سفر المزامير

سفر المزامير | 74 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلسَّبْعُونَ

قَصِيدَةٌ لآسَافَ

«١ لِمَاذَا رَفَضْتَنَا يَا اَللّٰهُ إِلَى ٱلأَبَدِ؟ لِمَاذَا يُدَخِّنُ غَضَبُكَ عَلَى غَنَمِ مَرْعَاكَ؟ ٢ ٱذْكُرْ جَمَاعَتَكَ ٱلَّتِي ٱقْتَنَيْتَهَا مُنْذُ ٱلْقِدَمِ وَفَدَيْتَهَا، سِبْطَ مِيرَاثِكَ، جَبَلَ صِهْيَوْنَ هٰذَا ٱلَّذِي سَكَنْتَ فِيهِ. ٣ ٱرْفَعْ خَطَوَاتِكَ إِلَى ٱلْخِرَبِ ٱلأَبَدِيَّةِ. ٱلْكُلَّ قَدْ حَطَّمَ ٱلْعَدُوُّ فِي ٱلْمَقْدِسِ».

هذا المزمور يعبر عن زمان اضطهاد ويستنجد بالله أن ينهض لمعاقبة العدو الذي دنّس مقادس الله وهدم معاهده وكإنما لم يبقَ نبي لله في الأرض بعد وتكاد عبادة الإله الحقيقي تضمحل لشدة الاضطهاد ولعدم المكترثين. ونلاحظ هنا التعبير أن شعب الله هو غنم المرعى. وكذلك نلاحظ تذكارات تاريخية (راجع مزمور ٧٩). ومما هو جدير بالذكر أن بعض ما ورد في هذا المزمور هو وارد في المراثي (ص ٢: ٢). وإذا حسبنا أن هذا المزمور قد كتب أولاً فيكون ما ورد في المراثي من باب المقتبسات وهي كثيرة في الكتب المقدسة. وقد ذهب البعض أن كثيراً مما ورد في هذا المزمور ينطبق على الاضطهادات التي أثارها أنطيوخس أبيفانيس سنة ١٧٠ و١٦٧ ق. م. وهكذا حسبنا أن بعض الصلوات أو الابتهالات التي تناقلتها الألسنة عندئذ قد دونت فلا أنسب من أن تكون هنا أو بعضها على الأقل. ولكن الصعوبة هي حينما يذكر الخرب الأبدية وهذه تنطبق على عصر نبوخذناصر أكثر من كل شيء. وحينئذ قد يكون هذا الخراب إما إشارة لأورشليم ذاتها فيكون التاريخ ٥٨٨ ق. م. أو لخراب الهيكل وإحراقه سنة ١٦٧ ق. م. ولكن إذا غربلنا كل الأدلة التي نعرفها نجد أن هذا المزمور ينطبق بالأحرى على عهد أنطيوخس أكثر ويتناسب مع صلاة يهوذا المكابي (راجع المكابيين الثاني ٨: ١ – ٤).

(١) هو رفض مستمر كإنما لا نهاية له ولا رجوع للرضا. والدخان هنا يرافق النار أي أن الله قد سمح أن غنم مرعاها نالها السوء كاملاً فأحرقت المساكن بالنار وذل الشعب كثيراً بسبب ما يقاسونه من متاعب وويلات (راجع إرميا ٢٣: ١).

(٢) يعود إلى الذكريات القديمة حينما اقتنى الله شعبه خاصة لنفسه (خروج ١٥: ١٧) أي قد اشتراه بمال وفكه من عتق لذلك هو يخص سيده الرب. وقوله «سبط» هو من باب تسمية الكل باسم البعض. والمرنم وهو يراجع التاريخ يذكر شعب إسرائيل بكامله. ثم يأتي لسبط ميراثه وهو الأرجح الذي منه خرج الملوك في أورشليم. ويعود فيزيد إيضاحاً حينما يخصص جبل صهيون حيثما قام الهيكل. وهو الموضع المقدس الذي خصص للعبادة وسكن الله فيه للأبد.

(٣) يرجو من الله أن يرفع خطواته صاعداً إلى جبل الموريا حيثما يقوم الهيكل الخرب لكي يرى بأم عينه ما تركه العدو من خراب وما حطّمه من أقدس الأشياء وأغلاها. فقد تمادى هذا المخرب في غيه وعدوانه. فقد امتهن كل شيء ولم يحرّم شيئاً صادفه في طريقه (راجع صفنيا ١: ٢). وهنا يتساءل المرنم كيف يجوز أن يذهب هذا الجاني الأثيم بدون أي عقاب.

ويا ليت تبدل الترجمة في القسم الأخير هكذا:

كل شيء قد حطمه العدو في المقدس.

«٤ قَدْ زَمْجَرَ مُقَاوِمُوكَ فِي وَسَطِ مَعْهَدِكَ، جَعَلُوا آيَاتِهِمْ آيَاتٍ. ٥ يَبَانُ كَأَنَّهُ رَافِعُ فُؤُوسٍ عَلَى ٱلأَشْجَارِ ٱلْمُشْتَبِكَةِ. ٦ وَٱلآنَ مَنْقُوشَاتِهِ مَعاً بِٱلْفُؤُوسِ وَٱلْمَعَاوِلِ يَكْسِرُونَ. ٧ أَطْلَقُوا ٱلنَّارَ فِي مَقْدِسِكَ. دَنَّسُوا لِلأَرْضِ مَسْكَنَ ٱسْمِكَ. ٨ قَالُوا فِي قُلُوبِهِمْ: لِنُفْنِينَّهُمْ مَعاً. أَحْرَقُوا كُلَّ مَعَاهِدِ ٱللّٰهِ فِي ٱلأَرْضِ».

(٤) يشرع هنا في وصف دقيق لما فعله هذا العدو كيف دخل إلى أقدس الأمكنة. فإن قوله «معهدك» يجب أن تفيد الهيكل وكل ما يحتويه من مختلف الردهات والقاعات والأروقة. فقد دخل العدوّ إلى كل مكان وأقام علامات دينه بدلاً من الأشياء التي تذكر بالدين اليهودي. وإذا فسرنا الكلمة العبرانية ميعاد بدلاً من معهد تكون إشارة للمكان المقدس الذي فيه يجتمع الرب مع شعبه. فبدلاً من أن يجتمع الشعب للورع والعبادة إذا بالعدو قد دخل بدون أي وقار يزمجر كإنما يريد الافتراس وإهلاك كل إنسان. وما هي هذه الآيات التي وضعها هذا العدو. الأرجح أنها ليست أعلام الظفر (راجع ١مكابيين ١: ٤٥ – ٤٩) بل هي رجسة الخراب (رجع دانيال ١١: ٣١).

(٥) يظهر هذا العدوّ المسلّح بمختلف أنواع الأسلحة القديمة وهو يدخل إلى الهيكل إنه يرفع فؤوساً كما يفعل الحطابون في تقطيع الأشجار ويكمل الاستعارة بقوله الأشجار المشتبكة إذ إن أمام هؤلاء كان شيء كثير للتخريب والهلاك لذلك احتاجوا لأسلحتهم حتى يتمموا مقاصده.

(٦) وإذا بهم يشرعون في التخريب حتى تختفي تلك المنقوشات الجميلة التي تزين واجهات الهيكل. وماذا يهمهم طالما بأيديهم هذه المعاول والفؤوس يريدون أن يكسروا ويحطموا ويا له من منظر مؤلم أن يرى المتعبد هؤلاء الجنود الأجلاف يدخلون إلى أقدس الأمكنة ويشوهونها على هذه الصورة المخزية حتى لا يتركوا شيئاً جميلاً قائماً أو شيئاً ذا قيمة لا ينهبونه.

(٧) وبعد هذا التخريب إذا بهم قد أشعلوا النيران حتى لا يبقوا على شيء. وهدموا وأحرقوا حتى وصلوا للأرض ذاتها التي أقيم عليها مقادس الله. فكان دنسهم أن لحق كل شيء حتى الأسس التي قام عليها البناء المقدس في أورشليم.

(٨) ولكن هذا العدو الظالم لم يكتف بما فعله الهيكل بل هوذا قد مدّ يده أيضاً إلى الأمكنة الأخرى حينما يجتمع الناس للعبادة. ولم يكن له أي قصد سوى الإفناء الكامل فهو لا يرضى أن يفعل شيئاً للانتقام فقط ثم يكف يده. بل هو لا يرعوي ولا يرجع حتى يكون قد تمم إلى الفناء الكامل وهنا منتهى الفظاعة. «فمعاهد الله» إذاً على الأرجح هي المجامع التي كان المتعبدون يجتمعون فيها للصلاة بعيداً عن أروشليم كما في أيام المسيح. مع أن مركز العبادة الرئيسي هو الهيكل نفسه. ولكن هذا لا ينفي وجود مثل هذه الأمكنة للذين لا يستطيعون الحضور للهيكل كل مرة. وهنا إشارة قوية إلى أن هذا المزمور قد كتب في أيام المكابيين.

«٩ آيَاتِنَا لاَ نَرَى. لاَ نَبِيَّ بَعْدُ. وَلاَ بَيْنَنَا مَنْ يَعْرِفُ حَتَّى مَتَى. ١٠ حَتَّى مَتَى يَا اَللّٰهُ يُعَيِّرُ ٱلْمُقَاوِمُ، وَيُهِينُ ٱلْعَدُوُّ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلْغَايَةِ؟ ١١ لِمَاذَا تَرُدُّ يَدَكَ وَيَمِينَكَ؟ أَخْرِجْهَا مِنْ وَسَطِ حِضْنِكَ. أَفْنِ. ١٢ وَٱللّٰهُ مَلِكِي مُنْذُ ٱلْقِدَمِ، فَاعِلُ ٱلْخَلاَصِ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ. ١٣ أَنْتَ شَقَقْتَ ٱلْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ ٱلتَّنَانِينِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ».

(٩) بعد أن ذكر المرنم أن هؤلاء المخربين قد وضعوا إشاراتهم وآياتهم على الهيكل يلتفت ليقول أما آيات الله فلا نراها. ترى هل نسي الله شعبه؟ وهل هو لا يبالي بما يقاسونه من آلام وعذابات مريرة. وقوله «آياتنا» ليس معناها إذاً العجائب بل مجرد تلك المظاهر التي بها يتميز الهيكل أنه لعبادة الرب وليس لأية عبادة وثنية تفرض عليهم بالقوة. وأين الأنبياء لكي يخبرونا متى ينتهي هذا العذاب؟ وأين الزعماء والحكماء لكي يسيروا بالشعب نحو الحرية والفرح والسلام؟

(١٠) يعود فيتساءل حتى متى؟ ويا لها من صرخة الأمل العظيم والعتاب أن الله قد ترك شعبه ولم يرحم ميراثه. هنا يخاطب الله ذاته بعد أن خاطب نفسه والناس من قبل. فقد عيّر المقاوم واستهان باسم الله إلى أبعد درجة ولم يقف عند حدّ. وهل سيستمر هذا وإلى متى؟

(١١) قوله تردّ يدك ثم يتبعها بقوله يمينك قد تكون من باب عطف البيان. أي أن المرنم يريد أن يصوّر لنا أن الله قد رفع يده ولم يهتم بشعبه مع أنه قد أمسك بيمينه ولم يترك أحداً منهم. واليد اليمنى هي إشارة لقدرة الله فهي وإن تكن غير ظاهرة فذلك أن الله قد حجبها بعيداً وكإنما وضعها في حضنه. ويطلب المرنم مترجياً أن ينجدهم ويفني هؤلاء الأشرار على نسبة ما يفعلونه من خراب و فناء. وهنا ينتهي القسم الأول من هذا المزمور.

(١٢) يبدأ القسم الثاني فيذكر أن الله وحده هو الملك وهو كذلك منذ القديم وإلى الآن. هو الذي يخلص في وسط الأرض أي أرض إسرائيل التي قد نالها الذل والاضطهاد ولكن إلى حين. يصادف المرنم صعوبة لا يستطيع تفسيرها إذ كيف أن الله إلههم يرضى أن يحدث لهم هذا الاضطهاد وهو ساكت لا يساعدهم. أليس هو الذي خلّصهم في القديم؟ ثم ألا يريد أن يخلّصهم الآن؟

(١٣) أليس هو الإله العظيم الذي باسمه رفع موسى يده على البحر الأحمر فانشق إلى شطرين حتى عبروا بالرجل. أين قدرته الآن وأين جبروته؟ أيرضى أن يسحق شعبه إلى هذه الدرجة المخزية؟ أليس هو الإله القدير الذي حطّم رؤوس التنانين والأرجح هنا إشارة إلى قدرة فرعون وقواته التي حاولت أن ترجعهم لمصر وإلى أرض العبودية. فتكون التنانين معنوية أكثر مما طبيعية.

«١٤ أَنْتَ رَضَضْتَ رُؤُوسَ لَوِيَاثَانَ. جَعَلْتَهُ طَعَاماً لِلشَّعْبِ، لأَهْلِ ٱلْبَرِّيَّةِ. ١٥ أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْناً وَسَيْلاً. أَنْتَ يَبَّسْتَ أَنْهَاراً دَائِمَةَ ٱلْجَرَيَانِ. ١٦ لَكَ ٱلنَّهَارُ وَلَكَ أَيْضاً ٱللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ ٱلنُّورَ وَٱلشَّمْسَ. ١٧ أَنْتَ نَصَبْتَ كُلَّ تُخُومِ ٱلأَرْضِ. ٱلصَّيْفَ وَٱلشِّتَاءَ أَنْتَ خَلَقْتَهُمَا. ١٨ اُذْكُرْ هٰذَا: أَنَّ ٱلْعَدُوَّ قَدْ عَيَّرَ ٱلرَّبَّ، وَشَعْباً جَاهِلاً قَدْ أَهَانَ ٱسْمَكَ».

(١٤) قد يكون لوياثان هو التمساح الموجود بكثرة على شواطئ النيل في مصر. فيكون أن يد الله قد سحقت قدرة مصر ولم يستطع اللحاق بهم للاستعباد بعد. وكما يضرب التمساح على رأسه الذي يرفعه فوق الماء حتى يموت هكذا فعل الله مع فرعون وجنده فقط ضربهم تلك الضربات القاسية التي ختمت بموت الأبكار وكانت النتيجة أن هذا الحيوان المفترس يصبح أكلاً لغيره. إذ يصادفه أهل البرية أي وحوش البرية ويجعلونه طعاماً لهم. فبدلاً من أن يكون آكلاً أصبح مأكولاً لا أحد يعتد به.

(١٥) يكمّل المرنم إشارته للتاريخ المقدس كيف أن الله أعطى عيوناً وفجر ينابيع في أحرّ الأمكنة. كما وأنه قد يبس ممراً في الأردن حتى استطاعوا أن يعبروا من الضفة الواحدة إلى الأخرى (راجع يشوع ٢: ١٠ و٤: ٢٣ و٥: ١). وفي قوله «أنهار» إشارة للمجاري العديدة التي تكوّن نهر الأردن. فهي لدى اجتماعها كلها قد يبسها الله لخلاص شعبه.

(١٦) هذا الإله العظيم هو نفسه الذي أوجد الكائنات كلها وجعل النهار والليل. وخلق الشمس التي منها تنبعث الأنوار لتحيي وجه الأرض. وفي الليل قد أوجد القمر والنجوم حتى تكون أنوار كافية لخدمة الإنسان. فإن الله جعل اليوم كاملاً بقسميه النهار والليل. كما أنه جعل للحياة قسميها العمل والراحة. أو النهوض والنوم. وبذلك تكمل الحياة وتسعد.

(١٧) قد يقصد هنا «تخوم الأرض» أي حسب قسمتها المعروفة قديماً ما هي متاخمة للبحر وما وراء البحر الكبير (راجع إرميا ٥: ٢٢ وتثنية ٣٢: ٨ وأعمال ١٧: ٢٦). فكما أن الله قد جعل للأرض تخوماً كذلك فقد جعل السنة بقسميها الكبيرين الصيف والشتاء. وحينئذ فيكون الربيع مع الشتاء ويكون الخريف مع الصيف. وقد جعل من هذه أشخاصاً بدلاً من أن تكون فصولاً فقط.

(١٨) بعد أن يذكر المرنم هذا التاريخ المفعم بجلائل الأعمال يقابل الحاضر وبه يرى عجباً كيف أنه يتجاسر العدو على التعيير وكيف أن شعباً جاهلاً يستطيع أن يهين شعب إسرائيل العريق في المدينة وله النبوآت وجميع أسرار المعرفة والدين. كيف يعيّر هذا الخالق شعب جاهل متصلف يظهر مثل هذه المظالم ولا يوجد من يجازيه على مثل أعماله الشريرة (راجع تثنية ٣٢: ٢١).

«١٩ لاَ تُسَلِّمْ لِلْوَحْشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ. قَطِيعَ بَائِسِيكَ لاَ تَنْسَ إِلَى ٱلأَبَدِ. ٢٠ ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْعَهْدِ. لأَنَّ مُظْلِمَاتِ ٱلأَرْضِ ٱمْتَلأَتْ مِنْ مَسَاكِنِ ٱلظُّلْمِ. ٢١ لاَ يَرْجِعَنَّ ٱلْمُنْسَحِقُ خَازِياً. ٱلْفَقِيرُ وَٱلْبَائِسُ لِيُسَبِّحَا ٱسْمَكَ. ٢٢ قُمْ يَا اَللّٰهُ. أَقِمْ دَعْوَاكَ. ٱذْكُرْ تَعْيِيرَ ٱلْجَاهِلِ إِيَّاكَ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. ٢٣ لاَ تَنْسَ صَوْتَ أَضْدَادِكَ، ضَجِيجَ مُقَاوِمِيكَ ٱلصَّاعِدَ دَائِماً».

(١٩) وقد يترجم هذا العدد أيضاً «لا تسلم للوحش المفترس يمامتك» ولكن الأفضل أن تبقى الترجمة كما هي لأن استعمال «نفس» هنا مضافة إلى اسم بعدها وارد بصورة كثيرة في الكتاب المقدس. وأما تشبيه إسرائيل باليمامة والحمامة فقد ورد من قبل (انظر مزمور ٦٨: ١١ وقابله مع مزمور ٦٩: ٣٧) ويقصد تلك الجماعة المضطهدة الذليلة كما هي اليمامة وقد طاردها الصيادون. ويزيد على ذلك قوله «قطيع بائسيك» فهم كالقطيع الذي يساق إلى الذبح بكل سكون واستسلام. وقد اشتهرت مزامير آساف بمثل هذه الاستعارات والتشابيه عن شعب الله لكي يصوّر مقدار ضيقهم وذلهم.

(٢٠) هذا هو العهد المقطوع بين شعب إسرائيل وإلهه (راجع تكوين ١٧) وهو الأرجح عهد الختان الذي أصبح الآن علامة فارقة حتى يفتك بهم الأعداء قاتلين منكلين. وهكذا فقد اضطر الشعب للهرب والالتجاء للمغاور وشقوق الجبال (راجع ١ملوك ٢: ٢٦ وما يليه وكذلك ٢ملوك ٦: ١١). ولكن قد لحقهم الأعداء ولم تغنهم مخابئهم شيئاً بل نالوا الظلم والهلاك إلى أبعد حد ممكن.

(٢١) ولكن لن يترك الله المنسحقين على هذه الصورة إلى وقت طويل. لأن الله سيرحم أتقياءه ولا يتخلى عنهم إلى الدهر. وهكذا فإن الفقير والبائس سوف يسبحان اسم الرب لأنه قد نجاهما من يد العدو الظالم الشرير.

(٢٢ و٢٣) يأتي المرنم لختام هذا المزمور على شكل مؤثر فهو يطلب من الله أن يقيم دعوى البائس المسكين لأنه لا يستطيع أن يقيمها عن نفسه (راجع ١صموئيل ٥: ١٢ وكذلك ١ملوك ٢٢: ٣٥) وموضوع الدعوى التي يقيمها هو أن هذا الظالم قد عيّر اسم الله العلي لذلك يستحق العقاب الشديد. إذاً فإن المظالم تهون بالنسبة لهذا التجديف القبيح. وإن يكن هذا التجديف خارجاً من فم جاهل فهو ملوم عليه كل اللوم ويجب أن يحاسب تماماً. وهكذا فإن تلك الأصوات التي ارتفعت مزمجرة تريد الفتك والتفظيع يجب أن تسكت الآن. وهذه الضجة يجب أن يعقبها سكون القصاص فإن الجاني يجب أن ينال ما تستحق يداه. وأما لهجة هذه الصلاة الأخيرة فهي حكيمة ومعتدلة للغاية وروح الانتقام فيها لا يدل على منتهى الحقد والضغينة لأن المرنم يطلب مجد الله وعزه لا مجد أي الناس مهما عظم شأنهم وزاد اضطهادهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى