سفر زكريا

سفر زكريا | 11 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر زكريا

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

إن موضوع هذا الأصحاح أحكام الله على شعبه لرفضهم راعيهم.

١ – ٦ «١ اِفْتَحْ أَبْوَابَكَ يَا لُبْنَانُ فَتَأْكُلَ ٱلنَّارُ أَرْزَكَ. ٢ وَلْوِلْ يَا سَرْوُ لأَنَّ ٱلأَرْزَ سَقَطَ، لأَنَّ ٱلأَعِزَّاءَ قَدْ خَرِبُوا. وَلْوِلْ يَا بَلُّوطَ بَاشَانَ، لأَنَّ ٱلْوَعْرَ ٱلْمَنِيعَ قَدْ هَبَطَ. ٣ صَوْتُ وَلْوَلَةِ ٱلرُّعَاةِ، لأَنَّ فَخْرَهُمْ خَرِبَ. صَوْتُ زَمْجَرَةِ ٱلأَشْبَالِ، لأَنَّ كِبْرِيَاءَ ٱلأُرْدُنِّ خَرِبَتْ. ٤ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهِي: ٱرْعَ غَنَمَ ٱلذَّبْحِ ٥ ٱلَّذِينَ يَذْبَحُهُمْ مَالِكُوهُمْ وَلاَ يَأْثَمُونَ، وَبَائِعُوهُمْ يَقُولُونَ: مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ! قَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ. وَرُعَاتُهُمْ لاَ يُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. ٦ لأَنِّي لاَ أُشْفِقُ بَعْدُ عَلَى سُكَّانِ ٱلأَرْضِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، بَلْ هَئَنَذَا مُسَلِّمٌ ٱلإِنْسَانَ كُلَّ رَجُلٍ لِيَدِ قَرِيبِهِ وَلِيَدِ مَلِكِهِ، فَيَضْرِبُونَ ٱلأَرْضَ وَلاَ أُنْقِذُ مِنْ يَدِهِمْ».

إرميا ٢٢: ٦ و٧ حزقيال ٣١: ٣ إشعياء ٢: ١٢ و١٣ و١٠: ٣٣ و٣٤ وحزقيال ١٧: ٢٤ إرميا ٢٥: ٣٤ – ٣٦ إرميا ٢: ١٥ و٥٠: ٤٤ ع ٧ ومزمور ٤٤: ٢٢ إرميا ٥٠: ٧ هوشع ١٢: ٨ و١تيموثاوس ٦: ٩ حزقيال ٣٤: ٢ و٣ إرميا ١٣: ١٤ ص ١٤: ١٣ وإشعياء ٩: ١٩ – ٢١ وميخا ٧: ٢ – ٦ مزمور ٥٠: ٢٢ وميخا ٥: ٨

أَبْوَاب لُبْنَانُ هي طرقات الجبل التي بها يدخل العدو. النبي (ع ٢) يدعو الطبيعة للويل والنوح على مصائب بني البشر وذلك باصطلاحات الشعر والأشجار العظيمة كالأرز والسرو والبلوط كناية عن عظماء من بني البشر. ويجوز أن نفهم القول حرفياً أيضاً لأن بعض أشجار لبنان قُطعت عن يد الأشوريين وغيرهم من الهاجمين على إسرائيل. والأرجح أن هذه النبوة تشير إلى خراب أورشليم بعد المسيح عن يد الرومانيين. وفخر الرعاة (ع ٣) هو مرعى غنمهم وكبرياء الأردن الغابات والأشجار الكثيفة التي فيها تختبئ الوحوش.

الرب دعى زكريا ليكون راعياً لشعبه (ع ٤) ويسميهم غنم المذبح نظراً إلى ظلم رؤسائهم. في محاصرة أورشليم من الرومانيين قُتل أكثر من ألف الف من اليهود. وفي هذه الوظيفة كان زكريا رمزاً إلى المسيح الراعي الصالح. والأرجح أن هذا كله كان في رؤيا لأن البعض من الأعمال المذكورة لا يمكن حدوثها حرفياً. ومالكوهم (ع ٥) هم الرؤساء والكهنة الظالمون والطماعون ولا يشعرون بأنهم أثموا بل يشكرون الرب على ربحهم القبيح. فقال الرب (ع ٦) لأني لا أشفق بعد على سكان الأرض. لقد أشفق عليهم بإرساله أنبياء كثيرين وبإمهاله ولكنهم رفضوه ولم يسمعوا إنذار الأنبياء. فيسلم كل رجل ليد قريبه (ع ٦) بحروب أهلية وزمان تشويش بلا حكومة ثابتة كما في السني الأخيرة من مملكة إسرائيل (انظر ٢ملوك ص ١٧) ومملكة يهوذا (انظر ٢أيام ص ٣٦) فيتعلم الشعب من الاختبار مرارة العصيان على الرب.

٧ – ٩ «٧ فَرَعَيْتُ غَنَمَ ٱلذَّبْحِ. لٰكِنَّهُمْ أَذَلُّ ٱلْغَنَمِ. وَأَخَذْتُ لِنَفْسِي عَصَوَيْنِ، فَسَمَّيْتُ ٱلْوَاحِدَةَ «نِعْمَةَ» وَسَمَّيْتُ ٱلأُخْرَى «حِبَالاً» وَرَعَيْتُ ٱلْغَنَمَ. ٨ وَأَبَدْتُ ٱلرُّعَاةَ ٱلثَّلاَثَةَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَضَاقَتْ نَفْسِي بِهِمْ، وَكَرِهَتْنِي أَيْضاً نَفْسُهُمْ. ٩ فَقُلْتُ: لاَ أَرْعَاكُمْ. مَنْ يَمُتْ فَلْيَمُتْ، وَمَنْ يُبَدْ فَلْيُبَدْ. وَٱلْبَقِيَّةُ فَلْيَأْكُلْ بَعْضُهَا لَحْمَ بَعْضٍ!».

ع ٤ إرميا ٣٩: ١٠ وصفينا ٣: ١٢ حزقيال ٣٧: ١٦ ع ١٠ ومزمور ٢٧: ٤ و٩٠: ١٧ ع ١٤ ومزمور ١٣٣: ١ وحزقيال ٣٧: ١٦ – ٢٣ هوشع ٥: ٧ إرميا ١٥: ٢

أَذَلُّ ٱلْغَنَمِ البعض يترجمون «تجار الغنم» هنا وفي ع ١١ فيكون المعنى أن النبي رعى غنم الذبح لأجل تجار الغنم أي كان كأجير للتجار في رعاية غنمهم وهذه الترجمة توافق القرينة (انظر ع ١١ و١٢) وعصا النعمة تدل على مواهب الله لشعبه ولا سيما حفظهم من أعدائهم. (هوشع ٢: ١٨) «أَقْطَعُ لَهُمْ عَهْداً فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مَعَ حَيَوَانِ ٱلْبَرِّيَّةِ… وَأَكْسِرُ ٱلْقَوْسَ وَٱلسَّيْفَ وَٱلْحَرْبَ» وعصا الحبال تدل على اتحاد يهوذا وإسرائيل (انظر حزقيال ٣٧: ١٥ – ١٩).

وَأَبَدْتُ (ع ٨) المتكلم هو النبي وكلامه هو كلام الرب. والأرجح أن الرعاة الثلاثة يشيرون إلى الرتب الثلاث أي الكهنة والناموسيين والقضاة والشهر الواحد يشير على مدة قليلة من الزمان مقدارها غير مذكور. لما أتى المسيح في الجسد رفضه الكهنة والناموسيين والقضاة فقال عليهم الويلات المذكورة في (متّى ٢٣ ولوقا ١١: ٣٧ – ٥٢) وبعد صلب المسيح سقطت مدينة أورشليم والهيكل والنظام القديم ولعل النبوة تمت جزئياً في ملوك يهوذا الثلاثة الذين سقطوا عن يد نبوخذناصر في سني مملكة يهوذا الأخيرة (انظر ٢أيام ٣٦: ٥ – ١٠) وتماماً لما سقطت أورشليم عن يد الرومانيين. وضاقت نفس الرب بهم مع أنه طويل الروح وكثير الرحمة. وما أعجب غباوة الشعب الذين كرهت نفسهم الرب الذي كانوا أخذوا منه كل الخيرات واختبروا محبته الفائقة وهو معلم بين ربوة. كله مشتهيات.

١٠ – ١٧ «١٠ فَأَخَذْتُ عَصَايَ «نِعْمَةَ» وَقَصَفْتُهَا لأَنْقُضَ عَهْدِي ٱلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ كُلِّ ٱلأَسْبَاطِ. ١١ فَنُقِضَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. وَهَكَذَا عَلِمَ أَذَلُّ ٱلْغَنَمِ ٱلْمُنْتَظِرُونَ لِي أَنَّهَا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ. ١٢ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَٱمْتَنِعُوا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. ١٣ فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ، ٱلثَّمَنَ ٱلْكَرِيمَ ٱلَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ. فَأَخَذْتُ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ. ١٤ ثُمَّ قَصَفْتُ عَصَايَ ٱلأُخْرَى «حِبَالاً» لأَنْقُضَ ٱلإِخَاءَ بَيْنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. ١٥ فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: خُذْ لِنَفْسِكَ بَعْدُ أَدَوَاتِ رَاعٍ أَحْمَقَ، ١٦ لأَنِّي هَئَنَذَا مُقِيمٌ رَاعِياً فِي ٱلأَرْضِ لاَ يَفْتَقِدُ ٱلْمُنْقَطِعِينَ، وَلاَ يَطْلُبُ ٱلْمُنْسَاقَ، وَلاَ يَجْبُرُ ٱلْمُنْكَسِرَ، وَلاَ يُرَبِّي ٱلْقَائِمَ. وَلَكِنْ يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلسِّمَانِ وَيَنْزِعُ أَظْلاَفَهَا. ١٧ وَيْلٌ لِلرَّاعِي ٱلْبَاطِلِ ٱلتَّارِكِ ٱلْغَنَمِ! اَلسَّيْفُ عَلَى ذِرَاعِهِ وَعَلَى عَيْنِهِ ٱلْيُمْنَى. ذِرَاعُهُ تَيْبَسُ يَبْساً وَعَيْنُهُ ٱلْيُمْنَى تَكِلُّ كُلُولاً!».

ع ٧ مزمور ٨٩: ٣٩ وإرميا ١٤: ٢١ صفنيا ٣: ١٢ و١ملوك ٥: ٦ وملاخي ٣: ٥ تكوين ٣٧: ٢٨ وخروج ٢١: ٣٢ ومتّى ٢٦: ١٥ و٢٧: ٩ و١٠ متّى ٣٧: ٢٨ متّى ٢٧: ٣ – ١٠ وأعمال ١: ١٨ و١٩ ع ٧ ع ٦ وإشعياء ٩: ٢١ ع ١٧ وإشعياء ٦: ١٠ – ١٢ إرميا ٢٣: ٢ حزقيال ٣٤: ٢ – ٦ ع ١٥ وص ١: ٢ وإرميا ٢٣: ١ إرميا ٥٠: ٣٥ – ٣٧ حزقيال ٣٠: ٢١ و٢٢ إشعياء ٢٩: ١٠ وهوشع ٤: ٥ وميخا ٣: ٦ و٧

قصف الراعي عصا النعمة علامة لنقض العهد وقطع رحمة الله وعنايته. «الأسباط» ليست أسباط إسرائيل ويهوذا فقط بل كل ممالك الأمم فإن الرب كان وعدهم أنه يقطع عهداً مع حيوان البرية… ويكسر القوس (هوشع ٢: ١٨) (انظر ع ٧ وتفسيره). ولكنه يقول هنا إنه ينقض هذا العهد فلا يحامي عنهم فيما بعد ولا يمنع الشعوب عن محاربة إسرائيل. ونقض العهد ليس من الرب بل منهم فنقضوا هم العهد بعصيانهم.

وَهَكَذَا عَلِمَ أَذَلُّ ٱلْغَنَمِ (ع ١١) أي تجار الغنم (انظر ع ٧ وتفسيره) فعلم تجار الغنم السامعون له أنها كلمة الرب فقال لهم أعطوني أجرتي لأنهم أظهروا أنهم ليسوا راضين بخدمته فقصد تركهم وترك رعاية غنمهم وقال لهم أعطوني أجرتي (ع ١٢) والأجرة ثلاثون من الفضة أي نحو أربع ليرات إنكليزية وهي ثمن عبد (انظر خروج ٢١: ٣٢ وهوشع ٣: ٢) ودفعوا هذا الثمن البخس علامة لاحتقارهم. وقال له الرب أن يلقيها إلى الفخاري ولعل الفخاري كان حاضراً في بيت الرب بالرؤيا وربما ألقاها للفخاري لأن الفخار أرخص المواد. وكان ذلك في بيت الرب لأن الراعي كان رمزاً عن الرب الراعي الصالح فيليق به أن يلقي أجرته في بيت سيده. وقيل «الثمن الكريم» تهكماً. (انظر متّى ٢٧: ٥ – ١٠) قال متّى «ما قيل بإرميا النبي» والأرجح أن الغلط كان من ناسخ قديم.

لأَنْقُضَ ٱلإِخَاءَ (ع ١٤) فنُقضت كل الرُبط السياسية والدينية والاجتماعية فصارت أمة اليهود فريسة لأعدائهم وهم اليوم مشتتون في كل العالم بلا ملك وبلا هيكل وبلا رابط.

رَاعٍ أَحْمَقَ (ع ١٥) كان النبي أولاً رمزاً عن المسيح الراعي الصالح ثم صار رمزاً إلى راع أحمق وهو ضد المسيح والأحمق هو الشرير وكل شرير أحمق. والراعي الأحمق يتلاشى قطيعه ويخسر نفسه. وهنا يشير إلى جميع الذين ظلموا شعب اليهود كرؤسائهم والكهنة. والكتبة وحكامهم. والرب سلم شعبه لهؤلاء لأنهم رفضوا الراعي الصالح واختاروا رعاة حمقى.

يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلسِّمَانِ (ع ١٦) الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف وأما الراعي الأحمق فيتلفهم ليطعم نفسه وينزع أظلافهم أي يلاشيهم تماماً أو يسوقهم في أماكن محجرة فينتزع أظلافهم.

وَيْلٌ لِلرَّاعِي ٱلْبَاطِلِ (ع ١٧) عقابه كخطيته. «كان يجب أن يحامي عن الخراف بذراعه فيكون السيف على ذراعه. كان يجب أن تكون عينه على الخراف فتكل عينه اليمنى». وهو راع باطل «لا يفتقد… لا يطلب… لا يجبر… لا يربي» أي الراعي الذي لا يعمل شيئاً هو راع شرير (انظر حزقيال ص ٣٤).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى