١٣: ٦ وعدد ١٢: ١٤ و١٩: ١٤).

ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا أو اليهود الذين أتوا للعيد من غربي آسيا الصغرى أي من أفسس وما حولها حيث اجتمع بولس باليهود وجادلهم فما استطاعوا أن يشفوا غيظهم منه هنالك لانتصاره عليهم (ص ٢٠: ١٩) فلما رأوه في أورشليم عرفوه فاتقدت نيران غضبهم لاعتبارهم إياه مرتداً عن شريعة موسى وزعموا أنه لم يدخل الهكيل إلا وهو محتقر إيّاه ولعلهم راقبوه قبلاً كالجواسيس ليجدوا فرصة للشكوى عليه.

أَهَاجُوا كُلَّ ٱلْجَمْعِ حرّكوا المجتمعين ليشاركوهم في بغضهم لبولس والانتقام منه.

أَلْقَوْا عَلَيْهِ ٱلأَيَادِيَ كأنه مجرم يبغي الفرار.

٢٨ «صَارِخِينَ: يَا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ، أَعِينُوا! هٰذَا هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ ٱلْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدّاً لِلشَّعْبِ وَٱلنَّامُوسِ وَهٰذَا ٱلْمَوْضِعِ، حَتَّى أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضاً إِلَى ٱلْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هٰذَا ٱلْمَوْضِعَ ٱلْمُقَدَّسَ».

ص ٦: ١٣ و٢٤: ٥ و٦

ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ خاطبوهم بذلك تهييجاً للتعصّب الطائفي.

أَعِينُوا على وقاية هذا المكان المقدّس من تنجيس هذا المجدّف.

هٰذَا هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي سمعتم كلكم خبره وشاهده كثيرون منكم.

يُعَلِّمُ ٱلْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ هذا دليل على انتشار صيت بولس وتأثير تبشيره وأهمية تعليمه عند اليهود وخوفهم من ذلك التعليم.

ضِدّاً لِلشَّعْبِ أي اليهود الأمة المختارة التي زعموا أن بولس تعدى على حقوقها بجعله الأمم شركاءها في المواعيد والمواريث.

ٱلنَّامُوسِ شريعة موسى التي فُرز اليهود بحفظها عن سائر الأمم.

هٰذَا ٱلْمَوْضِعِ أورشليم المدينة المقدسة ولا سيما الهيكل الذي هو مركز الدين اليهودي. وكان قولهم هنا كقولهم يوم مقتل استفانوس والمحتمل أن بولس كان شريكاً لهم فيه يومئذ (ص ٦: ١٢ – ١٤).

حَتَّى أي فوق كل ما سبق.

يُونَانِيِّينَ أي أناساً من الأمم فلم يريدوا سكان بلاد اليونان خاصة.

ٱلْهَيْكَل أي أحد أدوّره الداخلية وراء دار الأمم فإنه كان محظوراً على الأمم أن يجتازوا تلك الدار بإعلان عُلق على عمود بين تلك الدار ودار النساء وهذه صورته «يحظر على كل أجنبي أن يتجاوز هذا الجدار المحيط بالهيكل فليعلم كل أجنبي أنه إن تجاوزه فقُبض عليه داخلاً قُتل ودمه على نفسه». فمن تجاوز من الأمم ذلك العمود كان تحت خطر الموت. قال يوسيفوس أن الرومانيين أذنوا لليهود أن يقتلوا الروماني إذا خالف ما في ذلك الإعلان (انظر الكلام على أدور الهيكل في شرح متّى ٢١: ١٢).

دَنَّسَ اتخذوا المكان المقدس كغيره من الأماكن وذلك إهانة له.

ٱلْمَوْضِعَ ٱلْمُقَدَّسَ المفروز لعبادة الله بمقتضى السنن اليهودية.

٢٩ «لأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا مَعَهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ تُرُوفِيمُسَ ٱلأَفَسُسِيَّ، فَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ».

ص ٢٠: ٤

كَانُوا قَدْ رَأَوْا قبلما شاهدوا بولس في الهيكل وهو في بعض أسواق المدينة.

تُرُوفِيمُسَ أحد متنصري الأمم الذين أتوا من أخائية ليرافقوا بولس وسبقوه إلى ترواس (ص ٢٠: ٤) وعرفه الذين من آسيا حالاً لأنه من أفسس قصبة آسيا.

كَانُوا يَظُنُّونَ حملهم على هذا الظن زعمهم أن بولس عدو الدين اليهودي ومحتقر الهيكل واتخاذهم ذلك الظن بمنزلة اليقين بلا فحص.

٣٠ «فَهَاجَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَتَرَاكَضَ ٱلشَّعْبُ وَأَمْسَكُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ. وَلِلْوَقْتِ أُغْلِقَتِ ٱلأَبْوَابُ».

ص ٢٦: ٢١

فَهَاجَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا كان ذلك زمان العيد واليهود على غاية من الغيرة الدينية وازدحام ربواتهم الكثيرة جعلهم مستعدين للهياج كما هو من خواص الازدحام. وكانت تلك الشكوى من أشد المهيّجات لليهود.

تَرَاكَضَ ٱلشَّعْبُ إلى الهيكل حيث ارتفع الصراخ.

أَمْسَكُوا بُولُسَ بالعنف.

جَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ من الدار المحظور على الأمم دخولها.

أُغْلِقَتِ ٱلأَبْوَابُ أي أبواب الهيكل والمرجّح أن الكهنة أغلقوها منعاً لرجوع بولس ورفيقه المظنون إلى الهيكل وتدنيس الهيكل بدمهما إن قُتلا فيه ودفعاً للشغب في المكان المقدس وتخلّصاً من مسؤولية كل ما يحدث من هيجان العامة.

٣١ «وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ ٱلْكَتِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ ٱضْطَرَبَتْ».

أَنْ يَقْتُلُوهُ ضرباً المرجّح أنهم كانوا يلكمونه لأنه لو كان معهم أسلحة لقتلوه حالاً. وأرادوا قتله لزعمهم أنه دنس الهكيل بإدخال واحد من الأمم إليه. إنه بمقتضى الإعلان كان لهم أن يقتلوا تروفيمس لو وجدوه ولكنهم أرادوا قتل بولس لاعتباره أعظم ذنباً من ذاك لأنه أدخل ذلك اليوناني على زعمهم.

نَمَا خَبَرٌ من الحراس الرومانيين المعيّنين لحراسة الهيكل وكل ما فيه ولمراقبة الحوادث في الأعياد لأنه يُخشى حينئذ من الشغب. وكان قرب الهيكل على زاويته الشمالية الغربية قلعة رومانية اسمها انطونيا عليها أربعة أبراج علو كل من ثلاثة منها ثمانون قدماً وعلو الآخر مئة قدم وعشرون قدماً وكان هذا مشرفاً على الهيكل كله ومتصلاً به بدرج وكان في تلك القلعة جند من العسكر الروماني لمنع الفتن ولسياسة المدينة.

أَمِيرِ ٱلْكَتِيبَةِ كلوديوس ليسياس (ص ٢٣: ٢٦). والكتيبة هنا فرقة من الجند عدد رجالها ألف لأنها سُدس اللجئون واللجئون ستة آلاف (انظر شرح متّى ٨: ٢٩). وذُكرت الكتيبة في (متّى ٢٧: ٦٥ و٦٦).

٣٢ «فَلِلْوَقْتِ أَخَذَ عَسْكَراً وَقُوَّادَ مِئَاتٍ وَرَكَضَ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَأَوُا ٱلأَمِيرَ وَٱلْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ».

ص ٢٣: ٢٧ و٢٤: ٧

عَسْكَراً وَقُوَّادَ مِئَاتٍ فإذاً هم ثلاث مئة على الأقل لأن كل قائد يأتي بمئة.

رَكَضَ من القلعة إلى دار الأمم لتسكين الشغب لا لإنقاذ إنسان بريء من الظلم.

إِلَيْهِمْ أي إلى ضاربي بولس بغية قتله.

كَفُّوا الخ الأرجح أن الأمير أمرهم بالكف فامتنعوا خوفاً من أن يوقع بهم ويقتلهم.

٣٣ «حِينَئِذٍ ٱقْتَرَبَ ٱلأَمِيرُ وَأَمْسَكَهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَطَفِقَ يَسْتَخْبِرُ: تُرَى مَنْ يَكُونُ وَمَاذَا فَعَلَ؟».

ص ٢٠: ٢٣ وع ١١

يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ إلى جنديين على جانبيه كما قُيّد بطرس (ص ١٢: ٦). وكانت غاية الأمير من ذلك تسكين الهياج وإعلان أنه يحفظه للمحاكمة والعقاب إذا كان مذنباً. وفي تقييد بولس إنجاز لنبوءة أغابوس (ص ٢١: ١١). وأمر بتقييده لظنه ان اليهود لم يعاملوه كذلك لو لم يكن قد ارتكب ذنباً على كل الجمهور.

٣٤ «وَكَانَ ٱلْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَٱلْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي ٱلْجَمْعِ. وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْلَمَ ٱلْيَقِينَ لِسَبَبِ ٱلشَّغَبِ، أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى ٱلْمُعَسْكَرِ».

ٱلْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَٱلْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ كما فعل الهائجون في مشهد أفسس (ص ١٩: ٣٢).

أَنْ يَعْلَمَ ٱلْيَقِينَ أي لم يستطع الأمير أن يعرف من الناس من هو المذنب وما ذنبه لاختلاط الأصوات.

إِلَى ٱلْمُعَسْكَرِ في قلعة أنطونيا مكان الجند وسجن المجرمين (ع ٣١) لحفظه والوقوف على حقيقة ما كان.

٣٥ «وَلَمَّا صَارَ عَلَى ٱلدَّرَجِ ٱتَّفَقَ أَنَّ ٱلْعَسْكَرَ حَمَلَهُ بِسَبَبِ عُنْفِ ٱلْجَمْعِ».

عَلَى ٱلدَّرَجِ الموصل بين ساحة الهكيل والقلعة وكان هنالك درجان عريضان أو سلّمان من الحجر.

أَنَّ ٱلْعَسْكَرَ حَمَلَهُ أي حمل بولس لكثرة ازدحام الناس عليه ليقتلوه. والأرجح أن لوقا شاهد بولس محمولاً على أيدي العكسر وذكر ذلك إظهاراً لشدة غضب اليهود.

٣٦ «لأَنَّ جُمْهُورَ ٱلشَّعْبِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: خُذْهُ!».

لوقا ٢٣: ١٨ ويوحنا ١٩: ١٥ وص ٢٢: ٢٢

خُذْهُ إلى المقتل وهذا كقول الذين طلبوا صلب المسيح وحملوا بيلاطس على تسليمه للموت (لوقا ٢٣: ١٨ ويوحنا ١٩: ١٥). فما طلبوه للسيد أولاً طلبوه لعبده الأمين ثانياً.

استئذان بولس الأمير أن يخاطب الشعب ع ٣٧ إلى ٤٠

٣٧ «وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلأَمِيرِ: أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئاً؟ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ ٱلْيُونَانِيَّةَ؟»

قَارَبَ… أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمُعَسْكَرَ أي لما بلغ أعلى السلم وبعُد عن الازدحام.

أَيَجُوزُ أي أتأذن.

أَتَعْرِفُ ٱلْيُونَانِيَّةَ يظهر من ذلك أن بولس خاطب الأمير باليونانية والأمير لم يتوقع هذا بل كان يعتقد أنه لا يحسن التكلم بسوى العبرانية.

٣٨ «أَفَلَسْتَ أَنْتَ ٱلْمِصْرِيَّ ٱلَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ فِتْنَةً، وَأَخْرَجَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ ٱلآلاَفِ ٱلرَّجُلِ مِنَ ٱلْقَتَلَةِ؟».

ص ٥: ٣٦

أَفَلَسْتَ أَنْتَ ٱلْمِصْرِيَّ ظن ذلك إما للفظة سمعها من الشعب وإما لشدة غضب الشعب الدالة على أنه كان من شر الناس والأمير لم يعهد شراً من المصري ولأن فتنة المصري كانت حديثة العهد ولأنه قد هرب والوالي أمر بالتفتيش عنه ووعد بإثابة من يمسكه. وذكر يوسيفوس هذا المصري في تاريخه المشهور وقال انه قائد فرقة اللصوص والقتلة الذين أقلقوا اليهودية وما جاورها وادعى أنه نبيّ فجمع نحو ثلاثين ألفاً من الأتباع ووعدهم بأنه إذا وقف معهم على جبل الزيتون يأمر أسوار أورشليم بالسقوط فتطيع أمره ويقودهم حينئذ لنهبها.

وقال في موضع آخر من ذلك التاريخ أن كثيرين من أتباعه زالت ثقتهم به فتركوه حتى أنه لما ذكر عددهم ثانية نقص كثيراً عما كان أولاً. وقال أن المصري أتى بجيشه من البرية إلى جبل الزيتون فحاربهم فيلكس الوالي هناك وقتل أربع مئة منهم وأسر مئتين وهرب المصري وتشتت سائر جيشه.

أَرْبَعَةَ ٱلآلاَفِ رَّجُلِ هذا أقل جداً من العدد الذي ذكره يوسيفوس ولا نعرف علة الفرق أَمن غلط الأمير هي أم من غلط يوسيفوس وربما ذكر الأمير الكماة منهم وذكر يوسيفوس عدد النفوس التابعة له من الرجال والنساء والأولاد.

ٱلْقَتَلَةِ ومعناهم في الأصل اليوناني المِشمَلّيون أي حملة المشامل وهي سيوف قصيرة تغطى بالثياب فكانوا يدخلون بين المزدحمين في المحافل والولائم والأسواق ويطعنون الناس خفية ويتوارون فلا يعلم بهم أحد. فكان كل من يبغض أحداً ويريد قتله سراً يستأجر بعض المشمليين ليقتله. وكانوا في أول أمرهم شرذمة قليلة ثم كثروا وصاروا جماعة كثيرة اشتهروا في أيام الحوادث المتعلقة بخراب أورشليم.

٣٩ «فَقَالَ بُولُسُ: أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ، مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. وَأَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَلِّمَ ٱلشَّعْبَ».

ص ٩: ١١ و٢٢: ٣

مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ كان لبولس حق في أن يصف مدينته بذلك لأنها كانت عظيمة غنية وافرة المدارس العلمية منحها الرومانيون كثيراً من الامتيازات السياسية.

أَنْ أُكَلِّمَ ٱلشَّعْبَ كان بولس يأمل أن يقنع الشعب ببرائته مما اتُهم به ويتخذ ذلك فرصة ليبشرهم بيسوع وإنجيله.

٤٠ «فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ، وَقَفَ بُولُسُ عَلَى ٱلدَّرَجِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ٱلشَّعْبِ، فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ. فَنَادَى بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ قَائِلاً».

ص ١٢: ١٧

أَذِنَ لَهُ تحقق الأمير مما قاله بولس في نفسه ومما ظهر له من هيئته أنه من الوجهاء وتوقع أن يعرف من خطابه علة ذلك الشغب فأذن له في الخطاب والظاهر أنه أمر أحد الجنديين بإطلاق إحدى يدي الرسول من سلسلتها بدليل أنه أشار بيده.

فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ كانت العلة الأولى لذلك وجود الأمير والعسكر والثانية رغبتهم في أن يعرفوا في أي الأمور كان الحديث بينه وبين الأمير على مرأى منهم. والثالثة استغرابهم طلب بولس أن يخاطبهم ولا سيما ما ذُكر من أنه خاطبهم بالعبرانية (ص ٢٢: ٢).

وَقَفَ… عَلَى ٱلدَّرَجِ كان ذلك منبراً غريباً والخطيب أغرب منه فإنه كان أسيراً محاطاً بالجنود وكان المخاطبون ألوفاً من الهائجين المغتاظين الراغبين في سفك دم خطيبهم.

بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ أي الآرامية وهي العبرانية الممزوجة بالكلدانية وكانت لغة الأمة اليهودية بعد رجوعها من بابل. والظاهر أنهم توقعوا أن يخاطبهم باليونانية لكنه اختار لغة الشعب الخاصة لكي يرضيهم شيئاً لأنه كان قد اتُهم باحتقار شريعتهم فخاطبهم بلغة الشريعة عينها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى