سفر الملوك الثاني | 24 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الملوك الثاني
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
١ – ٧ «١ فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ، فَكَانَ لَهُ يَهُويَاقِيمُ عَبْداً ثَلاَثَ سِنِينَ. ثُمَّ عَادَ فَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ. ٢ فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ غُزَاةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ وَغُزَاةَ ٱلأَرَامِيِّينَ وَغُزَاةَ ٱلْمُوآبِيِّينَ وَغُزَاةَ بَنِي عَمُّونَ وَأَرْسَلَهُمْ عَلَى يَهُوذَا لِيُبِيدَهَا حَسَبَ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ ٱلأَنْبِيَاءِ. ٣ إِنَّ ذٰلِكَ كَانَ حَسَبَ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا لِيَنْزِعَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ لأَجْلِ خَطَايَا مَنَسَّى حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ. ٤ وَكَذٰلِكَ لأَجْلِ ٱلدَّمِ ٱلْبَرِيءِ ٱلَّذِي سَفَكَهُ، لأَنَّهُ مَلأَ أُورُشَلِيمَ دَماً بَرِيئاً، وَلَمْ يَشَإِ ٱلرَّبُّ أَنْ يَغْفِرَ. ٥ وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُويَاقِيمَ وَكُلُّ مَا عَمِلَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ ٱلأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. ٦ ثُمَّ ٱضْطَجَعَ يَهُويَاقِيمُ مَعَ آبَائِهِ، وَمَلَكَ يَهُويَاكِينُ ٱبْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ. ٧ وَلَمْ يَعُدْ أَيْضاً مَلِكُ مِصْرَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِهِ لأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ أَخَذَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ كُلَّ مَا كَانَ لِمَلِكِ مِصْرَ».
٢أيام ٣٦: ٦ وإرميا ٢٥: ١ إرميا ٣٥: ١١ ص ٦: ٢٣ ص ١٣: ٢٠ ص ٢٣: ٢٧ ص ١٨: ٢٥ ص ٢٣: ٢٦ ص ٢١: ١٦ إرميا ٢٢: ١٨ و١٩ إرميا ٣٧: ٥ – ٧ إرميا ٤٦: ٢ تكوين ١٥: ١٨
فِي أَيَّامِهِ أيام يهوياقيم ويقول إرميا إن السنة الرابعة ليهوياقيم هي السنة الأولى لنبوخذ ناصر وسنة معركة كركميش التي فيها انتصر على ملك مصر وأخذ ما كان له من الفرات إلى نهر مصر أي وادي العريش وهو الفاصل بين فلسطين ومصر (إرميا ٢٥: ١ و٤٦: ٢).
مَلِكُ بَابِلَ كان أبوه لم يزل حياً ولكن نبوخذ ناصر كان قائداً للجيش ونائباً عن الملك فسُمي ملكاً. ومملكة بابل خلفت أشور من جهة أرضها ومن جهة سياستها أيضاً.
تَمَرَّدَ عَلَيْهِ وربما انحاز إلى ملك مصر على أمل أنه بواسطته يخلص من خدمة ملك بابل.
فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ (ع ٢) إن نبوبولاسر والي بابل عصى سيده ملك أشور وأسس مملكة بابل في زمان يوشيا واتحد مع سياكسرس ملك مادي وحاربا نينوى وأخذاها. وأرسل نبوبولاسر ابنه نبوخذ ناصر لمقاومة فرعون نخو الذي كان قد زحف إلى كركميش فضربه وأخذ كل ما كان له في سوريا ونزع يهوآحاز ملك يهوذا وملّك يهوياقيم. ثم مات نبوبولاسر وتبوّأ ابنه نبوخذ ناصر العرش. وخضع يهوياقيم لملك بابل نبوبولاسر مدة ثلاث سنين ثم تمرّد عليه أي على ابنه في السنة الرابعة ليهوياقيم وهي السنة الأولى لنبوخذ ناصر. وكان نبوخذ ناصر منهمكاً في أموره في الشرق فأرسل على يهوياقيم الكلدانيين الذين كان مسكنهم في الجهات الجنوبية من ما بين النهرين وهاج على يهوياقيم غزاة الآراميين والموآبيين وبني عمون (حزقيال ١٩: ٨) ثم صعد نبوخذ ناصر نفسه عليه وأخذه وقيّده بسلاسل من نحاس ليذهب به إلى بابل ولكنه عدل عن قصده هذا. ومات يهوياقيم أو قُتل وطُرحت جثته على الأرض كجثة حمار (إرميا ٢٢: ١٩). وقيل إن الرب أرسل على يهوياقيم غزاة الخ لأن الرب استعمل نبوخذ ناصر كآلة بيده ليؤدب شعبه (إرميا ٥١: ٢٠).
لأَجْلِ خَطَايَا مَنَسَّى (ع ٣) (انظر ٢١: ٢ – ١٧ و٢٣: ٢٦).
ٱضْطَجَعَ يَهُويَاقِيمُ مَعَ آبَائِهِ (ع ٦) أي مات. ونستنتج من قول إرميا (إرميا ٢٢: ١٩) إنه لم يُدفن أو إن شعبه أخذوا جثته ودفنوها بعدما طُرحت على الأرض وتُركت زماناً.
٨ – ٢٠ «٨ كَانَ يَهُويَاكِينُ ٱبْنَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ. وَٱسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلْنَاثَانَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. ٩ وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَبُوهُ. ١٠ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ صَعِدَ عَبِيدُ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَدَخَلَتِ ٱلْمَدِينَةُ تَحْتَ ٱلْحِصَارِ. ١١ وَجَاءَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ عَبِيدُهُ يُحَاصِرُونَهَا. ١٢ فَخَرَجَ يَهُويَاكِينُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ هُوَ وَأُمُّهُ وَعَبِيدُهُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَخِصْيَانُهُ، وَأَخَذَهُ مَلِكُ بَابِلَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ. ١٣ وَأَخْرَجَ مِنْ هُنَاكَ جَمِيعَ خَزَائِنِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَخَزَائِنِ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ، وَكَسَّرَ كُلَّ آنِيَةِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي هَيْكَلِ ٱلرَّبِّ، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ. ١٤ وَسَبَى كُلَّ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ ٱلرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعَ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ، عَشَرَةَ آلاَفِ مَسْبِيٍّ، وَجَمِيعَ ٱلصُّنَّاعِ وَٱلأَقْيَانِ. لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ مَسَاكِينُ شَعْبِ ٱلأَرْضِ. ١٥ وَسَبَى يَهُويَاكِينَ إِلَى بَابِلَ. وَأُمَّ ٱلْمَلِكِ وَنِسَاءَ ٱلْمَلِكِ وَخِصْيَانَهُ وَأَقْوِيَاءَ ٱلأَرْضِ سَبَاهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ. ١٦ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ ٱلْبَأْسِ، سَبْعَةُ آلاَفٍ، وَٱلصُّنَّاعُ وَٱلأَقْيَانُ أَلْفٌ، وَجَمِيعُ ٱلأَبْطَالِ أَهْلِ ٱلْحَرْبِ، سَبَاهُمْ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ. ١٧ وَمَلَّكَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَّنِيَّا عَمَّهُ عِوَضاً عَنْهُ، وَغَيَّرَ ٱسْمَهُ إِلَى صِدْقِيَّا. ١٨ كَانَ صِدْقِيَّا ٱبْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ. وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَٱسْمُ أُمِّهِ حَمِّيطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. ١٩ وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ يَهُويَاقِيمُ. ٢٠ لأَنَّهُ لأَجْلِ غَضَبِ ٱلرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَعَلَى يَهُوذَا حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ».
١أيام ٢: ١٦ و٢أيام ٣٦: ٩ ص ٢١: ٢ – ٧ إرميا ٢٤: ١ و٢٩: ١ و٢ و٢أيام ٣٦: ١٠ ص ٢٠: ١٧ وإشعياء ٣٩: ٦ ص ٢٥: ١٣ – ١٥ و١ملوك ٧: ٤٨ – ٥٠ إرميا ٢٤: ١ ع ١٦ وإرميا ٢٢: ٢٤ – ٢٨ ع ١٤ و٢أيام ٣٦: ١ – ١٣ إرميا ٥٢: ١ الخ ص ٢٣: ٣١ ص ٢٣: ٣٧ و٢أيام ٣٦: ١٣
ٱبْنَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً في ٢أيام ٣٦: ٩ إنه كان ابن ثماني سنين. ولا شك في أن القول في سفر الملوك هو الصواب لأنه كان له نساء (ع ١٥) وإرميا سماه كنياهو ويكنيا.
أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلْنَاثَانَ وألناثان كان أحد الرؤساء (إرميا ٢٦: ٢٢ و٣٦: ١٢ و٢٥) وأم الملك أي الملكة مذكورة في إرميا كمن لها اعتبار خصوصي (إرميا ٢٢: ٢٦ و٢٩: ٢) وكان الملك كولد في عمره وفي صفاته وكان ذلك من مصائب المملكة (إشعياء ٣: ٤).
صَعِدَ عَبِيدُ نَبُوخَذْنَصَّرَ (ع ١٠) صعد نبوخذ ناصر أول مرة لما حارب فرعون نخو (ع ٧) وبعد ذلك مات أبوه فتبوّأ تخت الملك في بابل وبعد مرور ثلاث سنين صعد للمرة الثانية (ع ١) عندما عصاه يهوياقيم فأسره. وبعد موت يهوياقيم ملّك ابنه يهوياكين وبعد ثلاثة أشهر صعد نبوخذ ناصر للمرة الثالثة وأخذ أورشليم ونقل بعض أهلها إلى بابل وبعد عشر سنين صعد للمرة الرابعة وأسر صدقيا وأكمل خراب المدينة (اطلب نبوخذ ناصر في قاموس الكتاب).
وَجَاءَ نَبُوخَذْنَصَّرُ (ع ١١) أي في الأول صعد عبيده ويُظن أنه كان في ذلك الزمان يحاصر مدينة صور. ثم صعد نبوخذ ناصر نفسه إلى أورشليم.
فَخَرَجَ يَهُويَاكِينُ (ع ١٢) أي سلّم لملك بابل. ويقول بعضهم إن ذلك لم يكن من الجبانة بل لأنه أراد حفظ المدينة من الهدم وأهلها من القتل.
ٱلسَّنَةِ ٱلثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ أي ملك نبوخذ ناصر.
وَكَسَّرَ (ع ١٣) ربما كان قد أخذ الأواني الصغيرة الخفيفة في زمان هجومه الأول. وحُفظت هذه الأواني في بابل إلى زمان كورش فرجعها إلى أورشليم (عزرا ١: ٧ – ١١) وكان الباقي من الأواني كبيرة كمذبح البخور وغيره وكانت مغشاة بالذهب فكّسرها أو قشّرها ليأخذ الذهب فقط.
كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ كما قال الرب لحزقيا عن فم إشعياء (٢٠: ١٧ وإرميا ١٥: ١٣ و١٤).
كُلَّ ٱلرُّؤَسَاءِ الخ (ع ١٤) قصده انحطاط أورشليم وإذلالها فسبي الذين كانوا أركانها وترك المساكين فقط. ويظهر من العدد عشرة آلاف أن المدينة لم تكن كثيرة السكان في الزمان المذكور.
وَسَبَى يَهُويَاكِينَ (ع ١٥) وبقي هو في بابل إلى أيام مردوخ ابن نبوخذ ناصر أي أكثر من ٣٧ سنة. وأخذ المسبيين أولاً إلى مدينة بابل ليفتخر بهم في قاعدة المملكة. وبعد ذلك أسكن بعضهم في أماكن أخرى من مملكته.
سَبْعَةُ آلاَفٍ (ع ١٦) كان أصحاب البأس سبعة آلاف وكان الأقيان الفاً وإذا حسبنا إن عدد الأبطال ألفان يكون المجموع عشرة آلاف كما هو مذكور في (ع ١٤).
مَتَّنِيَّا (ع ١٧) ابن يوشيا الرابع ومعنى الاسم عطية الله ومعنى صدقيا بر الله. وربما إن نبوخذ ناصر ألزمه بتغيير اسمه وسمح له أن يختار لنفسه اسمه الجديد. كانت أمه حميطل أو حموطل فكان أخاً ليهوآحاز من الأب ومن الأم أيضاً. وقيل فيه في سفر أخبار الأيام الثاني وفي سفر إرميا إنه لم يتواضع أمام إرميا النبي من فم الرب وهو والرؤساء أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم ونجسوا بيت الرب وظلموا الشعب.
كان صدقيا ضعيفاً في صفاته الروحية. كان يطلب من إرميا ليسأل الرب من أجله وقطع عهداً مع الشعب لينادوا بالعتق لعبيدهم وقال للرؤساء إن الملك لا يقدر عليهم في شيء فسلّم لهم أن يعملوا بإرميا كما أرادوا فطرحوه في جبّ ثم أمر عبد الملك الكوشي أن يخرجه منه. وكان يستشير إرميا ولا يعمل بموجب مشورته. فلا فرق بين ملك ضعيف وملك شرير.
فوائد
- إن الله استخدم الأمم لإجراء مقاصده في تأديب شعبه كالأشوريين وغيرهم. فقاموا وسقطوا وأفلحوا وانكسروا كما أراد هو. وكان يقدر أن يخلّص شعبه منهم مهما كانوا كثيرين وأقوياء لو اتكلوا عليه وحفظوا وصاياه.
- عمر طويل ونفع قليل. عاش يهوياكين في بابل ٣٧ سنة ولكنه لم يعمل شيئاً فكان كأنه لم يعش. وعلينا أن نطلب حياة نافعة قبلما نطلب حياة طويلة.
- فوائد الفقر. سبى ملك بابل الملك والأغنياء والأقوياء وترك الفقراء في بلادهم ليس لهم شيء ولم يخسروا شيئاً وربما كانت حالتهم بعد سقوط أورشليم أفضل مما كانت سابقاً.
- قيمة أصحاب الصنائع. فإن ملك بابل سباهم مع الرؤساء والأكابر لأن قوة البلاد ونجاحها متعلقة بهم أكثر من الرؤساء.
- واجبات مهمة وفرصة مهملة. كان لصدقيا فرصة لخدمة شعبه فإنه كان ملكاً من بيت داود وله المواعيد وكان عنده النبي إرميا ليعلّمه كل ما كان يجب عليه أن يعمله دينياً وسياسياً وأعطاه الرب إحدى عشرة سنة قبلما سلم المدينة للكلدانيين. ولكنه خاف من الناس أكثر مما خاف من الله ولم يصدّق إن الرب يقدر أن يخلصه من ضيقاته وتجاربه وصعوباته لو اتكل عليه. فكانت عظمة خطيئته بمقدار عظمة فرصته.
السابق |
التالي |