سفر المزامير

سفر المزامير | 132 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

تَرْنِيمَةُ ٱلْمَصَاعِدِ

«١ اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ، كُلَّ ذُلِّهِ. ٢ كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ، نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: ٣ لاَ أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لاَ أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. ٤ لاَ أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنَيَّ وَلاَ نَوْماً لأَجْفَانِي».

لقد وضع هذا المزمور عقب المزمور المئة والحادي والثلاثون إذ يوجد علاقة متينة بين الاثنين فكلاهما يشيران إلى جلب تابوت العهد وقد بذل داود جهوداً جبارة ليضعه في مكان معين. فقد شاء الملك أن يكون هذا التابوت موضوعاً بين الشعب للبركة وطلب الرضا. وعلى ما يظهر فإن الكاتب يأخذ فقرات من أسفار مختلفة (راجع مزمور ١٣٠: ٢ وأيضاً ٢أخبار ٦: ٤١ وما بعده).

يلتمس المرنم أن يبارك الرب الممسوح من قبله فهو ليس داود ذاته ولا هو رئيس كهنته ولا هو إسرائيل أو يعقوب. ولكنه قد يكون زربابل نفسه لأن هذا المزمور يشير كبقية مزامير المصاعد إلى ما بعد السبي لا قبله. وإذا راجعنا نبوءة حجي ولا سيما آخرها وجدنا النبي يذكر عصراً لسلسلة ملوك من نسل داود. ولكن الصعوبة هنا أن زربابل لم يكن ممسوحاً من الرب ولذلك فقد ذهب البعض إلى حسبان هذا المزمور بقلم سليمان نفسه حينما نقل تابوت العهد من الخيمة إلى الهيكل المبني (راجع ٢أخبار ٥: ٥ وما بعده).

(١ – ٤) يريد المرنم أن يذكر أشياء قديمة وهذا مما يجعلنا نعتبر المزمور من مؤلفات بعد السبي لا قبله. فهو يذكر داود وأيامه القديمة كيف أنه تذلل أمام الرب وحلف ونذر ولكنه وفى بوعده وعمل بكل أمانة واجتهاد (راجع ٢أخبار ٦: ٤٢ وقابله مع إشعياء ٥٥: ٣). فقد نذر أنه لن يدخل خيمة ويرتاح فيها ولا يصعد لينام على سريره. لقد وعد ناثان (راجع ٢صموئيل ٦) بأن يقيم بناء للرب ولكنه حينما جاءته النبوءة أنه لن يبنيه بل ابنه الخارج من صلبه يفعل ذلك نجده يتحول لإعداد مسألة البناء فقط ويحضّر اللوازم ويختار الموقع ويدبره. بل نجده يرتب كافة شؤون العبادة القادمة في الهيكل ويهيء لها كل معداتها ويشجع الناس للإقبال عليها. بل نجده ينفخ في صدورهم أن يقبلوا بعزيمة جبارة للاضطلاع بهذا العمل الكبير الذي يرضيه تعالى لأجل تمجيده.

«٥ أَوْ أَجِدَ مَقَاماً لِلرَّبِّ، مَسْكَناً لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ. ٦ هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ ٱلْوَعْرِ. ٧ لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ. ٨ قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ. ٩ كَهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ ٱلْبِرَّ، وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ. ١٠ مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لاَ تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ. ١١ أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لِدَاوُدَ بِٱلْحَقِّ، لاَ يَرْجِعُ عَنْهُ: مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ».

(٥) وهكذا فقد تمّم داود نذره وأوجد مقاماً للرب وإن يكن لم يستطع البناء بذاته. وهو عزيز يعقوب أي أنه الإله المعبود في وسط شعب يعقوب الذي دعي اسمه عليه.

(٦ – ١٠) قوله وجدناه في حقول الوعر هو إشارة لقرية يعاريم حيثما وجد التابوت بعد أن أخذه الفلسطينيون المنتصرون (انظر إرميا ٢٦: ٢٠ وعزرا ٢: ٢٥ وقابله مع يشوع ١٨: ٢٨). والأرجح أنها مذكورة قرية بعل (راجع يشوع ١٥: ٦٠) أو بعلة كما في (يشوع ١٥: ٩ و١أخبار ١٣: ٦). وقد كانت مقاطعة مملوءة بالأشجار عندئذ. ويكون المعنى أننا سمعنا به في أفراتة أولاً أي في بيت لحم ولكننا وجدناه في مكان آخر. ولكن لا يغرب عن بالنا أن تابوت العهد كان أولاً في شيلوه وهي مدينة في أفرايم وليست من مدن يهوذا ولكن يظهر أن أفراته أطلقت على حقول خصبة ويمكن نسبتها إلى بيت لحم أو إلى مكان آخر في أفرايم نفسها. فيكون المعنى أن هذا التابوت الذي كان في أفراتة إذا به الآن موجود في قرية يعاريم ينتظر أن يؤخذ إلى مكانه الدائم حيث يبقى فيه ويبارك شعبه. وهكذا يرجو أن يدخل الناس مساكنه ويسجدوا عنده بإيمان وورع. ثم يخاطب هذا التابوت بأن يكون له العز والجلال. وهكذا يلبس الكهنة أثواب البر كما يهتف الأتقياء بحمد اسم الرب وتسبيحه. فهو يلتمس شفاعة داود وكرامة وجهه لدى الرب بعد هذا العمل الجليل الذي قام به لكي يبارك مسيحه كما فعل بداود من قبل.

(١١) وهكذا فإن الرب ذاته قد استجاب لداود طلبه وحاشا له أن يرجع عن عهوده مع عبده. وهو أنه سيقيم من نسله فقط من يأخذون الملك بعده. فلم ير الله أحداً يناسب الملك ويكون عادلاً في حكمه ومستحقاً لهذا المقام الرفيع سوى الذين من نسل داود.

«١٢ إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي ٱلَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، فَبَنُوهُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ. ١٣ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱخْتَارَ صِهْيَوْنَ. ٱشْتَهَاهَا مَسْكَناً لَهُ: ١٤ هٰذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى ٱلأَبَدِ. هٰهُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي ٱشْتَهَيْتُهَا. ١٥ طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. مَسَاكِينَهَا أُشْبِعُ خُبْزاً. ١٦ كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصاً، وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافاً. ١٧ هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْناً لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجاً لِمَسِيحِي. ١٨ أَعْدَاءَهُ أُلْبِسُ خِزْياً، وَعَلَيْهِ يُزْهِرُ إِكْلِيلُهُ».

(١٢ – ١٣) ولكن لهذا الشرف العظيم قاعدة لا يجوز أن يتعداها وهذه القاعدة هي أن يحفظ البنون عهود الرب ويمشوا بحسب شهاداته وأحكامه وحينئذ فهؤلاء البنون يثبتون في ملكهم إلى الأبد. وفي العدد ١٣ يرينا لماذا هذا الاحتفاظ بالعهد لأنه قد أحب المدينة المقدسة إجمالاً فهو يقيم عهده نحوها لأنها مسكنه المحبوب. فهي شهوة لجميع البشر.

(١٤ – ١٨) ويدعم كلامه عن هذه الشهوة أن الرب ذاته قد اشتهاها واتخذها مكاناً لراحته. لقد رُفضت شيلوه (راجع مزمور ٧٨: ٦٠) كما أنه لم يبق في بيت إيل سوى وقت قصير (راجع قضاة ٢٠: ٢٧) والمصفاة أيضاً (راجع قضاة ٢١: ٥) ولم يبق بقرية يعاريم في بيت أبيناداب إلا لوقت قليل (راجع ١صموئيل ٧: ٢). وأما صهيون نفسها فهي تلك التلة المقدسة التي عليها أقيم هيكل الرب وهناك يتمجد اسمه إلى الأبد.

فهو الذي يبارك ما يأكله الناس فيها أنه حتى المساكين أنفسهم لا يحتاجون شيئاً فيما بعد بل يغنمون ويسعدون في حياتهم طالما الرب قد بارك حياتهم وجميع مقتنياتهم. وهوذا الكهنة أنفسهم يلبسون خلاص الرب كما يلبسون الثياب فهم سبب خير ونجاة للآخرين يمشون أمامهم في طريق الرب وبقية الناس يتبعون وأما الأتقياء فهم يشاهدون هذا الخلاص ويهتفون من البهجة والفرح. وهكذا فإن هذا المقر الملكي يكون قد ثبت في موضعه مرة بعد أخرى فلا يتزعزع فيما بعد بل جعلت مسيحي مثل السراج المنير وكل الذين في ظلمة يبصرونه ويسترشدون وأما بقية الناس ولا سيما الأعداء منهم فقد لبسوا الخزي والعار وأما على النسل الملكي فإن إكليل الرب يزين جبينه ويجعله زاهراً كريماً على مدى الحياة (راجع لوقا ١: ٦٨ – ٧٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى