سفر المزامير | 97 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلتِّسْعُونَ
«١ اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ فَلْتَبْتَهِجِ ٱلأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ ٱلْجَزَائِرُ ٱلْكَثِيرَةُ. ٢ ٱلسَّحَابُ وَٱلضَّبَابُ حَوْلَهُ. ٱلْعَدْلُ وَٱلْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ. ٣ قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ».
ما نادى به وتمناه المرنم في المزمور السابق هوذا يؤكده في هذا المزمور ويجعل الله ذاته المخلص والديان كشيء واقعي قد حدث. لقد جاء الرب الملك وجلس على كرسي سلطانه فهو إذن الذي يحكم العالمين. وهذا المزمور قد كتب بعد الرجوع من السبي. وفيه عدد من الأفكار الواردة في مزامير داود ومزامير آساف أو من أقوال الأنبياء في مختلف العصور. فهو إذن ليس نتاجاً أدبياً مبتكراً بحد ذاته بل هو أشبه بفسيفساء مرصعة ترصيعاً جميلاً من حجارة كثيرة متنوعة ومن مصادر متعددة ولكن مرتبها ماهر بارع استطاع أن يضع كل شيء في مكانه بكل لباقة ودقة. وهو يتبع بتعابيره بالدرجة الأولى إشعياء النبي إذ يظهر أنه من المعجبين بذلك الأسلوب النبوي الجميل. ولا شك أن ما اختبره الشعب من آلام السبي وذله ومشقاته قد تغلغل إلى أعماق الحياة الروحية وجعل الناس أكثر تقرباً لله وأعمق تعبداً لجلاله وجبروته.
(١ – ٣) ليس لنا هنا سوى صدى ما ورد في مواضع كثيرة فنجد العدد الأول مأخوذاً من (إشعياء ٤٢: ١٠ – ١٢ و٥١: ٥). وأما العدد الثاني فيقابله (مزمور ١٨: ١٠ و١٢ وأيضاً مزمور ٨٩: ١٥) والعدد الثالث فيقابله (مزمور ٥٠: ٣ و١٨: ٩ وإشعياء ٤٢: ٢٥). لأن الرب هو الملك لذلك فلتعم البهجة كل الأرض ولتفرح الجزائر أيضاً. أي ليعم الفرح كل مكان بعيداً كان أم قريباً. هذا الإله العظيم هو متجلبب بالسحاب والضباب لكي يزيد مظهره روعة وجمالاً فهو غير ظاهر للعيان وفي الوقت ذاته غير مختف تمام الاختفاء. هذا الإله الذي يجلس على كرسي العدل والحق ليحكم على الناس. وهذا التجلبب يزيده هيبة ووقاراً لا سيما وهو الديان القاضي. وسلطانه هذا فعال يؤثر حالاً فكأنما نار حوله تحرق جميع الأعداء فلا يستطيع شيء أو إنسان أن يقف أمام وجهه وأعظم وأول الذين يطولهم قصاصه هم أعداءه فيجازيهم.
«٤ أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ ٱلْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَدَتْ. ٥ ذَابَتِ ٱلْجِبَالُ مِثْلَ ٱلشَّمْعِ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ، قُدَّامَ سَيِّدِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا. ٦ أَخْبَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، وَرَأَى جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ مَجْدَهُ. ٧ يَخْزَى كُلُّ عَابِدِي تِمْثَالٍ مَنْحُوتٍ ٱلْمُفْتَخِرِينَ بِٱلأَصْنَامِ. ٱسْجُدُوا لَهُ يَا جَمِيعَ ٱلآلِهَةِ. ٨ سَمِعَتْ صِهْيَوْنُ فَفَرِحَتْ، وَٱبْتَهَجَتْ بَنَاتُ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ».
(٤ – ٦) مرة أخرى نجد هذه الأقوال صدى لكتابات قديمة فالعدد ٤ هو من (مزمور ٧٧: ١٩ و١٧). والعدد ٥ (ميخا ١: ٤ وميخا ٤: ١٣). والعدد ٦ هو من (مزمور ٥٠: ٦ وإشعياء ٣٥: ٢ و٤٠: ٥ و٥٢: ١٠ و٦٦: ١٨). وهذا المظهر الإلهي يضيء المسكونة وفي الوقت ذاته يرعبها (راجع خروج ١٩: ١٦ وما بعده). وكانت النتيجة أن الجبال ذاتها قد ذابت وذوبانها كالشمع مذكور في (مزمور ٦٨: ٢). والرب هو سلطان الأرض كلها وسيدها المطلق (راجع زكريا ٤: ١٤ و٦: ٥). وحينما تخبر السموات بعدله فهي مبتهجة سعيدة. ولكن ذلك ينطوي على أمرين الأول عدل الله الظاهر في السموات بالنسبة لمواعيده الإلهية الصادقة. والثاني مجد الله الذي يختبره كل الشعوب.
(٧ – ٨) وحينما يظهر الله بهذا الجلال يجب أن يختفي كل إله باطل وأن يتحطم كل تمثال منحوت. وهكذا يجب أن يخزى جميع عبدة الأصنام. بل أن الآلهة نفسها أي التي يحسبها البشر آلهة. وهي ليست كذلك عليها أن تسجد للرب وتظهر خضوعها التام لمشيئته. بل يجب على عبدة الأصنام أن يخجلوا من أنفسهم بالنسبة لهذه العبادة الباطلة الحمقاء (راجع إشعياء ٤٢: ١٧ وإرميا ١٠: ١٤). وهذه الآلهة التي هي في الأصل قوات خارقة الطبيعة هذه نفسها يجب أن تتذلل أمام الرب الإله الحقيقي الذي أوجدها وتخضع له خضوعاً حقيقياً.
«٩ لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِيٌّ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ. عَلَوْتَ جِدّاً عَلَى كُلِّ ٱلآلِهَةِ. ١٠ يَا مُحِبِّي ٱلرَّبِّ أَبْغِضُوا ٱلشَّرَّ. هُوَ حَافِظٌ نُفُوسَ أَتْقِيَائِهِ. مِنْ يَدِ ٱلأَشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ. ١١ نُورٌ قَدْ زُرِعَ لِلصِّدِّيقِ، وَفَرَحٌ لِلْمُسْتَقِيمِي ٱلْقَلْبِ. ١٢ ٱفْرَحُوا أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُونَ بِٱلرَّبِّ وَٱحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ».
(٩) يمكن أن نعتبر هذا العدد ختام المزمور وعندئذ نرى أن الأعداد الباقية إنما أضيفت إليه بعد حين. فيقول إن الله هو المتعالي جداً على الأرض كلها وعلى جميع قواتها التي يسميها آلهة.
(١٠ – ١٢) ونجد مرة أخرى أن هذه الأعداد مأخوذة من أمكنة أخرى فالعدد ١٠ مأخوذ من (مزمور ٣٧: ٢٨ و٣٦: ٢١). وأما العدد الحادي عشر فهو من وضع الناظم. وهو تشجيع للصديق الذي يجد نوراً في سبيله فلا يجوز له أن يعثر. بل يجد فرحاً وسلاماً لأن في استقامته شجاعة وقوة حتى لا يهاب أي الأعداء مهما عظموا وكثروا وهذا الكلام يناسب جداً العصر المكابي الذي ظهر فيه الاضطهاد الشديد فكان الشعب يحتاج للتقوية والتعضيد لئلا يفشل ولا يحفظ الإيمان المسلم إليه قديماً. ولا يقصد بالنور أنه يزرع بل هو منثور في طريقه وممتد في السبيل كله الذي يجب أن يسلكه. فطريقه إذن منارة وغير مخوفة البتة بل بالأحرى مملوءة بالفرح وإنما هذا الفرح فهو للمستقيمي القلوب الذين عبدوا الرب واعترفوا باسمه فلم يخافوا شراً فيما بعد.
وهكذا ينهي كلامه مكرراً طلب الفرح للصديقين فلا يهابون شيئاً بل يحمدون الله على الدوام ولا يبرح اسمه عن شفاههم. هذه لذتهم فإن عبادة الرب هي سبب فرح قلبي واختبار حقيقي عميق يناله فقط المؤمنون الراسخون في عقيدتهم غير متزعزعين في أي شيء. لأن هذا الملك الحاكم الديان سيقضي بالعدل والحق ولا داعي أن يخافوا أي شيء البتة.
السابق |
التالي |