سفر المزامير

سفر المزامير | 146 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ

«١ هَلِّلُويَا. سَبِّحِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ. ٢ أُسَبِّحُ ٱلرَّبَّ فِي حَيَاتِي. وَأُرَنِّمُ لإِلٰهِي مَا دُمْتُ مَوْجُوداً. ٣ لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ وَلاَ عَلَى ٱبْنِ آدَمَ، حَيْثُ لاَ خَلاَصَ عِنْدَهُ. ٤ تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ. فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ».

في هذا يبدأ سفر المزامير اقترابه من الختام ولذلك يضع أمامنا خمسة مزامير هللويا. ولا يستطيع القارئ أن ينكر العلاقة الكائنة بين هذا المزمور وبين سابقه الذي رأيناه مرتباً حسب أحرف الهجاء ولا سيما العدد الثاني في كلا المزمورين. وكذلك العدد الخامس وعلاقته في العدد الخامس عشر من المزمور السابق. ثم العدد السابع وعلاقته في العدد نفسه من المزمور السابق. بل أن تناسق الأفكار في الاثنين يوحي بأن المؤلف واحد.

ومما يجدر بالذكر أن هذه المزامير الخمسة الأخيرة كان الناس يستعملونها في العبادة الصباحية في الهيكل. وقد سماها بعض المفسرين بمزامير التهليل الإغريقية لكي يميزوها عن تلك المزامير الأخرى التي كانت تستعمل في خدمة الفصح وقد سميت «مزامير التهليل المصرية». وأما تاريخ كتابة هذا المزمور فمتأخرة وكل ما نعرفه أنها كتبت قبيل كتابة سفر المكابيين الأول وهو يصرف نظرنا عن الاتكال على الرؤساء والعظماء في العالم لكي نتكل على الله وحده.

(١ – ٤) بدلاً من أن يبدأ كلامه «بباركي» كما في المزمورين ١٠٣ و١٠٤ نجده يقول «سبحي» بعد ذكر الهللويا الأولى. يشعر المرنم بعمق الاختبار الروحي الذي يتكلم عنه في هذا التسبيح الذي يتفوه به الآن بل أن شعوره هذا يرافقه على مدى الحياة والوجود فهو إذن ليس عن إحساس ديني وقتي يأتي ويضمحل بل هو عمل حياة مكرسة لله. حالاً يأتي في العدد الثالث إلى تصريح شديد اللهجة يحمل في طياته مرارة ويعلمنا أن لا نتكل على الرؤساء وهذا يعود بنا إلى ما ورد في (مزمور ١١٨: ٨) وما يليه. هذا الإنسان مهما عظم وتكبر لا يخرج عن كونه ابن آدم الذي أخذ من تراب الأرض (راجع تكوين ٢: ٧ و٣: ١٩). وسوف يعود إلى التراب متى انتزعت روحه منه فكيف إذن يستطيع أن ينجي وهو ذاته ليس بمنجاة؟ وحينما يعود جثة هامدة لا يعود يستطيع التفكير أيضاً بل ينتزع منه كل شيء.

«٥ طُوبَى لِمَنْ إِلٰهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، وَرَجَاؤُهُ عَلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ ٦ ٱلصَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ، ٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. ٱلْحَافِظِ ٱلأَمَانَةَ إِلَى ٱلأَبَدِ. ٧ ٱلْمُجْرِي حُكْماً لِلْمَظْلُومِينَ ٱلْمُعْطِي خُبْزاً لِلْجِيَاعِ. ٱلرَّبُّ يُطْلِقُ ٱلأَسْرَى. ٨ ٱلرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ ٱلْعُمْيِ. ٱلرَّبُّ يُقَوِّمُ ٱلْمُنْحَنِينَ. اَلرَّبُّ يُحِبُّ ٱلصِّدِّيقِينَ. ٩ ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ ٱلْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ ٱلْيَتِيمَ وَٱلأَرْمَلَةَ. أَمَّا طَرِيقُ ٱلأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ. ١٠ يَمْلِكُ ٱلرَّبُّ إِلَى ٱلأَبَدِ، إِلٰهُكِ يَا صِهْيَوْنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. هَلِّلُويَا».

(٥ – ٧) طالما لا عون يأتينا من البشر فمن هو المعين سوى الله ذاته. هذا الإله الذي يعيننا اليوم كما أعان يعقوب من قبل وهو الأب الأول الذي عاهد الرب عهداً أبدياً وقت هربه من أخيه عيسو ومنها جاءت الأسباط كلها (راجع مزمور ١١٩: ١١٦) إن البشر لا يعينون ولو كان باستطاعتهم أن يفعلوا ذلك بعض الأحيان إذ يكون المانع عدم الرغبة أكثر من عدم القدرة. ولكن ماذا يهم المؤمن الذي يترجى الرب الإله وحده. هو الصانع السموات والأرض والفاصل بين البحر واليابسة وخالق جميع ذوات الحياة من كبارها لصغارها إذ كان البشر يغيرون وعودهم وينكثون عهودهم فإن الرب وحده هو الذي يحفظ الأمانة ويجريها. وأول من يلتفت الرب إليهم هم المظلومون فيكون لهم عوناً في الضيقات ويخلصهم من يد الظالم ويطعمهم في الجوع ويفك أسراهم في العبودية.

(٨ – ٩) يتابع المرنم في هذه الأعداد ذكر عمل الرب المشجع المقوي فكما أنه لا يدع أحداً في الأسر بل يعتقه ويطلقه كذلك فهو الذي يفتح أعين العمي ويقوّم المنحنين ويحفظ الأبرار الصديقين. فهذا الرب لا يكتفي بتحطيم الأغلال عن الرقاب بل يأتي للإنسان نفسه ويعطيه الصحة والخير. ينظر إلى الغريب المنبوذ ويجد أنه في الله قد وجد صحبة كبيرة ومحبة أكيدة. كذلك فهو لا يتخلى عن اليتيم الذي لا معين له كما أنه لا يغفل عن الأرملة المكسورة الخاطر والجناح إذ هو عضدها أيضاً كما هو أب لجميع الأيتام (راجع مزمور ٢٠: ٩ و٣١: ١٢) ومن جهة أخرى فهو لا يرضى عن الأشرار ولا قبل طرقهم بل تكون نهاية طريقهم العوجاء إلى الهلاك والدمار (راجع مزمور ١: ٦).

هذا هو ملك الملوك بالمحبة للمساكين والغضب على الأشرار. لذلك انعمي بالاً وقري عيناً يا أمة الله ويا شعبه وسبحوا له هللويا.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى