أعمال الرسل

أعمال الرسل | 03 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر أعمال الرسل 

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث

إبراء الأعرج ع ١ إلى ١٠

١ «وَصَعِدَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مَعاً إِلَى ٱلْهَيْكَلِ فِي سَاعَةِ ٱلصَّلاَةِ ٱلتَّاسِعَة».

ص ٢: ٤٦ مزمور ٥٥: ١٧ وص ٢: ١٥ و١٠: ٣

قيل في (ص ٢: ٤٣) «وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ» واختار كاتب هذه السفر واحدة منها وذكرها بالتفصيل لأنها كانت وسيلة إلى وعظ بطرس اليهود ثانية.

وَصَعِدَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مَعاً كان بين هذين التلميذين ألفة قوية منذ أول تاريخهما فإن يوحنا مع أندراوس أنبأ بطرس بالمسيح وهما شريكان في الصيد (يوحنا ١: ٤١) ودُعيا إلى الرسولية معاً (لوقا ٥: ١٠) وذهبا معاً لتهيئة الفصح الأخير (لوقا ٢٢: ٨) وأدخل يوحنا بطرس إلى دار رئيس الكهنة (يوحنا ١٨: ١٦) وذهبا معاً إلى القبر (يوحنا ٢٠: ٦) ولما أنبأ يسوع بطرس بمستقبله سأله في الحال عن مستقبل يوحنا وكان معه (يوحنا ٢١: ٢١) وذهبا معاً إلى السامرة للتبشير (ص ٨: ١٤).

إِلَى ٱلْهَيْكَلِ جاء في خاتمة بشارة لوقا أن الرسل بعد صعود المسيح كانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله وجاء في (ص ٢: ٤٦) أن المؤمنين «كانوا كل يوم يواظبون في الهيكل» وهذا دليل أن المسيحيين في أول أمرهم كانوا يذهبون مع سائر اليهود إلى الهيكل للعبادة ولم يهملوا الطقوس اليهودية إلا على توالي الأيام ولم يتركوها كل الترك إلا بعد أن هُدم الهيكل وبطلت بالضرورة الذبائح اليهودية وما يتعلق بها من الرسوم. ولم يكونوا يحسبون الذبائح التي تقدم فيه ذات فاعلية ترفع الخطيئة بل كانوا يحسبونها إشارة إلى الذبيحة الواحدة الكاملة التي قدمها المسيح على الصليب.

فِي سَاعَةِ ٱلصَّلاَةِ ٱلتَّاسِعَةِ أي وقت تقديم الذبيحة المسائية كما عيّن موسى فأحب اليهود أن يجعلوا وقتها وقتاً للصلاة أيضاً (عدد ٢٨: ٤ و٨).

٢ «وَكَانَ رَجُلٌ أَعْرَجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يُحْمَلُ، كَانُوا يَضَعُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بَابِ ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْجَمِيلُ لِيَسْأَلَ صَدَقَةً مِنَ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ ٱلْهَيْكَلَ».

ص ١٤: ٨ يوحنا ٩: ٨

ِأَعْرَجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّه ذكر ذلك بياناً أن علته ليست بمرض عرضي إنما هي داء خلقي لا تستطيع المعالجة البشرية إبراءه. فشفاء مثل ذلك رحمة أعظم من شفاء مصاب حديث ومعجزة بيّنة يستحيل أن تكون خداعاً وهي تشبه شفاء المسيح للمقعد عند بركة بيت حسدا إذ كان ذلك مصاباً منذ ثمان وثلاثين سنة (يوحنا ٥: ٥) وهذا منذ أربعين سنة منذ ميلاده (ص ٤: ٢٢).

يُحْمَلُ فإذاً كان عاجزاً عن المشي.

كَانُوا يَضَعُونَهُ… عِنْدَ بَابِ ٱلْهَيْكَلِ كانت العادة قديماً أن يتسول الفقراء عند باب الهياكل الوثنية كما يتسول أمثالهم عند باب هيكل إسرائيل إذ لم يكن يومئذ مستشفيات للمرضى ولا متصدقات للبائسين فكانوا مفتقرين إلى صدقات الأغنياء ولذلك قصدوا المحل الذي يُشاهدون فيه كثيراً وكانوا يقصدون أيضاً أبواب بيوت الأغنياء (لوقا ١٦: ٢٠) وجوانب الشوارع (مرقس ١٠: ٤٦ ولوقا ١٨: ٣٥ ويوحنا ٩: ١ – ٨).

ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْجَمِيلُ هيرودس الكبير الذي كان ملك اليهود في وقت ميلاد المسيح أصلح الهيكل وزيّنه حتى صار من أجمل أبنية العالم لأنه كان مبنياً من الرخام الأبيض وعليه كثير من صفائح الذهب (انظر شرح متّى ٢١: ١٢). ولم نتحقق أي الأبواب التسعة التي كانت للهيكل ذلك الباب المرجح أنه الباب الذي بين دار النساء ودار الأمم وهو على جانب الهيكل الشرقي تجاه وادي قدرون وهو أجمل جميع أبواب الهيكل وأكثر من سائرها داخلين ولذلك قصده المتسولون. قال يوسيفوس أن ذلك الباب كان مصنوعاً من النحاس الكورنثوسي مغشى بصفائح الذهب والفضة وعلوه خمسون ذراعاً وعرضه أربعون ذراعاً وكان يشغل فتحه وإغلاقه خمسة وعشرين رجلاً.

٣ «فَهٰذَا لَمَّا رَأَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا مُزْمِعَيْنِ أَنْ يَدْخُلاَ ٱلْهَيْكَلَ، سَأَلَ لِيَأْخُذَ صَدَقَة».

طلب المصاب من الرسولين كما يطلبه من غيرهما فلا دليل أنه عرفهما وتوقع منهما الشفاء.

٤ «فَتَفَرَّسَ فِيهِ بُطْرُسُ مَعَ يُوحَنَّا وَقَالَ: ٱنْظُرْ إِلَيْنَا!».

لا ريب في أن روح الله ألهمهما أن يفعلا ما فعلاه حينئذ تثبيتاً للتعليم الذي بشرا به ولعلهما رأيا شيئاً من إمارات وجهه تدل على أنه أهل لأن يكون موضوع المعجزة فغايتهما من كلامهما له أن يوجّها أفكاره إليهما ويحققا له شفقتهما عليه وإرادتهما أن يسعفاه وينشئا في قلبه أمل إحسانهما إليه ويبيّنا له أن ما سيناله من الشفاء منهما.

٥ «فَلاَحَظَهُمَا مُنْتَظِراً أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئا».

هو توقع شيئاً من النقود. ووقوفهما أمامه ومخاطبتهما إياه أنهضا آماله.

٦ «فَقَالَ بُطْرُسُ: لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلٰكِنِ ٱلَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ قُمْ وَٱمْشِ».

ص ٤: ١٠

لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ لا ريب في أن هذا أوقعه في اليأس منهما لأنه أي نفع يتوقع السائل من مفلس. لكن بطرس أراد أن يبيّن له أنه أراد أن يهبه مالاً لو استطاع وأنه لم يمنعه من ذلك سوى العُدم. ويظهر من قول بطرس هنا أن الرسل لم يتخذوا عمل المعجزات وسيلة إلى جمع المال لكنهم جروا على سنن قوله تعالى «مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا» وديانة المسيح لا تعطي تابعيها فضة أو ذهباً بل تهب لهم ما هو خير من ذلك وهو المواهب الروحية كشفاء النفس من داء الإثم والعجز الناشئ عنه.

ٱلَّذِي لِي لم يقصد أن قوة الشفاء ذاتية فيه بل أنه أودعها وأُوتمن عليها بدليل قوله ما معناه أن مصدر البرء يسوع المسيح.

بِٱسْمِ يَسُوعَ أي بسلطانه (مرقس ١٦: ١٧ و١٨). وعلينا هنا أن نلتفت إلى الفرق بين المسيح والرسل في عمل المعجزات فإنهم أتوها باسم غيرهم وأما يسوع ففعلها بقوة نفسه بدليل قوله للمفلوج: «لك أقول لك قم الخ» (لوقا ٥: ٢٤).

ٱلنَّاصِرِيِّ نُعت بذلك تمييزاً عمن شاركوه في اسمه كما مر في (ص ٢: ٢٢) وهو ما عُرف واشتهر به وكان عنوان صليبه «يسوع الناصري إلخ» فما قصد الناس به الإهانة جعله الله اسماً مكرماً. ولا ريب في أن هذا الأعرج كان قد سمع أنباء يسوع ولعله شاهده أحياناً يدخل الهيكل وهو جالس هناك يتسوّل.

قُمْ وَٱمْشِ أبان بطرس أنه لا يريد أن يشفيه ما لم يُرد الشفاء ويعمل ما يستطيعه وكان لا بد له من إيمان قوي ليعزم على القيام ويبذل جهده فيه طوعاً لأمر الرسول. وكذلك من يريد اليوم خلاص نفسه ولا بد له من مثل ذلك الإيمان والعزم والبشر عاجزون عن خلاص أنفسهم ولكن الله لا يخلصهم ما لم «يريدوا ويجتهدوا» (فيلبي ٢: ١٢ و١٣). في هذا العالم كثيرون من المحتاجين واحتياجاتهم مختلفة فإن لم يكن لنا فضة أو ذهب لم ترتفع المسؤولية عنا إذ يلزم أن نعطي مما لنا مثل إظهار مشاركتنا لهم في المصاب ومنحهم النصائح وتعليمهم الروحيات وأقل ما يمكننا هو أن نتكلم معهم ببشاشة أو بكلمة لطيفة ولعل ذلك أنفع لهم من الفضة والذهب.

٧ «وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ ٱلْيُمْنَى وَأَقَامَهُ، فَفِي ٱلْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ».

وَأَمْسَكَهُ بِيَدِه دلّ بذلك بطرس على صدقه وإخلاصه وإيمانه بأن له قوة الشفاء وبيان استعداده لمساعدة المصاب وتقوية رجائه وإيمانه بأنه يقوم. كذلك فعل المسيح في شفاء الولد (مرقس ٩: ٢٧).

تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ هذا نتيجة إيمانه وطاعته (ع ١٦).

٨ «فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ ٱللّٰهَ».

إشعياء ٣٥: ٦

فَوَثَبَ من الفرح بالبرء والرغبة في امتحان قوته الجديدة.

وَصَارَ يَمْشيِ هذا ما زاد المعجزة غرابة فإنه لم يمشِ خطوة واحدة في حياته ثم قدر أن يمشي كمن اعتاد المشي بالممارسة.

إِلَى ٱلْهَيْكَلِ أي إلى داره حيث اعتاد الشعب الاجتماع ولا بد من أن الدار كانت حينئذ غاصة بالناس لأنه كان وقت الذبيحة المسائية ودخل مرافقاً للتلميذين وابتغى بالدخول تقديم الشكر لله في بيته على الشفاء.

وَيُسَبِّحُ ٱللّٰهَ كما يجب على المحسن إليه. وأظهر بذلك يقينه أن الله هو الذي شفاه وأن الرسولين لم يكونوا سوى آلة لشفائه.

٩، ١٠ «وَأَبْصَرَهُ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ ٱللّٰهَ. وَعَرَفُوهُ أَنَّهُ هُوَ ٱلَّذِي كَانَ يَجْلِسُ لأَجْلِ ٱلصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ ٱلْهَيْكَلِ ٱلْجَمِيلِ، فَٱمْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً مِمَّا حَدَثَ لَهُ».

ص ٤: ١٦ و٢١

جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ الذي كان في دار الهيكل من أصحاب الرسل وأعدائهم ولا بد من أن الخبر شاع حالاً في المدينة (ص ٤: ١٦).

وَعَرَفُوهُ اعتادوا أن يشاهدوه يستعطي عند الباب وتحققوا من هو وفي أي حال كان فلم يكن من وسيلة للخداع ولا الانخداع لأن الذي شوهد مقعداً منذ أربعين سنة شاهدوه حينئذ يمشي.

فَٱمْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً الدهشة هنا عجب يذهل الإنسان عن نفسه لغرابة ما يحدث. والحيرة العجب لجهل علة الحادث. وكان الناس يعلمون أن شفاءه بوسائط غير بشرية وبذلك تمت نبوءة إشعياء بما يحدث بعد مجيء المسيح في قوله «حينئذ يقفز الأعرج كالإيل» (إشعياء ٣٥: ٦).

اجتماع الشعب في رواق سليمان وخطاب بطرس لهم ع ١١ إلى ٢٦

١١ «وَبَيْنَمَا كَانَ ٱلرَّجُلُ ٱلأَعْرَجُ ٱلَّذِي شُفِيَ مُتَمَسِّكاً بِبُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، تَرَاكَضَ إِلَيْهِمْ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلرِّوَاقِ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ «رِوَاقُ سُلَيْمَانَ» وَهُمْ مُنْدَهِشُونَ» .

يوحنا ١٠: ٢٣ وص ٥: ١٢

مُتَمَسِّكاً بِبُطْرُسَ وَيُوحَنَّا أتى ذلك بياناً لممنونيته لهم وشهادة للقوم أنهما هم المحسنان إليه ورغبته في أن لا يفارقهما بعد وفي أن يجعل نصيبه كنصيبهما في الدين المسيحي.

تَرَاكَضَ إِلَيْهِمْ من سائر أدوّر الهيكل ومن المدينة لما سمعوا نبأ المعجزة بغية أن يشاهدوا الذي شُفي ومن شفاه وكيف كان ذلك.

رِوَاقُ سُلَيْمَانَ انظر شرح (يوحنا ١٠: ٢٣) وهو في دار الأمم على جانب الهيكل الشرقي وهو أطول من الهيكل بخمس عشرة ذراعاً من كل من الجانبين وكانت دعائم سقفه مئة واثنين وستين عموداً.

مُنْدَهِشُونَ أي متعجبون جداً وذلك تأثير طبيعي من مشاهدة أمر غريب كهذا.

١٢ «فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ ذٰلِكَ قَالَ لِلشَّعْبِ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هٰذَا، وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هٰذَا يَمْشِي؟».

كان بذلك الاجتماع الفرصة التي رغب فيها الرسل للتبشير بيسوع المسيح في دار الهيكل لكثيرين من الشعب مستعدين بتلك المعجزة للإصغاء إلى كلامهم.

قَالَ لِلشَّعْبِ كان كلام الرسول جواباً لسؤال في قلوبهم دلت عليه إمارات وجوههم وتعجبهم وسؤال بعضهم لبعض في شأن تلك المعجزة.

مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ كما يظهر من أقوالكم ومنظركم. كان عجبهم في محله بالنظر إلى غرابة الأمر الواقع لكنهم لم يصيبوا بنسبتهم الفعل العجيب إلى الرسولين.

لِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا كأننا نحن فعلنا ذلك بقوتنا فالصواب أن تشخصوا إلى الله وتنسبوا الشفاء له.

أَوْ تَقْوَانَا أي بقدرة وهبها الله لنا جزاء على مخافتنا إياه وفقاً لما جاء في (يوحنا ٩: ٣١). يميل الإنسان طبعاً إلى الشهرة والمجد ولا سيما الذين من أصل حقير. وبطرس ويوحنا لم يكونا سوى صيادي سمك أصلاً فكانا عرضة لتلك التجربة لكنهما لم يعطياها مكاناً دقيقة واحدة بل حولا المجد عنهما إلى الله وحده.

١٣ «إِنَّ إِلٰهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلٰهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ، ٱلَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ».

ص ٥: ٣٠ يوحنا ٧: ٣٩ و١٢: ١٦ و١٧: ١ متّى ١٢: ١٨ و٢٧: ٢ و٢٠ ومرقس ١٥: ١١ ولوقا ٢٣: ١٨ و٢٠ و٢١ ويوحنا ١٨: ٤٠ و١٩: ١٥ وص ١٣: ٢٨ لوقا ٢٣: ٢٠ ويوحنا ١٩: ٤ و١٢

إِلٰهَ أي لا فضل لنا في شيء إنما كل الفضل لله.

إِلٰهَ آبَائِنَا هذا بدل من إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب الآباء الأولين. وسمّي الله إله الآباء لأنهم عبدوه وهو أظهر لهم نفسه محباً لهم ومحامياً عنهم (تكوين ٢٦: ٢٤ و٢٨: ١٣ وخروج ٣: ٦ و١٥). وسماه كذلك بياناً أنه يظهر لأولئك الأولاد الرحمة والمحبة اللتين أعلنهما قديماً لآبائهم. وأن الرسولين لم يناديا ببدعة أو ديانة تنافي دين الآباء. ونسبا تلك المعجزة ليسوع إيضاحاً أنها تكملة لما وعد به أولئك الآباء (تكوين ١٢: ٣ وغلاطية ٣: ١٦).

مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ هذا غاية المعجزة وهي إثبات أن يسوع هو المسيح كما أثبت أنه كذلك بإقامته وإصعاده إيّاه. فمعنى «مجد» هنا صدق دعواه وأعلن عظمته لأن تلك المعجزة علامة رضى الله ومسرته بابنه (يوحنا ١٧: ١ وأفسس ١: ٢٠ – ٢٢ وفيلبي ٢: ٩ – ١١ وعبرانيين ٢: ٩). ودعا يسوع «فتاه» وفقاً للنبوءة في (إشعياء ٤٢: ١) واقتبسها متى في الأعمال أربع مرات هنا وفي (ع ٢٦ وص ٤: ٢٧ و٣٠). ولقب «بفتى» الله أو «بعبده» لأنه أجرى مقاصد الله بغية فداء العالم. أهان الناس يسوع برفضهم مقاصد دعواه وقتلهم إياه ظلماً أما الله فمجده عكس ما فعلوا بإقامته إياه ثم بهذه المعجزة التي تثبت صحة قيامته لأنه لو كان باقياً ميتاً ما استطاع تلاميذه أن يفعلوا ما فعلوه باسمه.

ٱلَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ غاية بطرس من هذا بيان أن صلب يسوع لا يستلزم أنه ليس بالمسيح وأنهم أسلموه إلى الرومانيين ليقتلوه.

وَأَنْكَرْتُمُوهُ أي أنكرتم أنه المسيح الملك (يوحنا ١٩: ١٥).

وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ (متّى ٢٧: ١٧ – ٢٥ ولوقا ٢٣: ١٦ – ٢٣ ويوحنا ١٨: ٣٨ و١٩: ٤ و١٢). قابل بطرس أولاً فعلهم بفعل الله فإنه مجده وهم أسلموه وأنكروه وقابله ثانية بفعل بيلاطس فإنه حكم ببراءته وأراد إطلاقه أما هم فصرخوا «ليُصلب».

١٤ «وَلٰكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ ٱلْقُدُّوسَ ٱلْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ».

مزمور ١٦: ١٠ ومرقس ١: ٢٤ ولوقا ١: ٣٥ وص ٢: ٢٧ و٤: ٢٧ ص ٧: ٥٢ و٢٢: ١٤

أَنْكَرْتُمُ دعواه أنه المسيح وقداسته وبراءته مع أن بيلاطس الوثني شهد له (مرقس ١٥: ٧ ولوقا ٢٣: ١٩).

ٱلْقُدُّوسَ هذا أحد نعوت المسيح.

ٱلْبَارَّ أي البريء من كل خطيئة. وحكم عليه مجلس السبعين بالموت بدعوى أنه مجدف (متّى ٢٦: ٦٥) بلا دليل ولا شاهد وشكوه إلى بيلاطس مدعين أنه مهيّج فتنة (لوقا ٢٣: ٢) فحكم أنه بريء مما اتهموه. والذي زاد إثمهم أنهم طلبوا قتله بعد أن حكم الحاكم ببراءته فأظهروا بذلك أنهم اعتمدوا أن يقتلوه بحجة أو بلا حجة.

طَلَبْتُمْ… رَجُلٌ قَاتِلٌ أي باراباس (متّى ٢٧: ٢١). فقابل يسوع البار القدوس بذلك القاتل إظهاراً لفظاعة إثمهم لإيثارهم رجلاً على ابن الله وقاتلاً على بريء.

١٥ «وَرَئِيسُ ٱلْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذٰلِكَ».

عبرانيين ٢: ١٠ و٥: ٩ و١يوحنا ٥: ١١ ص ٢: ٢٤ و٣٢

رَئِيسُ ٱلْحَيَاةِ أي مصدر الحياة كلها ولا سيما الروحية وسلطان الحياة وواهبها لمن يشاء (يوحنا ١: ٤ و٥: ٢١ و٢٦ و١٤: ٦ و١كورنثوس ١٥: ٤٥ وعبرانيين ٢: ١٠ و١يوحنا ٥: ١١). ودعاه كذلك مقابلة له بباراباس سالب الحياة الذي آثروه وأجبروا بيلاطس على أن يجري مرادهم (مرقس ١٥: ٧ ولوقا ٢٣: ١٩).

قَتَلْتُمُوهُ لأنكم سبب قتله.

ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ (ص ٢: ٢٤ و٣٢) هذا أعظم برهان على صحة دعوى يسوع. وكانت شهادة الرسل بقيامته معظم تبشيرهم.

١٦ «وَبِٱلإِيمَانِ بِٱسْمِهِ، شَدَّدَ ٱسْمُهُ هٰذَا ٱلَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَٱلإِيمَانُ ٱلَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هٰذِهِ ٱلصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُم».

متّى ٩: ٢٢ وص ٤: ١٠ و١٤: ٩ و١بطرس ١: ٢١

بِٱلإِيمَانِ أي إيمان الرسولين فإنهما فعلا المعجزة بإيمانهما به بمقتضى وعد المسيح في (متّى ١٧: ٢٠) ولا ينفي ذلك أنه كان للأعرج إيمان أيضاً حين قال له بطرس «باسم يسوع الناصري قم وامش» إلا أنه لم يتوقع في أول الأمر سوى شيء من النقود.

بِٱسْمِهِ اي باسم يسوع وهذا لا يفرق معناه عن معنى قولنا يسوع نفسه فالاسم هنا بمعنى الشخص أو الذات (ص ١: ١٥ و٤: ١٢ وأفسس ١: ٢١ ورؤيا ٣: ٤). فالرسولان لم يأخذا اسم يسوع كرقية أو طلسم ليفعلوا به العجائب إنما كان يسوع نفسه يصنعها بواسطتهما.

ٱلَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ أي تشاهدونه الآن صحيحاً وتعلمون أنه كان قبل ذلك مقعداً فإذاً لا ريب في حقيقة المعجزة. وأراد بطرس أيضاً أنه لا يكون ريب في علتها أنها هي ذلك المصلوب.

هٰذِهِ ٱلصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ أن ما أصابه منذ أربعين سنة قد زال كما يمكنكم أن تحكموا بنظركم إيّاه واقفاً وماشياً أمامكم.

١٧ «وَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ، كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً».

لوقا ٢٣: ٣٤ ويوحنا ١٦: ٣ وص ١٣: ٢٧ و١كورنثوس ٢: ٨ و١تيموثاوس ١: ١٣

أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أظهر بطرس غاية اللطف بدعوتهم إخوة بعدما أثبت عليهم أفظع الخطايا.

بِجَهَالَةٍ أي بجهلكم أن يسوع هو المسيح لانتظاركم أنه يكون ملكاً أرضياً غالباً منتصراً وهذا مما يجعل المغفرة لكم ممكنة. وذلك على وفق صلاة المسيح (لوقا ٢٣: ٣٤) ووفق قول بولس في خطيئته وخطيئة الأمم (ص ١٣: ٢٧ و١٧: ٣٠ و١تيموثاوس ٦: ١٣). ولم يذكر ذلك كعدو كافٍ لأنهم كانوا مذنبين لما كان لهم من الوسائط لمعرفة الحق لو أرادوا استعمالها فإنهم أبوا قبول البراهين التي قدمها يسوع فأغمضوا عيونهم وأغلقوا قلوبهم وخطئوا بأنهم أبغضوا محباً باراً وقتلوه. ولولا جهلهم أنه المسيح لما كان لخطيئتهم من مغفرة. فغاية بطرس من هذا الكلام أن يقودهم إلى التوبة بدفع اليأس عنهم وتبشيرهم بالرحمة والغفران.

كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً هذا كقول بولس «لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْد» (١كورنثوس ٢: ٨) فإن هؤلاء الرؤساء السبب الأول لقتله فإنهم كانوا مملوئين حسداً وبغضاً فهيجوا الشعب عليه وكانوا ضالين ومضلين ومع ذلك كله لم يقطع رجاء خلاصهم بشرط التوبة.

١٨ «وَأَمَّا ٱللّٰهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هٰكَذَا».

لوقا ٢٤: ٤٤ وص ٢٦: ٢٢ مزمور ٢٢ وإشعياء ٥٠: ٦ و٥٣: ٥ الخ ودانيال ٩: ٢٦ و١بطرس ١: ١٠ و١١

فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ في شأن حياة يسوع المسيح.

بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ حسب بطرس أقوال جميع الأنبياء شهادة للمسيح لأن «شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ ٱلنُّبُوَّةِ» (رؤيا ١٩: ١٠ انظر شرح لوقا ٢٤: ٢٧).

قَدْ تَمَّمَهُ هٰكَذَا بإنكاركم وإنكار رؤسائكم إياه وتسليمه إلى الموت. فإذاً ما فعلتموه على وفق النبوءات برهان قاطع على أن يسوع هو المسيح. وبذلك دفع بطرس الاعتراض الذي من شأنه أن يخطر على بال كل يهودي وهو أنه لا يمكن أن يكون يسوع هو المسيح لأنه رُفض وصُلب لو لم يجر ذلك عليه لم يكن هو الذي شهد له وانبأ به جميع الأنبياء.

١٩ «فَتُوبُوا وَٱرْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ ٱلْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ».

ص ٢: ٣٨

فَتُوبُوا لأن خطيئتكم توجب التوبة عليكم وجهلكم لا يغلق دونكم أبواب المغفرة.

ٱرْجِعُوا عن عدم إيمانكم بالمسيح ورفضكم إيّاه إلى قبوله بالإيمان ومن الخطيئة إلى القداسة (ص ٩: ٣٥) ومن طريق الهلاك إلى طريق الخلاص. ولم يضف إلى كلامه ما أضافه في (ص ٢: ٣٨). لأن المعمودية أمر مسلم به إذ عُمّد ثلاثة آلاف في تلك الأيام علامة لتوبتهم.

لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ أي لتغفر ذنوبكم مغفرة تامة. وفي العبارة مجاز مبني على بعض عوائد تلك الأيام وهو أن المديون كان يكتب على لوح مغشى بالشمع بقلم من الحديد فكان الدائن متى استوفى ما له من الدين محا الكتابة بالطرف الآخر من ذلك القلم فلم يبق للكتابة من أثر. كذلك الله لا يذكر خطايا التائبين إليه فكأنه محاها بمغفرته (مزمور ٥١: ١ و٩ وإشعياء ٤٣: ٢٥ وإرميا ١٨: ٢٣ وكولوسي ٢: ١٤).

لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ ٱلْفَرَجِ أي لكي تشتركوا في فوائد ملكوت المسيح فتنالوا راحة الضمير والشعور بالمصالحة لله وفرح الروح القدس ويقين الرجاء والتعزية الإلهية في الضيق.

كان اليهود جميعاً يتوقعون الفرج في أيام المسيح بنوال النجاة من عبودية الرومانيين والنجاح الزمني والراحة والمجد الدنيوي بناء على ما في النبوءات وحسبوا أن ذلك الفرج للأمة اليهودية بأسرها فحقق بطرس لهم أن الفرج قد أتت أوقاته وأنه فرج روحي وأن نواله بالتوبة والإيمان ولهذا لم يستفيدوا سوى القليل منهم فإذا آمنوا أتت أوقاته لهم كما أتت لغيرهم من المؤمنين.

مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ أي من الله الذي هو مصدر هذا الفرج. ذهب بعضهم إلى أن أوقات الفرج المذكورة في هذه الآية يراد بها أوقات الراحة السماوية التي التوبة والحصول على الغفران استعداد لها (عبرانيين ٤: ٩ – ١١).

تأتي أوقات الفرج الآن إلى كل مدينة وقرية وبيت وقلب متى وُجدت التوبة وقبول المسيح بالإيمان.

٢٠ «وَيُرْسِلَ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ».

وَيُرْسِلَ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ لم يتضح هنا ما قصده بطرس أمجيء المسيح الأول هو أم مجيئه الثاني. فإن كان الأول فذكر بطرس إياه هنا لأنه بداءة الفرج الذي أطلقه على كل عمل الفداء من أوله إلى آخره. فإذاً يكون أوله بإرسال يسوع المسيح ليُعلن الله للناس ويعلمهم الأمور السماوية ويفديهم وتبقى أوقات الفرج إلى أن يأتي المسيح ثانية في نهاية العالم للدينونة. فبطرس دعا اليهود إلى التوبة لكي يشتركوا في كل فوائد ذلك الفرج. والأرجح أن الإرسال هنا هو المجيء الأول لأنه لم يقل ويرسل ثانية وقد ذُكر في ع ٢٦ أنه أتى إليهم. وإذا كان المراد المجيء الثاني كان المعنى توبوا لأن الله يريد أن تتوقعوا دائماً مجيء المسيح للدينونة وتستعدوا له كأنه على الباب.

ٱلْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ بأنبياء العهد القديم ويوحنا المعمدان فإنم بشروا بمجيئه وصفاته وأعماله وموته وقيامته.

٢١ «ٱلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ ٱلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا ٱللّٰهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ».

ص ١: ١١ متّى ١٧: ١١ لوقا ١: ٧٠

قصد بطرس هنا أن يدفع اعتراضاً خطر على بال اليهود وهو أن يسوع ليس هو المسيح لأن المسيح على اعتقادهم لا بد من أنه يبقى بالجسد على الأرض دائماً ملكاً منتصراً ولذلك قالوا «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ ٱلنَّامُوسِ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى ٱلأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ» (يوحنا ١٢: ٣٤).

ٱلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ ٱلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ أي تكون مسكناً له وانبغاء ذلك من مقتضيات القضاء الإلهي ومن انه أجدر به أن يصعد إلى السماء من أن يبقى على الأرض. وقد سبق المسيح إلى ذكر واحد من أسباب اتخاذه السماء مسكناً وهو إرساله الروح القدس (يوحنا ١٦: ٧) ومنها إجراء عمل الفداء وسياسة الكنيسة وشفاعته بشعبه باعتبار أنه رئيس الأحبار (رومية ٨: ٣٤ و١كورنثوس ١٩: ٢٥ وعبرانيين ٢: ٢٥ و٩: ٢٤ و١٠: ١٣ و١يوحنا ١: ١ و٢).

ٍأَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْء أشار بهذا إلى أوقات انتصار الإنجيل التام بواسطة فعل الروح القدس وتبشير خدم المسيح حين تصير ممالك الأرض ملك الرب يسوع المسيح (رؤيا ١١: ١٥). وتجثو له كل ركبة ويعترف به كل لسان (١كورنثوس ١٥: ٢٥). وذلك كمال كل مقاصد الله في فداء العالم فيرجع العالم حيئنذ إلى حال الطهارة والطاعة والسعادة التي كان عليها قبل دخول الخطيئة.

والفرق بين «أوقات الفرج» و «أزمنة رد كل شيء» أنّ الأولى أوقات الإنجيل المتعلقة بمجيء الروح القدس وأن الثانية أوقات الدينونة والثواب والعقاب المتوقعة على مجيء المسيح ثانية. والتوبة هي استعداد للبركات الجزئية الأولى وللبركات الكلية الأخرى. وكان كلاهما مقترنين في أفكار التلاميذ الأولين. وكانوا قد شاهدوا الأولى وتوقعوا الأخرى بشوق شديد ورجاء وطيد (٢بطرس ٣: ١٢).

ٱلَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا ٱللّٰهُ هذا قيد لذلك الرد فلا يلزم منه خلاص كل البشر بل كل ما وعد الله به من أول النبوءات إلى آخرها لأن الأنبياء أنبأوا بالرد المذكور. ذهب بعضهم إلى أن معنى هذه العبارة أن يسوع يبقى في السماء فلا تأتي أزمنة رد كل شيء إلا بعد إيمان اليهود فكأن بطرس قال توبوا وآمنوا لكي يأتي المسيح ثانية ويستعلن المجد الموعود به عند مجيئه. ولكن لا سند لهذا التفسير.

أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ (لوقا ١: ٧٠) هذا يشتمل على الوعد لآدم (تكوين ٣: ١٥) وإبراهيم (تكوين ٢٢: ١٨) وغيرهما من الأنبياء.

٢٢ «فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ».

تثنية ١٨: ١٥ و١٨ و١٩ وص ٧: ٣٧

هنا دعوة إلى التوبة وإلى قبول المسيح بناء على أقوال موسى وسائر الأنبياء فإن اليهود ادعوا أن قبول يسوع مسيحاً رفض لموسى بدليل قول البشير «فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلاَمِيذُ مُوسَى. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ، وَأَمَّا هٰذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ» (يوحنا ٩: ٢٨ و٢٩). فأبان بطرس أن موسى أنبأ بيسوع فرفضهم إيّاه رفض لموسى.

فَإِنَّ مُوسَى قَالَ كان قول موسى من أعظم ما يعتمده اليهود من الأقوال وذكره بطرس في هذه العبارة باعتبار أنه مشترع ونبي فإنه أنبأ بمجيء المسيح وأمرهم بالطاعة له. فإذاً لا يستلزم الثقة بأنبائه والطاعة لأمره.

لِلآبَاءِ أي سلفائهم القدماء من بني إسرائيل.

نَبِيّاً هذا مقتبس من (تثنية ١٨: ١٥ – ١٩) ومعنى «النبي» هنا من يعلن إرادة للناس وينوب عنه تعالى ويرسل بسلطانه. ويسوع المسيح باعتبار كونه كلمة الله أولى بأن يُدعى نبياً.

مِثْلِي لم يقصد موسى بهذا أن يكون المسيح مثله في كل شيء ولكن وجه المماثلة أنه مقام من الله كما كان موسى إلى أن أتى هو (عدد ١٢: ٦ – ٨) وأنه أعطى الإنجيل شريعة الرحمة كما أعطى موسى التوراة شريعة العدل وأنه أطلق إسرائيل الروحي من عبودية الشيطان والخطيئة كما أطلق موسى إسرائيل من عبودية مصر وأنه شفع في شعبه عند الله كما شفع موسى في شعبه على الأرض مراراً. وكون المسيح أعظم من موسى لا يمنع المشابهة بينهما. وبُيّنت أفضلية المسيح على موسى في (عبرانيين ٣: ٢ – ٦).

سَيُقِيمُ لَكُمُ ٱلرَّبُّ إذاً المسيح لم يدع النبوءة من تلقاء نفسه ولم يقمه الناس نبياً بل الرب.

مِنْ إِخْوَتِكُمْ أي الأمة اليهودية وهذا وفق النبوءات بأنه من نسل إبراهيم ونسل داود (انظر شرح متّى ١: ١).

لَهُ تَسْمَعُونَ أي يجب عليكم أن تطيعوه باعتبار أنه رسول الله بإعلان سماوي.

فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ واعتقد معنى ما جاء في التثنية لا لفظه (تثنية ١٨: ١٨). واعتقد اليهود أن هذه النبوءة تشير بنوع خاص إلى المسيح كما يتضح من سؤال لجنة مجلسهم الأكبر ليوحنا المعمدان (يوحنا ١: ٢١ و٢٥).

٢٣ «وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذٰلِكَ ٱلنَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ ٱلشَّعْبِ».

اكتفى بطرس بمعنى قول موسى دون لفظه إذ غايته بيان فظاعة المعصية وشدّة عقابها.

لاَ تَسْمَعُ لِذٰلِكَ ٱلنَّبِيِّ أي لا تطيع أوامره بناء على أنها أوامر الله فرفض كلامه ليس سوى رفض كلام الله الذي أرسله (لوقا ١٠: ١٦ ويوحنا ١٣: ٢٠).

تُبَادُ مِنَ ٱلشَّعْبِ في الأصل «أُطَالِبُهُ» (تثنية ١٨: ١٩) أي أعاقبه وكان أغلب العقاب عند الإسرائيليين إبادة المذنب من الشعب (خروج ١٢: ١٥ و١٩: ٣١ و٣٠: ٣٣ وعدد ١٥: ٣١ و١٩: ١٣ ولاويين ٧: ٢٠ و٢١ و٢٥ و٢٧). والإبادة أو القطع من شعب الله على الأرض رمز إلى القطع من النصيب السماوي ومقدمة له ما لم يُدفع بالتوبة. فأكد بطرس بما ذُكر لليهود أنهم عرضوا أنفسهم لأشد العقاب برفضهم مسيحهم وبقتلهم إيّاه بغية أن يتوبوا ويجدوا الرحمة. فما قاله بطرس على اليهود يصدق على كل الذين يعرضون عن المسيح ويعصون أوامره،

٢٤ «وَجَمِيعُ ٱلأَنْبِيَاءِ أَيْضاً مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ ٱلَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهٰذِهِ ٱلأَيَّامِ».

وَجَمِيعُ ٱلأَنْبِيَاءِ أي كل الذين أنبأوا بما في المستقبل أنبأوا بالمسيح.

مِنْ صَمُوئِيلَ ذكر صموئيل لأنه أول الأنبياء الذين قاموا بعد موسى وهو منشئ مدرسة بني الأنبياء فإنه لم يقم نبي بين موسى وصموئيل لكن الله أعلن إرادته «بالأوريم والتميم» (خروج ٢٨: ٣٠ وعدد ٢٧: ٢١) ونبوءته عن المسيح في (٢صموئيل ٧: ١٣ – ١٦).قابل ذلك بما في (عبرانيين ١: ٥).

أَنْبَأُوا بِهٰذِهِ ٱلأَيَّامِ أي بحوادثها التي تتعلق بيسوع الناصري فإذاً كان على اليهود أن يسمعوا أقوال أولئك الأنبياء ويقبلوا المسيح بتوبتهم عما مضى.

٢٥ «أَنْتُمْ أَبْنَاءُ ٱلأَنْبِيَاءِ، وَٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي عَاهَدَ بِهِ ٱللّٰهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ».

ص ٢: ٣٩ ورومية ٩: ٤ و٨ و١٥: ٨ وغلاطية ٣: ٢٦ تكوين ١٢: ٣ و١٨: ١٨ و٢٢: ١٨ و٢٦: ٤ و٢٨: ١٤ وغلاطية ٣: ٨

أَبْنَاءُ ٱلأَنْبِيَاءِ أي تلاميذهم وأتباعهم وهذا كما في (متّى ١٢: ٢٧). فبناء على كونهم أبناء الأنبياء وجب عليهم أن يسمعوا لهم ويغنموا مواعيد الرحمة المرسلة إليهم على أيديهم وجوهر ذلك أن يقبلوا المسيح.

وَٱلْعَهْدِ أي وأبناء العهد أي ذلك العهد الموجه إليهم بتوجيهه إلى إبراهيم إبيهم.

عَاهَدَ بِهِ ٱللّٰهُ آبَاءَنَا اعتبر الله إبراهيم نائب سائر الأنبياء فلما عاهده عاهد جميع الأنبياء.

قَائِلاً لإِبْراهِيمَ (تكوين ١٢: ٣ و٢٢: ١٨).

وَبِنَسْلِكَ أي المسيح كما صرّح بولس في (غلاطية ٣: ١٦).

تَتَبَارَكُ أي أن يسوع يكون واسطة لمنح كل البركات الأرضية والسماوية.

جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ أي كل الناس اليهود والأمم.

٢٦ «إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، إِذْ أَقَامَ ٱللّٰهُ فَتَاهُ يَسُوعَ، أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ».

متّى ١٠: ٥ و١٥: ٢٤ ولوقا ٢٤: ٤٧ وص ١٣: ٣٢ و٣٣ و٤٦ ع ٢٢ متّى ١: ٢١

إِلَيْكُمْ أَوَّلاً أنتم اليهود. ابتدأ هذا العهد يتم فيهم قبل سائر الشعوب. وكذلك أوصى المسيح تلاميذه بتبشيرهم أولاً (لوقا ٢٤: ٤٧ انظر أيضاً أعمال ١٣: ٤٦ ورومية ١: ١٦ و٢: ٩ و١٠ و١١: ١١).

إِذْ أَقَامَ ٱللّٰهُ إنجازاً للعهد. ومعنى «أقام» هنا كمعنى أقام في (ع ٢٢) أي أرسل لا أحيا بعد الموت.

فَتَاهُ يَسُوعَ أنظر شرح ع ١٣.

يُبَارِكُكُمْ وفاء بكل ما وعد به إبراهيم.

بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ هذا شرط كل العهود والمواعيد للآباء أو للأنبياء فلا منفعة منها إلا بالتوبة كما أنه لا شفاء للمسموم إلا بامتناعه عن شرب السم (إشعياء ص ٥٩ ومتّى ص ٢١)، فالامتناع عن الإثم ليس مجرد شرط البركة بل هو الجزء الأكبر منها لأن معظم تلك البركات ليس التحرر من رق الرومانيين بل من عبودية الخطيئة. ويقوم ردهم من الشرور إلى القداسة بإيمانهم بالمسيح. والنتيجة هنا كما في ع ١٩. وقد تمت النبوءة بمجيء المسيح فلم يبق عليهم إلا أن ينتفعوا به بالتوبة.

وهذه الموعظة تشبه موعظة يوم الخمسين في ثلاثة أمور مهمة:

  • الأول: تقديم البراهين من الأسفار المقدسة أن يسوع هو المسيح.
  • الثاني: إثبات الخطيئة على اليهود برفضهم مسيحهم وصلبهم إيّاه.
  • الثالث: المناداة بالرحمة بواسطته والدعوة إلى التوبة والإيمان به.

زر الذهاب إلى الأعلى