سفر صفنيا | 02 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صفنيا
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
١ – ٣ «١ تَجَمَّعِي وَٱجْتَمِعِي يَا أَيَّتُهَا ٱلأُمَّةُ غَيْرُ ٱلْمُسْتَحِيَةِ. ٢ قَبْلَ وِلاَدَةِ ٱلْقَضَاءِ. كَٱلْعُصَافَةِ عَبَرَ ٱلْيَوْمُ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ حُمُوُّ غَضَبِ ٱلرَّبِّ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ يَوْمُ سَخَطِ ٱلرَّبِّ. ٣ اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ بَائِسِي ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا حُكْمَهُ. ٱطْلُبُوا ٱلْبِرَّ. ٱطْلُبُوا ٱلتَّوَاضُعَ. لَعَلَّكُمْ تُسْتَرُونَ فِي يَوْمِ سَخَطِ ٱلرَّبِّ».
٢أيام ٢٠: ٤ ويوئيل ١: ١٤ إرميا ٣: ٣ و٦: ١٥ ص ٣: ٨ و٢ملوك ٢٣: ٢٧ إشعياء ١٧: ١٣ وهوشع ١٣: ٣ مراثي ٤: ١١ وناحوم ١: ٦ ص ١: ١٨ مزمور ١٠٥: ٤ و عاموس ٥: ٦ مزمور ٢٢: ٢٦ وإشعياء ١١: ٤ عاموس ٥: ١٤ و١٥ مزمور ٥٧: ١ و إشعياء ٢٦: ٢٠
تَجَمَّعِي معنى الكلمة الحرفي جمع القش والتبن (انظر خروج ٥: ٧) والمعنى المجازي جمع الأفكار وامتحان النفس والانتباه. وتكرار الكلمة «تجمعي واجتمعي» هو للتشديد. وغاية النبي حثهم على التوبة والرجوع إلى الرب لعلهم كانوا تأثروا من كلامه السابق ويتأثرون من كلامه الآتي في «ولادة القضاء» على كل الأرض فينجون من إتمام التهديدات لأن تهديدات الرب كمواعيده تحت شرط وإذا رجع الأشرار عن خطاياهم يصفح الرب عنهم فلا تأتيهم التهديدات.
ٱلأُمَّةُ غَيْرُ ٱلْمُسْتَحِيَةِ أي اليهود. قال إرميا (٦: ١٥) «هَلْ خَزُوا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا رِجْساً؟ بَلْ لَمْ يَخْزَوْا خِزْياً وَلَمْ يَعْرِفُوا ٱلْخَجَلَ. لِذٰلِكَ يَسْقُطُونَ بَيْنَ ٱلسَّاقِطِينَ». وعدم الخجل دليل على عدم الحياة الروحية وهم أموات بالذنوب والخطايا.
قَبْلَ وِلاَدَةِ ٱلْقَضَاءِ (ع ٢) أي قضاء الله بإهلاك الأمم وشعبه. ووقت إتمام القضاء قد حضر والفرصة للتوبة ستعبر كالعاصف وشعب الله كالعصافة أمامه فيطلب إليهم النبي أن يتصالحوا مع الله ما دام لهم الفرصة.
جَمِيعَ بَائِسِي ٱلأَرْضِ (ع ٣) كثيرون من شعب الله هم من البائسين والمحتقرين عند الناس كما رنمت مريم (لوقا ١: ٥٢) «أَنْزَلَ ٱلأَعِزَّاءَ عَنِ ٱلْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ ٱلْمُتَّضِعِينَ» وليس البائسون كلهم من فقراء العالم لأن بعض الأغنياء في المال هم من المساكين بالروح الذين لهم ملكوت السموات.
لَعَلَّكُمْ تُسْتَرُونَ انظر إشعياء ٢٦: ٢٠ «هَلُمَّ يَا شَعْبِي ٱدْخُلْ مَخَادِعَكَ وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. ٱخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ ٱلْغَضَبُ» دعا النبي الجميع إلى الرب والبعض منهم آمنوا ونجوا في يوم الخراب وسني السبي.
٤ – ٧ «٤ لأَنَّ غَزَّةَ تَكُونُ مَتْرُوكَةً، وَأَشْقَلُونَ لِلْخَرَابِ. أَشْدُودُ عِنْدَ ٱلظَّهِيرَةِ يَطْرُدُونَهَا، وَعَقْرُونُ تُسْتَأْصَلُ. ٥ وَيْلٌ لِسُكَّانِ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ أُمَّةِ ٱلْكِرِيتِيِّينَ. كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ: يَا كَنْعَانُ أَرْضَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِنِّي أَخْرِبُكِ بِلاَ سَاكِنٍ. ٦ وَيَكُونُ سَاحِلُ ٱلْبَحْرِ مَرْعىً بِآبَارٍ لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرَ لِلْغَنَمِ. ٧ وَيَكُونُ ٱلسَّاحِلُ لِبَقِيَّةِ بَيْتِ يَهُوذَا. عَلَيْهِ يَرْعَوْنَ. فِي بُيُوتِ أَشْقَلُونَ عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَرْبُضُونَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمْ يَتَعَهَّدُهُمْ وَيَرُدُّ سَبْيَهُمْ».
عاموس ١: ٧ و٨ وزكريا ٩: ٥ – ٧ حزقيال ٢٥: ١٦ عاموس ٣: ١ ص ١: ١١ إشعياء ١٤: ٢٩ و٣٠ ص ٣: ٦ إشعياء ٧: ٢٥ إشعياء ١١: ١٤ وإرميا ٣٢: ٤٤ إشعياء ٣٢: ١٤ خروج ٤: ٣١ ومزمور ٨٠: ١٤ ص ٣: ٢٠ ومزمور ١٢٦: ٤
ذكر أحكام الرب على الأمم الوثنية وأولاً ذكر أربع مدن من مدن الفلسطينيين وترك مدينة جت ولعلها خربت قبل تاريخ النبوة.
غَزَّةَ تَكُونُ مَتْرُوكَةً أي تُخلى من سكانها.
أَشْدُودُ عِنْدَ ٱلظَّهِيرَةِ يَطْرُدُونَهَا أي بغتة (انظر إرميا ١٥: ٨) «نَاهِباً فِي ٱلظَّهِيرَةِ. أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا بَغْتَةً رَعْدَةً» ولعلهم استنظروا هجوم العدو ليلاً. أو أن العدو فتح المدينة بسهولة ودام القتال أقل من نهار كامل فانتهى عند الظهيرة.
ٱلْكِرِيتِيِّينَ (ع ٥) أي الفلسطينيين (انظر ١صموئيل ٣٠: ١٤) نسبة إلى جزيرة كريت. وفي عاموس ٩: ٧ «كفتور» والظاهر أن كفتور اسم آخر لجزيرة كريت (انظر تثنية ٢: ٢٣) والكلمة «كنعان» تُستعمل أيضاً بمعنى «تاجر» وقول النبي إن التاجر ستخرب تجارته لأن الأرض تصير بلا ساكن.
وَيَكُونُ سَاحِلُ ٱلْبَحْرِ مَرْعىً الخ (ع ٦) ذلك الساحل الذي خرج منه جيوش الفلسطينيين ليحاربوا الحروب وتأتي الراحة والسلام ويكون هذا الساحل لبيت يهوذا ولم تتم هذه النبوة وربما لن تتم حرفياً. وأما المعنى فهو أن الحروب ستبطل والطمع يتلاشى ويمتد إنجيل المسيح وأعداء شعب الله ينضمون إليهم وأملاكهم تتكرس لخدمة الله.
٨ – ١١ «٨ قَدْ سَمِعْتُ تَعْيِيرَ مُوآبَ وَتَجَادِيفَ بَنِي عَمُّونَ ٱلَّتِي بِهَا عَيَّرُوا شَعْبِي، وَتَعَظَّمُوا عَلَى تُخُمِهِمْ. ٩ فَلِذٰلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ، إِنَّ مُوآبَ تَكُونُ كَسَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ كَعَمُورَةَ، مِلْكَ ٱلْقَرِيصِ، وَحُفْرَةَ مِلْحٍ، وَخَرَاباً إِلَى ٱلأَبَدِ. تَنْهَبُهُمْ بَقِيَّةُ شَعْبِي، وَبَقِيَّةُ أُمَّتِي تَمْتَلِكُهُمْ. ١٠ هٰذَا لَهُمْ عِوَضَ تَكَبُّرِهِمْ، لأَنَّهُمْ عَيَّرُوا وَتَعَظَّمُوا عَلَى شَعْبِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ. ١١ ٱلرَّبُّ مُخِيفٌ إِلَيْهِمْ، لأَنَّهُ يُهْزِلُ جَمِيعَ آلِهَةِ ٱلأَرْضِ، فَسَيَسْجُدُ لَهُ ٱلنَّاسُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ، كُلُّ جَزَائِرِ ٱلأُمَمِ».
حزقيال ٢٥: ٨ حزقيال ٢٥: ٣ عاموس ١: ١٣ إشعياء ١٥: ١ – ١٦: ١٤ وإرميا ٤٨: ١ – ٤٧ وعاموس ٢: ١ – ٣ إرميا ٤٩: ١ – ٦ وحزقيال ٢٥: ١ – ٧ تثنية ٢٩: ٢٣ إشعياء ١١: ١٤ إشعياء ١٦: ٦ ع ٨ يوئيل ٢: ١١ ص ١: ٤ ص ٣: ٩ ومزمور ٧٢: ٨ – ١١ إشعياء ٢٤: ١٥
تَعْيِيرَ مُوآبَ (انظر ٢صموئيل ١٠: ١ – ٥ وإشعياء ١٦: ٦ و٢٥: ١١ وإرميا ٤٨: ٢٦ – ٣٠).
تَجَادِيفَ بَنِي عَمُّونَ (انظر حزقيال ٢١: ٢٨).
تَعَظَّمُوا عَلَى تُخُمِهِمْ أي بنو عمون تعدّوا على تخم إسرائيل لكي يوسعوا تخمهم (انظر عاموس ١: ١٣ إرميا ٤٩: ١) وكان موآب أيضاً تعدّى على تخم إسرائيل فوقعت اللعنة عليه عند خرابهما عن يد الكلدانيين والفرس والرومانيين ولم تزل اللعنة عليهما إلى أيامنا هذه.
تَكُونُ كَسَدُومَ (ع ٩) كان موآب على شط بحر لوط الشرقي وموقع سدوم وعمورة كان جنوبي البحر وتسلسل موآب وعمون من لوط الذي سكن سدوم ونجا منها بنعمة الرب (انظر تكوين ١٩: ٣٧ و٣٨) ويوجد اليوم عند بحر لوط حفر ملح كثيرة (انظر تثنية ٢٩: ٢٣) «كِبْرِيتٌ وَمِلْحٌ، كُلُّ أَرْضِهَا حَرِيقٌ، لاَ تُزْرَعُ وَلاَ تُنْبِتُ وَلاَ يَطْلُعُ فِيهَا عُشْبٌ مَا، كَٱنْقِلاَبِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ ٱلَّتِي قَلَبَهَا ٱلرَّبُّ بِغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ».
تَنْهَبُهُمْ بَقِيَّةُ شَعْبِي تكون أرض موآب وعمون خراباً إلى الأبد وأما أهلها فلبني إسرائيل عبيداً (إشعياء ١٤: ٢) «يَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ ٱلرَّبِّ عَبِيداً وَإِمَاءً، وَيَسْبُونَ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى ظَالِمِيهِمْ» ولا تتم هذه النبوة حرفياً بل بالمعنى أنه بالآخر ينتصر الحق على البطل وعبادة الرب على عبادة الأصنام وتنضم الأمم إلى شعب الله.
يُهْزِلُ جَمِيعَ آلِهَةِ ٱلأَرْضِ (ع ١١) لأن عبدتها سيتركونها ولا يقدمون لها تقدمات. وعند امتداد عبادة الرب في كل الأرض لا يلزم حضور كل الأمم إلى أورشليم بل يسجد له الناس كل واحد في مكانه (انظر ملاخي ١: ١١) «لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ٱسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لٱسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ ٱسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ» و «الجزائر» تشير إلى البلدان البعيدة في عبر البحر.
١٢ – ١٥ «١٢ وَأَنْتُمْ يَا أَيُّهَا ٱلْكُوشِيُّونَ. قَتْلَى سَيْفِي هُمْ. ١٣ وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى ٱلشِّمَالِ وَيُبِيدُ أَشُّورَ، وَيَجْعَلُ نِينَوَى خَرَاباً يَابِسَةً كَٱلْقَفْرِ. ١٤ فَتَرْبُضُ فِي وَسَطِهَا ٱلْقُطْعَانُ، كُلُّ طَوَائِفِ ٱلْحَيَوَانِ. اَلْقُوقُ أَيْضاً وَٱلْقُنْفُذُ يَأْوِيَانِ إِلَى تِيجَانِ عُمُدِهَا. صَوْتٌ يَنْعِبُ فِي ٱلْكُوَى. خَرَابٌ عَلَى ٱلأَعْتَابِ. لأَنَّهُ قَدْ تَعَرَّى أَرْزِيُّهَا. ١٥ هٰذِهِ هِيَ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْمُبْتَهِجَةُ ٱلسَّاكِنَةُ مُطْمَئِنَّةً ٱلْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي. كَيْفَ صَارَتْ خَرَاباً، مَرْبِضاً لِلْحَيَوَانِ! كُلُّ عَابِرٍ بِهَا يَصْفِرُ وَيَهُزُّ يَدَهُ».
إشعياء ٢٠: ٤ و٥ وحزقيال ٣٠: ٤ – ٩ ص ١: ٤ وإشعياء ١٤: ٢٦ إشعياء ١٠: ١٢ و١٦ وميخا ٥: ٦ ناحوم ٣: ٧ إشعياء ١٤: ٢٣ و٣٤: ١ – ١٥ إشعياء ٢٢: ٢ إشعياء ٣٢: ٩ و١١ و٤٧: ٨ إشعياء ٤٧: ٨ وحزقيال ٢٨: ٢ و٩ إشعياء ٣٢: ١٤ إرميا ١٨: ١٦ و١٩: ٨
الكوش بلاد إلى جنوبي مصر على نوبيا والسودان وأحياناً تُطلق على كل إفريقيا الواقعة جنوبي مصر. وهذه الأحكام على كوش مذكورة في (حزقيال ٣٠: ٤ و٩) وبداية رجوع كوش إلى الرب مذكورة في (أعمال ٨: ٢٧ – ٣٨).
وفي تاريخ هذه النبوة كانت أشور المملكة العظمى في العالم وهي مملكة مقاومة لملكوت الله. وقيل «على الشمال» لأن أشور مع أنها في الشرق كان الطريق إليها من اليهودية أولاً إلى الشمال بين لبنان الغربي ولبنان الشرقي إلى حلب ثم للشرق. وخراب نينوى التام يظهر من القول إن «تيجان عمدها» التي كانت تفتخر فيها تصير مأوى للطيور والوحوش ومن كواها التي تطلع منه الملوك والسيدات يُسمع صوت عصافير برية كما من أشجار الوعر. والخراب على الأعتاب (ع ١٤) لأن لا أحد يدخل أو يخرج. وتعرّى أرزيها أي ألواح من الأرز التي كانت الحيطان مغشاة بها.
ٱلْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي (ع ١٥) قول يدل على الكبرياء والكفر وهكذا قال ملك بابل أيضاً (انظر دانيال ٤: ٣٠) وهزّ اليد علامة الاحتقار كالقول اذهب عني.
صوّر مدينة نينوى كما كانت في عزها مدينة عظيمة ومجموع فيها كنوز العالم ومبتهجة ومحصنة ومطمئنة وجيشها أعظم ما يكون في العالم وقد حاربت وغزت العالم كله وتسلطت على إسرائيل نحو مئة سنة. ثم صوّرها بعد خرابها وأسوارها وقصورها وحصونها وهياكلها خربة. وخربها بلا سكان وصارت مأوى للوحوش. هكذا يزول مجد العالم وغناه وأما ملكوت الله فإلى الأبد. قال يسوع لتلاميذه «أنتم ملح الأرض» وهذا الملح هو ما يحفظ الشعوب من الفساد والخراب.
السابق |
التالي |