سفر المزامير

سفر المزامير | 110 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْعَاشِرُ

لِدَاوُدَ. مَزْمُورٌ

«١ قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. ٢ يُرْسِلُ ٱلرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ. ٣ شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ ٱلْفَجْرِ. لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ».

لا شك أن هذا المزمور هو من أكثر المزامير علاقة بالعهد الجديد فقد اقتبس منه الإنجيليون (كتبة الأناجيل) وغيرهم بصورة واسعة (انظر متّى ٢٢: ٤١ – ٤٦ ومرقس ١٢: ٣٥ – ٣٧ ولوقا ٢٠: ٤١ – ٤٤). وقد اتخذوه نبؤة عن انتصار المسيح النهائي على أعدائه حينما يجلس أخيراً عن يمين العرش في الأعالي (انظر أعمال ٢: ٣٤ وما بعده أيضاً ١كورنثوس ١٥: ٢٥ وعبرانيين ١: ١٣ و١٠: ١٣) بل نجد كاتب الرسالة للعبرانيين يدعم نبؤته بذهاب الكهنوت اللاوي وقيام الكهنوت المسيحي على ما ورد بقوله على رتبة ملكي صادق (راجع عبرانيين ٥: ٦ و٧: ١٧ و٢١). ينسب هذا المزمور لداود وأنه نظمه على أثر انتصاره على العمونيين ولكن الأرجح أنه نظم في عصر يهوذا المكابي إذ يتكلم عن شخص هو كاهن ملك أو برتبة ملكية ولم يكن هذا في تاريخ إسرائيل إلا بعد عصر المكابيين لا قبلهم.

(١ – ٢) هذه لغة الشعب يخاطبون بها مليكهم ويمكن ترجمتها قال الرب لسيدي أي لسيدي الملك (راجع ١صموئيل ٢٢: ١٢ وأيضاً راجع المزمورين ٢٠ و٢١). والجلوس عن اليمين هو للتكريم كما أن السيد الديان سيجلس عن يمين عرش الآب في الأعالي. والجلوس عن يمين الملك هو أعظم مظاهر التمجيد والتكريم (راجع ١ملوك ٢: ١٩) والأعداء عند موطئ القدمين دليل الخضوع التام (١ملوك ٥: ١٧). إن صهيون مركز صولجان هذا الملك (راجع إرميا ٤٨: ١٧ وحزقيال ١٩: ١١ – ١٤). فهو متسلط على الشعب وكذلك متسلط في وسط الأعداء (ميخا ٥: ٣ و٤).

(٣) وشعب هذا الملك مندفع من نفسه في سبيل خدمته. أي حينما يدعوهم ليظهر قوته يتجندون حالاً يأتون مزينين كأنهم مولودون من الفجر ويشبهون الطل المتساقط أي الندى على وجه الأرض. يأتي الأحداث لهذه الخدمة لأنهم عز الملك بهم يتغلب على الأعداء لأنهم ذوو عزيمة وإقدام ولا يبخلون بأية تضحيات مهما عظمت.

«٤ أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ. ٥ ٱلرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ رِجْزِهِ مُلُوكاً. ٦ يَدِينُ بَيْنَ ٱلأُمَمِ. مَلأَ جُثَثاً أَرْضاً وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا. ٧ مِنَ ٱلنَّهْرِ يَشْرَبُ فِي ٱلطَّرِيقِ، لِذٰلِكَ يَرْفَعُ ٱلرَّأْسَ».

(٤) يلتفت مرة أخرى إلى هذا الملك الكاهن. فتتحد الملكية بالكهنوت وهذا يفعله الله بعد أن يقسم ولن يتراجع في ما يفعله قط. هو شيء أبدي ثابت فما يفعله إنما هو للبقاء. وهكذا فإن معاركه هي ملكية وفي الوقت ذاته هي جليلة ومقدسة لأنه بحسب إرادة الله وترتيب قصده.

(٥ – ٧) مرة أخرى يذكر الرب أنه عن اليمين ولكنه الآن يضع الترتيب بشكل آخر إذ الملك يجلس والرب عن يمينه بينما من قبل فإن الرب يجلس والملك عن يمينه وفي كلتا الحالتين إن الشيء المهم هو أن يؤكد لنفسه وللناس أن الله معه وسينصره على الأعداء بل سيجعل هؤلاء محطمين لا سيما وهو يغضب عليهم غضباً شديداً. وهكذا فإن الأرض كلها قد امتلأت بجثث القتلى وتناثرت الهامات إلى كل جانب. ولكن هذا الملك العظيم لا يعبأ بشيء بل يستمر في معاركه حتى أنه لا يتأخر من أي الأسباب وهكذا يستخدم النهر ليشرب منه فلا يعوقه عن التقدم والمسير إلى غايته والنيل من أعدائه. ويرفع رأسه أخيراً علامة الظفر العظيم والنصرة الكاملة. وإذا مر ليشرب من جانب النهر فإنما يفعل ذلك لكي يستريح ويأخذ وقتاً للترويح عن نفسه بعد أن يكون قد تغلب على كل الأعداء ومن جهة روحية فهذا ينطبق على ما سيحدث للمسيا الموعود (انظر فيلبي ٢: ٨ وما بعده وأيضاً عبرانيين ١٢: ٢ ورؤيا ٥: ٩ وما يليه).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى