أعمال الرسل

أعمال الرسل | 13 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر أعمال الرسل 

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث عشر

تعيين برنابا وشاول لخدمة معيّنة ع ١ إلى ٣

١ «وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ ٱلَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ ٱلَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ ٱلرُّبْعِ، وَشَاوُلُ».

ص ١١: ٢٧ و١٤: ٢٦ و١٥: ٣٥ ١كورنثوس ١٢: ٢٨ وأفسس ٤: ١١ ص ١١: ٢٢ و٢٦ رومية ١٦: ٢١

هذا الأصحاح بداءة القسم الثاني من قسمي هذا السفر العظيمين اللذين يصح أن تقسمه إليهما. ومعظم الأول بيان أعمال بطرس ومعظم الثاني بيان أعمال بولس. ويشتمل الأول على نمو كنيسة المسيح حول أورشليم باعتبار أنها مركز البشارة ومعظم هذا النمو بين اليهود. ويشتمل الثاني على نمو الكنيسة من أنطاكية باعتبار أنها مركز البشارة في سورية وآسيا الصغرى حتى رومية ومعظم هذا النمو بين الأمم.

فِي أَنْطَاكِيَةَ هذه المدينة صارت مركزاً ثانياً للإنجيل ومنها امتدت الكنيسة في العالم ولا سيما الأمم. وابتدأ منها الجولان للتبشير في البلاد التي هي خارج اليهودية. هذا توسيع دائرة التبشير الذي ابتدأه الاثنا عشر رسولاً والسبعون تلميذاً.

واشتهرت أنطاكية لأمرين الأول تسمية اتباع يسوع مسيحيين فيها (ص ١١: ٢٦). والثاني ابتداء الجولان للتبشير في البلاد الأجنبية.

فِي ٱلْكَنِيسَةِ هُنَاكَ قصد الكاتب بذكر «الكنيسة» بيان أنها كانت محكمة النظام والترتيب في عمدتها وخدمها.

أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ يحتمل أن في هذا إشارة إلى نوعين من المعلمين أحدهما ملهم والثاني غير ملهم والأرجح أن الأنبياء والمعلمين هنا صفتان لجماعة واحدة من خدم الدين تستطيع النبوءة والتعليم. وعلى ذلك يكون كل من برنابا ومن ذُكر بعده هنا نبياً ومعلماً أي ينبئ بأمور المستقبل ويفسر أقوال الوحي.

بَرْنَابَا تقدم الكلام أنه من أقدم مبشري الكنيسة المسيحية (ص ٤: ٣٦) وأنه رسول كنيسة أنطاكية (ص ١١: ١٢). ولعله كان راعي تلك الكنيسة أو شيخها.

سِمْعَانُ اسم شائع بين اليهود واسمه الروماني نيجر أي أسود ولكونه كان في كنيسة أنطاكية بعض القيروانيين (ص ١١: ٢٠) ذهب بعضهم إلى أنه سمعان القيرواني الذي حمل صليب المسيح (متّى ٢٧: ٣٢).

لُوكِيُوسُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ لا نعرف من أمره غير ما ذُكر هنا وذهب بعضهم إلى أنه لوقا كاتب هذا السفر ولكن ليس من دليل كافٍ لإثبات مذهبهم.

مَنَايِنُ لفظ هذا الاسم منحيم في العبراني (٢ملوك ١٥: ١٤).

تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ أي أمه أرضعت هيرودس معه على ما يفيد الأصل اليوناني ويُحتمل أنه كان رفيق هيرودس منذ الطفولة. وهيرودس هذا كثيراً ما ذُكر في البشائر واشتهر بأنه قاتل يوحنا المعمدان وهو هيرودس أنتيباس.

شَاوُلُ حُسب من الأنبياء والمعلمين لكنه ذُكر آخراً لأنه لم يكن قد عُرف بأن الله عيّنه رسولاً.

٢ «وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ».

عدد ٨: ١٤ وص ٩: ١٥ و٢٢: ٢١ ورومية ١: ١ وغلاطية ١: ١٥ و٢: ٩ متّى ٩: ٣٨ وص ١٤: ٢٦ ورومية ١٠: ١٥ وأفسس ٣: ٧ و٨ و١تيموثاوس ٢: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١١ وعبرانيين ٥: ٤

يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ في كل ما يتعلق بالعبادة الجمهورية في الكنيسة ولا سيما الصلاة والتعليم.

وَيَصُومُونَ لم يعيّن الإنجيل الصوم من فروض الدين كالصلاة وقراءة الإنجيل لكنه أشار إلى أنه مفيد ولائق في بعض الأحوال بشرط أن يقترن بالصلاة. وهو يمكن الإنسان من أحكامها. وليس من دليل على أن الصوم بلا صلاة يفيد شيئاً روحياً لأن الله لا يسر بألم الإنسان من الجوع والعطش. ولا ريب في أنه كان القصد من تلك الصلاة وذلك الصوم التضرع لله لينشر دينه في العالم ويبيّن لهم ما يجب عليهم في ذلك.

قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ إما بصوت سمعه الجميع وإما بإعلان خاص لاحد الأنبياء ليخبر الجميع به.

أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ أي نحّوهما عن الخدمة هنا والاجتماع معكم ليخدموني خدمة مخصوصة.

لِلْعَمَلِ الخ أي للتبشير في البلاد الأجنبية علاوة على التنبوء والتعليم اللذين كانا يأتيانهما مع سائر الأنبياء والمعلمين المذكورين آنفاً. ودعوة الله برنابا وشاول هنا تضمنها أمر المسيح لجميع تلاميذه منذ إحدى عشرة سنة وهو قوله «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها». ولكن الكنيسة غفلت عن الإسراع إلى ذلك فلزم أن نبهها الروح القدس عليها ودعا بعض أفرادها إلى القيام به. والروح الذي دعاهما إلى ذلك لم يزل يدعو المبشرين الوطنيين للخدمة في الوطن أو في الخارج رعاة أو مرسلين فليس لأحد أن يباشر تلك الخدمة ما لم يدعُهُ الله إليها وليس لمن دعاه الله إليها أن يأباها. وكما كان على كنيسة أنطاكية فضلاً عن أن تجعل نورها يضيء في مكانها أن تمد هذا النور إلى أماكن مختلفة كذلك على كل كنيسة أن تكون مركزاً لنشر نور الإنجيل في العالم فإنه ضروري لحياتها ونموها.

٣ «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ٱلأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا».

ص ٦: ٦

فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا كما كان عليه أو كُرر ذلك هنا للتقرير. وأتوا ذلك بغية الحصول على بركة الله في مشروعهم الجديد.

وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ٱلأَيَادِيَ علامة إفرازهما للخدمة الخاصة وبيان أنه هما اللذان طلبوا حلول النعمة الإلهية عليهما (انظر ص ٦: ٨ و٨: ١٧ و٩: ١٢) وهذا ليس رسماً لهما للعمل القسيسي لأنهما عُرفا أنهما مارسا ذلك العمل مدة ليست بقليلة على أحسن أسلوب وكانا قد عُرفا مبشرين فعُرفا الآن رسولين (ص ١٤: ٤ و١٤) إلا أن بولس صرح بأن رسولتيه من المسيح نفسه لا من إنسان (٢كورنثوس ١٢: ٥ وغلاطية ١: ١٧). على أن بولس لم يكن من الاثني عشر رسولاً بدلاً من يهوذا إذ قيل أن «متياس حُسب مع الاحد عشر رسولاً» (ص ١: ٢١). إنما كان رسولاً للأمم عيّنه المسيح علاوة على الاثني عشر.

هذا النبأ لا يلزم منه أن برنابا وشاول لم يكونا عارفين به قبلاً لاحتمال أن الله أعلنه لهما على انفراد وكانا يتوقعان الإعلان جهراً بالتفصيل. وقد وقع ذلك لشاول بدليل قوله في خطابه لشعب أورشليم «فَقَالَ لِي: ٱذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى ٱلأُمَمِ بَعِيداً» (ص ٢٢: ٢١). وهذا كان قبل إعلان الروح إفرازه وبرنابا في كنيسة أنطاكية. ولعلهما دعوا الكنيسة عند أمر الروح إلى إقامة الصلاة والصوم لطلب إرشاد الله إلى ما يجب أن يعملاه.

جولان برنابا وشاول الأول للتبشير ووصولهما إلى قبرس ع ٤ إلى ١٢

٤ «فَهٰذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱنْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ».

ص ٤: ٣٦

إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ قيل في الآية السابقة أن الكنيسة أرسلتهما فدفعاً للخطأ كرّر قوله بياناً أن المرسل لهما هو الروح القدس بواسطة الكنسية.

ٱنْحَدَرَا نزلا من أنطاكية إلى شاطئ البحر.

إِلَى سَلُوكِيَةَ هي مدينة اسمها اليوم السويدية بناها سلوكس ونسبها إلى اسمه وهي قرب مصب العاصي كانت يومئذ مينا أنطاكية وهي على أمد ستة عشر ميلاً منها غرباً.

ِ إِلَى قُبْرُسَ جزيرة كبيرة كانت يومئذ للرومانيين وكان فيها كثيرون من اليهود وكانت مشهورة بالخصب وغنى السكان وترفههم. ولا نعلم لماذا اختارا هذه الجزيرة لافتتاح تبشيرهما إلا قربهما من أنطاكية (فإنها لا تبعد أكثر من خمسين ميلاً عن سلوكية) وكونها مولد برنابا (ص ٤: ٣٦) وكون بعض مؤمني أنطاكية أصله من قبرس فرغب في أن يبشرا أهله وأقاربه قبلاً.

٥ «وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ فِي مَجَامِعِ ٱلْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً».

ع ٤٦ ص ١٢: ٢٥ و١٥: ٣٧

سَلاَمِيسَ مدينة قديمة في الجنوب الشرقي من قبرس تسمى اليوم فماغسطا وكانت يومئذ أوفر مدن قبرس تجارة.

بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ أي ببشارة الفداء بالمسيح.

فِي مَجَامِعِ ٱلْيَهُودِ أتيا ذلك طوعاً لأمر المسيح بأن يبشر اليهود أولاً ولتكون لهما فرصة التبشير لجمهور من الناس كانوا يجتمعون هناك لسمع كلام العهد القديم وشرحه. واعتاد شاول أن يدخل المجمع في كل مدينة دخلها ومن ذلك ما أتاه في دمشق (ص ٩: ٢٠) وفي انطاكية بيسيدية (ص ١٣: ٤) وفي تسالونيكي (ص ١٧: ١) وفي كورنثوس (ص ١٨: ٤).

يُوحَنَّا خَادِماً في الجسديات أو الروحيات أو كليهما استعداداً لعمل إنجيلي أعظم من هذه الخدمة ويوحنا هذا هو مرقس ابن أخت برنابا.

٦ «وَلَمَّا ٱجْتَازَا ٱلْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ وَجَدَا رَجُلاً سَاحِراً نَبِيّاً كَذَّاباً يَهُودِيّاً ٱسْمُهُ بَارْيَشُوعُ».

ص ٨: ٩

ٱجْتَازَا ٱلْجَزِيرَةَ من سلاميس غرباً إلى بافوس شرقاً والمسافة بينهما نحو مئة ميل وطول الجزيرة كله ١٥٠ ميلاً. والمرجح أنهما بشرا في المدن الصغيرة على طريقهما كعادة المبشرين (انظر ص ٨: ٢٥ و٤٠ و٩: ٣٢).

بَافُوسَ مدينة على شاطئ الجزيرة الغربي فيها دار الولاية الرومانية اشتهرت قديماً بعبادة الزهرة وكان لها هيكل عظيم قرب تلك المدينة. واعتبروا بافوس مولد تلك الإلاهة وأنها نشأت من زبد البحر هنالك.

سَاحِراً (انظر شرح ص ٨: ٩).

نَبِيّاً كَذَّاباً يَهُودِيّاً أي يهودي الأصل ادعى الإلهام ومعرفة ما في الغيب كذباً من أن شريعته حرمت السحر (لاويين ١٩: ٣١ و٢٠: ٦ وتثنية ١٨: ٩ – ١٢). وكثر مثل هذا في تلك الأيام ومنهم سيمون الساحر (ص ٨: ٩) وجارية فيلبي (ص ١٦: ٢٦) وبنو سكاوا (ص ٩: ١٣) وأرباب كتب السحر في أفسس (ص ١٩: ١٩). وكانت غايتهم الربح والشهرة والسلطة كما عُلم من أمر سيمون وسندوا دعواهم الباطلة إلى معرفتهم كتبهم الدينية وكتب رقىً وعزائم نسبوها إلى سليمان الحكيم زوراً.

ٱسْمُهُ بَارْيَشُوعُ أي ابن يشوع.

٧ «كَانَ مَعَ ٱلْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهٰذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَٱلْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ».

كَانَ مَعَ ٱلْوَالِي رفيقاً ومشيراً. ذهب بعضهم إلى أن علة استخدام الوالي الروماني الوثني لهذا اليهودي الساحر أن كثيرين من عقلاء الرومانيين وحكمائهم كانوا في ريب شديد من دينهم الوثني. وقد أنبأهم اليهود بمجيء معلم عظيم ومنقذ قدير من اليهود فأثر فيهم ذلك البنأ فجعلهم عرضة لخداع مثل هذا الساحر اليهودي.

رَجُلٌ فَهِيمٌ ذو بصيرة ونظر يحب معرفة الخفيات التي ادعى بار يشوع إعلانها ومما يثبت فهمه دعوته الرسولين والتسليم بصحة تعليمهما.

دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ المرجح أنهما كانا قد ناديا بالإنجيل في المدينة وسمع الوالي نبأهما ويتوقع من مثله أن يستحضر ذينك المعلمين المشهورين اللذين أتيا من سورية بتعليم جديد.

أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ أي التعليم الجديد الذي أعلن برنابا وشاول بمناداتهما أنهما أخذاه عن الله. والأرجح أنه طلب سمعهما كفيلسوف يبغي معرفة المحدثات لا لأنه كان مهتماً وقتئذ بخلاص نفسه أو مقتنعاً أن تعليمهما من الله.

٨ «فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ ٱلسَّاحِرُ، لأَنْ هٰكَذَا يُتَرْجَمُ ٱسْمُهُ، طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ ٱلْوَالِيَ عَنِ ٱلإِيمَانِ».

خروج ٧: ١١ و٢تيموثاوس ٣: ٨

فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ عليم كلمة آرامية كالعربية لفظاً ومعنىً وهي اسم ثان لبار يشوع بُني على ما ادعاه من علم الغيب. وكانت مقاومته الرسولين بالجدال والاستهزاء وحمل كلامهما على غير المعنى الذي أراداه. ولا ريب في أنه اتخذ الصداقة القديمة التي بينه وبين الوالي وسيلة إلى تلك المقاومة. وكانت غايته منها منع الوالي من أن يتأثر من تعليمهما فيفقد هو أرباحه منه وسلطته عليه.

يُفْسِدَ ٱلْوَالِيَ عَنِ ٱلإِيمَانِ أي يمنعه عن الديانة الجديدة التي ناديا بها بكل ما استطاع من الوسائل أو عن التسليم بفداء المسيح وصحة إنجيله تسليماً قلبياً.

٩ «وَأَمَّا شَاوُلُ، ٱلَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً، فَٱمْتَلأَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ».

ص ٤: ٨

شَاوُلُ، ٱلَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً نرى في نبإ سفر الرسولين هنا تغيّرين نشأ عند زيارة بولس لوالي قبرس فليس لنا إلا أن نحكم بتعلقهما بتلك الزيارة.

الأول: تغيّر اسم رسول الأمم فإنه كان يسمى قبل الزيارة شاول وسُمي بعدها بولس. وهو سمى نفسه بولس في كل ما كتبه من الرسائل. وبهذا سماه مجمع أورشليم في رقيمه إلى كنائس الأمم. وبه سماه بطرس بعد سنين (٢بطرس ٣: ١٥). وكان من عادة اليهود يومئذ أن يكون للواحد منهم اسمان اسم عبراني واسم يوناني أو لاتيني كما جاء في (ص ١: ٢٣ و٥: ١ و٩: ٣٦ و١٢: ١٢). فالمرجح أن شاول قبل أن تنصر دُعي أوقاتاً باسم لاتيني هو بولس باعتبار كونه يهودياً مولوداً خارج اليهودية له ما للرومانيين الأصليين من الحقوق (ص ٢٢: ٢٧ و٢٨) ولكنه عُرف غالباً واشتهر قبل هذه الزيارة باسمه العبراني وهو شاول إلا أنه من وقتها استحسن أن يدعى باسمه الروماني ولعل ذلك لأمرين الأول تذكار لتنصيره سرجيوس بولس وآية الصداقة المبنية على ذلك. والثاني إتيان الزمان المعيّن من الله لإظهار أنه عينه رسولاً للأمم إذ أجرى المعجزة الأولى على يده. ولكون معظم عمله منذ ذلك اليوم بين الأمم ناسب أن يدعى بالاسم المأنوس عند الأمم السهل اللفظ على ألسنتهم.

والتغير الثاني: تقديم لوقا إيّاه على برنابا بعد أن كان يقدم برنابا عليه.

فَٱمْتَلأَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي ألهمه الروح القدس حديثاً بقوة خاصة ليكشف خداع عليم الساحر وأن يصرّح بتوبيخه إيّاه ويعلن ما قضى الله به عليه من العقاب.

وَشَخَصَ إِلَيْهِ لينتبه له هو وكل من حضر.

١٠ «وَقَالَ: أَيُّهَا ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللّٰهِ ٱلْمُسْتَقِيمَةَ؟».

متّى ١٣: ٣٨ ويوحنا ٨: ٤٤ و١يوحنا ٣: ٨

ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ أي الذي شغل الخداع كل قواه العقلية حتى لم يبق فيها محل لشيء من الحق وبنى بولس هذا الوصف على ما اشتهر من أمره باعتبار كونه ساحراً ونبياً كذاباً وعلى ما بدا منه في مقاومته له ولبرنابا.

وَكُلَّ خُبْثٍ هذا يدل على أنه أتى الخداع بدناءة وأنه قصد إضرار من خدعهم.

ٱبْنَ إِبْلِيسَ أي مثل إبليس في صفاته وأعماله لأن إبليس كذاب وأبو الكذاب (يوحنا ٨: ٤٤) وصدق عليه ذلك لما سلف من أقواله وأعماله.

عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ دعاه بهذا لأنه قاوم المبشرين بالبر واجتهد في أن يمنع الوالي من السير في سنن البر فضلاً عن أنه خال من كل بر. فكل من يربح من الشر عدو للخير وكل من يعيش بالغش عدو للحق.

أَلاَ تَزَالُ هذا الاستفهام للتوبيخ وهو أشد من التوبيخ الصريح فكأنه قال له أنت لا تكف عن الشر أبداً.

تُفْسِدُ سُبُلَ الخ كان ذلك يحمله كلام الرسولين على غير ما قصداه وبقدحه فيهما بمثل أنهما يهوديان مرتدان عن دينهما ومبتدعان. وأتى كل ذلك ليحمل الوالي على أن ينفر منهما ومن تعليمهما. ومعنى «سبل الله» هنا الموصلات إلى الخلاص أو ما قضى الله به من وسائل رحمته. وهذه السبل مستقيمة أي موافقة لعدل الله ورحمته واضحة لكل قاصد. أما عليم فاجتهد في أن يُري الوالي أنها معوجة فصدق عليه قول إشعياء «وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْراً وَلِلْخَيْرِ شَرّاً، ٱلْجَاعِلِينَ ٱلظَّلاَمَ نُوراً وَٱلنُّورَ ظَلاَماً» (إشعياء ٥: ٢٠).

١١ «فَٱلآنَ هُوَذَا يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكَ، فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ ٱلشَّمْسَ إِلَى حِينٍ. فَفِي ٱلْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِساً مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ».

خروج ٩: ٣ و١صموئيل ٥: ٦

يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكَ معنى «اليد» هنا القدرة والمراد بالعبارة أن الله يُظهر قوته بعقابه على شره. قال الرسول ذلك لئلا يُنسب ما يصيبه إلى الاتفاق أو إلى بولس نفسه ولكي ينسبه إلى الله وحده. والكلام هنا خبر لا إنشاء أي لا دعاء على عليم وهو يفيد أن الله قد رفع يده ليضربه وأن المصاب قريب.

فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ الجزء الأخير من هذه العبارة توكيد للجزء الأول. وغاية الله من هذه المعجزة إعلان أن ذلك الرجل خادع وأن كل ما أتاه من اتهامه الرسولين وقدحه في تعليمهما حق خالص وأن يعاقب ذلك الكاذب المقاوم.

إِلَى حِينٍ أي إلى ما شاء الله. كان بولس قد عمي ثلاثة أيام فأُنير قلبه بنور من السماء ثم أبصر كعادته. فلعله أشار بقوله «إلى حين» إلى أن عمى عليم لا يدوم بالضرورة ما لم يبق مزاولاً الخداع والمقاومة للحق. وأظهر الله بضربة عليم أنه ساخط عليه لسيرته وأنه أعطاه فرصة ليتأمل في إثمه ويتوب. وما لمح به بولس هنا بقوله لعليم صرح به بطرس بقوله لسيمون الساحر «تُبْ مِنْ شَرِّكَ هٰذَا، وَٱطْلُبْ إِلَى ٱللّٰهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ» (ص ٨: ٢٢).

فَفِي ٱلْحَالِ أي لم يفرغ بولس من كلامه إلا قد وقع القضاء على عليم على وفق قوله له «يد الرب عليك».

ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ أي ضعف بصره أولاً ثم عمي. طلب عليم عمى قلب الوالي وغيره من الناس فصُرب هو بعمى عينيه.

مُلْتَمِساً مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ لم يستطع المشي كالعميان المختبرين لأنه كان في أول عماه الفجائي. وأبان الكاتب هذه الحال ليُظهر أنه عمي عمىً كاملاً.

ندرت معجزات العقاب في كتاب الله ولا سيما العهد الجديد وأشهرها اثنتان ما أصاب حنانيا وسفيرة وما وقع على عليم. وعقابهم لم يكن على خطايا عادية لأن العقاب الأول كان للرياء في الدين والكذب على الروح القدس. والعقاب الثاني كان لمقاومة الرسولين التي ليست إلا المقاومة لعمل ذلك الروح. ولا نعلم شيئاً مما كان بعد من أمر سرجيوس بولس ولا من أمر عليم الساحر.

١٢ «فَٱلْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ».

فَٱلْوَالِي… آمَنَ لأنه شاهد المعجزة وهي عمى عليم على أثر أنباء بولس به وكان إيمانه إما بالمسيح الذي بشر به بولس أو بصحة الدين المسيحي.

مُنْدَهِشاً ذُكر اندهاشه هنا من علل إيمانه ونُسب مثل هذا التأثير إلى معجزات المسيح وتعاليمه (متّى ٧: ٢٨ و٢٢: ٣٣ ومرقس ١: ٢٢ و١١: ١٨ ولوقا ٤: ٣٢).

مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ أي من كيفية تعليم الرب إيّاه قولاً وفعلاً بواسطة بولس. ولم يذكر الكاتب هنا أن الوالي اعتمد لأنه غني عن البيان إذ كلمة الإيمان في الإنجيل يلزم عنها غالباً الثقة في الباطن والاعتراف في الظاهر بدخول الكنيسة بواسطة المعمودية. ومن أمثال ذلك ما جاء في (ص ٤: ٤ و١١: ٢١). وما جاء هنا يوافق قول الرسول «لأَنَّنَا رَائِحَةُ ٱلْمَسِيحِ ٱلذَّكِيَّةِ لِلّٰهِ، فِي ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي ٱلَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لِهٰؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولٰئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ» (٢كورنثوس ٢: ١٥ و١٦). فلكل إنسان يسمع أن يختار أن يكون كسرجيوس بولس الذي سمع الحق وخلص به أو أن يكون كعليم الذي سمعه وقاومه فعوقب على مقاومته.

وصول الرسولين إلى أنطاكية بيسيدية وما حدث لهما هناك ع ١٣ إلى ٥٢

١٣ «ثُمَّ أَقْلَعَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَافُوسَ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةَ بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ».

ص ١٥: ٣٨

أَقْلَعَ أي سافر بحراً.

بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ أي هو وبرنابا ويوحنا وغيرهما من الرفاق. ولعل لوقا استعمل هذه العبارة هنا ليشير إلى التغير الذي أُبتدئ هنا في مقام بولس ورفيقه برنابا فإنه كان يقدم قبلاً برنابا على بولس.

بَرْجَةَ بَمْفِيلِيَّةَ بمفيلية ولاية في آسيا الصغرى غربي كيليكية وبرجة قاعدتها وموقعها على أمد سبعة أميال من البحر على عدوة نهر سستروس وبينها وبين بافوس نحو مئة ميل وثلاثين ميلاً. والمرجح أن بولس وبرنابا قصدا التبشير بالإنجيل في بمفيلية لقربها من بافوس ولكثرة اليهود فيها وفي ما جاورها من الولايات. وكانت برجة مشهورة بعبادة الإلاهة أرطاميس وكان هيكلها فيها ثاني هيكلها في أفسس ولم يبق من هذه لمدينة اليوم سوى أطلالها.

وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ أي يوحنا مرقس الذي ذُكر في (ع ٥) أنه رافق الرسولين خادماً ولم يذكر لوقا على مفارقته لهما ولكن ذهب بعضهم إلى أنها وجدانه الخدمة شاقة وذات خطر أكثر مما كان يتوقع وذهب البعض إلى أنها اشتياقه إلى والدته ووطنه ورأى آخر غيظه من تقدم بولس على خاله برنابا. ومهما تكن العلة فالظاهر أنهما لم يكونا يتوقعان أن يفارقهما وأن بولس رأى أنه مستحق اللوم على ذلك (ص ١٥: ٣٩). وكانت هذه المفارقة بعدئذ علة اختلاف بين بولس وبرنابا وانفصال أحدهما عن الآخر (ص ١٥: ٣٧ – ٣٩). لكن مرقس حصل في ما بعد على ثقة بولس واعتباره (كولوسي ٤: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ١١).

إِلَى أُورُشَلِيمَ وطنه (ص ١٢: ١٣ و٢٤).

١٤ «وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بِيسِيدِيَّةَ، وَدَخَلُوا ٱلْمَجْمَعَ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَجَلَسُوا».

ص ١٦: ١٣ و١٧: ٢ و١٨: ٤

فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ الظاهر أن الرسولين لم يبشرا في برجة ولا في غيرها من مدن بمفيلية وأنهما ذهبا رأساً إلى ولاية بيسيدية لكنهما رجعا إليها بعد ذلك وبشرا فيها (ص ١٤: ٢٥).

أَنْطَاكِيَةَ بِيسِيدِيَّةَ أي قصبة ولاية بيسيدية وهي على أمد نحو ست مراحل من برجة شمالاً واسمها اليوم يلوباش وطريقها وعرة جبلية وكانت يومئذ ذات خطر من اللصوص. ولعل بولس أشار إلى المشقات التي احتملها في السفر إليها بقوله «بِأَخْطَارِ سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ… بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ» (٢كورنثوس ١١: ٢٦). بنى هذه المدينة سلوقس باني أنطاكية سورية وسماها بذلك نسبة إلى ابنه كما سمى تلك. كان فيها كثيرون من اليهود ومن الدخلاء من اليونانيين.

ٱلْمَجْمَعَ كعادته في كل مكان فيه يهود مع أنه رسول الأمم (انظر شرح ع ٥ وص ٦: ٩ ومتّى ٤: ٢٣).

جَلَسُوا ظن بعصهم أنهم اتخذوا المحل المختص بالمعلمين وإلا ما كان من حاجة إلى ذكر جلوسهم.

١٥ « وَبَعْدَ قِرَاءَةِ ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا».

لوقا ٤: ١٦ وع ٢٧ عبرانيين ١٣: ٢٢

قِرَاءَةِ ٱلنَّامُوسِ أي أسفار موسى. اعتاد اليهود ذلك منذ أول اجتماعاتهم الروحية التي ذكرها التاريخ.

وَٱلأَنْبِيَاءِ أي أسفارهم. أول ما ورد ذكر قراءة أسفار الأنبياء في المجامع كان في أيام أنطيوخس أبيفانيس فإنه منع قراءة الناموس في الاجتماعات الدينية فاعتاضوا عنها بقراءة أسفار الأنبياء ثم اعتادوا بعد ذلك قراءة كليهما في كل اجتماع قانوني.

رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ الظاهر أن هؤلاء كانوا من المتقدمين في السن والمقام ورؤوس البيوت الذين يحق لهم ترتيب العبادة الجمهورية.

قَائِلِينَ الخ رأوهم غرباء وعرفوا من هيئتهم ولبسهم وجلوسهم أنهم علماء فدعوهم إلى التكلم كعادتهم في المجامع والمرجح أن هؤلاء الرؤساء لم يكونوا قد سمعوا أن المسيحيين طائفة مستقلة حرمها رؤساء اليهود في أورشليم وإلا لم يرحبوا بهم ويكرمهوهم «أيها الرجال الإخوة» ويدعوهم إلى التكلم.

١٦ «فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ وَٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ٱللّٰهَ، ٱسْمَعُوا».

ص ١٢: ١٧ ع ٢٦ و٤٢ و٤٣ وص ١٠: ٣٥

فَقَامَ بُولُسُ للتبشير متخذاً هنا كما في سائر الأماكن مقام رئيس الخطاب بناء على كونه معيّناً رسولاً للأمم والظاهر أن برنابا سلم بذلك مع أنه من مشاهير الوعاظ (ص ٤: ٣٦). وهذا الخطاب أول مواعظ بولس المكتوبة.

أَشَارَ بِيَدِهِ تنبيهاً للحاضرين واستلفاتاً وإكراماً لهم كما في (ص ١٢: ١٧).

ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ أي اليهود أصلاً نسل يعقوب.

وَٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ٱللّٰه يصح أن يوصف بهذا أهل الدين الحق يهوداً وغيرهم لكنه غلب أن يوصف به المتهودين من الأمم (ص ٢: ١٠ و٦: ٥) والذين مالوا إلى الدين اليهودي وتركوا عبادة الأوثان ولكنهم لم يختتنوا (ص ١٠: ٢ و٢٢: ٣٥). وكان أمثال هؤلاء يجتمعون مع اليهود في اجتماعاتهم الدينية ونصّر الرسل من هؤلاء كثيرين.

ٱسْمَعُوا يشير بهذا إلى أن ما يتكلم به أمرٌ حديث يستحق الإصغاء إليه.

١٧ «إِلٰهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هٰذَا ٱخْتَارَ آبَاءَنَا، وَرَفَعَ ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا».

تثنية ٧: ٦ و٧ خروج ١: ١ ومزمور ١٠٥: ٢٣ و٢٤ وص ٧: ١٧ خروج ٦: ٦ و١٣: ١٤ و١٦

في الآيات الخمس الأولى من هذا الخطاب مختصر تاريخ بني إسرائيل من أول دعوتهم إلى عصر المسيح وهو مقدمة وتمهيد للمناداة به باعتبار أنه ابن داود المخلص الموعود به لأنه لو ابتدأ بولس التبشير بأن يسوع هو المسيح لنفروا منه ولم يصغوا فسلك سنن الحكمة بأن أظهر أولاً أنه مؤمن بكتبهم الدينية وبانٍ خطابه عليها وأنه عارف بتاريخ أمتهم ومواعيد الله لهم التي أعظمها الوعد بمجيء المسيح ثم أعلن لهم أنه قد أتى.

إِلٰهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هٰذَا ٱخْتَارَ آبَاءَنَا أي الإله الحق الذي هو إلههم وهم شعبه دعا أفرادهم إلى أن يكونوا شعباً خاصاً له من بين كل أمم الأرض ونظمهم أمة وصرح بأنه خليلهم والمحامي عنهم. وقصد «بالآباء» إبراهيم وإسحاق ويعقوب ورؤساء الأسباط وهذا موافق لما ذُكر (تثنية ٧: ٦ و٧) ولما قاله غيره من الرسل والمبشرين (انظر ص ٣: ١٣ و٢٥ و٥: ٣٠ و٧: ٢ و١١ و١٥ و١٩ و٣٨ و٣٩ و٤٥). وقصد بقوله «آباءنا» لا آباءكم بيان أنه واحد منهم.

رَفَعَ ٱلشَّعْبَ أي أعلى شأنهم وذلك بأن ميّزهم أولاً على سائر الأمم باختياره إياهم شعباً لنفسه ثم نقلهم من حال الذل والعبودية إلى حال العز والحرية وأنجحهم وكثرهم على رغم الاضطهاد الذي ثار عليهم في مصر.

فِي ٱلْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ لأنهم لم يتخذوا مصر وطناً ولم يخالطوا أهلها كأنهم منهم ديناً أو أمة.

وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ الخ هذا مختصر نبإ الخروج وأراد «بالذراع المرتفعة» كما أراد «بالذراع الممدودة» وهو إظهار الله قدرته في عنايته بهم من ضربه المصريين بالضربات العشر وشقه البحر الأحمر أمامهم ونصره إيّاهم على أعدائهم. قابل هذا بما في (خروج ٦: ٦ وتثنية ٥: ١٥ وإرميا ٣٢: ٢١ ومزمور ١٣٦: ١٢).

١٨ «وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ٱحْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».

خروج ١٦: ٣٥ وعدد ١٤: ٣٣ و٣٤ وتثنية ١: ٣١ ومزمور ٩٥: ٩ و١٠ وص ٧: ٣٦

في هذه الآية مختصر تاريخ التيه في البرية أربعين سنة وذلك من يوم خروجهم من مصر إلى يوم دخولهم أرض كنعان (خروج ١٦: ٣٥ وعدد ٣٣: ٣٨).

ٱحْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ أي تأنى عليهم وصبر وهم يتذمرون عليه ويعصونه.

١٩ «ثُمَّ أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ بِٱلْقُرْعَةِ».

تثنية ٧: ١ يشوع ١٤: ١ و٢ ومزمور ٧٨: ٥٥

في هذه الآية مختصر تاريخ الاستيلاء على أرض كنعان.

أَهْلَكَ شتت شملهم فلم يبقوا أمماً.

سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ الحثيين والجرجشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليابوسيين (تثنية ٧: ١ ويشوع ٣: ١٠ ونحميا ٩: ٨) وهؤلاء أعظم شعوب أرض الميعاد ونسبها إلى الكنعانيين لأنهم من أعظم أممها. ولعله أتى ذلك باعتبار معنى كنعان وهو الأرض المنخفضة بين الأردن والبحر تمييزاً لها عن الأرض المرتفعة عنها شرقي الأردن وهي تسمى آرام أي الأرض المرتفعة.

وَقَسَمَ… بِٱلْقُرْعَةِ أشار بهذا إلى عمل يشوع المذكور في ص ١٤ و١٥ من سفر يشوع.

٢٠ «وَبَعْدَ ذٰلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ ٱلنَّبِيّ».

قضاة ٢: ١٦ و١صموئيل ٣: ٢٠

في هذه الآية مختصر تاريخ القضاة.

نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً لم يكن من غرض بولس هنا أن يبيّن لهم عدد السنين التي كانت فيها القضاة إنما تكلم على وفق اعتقاد اليهود في عصره. والدليل على ذلك الاتفاق بين بولس وبين يوسيفوس المؤرخ الذي كتب تاريخه قرب عصر بولس فقال في الفصل ١١١ من الكتاب السابع من تاريخه أن سليمان ابتدأ يبني الهيكل في السنة الرابعة من ملكه وذلك سنة ٥٩٢ بعد الخروج من مصر. ولسنا مضطرين إلى أن نبيّن كيف اتصل يوسيفوس وبولس وسائر اليهود إلى ذلك ولكن نقول أنه على هذا الحساب تكون سنو التيه ٤ وسنو حكم يشوع ١٨ وحكم القضاة ٤٥٠ وسنو حكم صموئيل وشاول ٤٠ وسنو حكم داود ٤٠ وسنو جزء ملك سليمان ٤ فالمجموع ٥٩٢. والظاهر أنهم حسبوا سني استيلاء الأجانب عليهم مع سني القضاة لأنه كان ذلك في عصر القضاة. فإنهم بعد موت يشوع استولى عليهم كوشان رشعتايم ملك آرام النهرين ثماني سنين. ثم قضى فيهم عثنيئيل ٤٠ سنة. ثم استولى عليهم المؤابيون ١٨ سنة. ثم قضى فيهم أهود وشمجر ٨٠ سنة. ثم استولى عليهم يابين وسيسرا ٢٠ سنة ثم قضى فيهم دبورة وباراق ٤٠ سنة. ثم استولى عليهم المديانيون سبع سنين. ثم قضى فيهم جدعون ٤٠ سنة. ثم استولى عليهم بنو عمون ١٨ سنة. ثم قضى فيهم يفتاح ٦ سنين. وأبصان ٧ سنين. وأيلون ١٠ سنين. وعبدون ٨ سنين. ثم استولى عليهم الفلسطينيون ٤٠ سنة. ثم قضى فيهم شمشون ٢٠ سنة. وعالي الكاهن ٤٠ سنة. ومجموع ذلك ٤٥٠ سنة. منها مدة حكم القضاة ٣٣٩ سنة ومدة استيلاء الأجانب ١١١ سنة.

وما ذكرناه بيان لتوصلهم إلى ذلك العدد لا إثباتاً لصحة قولهم لأن بولس تكلم على ما ذهب إليه علماء عصره. ولا يخفى على القارئ أنه يصعب علينا اليوم أن نقف على تعيين سني التارخ اليهودي بالضبط والتفصيل لأنهم دلوا على العدد بالحروف لا بالأرقام وهي مما يكون بها الناسخ عرضة للغلط. ويتعذر علينا اليوم معرفة بداءة سني القضاة ونهايتها بمقتضى حساب بولس وعلماء عصره من اليهود. فالظاهر أنهما سلكوا طريقاً غير الطريق التي سلكها كاتب سفر الملوك الأول لأن ما جاء في (١ملوك ٦: ١) هو أنه من خروج بني إسرائيل من مصر إلى السنة الرابعة من ملك سليمان ٤٨٠ سنة.

وذهب البعض إلى أن قوله في «نحو أربع مئة وخمسين سنة» صلة «ذلك» لا متعلق «أعطاهم قضاة». و «ذلك» إشارة إلى الغربة وقسمة الأرض فيكون المعنى أنه بعد بداءة الغربة وقسمة الأرض في نحو أربع مئة وخمسين سنة أعطاهم قضاة. الخ وعلى ذلك فلا إشكال في الحساب.

٢١ «وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا مَلِكاً، فَأَعْطَاهُمُ ٱللّٰهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ، رَجُلاً مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، أَرْبَعِينَ سَنَةً».

١صموئيل ٨: ٥ و١٠: ١

طَلَبُوا مَلِكاً (انظر ١صموئيل ٨: ٥ و١٩). هذا والآية التالية مختصر تاريخ الملوك.

فَأَعْطَاهُمُ ٱللّٰهُ عن غير مسرّة (١ملوك ٨: ٧ و٨).

أَرْبَعِينَ سَنَةً لم يذكر العهد القديم ذلك ولكنه يوافق قول يوسيفوس أن شاول ملك ثماني عشرة سنة قبل وفاة صموئيل واثنتين وعشرين سنة بعدها.

٢٢ «ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً، ٱلَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً، إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، ٱلَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي».

١صموئيل ١٥: ٢٣ و٢٦ و٢٨ و١٦: ١ وهوشع ١٣: ١١ و١صموئيل ١٦: ١٣ و٢صموئيل ٢: ٤ و٥: ٣ مزمور ٨٩: ٢٠ و١صموئيل ١٣: ١٤ وص ٧: ٤٦

عَزَلَهُ كما ذُكر في (١صموئيل ١٥: ١١ و٢٣ و٣٥ و١٦: ١).

وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً أي عيّنه ومسحه كما ذُكر في (١صموئيل ١٦: ١ و ١٣) وهذا غير تتويجه المذكور في (٢صموئيل ٢: ٤).

ٱلَّذِي شَهِدَ لَهُ أراد بولس هنا مضمون ما قيل على داود في ثلاث عبارات:

  • الأولى: قوله «قَدِ ٱنْتَخَبَ ٱلرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ» (١صموئيل ١٣: ١٤).
  • الثانية: قوله «وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي» (مزمور ٨٩: ٢٠).
  • الثالثة: قوله «تَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى ٱلْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكاً… فَقَالَ ٱلرَّبُّ: قُمِ ٱمْسَحْهُ لأَنَّ هٰذَا هُوَ» (١صموئيل ١٦: ١ و١٢).

ٱلَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي أي يقوم بكل أوامري باعتبار كونه ملكاً على شعبي. خلافاً لما فعله شاول الذي عصى أوامر الله (١صموئيل ١٥: ١١ و٢٣). فليس المعنى أن داود لا يخطأ باعتبار كونه إنساناً. وما قيل هنا موافق لقول الله بفم أخيّا النبي ليربعام «لَمْ تَكُنْ كَعَبْدِي دَاوُدَ ٱلَّذِي حَفِظَ وَصَايَايَ وَٱلَّذِي سَارَ وَرَائِي بِكُلِّ قَلْبِهِ لِيَفْعَلَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فَقَطْ فِي عَيْنَيَّ» (١ملوك ١٤: ٨).

٢٣ «مِنْ نَسْلِ هٰذَا حَسَبَ ٱلْوَعْدِ أَقَامَ ٱللّٰهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصاً، يَسُوعَ».

إشعياء ١١: ١ ولوقا ١: ٣٢ و٦٩ وص ٢: ٣٠ ورومية ١: ٣ و٢صموئيل ٧: ١٢ ومزمور ١٣٢: ١١ متّى ١: ٢١ ورومية ١١: ٢٦

كل ما قيل قبل هذه الآية مقدمة للكلام هنا على المسيح الذي هو غاية كل مواعظ الرسل وهو تاج كل ما ذكره الرسول من نعم الله على بني إسرائيل (انظر شرح ص ٢: ٣٠).

مِنْ نَسْلِ هٰذَا حَسَبَ ٱلْوَعْدِ (٢صموئيل ٧: ١٢ و١٣ و١٦ انظر شرح ص ٢: ٣٠ وقابل هذا بما في مزمور ٨٩: ٣٦ و٣٧). قد تم ذلك بولادة يسوع من مريم التي هي نسل داود وهذا لا بد منه وإلا لم يكن يسوع هو المسيح (انظر شرح متّى ١: ١).

أَقَامَ ٱللّٰهُ لإِسْرَائِيلَ شعبه الخاص لأن المسيح أتى إلى اليهود أولاً.

مُخَلِّصاً يَسُوعَ فكان الاسم مطابقاً للمسمى كما أعلن في (متّى ١: ٢١). بعد أن صرّح بولس بكون يسوع ابن داود وأنه هو الموعود به وأن اسمه دليل على عمله أورد شهادة يوحنا المعمدان له الذي عرف الجميع أنه نبي عظيم (ع ٢٤ و٢٥). ثم دعا السامعين إلى الخلاص بذلك المخلص (ع ٢٦). ثم ذكر رفض اليهود إياه (ع ٢٧) وموته ودفنه وقيامته (ع ٢٨ – ٣١). ثم أبان أن كل هذه الامور أُنبئ بها قديماً وتمت بيسوع (ع ٣٢ – ٣٧) ثم دعاهم ثانية إلى الخلاص به (ع ٣٨ و٣٩). وحذرهم من الهلاك برفضهم إيّاه (ع ٤٠ و٤١).

٢٤ «إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ».

متّى ٣: ١ ولوقا ٣: ٣

إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا ذكر بولس مناداة يوحنا وشهادته ليسوع ولمعرفة أكثر اليهود إيّاه واعتقادهم أنه نبيٌ.

قَبْلَ مَجِيئِهِ أي قبل خدمته لا ولادته.

بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ أي المعمودية التي شرطها التوبة ومدلولها التطهير.

٢٥ «وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لٰكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي ٱلَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ».

متّى ٣: ١١ ومرقس ١: ٧ ولوقا ٣: ١٦ ويوحنا ١: ٢٠ و٢٧

سَعْيَهُ باعتبار أنه سابق المسيح ومهيء طريقه. والسعي هنا باعتبار الأصل اليوناني الجري في الميدان وهو مستعار للعمل المقتضي السرعة والاجتهاد وهذا معناه في قول بولس «جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ» (٢تيموثاوس ٤: ٧). ومعنى قوله «صار يوحنا يكمل سعيه» صار على وشك تكميل عمله.

يَقُولُ في أوقات مختلفة لا وقت واحد. والمنقول معناه لا لفظه (متّى ٣: ١١ ولوقا ٣: ١٥ و١٦ ويوحنا ١: ٢٠ و٢٧).

مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا هناك لام محذوف دلت عليه القرينة تقديره أتظنوني المسيح.

لَسْتُ مُسْتَحِقّاً الخ أراد بولس أنه إذا كان يوحنا النبي العظيم رأى أنه ليس بأهل لأن يكون خادما ليسوع كعبد فكم يكون سمو يسوع وعظمته.

٢٦ «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ، وَٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ ٱللّٰهَ، إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هٰذَا ٱلْخَلاَصِ».

متّى ١٠: ٦ ولوقا ٢٤: ٤٧ وص ٣: ٢٦ وع ٤٦

حثّ بولس هنا السامعين على أن يقبلوا الرب يسوع مسيحاً ومخلصاً.

أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ دعاهم إخوة إظهاراً للطفه وحبه ليميلوا إليه فيقبلوا كلامه.

بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ أي اليهود أصلاً. نسبهم إلى إبراهيم ليذكرهم ما وعده الله به ويرغبهم في الحصول على فوائد ذلك.

وَٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ ٱللّٰهَ أي الدخلاء المتّقين كما مر في تفسير (ع ١٦) وخاطبهم ليشتركوا في الخلاص الذي أتى به يسوع.

إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ الخ في مواعيد العهد القديم حسب قصد الله. والمراد بقوله «كلمة هذا الخلاص» بشارة الخلاص بيسوع المسيح. ومعنى الجملة أن البشارة ليست مقصورة على يهود اليهودية فهي لكم أيها الحاضرون من يهود وأمم. ورفض أولئك أن يسوع هو المسيح لا يلزم منه أنكم أنتم ترفضونه.

٢٧ «لأَنَّ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هٰذَا. وَأَقْوَالُ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا، إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ».

لوقا ٢٣: ٣٤ وص ٣: ١٧ و١كورنثوس ٢: ٨ ع ١٤ و١٥ وص ١٥: ٢١ لوقا ٢٤: ٢٠ و٤٤ وص ٢٦: ٢٢ و٢٨: ٢٣

لم يخف بولس رفض يهود أورشليم ورؤسائهم دعاوي يسوع خيفة أن يحملهم ذلك على أن يرفضوه هم أيضاً إذ اتخذ ذلك الرفض دليلاً على صحة تلك الدعاوي لأنه كان مما اقتضته النبوءات المتعلقة بالمسيح.

لأَنَّ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ أي عامة الشعب وخاصته جهلاءه وعلماءه.

لَمْ يَعْرِفُوا هٰذَا أي أن يسوع هو المسيح (١كورنثوس ٢: ٨) فإنهم ظنوه مجرد إنسان وأنه خادع (انظر شرح ص ٣: ١٧).

وَأَقْوَالُ ٱلأَنْبِيَاءِ أي ما أنبأوا به من أمور المسيح الآتي. لأنهم فهموا منها أن المسيح يكون ملكاً أرضياً مجيداً ظافراً وهذا مباين لتعليم الأنبياء فإنهم أبانوا أن المسيح يكون رجل الأوجاع ومختبراً الأحزان فقيراً مهاناً يتألم ويموت.

ٱلَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ في مجامعهم. فمن أعجب العجاب أن اليهود حتى علماءهم جهلوا حقيقة أحوال مسيحهم مع سمعهم يوماً فيوماً ما يتعلق به من أنباء الأنبياء الواضحة وهذا لا يتصور منهم ما لم تكن قلوبهم قد عميت بالكبرياء والتعصّب.

تَمَّمُوهَا إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ فإذاً حكمهم عليه لم يضعف دعواه بل قواها لأنه مما أنبأ به الأنبياء عينهِ.

٢٨ «وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ يُقْتَلَ».

متّى ٢٧: ٢٢ ومرقس ١٥: ١٣ و١٤ ولوقا ٢٣: ٢١ و٢٢ ويوحنا ١٩: ٦ و١٥ ص ٣: ١٣ و١٤

لَمْ يَجِدُوا مع طلبهم ذلك باجتهاد.

عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ أي توجب أمانته شرعاً وعدلاً كما يظهر من قول بيلاطس في (لوقا ٢٣: ٢٢). وشهادة الحاكم الذي حكم عليه بالقتل بأنه لم يجد فيه علة للموت تبطل كل قول بأنه مات بذنب. وأعداؤه الذين اتهموه بالتجديف لم يستطيعوا أن يثبتوا دعواهم ولا بشهود الزور (متّى ٢٦: ٦٠).

طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ الخ (متّى ٢٧: ١ و٢ ولوقا ٢٣: ٤ و٥).

٢٩ «وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ».

لوقا ١٨: ٣١ و٢٤: ٤٤ ويوحنا ١٩: ٢٨ و٣٠ و٣٦ و٣٧ متّى ٢٧: ٥٩ ومرقس ١٥: ٤٦ ولوقا ٢٣: ٥٣ ويوحنا ١٩: ٣٨

لَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ مثل تسليمه بخيانة واحد من تلاميذه وإهانته وجلده وإيلامه كما جاء في (مزمور ٢٢ وإشعياء ص ٥٣ وزكريا ١١: ١٢ و١٣ و١٢: ١٠ و١٣: ٧). فكل ما سعوا فيه مما يظهر أنه يلاشي يسوع ودعاويه معاً لم يكن إلا إنجازاً للنبوءات المتعلقة به وإثباتاً لدعواه واستعداداً لانتصاره وتمجده.

أَنْزَلُوهُ لم يقل بولس أن الذين قتلوه هم الذين أنزلوه ودفنوه بل نسب كل ما جرى على يسوع إلى يهود أورشليم ورؤسائهم فيوسف الرامي ونيقوديموس اللذين أنزلاه ودفناه (يوحنا ١٩: ٣٨ و٣٩) هما من اليهود ومن رؤسائهم وإن كانا من تلاميذ يسوع سراً. ويصح أن ننسب ذلك إلى الرؤساء لأنهم اشتركوا في ذلك بختمهم القبر ووضعهم الحراس عليه (متّى ٢٨: ٦٦).

ٱلْخَشَبَةِ سبق الكلام على استعمال هذه اللفظة بمعنى الصليب في شرح (ص ٥: ٣٠).

٣٠ «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ».

متّى ٢٨: ٦ وص ٢: ٢٤ و٣: ١٣ و١٥ و٢٦ و٥: ٣٠

انظر شرح (ص ٢: ٢٣ و٢٤) فإن ظن أحد أن موت يسوع ينافي دعواه أنه المسيح فما ذُكر في هذه الآية ينفي ذلك كل النفي لأن من رفضه الناس وقتلوه أقامه الله وأكرمه. وبذلك ثبتت كل أقواله في نفسه أنه المسيح ابن الله ومنها قوله «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ» (يوحنا ٢: ١٩). وقد جعل بولس قيامة المسيح أمراً مهماً في خطابه كسائر الرسل في خطبهم لأنه يتوقف عليها صحة الدين المسيحي كلها وكل رجاء الخاطئ للخلاص.

٣١ «وَظَهَرَ أَيَّاماً كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ٱلَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ ٱلشَّعْبِ».

متّى ٢٨: ١٦ وص ١: ٣ و١كورنثوس ١٥: ٥ الخ ص ١: ١١ ص ١: ٨ و٢: ٣٢ و٣: ١٥ و٥: ٣٢

لم تكن قيامته بلا برهان ولا مما يسلم بها تقليداً ممن لم يشاهدوا بل أثبت القيامة بشهادة الذين عاينوه حياً بعد الموت لا يوماً واحداً بل أياماً كثيرة. وأولئك الشهود لم يكونوا غرباء بل كانوا هم الذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم فعرفوه حسناً وتيّقنوا قيامته وكانوا حين هذا الكلام أحياء لم يستروا شهادتهم له بل كانوا «شهوده عند الشعب» المختارين.

أَيَّاماً كَثِيرَةً أي أربعين يوماً (ص ١: ٣ و١كورنثوس ١٥: ٣ – ٨).

لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ في سفره الأخير وهم الرسل وغيرهم وظهر أيضاً لأكثر من خمس مئة مثل هؤلاء (١كورنثوس ١٥: ٦).

٣٢ «وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِٱلْمَوْعِدِ ٱلَّذِي صَارَ لآبَائِنَا».

تكوين ٣: ١٥ و١٢: ٣ و٢٢: ١٨ وص ٢٦: ٦ ورومية ٤: ١٣ وغلاطية ٣: ١٦

معنى الآية أن الشهادة التي أداها رفقاء المسيح في اليهودية يؤديها بولس وبرنابا في أنطاكية لا كخبر تاريخي بل كخبر يسرهم. وذلك الخبر ليس بأمر حديث غريب إنما هو إنجاز وعد متوقع بشوق على توالي العصور لأنه وعد للآباء ومن بعدهم من أولادهم. والموعود به هو المسيح.

٣٣ «إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَكْمَلَ هٰذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي ٱلْمَزْمُورِ ٱلثَّانِي: أَنْتَ ٱبْنِي أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ».

مزمور ٢: ٧ وعبرانيين ١: ٥ و٥: ٥

نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ طبيعين وروحيين.

إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ أي أرسله إلى العالم متجسداً. فمعنى «أقام» هنا ليس كمعنى أقام في الآية الآتية فميّز فيها عن الأول بقوله «من الأموات».

فِي ٱلْمَزْمُورِ ٱلثَّانِي تعيين عدد ما اقتبس منه هو على خلاف عادة كتبة أسفار الوحي. وعلة يسوع أنه المسيح. وما أورده بولس هنا هو من جملة المواعيد الكثيرة في كتب الأنبياء. وفي هذا المزمور صرح الله بشرائع ملكوت المسيح وبالنسبة القربى بينه وبين المسيح.

أَنْتَ ٱبْنِي الخ كان المسيح ابن الله منذ الأزل وأعلن الآب ذلك عند إرساله إياه إلى العالم كما هنا. وأعلنه ثانية بإقامته أياه من الأموات كما في (رومية ١: ٤). وقصد «باليوم» هنا وقت القضاء بإرسال المسيح فكأنه تعالى قال أنا الذي ولدتك منذ الأزل أعلن اليوم أني أبٌ لك.

٣٤ «إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ، فَهٰكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ ٱلصَّادِقَةَ».

إشعياء ٥٥: ٣

أراد بولس بيان أن وعد الله بأنه يقيم المسيح لم يكن مقصوراً على ما جاء في المزمور الثاني من إرساله إلى العالم بل كان يتضمن إقامته من الأموات أيضاً كما ذُكر في (إشعياء ٥٥: ٣).

غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ إراد بولس «بالفساد» هنا الموت (لأنه يعقبه الفساد عادة) وإلا لم يستقم المعنى لأن جسد المسيح لم ير فساداً كما تبيّن في الآية الآتية.

فَهٰكَذَا قَالَ الخ اقتبس بولس هنا من ترجمة السبعين والمقتبس يختلف عما في الأصل العبراني بلفظة واحدة دون الاختلاف في المعنى ومضمون ذلك أن قيامة المسيح انتصار على الموت كامل أبديٌ. فإن قيامته لم تكن كقيامة لعازر أو ابن الأرملة في نايين أو ابنة يايرس فإنهم ماتوا ثانية ولكن المسيح قام ليحيا إلى الأبد. ومعنى «الأقداس» هنا مراحم (لأن المراحم تختص بالله وكل مختصات الله تسمى أقداساً) وُعد بها داود كما في الأصل العبراني وهي مذكورة في (٢صموئيل ٧: ٨ – ١٦ و١أيام ١٧: ١١ – ١٤ ومزمور ٨٩: ١ و٥ و١٣٣: ١١ و١٢). ومعظم تلك الأقداس الموعود بها أن الله يقيم لداود خليفة من أولاده يحيا ويدوم ملكه إلى الأبد. وهذا الوعد قد أُنجز بالمسيح (قابل هذا بما في إشعياء ٩: ٦ و٧ ولوقا ٩: ٣٢ و٣٣) وإنجازه يلزم منه أن لا يموت ثانية بل يبقى بعد قيامته حياً إلى الأبد. وصرّح بولس بوجوب هذا الأمر في (رومية ٦: ٩ قابل هذا بما في رؤيا ١: ١٨).

٣٥ «وَلِذٰلِكَ قَالَ أَيْضاً فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً».

مزمور ١٦: ١٠ وص ٢: ٢١

فِي مَزْمُورٍ آخَرَ أي المزمور السادس عشر (انظر الآية العاشرة منه).

لِذٰلِكَ أي يلزم من مراحم الله الصادقة أن المسيح بعد ما قام من الموت مرة لا يسود عليه الموت بعد.

لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً وجوب أن لا ينحلّ جسد المسيح موضوع نبوءة ووعد لا نتيجة عقلية فقط فاقتبس بولس دليلاً على ذلك العبارة عينها التي اقتبسها بطرس وفسّرها في وعظه يوم الخمسين وقال هو من المحال أن يصدق ما قيل في هذا المزمور على داود وصرح بأنه يصدق على المسيح.

٣٦، ٣٧ «٣٦ لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ رَقَدَ وَٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَاداً. ٣٧ وَأَمَّا ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ فَلَمْ يَرَ فَسَاداً».

مزمور ٧٨: ٧٢ وع ٢٢ و١ملوك ٢: ١٠ وص ٢: ٢٩

وصف بولس داود هنا بأنه كان خادماً لله وللناس مدة الحياة ولكنه اضطجع مع آبائه منذ عدة عصور وخضع لسلطان الفساد فلذلك لا يصدق عليه ما قيل في الآية العاشرة من المزمور السادس عشر فهو ليس موضوعها. وأما يسوع الذي أقامه الله قبل بداءة انحلال جسده فهو لم يخضع لسلطان الفساد فثبت أنه هو المسيح وقد أوضحنا ذلك في شرح (ص ٢: ٣٢).

خَدَمَ جِيلَهُ أي قام بواجباته لأهل عصره فخدمهم بكتابته المزامير وبانتصاراته في الحروب وبسياسته وقضائه بالعدل.

بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ متعلق بخدم أي أنه قام بالواجبات بمقضتى إرادة الله وإرشاده.

رَقَدَ أي مات كما قيل في (١ملوك ٢: ١٠) ويستعار الرقاد في الكتاب المقدس لموت الصالحين (انظر شرح ص ٧: ٦٠).

وَٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ أي اجتمع بهم إما باجتماع جسده بأجسادهم في المدفن أو باجتماع روحه بأرواحهم في عالم الأرواح.

رَأَى فَسَاداً أي اعترى جسده الانحلال بأن رجع إلى التراب الذي أُخذ منه.

٣٨ «فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهٰذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا».

إرميا ٣١: ٣٤ ودانيال ٩: ٢٤ ولوقا ٢٤: ٤٧ و١يوحنا ٢: ٢١

بعدما أوضح بولس أن كل النبوءات المتعلقة بالمسيح التي ذُكرت في مزامير داود ونبوءة إشعياء قد أُنجزت بيسوع الذي مات وقام زاد على ذلك قولاً ذا شأن وهو أن البركتين العظيمتين المغفرة والتبرير وُعد الناس بنوالهما بواسطة المسيح فيسوع هو مصدرهما الوحيد الآن ويحصل عليهما الذين قبلوه رباً ومسيحاً. وأعلن بولس ذلك لهم لا مجرد خبر بل دعوة إلى أن يؤمنوا به ويقبلوه غافراً ومبرراً.

فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً هذا مقدمة وتنبيه على أمر ذي شأن غفل عنه السامعون واستعمله لمثل هذا بطرس في وعظه يوم الخمسين (ص ٢: ١٤) وفي نسبته شفاء المقعد إلى اسم يسوع (ص ٤: ١٠). والفاء الداخلة على ليكن تفيد أن ما جاء هنا نتيجة كل ما سبق.

عِنْدَكُمْ لأنكم مفتقرون إلى المغفرة والتبرير كل الافتقار ولكم البشارة بالحصول عليهما بيسوع المسيح.

أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ هذا تكرير لقوله في (ع ٢٦) أتاه إظهاراً لإكرامه إيّاهم ومحبته لهم.

بِهٰذَا أي بالذي قتله يهود أورشليم وبرهنت لكم أنه هو المسيح الموعود به.

بِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا (انظر شرح ص ٢: ٣٨ و٥: ٣١ و١٠: ٤٣).

٣٩ «وَبِهٰذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى».

إشعياء ٥٣: ١١ ورومية ٣: ٢٨ و٨: ٣ وعبرانيين ٧: ١٩

صرح بولس في هذه الآية بالقانون العظيم وهو أن التبرير بالإيمان. وهذا القانون أحبه بولس وكتب فيه في كل رسائله ولا سيما رسالته إلى أهل رومية وأهل غلاطية. والتبرير أعظم من الغفران فإن الغفران ينقذنا من العقاب ولكن التبرير ينقذنا من الإثم نفسه فالمتبرر بمنزلة البريء. وكان الناموس عاجزاً عن أن يبرر.

بِهٰذَا أي بطاعة يسوع عن الخاطئ وبموته عنه. وهنا قابل الرسول المسيح بناموس موسى.

يَتَبَرَّرُ أي أن الله يحسبه باراً ويعامله على وفق ذلك الحسبان.

كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ الشرط الوحيد للتبرير هو الإيمان بيسوع مخلصاً. وكذا قال بطرس في خطابه لكرنيليوس وأصدقائه في (ص ١٠: ٤٣).

مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ هذا متعلق بقوله يتبرر ومعناه كل خطايا الإنسان إلى الله وإلى الناس ظاهراً وباطناً.

بِنَامُوسِ مُوسَى هذا الناموس قاصر عن كل تبرير إنما هو يُري الإنسان ما يجب عليه ويعد من يحفظه بالثواب ويهدد مخالفه بالعقاب لكنه لا يستطيع أن يبرّر من أقل التعديات أو النقائص. أما يسوع فحمل كل خطايا العالم وهو على الصليب وبره كافٍ لستر كل الآثام.

٤٠ «فَٱنْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي ٱلأَنْبِيَاءِ».

إشعياء ٢٩: ١٤ وحبقوق ١: ٥

فَٱنْظُرُوا هذا تنبيه على الخطر. وكثيراً ما يقترن في الكتاب المقدس الوعد بالوعيد. والفاء هنا للتعليل والمعنى أنه بناء على إتيان المسيح ورفضه في أورشليم وإمكان أنكم تخطأون خطاء أولئك وجب أن تنتبهوا وتحذورا من الخطيئة والخطر.

يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ العقاب الإلهي.

فِي ٱلأَنْبِيَاءِ أراد بالأنبياء هنا قسماً من الكتاب المقدس سبق الكلام عليه في شرح (ع ١٥ وص ٧: ٤٢). حذرهم الرسول من أن يجلبوا على أنفسهم بعدم إيمانهم الويلات التي أنذر الأنبياء الأشرار بها.

٤١ «اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلْمُتَهَاوِنُونَ وَتَعَجَّبُوا وَٱهْلِكُوا، لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ، عَمَلاً لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ».

المقتبس هنا من ترجمة السبعين وهو الآية الخامسة من الأصحاح الأول من نبوءة حبقوق. تنبأ به هذا النبي بما سيأتي على يهود عصره من العقاب بواسطة الكلدانيين على عدم إيمانهم وقساوتهم. وكان ذلك العقاب شديداً هائلاً وقع عليهم يوم أتى نبوخذ نصر وجنوده وهدم هيكلهم ومدينتهم وسبى الشعب إلى بابل. وحذرهم بولس من أن يُعرضوا أنفسهم لمثل ذلك العقاب برفضهم المسيح وخلاصه.

ومن الذين حضروا خطاب بولس يومئذ وسمعوا إنذاره ورفضوا يسوع وفداءه قوم اختبروا هول مثل ذلك العقاب من الرومانيين بعد نحو عشرين سنة من ذلك إذ أتى الرومانيون أورشليم بجنوده وهدموا مدينتهم وأحرقوا هيكلهم وقتلوا كثيرين من اليهود وباعوا الباقين عبيداً.

نجاح كلمة الرب في أنطاكية بيسيدية وطرد الرسولين منها ع ٤٢ إلى ٥٢

٤٢ «وَبَعْدَمَا خَرَجَ ٱلْيَهُودُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَعَلَ ٱلأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ فِي ٱلسَّبْتِ ٱلْقَادِمِ».

جوهر هذه الآية أن الرسولين دُعيا إلى المجمع للوعظ في السبت القادم. وقرئ في بعض النسخ «بعدما خرجا جعلوا يطلبون إليهما الخ».

ٱلْكَلاَمِ التعليم الجديد المتعلق بيسوع (انظر شرح ص ٥: ٢٠).

٤٣ «وَلَمَّا ٱنْفَضَّتِ ٱلْجَمَاعَةُ، تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلدُّخَلاَءِ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا، ٱللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ ٱللّٰهِ».

ص ١١: ٢٣ و١٤: ٢٢ وتيطس ٢: ١١ وعبرانيين ١٢: ١٥ و١بطرس ٥: ١٢

تفيدنا هذه الآية أنه فضلاً عن دعوة الرسولين إلى التبشير في السبت القادم تبعهما جمهور من الحاضرين من اليهود والدخلاء الذين أثر فيهم كلامهما إلى مبيتهما ليظهروا مسرتهم بما سمعوا منهما وليستفيدوا أيضاً من تعليمهما.

أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ ٱللّٰهِ هذا ما اقتصر الكاتب على ذكره من تعليم الرسولين ونصحهما. وهو معنى كلام برنابا الذي خاطب به المسيحيين في أنطاكية سورية يوم أتى إليها من أورشليم (ص ١١: ٢٣). والمراد بهذه النصيحة أن يواظبوا على الرغبة في معرفة الحق أي جديد الإعلان برحمة الله التي بيسوع المسيح وأن لا يرجعوا إلى الاتكال على التبرير بأعمال الناموس.

والأرجح أن الرسولين كانا يعملان بين السبتين بأيديهما ليحصلا على وسائط المعاش بدليل ما قيل في (١كورنثوس ٩: ٦). وأن كثيرين من الناس كانوا يأتون إليهما كل يوم للبحث عن أمور ذلك الدين الجديد.

٤٤ «وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱلتَّالِي ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ ٱلْمَدِينَةِ تَقْرِيباً لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ».

ما ذُكر هنا نتيجة الوعظ في السبت الماضي وتأمل الناس بين السبتين في ما سمعوه وقتئذ ومحاورة بعضهم لبعض وللرسل أيضاً فيه وتأثير الروح القدس فوق كل ذلك. ولم يذكر لوقا محل الاجتماع ولكن المرجح أنه المجمع. ولم يذكر أن الرسولين فعلا شيئاً من المعجزات أرغب الناس في الاجتماع لمشاهدته. فكان كل ذلك من رغبتهم في سمع التعليم. وفي هذا دليل واضح على أنه قد أتى الوقت الذي عيّنه الله لدعوة الأمم إلى الخلاص.

٤٥ «فَلَمَّا رَأَى ٱلْيَهُودُ ٱلْجُمُوعَ ٱمْتَلأُوا غَيْرَةً، وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ».

ص ١٨: ٦ و١بطرس ٤: ٤ ويهوذا ١٠

لم يظهر مما قيل هنا قبول اليهود أو رفضهم التعليم الجديد لو قُصر عليهم ولم يُبشر به الأمم. ولم يذكر الكاتب علة لمقاومتهم غير مشاهدتهم الوثنيين آتين أفواجاً إلى الرسولين بغية أن يسمعوا تعليمهما. ولا بد من أن ذلك المشهد أبهج قلبَي الرسولين وقلوب كل محبي الحق.

ٱلْجُمُوعَ التي أكثرها من الأمم الوثنية.

ٱمْتَلأُوا غَيْرَةً من الكبرياء والتعصب. والذي هيّج حسدهم أن الديّانة المسيحية الجديدة حصلت على اعتبار لم تحصل عليه قط الديانة اليهودية القديمة وإن وعظ ذينك المعلمين يوماً واحداً أثّر في الأمم تأثيراً لم يكن لتعليم رؤساء اليهود مدة حياتهم كلها وخافوا أنه إن بقيت الحال كذلك لا يبقى شيءٌ من الاعتبار للدين اليهودي ولا لهم باعتبار كونهم رؤساء. وفوق ذلك كله لم يستطيعوا أن يسلّموا بأن يكون الأمم مساوين لهم في بركات مجيء المسيح التي كانوا يحسبونها أبداً مقصورة على اليهود ولذلك اتقدت نيران الحسد في كل قلوبهم حين شاهدوا أولئك الغلف يدخلون مجمعهم أفواجاً وينجسونها بحضورهم على ما يعتقدون.

يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ بقولهم أن يسوع ليس هو المسيح الموعود به وأن أقوال الأنبياء لا تدل على أن المسيح الموعود به يكون مهاناً يتألم ويموت فلذلك لا تصدق على يسوع البتة.

وَمُجَدِّفِينَ ناسبين الخداع إلى يسوع وهازئين بالرسولين وتعليمهما طاعنين في صفاتهما وأقوالهما. وكان ذلك كله داخل المجمع ولا بد من أن يكون قد نشأ عن ذلك لغطٌ وضجيج.

٤٦ «فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالاَ: كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، وَلٰكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى ٱلأُمَمِ».

متّى ١٠: ٦ وص ٣: ٢٦ وع ٢٦ ورومية ١: ١٦ خروج ٣٢: ١٩ وتثنية ٣٢: ٢١ وإشعياء ٥٥: ٥ ومتّى ٢١: ٤٣ ورومية ١٠: ١٩ ص ١٨: ٦ و٢٨: ٢٨

فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا أي أظهرا بكلامهما كل الجراءة غير مبالين بصراخ الرؤساء الذين كانت غايتهم منه تخويفهما وتسكيتهما.

كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بمقتضى أمر المسيح (لوقا ٢٤: ٤٧ وأعمال ١: ٨ ورومية ١: ١٦) ومقاصد الله. فالمسيح لم يقصد أن يقصر الإنجيل عليهم ولا أذن فقط في تبشير الأمم بعد رفض اليهود البشارة أو لذلك الرفض. ولكنه قصد منذ البدء أن يبشر اليهود أولاً ثم اليوناني. وقصد أيضاً أن يجعل اليهود وسيلة إلى بث البشرى بين الأمم على وفق الوعد لإبراهيم في قوله تعالى «يَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ» (تكوين ٢٢: ١٩) لكن لما رفض اليهود الإنجيل أُرسل إلى الأمم رأساً.

دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ فأنتم الجانون على أنفسكم فسوء العاقبة ليس منا بل منكم.

ِوَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّة هذا ما دلت عليه أعمالهم وهم يرفضون بشرى الخلاص وإن كانوا لم يروا عدم استحقاقهم. ولعل الرسولين أولاً ظناهم مستحقين أعظم البركات والحياة الأبدية ولذلك عرضوها عليهم بيسوع المسيح ولكنهم لكبريائهم وحسدهم رفضوا المسيح وحكموا على أنفسهم غير ما حكم الرسولان عليها. فإن قيل ما الذي يجعل الخاطئ مستحقاً للحياة الأبدية فالجواب في هذه الآية وهو الإرادة أن يقبلها بواسطة المسيح. وإن قيل ما الذي يجعل الخاطئ غير مستحق للحياة الأبدية فالجواب عدم تلك الإرادة لا كثرة ما ارتكب من الذنوب ولا فظاعة آثامه.

هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى ٱلأُمَمِ أي نعرض عليهم بشرى الخلاص. وعلة هذا مناقضتهم وتجديفهم (ع ٤٥). إن بولس لم ير سبيلاً إلى رجاء أن يغيّر أفكارهم ببراهينه لأنهم أوصدوا أبواب قلوبهم دون كل دليل وهزئوا بكل ما قاله. ولا يلزم من قوله «هوذا نتوجه إلى الأمم» أنه لا يبشر بعد ذلك أحداً من اليهود وأنه يقصر كل وعظه على الأمم لكنه قصد أن لا يتكلم أيضاً في ذلك المجمع. وما قاله بولس هنا على وفق قول المسيح له في هيكل أورشليم وهو في غيبة «ٱذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى ٱلأُمَمِ بَعِيداً» (ص ٢٢: ٢١).

٤٧ «لأَنْ هٰكَذَا أَوْصَانَا ٱلرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ».

إشعياء ٤٢: ٦ و٤٩: ٦ ولوقا ٢: ٣٢

استشهد الرسول آية من كتاب الله ليبرز نفسه في ما فعله وتلك الآية هي الآية السادسة من الأصحاح التاسع والأربعين من نبوءة إشعياء والقائل الله والمقول له المسيح.

نُوراً (يوحنا ١: ٤).

لِلأُمَمِ (إشعياء ٤٣: ١ و٥٤: ٣ و٦٠: ٣ و٥ و١٦ و٦١: ٦ و٩ و٦٢: ٢ و٦٦: ١٢ قابل هذا بما في رومية ١٥: ٩ – ١٢).

٤٨ «فَلَمَّا سَمِعَ ٱلأُمَمُ ذٰلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ، وَآمَنَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ».

ص ٢: ٤٧

ٱلأُمَمُ ذٰلِكَ أي أن يُبشروا بالإنجيل على رغم اليهود وأنهم يستطيعون أن يخلصوا من دون أن يخضعوا للرسوم اليهودية.

وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ المقصود بكلمة الرب هنا المناداة بالخلاص بالإيمان بيسوع المسيح ومجدوها بأن اعتبروها من الله وبأن قبلوها وسبحوا الله من أجلها.

وَآمَنَ… ٱلَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ لنا من هذا أربعة أمور:

  • الأول: أنه وإن كان كثيرون من أهل أنطاكية رفضوا المسيح آمن بعضهم به.
  • الثاني: أن الله الذي أعدّ الخلاص أعدّ قلوب بعض أهل تلك المدينة لقبوله بفعل روحه القدوس كما هو مُبيّن في (تيطس ٣: ٥ و٦ ويوحنا ١: ١٣ و٦: ٣٧ و٤٤) ولم يقصر أحد من هذا البعض عنه.
  • الثالث: أن أولئك الذين آمنوا وإن كانوا معيّنين للحياة لم يفتروا عن استعمال الوسائط المعيّنة للخلاص إذ قيل أنهم آمنوا.
  • الرابع: أن سبب كون الآخرين لم ينالوا الخلاص أنهم رفضوه اختياراً بعدما عُرض عليهم ولا سبب آخر لذلك فهم «حكموا أنهم غير مستحقين للحياة الأبدية» (ع ٤٦) لأن الله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تيموثاوس ٢: ٤).

٤٩ «وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ».

فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ أي في ما حول أنطاكية من آسيا الصغرى وكان انتشار الإنجيل هنالك على رغم رؤساء اليهود بعد كل مقاومتهم ولم ينتشر إلا ببذل الرسولين كل الجهد وبفعل الروح القدس معهما.

٥٠ «وَلٰكِنَّ ٱلْيَهُودَ حَرَّكُوا ٱلنِّسَاءَ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ ٱلشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا ٱضْطِهَاداً عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ».

٢تيموثاوس ٣: ١١

حَرَّكُوا بتحريف أقوال الرسولين وتهييج روح التعصّب اليهودي.

ٱلنِّسَاءَ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ ٱلشَّرِيفَاتِ كانت هؤلاء النساء وثنية الأصل آمنّ بالإله الحق وتهوّدن. قال يوسيفوس المؤرخ أن عدد الوثنيات اللواتي رفضن الديانة الوثنية واخترن الدين اليهودي في ذلك العصر كان وافراً جداً.

وَوُجُوهَ ٱلْمَدِينَةِ أي الحكام وهم بالضرورة وثنيون لأن المدينة كانت يومئذ رومانية ولعلهم أقرباء أولئك النساء الشريفات فتحرّكوا بتحركهن وإلا فاليهود حركوهم بالرشوة وبما اختلفوا على الرسولين من التهم الباطلة كقولهم بأنهما يعلمان البدع القبيحة ويهيجان الفتن.

وَأَثَارُوا… وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ إجباراً وإهانة. ونستدل على شدة هذا الاضطهاد بأن بولس أشار إليه في رسالته إلى تيموثاوس التي كتبها في آخر حياته بعد سنين كثيرة (٢تيموثاوس ٣: ١١).

٥١ «أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ، وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ».

متّى ١٠: ١٤ ومرقس ٦: ١١ ولوقا ٩: ٥ وص ١٨: ٦

فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا أتيا ذلك علامة أنهما لم يريدا أدنى علاقة بينهما وبين أهل المكان حتى لم يريدا أن يبقيا غبار أرضهم على أحذيتهما وأتيا ذلك على وفق أمر المسيح (متّى ١٠: ١٤ ومرقس ٦: ١١ ولوقا ٩: ٥ و١٠ و١١).

عَلَيْهِمْ أي شهادة عليهم كما في (لوقا ٩: ٥).

وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ هي مدينة في آسيا الصغرى على غاية خسمين ميلاً في الجنوب الشرقي من أنطاكية بيسيدية واسمها اليوم قونية وهي لا تزال مدينة كبيرة ذات أسوار محيطها نحو ميلين.

٥٢ «وَأَمَّا ٱلتَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ ٱلْفَرَحِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

متّى ٥: ١٢ ويوحنا ١٦: ٢٢ وص ٢: ٤٦

ٱلتَّلاَمِيذُ أي اليهود والأمم الذين تنصروا في أنطاكية بيسيدية.

يَمْتَلِئُونَ مِنَ ٱلْفَرَحِ مع كثرة ما يوجب الحزن من اضطهاد رؤساء اليهود ووجوه المدينة وطرد مرشديهم الرسولين مع شدة افتقارهم إلى تعليمهما.

وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ هذا علة فرحهم وثبوتهم وتقدمهم بعد ترك مرشديهم إيّاهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى