سفر المزامير | 105 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ
«١ اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ. ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ. ٢ غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. أَنْشِدُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. ٣ ٱفْتَخِرُوا بِٱسْمِهِ ٱلْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ ٱلرَّبَّ».
هذا أحد المزامير التي تبدأ بالحمد كما أنه يوجد بعض المزامير الأخرى التي تبدأ هللويا فنسمي المزامير الأول مزامير الحمد مثل المزامير (١٠٥ و١٠٧ و١١٨ و١٣٦). كما أن مزامير هللويا مثل (المزامير ١٠٦ و١١١ و١١٢ و١١٣ و١١٧ و١٣٥ و١٤٦ و١٤٧ و١٤٨ و١٤٩ و١٥٠). ويذكر كلا النوعين من المزامير كل من أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا. يأخذ المرنم مجمل الحوادث التي جرت في أيام موسى وأوائل أيام يشوع ويلبسها حلى قشيبة من الشعر القصصي الديني. يأخذ زمان التوراة (أي الشريعة الموسوية) ويتوسع فيه سارداً الحوادث ليس بصورة تاريخية بمقدار إلقاء دروس وعبر على الحاضر يستنتجها من الماضي السحيق. والأرجح أنه مزمور كان يرنم في الأعياد (راجع ١أخبار ١٦: ٨ – ٢٢) وقد حسبه بعض المفسرين أنه مجموعة من المزامير أخذت شكلها الأخير على مرور الزمان وتكرار الاستعمال ويرجح الكثيرون أنه كان يستعمل في ابتداء العبادة على جبل صهيون وإنه يتبع النسق الداودي في المزامير. وخلاصة القول أنه مزمور يسرد حوادث التوراة بشكل شعري يقع في النفس موقعاً جميلاً.
(١ – ٣) يبدأ كلامه بحمد الرب والدعوة باسمه إي إذاعة اسمه إلى كل مكان حتى يسمع جميع الأمم ويعترف البشر كلهم بصنائع الرب وعظمته هو دعاء التسبيح والشكران بصوت مسموع مفهوم. يجب أن يغنى له ويرنم ويتذكر العالم أجمع تلك العجائب التي صنعها الرب. بل هو مدعاة الفخر والمباهاة أمام الجميع ولا سيما أن تفرح به قلوب المؤمنين الذين يلتمسون الرب فيجدون فيه صخرة خلاص وملجأ أمان. في هذه الدعوة للتسبيح جدّ وانشغاف أما الجد فلأنه يريد أن ينصرف الناس بالتقوى والورع ولا يصرفون أوقاتهم في التلهي بأمور العالم فقط. وأما الانشغاف فهو يضع الله قبلة الأنظار ويتقدم إليه عن محبة ورغبة قلبية. لذلك هو يدعو للفرح والترنم والابتهاج بالرب وليس مجرد تقديم عبادة خارجية وكفى.
«٤ اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. ٱلْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِماً. ٥ ٱذْكُرُوا عَجَائِبَهُ ٱلَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ ٦ يَا ذُرِّيَّةَ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ. ٧ هُوَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ أَحْكَامُهُ. ٨ ذَكَرَ إِلَى ٱلدَّهْرِ عَهْدَهُ كَلاَماً أَوْصَى بِهِ إِلَى أَلْفِ دَوْرٍ، ٩ ٱلَّذِي عَاهَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَقَسَمَهُ لإِسْحَاقَ».
(٤ – ٦) يجب على الناس أن يلتفتوا إلى الرب ويهتموا بوصاياه لأنه قدير فيستطيع أن يحضر إلى كل مراكز الخطر ويبددها. وهو يلتمس وجه الله أي حضوره الإلهي لأن بوجهه يتبدد جميع غياهب الظلمات وهكذا يسلك المؤمن بالنور ويعيش موفقاً سعيداً. ويطلب من الناس أن يذكروا عجائب الله والآيات والأحكام التي تخرج من فمه لأن كل أحكامه حق وأمانة وعدل. والأرجح أن المرنم يضع تذكارات مصر وخروج شعب الله منها أمام عينيه فلا يجوز إذن للشعب أن ينسى ما جرى معه من حوادث خطيرة. ويعود بالتذكارات إلى قبل ذلك أيضاً فيذكر الشعب إنهم ذرية يعقوب وإبراهيم وأولئك الآباء الذين اختارهم الله ليكونوا معه وليخبروا الأجيال القادمة.
(٧ – ٩) هذا الرب الإله الذي يملأ الأرض كلها بأحكامه. نعم هو إله إسرائيل ولكنه هو إله الأرض كلها يحكم بالعدل والإنصاف ولكن شعبه المختار هو الذي يعترف بأحكامه هذه ويذكر العهد الذي قطعه ويحفظه إلى كل أدوار التاريخ. ثم يعود فيذكر إبراهيم مرة ثانية ويرى فيه الشخص الأنسب الذي عاهده الله ثم أعطى قسمه لإسحاق ابنه من بعده. لأن الله حي لذلك هو ينقل عهوده المقدسة وأقسامه من والدٍ إلى ولد.
«١٠ فَثَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً وَلإِسْرَائِيلَ عَهْداً أَبَدِيّاً، ١١ قَائِلاً: لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ. ١٢ إِذْ كَانُوا عَدَداً يُحْصَى، قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِيهَا. ١٣ ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، مِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ. ١٤ فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَاناً يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكاً مِنْ أَجْلِهِمْ، ١٥ قَائِلاً: لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي».
(١٠ – ١١) وبعد إسحاق يأتي يعقوب أيضاً الذي اسمه إسرائيل لأنه صارع مع الله باقتدار. فهذا العهد دائم لا يتغير بتغير الأشخاص والمهم في ذلك ليس الإنسان بل الله الذي يتكلم لكي يصغي إليه البشر جميعهم. هو الوعد الذي جرى على جبل موريا (انظر تكوين ٢٢: ١٦). وأيضاً (عاموس ٧: ٩ وإرميا ٣٣: ٢٦). هي أرض موروثة ومقيسة بالحبل لأنها مملوكة فقد طرد الله السكان الأصليين وسلم أرضهم إلى شعبه الخاص (انظر مزمور ٧٨: ٥٥).
(١٢ – ١٥) وقد كان هذا الشعب المختار قليل العدد أولاً يحصى على أصابع اليد ربما وكانوا غرباء في البلاد وأما الآن فهم أصحابها الحقيقيون (راجع تكوين ٣٤: ٣٠ وتثنية ٢٦: ٥). كانوا بلا شأن ضعفاء لا يعتد بهم. وقد اضطروا أولاً أن يبقوا متجولين لا يستقرون في مكان واحد معيّن. فذهبوا من مملكة إلى مملكة وتعرفوا بشعب بعد شعب وكان الله معهم وحارسهم على الدوام فلم يدعهم مظلومين لأنه هو الذي حماهم وقواهم وسندهم وهداهم حتى أن الملوك أنفسهم لم يستطيعوا أن يعتدوا عليهم ويسحقوهم. بل عضدهم بيمينه ونجاهم. ذلك لأن منهم خرج المسحاء أي الممسوحين بيد الله القدير ليدعوا شعب الله وليقودوه في طرق الحق والحياة. ومنهم خرج الرؤساء والقادة والأنبياء لذلك احتاجوا إلى القدرة الإلهية حتى لا ينخذلوا في مهمتهم الخطيرة هذه. هم مسحاء لأنهم مختارون وهم أنبياء لكي يتكلموا بعظائم الله ويخبروا عن عجائبه (راجع خروج ٧: ١ وما بعده مع ٤: ١٥ وما بعده).
«١٦ دَعَا بِٱلْجُوعِ عَلَى ٱلأَرْضِ. كَسَرَ قِوَامَ ٱلْخُبْزِ كُلَّهُ. ١٧ أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلاً. بِيعَ يُوسُفُ عَبْداً. ١٨ آذَوْا بِٱلْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي ٱلْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ ١٩ إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ ٱلرَّبِّ ٱمْتَحَنَهُ. ٢٠ أَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ ٱلشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ. ٢١ أَقَامَهُ سَيِّداً عَلَى بَيْتِهِ وَمُسَلَّطاً عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ».
(١٦ – ٢١) دعا بالجوع أي أوجد جوعاً على الأرض حيثما نزل يعقوب وبنوه وكسر قوام الخبز أي أن الخبز الذي هو قوام الحياة وبدونه لا حياة إذ به يسند قلب الإنسان كما رأينا من قبل (راجع مثلاً لاويين ٢٦: ٢٦). ولأن الله يعتني بهم تلك العناية الكاملة الحنونة لذلك فقد تحوّل إرسال يوسف وبيعه عبداً إلى سبب خلاص وخير لأبيه وإخوته جميعاً (انظر تكوين ٤٥: ٥). وهكذا فإن العناية الإلهية التي لا تدركها الأفهام البشرية تعمل عملها بكل نشاط وقوة وتجعل من الشر خيراً ومن الضيق فرجاً وسلاماً. يوسف هذا أصبح سجيناً مقيد الرجلين. ونفسه مصفدة بالحديد علامة الذل والمسكنة. ولم يطل الوقت حتى تحققت أحلام هذا الفتى يوسف «إلى وقت مجيء كلمته» وقد دخل في امتحانات صعبة مرة ولكنه اجتازها بنشاط وأمن وبرهن عن إيمان وكفاءة (راجع تكوين ٤٢: ٩). ولكن الله نفسه قد استخدم فرعون فأرسل ودعاه إليه لكي يفسر الأحلام التي أزعجته وأقضت مضجعه وكان الله يتكلم لكي يرى عجائبه في المجاعة العظيمة التي ستجتاح أرض مصر كلها. وكانت النتيجة أن هذا السجين يحل وهذا المقيّد يطلق سراحه ليصبح سيداً عظيماً في المملكة كلها. أليس هذا لأن يد الله القديرة تدبر هذه الأشياء كلها وتجعل بعد العسر يسراً وتكون جواً جميلاً صافياً بعد تلك الغيوم المتلبدة التي حجبت شمس السعادة حيناً من الزمن. هذا هو الإله الذي يرفع الناس حسب استحقاقاتهم وتكون المصائب لهؤلاء الناس مثل درجات في سلم النجاح وبالتالي يرتقون إلى حياة الكرامة والأمجاد.
«٢٢ لِيَأْسِرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً. ٢٣ فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ، وَيَعْقُوبُ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ حَامٍ. ٢٤ جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِراً جِدّاً وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ. ٢٥ حَوَّلَ قُلُوبَهُمْ لِيُبْغِضُوا شَعْبَهُ، لِيَحْتَالُوا عَلَى عَبِيدِهِ. ٢٦ أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ وَهَارُونَ ٱلَّذِي ٱخْتَارَهُ. ٢٧ أَقَامَا بَيْنَهُمْ كَلاَمَ آيَاتِهِ وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ».
(٢٢ – ٢٤) وكانت النتيجة أن أصبح يوسف في ذلك المركز الرفيع حتى أن رؤساءه أصبحوا في قبضة يده يتصرف بهم كيفما شاء بل أصبح يعلم الحكماء حكمة ويفوق جميع الفاهمين دراية وحسن تدبير (راجع تكوين ٤١: ١٤ وايضاً ٤١: ٣٩ – ٤١ ثم العدد ٤٤). ويوسف هذا يأسرهم بحسب إرادته أي بحسب ما يرتئيه هو لأجل الخير العام فقد نظر للمستقبل نظراً ثاقباً فصمم على شيء وتابع مسيره حتى النهاية وكان الظفر حليفه حتى البركة الكاملة. وهكذا جاء إسرائيل إلى مصر هرباً من الجوع لكي ينال طعاماً ونزل مع أولاده ليصبح غريباً في أرض غريبة. ولكن هذا النزوح كان سبب بركة عظيمة إذ أصبح الشعب قوياً وكثير العدد حتى نافسوا أسيادهم والذين نزلوا فيما بينهم (راجع خروج ١: ٧ وتثنية ٢٦: ٥). هذه هي عناية الرب التي تستخدم ظروف الشر الطارئة لكي تحولها إلى النفع والخير العميم.
(٢٥ – ٢٧) أما وقد مضى عهد يوسف والعز الذي حازه فقد أصاب الشعب بعده ضيق وشدة لأن المصريين أصبحوا مضطهدين فقد أبغضوا أولاً واحتالوا وبذلوا كل جهد لأجل الإذلال والتضييق. ولكن هذا كان يظهر قدرة الله مرة ثانية فقد كان الشعب ينمو ويزداد رغم الاضطهاد إذا لم نقل بواسطة الاضطهاد أيضاً. ولم يطل الوقت حتى أرسل الله موسى ثم أخاه هارون. وقد أقام الأخوان بين الشعب أياماً طويلة يدعوان الناس لكي ينهضوا نهضة رجل واحد ويتشجعوا لأن الله لن يتخلى عنهم فهو إله آبائهم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. لذلك فالخلاص منتظر ولا يطول الوقت حتى يشاهدوه بعيونهم وما عليهم إلا أن ينتظروا قليلاً ويصبروا.
«٢٨ أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ، وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ. ٢٩ حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ وَقَتَلَ أَسْمَاكَهُمْ. ٣٠ أَفَاضَتْ أَرْضُهُمْ ضَفَادِعَ حَتَّى فِي مَخَادِعِ مُلُوكِهِمْ. ٣١ أَمَرَ فَجَاءَ ٱلذُّبَّانُ وَٱلْبَعُوضُ فِي كُلِّ تُخُومِهِمْ. ٣٢ جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَداً وَنَاراً مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ. ٣٣ ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ. ٣٤ أَمَرَ فَجَاءَ ٱلْجَرَادُ وَغَوْغَاءُ بِلاَ عَدَدٍ».
(٢٨ – ٣٨) يبدأ هنا في تعداد الضربات التي جاءت على المصريين بالترتيب المعروف كما ورد في سفر الخروج بل يظهر أنه يسردها عن ظهر قلبه شفاهاً ولا يراجع الكتب المقدسة حينما يفعل ذلك. كل ما يهمه أن يقوله إن الله أظهر عجائبه وأجرى أحكامه على شعب مصر بيد شديدة وذراع ممدودة. ولم يتوقف عن أن يجري الأنسب في حينه وباستمرار حتى ملّ شعب مصر وطلبوا الخلاص من هذه الضربات الفظيعة وهي الظلمة لأنها ترمز إلى غضب الله وتخليه عن أعداء شعبه لأن وجهه معناه النور ولذلك فالظلمة معناها الغضب وعدم الالتفات (راجع خروج ١٠: ٢١ – ٢٩) وبعد الظلمة يذكر الضربات ويلفت الأنظار للتأمل فيها وتذكرها جيداً فمنها تحويل الماء إلى دم حتى ماتت الأسماك وبعدها جاءت الضفادع حتى ملأت كل مكان ولم تقف حتى عند مخادع الملوك والعظماء. وبعد ذلك الذباب والبعوض وما تكاثر من الهوام المؤذية الناقلة للأوبئة والأمراض وفي السنة ١٩٤٧ حملت إلينا أنباء هائلة عن انتشار الهواء الأصفر في أرض مصر فلا يبعد أن تكون الأوبئة قديمة في تلك الأرجاء. وكان البرد المتلف للمزروعات والصواعق النازلة من السماء لتضرب الكروم على اختلاف أشكالها بل هبت العواصف وكسرت الأشجار. بل بعد ذلك جاء الجراد فأكل ما بقي من الضربات السالفة وهذا كان ثالثة الأثافي وعم البلاء في كل مكان وطلب الناس العون فلم يكن لهم أي مغيث أو معين.
«٣٥ فَأَكَلَ كُلَّ عُشْبٍ فِي بِلاَدِهِمْ. وَأَكَلَ أَثْمَارَ أَرْضِهِمْ. ٣٦ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِهِمْ، أَوَائِلَ كُلِّ قُوَّتِهِمْ. ٣٧ فَأَخْرَجَهُمْ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ. ٣٨ فَرِحَتْ مِصْرُ بِخُرُوجِهِمْ لأَنَّ رُعْبَهُمْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ. ٣٩ بَسَطَ سَحَاباً سَجْفاً، وَنَاراً لِتُضِيءَ ٱللَّيْلَ. ٤٠ سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِٱلسَّلْوَى، وَخُبْزَ ٱلسَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ».
وهذا الجراد لم يصب الأشجار فقط حتى نزع منها كل ثمر ولم يبق عليها شيء بل قد هاجم كل عشب فمحا كل خضرة من كل مكان. وضربة الجراد هذه لا تزال تتردد في هذه الأنحاء الشرقية في فترات من السنين ولكن بواسطة طرق المكافحة الحديثة قد حصر شره كثيراً حتى نكاد نقول إنه في حكم العدم في بعض الأمكنة. وأخيراً جاءت الضربة الكبرى فأهلك ملاك الرب كل الأبكار حتى سمع النوح والبكاء في كل بيت ولم ينج أحد. لقد كانت المصيبة الأخيرة أعظم المصائب وأجلها إذ حسب أولئك الضحايا أنه أوائل كل قوة فهم فخر البيوت وزينتها وعزها بلا جدال. وينتقل بعد ذلك إلى خروج شعب إسرائيل من أرض مصر دون أن يذكر شيئاً عن ترتيب الفصح والوصايا والفرائض التي رافقته. ذلك لأنه يهمه الآن أن يتابع ذكر نتائج هذه الضربات وكيف كانت سبب خلاص حتى لم يكن أي عاثر في جميع أولئك الأسباط التي رأت صنائع الرب وشاهدت قواته الطبيعية المتكررة. وهكذا فإن مصر ارتاحت بخروجهم منها ورأت أن نتائج الشر التي حصلوا عليها لن تذهب إلا بذهاب مسببيها وهم الإسرائيليون.
(٣٩ – ٤٠) والآن يبدأ بالقيادة الإلهية العجيبة إذ ما الفائدة من الخروج إذا لم يتمم بالوصول إلى المكان المقصود إلى أرض الموعد من حيث جاءوا لاجئين. إن المهم في الطريق ليس أن نسكن فيها بل أن توصلنا للمكان الذي ننشده. وهكذا كان لهم عمود السحاب الذي يتحول في الليل مناراً لكي ينظروه من بعيد ويتبعوا. وبعد ذلك جاءوا فأرسل لهم المن والسلوى لكي يقتاتوا بها ويشبعوا. هم في البرية ولكنهم في عناية الله. هم في أرض مجدبة قاحلة ولكن قدرة الله تحولها إلى أمكنة سكنى ليعيشوا فيها آمنين.
«٤١ شَقَّ ٱلصَّخْرَةَ فَٱنْفَجَرَتِ ٱلْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي ٱلْيَابِسَةِ نَهْراً. ٤٢ لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِهِ ٤٣ فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِٱبْتِهَاجٍ وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ. ٤٤ وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ ٱلأُمَمِ. وَتَعَبَ ٱلشُّعُوبِ وَرَثُوهُ، ٤٥ لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. هَلِّلُويَا».
(٤١ – ٤٥) وبعد ذلك عطشوا فلم يبخل عليهم بالماء حتى من قلب الصخرة الصماء إن كان في قادش أو في رفيديم. وهكذا فإن كل ما جرى لم يكن سوى إتمام للوعد الإلهي الذي قطعه الله مع عبده إبراهيم. فلم يبقى الشعب مستعبداً وقوله في العدد ٤٣ إن الشعب خرج بابتهاج وترنم قد يشر إلى ترنيمة موسى التي رنمتها مريم مع بقية الشعب لدى خلاصهم من ويلات البحر الأحمر. لقد وصلوا إلى أرض السلامة والأمن وإن يكن سوف يحتملون ويلات كثيرة بعد في تيههم ببرية سيناء مدة أربعين سنة ولكن ما هذه السنين في عمر الشعوب بل ما هي هذه العذابات بالنسبة لما سوف يصادفونه من مجد وسؤدد. لقد دخلوا أرضاً لم يتعبوا فيها بل يرثونها ويستفيدون من هذه العطية السمحاء. وما عليهم الآن إلا أن يحفظوا الفرائض ويتمموا الأحكام الإلهية ويطيعوا الشرائع المقدسة لكي تكون لهم حياة. هذا هو إلههم وإله آبائهم فليسبح اسمه إلى الدهر والأبد وليمتد ذكره على كل شفة ولسان هللويا.
السابق |
التالي |