سفر التثنية | 20 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التثنية
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
شريعة الحرب
١ «إِذَا خَرَجْتَ لِلْحَرْبِ عَلَى عَدُوِّكَ وَرَأَيْتَ خَيْلاً وَمَرَاكِبَ، قَوْماً أَكْثَرَ مِنْكَ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، لأَنَّ مَعَكَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ ٱلَّذِي أَصْعَدَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».
مزمور ٢٠: ٧ وإشعياء ٣١: ١ عدد ٢٣: ٢١ وص ٣١: ٦ و٨ و٢أيام ١٣: ١٢ و٣٢: ٧ و٨
إِذَا خَرَجْتَ لِلْحَرْبِ لا إلى مجرد الحرب للاستيلاء على أرض كنعان بل إلى كل حرب بعد ذلك أيضاً فإن موسى نظر قبلاً أن انتصار إسرائيل على الأمم انتصاراً كاملاً لا يكون إلا بالتدريج وإن الإسرائيليين لا بد من أن يخرجوا مراراً كثيرة للحرب قبل أن يكمل انتصارهم على أعدائهم.
خَيْلاً وَمَرَاكِبَ كان جيش إسرائيل مشاة وندر أن يكون فيه فرسان وأكثر انتصاراتهم كان وهم يحاربون مشاة.
٢ «وَعِنْدَمَا تَقْرَبُونَ مِنَ ٱلْحَرْبِ يَتَقَدَّمُ ٱلْكَاهِنُ وَيَقُولُ لِلشَّعْبِ».
ٱلْكَاهِنُ لا ذكر هنا للاويين وذكر الكاهن لأنه مميز بالذات.
يَقُولُ لِلشَّعْبِ كان الكلام الذي يأتيه بهذا الخطاب بركة الرب على الجنود. فما كان للإسرائيليين أن يخرجوا للحرب إلا بعد أن ينالوا بركة الرب بواسطة الكاهن.
٣ «ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: أَنْتُمْ قَرُبْتُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلْحَرْبِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. لاَ تَضْعُفْ قُلُوبُكُمْ. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِدُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ».
لاَ تَضْعُفْ قُلُوبُكُمْ لاَ تَخَافُوا بمثل هذا الكلام قوى إشعياء أحاز (إشعياء ٧: ٤).
لاَ تَرْتَعِدُوا أي لا ترتجفوا خوفاً لتسرعوا إلى الهرب (قابل بهذا ٢صموئيل ٤: ٤ و٢ملوك ٧: ١٥).
لاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ أي لا تخافوا من مشاهدتهم.
٤ «لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ لِيُحَارِبَ عَنْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ لِيُخَلِّصَكُمْ».
ص ١: ٣٠ و٣: ٢٢ ويشوع ٢٣: ١٠
لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ أي خارج معكم للحرب (ومن كان الرب يحارب معه وجب أن لا يخشى) قال راشي المفسري اليهودي: إنهم (أي الأعداء) أتوا بقوة اللحم والدم وأنتم أتيتم بقوة الأزلي الأبدي). وهذا كقول داود لجليات «أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ. وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِٱسْمِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ إِلٰهِ صُفُوفِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ عَيَّرْتَهُمْ» (١صموئيل ١٧: ٤٥). وقول المرنم «هٰؤُلاَءِ بِٱلْمَرْكَبَاتِ وَهٰؤُلاَءِ بِٱلْخَيْلِ أَمَّا نَحْنُ فَٱسْمَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا نَذْكُرُ» (مزمور ٢٠: ٧).
٥ – ٨ «٥ ثُمَّ يَقُولُ ٱلْعُرَفَاءُ لِلشَّعْبِ: مَنْ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي بَنَى بَيْتاً جَدِيداً وَلَمْ يُدَشِّنْهُ؟ لِيَذْهَبْ وَيَرْجِعْ إِلَى بَيْتِهِ لِئَلاَّ يَمُوتَ فِي ٱلْحَرْبِ فَيُدَشِّنَهُ رَجُلٌ آخَرُ. ٦ وَمَنْ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي غَرَسَ كَرْماً وَلَمْ يَبْتَكِرْهُ؟ لِيَذْهَبْ وَيَرْجِعْ إِلَى بَيْتِهِ لِئَلاَّ يَمُوتَ فِي ٱلْحَرْبِ فَيَبْتَكِرَهُ رَجُلٌ آخَرُ. ٧ وَمَنْ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي خَطَبَ ٱمْرَأَةً وَلَمْ يَأْخُذْهَا؟ لِيَذْهَبْ وَيَرْجِعْ إِلَى بَيْتِهِ لِئَلاَّ يَمُوتَ فِي ٱلْحَرْبِ فَيَأْخُذَهَا رَجُلٌ آخَرُ. ٨ ثُمَّ يَعُودُ ٱلْعُرَفَاءُ يُخَاطِبُونَ ٱلشَّعْبَ: مَنْ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلْخَائِفُ وَٱلضَّعِيفُ ٱلْقَلْبِ؟ لِيَذْهَبْ وَيَرْجِعْ إِلَى بَيْتِهِ لِئَلاَّ تَذُوبَ قُلُوبُ إِخْوَتِهِ مِثْلَ قَلْبِهِ».
نحميا ١٢: ٢٧ ومزمور ٣٠ عنوان لاويين ١٩: ٢٣ و٢٤ وص ٢٨: ٣٠ ص ٢٤: ٥ قضاة ٧: ٣
ٱلْعُرَفَاءُ (ع ٥) في الأصل العبراني «شطريم» (انظر ص ١٦: ٨) والظاهر هنا أنهم القضاة المدنيون (فهم ثواني القضاة الشرعيين) وترجمها بعضهم بالقواد لكن قواد الجيش كانوا يعينون للخدم الخاصة كما يظهر من (ع ٩) فإن فيه نصاً على أن هؤلاء العرفاء هم الذين عُينوا قواد الجيش. على أن العرفاء في غير هذا الموضع أُطلقوا على قواد الجيش من (رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات (انظر ص ١: ١٥).
مَنْ هُوَ ٱلرَّجُلُ الخ هذا يدل على أن كل رجال إسرائيل كانوا جنود حرب وكانوا مكلفين بالحرب إلا غير المستعدين لها يُعفون. ولم يُكتب من أمثلة ذلك إلا واحد وهو في سفر القضاة في قول الرب لجدعون «ناد في آذان الشعب قائلاً من كان خائفاً ومرتعداً فليرجع وينصرف» فرجع ٢٢٠٠٠ من ٣٢٠٠٠ أي أكثر من الثلثين.
٩ «وَعِنْدَ فَرَاغِ ٱلْعُرَفَاءِ مِنْ مُخَاطَبَةِ ٱلشَّعْبِ يُقِيمُونَ رُؤَسَاءَ جُنُودٍ عَلَى رَأْسِ ٱلشَّعْبِ».
رُؤَسَاءَ جُنُودٍ أي قواد جيش الحرب الذين تُلغى رئاستهم متى انتهت الحرب على ما يرجّح. ويمكننا أن نظن من ذكر الألوف في الجند ورئيس الألف (١صموئيل ١٧: ١٨) إن الجيش قُسم بحسب ترتيب الشعب المدني إلى جماعات بمقتضى مشورة يثرون وكان على الألف قائد واحد. ويمكن أن يُعنى الألف في الجندية هنا فرقة يجهزها ألف في إسرائيل بقطع النظر عن عددها فيزول بذلك كثير من المشاكل لأن الألف كله يندر أن يجتمع في الحرب والفرقة الذي يرسلها ألف معينون يمكن أن تكون جماعة قليلة من الرجال وعلى ذلك إذا قيل قُتل ستون ألفاً كان المعنى قُتل ستون فرقة من الفرق التي يُسمى كل منها ألفاً فلا يكون القتل على قدر العدد الحقيقي. والخلاصة أن الألف في مصطلح الجندية أقل من الألف بل ربما كان رجالاً قليلين في الاصطلاح العكسري.
الحصار (ع ١٠ – ٢٠)
١٠ – ١٤ «١٠ حِينَ تَقْرَبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِتُحَارِبَهَا ٱسْتَدْعِهَا لِلصُّلْحِ، ١١ فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى ٱلصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. ١٢ وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْباً، فَحَاصِرْهَا. ١٣ وَإِذَا دَفَعَهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلَى يَدِكَ فَٱضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. ١٤ وَأَمَّا ٱلنِّسَاءُ وَٱلأَطْفَالُ وَٱلْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ ٱلَّتِي أَعْطَاكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».
٢صموئيل ٢٠: ١٨ و٢٠ عدد ٣١: ٧ يشوع ٨: ٢ يشوع ٢٢: ٨
حِينَ تَقْرَبُ مِنْ مَدِينَةٍ… ٱسْتَدْعِهَا لِلصُّلْحِ الخ لا كما يفعل بنو دان الذين قتلوا سكان لايش بدون تنبيه (قضاة ١٨: ٢٧ و٢٨) حتى أنه في حروب يشوع كانت سكان المدن القائمة على تلالها (أي المتحايدة) تسلم (يشوع ١١: ١٣).
١٥ «هٰكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ ٱلْمُدُنِ ٱلْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدّاً ٱلَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هٰؤُلاَءِ ٱلأُمَمِ هُنَا».
هٰكَذَا تَفْعَلُ أي تغنم كل شيء فيها من النساء والأطفال والبهائم الخ ولا تقتل النساء والأطفال كالرجال.
١٦ – ١٨ «١٦ وَأَمَّا مُدُنُ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَصِيباً فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَا، ١٧ بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيماً: ٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ، ١٨ لِكَيْ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا حَسَبَ جَمِيعِ أَرْجَاسِهِمِ ٱلَّتِي عَمِلُوا لآلِهَتِهِمْ فَتُخْطِئُوا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ».
عدد ٢١: ٢ و٣ و٣٥ و٣٣: ٥٢ وص ٧: ١ و٢ ويشوع ١١: ١٤ ص ٧: ٤ و١٢: ٣٠ و٣١ و١٨: ٩ خروج ٢٣: ٣٣
وَأَمَّا مُدُنُ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ… فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَا… لِكَيْ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا حَسَبَ جَمِيعِ أَرْجَاسِهِمِ كان على بني إسرائيل أن ينفذوا على هذه المدن حكم الرب. وأما أرجاسهم فيكفينا هنا أن نشير للقارئ إليها فلينظر (لاويين ١٨: ٢٤ – ٢٨ و٢٠: ٢٣) وهذه الآيات أي (ع ١٦ – ١٨) معترضة وفي (ع ١٩) عود إلى الموضوع.
١٩، ٢٠ «١٩ إِذَا حَاصَرْتَ مَدِينَةً أَيَّاماً كَثِيرَةً مُحَارِباً إِيَّاهَا لِتَأْخُذَهَا، فَلاَ تُتْلِفْ شَجَرَهَا بِوَضْعِ فَأْسٍ عَلَيْهِ. إِنَّكَ مِنْهُ تَأْكُلُ. فَلاَ تَقْطَعْهُ. لأَنَّهُ هَلْ شَجَرَةُ ٱلْحَقْلِ إِنْسَانٌ حَتَّى يَذْهَبَ قُدَّامَكَ فِي ٱلْحِصَارِ؟ ٢٠ وَأَمَّا ٱلشَّجَرُ ٱلَّذِي تَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ شَجَراً يُؤْكَلُ مِنْهُ، فَإِيَّاهُ تُتْلِفُ وَتَقْطَعُ وَتَبْنِي حِصْناً عَلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ مَعَكَ حَرْباً حَتَّى تَسْقُطَ».
فَلاَ تُتْلِفْ شَجَرَهَا لأن الشجر لا يحارب ولا يضل عن الحق ويقود إلى الأرجاس فعلى مَ يتلف. هذا قول مفسري اليهود.
(تذييل لهذا الأصحاح)
قال بعضهم أن قول البنوءة «يقيم لك الرب إلهك نبياً مثلي» دليل قاطع على أن ذلك النبي ليس بالمسيح لأن المسيح لم يكن مثل موسى. وندفع ذلك بأن المماثلة لا تستلزم أن يكون المتماثلين متساويين في كل شيء وإلا فليس أحد مثل أحد إذ كل اثنين غيران.
وقال آخرون أن ذلك النبي ليس بالمسيح لأنه من إخوة إسرائيل لقوله «من إخوتك» والمسيح من إسرائيل لا من إخوتهم. وندفع ذلك بأن الخطاب لكل من بني إسرائيل وكل من سائر إسرائيل أخ لكل مخاطب منهم. ومثل هذا كثير في الكتاب المقدس. وفي هذا السفر عينه ما نصه «مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيًّا لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ» وبالبديهة تُفهم أن المقصود بالأخ هنا رجل من بني إسرائيل (تثنية ١٧: ١٥ انظر أيضاً ص ١٥: ٧ و٢٤: ١٤).
السابق |
التالي |