سفر المزامير

سفر المزامير | 48 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُونَ

تَسْبِيحَةٌ. مَزْمُورٌ لِبَنِي قُورَحَ

«١ عَظِيمٌ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحَمِيدٌ جِدّاً فِي مَدِينَةِ إِلٰهِنَا جَبَلِ قُدْسِهِ. ٢ جَمِيلُ ٱلٱرْتِفَاعِ، فَرَحُ كُلِّ ٱلأَرْضِ جَبَلُ صِهْيَوْنَ. فَرَحُ أَقَاصِي ٱلشِّمَالِ مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. ٣ اَللّٰهُ فِي قُصُورِهَا يُعْرَفُ مَلْجَأً. ٤ لأَنَّهُ هُوَذَا ٱلْمُلُوكُ ٱجْتَمَعُوا. مَضُوا جَمِيعاً».

هذا المزمور هو للتهليل بالظفر وعلاقته بالمزمورين السابقين هي من جهة تعظيم اسم الرب الله فوق جميع شعوب الأرض. وإشارته إلى تكسر سفن ترشيش كناية عن اندحار الأعداء والأرجح في أيام يهوشافاط (راجع إشعياء ٣٣: ١٤ و٢١). وإذا نظرنا إلى المزمور من جهة تقسيم موضوعه فنراه يتناول ثلاثة أمور. يبدأ المرنم أولاً بحمد الله وببراعته يمجد الملك العظيم. وثانياً يصف اندحار الأعداء ورعبهم وأخيراً يتخلص إلى شكر الله وتمجيده.

(١) يبدأ المرنم بالحمد لاسم الرب لأنه يسكن المدينة المقدسة. هناك يرتفع الهيكل على رأس جبل عال بشكله الجميل وساحاته الواسعة التي تشرف على المدينة القديمة.

(٢) وارتفاعه جميل وهو جبل صهيون إذ أنه لا يعلو كثيراً ولا هو بشكل متشامخ بل أن ارتفاعه يسبب فرحاً وسروراً لكل من يراه. ولا سيما للإسرائيليين المؤمنين الذين يدخلون دياره بالحمد والصلاة أما قوله «أقاصي الشمال» فلا يعني الشمال البعيد على الخارطة في تلك الأيام كما ورد (حزقيال ٣٨: ٦ و٣٩: ٢) ولكنه يعني جبل الموريا حيثما يقوم الهيكل وخصوصاً حيثما يلتقي جبل صهيون بجبل الموريا.

(٣) الأمر المعروف بما هناك من مبان عظيمة مرتفعة (راجع مزمور ١٢٢: ٧) هو أن الله ملجأ. لا أحد يجوز له أن يشك بذلك. والبرهان يقدمه في العدد الذي يليه وهو أن الملوك الأعداء بعد أن تآمروا واجتمعوا للمكيدة إذا بهم بعد ذلك قد تفرقوا ولم ينجحوا في أي مسعى من مساعيهم الشريرة للنيل من شعب الله. والأرجح أن الكلام ينطبق على أيام حكم يهوشافاط وقت الخطر والحرب وكذلك في أيام حزقيا (راجع ١ملوك ٢٢: ٤٩ و٢أخبار ٢٠: ٣٦).

(٤) إن اجتماع هؤلاء الملوك هو للحرب وليس للسلام لقد عينوا مكاناً لاجتماعهم الذي عقدوه معاً (انظر قضاة ١١: ٢٩ و٢ملوك ٨: ٢١). إنهم اجتمعوا في تقوع على الأرجح وهي بلدة تبعد ثلاث ساعات مشياً عن أورشليم. هؤلاء الأعداء لم يكادوا يجتمعون حتى تفرقوا ومضوا وهم في حالة الرعب والهلع وكان ذلك بسرعة كلية لم تسمح لهم أن يجمّعوا أنفسهم ويتراجعوا بانتظام بل بالعكس كانت حركتهم عن خوف وبغير انتظام.

«٥ لَمَّا رَأَوْا بُهِتُوا، ٱرْتَاعُوا، فَرُّوا. ٦ أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّعْدَةُ هُنَاكَ وَٱلْمَخَاضُ كَوَالِدَةٍ، ٧ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ تَكْسِرُ سُفُنَ تَرْشِيشَ. ٨ كَمَا سَمِعْنَا هٰكَذَا رَأَيْنَا فِي مَدِينَةِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ فِي مَدِينَةِ إِلٰهِنَا. ٱللّٰهُ يُثَبِّتُهَا إِلَى ٱلأَبَدِ. سِلاَهْ. ٩ ذَكَرْنَا يَا اَللّٰهُ رَحْمَتَكَ فِي وَسَطِ هَيْكَلِكَ».

(٥) وكان سبب انهزامهم هو ما شاهدوه فقد خافوا هولاً عظيماً آتياً عليهم من المدينة العظمى أورشليم لأن الرب الإله يسكن هناك (١صموئيل ١٤: ١٥). وهنا المرنم ينسب هذا الأمر لما شاهدوه فيها من عظائم لذلك قال «لما رأوا بهتوا…» (انظر حبقوق ٣: ١٠) وأيضاً (هوشع ١١: ٢ وإشعياء ٥٥: ٩).

(٦) في هذا العدد زيادة وصف لما أصابهم من الرعدة والرعب حتى كأنهم أصيبوا بما يشبه المخاض كالوالدة حينا تلد. فهم في حالة خوفهم هذا يتألمون ويتعرضون لأشد المخاطر. ومعلوم أن النساء قد يلدن قبل أوانهن بسبب الخوف الشديد وما أشبه. لذلك فهو يصوّر حالة خوفهم وكيف يتعرضون لخطر الموت كما تتعرض الوالدة التي تلد قبل وقتها بسبب الظرف الخاص من الرعب وما أشبه.

(٧) يخصص هنا الريح الشرقية التي تكسر السفن. فالمرنم لا يكتفي أن يخبر عن اندحار الأعداء بواسطة الجيوش البرية بل أيضاً قد أصابهم الاندحار البحري أيضاً (راجع حزقيال ٢٧: ٢٦ وأيضاً أيوب ٢٧: ٢١) وقوله سفن ترشيش أي التي تذهب لترشيش والأرجح أسبانيا أي أبعد الأمكنة في تلك الأيام ويقصد المرنم أن يخبرنا أن الله يحطم قوتهم ويحاربهم بواسطة ما يرسله ضدهم من رياح محطمة (انظر إشعياء ٣٣) حيثما يصور إشعياء قوة أشور كسفينة جبارة.

(٨) يظهر إن ما رآه المرنم بعينه الآن قد فاق ما سمعه بأذنه من قبل. فقد فرح بأن يرى أورشليم عزيزة الجانب رفيعة الذرى قوية لا تهاب الأعداء. فقد حقق الخُبر الخبرَ (راجع أيوب ٤٢: ٥). إن الله يعضدها. ولا شك ما مرّ عليها من مصائب وضيقات بل ما أصابها من هدم وتخريب لا ينفي كونها مدينة الله العظمى. كما أن ذلك لا ينفي أن إسرائيل مختار من الله ووارث.

(٩) هنا يعود المرنم للحمد والشكران فإن الله يسمع الصلاة ويجري العدل والإنصاف ولا يتخلى عن خائفيه والراجين رحمته. لا سيما أولئك الذين يسبحون له في وسط الهيكل والأرجح هنا يعود بالذاكرة لحادثة خاصة (راجع ٢أخبار ٢٠) فقد زاد الله على أعماله الجليلة في القديم هذا العمل في الحاضر أيضاً.

«١٠ نَظِيرُ ٱسْمِكَ يَا اَللّٰهُ تَسْبِيحُكَ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. يَمِينُكَ مَلآنَةٌ بِرّاً. ١١ يَفْرَحُ جَبَلُ صِهْيَوْنَ، تَبْتَهِجُ بَنَاتُ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ أَحْكَامِكَ. ١٢ طُوفُوا بِصِهْيَوْنَ وَدُورُوا حَوْلَهَا. عُدُّوا أَبْرَاجَهَا. ١٣ ضَعُوا قُلُوبَكُمْ عَلَى مَتَارِسِهَا. تَأَمَّلُوا قُصُورَهَا لِكَيْ تُحَدِّثُوا بِهَا جِيلاً آخَرَ. ١٤ لأَنَّ ٱللّٰهَ هٰذَا هُوَ إِلٰهُنَا إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. هُوَ يَهْدِينَا حَتَّى إِلَى ٱلْمَوْتِ».

(١٠) إن اسم الله جليل عظيم كما كان في الماضي مع الآباء والجدود حتى الآن أيضاً مع الأبناء والأحفاد. وهذا الاسم يمتد الآن إلى أقاصي الأرض للتمجيد (انظر ٢أخبار ٢٠: ٢٩) ولقد برهن للجميع أنه هو الواحد الحاكم على العالمين يتصرف بها كما يشاء.

(١١) وإذا كانت معرفة الرب قد امتدت هكذا فإن أصل امتدادها هو من المركز «جبل صهيون». وإذا كانت البهجة تعم الجميع فأحرى بها أن تنشدها بنات يهوذا لأن من هناك مصدر المعرفة ومخافة الرب فلتترنم إذاً المدينة المقدسة. ولتهزج إذاً براري اليهودية ولتردد الأصداء إلى كل مكان (انظر إشعياء ٤٠: ٩ و١٦: ٢) ذلك لأن الخطر كان مداهماً وقد زال لذلك يتوجب على الجميع أن يشتركوا بفرح الخلاص هذا لأن يد الله قديرة وتعمل عظائم.

(١٢) والخطاب هنا بقوله «طوفوا بصهيون» ليس للأعداء بل للأصدقاء وأبناء البلاد. لقد انتظروا طويلاً متوقعين الأخبار المفرحة عن جيوشهم التي أرسلوها وبقوا خارج الأسوار لا يجرأون على الدخول وأما الآن فلهم أن يطوفوا فرحين مهللين ويفاخروا معدّدين الأبراج معتزين بقوّتها.

(١٣) بل إن المرنم يدعو لكي ينظروا إلى المتاريس القوية والحامية التي تنشط للذود عنها وتصد الأعداء مهما كثروا. بل هوذا القصور العالية التي تدل أيضاً على الغنى وراحة البال فكما أن المتاريس هي للدفاع فكذلك القصور هي لبسطة العيش والوجاهة والبحبوحة. وهكذا يحفطون مجدها لكي يخبروا الأجيال القادمة. فإن هذا العز والسؤدد هو مبعث الحديث للتفاخر.

(١٤) إن الله «الرحيم» هو إلهنا على الدوام. ولكن الشطر الأخير يظهر ضعفاً بقوله «يهدينا حتى إلى الموت». ولذلك يرى بعض المفسرين ان يقولوا وراء الموت أو ما بعد الموت. بل يرى البعض أن يترجم الكلمة «في زمان الشباب والفتوة». ويرى آخرون أن ختام المزمور قد ضاع ولذلك فالشطر الأخير منه مضاف ليس إلا.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى