سفر المزامير

سفر المزامير | المقدمة | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: كتاب «السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو          

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

مقدمة

سفر المزامير

المزامير بلا مراء من أجمل أسفار الكتاب المقدس وقلما تضارعها الأسفار الأخرى بالأهمية وسمو التعاليم والأفكار وعمقها. وهي توحد بين القديم والجديد لا سيما وإن السيد المسيح كان يأخذ الكثير من اقتباساته من هذا السفر الجليل. وتسمى بالعبرانية «تهاليم» أي تهاليل من كلمة هلل التي منها هللويا الشهيرة في كل اللغات ومعناها سبحوا الرب. فتهاليم أي تسابيح أو ترانيم أو تراتيل وما أشبه ألفت ورنمت خلال قرون طويلة وجرت على الألسنة قبل أن تُكتب. وفي أصل معنى الكلمة الشكر والاعتراف بالجميل. ويمكننا أن نقول إن هذه المزامير قد استعملت في خدمة العبادة في الهيكل قديماً للترنم بها أو قراءتها بالتبادل أو بصورة اعتيادية لأجل التأملات الروحية والصلوات الانفرادية.

والمزامير ليست سفراً واحداً ولم تنظم دفعة واحدة. وحتى أن اليهود أنفسهم كانوا قد قسموه إلى خمسة أجزاء هي هكذا:

  • الجزء الأول: من المزمور الأول حتى الحادي والأربعين.
  • الجزء الثاني: وهو من المزمور الثاني والأربعين حتى الثاني والسبعين.
  • الجزء الثالث: من المزمور الثالث والسبعين حتى التاسع والثمانين.
  • الجزء الرابع: من المزمور التسعين حتى المئة والسادس.
  • الجزء الخامس: وهو الأخير من المزمور المئة والسابع حتى الآخر.

هو كتاب شعري غنائي من الطراز الأول لا وزن له خاص ولا قوافي خاصة به بل كان يأتي على أشكال مختلفة متنوعة وبمقاطع متباينة فيها اهتمام خاص بالمعاني والأفكار ويمكننا أن نعتبر هذا إنه كمال فن الشعر الغنائي. وكان يستعمل في الهيكل والمجمع على السواء بالطريقة ذاتها التي نستعمل فيها كتب الترتيل اليوم في كنائسنا. وإن يكن في القديم أقل ترتيباً وانتظاماً في استعمالها من قبل الشعب بل يكاد استعمالها يكون محصوراً في أجواق المرنمين المختصين في الهيكل.

وقد كتبت هذه المزامير ونقحت مرة بعد مرة خلال قرون متطاولة في القدم قبلما وصلت إلى حالتها الحاضرة. وقد نظمت واستعملت لحالات ودواع خاصة ولأيام أعياد ومواسم معلومة. وكما كانت الشريعة بما فيها من تفصيل القرابين والتقدمات ضرورية ولازمة للعبادة هكذا كانت المزامير أيضاً وقد وضعت في فاتحة الكتابات «كتوبيم» لتكميل العبادة الطقسية وتجميلها.

وأغلب ما ورد من هذا الشعر الغنائي هو بشكل الموازاة فينقسم البيت مثلاً إلى شطرين متوازيين متعادلين متقاربين في المعنى مثل قوله:

الرب نوري وخلاص ممن أخاف

الرب حصن حياتي ممن أرتعب

أو متعاكسين في قوله:

لأن الرب يعلم طريق الأبرار

أما طريق الاشرار فتهلك

أو بقصد توكيد المعنى كما في:

بصوتي إلى الرب أصرخ

بصوتي إلى الرب أتضرع

ويمكن أن يكون التقسيم أكثر من شطرين أي ثلاثة أو أربعة مثلاً كقوله:

لأن شروراً لا تحصى قد اكتنفتني

حاقت بي آثامي ولا أستطيع أن أبصر

كثرت أكثر من شعر رأسي وقلبي قد تركني

فالمرنم الناظم لا يهمه والحالة هذه سبك الألفاظ وتنميق العبارات بل هدفه الأسمى هو المعاني فهو يسعى أن يوصلها للذهن بأخصر طريقة وأجمل أسلوب. ذلك لأن موضوعه الإجمالي هو عبادة الرب وحمد اسمه العظيم وتذكير الناس بوجوب التعبد له على الدوام. وقد تكون الموازاة في المعاني بين فكر وآخر وبين معنى وما يتبعه من صور شعرية ومجازات. وهكذا فلا يعتبر عدد المقاطع والفواصل والحركات والسكون وما أشبه كما هي الحالة في الشعر العربي وأوزانه المختلفة وقوافيه وجوازاته بل يريد أن يصل إلى الفكر لأنه يهمه ويخدمه قبل كل شيء ويفعل ذلك بحرية مطلقة حتى تصبح هذه المعاني بألفاظها القشيبة أشبه شيء بزهور البرية التي تملأ المروج والأودية أيام الربيع بجمالها الساحر وطيب عبيرها.

والآن نتساءل ما هي هذه المزامير ومن نظمها ومتى وكيف نظمت؟ هل ابتدأت أولاً بداود أم هي أغانٍ وأناشيد سبقت عصره من مدة طويلة وكان الناس يتداولونها شفاهاً. حتى أن داود نفسه اعتمد على بعض منها ليستمد منها الوحي ويقلدها تقليداً. ومما لا شك فيه أن الشعر قديم كالإنسان وإنه قد أحبه واستعمله واستعان به في التعبير عن عواطفه وحاساته قبلما عرف طريقة أ خرى. وإذا رجعنا إلى الأيام القديمة نجد (تكوين ٤: ٢٣ و٢٤) «وَقَالَ لاَمَكُ لٱمْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: ٱسْمَعَا قَوْلِي يَا ٱمْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ».كذلك فإننا نقرأ (يشوع ١٠: ١٢) «يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ». كذلك في (سفر العدد ٢١: ١٧ و١٨ والخروج ١٥: ١ و١٢).

أما أهم المصادر التي استقت منها المزامير فيرجح أن تكون هكذا: –

  1. المجموعة الداودية الأولى وهي من المزمور ٢ – ٤١.
  2. المجموعة الداودية الثانية وهي من ٥١ – ٧٢.
  3. المجموعة القورحية (نسبة إلى بني قورح) وهي ٤٢ – ٤٩.
  4. مجموعة آساف وهي المزمور ٥٠ و٧٣ – ٨٣.
  5. تكملة مجموعة قورح وهي المزامير ٨٤ – ٨٩.
  6. مجموعة مزامير هللويا وهي المزامير ١٠٥ – ١٠٧ و١١١ – ١١٨ و١٤٦ – ١٥٠.
  7. مزامير الحج أو المصاعد وهي المزامير ١٢٠ – ١٣٤.
  8. مجموعة داودية مضافة إلى ما تقدم وهي مزمور ١٣٨ – ١٤٥.
  9. أناشيد وترانيم متفرقة وهي المزمور ٩٣ و٩٥ – ١٠٠.

وأما الشواهد على أن المزامير تحتوي على أجزاء متفاوتة فهي كما يأتي:

  1. ورود المزمور ذاته أكثر من مرة مع تغيير طفيف لا يعتد به قابل مثلاً مزمور ١٤ مع ٥٣ و٤٠: ١٣ – ١٧ مع مزمور ٧٠ ومزمور ١٠٨ مع مزمور ٥٧: ٧ – ١١ وايضاً ٦٠: ٥ – ١٢.
  2. استعمال اسم الله أو الرب أو القدير على اشكال مختلفة. ونلاحظ أن عدداً من المزامير يعتمد على ما ورد في أسفار الشريعة راجع مزمور ٥٠: ٧ وخروج ٢٠: ٢.وأيضاً مزمور ٧١: ١٩ وقابله مع خروج ١٥: ١١.
  3. يوجد ذكر لعدد من المؤلفين بينما يوجد مزامير بلا عناوين البتة.
  4. ورد في آخر المزمور ٧٢ هذا الكلام «تَمَّتْ صَلَوَاتُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى» مع أنه يذكر اسم داود في مزامير بعدها مما يدل على أن الجامع عندئذ لم يعرف بمزامير لداود غير التي ذكرها.
  5. إن ندورة وجود علامات موسيقية «سلاه» في القسمين الرابع والخامس من المزامير تدل على أن هذه المزامير لم تجمع في وقت واحد.

وأما سمث فقد قسم المزامير هكذا:

  1. مجموعة المزامير الداودية الأولى بما فيه المزمور الأول كمقدمة والتسبيحة الأخيرة فتكون من ١ – ٤١.
  2. المجموعة الثانية للمزامير الداودية وهي ٥١ – ٧٢.
  3. مجموعة المزامير للقراءات المتبادلة وما أشبه وهي ٤٢ – ٤٩ و٥٠ ثم مزمور ٧٣ – ٨٣.
  4. إعادة كتابة المجموعة الثانية والثالثة مع إدخال كلمة الله «إلوهيم».
  5. زيادات غير الوهيمية وتسبيحات وهي مزمور ٨٤ – ٨٩.
  6. مزامير إضافية وهي ٩٠ – ١٥٠ مع أنه فيها بعض الفروقات خذ مثلاً مزمور ١٢٠ – ١٣٤ وهي ترانيم المصاعد التي قد نحسبها كتاب ترانيم قائم بذاته.

ولا يغرب عن بالنا قط أنه يوجد فرق بين تاريخ تأليف المزمور أو نظمه وتاريخ جمعه بعد ذلك أو تاريخ تنقيحه أو زياداته إلى مزامير أخرى وهذه لم تبق على شكل واحد لدى جمعها بل تغيرت وتبدلت بتكرار الأيدي عليها ولا سيما أيدي النساخ.

ومما يجدر بالذكر أن المزامير بشكلها الحاضر هي تطور للشعر العبراني القديم ونجد مثله كما يأتي:

  1. ترنيمة دبورة راجع قضاة ٥
  2. ترنيمة موسى راجع تثنية ٣٢
  3. ترنيمة حنة راجع ١صموئيل ٢
  4. مرثاة داود لشاول ويوناثان راجع ٢صموئيل ١
  5. مرثاة لموت أبنير راجع ٢صموئيل ١
  6. صلاة حزقيا حينما وجه وجهه إلى الحائط وقد مرض للموت راجع إشعياء ٣٨
  7. أغاني الولائم كما يذكر عنها النبي عاموس راجع عاموس ٦: ٥
  8. أغاني العرس كما في نشيد الأنشاد أو الأغاني الشعبية العامة راجع إشعياء ١٢ويونان ٢ وحبقوق ٣ أو وضع حوادث عظيمة بشكل قصة للعظة والعبرة راجع إشعياء ١٤: ٤ – ٢٧

ومن الممكن أن كتاب «حروب الرب» كان يحوي عدداً كبيراً من الترانيم والأناشيد الصالحة للحرب والقتال بينما كتاب «ياشر» ومعناه المستقيم فقد حوى النصائح الكثيرة والإرشادات القيمة عن السلوك الشريف والحياة الطاهرة.

وهاكم أسماء العناوين الموضوعة على المزامير كما يأتي:

  1. إيلة ها الشحر ومعناها ترنيمة السحر.
  2. آلاموث ومعناها لحن بصوت عالٍ.
  3. شير حنكيث هبيت ومعناها ترنيمة التكريس.
  4. التاشيث ومعناها لا تهلك.
  5. الجتية أي على آلة موسيقية جلبها داود من جت.
  6. هيجايون ترنيمة بلحنٍ رفيع.
  7. جوناث اليم رحوكيم وهو اسم لحنٍ حنون.
  8. محالات لا آنوث وهو لحن للأحزان.
  9. مشيل أو مثل أي مزمور للتأملات.
  10. ميشتام أو مذهبة.
  11. موت الابن وهي ترنيمة لموت الابن.
  12. ناجينوث وهي ترنيمة يديرها إمام المغنين على ذوات الأوتار.
  13. ناحيلوث أي يستعمل بها آلات الموسيقى من ذوات النفخ.
  14. شامنيث أي المثمنة فكانت تلعب على ذوات الأوتار الثمانية.
  15. شيجايون أي شجوية وبأصوات متعددة.
  16. شوشانيم شوشان إيدوث وهو اسم لحن مجهول.
  17. أناشيد حبية وهي المسماة شيريديروث.
  18. يدوثان ومعناها ربما الموسيقى الفخمة. (راجع قاموس الكتاب هاستنس مقالة المزامير) أما أسماء المؤلفين الموضوعة على المزامير فهي:
    • داود
    • سليمان
    • صلاة موسى عبد الرب
    • بنو قورح
    • بنو ناثان
    • إمام المغنين
    • آساف
    • قصيدة هيمان الأزراحي
    • قصيدة إيثان الأزراحي

نجد أن أغلبية المزامير يضع المصنّفون عنوانها «مزمور» فهذا موجود في مقدمة سبعة وخمسين منها. وإذا رجعنا إلى اشتقاق هذه الكلمة نجدها تعود إلى معنى الغناء بأغنية يصحبها بعض الآلات الموسيقية وهذه ترنم بالأحرى لأجل أغراض دينية روحية. ونجد كلمة أخرى «شعر» وهي تستعمل للأغاني العادية دون أن يكون لها علاقة بالأشياء الروحية ونجد هذه الكلمة في (المزمور ٤٦ والمزمور ١٨). وأحياناً نجد العنوان «شعر مزمور» وهذا كان يرنم لأجل غرضين إما ديني أو دنيوي ويصحبه الآلات الموسيقية ذات الأوتار.

تاريخ كتابة المزامير وناظموها

يجب لأول وهلة أن لا نخلط بين تاريخ جمع هذه المزامير وتاريخ تأليفها أو نظمها ولا شك أنه يوجد فرق بين الاثنين. إذ من الممكن أن كثيراً من هذه المزامير كانت ترنم قبل أن حاول كتابتها أحد بزمان طويل. وبالتالي فهذه أغاني الشعب عرفها وغناها وصحبها بآلات الطرب قبل أن تجمع في كتاب مدون. ومن جهة أخرى نجد أن المؤلف أو المؤلفين لم يذكروا لأن لا أهمية لذلك في نظر الناس في تلك العصور القديمة وربما كان أن عدداً من المزامير المنسوبة إلى داود لم ينظمها داود قط وإنما ذكرت تحت اسمه لكي نعرف انها نظمت على النسق الداودي ليس إلا. ونجد أن عدداً من هذه المزامير المنسوبة إلى داود لا يمكن أن تكون لداود حقيقة إذا اعتبرنا الأشياء الآتية:

  1. لقد ورد بعض التعابير الآرامية التي دخلت اللغة العبرانية بعد عصر داود بزمان طويل فنجد مثلاً المزامير ١٠٣ و١٢٢ و١٣٩ و١٤٤.
  2. نجد أن بعضها قد اقتبس من بعض الكتابات المتأخرة عن عصر داود راجع مزمور ٨٦.
  3. يوجد بعض المزامير ذات ميزات خاصة لا يمكن أن تكون داودية مثل المزامير ٢٥ و٣٤ و٣٧. مما يرينا بأجلى بيان عن حالة المملكة في ذلك الحين.
  4. ذكره الهيكل كما في المزمورين ٥: ٧ و٢٧: ٤. وقد ذهب العالم ديلتش إلى القول بأن الهيكل هنا معناه خيمة الاجتماع. وهذا الكلام يحتوي الكثير من السعي لإيجاد الأعذار.

وقد ذهب ولهوسن إلى القول المأثور «ليس المشكل فيما هل كتاب المزامير يحتوي أي المزامير المكتوبة بعد السبي بل المشكل هل يوجد أي المزامير التي كتبت قبل السبي على الإطلاق». إذا كان يقصد بهذا الكلام تدوين المزامير كما نجده الآن ففيه الشيء الكثير من الصحة ولكن لا يغرب عن بالنا أن هذه المزامير كانت معروفة منذ القديم ويغنيها الناس عن ظهر قلوبهم وإن كانوا لم يتعلموا أن يكتبوها. فإن هذا الشعر الديني الممتاز كان قد طبع في أذهان الناس وقلوبهم وهم ما زالوا أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.

أما الشعر العبراني فلم يكن يعتمد على الوزن أو القافية كما ذكرنا سابقاً بل بالأحرى كان يعتمد على ترتيب الأفكار وترابطها وانسجامها وتوازن الجمل وعلاقتها بعضها ببعض. وبعبارة أخرى كان عندهم التوازي أجلّ الأشياء وأعظمها خطورة. وهذا التوازي قد يأتي على الأوجه المختلفة الآتية:

  1. التكرار والتوكيد لنقطة واحدة راجع مزمور ٢١: ٢ و٩٤: ٣ و١٩: ١ و٢ و٢٧: ١ و٢.
  2. التعاكس انظر مزمور ٣٠: ٥ «لأَنَّ لِلَحْظَةٍ غَضَبَهُ. حَيَاةٌ فِي رِضَاهُ. عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ».
  3. التناجس والتناسق راجع مزمور ٣: ٤ و٩٧: ١ و٥ ومزمور ١٠٣: ١ وما يليه.
  4. ومنها المقاطع المثلثة والمربعة والمخمسة والمسدسة ونجد ذلك بالترتيب هكذا مزمور ٩٣: ٣ و٥٥: ٢١ و٦: ٦ و٩٩: ١ – ٣.
  5. ومن المزامير تلك المرتبة حسب أحرف الهجاء. فإن كل حرف منها يحوي ثمانية جمل أو آيات وكل آية تبدأ بالحرف الذي كتبت تحته وهكذا على التوالي. وشاهدنا في ذلك المزمور ١١٩.

ويمكننا أن نقول إن المزامير كلها تهدف نحو غرض واحد وهو العبادة بأجمل صورها وأعظم معانيها ولم يخطئ من قال إن الكنيسة المسيحية منذ أقدم عصورها قد عرفت قيمة المزامير واستعملتها بصورة منتظمة ومتواصلة لأنها تصل إلى القلب بأهون سبيل وأخصره لأنها قد خرجت من القلب البشري أولاً. ويجد المرنم أن عبادة الرب هي غايتها القصوة هي القمة العليا في جبل تفكيره السامي فمتى وصل إليها يترك للأفكار الثانوية الأخرى أن تحتاط القمة من كل جانب كما تفعل القمة والتلال الأخرى تحيط بها وهي أدنى منها.

وما هي العبادة يا ترى سوى الصعود إلى الأعالي ولو لحظة من الزمان ومحاولة البقاء هناك مدة كافية حتى نستنشق نسيم الحياة من نبع كل حياة. فالإنسان الذي نفخ فيه من روحه لا يمكن أن يبقى حياً روحياً إلا على مقدار ما يستطيع أن يحيا بالله متعبداً له ومطيعاً لجميع أوامره ووصاياه. وما المزامير سوى ارتفاع بالمؤمنين نحو القمم العالية كلما قرأناها وتمتعنا بخيراتها كلما فرحنا بالحياة الروحية التي نحياها وملأت جوعنا وأروت عطشنا لأنه «طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون».

بعض تعاليم المزامير الهامة

مع أن المزامير هي في جوهرها شعر من الطبقة العالية والشعر قلما يتوخى التعليم بل يهمه الفن وإرضاء حاسة الجمال النفسي ولكن المزامير تضع بعض التعاليم أمام عيوننا بصورة مؤثرة جذابة وإذا شئنا أن نضع موضوعاً للمزامير كلها فيكون ذلك المصائب والشكوى لله لكي يخلصنا منها فنزيلها أو نتغلب عليها. كذلك يبحث المرنم الضيقات والآلام ويحاول أن يفسر علاقتها بحياة الإنسان ولا يستطيع أن يفصل بين الخاطئ وخطيئته فهو يكره الخطيئة والخاطئ معاً لأنه عدو الله فكيف يمكنه أن يقف على الحياد تجاه من يقترف الشرور والمعاصي فيقول: –

ألا أبغض مبغضيك يا رب

وامقت مقاوميك؟

بغضاً تاماً أبغضتهم صاروا لي أعداء

لذلك فهو محب لله غيور لا يرضى بالمنافقين والمستهترين. لقد بذل الكثيرون من النقاد جهداً عظيماً لتحليل المزامير وإظهار المعاني التي قصدها ناظموها على قدر الإمكان حتى ذهب الأستاذ رتشرد مولتن من جامعة شيكاغو شوطاً بعيداً في هذا المضمار وإن يكن قد بالغ وغالى بعض الأحيان إذ وضع لكل مزمور موضوعاً خاصاً حتى ظهر بمظهر العنت والتصنع. ولا شك أن هذه المزامير قد كتبت في أوقات وأحوال متفاوتة وبأقلام كتبة وشعراء عديدين. والأفضل أن نحسبها حرة طليقة في أغلب الأحيان تعبر عن شعور النفس وحاساتها ولذلك لا نرى من الضروري وضع موضوع خاص بكل مزمور منها طالما هذه الاختبارات قد عرفها الكثيرون وأحكموا وصفها والتعبير عنها بما لا مزيد عليه من الروعة والجمال. ولكن بعض هذه المواضيع كما يراها الأستاذ تستحق الإشارة إليها على الوجه الآتي:

  1. أناشيد حربية مزمور ٢٠ و٢١ وهما لبدء الحرب وانتهائه بالظفر.
  2. ترنيمة زواج مزمور ٤٥.
  3. العهد مع داود ونسله مزمور ١٣٢ – ١٣٩.
  4. المسيح المنتظر مزمور ٢ و١١٠ ونجد ٧٢ يبحث سلامة البر والنسل المبارك.
  5. ترانيم وطنية ومنها ترنيمة البرية مزمور ١٣٦ وترنيمة مملكة يهوذا مزمور ٧٨ وترنيمة السبي مزمور ١٠٦.
  6. ترانيم الأعياد والمواسم مثل مزمور ٩٣.
  7. ترانيم الانتصار وللتشجيع وقت الانكسار مزمور ٦٠ و١٠٨ و١٨.
  8. ترانيم النذور مزمور ٩٣ – ٩٨. أما المزمور ٦٨ فيضم أعظم الأفكار الدينية والوطنية فيربط الماضي بالمستقبل.
  9. المراثي انظر مزمور ٨٨ وأما مزمور ٨٠ فيأخذ استعارة الكرمة.
  10. المصائب والخلاص منها مزمور ٣٧ و٤٩ و١٤ و٥٠.
  11. المزامير التمثيلية والتعليمية وما أشبه ومنها الشيء الكثير الخ.

وإذا حاولنا أن نضع مواضيع هذه التعاليم بصورة واضحة مختصرة نجد أنها تحوي:

  • أولاً وحدانية الله – فنقرأ في مزمور ١١٥ اعترافاً صريحاً بالتوحيد فإن الله واحد لا إله سواه هو خالق السماء والأرض بينما آلهة الأمم أصنام. ونقرأ في مزمور ١٤ عن قوم جهال يجرأون على القول بأن ليس إله وربما كان هؤلاء من بني إسرائيل لا من الأمم حولهم. والمزامير بطبيعتها تحوي الكثير من الديانة العملية أي تلك الأمور التي يتوجب علينا أن نتمها ولا يكتفي بالديانة النظرية التي تبحث عن العقل البشري ومعتقداته. فيذكر مثلاً سماء مسقوفة علاليها بالمياه. وآلهة تتكلم كالبشر فتغضب وتحقد وتنتقم ولكن في الوقت ذاته فإن الله رب الجنود هو إله بار وقدوس وكل صنعه بالأمانة عليهم بكل شيء ويملأ كل مكان فمن وجهه أين نهرب. ونجد مسألة تشغل بال المرنم فيتساءل عنها مرة بعد مرة «ماذا يصنع الله بالأشرار وهل يتغاضى عنهم؟» ومع أنه لا يحير جواباً بعض الأحيان لكنه يكتفي بأن الاشرار سيبادون من الأرض وينقطع ذكرهم.
  • ثانياً طبيعة الله – يكاد المرنم أن يصف الله بشكل بشري كما في مزمور ١٨: ٢٥ و٣٦ مع الرحيم تكون رحيماً مع الرجل الكامل تكون كاملاً. مع الطاهر تكون طاهراً ومع الأعوج تكون ملتوياً. ولكننا نقابل ذلك بما ورد في المزمور الثامن فنجده يسمو بنا إلى الله الذي ما أمجد اسمه في كل الأرض. ونجده في مزمور ١١ هو الإله الأمين الذي نثبت فيه ونركن إليه وهو يراقب جميع البشر ويرى تصرفاتهم. ونجد في كثير من المزامير أن المحتاج والذي في ضيق واضطهاد ينال ملجأ فيه ويحتمي من أي خوف أو أذى. حتى أن بقية الأمم يستطيعون أن يشاطروا بعضهم بعضاً في اغتنام بركات صلاحه الإلهي. وهو وحده الإله الذي يحكم العالمين بالعدل والإنصاف راجع مزمور ٩: ٨.
  • ثالثاً الله في الوجود – يرى المرنم في هذا الوجود حوله بر الله وحكمته ونجده مرات كثيرة واسع المعرفة والاطلاع بالأنهار ومجاري المياه حوله. يسر بمرأى الجبال وما تحويه كما يفرح بالبرية وما فيه من حيوانات كثيرة متنوعة. حتى العصافير الصغيرة لا يفوته أن يلاحظها. راجع مزمور ١٠٤ ففيه الشيء الكثير من المعارف الطبيعة ذات القيمة العظيمة. ولطالما شاهد جمال الشروق في الصباح أو روعة الغروب في المساء فقال عن الله «يلبس النور كثوب». وربما يصل المرنم إلى أسمى الأفكار وأعظمها في مزمور ١٩ حينما يقول «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ…» وإن هذا الإله الذي أعطى الإنسان خبزاً لكي يقتات به وخمراً تفرح قلبه فهو الذي أعطاه الطبيعة بعنايته الفائقة بالإنسان فهو يرأف به ويريده أن يعود عن إثمه وضلاله إلى طريق الحق والهدى وينتظر الرب ولا يتسرع في تذمره بل يطلب خالقه دائماً. لأن الله مصدر حياتنا ومبعث كل خير فيها لذلك «كَمَا يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ هٰكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللّٰهُ» (مزمور ٤٢: ١).
  • رابعاً واجبات الإنسان نحو إلهه –
    1. أن يكون سخياً نحو الفقراء راجع مزمور ١٥ و٢٤.
    2. منصفاً في أحكامه نحو الجميع مزمور ٧٢: ٣و ٤.
    3. نتعلم أن نصنع مشيئته مزمور ١١٩: ٣٣ – ٤٠.
    4. روح الله فينا مزمور ٥١: ١١ – ١٣.

    ونجد أن المزامير تشدد على وجوب الحياة التقوية طالما نحن في هذه الدنيا وأن الإنسان التقي ينال جزاءه فيها. وهذا التعليم قد أوجد مشكلة فتساءل الإنسان لماذا هذه الضربات وأنا لا أستحقها. وبالتالي جعل البشر يعتمدون على البر الذاتي. فإذا وقعت مصيبة على إنسان فهي لسبب خطيئة معينة. حتى قد تكون مخفية عن أعين الناس وعن الخاطئ نفسه. وهكذا فإن الله يريد أن يعود عن إثمه ويترك خطيئته ويلتمس رحمة إلهه. ولطالما كانت صرخة الخلاص من المصيبة صرخة الخلاص من الخطيئة التي سببتها. وإذا طلب من الله أن ينزل عقابه العادل على المذنبين فذلك لكي يبرره تجاههم ويفرض حكمه العادل على السكان أجمع.

  • خامساً أين يسكن الله – ونجد الجواب الصريح في المزمور ١٣٩ مسكنه السماء وكل مكان. بينما هو يسكن بصورة خاصة في هيكله المقدس مزمور ٤٦: ٤ وهذا الهيكل هو الفردوس الثاني حيث يقبل فيه الإنسان بدلاً من أن يطرد. مزمور ١٣٢: ١٤ وهو يسكن صهيون جبل قدسه مزمور ٨٧ حيثما عليه يقوم الهيكل المقدس.ومما هو جدير بالذكر أن الأمور الأدبية تتمشى يداً بيد مع الأمور الدينية فإن من أهم مطالب الدين هو تطبيقه في الحياة اليومية انظر مزمور ٥٠. وهكذا فإن الذبائح هي بالأولى روحية مزمور ٥١: ١٧. وإذا راجعنا مزمور ٤٠: ٦ – ٨ نجده تمهيداً بالغ الأثر للديانة المسيحية فهو يرتفع من المكافآت المادية والجزاء العالمي لقاء ما نقوم به من واجبات فتصبح الديانة قلبية لا ظاهرية فقط وحقيقية لا طقسية. إن الله حاضر دائماً لكي يستجيب سؤل القلوب المتخشعة المتواضعة أمامه. والله يجيبنا ليس على نسبة ما ننتظر بل على نسبة مشيئته المقدسة ومقصده الصالح. وهكذا فإن تعاليم المزامير كانت أسمى من أفكار الإنسان العادي في ذاك الحين حتى كانت سبب إلهام ونهضة لكل الذين رنموها أو سمعوها.
  • سادساً الحياة بعد الموت – لا شك كانت فكرة غامضة ولكننا نرى المرنم يؤكد أن لا فرح لنا ولا سعادة ننالها في البعد عن الله لأنه مصدر طمأنينتنا وسلامنا انظر المزامير ١ و٦ و٨ قد نجد ذكراً لا يعتد به بعالم الأموات مزمور ١٦: ١٠ و١١ ومزمور ١٧: ٨ و٩ و٤٩: ٨ – ١٠ و٧٣: ٢٣ فإن هذه المزامير قد نظرت إلى هذه الحياة الدنيا وأما شاؤول – الهاوية فهي موطن الأخيلة ومكان السكوت الأبدي حيثما ينسج العنكبوت بيته وينطفئ ذكر الإنسان لأنه لا يوجد بعد.
  • سابعاً آماله بالمسيح المخلص – تتشابه المزامير مع أقوال الأنبياء في هذا الموضوع الخطير ومع أن مزمور ١١٠ هو نبوات عن المسيح المنتظر فهو يبحث عن خلاص الأمة وليس خلاص الفرد. لأن الفرد قد يذهب مضمحلاً ولكن الله يعمل بواسطة أمته وشعبه فلا يمحى ذكرهم من الأرض. ويوجد آمال عن المسيح في المزامير ٢ و٨ و١٦ و٤٥ و٧٢ و٨٩. فهذه كلها تذكر أن أياماً سعيدة لا شك قادمة وفيها يتم الظفر والانتصار. ومع أن المزامير هي إلى حد كبير وطنية الصبغة تنظر إلى اليهود بصورة ضيقة – مع ذلك نجد بعض الأفكار السامية التي تشمل أمم العالم أجمع. راجع المزمورين ٩٨ و٩٩ بصورة خاصة. نعم إن المرنم يتلفت إلى الأمم الباقية ولكنه يفعل ذلك بأن يطلب رجوعهم والتهلل بانتصارات الرب حينما يجعل أروشليم عاصمة دنياه ويجري منها الحق والعدالة إلى جميع الشعوب. وكذلك فإن المزمورين ٤٠ و٨٥ هي من أهم المزامير التي تشير إلى المسيح.

وخلاصة القول إن المزامير هي أشبه بزهور البرية في فصل الربيع بما فيها من مختلف الأشكال والألوان وبما تبعثه من شذا منعش للأبدان والأرواح. وجمال هذه الزهور هو ليس بما فيها من انسجام بل بما فيها من تنوع وأشكال مختلفة. فالمزامير تعبر عن الطبيعة البشرية بما فيها من أعماق ومعان. وكما أن زهور البرية هي عنوان التنوع والحرية إذا لم تأخذها يد الإنسان لتضعها في الجنائن. كذلك فإن المزامير هي تعابير صارخة عن آلام البشرية وأحزانها كما هي هتافات الابتهاج والانتصار. ونجد أن الدين الحقيقي قد لمسها بيده المهذبة المرقية فزاد على طابعها الشعري العالي رسالتها الروحية المنعشة. وقلما نرى حالة من حالات النفس أو خلجة من خلجات القلب إلا نجد ما يقابلها في المزامير. فهي تمسو بنا إلى الأعالي تارة ثم تارة أخرى تهبط بنا إلى الأعماق فبينما نحادث النجوم ونسمعها بغير كلام إذا بنا نهبط إلى ظلمات الشقاء. فنبكي مع الباكين ونتألم مع المتألمين.

  • ففي أوقات الشكر لنقرأ المزامير ١٠٣ و١٠٧ و١٢٧.
  • وفي أوقات الحزن لنقرأ ٢٣ و٨٤.
  • وفي أوقات المخاطر لنقرأ ١٢١ و١٢٥ و٢٧ و٢٢ و٤٦ و١٣٩ و٩١.
  • ولدى لقاء الأحباء بعد طول غياب فنقرأ ١٣٣. ولأجل الغفران لنقرأ ٥١ و١٣ و٣٤.
  • ولدى ولادة مولود في عائلة لنقرأ ١٢٨ و١١٧ و١٢٧.
  • وفي الأعياد الوطنية وذكريات العزة القومية لنقرأ ١٢٢ و٩٠ و٩٥ و١٠٠.
  • وحينما نعد أنفسنا للصلوات الصباحية أو المسائية فلنقرأ ١٥ و٢٤ و١٩ و٦٣.

ولا غرو أن نجد الكنيسة منذ أقدم عصورها تستعمل المزامير كأسمى الوسائل للعبادة وأفعلها في النفوس البشرية. فنحن في حاجة إلى المزامير لأجل التأملات الروحية أفراداً وجماعات فهي أشبه بالمرآة النقية التي تعكس شعورنا وعواطفنا في مختلف الأحوال. وما المزامير سوى اختبارات روحية عميقة رنمها رجال الله الأتقياء ووجدوا فيها تعزية وتشجيعاً وقوة وسلوى وما وجدوه عندئذ نجده نحن الآن.

فلنطالع المزامير بلذة وطلب استفادة لأنها صادقة في تعبيرها عن حقائق الحياة الحاضرة كما كان في الماضي ولأن وصفها للشعور الداخلي يأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأفكار ولأنها تدفعنا لطلب العفو فنستغفر الله عما مضى من خطايا وذنوب. وفي الوقت ذاته تدفعنا لكي نتشجع بهذه الاختبارات الثمينة فما حصل عليه أولئك قد نحصل عليه نحن. ونجد الدافع البشري قريب المنال من الإلهي مما يدفعنا إلى الأمام ويسمو بأفكارنا إلى الأعالي. فالمزامير هي مجموعة الفن الخالد الذي لا يستطيع الزمان أن يبلي جدتها ولا يغير من روعتها وجمالها فهي نسمات منعشة للحياة الروحية بل غذاء وريّ وسقياً فلنكن بها مولعين مشغوفين.

سوق الغرب في ١ كانون الثاني سنة ١٩٤٩

القس جورج خوري

التالي
زر الذهاب إلى الأعلى