سفر التثنية

سفر التثنية | 34 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التثنية

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

موت موسى

١ «وَصَعِدَ مُوسَى مِنْ عَرَبَاتِ مُوآبَ إِلَى جَبَلِ نَبُو، إِلَى رَأْسِ ٱلْفِسْجَةِ ٱلَّذِي قُبَالَةَ أَرِيحَا، فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ مِنْ جِلْعَادَ إِلَى دَانَ».

عدد ٢٧: ١٢ و٣٣: ٤٧ وص ٣٢: ٤٩ ص ٣: ٢٧ تكوين ١٤: ١٤

عَرَبَاتِ مُوآبَ (ما في وادي الأردن تجاه أريحا).

جَبَلِ نَبُو (هو المعروف عند العرب بجبل نبا وهو أحد جبال سلسلة عباريم تجاه أريحا).

ٱلْفِسْجَة معناها في أصل الوضع رابية أو تل مرتفع وهي هنا عَلَم لأكمة على قنة جبل نبو (انظر عدد ٢١: ٢٠).

أَرِيحَا مدينة من أقدم مدن الأرض المقدسة في بلاد بنيامين على غاية عشرين ميلاً من أورشليم وميلين من الأردن ولا تزال تعرف بهذا الاسم إلى اليوم.

جِلْعَادَ (المرجّح أنها الأرض من شرقي الأردن إلى بلاد العرب ومنها ما يُعرف بالبلقاء اليوم).

دَانَ (مدينة في التخم الشمالي من أرض إسرائيل في سبط نفتالي على سفح حرمون المعروف اليوم بجبل الشيخ عند تل القاضي وبعض مخارج الأردن. زعم بعضهم أنها بانياس ورجّح جماعة أنها تلّ القاضي).

(إن الرب أرى موسى كل هذه الأماكن والأماكن المذكورة في الآية الآتية على ما ذكر في (ص ٣: ٢٧ و٣٢: ٥٢).

٢ «وَجَمِيعَ نَفْتَالِي وَأَرْضَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى، وَجَمِيعَ أَرْضِ يَهُوذَا إِلَى ٱلْبَحْرِ ٱلْغَرْبِيِّ».

ص ١١: ٢٤

نَفْتَالِي (أي أرض سبط نفتالي وهي في القسم الشمالي من بلاد الإسرائيليين (يشوع ١٩: ٣٢ – ٣٩) منها الليطاني والأردن وبحر الجليل).

أَرْضَ أَفْرَايِمَ (حدود هذه الأرض البحر المتوسط غرباً والأردن شرقاً وبعض أرض منسى شمالاً وبعض أرض دان وبنيامين جنوبا وكان من مدنها شيلوه).

مَنَسَّى (أي أرض نصف سبط منسى الغربي وكان غربي الأردن في جوار أفرايم أما النصف الآخر فكان نصيبه شرقي الأردن وكان يمتد من حوران إلى جبل الشيخ).

أَرْضِ يَهُوذَا جاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج بوست ما نصه «أرض يهوذا وُصفت في يشوع ص ١٥ ولم يمتلكوها كلها لأن مدن الساحل كأشدود وغزة وأشقلون وعقرون وغيرها بقيت في أيدي الفلسطينيين وكانت حدود نصيبهم من البحر المتوسط إلى بحر لوط ومن بيت حجلة (عين حجلة) إلى الجنوب الشرقي من أريحا وعين شمس بقرب بيت عنيا إلى عين روجل ووادي بني هنوم ومياه نفتوح وقريبة يعاريم وبيت شمس وتمنة وعقرون وينبيئيل ٤ أميال جنوبي يافا (يشوع ١٥: ٥ – ١١). ويظهر إن نهر روبين جنوبي يافا كان التخم الشمالي هناك. ويظهر من ذلك أن أورشليم كانت خارج أرض يهوذا تماماً. وكان التخم الجنوبي من بحر لوط إلى نهر العريش. وكان عرض هذه الأرض من الغرب إلى الشرق نحو ٥٠ ميلاً وطولها من الجنوب إلى الشمال نحو ٤٥ ميلاً».

ٱلْبَحْرِ ٱلْغَرْبِيِّ (وهو بحر الروم ويعرف أيضاً بالبحر المتوسط انظر ص ١١: ٢٤).

وبقي هنا مسئلة كثرت فيها المناقشات وهي أنه هل صعد موسى وحده إلى جبل نبو وهل رافقه يشوع بن نون الذي كتب هذا النبأ. قال بعضهم أنا أعتقد أنه كما رافق أليشع إيليا رافق يشوع موسى وكما أن إيليا ظل يخاطب أليشع إلى أن خطفته المركبة النارية عن تلميذه ظل موسى يخاطب يشوع إلى أن واراه الله عن عيني تلميذه وإن يشوع نفسه هو كاتب هذا النبإ وإن يشوع لحكمة كتم أنه كان مع موسى ولم يذكر من كل أمور المشهد سوى أمر الرب وعبده موسى. قال راشي في تفسير هاتين الآيتين وفي كلامه على هذا المشهد «إن الرب لم يقتصر علة أن يُعلن لموسى الأرض بل زاد على ذلك أن أعلن له ما سيحدث في كل من أجزائها. ولم نعرف شيئاً من تلك الأمور إنما نعلم أن المشهد كان كاملاً وإن عين المشاهد لم تكن مظلمة كالعين البشرية في مثل ذك المشهد العظيم فكانت ترى الأطراف البعيدة. والبحر الغربي على غاية خمسين ميلاً من ذلك الموقف» (أي رأس الفسجة).

٣ «وَٱلْجَنُوبَ وَٱلدَّائِرَةَ بُقْعَةَ أَرِيحَا مَدِينَةِ ٱلنَّخْلِ، إِلَى صُوغَرَ».

قضاة ١: ١٦ و٣: ١٣ و٢أيام ٢٨: ١٥

ٱلْجَنُوبَ وفي العبرانية «نجب» (נגב).

ٱلدَّائِرَةَ سهل الأردن.

أَرِيحَا مَدِينَةِ ٱلنَّخْلِ يصحّ أن تكون أريحا نفسها مدينة النخل (وهو الظاهر) ويصحّ أن تكون مدينة النخل مكاناً في جوار أريحا ولعلها سُميت كذلك لكثرة النخل فيها وفي ضواحيها.

صُوغَرَ إحدى مدن الدائرة (انظر تكوين ٣: ١٠ والتفسير).

٤ «وَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: هٰذِهِ هِيَ ٱلأَرْضُ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا. قَدْ أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلٰكِنَّكَ إِلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرُ».

تكوين ١٢: ٧ و١٣: ١٥ و١٥: ١٨ و٢٦: ٣ و٢٨: ١٣ ص ٣: ٢٧ و٣٢: ٥٢

قال راشي في تفسير هذه الآية «يا موسى يمكنك أن تذهب وتقول لإبراهيم وإسحاق ويعقوب إن القسم الذي أقسمه لكم القدوس تبارك قد وفى به» ولكن أهل الفردوس لا نظنهم مفتقرين إلى من ينبئهم بأن الله أمين لا يخلف الميعاد ولا يحنث.

٥ «فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ».

ص ٣٢: ٥٠ ويشوع ١: ١ و٢

حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ وفي العبرانية «على في يهوه» أي على فم الرب ولذلك قال مفسرو اليهود «أي مات بقبلة» والصحيح ما في الترجمة العربية فإن هذه العبارة كثيراً ما جاءت بمعنى القول فإنه تقضت سنون على موسى وهو يفعل بمقتضى «في يهوه» أو فم الرب. وأطاع موسى «فم الرب» في كل أعماله إلا يوم ضرب الصخرة والرب قال له كلمها وبقي على موسى أن يطيع آخر أمر من أوامره تعالى على هذه الأرض وهو أن يضطجع ويموت على فم الرب أي على مقتضى قوته. وفي قصة أيام موسى الأخيرة ما يُعجب منه من إنكار الذات فلا ذكر لرغبته في العالم غير المنظور ولا بيان لرجائه. فبولس الرسول قال ما لم يقله موسى في آمال الحياة الآتية. وكان موت موسى مصدر غموم لشعبه وألم لنفسه لأنه لم يستطع أن يعبر الأردن ويرى أعمال الرب في الجانب الآخر من ذلك النهر. وان سكوته غريباً وسكوته عجيباً لكنه مات ملتصقاً بالرب. والمرجّح أنه علم أنه لا يتلاشى وإنه يكون بوجدانه في عالم آخر تحيط به فيه «الأذرع الأبدية» على ما قال آنفاً. إن الرب كان معه فلم يخف شراً. إنه لم يعتره خوف حتى لم يخل أنه محتاج إلى أن يقول «إذا مشيت في واد يظل الموت لا أخاف شراً».

٦ «وَدَفَنَهُ فِي ٱلْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

يهوذا ٩

وَدَفَنَهُ أي دفنه الرب. ولم يكن هذا الإكرام لغير موسى فإن ابن الله دفنه للناس الخطأة.

ٱلْجِوَاءِ (بطن من الأرض أو وادٍ واسع فهو من جوى لا جمع جوّ وهو الوادي الواسع أيضاً وهو في العبرانية حي).

بَيْتِ فَغُورَ مكان في الفسجة.

وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ قال بعض المفسرين المسيحيين اعتقدت وما فتئت أعتقد أن الخصام بين ميخائيل والشيطان على جسد موسى (يهوذا ع ٩) كان في الواقع على قيامة جسده فإن موسى كان يقوم من الموت والشيطان يمنعه من ذلك. ولا نعلم متى كان ذلك الخصام ولكن نعلم أن إيليا الذي نُقل إلى السماء بلا موت وموسى الذي مات ودُفن كانا معاً في المجد على الجبل المقدس ولم يفرق العهد الجديد بينهما. ويصعب القول بمشاهدة موسى رجلاً ونفسه لم تعد إلى جسده أو جسده لم يُنشر من مدفنه وتحلّ نفسه به.

إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ هذا دليل قاطع على أن هذه العبارة كُتبت بعد موت موسى بزمن ليس بقصير وكاتبها يشوع أو غيره من الملهمين.

٧ «وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ».

ص ٣١: ٢ تكوين ٢٧: ١ و٤٨: ١٠ ويشوع ١٤: ١٠ و١١

لَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ (لم يضعف بصرها من الكبر).

وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ (أي ما جفّ ماء وجهه فذهب رونقه).

٨ «فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاَثِينَ يَوْماً. فَكَمُلَتْ أَيَّامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ مُوسَى».

تكوين ٥: ٣ و١٠ وعدد ٢٠: ٢٩

فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى… ثَلاَثِينَ يَوْماً كما بكوا على هارون (عدد ٢٠: ٢٩). ومما يستحق التأمل هنا أن هذا السفر ذكر موت هارون ودفنه (ص ١٠: ٦) ولم يذكر موت مريم ودفنها ولكن ذُكر في سفر العدد أنها دُفنت في قادش (عدد ٢٠: ١).

٩ «وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ كَانَ قَدِ ٱمْتَلأَ رُوحَ حِكْمَةٍ، إِذْ وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ يَدَيْهِ، فَسَمِعَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى ٱلرَّبُّ مُوسَى».

إشعياء ١١: ٢ ودانيال ٦: ٣ عدد ٢٧: ١٨ و٢٣

لعل هذه الآية واقعة موقع التعليل لقوله في الآية السابقة «فكملت أيام بكاء مناحة موسى» فكأنه قال فكف الإسرائيليون عن النوح لأن يشوع بن نون تبين أنه يقدر أن يقوم بما يحتاج إليه الشعب.

ٱمْتَلأَ رُوحَ حِكْمَةٍ أي كان كامل الحكمة التي تحتملها الطاقة البشرية.

وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ يَدَيْهِ (انظر عدد ٢٧: ١٨ و٢٣) وهذا أول مثال لهذا الرسم في الكتاب المقدس.

وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى ٱلرَّبُّ مُوسَى لم يقل كما أوصى الرب يشوع لأن يشوع لم يخرج عن الشريعة التي وضعها سيده موسى فإذا كان استماع بني إسرائيل ليشوع كاستماعهم لموسى.

١٠ – ١٢ «١٠ وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى ٱلَّذِي عَرَفَهُ ٱلرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ، ١١ فِي جَمِيعِ ٱلآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي أَرْسَلَهُ ٱلرَّبُّ لِيَعْمَلَهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ، ١٢ وَفِي كُلِّ ٱلْيَدِ ٱلشَّدِيدَةِ وَكُلِّ ٱلْمَخَاوِفِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ».

ص ١٨: ١٥ و١٨ خروج ٣٣: ١١ وعدد ١٢: ٦ و٨ وص ٥: ٤ ص ٤: ٣٤ و٧: ١٩

وَلَمْ يَقُمْ الخ المرجّح أن هذه الآيات كُتبت بعد عصر يشوع بزمن طويل لأنها تقتضي أنه قام في بني إسرائيل عدة أنبياء بعد موسى. وقد أبان الله امتياز موسى على سواه في سفر العدد أحسن إبانة (انظر تفسير عدد ١٢: ٧ و٨).

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى