أعمال الرسل | 01 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر أعمال الرسل
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الأول
خطاب المسيح الأخير بعد قيامته وصعوده ع ١ إلى ١١
١ «اَلْكَلاَمُ ٱلأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ».
لوقا ١: ٣
اَلْكَلاَمُ ٱلأَوَّلُ أي البشارة الثالثة التي ألفها الكاتب لوقا.
يَا ثَاوُفِيلُسُ انظر شرح (لوقا ١: ٣) وهذا الرجل هو الذي كُتب إليه هذا السفر للغاية التي كُتبت إليها البشارة وهي أنه كان يرغب في معرفة صحيح الحوادث المتعلقة بانتشار الديانة المسيحية التي لا بد من أنه كان قد شاع فيها أقوال مختلفة. وكان من غاية الروح القدس أيضاً في إلهام لوقا كتابته إفادة المؤمنين من اليهود والأمم في كل عصر لأنه كما كان يهمهم أن يعرفوا حقيقة حوادث حياة المسيح على الأرض في أول عهدها. وكان لوقا أهلاً لكتابة هذه الحوادث لأنه كان رفيق بولس في بعض أسفاره وممن سمعوا تعليمه فضلاً عن إلهام الروح القدس ص ١٦: ١٠و١٧ و٢٠: ١ – ٦ وص ٢٧ وص ٢٨.
عَنْ جَمِيعِ أي كل الأمور الجوهرية التي معرفتها ضرورية لثبوت إيمان المطالع أو السامع.
مَا ٱبْتَدَأَ أراد لوقا أن يبيّن كون ما كتبه في بشارته أول عمل المسيح وتعليمه وهو على الأرض في الجسد وأن ما سيكتبه في هذا السفر ما استمر يعمله ويعلّمه بروحه وهو في السماء. ويحتمل أنه ذكر الابتداء على اصطلاح العبرانيين ومعناه عندهم الشروع في الفعل كما في العربية (تكوين ٤: ٢٦ و٩: ٢٠ ومتّى ٤: ١٦ ومرقس ٦: ٧ و١٠: ٣٢ و١٤: ٦٥).
يَفْعَلُهُ لأجل خلاص البشر وهذا يتضمن أتعابه ومعجزاته وما أتاه من أعمال الرحمة واحتمله من آلامه وموته وقيامته.
وَيُعَلِّمُ بِهِ مما يتعلق بصفاته تعالى ومقاصده في خلاص البشر.
يُفهم من هذه الآية أن لوقا قصد أن يفعل في هذا السفر ما فعل في بشارته فإنه كتب في البشارة ما فعله المسيح رأساً وأنه سيكتب في هذا السفر تفصيل ما يفعله بواسطة رسله الذين هو أرسلهم وألهمهم بروحه أن يبشروا بإنجيله ويؤسسوا كنيسته.
٢ «إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلرُّسُلَ ٱلَّذِينَ ٱخْتَارَهُمْ».
مرقس ١٦: ١٩ ولوقا ٩: ٥١ و٢٤: ٥١ وع ٩ و١تيموثاوس ٣: ١٦ متّى ٢٨: ١٩ ومرقس ٦: ١٥ ويوحنا ٢٠: ٢١ وص ١٠: ٤١ و٤٢
إِلَى ٱلْيَوْمِ أي اليوم الأربعين بعد قيامته كما يُفهم من ع ٣ وكتب لوقا في بشارته ما ينتهي إلى ذلك (لوقا ٢٤: ٥١).
ٱرْتَفَعَ فِيهِ أي صعد إلى السماء في سحابة كأنها حملته ع ٩. واقتصر لوقا على هذه العبارة من نبإ صعوده لأنه كان معلوماً ومشهوراً ولأنه أنبأ به سابقاً في بشارته. فجعل هنا ما كان نهاية تلك البشارة بداءة هذا السفر.
أَوْصَى بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كل ما فعله يسوع على الأرض فعله بواسطة الروح القدس واقتياده (متّى ١٢: ٢٠ ولوقا ٤: ١ و١٨ ويوحنا ٣: ٣٤ و٢٠: ٢٢). وإيصاؤه تلاميذه بما يفعلونه بعد موته كان بإرشاد الروح القدس كسائر أعماله. وكثيراً ما أشار سفر الأعمال إلى فعل الروح القدس وذكره خمسين مرة مع أن البشائر الأربع كلها لم تذكره سوى أربعين مرة. والإيصاء الخاص المشار إليه هنا أمره إياهم بأن يذهبوا إلى العالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مرقس ١٦: ١٥) وأمره الوقتي بأن يقيموا بأورشليم إلى ما بعد حلول الروح القدس (لوقا ٢٤: ٤٨ و٤٩).
ٱلرُّسُلَ أي الأحد عشر الباقين بعد خيانة يهوذا وموته.
ٱلَّذِينَ ٱخْتَارَهُمْ (متّى ١٠: ١ – ١٠ ولوقا ٦: ١٢ – ١٦).
٣ «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».
مرقس ١٦: ١٤ ولوقا ٢٤: ٣٦ ويوحنا ٢٠: ١٩ و٢٦ و٢١: ١ و١٤ و١كورنثوس ١٥: ٥
اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً في أوقات مختلفة.
بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بصرية وسمعية ولمسية حتى تيقنوا أنه هو هو وأنه حي بالجسد. اجتمع بهم في أوقات وأمكنة مختلفة وفعل بعض المعجزات أمامهم (يوحنا ٢١: ٦ و٧) فعلموا أنه صديقهم القديم القادر كما يعهدونه (لوقا ٢٤: ٣٦ – ٤٨ ويوحنا ٢٠: ١٩ – ٢١). ووقوفهم على تلك البراهين أقنعهم ومكنهم من أن يكونوا شهوداً بقيامته.
ولنا ستة أمور تقنعنا أن تلك البراهين قاطعة.
- الأول: أن الرسل لم يكونوا يتوقعونها حتى يمكن أن آمالهم تخدعهم (يوحنا ٢٠: ٢٥).
- الثاني: أنهم كانوا يعرفون يسوع حق المعرفة إذ كانوا معه كل يوم مدة تنيف على ثلاث سنين.
- الثالث: أن عدد الشهود واتفاقهم في الشهادة يمنعان إمكان أنهم غلطوا.
- الرابع: طول المدة للفحص عن أمر قيامته وتحققه فإنها كانت أكثر من شهر.
- الخامس: ظهور يسوع في أوقات مختلفة وأحوال مختلفة وأماكن مختلقة تحققوا في كل منها أنه هو يسوع.
- السادس: أنه أظهر بعد قيامته الصفات التي أظهرها عينها قبل موته كعطفه عليهم وتجديده المواعيد والأوامر التي خاطبهم بها قبل الموت.
بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ أي مات مصلوباً وعبّر عن ذلك الموت بالتألم نظراً لشدة الآلام التي احتملها به ومثل ذلك ما في (ص ٣: ١٨ و١٧: ٣ وعبرانيين ١٣: ١١ و١بطرس ٣: ١٨).
وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ انظر شرح (متّى ٢٨: ١٧).
أَرْبَعِينَ يَوْماً لم يُذكر تعيين المدة بين قيامة المسيح وصعوده في غير هذا الموضع وهي على قدر أيام صومه وتجربته وأيام إقامة موسى في طور سينا وأيام صوم إيليا في البرية.
ِيَتَكَلَّمُ عَنِ ٱلأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰه كلامه بعد قيامته على الموضوع الذي كان يتكلم فيه قبل موته برهان على أنه الذي تألم هو هو وأن أفكاره ومقاصده لم تتغير شيئاً. والمراد «بملكوت الله» هنا الملكوت الذي أتى هو ليؤسسه على الأرض (انظر شرح متّى ٣: ٢) وعلى الخصوص كنيسته. ويتضمن ذلك التكلم عدة أمور نذكر خمسة منها:
- الأول: نجاز نبوءات الكتاب المقدس بيسوع (لوقا ٢٤: ٤٧).
- الثاني: التبشير بالإنجيل لكل الأمم (لوقا ٢٤: ٤٧).
- الثالث: أمره للرسل بواجبات وظيفتهم من تبشير وتلمذة وتعميد إلى غير ذلك (متّى ٢٨: ١٩ و٢٠).
- الرابع: وعده بحضوره معهم (متّى ٢٨: ٢٠).
- الخامس: إنباؤه إيّاهم بأنهم يتعمدون بالروح القدس (لوقا ٢٤: ٤٩ وأعمال ١: ٨).
٤ «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ ٱلآبِ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي».
لوقا ٢٤: ٤٣ و٤٩ يوحنا ١٤: ١٦ و٢٦ و٢٧ و١٥: ٢٦ و١٦: ٧ وص ٢: ٣٣
وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ الأرجح أنهم كانوا متشتتين واجتمعوا بأمره والمكان مذكور أنه في أورشليم والوقت كان أحد الأيام الأربعين المعلومة والأرجح أنه كان قرب صعوده.
لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ أي لا يغيبوا عنها كما فعلوا على أثر موته.
مَوْعِدَ ٱلآبِ أي حلول الروح القدس وسمي «موعد الآب» لأن الآب وعد به في العهد القديم (إشعياء ٤٤: ٣ ويوئيل ٢: ٢٨ و٢٩) الذي سمعتموه مني (لوقا ٢٤: ٤٩ ويوحنا ١٤: ١٦ و٢٦ و١٥: ٢٦ و١٦: ٧ – ١٣).
٥ «لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِٱلْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ بِكَثِيرٍ».
متّى ٣: ١١ وص ١١: ١٦ و١٩: ٤ يوئيل ٣: ١٨ وص ٢: ٤ و١١: ١٥
هذا كلام المسيح لا كلام لوقا ذكر به التلاميذ ما قيل سابقاً في مقابلة معمودية يوحنا المعمدان بمعموديته. قابل ما في (متّى ٣: ١١ بما في يوحنا ١: ٣٣ ولوقا ٣: ١٦). قيل هناك أن يوحنا يعمد بالماء وأن المسيح سيعمد بالروح القدس والنار وكان هذا الوعد على وشك أن يتم بنوع عجيب.
لَيْسَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ بِكَثِيرٍ أي في يوم الخمسين والمدة بينه وبين الصعود ليست سوى عشرة أيام وكان وقت التكلم قرب وقت الصعود.
٦ «أَمَّا هُمُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ: يَا رَبُّ، هَلْ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟»
متّى ٢٤: ٣ إشعياء ١: ٢٦ ودانيال ٧: ٢٧ وعاموس ٩: ١١
وَأَمَّا هُمُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ هذا الاجتماع غير الاجتماع الذي ذُكر في ع ٤ لأنه كان بعده في يوم الصعود (ع ٩) على جبل الزيتون (ع ١٢) قرب بيت عنيا (لوقا ٢٤: ٥٠).
هَلْ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ الخ هذا السؤال نتيجة ما اعتقده اليهود عامة من أن المسيح يكون ملكاً أرضياً يحرر أمة الإسرائيليين من سلطة الرومانيين ويرد عظمتها التي كانت لها في أيام داود وسليمان على وفق المواعيد (إشعياء ١: ٢٦ ودانيال ٧: ٢٧). فاجتهد المسيح أن ينفي هذا الوهم وأن يعلم تلاميذه أن ملكوته روحي ليس من هذا العالم. وموته أبطل كل رجاء تلاميذه زمنية ملكوته (لوقا ٢٤: ٢١). لكن قيامته ووعده بحلول الروح القدس جدد ذلك الرجاء إذ تحققوا أنه هو هو وأن ليس للموت من سلطان عليه فإذاً هو أقدر من كل أعدائه. وإذ كان الوعد بحلول الروح القدس مقترناً بسائر المواعيد في شأن عظمة ملكوت المسيح وبهائه (يوئيل ٣: ١ و٢) لم يشكوا في أن غاية المسيح رد الملك لإسرائيل. والأمر الوحيد الذي ترددوا فيه هو أنه ألآن يرد لهم ذلك الملك أم بعد ولذلك سألوه.
٧ «فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلأَزْمِنَةَ وَٱلأَوْقَاتَ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلآبُ فِي سُلْطَانِهِ».
متّى ٢٤: ٣٦ ومرقس ١٣: ٣٢ و١تسالونيكي ٥: ١
لم يسأل الرسل عن سوى وقت رد الملك والمسيح لم يجبهم إلا على ذلك. وترك إصلاح غلطهم في حقيقة ملكوته إلى وقت حلول الروح القدس لأنهم يعرفونها حينئذ حسناً. وأبى في جوابه أن يعيّن لهم الوقت بناء على المبدأ وهو أن الله لا يخبر الناس بأوقات الحوادث العظيمة المتعلقة بملكوته. ومثل ذلك كان جوابه للرسل حين قالوا «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هٰذَا» (متّى ٢٤: ٣) وهو قوله «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ ٱلسَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ» (متّى ٢٤: ٣٦) انظر أيضاً (١تسالونيكي ٥: ١ و٢ و٢بطرس ٣: ١٠) ولكنه وجه أفكارهم إلى الاستعداد للقيام بما يجب عليهم من الخدمة.
ٱلأَزْمِنَةَ وَٱلأَوْقَاتَ التي تحدث فيها الأمور المستقبلة.
ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلآبُ فِي سُلْطَانِهِ أي عيّنها بحكمته الأزلية وأبقى معرفتها لنفسه حتى أن الملائكة أنفسهم لا يعرفونها ولا المسيح عينه باعتبار أنه إنسان (مرقس ١٣: ٣٢) ولا يليق بالإنسان أن يسأل عنها (متّى ٢٤: ٣٦). ولا نعلم علة ذلك إنما نعلم أن الناس لو علموها وعرفوا أنها بعيدة لغفلوا عن الاستعداد لها وأهملوا السهر والانتظار أو علموا أنها قريبة لخافوا فعجزوا عن القيام بما يجب عليهم.
٨ «لٰكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ».
لوقا ٢٤: ٤٩ وص ٢: ١ و٤ لوقا ٢٤: ٤٨ ويوحنا ١٥: ٢٧ وع ٢٢ وص ٢: ٣٢
وعدهم المسيح بذلك تعزية لهم على إباءته الإجابة عن سؤالهم.
سَتَنَالُونَ قُوَّةً على القيام بما يجب عليكم باعتبار كونكم رسلاً وهي القوة التي يهبها لهم الروح القدس كوعد يسوع إياهم سابقاً بأنهم يفهمون معاني نبوءات العهد القديم وأنهم يذكرون كلامه وأنهم يصنعون معجزات وأنهم يُعطون قوة التكلم حتى يهتدي الناس بأقوالهم ويرجعوا إلى الله بالإيمان بالمسيح وقوة على احتمال المصائب.
مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ في هذا تعيين الوقت لنوالهم القوة وهو بعد عشرة أيام.
تَكُونُونَ لِي شُهُوداً ما كان عليهم أن يأتوا بآراء أنفسهم بل أن يخبروا الناس بما علموا من تعاليم المسيح وسيرته ومعجزاته وصلبه وقيامته ومواعيده بما رأوا وسمعوا (ع ٢١ و٢٢ وص ٢: ٣٢ و١٠: ٣٩ ولوقا ٢٤: ٤٨ ويوحنا ١٥: ٢٧ و١يوحنا ١: ١).
وكان عليهم أن يكونوا شهوداً بالتبشير وبقداسة السيرة ومحبة كل منهم للآخر وصبرهم في الضيق وموتهم في سبيل الحق إذا اقتضت الحال.
ولتقديم تلك الشهادة اختارهم يسوع رسلاً ورافقوه ثلاث سنين وشاهدوا أعماله وسمعوا تعليمه فصاروا بذلك أهلاً للشهادة وكان عددهم وخلوصهم ينفيان كل شي في صحة شهادتهم.
ووجوب تأدية تلك الشهادة غير مقصور على الرسل لأن المسيح قصد أن تكون كنيسته كلها شاهدة بصدق تعاليمه وجودتها وسعة الخلاص لكل من يؤمن وأن كل عضو من أعضاء تلك الكنيسة رجلاً وامرأة كبيراً وصغيراً يكون شاهداً له.
فِي أُورُشَلِيمَ قصة مملكة اليهود ومركز ديانتهم لأن المسيح قصد أن اليهود يُبشرون بالإنجيل أولاً. وهناك قبل شهادتهم ألوف يوم الخمسين وبعده بقليل وبقي الرسل يؤدون شهادتهم إلى ما بعد أن قتل هيرودس يعقوب (قابل ما في ص ٨: ١ بما في ص ١٢: ١ و٢). وكانت مدة بقائهم في أورشليم نحو ثماني سنين.
وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ أي القسم الجنوبي من أقسام الأرض المقدسة الثلاثة وهي الأماكن المجاورة لأورشليم.
وَٱلسَّامِرَةِ القسم المتوسط بين الجليل واليهودية (انظر شرح متّى ٢: ٢٢). وكان أهل السامرة يشبهون اليهود في بعض الوجوه والأمم في وجوه أُخر. وكان معبدهم في جبل جرزيم. وكان يسوع قد أمر رسله أن لا يذهبوا قبل موته إلى السامرة للتبشير (متّى ١٠: ٥). وشهادة الرسل في السامرة ذُكرت في (ص ٨: ١ – ٢٥ و٩: ٣١).
وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ هو ما أعطاه الآب ابنه (مزمور ٢: ٨). والقول هنا كالقول في (متّى ٢٨: ١٩ ومرقس ١٦: ١٥).
٩ «وَلَمَّا قَالَ هٰذَا ٱرْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِم».
لوقا ٢٤: ٥١ ويوحنا ٦: ٦٢ وع ٢
ٱرْتَفَعَ إلى السماء (ع ١١) بجسده لأنهم شاهدوه صاعداً كذلك. ولم يختف بل إن السحابة أخذته وكان ذلك في النهار أمام عيون كل الرسل وهو يتكلم وزاد لوقا في بشارته أنه كان يباركهم حين انفرد عنهم ولو غاب عنهم خفية أو ليلاً لم يتحققوا أنه صعد إلى السماء ولكنهم تحققوا ذلك بالمشاهدة وتحققوا أن الله راضٍ به. وأنه حيّ في السماء يجري عمل الفداء. ولم يصعد أحد إلى السماء بالجسد إلا هو وأخنوخ (تكوين ٥: ٢٤ وعبرانيين ١١: ٢٥) وإيليا (٢ملوك ٢: ١١).
أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ كثيراً ما كانت السحابة علامة حضور الله لأنه هكذا حضر على طور سينا حين إعطائه الشريعة (خروج ٢٠: ١٦). واقتاد شعبه إسرائيل في البرية بعمود سحاب وترآى في قدس الأقداس في الهيكل بسحابة من نور (١ملوك ٨: ١٠ و١١ وإشيعاء ٦: ١ – ٤) وجاء في المزامير أن الله جعل السحاب مركبته (مزمور ١٠٤: ٣). وقيل في الإنجيل أن المسيح ظللته وقت التجلي سحابة وتكلم الله من وسطها (متّى ١٧: ٥). وأنبأ الكتاب بأن المسيح يأتي ثانية في السحاب (مرقس ١٤: ٦٢ ورؤيا ١: ٧ انظر أيضاً دانيال ٧: ١٣ ومتّى ٢٤: ٣٠ و٢٦: ٦٤).
لم يذكر متّى ولا يوحنا صعود المسيح ولعل علة هذا أن الصعود كان معروفاً ومشهوراً بين الذين كتبا إليهم وندر ذكره في الرسائل لكنه كثيراً ما ذُكر فيها أنه قام وجلس عن يمين الآب وهذا يستلزم صعوده إلى السماء. ولنا في الصعود خمسة أمور:
- الأول: أنه معجزة تثبت صحة دعوى يسوع.
- الثاني: إظهار أن ملكوت المسيح سماوي روحي.
- الثالث: أنه كان ضرورياً لحلول الروح القدس.
- الرابع: أنه كان ضرورياً لممارسة المسيح الشفاعة على وفق فعل رئيس الأحبار الذي كان بعد أن يقدم الذبيحة يدخل إلى قدس الأقداس لكي يكفر عن الشعب (لاويين ١٦: ١١ – ١٤ وعبرانيين ٧: ٢٥ و٩: ٧ – ١٢ و٢٤).
- الخامس: أنه كان ضرورياً ليمارس المسيح وظيفته الملكية (١كورنثوس ١٥: ٢٥ وأفسس ١: ٢٠ – ٢٢ وفيلبي ٢: ٦ – ١١).
١٠ «وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ».
متّى ٢٨: ٣ ومرقس ١٦: ٥ ولوقا ٢٤: ٤ ويوحنا ٢٠: ١٢ وص ١٠: ٣ و٣٠
يَشْخَصُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ أي ينظرون إما أسفاً على ذهابه أو توقعاً لرجوعه أو أملاً أن يحدث أمر غريب يتعلق برد الملك إلى إسرائيل (ع ٦).
رَجُلاَنِ أي ملاكان بهيئة رجلين كالملاكين اللذين كانا في قبر المسيح (يوحنا ٢٠: ١١) ووصفهما لوقا في بشارته بأنهما «رجلان بثياب براقة» (لوقا ٢٤: ٤).
وَقَفَا ظهرا بغتة ولم يشاهدا آتيين.
١١ «وَقَالاَ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هٰذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هٰكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى ٱلسَّمَاءِ».
ص ٢: ٧ و١٣: ٣١ دانيال ٧: ١٣ ومتّى ٢٤: ٣٠ و مرقس ١٣: ٢٦ ولوقا ٢١: ٢٧ ويوحنا ١٤: ٣ و١تسالونيكي ١: ١٠ و٤: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ١٠ ورؤيا ١: ٧
أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ إن الملائكة على ما ذُكر في الإنجيل كانوا غالباً يصرحون باسم من يخاطبونه وهنا خاطب الملاكان جماعة فصرحا بنسبتهم إلى وطنهم لأن الأحد عشر كانوا كلهم من الجليل.
مَا بَالُكُمْ… تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ كان خطاب الملاكين للتوبيخ وللتعزية أما التوبيخ فعلى توقعهم رجوع المسيح حالاً بدون تغيّر أو بمجد عظيم لانه أخبرهم بلزوم ذهابه إلى الآب (يوحنا ٦: ٦٢ و٢٠: ١٧). فكان الجدير بهم أن يرجعوا ليمارسوا العمل الذي وكله المسيح إليهم على الأرض لا أن يشخصوا بشوق وحزن إلى السماء إلى حيث صعد المسيح.
ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ ليجلس عن يمين الآب محل الإكرام والمسرة به (مرقس ١٤: ٦٢ و١٦: ١٩ وأعمال ٧: ٥٥ ورومية ٨: ٣٤ وأفسس ١: ٢٠ وعبرانيين ١: ٣).
سَيَأْتِي هٰكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ الخ أي يوم الدين وهذا يحقق لنا مجيئه ثانية وأنه يأتي كما ذهب في جسده وروحه ومحبته لإخوته وسائر صفاته بدون تغير كما كان هو على الأرض يوبخ الفريسيون المرائين ويرحب بالنائب المؤمن. وأنه كما ذهب في السحابة منظوراً كذلك «يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ» (رؤيا ١: ٧ انظر أيضاً زكريا ١٤: ٤ ومتّى ٢٤: ٣٠ و١تسالونيكي ٤: ١٦ ويهوذا ع ١٤ و١٥).
رجوع الرسل إلى أورشليم ع ١٢ إلى ١٤
١٢ «حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي يُدْعَى جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ، ٱلَّذِي هُوَ بِٱلْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ».
لوقا ٢٤: ٥٢
جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ انظر شرح (متّى ٢١: ١). عيّن الكاتب موقع مكان هذا الصعود في بشارته بأنه كان قرب بيت عنيا وهي على السفح الجنوبي الشرقي (لوقا ٢٤: ٥٠).
سَفَرِ سَبْتٍ هذا بعد الجبل عن أورشليم لا بعد محل الصعود وسفر السبت مسافة مشهورة عندهم لم يعينها موسى بل مشايخ اليهود وهي ٢٠٠٠ خطوة. قيل وحسبوا أن ذلك مسافة ما بين كل طرف من أطراف معسكر الإسرائيليين في البرية إلى خيمة الاجتماع وقطع هذه المسافة كان جائزاً لكل إسرائيلي حينئذ فأجازوا قطع مثلها بعد ذلك. وزاد الكاتب في بشارته على ما كُتب هنا أن التلاميذ سجدوا ليسوع ورجعوا بفرح عظيم (لوقا ٢٤: ٥٢) وهذا على وفق قول المسيح لهم «أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ فَآمِنُوا بِي» (يوحنا ١٤: ١).
١٣ «وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى ٱلْعُلِّيَّةِ ٱلَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ ٱلْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوب».
ص ٩: ٣٧ و٣٩ و٢٠: ٨ متّى ١٠: ٢ الخ ولوقا ٦: ١٤ الخ يهوذا ١
ٱلْعُلِّيَّةِ يحتمل أنها هي العليّة التي أكلوا فيها الفصح الأخير والعشاء الرباني وذُكرت في (مرقس ١٤: ١٥). ونستنتج مما قيل في (لوقا ٢٤: ٥٣) أن الرسل كانوا يصرفون معظم النهار في الهيكل ثم يسهرون جميعاً في العلية.
يُقِيمُونَ فِيهَا وقتياً وهم يتوقعون حلول الروح القدس.
بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ الخ هذه قائمة الرسل الرابعة في العهد الجديد وتختلف عن القوائم الثلاث التي سبقتها بأنه لم يُذكر اسم يهوذا الاسخريوطي فيها وتقديم بعض الأسماء على بعض فإن أندراوس ذُكر في بشارة لوقا ثانياً وذُكر توما في تلك البشارة ثامناً وذُكر هنا سادساً.
فهؤلاء القليلو العدد الفقراء المحتقرون كانوا بلا مساعدة بشرية آلة الله لرد العالم إلى الخضوع له تعالى بالإيمان بيسوع المسيح مصلوباً.
١٤ «هٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ٱلصَّلاَةِ وَٱلطِّلْبَةِ، مَعَ ٱلنِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ».
ص ٢: ١ و٤٦ لوقا ٨: ٢ و٣ و٢٣: ٤٩ و٥٥ و٢٤: ١٠ متّى ١٣: ٥٥ ويوحنا ٧: ٣ و٥
كان الرسل موعودين بإرسال الروح القدس ومع ذلك لم يفتأوا يطلبونه. وكان من جملة الدواعي أيضاً للصلاة مفارقة معلمهم إياهم وما كان عليهم من العمل العظيم الذي وكله الرب إليهم وكثرة أعدائهم.
بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أي كأنهم شخص واحد وعلة ذلك اشتراكهم في حزن واحد ومحبة واحدة لسيدهم ورجاء واحد.
ٱلنِّسَاءِ منهنّ اللواتي تبعن يسوع من الجليل (متّى ٢٧: ٥٥ ولوقا ٨: ٢ و٣ و٢٣: ٤٩ و٥٥ و٢٤: ١٠) واللواتي نعرف أسماءهنّ منهنّ مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وسالومي امرأة زبدي ويونا امرأة خوزي وسوسنة وبعض هؤلاء من أنسباء يسوع ولعل البعض زوجات بعض الرسل (١كورنثوس ٩: ٥).
وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ كان يسوع قد وكل يوحنا بها وكانت عنده في منزله منذ الصلب.
مَعَ إِخْوَتِهِ انظر شرح (متّى ١٢: ٤٦) وكانوا في أول أمرهم غير مؤمنين بيسوع (يوحنا ٧: ٥) والظاهر أنهم اقتنعوا بقيامته وآمنوا به.
انتخابهم رسولاً بدلاً من الاسخريوطي ع ١٥ إلى ٢٦
١٥ «وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ ٱلتَّلاَمِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعاً نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ».
رؤيا ٣: ٤
فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ أي التي بين صعود المسيح ويوم الخسمين وهي عشرة.
قَامَ بُطْرُسُ أي شرع في الخطاب وهذا من مصطلحات الكتاب (لوقا ١٥: ١٨). وكان من سجية بطرس المعلومة أن يكون المبتدئ في الرأي والعمل انظر شرح (متّى ١٦: ١٦ و١٨) والأرجح أنه كان أكبرهم سناً فلاق به أن يكون المتقدم في ما ذُكر.
ِٱلتَّلاَمِيذ المؤمنين من الرسل وغيرهم وسُموا بذلك لأنهم تعلموا في مدرسة يسوع.
أَسْمَاءٍ أي أشخاص كما في (ص ٤: ١٢ و١٨: ١٥ وأفسس ١: ٢١ ورؤيا ٣: ٤).
نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ لا يلزم من ذلك أنه لم يكن في أورشليم غيرهم من المؤمنين بل أن الذين اجتمعوا حينئذ كانوا كذلك ولعله كان بينهم بعض السبعين المذكورين في (لوقا ١٠: ١) ونيقوديموس ويوسف الرامي وبعض المئة الذين شاهدوه في الجليل بعد قيامته.
١٦ «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ ٱلَّذِي سَبَقَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا ٱلَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ».
مزمور ٤١: ٩ ويوحنا ١٣: ١٨ لوقا ٢٢: ٤٧ ويوحنا ١٨: ٣
أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ كلام معتاد في افتتاح الخطاب للإكرام والتودد والتنبيه (ص ١٣: ٢٦).
يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ أي لا بد من أن يتم لأنه أنباء الروح القدس ولم ينبئ به الروح إلا لأن حدوثه لا ريب فيه فالنبوءة ليست بعلته.
هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ أي الجزء مما كُتب في أسفار الله وهذا ما ذُكر في (ع ٢٠ نقلاً عن مزمور ٦٩: ٢٥) وهو أن داره تصير خراباً ووظيفته يأخذها آخر. وفسره بعضهم بما ذُكر في (مزمور ٤١: ٩).
سَبَقَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ هذا بينة جلية على أن داود كان موحى إليه وهو يوافق شهادة العهد الجديد كله بأن كتبة العهد القديم كانوا «مسوقين من الروح القدس» (٢بطرس ١: ٢١).
عَنْ يَهُوذَا أي الاسخريوطي وما كُتب عنه هو «أن تكون داره خراباً» الخ ( ع ٢٠).
ٱلَّذِي صَارَ دَلِيلاً الخ (متّى ٢٦: ٤٧ ويوحنا ١٨: ٢ و٣).
١٧ «إِذْ كَانَ مَعْدُوداً بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ».
متّى ١٠: ٤ ولوقا ٦: ١٦ ع ٢٥ وص ١٢: ٢٥ و٢٠: ٢٤ و٢١: ١٩
مَعْدُوداً بَيْنَنَا أي أحد الرسل الاثني عشر (لوقا ٦: ١٣ – ١٦). وهذا لا يلزم أنه كان في أول أمره مؤمناً حقيقياً لأن يسوع شهد قبل أن سلمه يهوذا الاسخريوطي بمدة طويلة أنه شيطان (يوحنا ٦: ٧٠ و٧١). وسبق الكلام على فوائد الكنيسة من اختيار المسيح يهوذا المذكور رسولاً في شرح (متّى ٢٦: ١٦).
وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ الخ في الوظيفة الرسولية أي انه كان له كل الوسائل إلى معرفة الحق كسائر الرسل وكل الحقوق التي كانت لهم ولكنه أضاعها باختياره وحرم نفسه إيّاها. واضطر بطرس إلى ما ذُكر هنا بياناً لصحة النبوءة إذ لا يمكن إثبات ترك وظيفة ومقام ما لم يُثبت أنهما كانا للتارك.
١٨ «فَإِنَّ هٰذَا ٱقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ ٱلظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ٱنْشَقَّ مِنَ ٱلْوَسَطِ، فَٱنْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا».
متّى ٢٦: ١٥ و٢٧: ٥ و٧ و٨ و٢بطرس ٢: ١٥
الأرجح أن هذه الآية والتي تليها ليستا من خطاب بطرس بل هما من تفسير لوقا إذ لا حاجة لبطرس إلى أن يخبر التلاميذ الذين يخاطبهم بما حدث ليهوذا منذ أقل من أربعين يوماً ولا داعي لأن يفسر لهم معنى «حقل دماً» وهو من كلمات لغتهم المعلومة ولكن لوقا كتب إلى أناس في غير اليهودية بعد نحو ثلاثين سنة من حدوث تلك الأمور. ويقوي ذلك قوله «صار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم» فلو كان ذلك كلام بطرس لقال صار معلوماً عندكم.
هٰذَا ٱقْتَنَى حَقْلاً نعلم من بشارة لوقا أن الكهنة اشتروا هذا الحقل من الفضة التي ألقاها يهوذا في الهيكل (متّى ٢٧: ٦ – ١٠). ولكن يصح أن يُقال أن يهوذا اقتنى هذا الحقل لأنه كان علة اقتنائه وقد أُشتري بماله. ويحتمل أنه نُسب إليه أيضاً فقيل حقل يهوذا. وهو مجاز شائع في كل اللغات المشهورة ومثله ما جاء في (متّى ٢٧: ٦٠) من أن يوسف نحت قبره في الصخرة والمعنى أنه كان على ذلك وما جاء في (ص ٧: ٢١ و١٦: ٢٢ ومتّى ٢: ١٦ و١كورنثوس ٧: ١٦ و١تيموثاوس ٤: ١٦).
مِنْ أُجْرَةِ ٱلظُّلْمِ أي من الفضة التي أخذها من اليهود أجرة على تسليم يسوع وهو عمل في غاية الفظاعة.
وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ٱنْشَقَّ الخ انظر شرح (متّى ٢٧: ٥). أن يهوذا الاسخريوطي لشدة انتباهه لإثمه وفرط يأسه اختار الانتحار على الحياة مع توبيخ ضميره. والمظنون أنه خنق نفسه بحبل شده بشجرة على شاهق انقطع الحبل فسقط وكان ما ذُكر هنا. ولا خلاف بين ما ذكره متّى وما ذكره لوقا في هذا الأمر لأن متّى لم يذكر شيئاً مما حدث ليهوذا بعد أن خنق نفسه ولوقا لم يخبر شيئاً بما جرى عليه قبل أن يسقط.
١٩ «وَصَارَ ذٰلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذٰلِكَ ٱلْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ)» .
وَصَارَ ذٰلِكَ مَعْلُوماً أي كل ما كان من أمر شراء الحقل وميتة يهوذا الهائلة. ونعلم من بشارة متى أن ذلك الحقل كان قبل ذلك حقل الفخاري وصار مقبرة للغرباء.
حَتَّى دُعِيَ الخ ذكر لوقا علة أخرى غير التي ذكرها متى لتسمية الحقل «بحقل الدم» فإن متّى ذكر أن العلة كون الثمن ثمن دم يسوع وذكر لوقا أنها موت صاحبه يهوذا شر ميتة دموية. ومعنى قوله «لغتهم» اللغة السريانية أو الآرامية التي كانت شائعة يومئذ في اليهودية. وهذا من الأدلة على أن هذه الآية من كلام لوقا لا كلام بطرس.
٢٠ «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ ٱلْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ، وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ».
مزمور ٦٩: ٢٥ مزمور ١٠٩: ٨
الكلام في هذه الآية هو ما أُشير إليه في ع ١٦ يقول بطرس «ينبغي أن يتم».
لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً… سَاكِنٌ (مزمور ٦٩: ٢٥) اقتبس بطرس هذه الآية من الترجمة السبعينية بقليل من الاختصار وبدل الجمع بالمفرد. وتكلم داود فيها على ما يصيب كل أعداء المسيح وحملها بطرس على يهوذا لأنه كان من أولئك الأعداء. والآية التاسعة من هذا المزمور قيلت على يسوع في (يوحنا ٢: ١٧ والآية ٢١) منه حملت عليه أيضاً في (متّى ٢٧: ٣٤).
وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ (مزمور ١٠٩: ٨) وهذا مقتبس من ترجمة السبعين بحروفه وهذا المزمور وأمثاله كالمزمور السادس والمزمور الثاني والعشرين و٢٨ و٤٣ وصف بها داود حزنه وآلامه من اضطهادات شاول إياه وخيانة أبيشالوم له وصح حملها على يسوع لأن داود كان رمزاً إلى المسيح فإن يسوع احتمل مثلما احتمل داود فالذي وجب على مضطهدي داود وجب على مضطهدي يسوع. رأى داود أن عدوه لا يستحق الوظيفة التي كانت له ووجوب أن تؤخذ منه وتُعطى لغيره. وما صح على هذا العدو صح على يهوذا عدو المسيح.
٢١، ٢٢ «فَيَنْبَغِي أَنَّ ٱلرِّجَالَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ ٱلزَّمَانِ ٱلَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ».
مرقس ١: ١ ع ٩ يوحنا ١٥: ٢٧ وع ٨ وص ٤: ٣٣
فَيَنْبَغِي أي بناء على النبوءتين المتعلقة إحداهما بترك الوظيفة والأخرى بوجوب أن يأخذها آخر.
ٱلرِّجَالَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا مَعَنَا وشاهدوا معجزات المسيح وسيرته الصالحة وسمعوا أقواله فهؤلاء أهل لأن يأخذوا الوظيفة التي تركها يهوذا ولعله أشار بذلك إلى بعض السبعين تلميذاً المذكورين في (لوقا ١٠: ١ و٢).
دَخَلَ إِلَيْنَا… وَخَرَجَ هذا كلام اصطلاحي يدل على اتصال المخالطة (تثنية ٢٨: ١٩ و٣١: ٢ و١صموئيل ٢٩: ٦ ومزمور ١٢١: ٨).
مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا أي من حين عمد يوحنا المعمدان يسوع (متّى ٤: ١٢ و١٧ ومرقس ١: ١٤) وذلك ابتداء خدمة يسوع العلنية وحينئذ جمع تلاميذ وانتخب رسلاً على غير ذلك من أعماله المعلومة.
إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ أي نحو ثلاث سنين ونصف سنة.
يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ أي رسولاً لأن الرسل عُينوا شهوداً بقيامة المسيح فإن تلك القيامة من أركان دين المسيح وأول ما يثبت صحة دعواه. هكذا أظهر الرسل بتبشيرهم (ص ٢: ٢٣ و٣: ١٥ و٤: ٣٣ و٥: ٣٢ و١٠: ٤٠ وبكتابتهم رومية ١: ٤ و٤: ٢٤ و١٠: ٩ وغلاطية ١: ١ و١بطرس ١: ٣). ومن شروط أهلية الشاهد للشهادة بقيامة المسيح أن يكون قد عرفه معرفة كاملة قبل موته ثم يراه بعد قيامته ويتحقق أنه هو هو. أشاع اليهود أن تلاميذ يسوع سرقوا جسده من القبر (متّى ٢٨: ١٣) فمن لم يشاهد سوى معجزاته وصلبه لم يكن لشهادته بالقيامة تأثير. ولما أراد بولس إثبات أهليته لهذه الشهادة قال «ألست أنا رسولاً… أما رأيت يسوع المسيح رباً».
٢٣ «فَأَقَامُوا ٱثْنَيْنِ: يُوسُفَ ٱلَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا ٱلْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ».
ص ١٥: ٢٢
فَأَقَامُوا ٱثْنَيْنِ الأرجح أنهما كانا أفضل من الباقين في الحكمة والتقوى والأهلية للوظيفة وأنهما كانا متساويين في الفضل حتى لم يستطيعوا إيثار أحدهما على الآخر.
ٱلَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا أي ابن القَسَم أو ابن الراحة وابن السبي.
ٱلْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ أي العادل ولعله لقب به لاستقامة سيرته. واعتاد اليهود أن يسموا الإنسان بعدة أسماء كما رأينا في قائمة الرسل (متّى ١٠: ٢ – ٤).
وَمَتِّيَاسَ أي عطية الرب ولا نعلم من أمره سوى ما ذُكر هنا.
٢٤ «وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْعَارِفُ قُلُوبَ ٱلْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هٰذَيْنِ ٱلٱثْنَيْنِ أَيّاً ٱخْتَرْتَهُ».
١صموئيل ١٦: ٧ و١أيام ٢٨: ٩ و٢٩: ١٧ وإرميا ١١: ٢٠ و١٧: ١٠ وص ١٥: ٨ ورؤيا ٢: ٢٣
وَصَلَّوْا لجأوا إلى الصلاة لأهمية الأمر في انتخاب رسول فيجب علينا أن نقتدي بالرسل في انتخابنا معلماً دينياً أو راعي كنيسة بأن نطلب الإرشاد من الرب. ولجأوا إليها أيضاً لعجزهم عن التمييز بين ذينك الاثنين والظاهر أن أحدهم ناب عن الباقين بتقديم الطلبات وهم شاركوه في الباطن.
ٱلْعَارِفُ قُلُوبَ ٱلْجَمِيعِ معرفة القلب من الأمور المختصة بالله (١أيام ٢٨: ٩ ومزمور ١٣٩: ١ و٢٣ وإرميا ١٧: ١٠). ويدل على أنهم وجهوا هذه الصلاة إلى المسيح خمسة أمور:
- الأول: أنّ المسيح يُسمى في العهد الجديد غالباً بالرب (أعمال ٢: ٣٦ و٧: ٥٩ و٦٠ و١٠: ٣٦ و١كورنثوس ٢: ٨ وفيلبي ٢: ١١ ورؤيا ١١: ٨).
- الثاني: أنّ الإنجيل نسب إلى المسيح معرفة القلوب (يوحنا ٢: ٢٥ و٦: ٦٤ و١٦: ١٩ و٢١: ١٧ ورؤيا ٢: ١٨ و٢٣).
- الثالث: قول لوقا في بشارته ٢٤: ٥ أن التلاميذ سجدوا ليسوع والسجود يستلزم الصلاة.
- الرابع: أن التلاميذ اعتادوا أن يسجدوا ليسوع بعد قيامته كما يبين من فعل استفانوس (أعمال ٧: ٥٩).
- الخامس: أن موضوع الصلاة كان مما يختص بالمسيح لأنه هو الذي انتخبهم حسب قوله في (يوحنا ٦: ٧٠) وعيّن عددهم وعلمهم وكان ذانك الشخصان من خلطائه التلاميذ فقد عرفهما بالاختبار.
أَيّاً ٱخْتَرْتَهُ ليكون رسولاً.
٢٥ «لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ وَٱلرِّسَالَةِ ٱلَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ».
ع ١٧
قُرْعَةَ أي نصيب أو وظيفة.
هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ أي الرسولية.
وَٱلرِّسَالَةِ زادها لوقا على الخدمة تفسيراً لها أي بياناً لنوع الخدمة وهو الرسولية.
ٱلَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا أي أظهر أنه ليس بأهل لها إذ لم يقم بمقتضاها.
لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ الضمير في مكانه راجع إلى يهوذا ولا ريب في أن المقصود بمكانه محل عقاب الخطأة ونُسب إليه لأنه أوجبه على نفسه لتسليمه سيده ولقتله نفسه. وسقط يهوذا من مكانه الرسولي لأنه لم يستحق ذلك الذي يختص بالأتقياء وهو إنسان خائن طمع محب للمال فلم يبق له مكان إلا مكان أمثاله الهالكين والأبالسة. وأشار المسيح إلى ذلك بقوله «وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ» (متّى ٢٦: ٢٤). وقال ذلك في العشاء الأخير على مسمع من كل الرسل ولا ريب في أن ذلك أثر فيهم حتى لم ينسوه وتحققوا أنه قصد بذلك الرجل يهوذا الإسخريوطي حين سلم المسيح إلى قاتليه وانتحر. وكل إنسان يهيء مكاناً له في الأبدية بتصرفه هنا. فالذي سيرته على الأرض سماوية يذهب إلى السماء والذي سيرته دنيوية نصيبه مع أهل الدنيا (مزمور ٩: ١٧ ومتّى ٥: ٣٠ و١٠: ٢٨ ولوقا ١٦: ٢٣ ورؤيا ٢٠: ١٤).
٢٦ «ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ ٱلأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً».
ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ كان إلقاء القرعة شائعاً بين الإسرائيليين لتعيين ما خفي عليهم من الأمور ذات الشأن ومن أمثال ذلك تعيين تيس لعزازيل وتمييزه عن تيس الذبيحة (لاويين ١٦: ٨). وتعيين عاخان الخائن (يشوع ٧: ١٦ – ١٨). وتقسيم أرض الميعاد بين أسباط إسرائيل (عدد ٢٦: ٥٥ ويشوع ص ١٥ إلى ص ١٧). وانتخاب شاول ملكاً (١صموئيل ١٠: ٢٠ و٢١). وتعيين نوبة الكهنة في خدمة الهيكل (١أيام ٢٤: ٥). وأمر داود بتعيين النوبة بالقرعة وبقي الناس يجرون في ذلك إلى أيام المسيح (لوقا ١: ٩). قيل في سفر الأمثال «ٱلْقُرْعَةُ تُلْقَى فِي ٱلْحِضْنِ، وَمِنَ ٱلرَّبِّ كُلُّ حُكْمِهَا» (أمثال ١٦: ٣٣).
اعتبر اليهود القرعة كرفع الأمر إلى الله تعالى في المهمات حين كان يعسر عليهم الحكم فيها وليس من دليل على أن التلاميذ استعملوا القرعة في أيام العهد الجديد غير ما ذُكر هنا. فإنه مدة ما كان المسيح معهم لم يستعملوها وبعد حلول الروح القدس عليهم في يوم الخمسين ولم يبقوا في حاجة إليها. وطرق إلقاء القرعة كثيرة فلا نعلم أي طريق القوا فيها قرعتهم ولعلهم كتبوا الاسمين على قطعتين من رق أو ورق البردي أو خشبتين ووضعوهما في إناء وهزوا الإناء إلى أن ارتفع إحداها إلى الأرض فالاسم الذي فيها هو اسم من وقعت القرعة عليه.
فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ أي ثبت بتلك القرعة أن متياس هو المنتخب رسولاً.
حُسِبَ مَعَ ٱلأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً أي حُسب من ذلك الوقت فصاعداً الثاني عشر من الرسل مساوياً لكل منهم. ولم يُذكر بعد ذلك في موضع من العهد الجديد فلا نعلم أين بشر ولا أين مات.
وتعيين المسيح بولس بعد ذلك رسولاً لم يبطل انتخاب متياس أو يلزم منه أن تعيينه كان فضولياً لأن بولس عُيّن رسولاً مخصوصاً زيادة على الرسل الأولين وأُهِّل لذلك بمشاهدته المسيح عياناً (١كورنثوس ١٥: ٨ و٩: ١ وأعمال ٢٢: ٨ و٩ و١٤ و١٥ و٢٦: ١٧ و١٨).
ولنا في انتخاب متياس ثلاثة أمور:
- الأول: أنه انتُخب لمجرد أخذ موضع يهوذا إتماماً لعدد الرسل أي ليكونوا اثني عشر شاهدعينٍ بقيامة المسيح.
- الثاني: أنه لا دليل في ذلك على أن للرسل خلفاء بل هو دليل على أن وظيفتهم خاصة وقتية انتهت بموتهم.
-
الثالث: أنه من المحال أن يُقام لهم خلفاء بعد نهاية جيلهم لاستحالة أن يقدموا الشهادة التي يعينون لها أي الشهادة المبنية على معاينتهم ما يشهدون به. نعم أن وظيفة المبشرين والرعاة والمعلمين تدوم ما دامت الكنيسة على الأرض ولكن وظيفة الرسل ليست كذلك لأنها انحصرت فيهم.
السابق |
التالي |