إقرارات الإيمان الإنجيلية

إقرار إيمان إنجيلي مصري معاصر

قصة إقرار إيمان إنجيلي مصري معاصر

    بادئ ذي بدءٍ نحن نؤمن ككنيسة إنجيلية مشيخية بمصر ان إعلان الله عن ذاته هو إعلان كامل كل الكمال في شخص الرب يسوع المسيح “فالله بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواعٍ وطرقٍ كثيرةٍ كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عب1: 1، 2).

    ونؤمن أن الكتاب المقدس هو المرجع الأوحد لهذا الإعلان، لأنه “لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلم أناس الله القدّيسون مسوقين من الروح القدس” (2بط1: 21)، وهو الدستور الوحيد للإيمان والأعمال “فكل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح” (2تي3: 16، 17).

    نعـم!  لقد سطر الكتاب المقدس أكثر من أربعين كاتبًا منهم رئيس الوزراء دانيال ونحميا ساقي الملك وعزرا الكاتب الماهر، وعاموس راعي الغنم، ومتى جابي الضرائب، ولوقا الطبيب، وبطرس الصياد، كما استخدم الروح القدس علم موسى، وخبرة يشوع، وشعر داود، وحكمة سليمان، وأرستقراطية إشعياء، وحنان إرميا، وعبقرية حزقيال، ومأساة هوشع، وخيال يوئيل، وصراحة صفنيا، ورؤى زكريا، ورقة يوحنا، وواقعية يعقوب، وفلسفة بولس، وغيرهم في سيمفونية واحدة متناغمة ومتناسقة بصورة أكثر من رائعة.

    ولقد سجّلت ريشة الوحي الكتاب المقدس بثلاث لغاتٍ وفي ثلاث قاراتٍ وعبر ألف وخمسمائة عام تقريبًا.  واليوم تمت ترجمته إلى ما يزيد عن ألفي لغة ولهجة، إلا انه بمثابة منظومة واحدة بديعة الجمال… فوق حد التصور، ويتلخص في موضوع واحد وهو “محبة الله الفائقة المعرفة والتي تتجلى في فداء الإنسان: الآب مدبره، والابن متممه، والروح القدس مقدمه”.  ونحن نؤمن أنه من المستحيل إضافة أي جديد لهذا الإعلان الإلهي الوافي ولا حذف لأي حرف واحد منه.  كيف لا؟!  “وعندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلمٍ” (2بط1: 19).

    هـذا، ومن ناحية أخرى فالكنيسة عبر تاريخها الطويل وهي تواجه متغيرات كثيرة يلزمها بل واجب عليها من حين لآخرٍ ان تعبّر عن إيمانها في لغة معاصرة تتناسب مع العصر الذي تصاغ فيه.

    كما أنه على الكنيسة أن تواجه البدع والهرطقات والتعاليم المخالفة والمنحرفة سواءً من الداخل أو الخارج وتدافع عن الإيمان المسيحي بكل قوةٍ وشجاعةٍ وبسالةٍ، وذلك بسلاح الله الكامل الذي هو الكلمة المقدسة.

    حقًـا!  إن جوهر الإيمان المسيحي ثابتُ لا يتغير.  إلا أنه لأننا نعيش في عالمٍ متغير بسرعة مذهلةٍ فعلينا ككنيسة أن نقدم الحق الإلهي الغير متغير في قالب متغير وبأسلوب متجدد بما يتلاءم ويتواءم مع واقعنا الذي نعيش فيه.

    وجدير بالذكر أن إقرار الإيمان الإنجيلي الحالي والمتضمن في كتاب “دستور الكنيسة الإنجيلية بمصر” تمت صياغته سنة 1925.  وقام سنودس النيل الإنجيلي بمراجعته وإقراره سنة 1930.  والملفت للانتباه أنه جاء في مقدمة هذا الإقرار:

“نؤيد ما للكنيسة الحية من الحق وما عليها من الواجب في إعادة تقرير عقيدتها من وقت لآخرٍ إظهارًا لما تكون قد بلغت إليه من المعلومات الجديدة عن الحق الإلهي بإرشاد الروح القدس”.

     أجـل!  هذا ما سطره وسجله آباء كنيستنا الإنجيلية الرواد الأوائل وهي كلمات تعبّر عن أسلوب تفكيرنا ككنيسة إنجيلية مشيخية في عقيدتها ونظامها، ويرجع هذا إلى تراث الإصلاح الإنجيلي الذي بدأ في أوائل القرن السادس عشر بزعامة مارتن لوثر ثم بقيادة اللاهوتي الفرنسي الذي أقام في سويسرا جون كالفن “أبو المشيخية” في تاريخ الكنيسة والذي كان ينادي: “أن الكنيسة المصلحة يجب أن تصلح ذاتها دائمًا” The Reformed Church should always reform itself

    وفي عام 1982 قدم جناب الفاضل الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس خطابًا رائعًا في حفل تخريج دفعة من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة بعنوان: “نحو علم لاهوت إنجيلي مصري معاصر” وكان لهذا الخطاب اللاهوتي العميق ردود فعل إيجابية واسعة النطاق.  فمنذ ذلك الوقت شعرت كنيستنا بحاجتها الماسة والملحة إلى: “إقرار إيمان إنجيلي مصري معاصر” فراحت بعض المجامع والمجالس السنودسية تطالب بهذا الأمر مما حفز سنودس النيل الإنجيلي وجعله يتخذ قراره التاريخي سنة 1996 بأن يكون للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر “إقرار إيمان” يعبّر من جديد عن عقيدتها وتعليمها على أن يضع في الاعتبار وان يتفاعل مع الحقائق الآتية:

  • الفكر السائد في البلاد العربية
  • فكر الكنائس التقليدية.
  • فكر المذاهب الإنجيلية الأخرى.
  • المذاهب التي ابتعدت عن الحق الكتابي مثل: السبتيين، وشهود يهوه، والعلم المسيحي، والمورمون، وغيرها.
  • الأفكار والتيارات الفكرية المعاصرة التي ظهرت على الساحة في الآونة الأخيرة سواءً كانت لاهوتية أو غير ذلك.

    وقرر السنودس أن يُكلف مجلس العمل الرعوي والكرازي بالقيام بهذه المسئولية.  والحقيقة أن المجلس فور صدور قرار السنودس لم يدخر جهدًا في سبيل تنفيذ هذا القرار الصائب، وتحقيق الهدف المنشود، فعقد العديد من المؤتمرات واللقاءات، واستطلع الكثير من الآراء في الداخل والخارج، ونظم لجان عمل من حضرات القسوس والقيادات الكنسية الذين يمثلون كل قطاعات الكنيسة وكل دوائر مجامعنا وأخذ الكل يعمل بروح الفريق الواحد بكل الحب والإخلاص من منطلق الإحساس بالمسئولية والواجب نحو عمل الله.

    والحق يُقال أن الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس هو الذي وضع حجر الأساس لهذا الإنجاز الكبير المتميز بخطابه اللاهوتي الرائع، وله يرجع الفضل في إعداد المشروع وبنائه من ألفه إلى يائه فلقد كان في ذلك الوقت رئيسًا لمجلس العمل الرعوي والكرازي.

    وفي عام 2003 استعرض السنودس مشروع “إقرار إيمان إنجيلي مصري معاصر” وأشاد بما وصل إليه المجلس من إنجازٍ يستحق كل التقدير والثناء وسجّل له الشكر العميق، وقرر السنودس تجديد تفويضه للمجلس للانتهاء من هذا المشروع الحيوي والهام وإقراره.  وعليه كلف المجلس لجنة من مجموعة من اللاهوتيين  لمراجعة الدراسة وإعداد الصياغة النهائية ووضع اللمسات الختامية وقد كان، وتم إقراره واعتماده بالفعل في نوفمبر 2006.

    وجدير بالملاحظة أن هذا الإقرار لا يحل محل قوانين الإيمان وإقرارات الإيمان التي أقرتها الكنيسة من قبل، ولكنه يستكمل ويوضح فكر الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر اليوم.

    وبصدور هذا الإقرار إلى النور ننصب حجر المعونة ونشدو: “إلى هنا أعاننا الرب” وهذا معناه أن الرب الذي بارك كنيستنا في ماضيها، ويرعاها في حاضرها نثق أنه سيباركها في المستقبل لتؤدي دورها ورسالتها في هذا العالم بأروع ما يكون الأداء والعطاء، فالماضي يشهد بأمانته، والحاضر يفخر برعايته، والمستقبل في ضمانٍ بين يديه الأمينتين.

    وعلى الأجيال القادمة الذين يأتمنهم الرب على حمل لواء الخدمة المقدسة أن يتحمَّلوا مسئوليتهم التاريخية ويقوموا جيلاً بعد جيلٍ بالتعبير عن إيمانهم المسيحي في إقرار إيمان يتناسب مع واقعهم ومتطلبات عصرهم فمسيرة الفكر الإنجيلي لا يمكن أن تتوقف عند حد معين ولكنها ستظل دائمًا وأبدًا في حركة دائبة ودائمة نحو الإصلاح والتجديد الذي يرتكز على الفكر الكتابي الراسخ ويتمشى مع احتياج الواقع المتغير بإرشاد روح الله القدوس.

    نعـم!  فلكل من كرّس وقتًا وبذل جهدًا، وأبدى رأيًا، وشارك فعلاً في إعداد وإخراج هذا العمل العملاق نقدم الشكر الجزيل المقرون بالتقدير العميق مع الصلاة الحارة أن يكافئ الرب الجميع على عمل إيمانهم وتعب محبتهم.

    وإذ نضع إقرار الإيمان الإنجيلي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بين أيدي قادة وشعب كنائسنا في ربوع بلادنا العزيزة، ولأبناء الكنيسة في كل بقاع العالم نصلي من الأعماق أن تستخدمه نعمة الله بكل قوة ليكون سبب بركة للجميع، للتمسك والالتزام بعقيدتنا الإنجيلية المشيخية الغالية على قلوبنا والتي نعتز بها كثيرًا جدًا ولنعمل معًا على توصيل “الإيمان المسَّلم مرة للقديسين” لنفوس كثيرة لمجد اسم إلهنا وامتداد ملكوت فادينا الحبيب.

                                                                                         آميـن ـ آمـين

                                     القـس جـورج شاكـر          

                                رئيس مجلس العمل الرعوي والكرازي

                                    لسنـودس النيـل الإنجيلـي     

                                         ديسمبــر 2006              

للاطلاع وقراءة نص الإقرار وتحميل نسخه منه
إقرار إيمان إنجيلي معاصر

           

الإنجيليّون المشيخيّون

الإنجيليون المشيخيون، موقع يهتم بنشر الفكر الإنجيلي المشيخي.
زر الذهاب إلى الأعلى